الاستعداد للمستقبل: آليات تتيح للشركات الأمريكية تعزيز مرونتها وتجاوز الانكماش الاقتصادي وتحقيق الازدهار خلال دورة الأعمال التالية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

16 سبتمبر 2022

أظهر الاقتصاد الأمريكي منذ مقالتنا الصادرة بتاريخ 28 يوليو الماضي عددًا من المؤشرات المتباينة. ويُذكر من أبرز المؤشرات الإيجابية تغيّر مسار الناتج المحلي الإجمالي ليتخذ منحىً تصاعديًا خلال الربع الثاني من العام، وارتفاع مستوى ثقة المستهلكين، وزيادة أرباح الشركات خلال الربع الثاني من العام (والتي ارتفعت بنسبة 6.1% خلال الربع الثاني بعد تراجعها بنسبة 2.2% خلال الربع الأول). يُضاف إلى هذه العوامل التراجع الطفيف في مستويات التضخم الرئيسية والأساسية، وإصدار اثنين من اللوائح التنظيمية المهمة (قانون الحد من التضخم، والأمر التنفيذي الذي ينص على إعفاء جزئي للقروض الطلابية) بهدف مساعدة الشركات والعائلات الأمريكية على تجاوز تأثيرات التضخم.

ولكن لم يكن الواقع إيجابيًا بالكامل. فقد أشار استبيان أُجري في شهر أغسطس الماضي، وشمل مجموعة من الرؤساء التنفيذيين، إلى أن 81% من قادة الشركات يتوقعون حدوث ركود اقتصادي. وعلى الرغم من النمو الإيجابي للناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام، إلا أن تراجعه بنسبة 0.6% يتماشى تمامًا مع سيناريو الاتجاه الهبوطي الذي توقعه معهد ماكنزي العالمي. ويبين التقرير الأحدث حول فرص العمل بأن سوق العمل لاتزال نشطةً، ولا سيما مع انضمام المزيد من الموظفين إلى القوى العاملة، ما يمثل مؤشرًا إيجابيًا وسلبيًا في نفس الوقت. إذ يسهم توافر المزيد من الموظفين في التخفيف من النقص الحاصل في اليد العاملة، ولكنه يؤدي أيضًا إلى ارتفاع مستويات الطلب، مما يؤدي إلى زيادة التضخم. علاوة على ذلك، يشير أحدث مؤشرات أسعار المستهلكين، الصادر عن مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة، إلى ارتفاع مستويات التضخم. ويمكن الحصول على لمحة وافية حول آخر الأخبار الاقتصادية المتعلقة بالولايات المتحدة والعالم من خلال "الملخص التنفيذي حول المستجدات الاقتصادية العالمية في أغسطس 2022".

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وثمة توجه واحد يحافظ على وضوحه في ظل حالة انعدام اليقين السائدة، والذي يتمثل بالتزام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بمحاربة التضخم باستخدام جميع الأدوات التي يمتلكها، والتي تشمل رفع أسعار الفائدة "إجراءات التشديد الكمي". وفي هذا السياق، قال جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إن "التركيز ينصب حاليًا على تخفيض معدلات التضخم إلى المستوى الذي نستهدفه والبالغ 2%. ويمثّل الحفاظ على استقرار الأسعار أحد مسؤوليات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والركيزة الأساسية التي يقوم عليها اقتصادنا. وبدون استقرار الأسعار، لا يمكن للاقتصاد أن يعود بالنفع على أحد".

وقد يسهم هذا الالتزام والوضوح من جانب الاحتياطي الفيدرالي في طمأنة المسؤولين التنفيذيين. ولكن حجم الجهود الواجب بذلها ما يزال غير واضح بالنسبة للجميع، إذ يمكن أن يستغرق تحقيق مستوى التضخم الذي ينشده الفيدرالي أعوامًا طويلة. وفي هذا الإطار، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار تصريحات رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك التي قال فيها: "أعتقد أن توقعات التضخم ثابتة. وسبق لنا وأن أكدنا مرارًا على التزامنا بتحقيق هدفنا المتمثل بتخفيض مستوى التضخم إلى 2%... ونحن واضحون جدًا تجاه تحقيق هذا الهدف... ولكن نمر حاليًا بظروف صعبة، ونشهد مستويات مرتفعة من التضخم. ويواجه الاقتصاد كما أشرت سابقًا توجهات متضاربة. وأعتقد أن تحقيق هدفنا سيستغرق أعوامًا طويلة، ولكننا سنحققه بكل تأكيد".

ما الذي يعنيه هذا الواقع بالنسبة للشركات الأمريكية؟ من المرجح أن يدخل القطاع الخاص مرحلة جديدة تكون فيها أسعار الفائدة وتكاليف رأس المال مرتفعة لفترة أطول. ولكن رغم التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار الفائدة، إلا أنها تسهم في تعزيز الثقة والوضوح والحد من حالة انعدام اليقين. ويتعين على الشركات اليوم الاعتماد على القواعد الأساسية لتحقيق النجاح في ظل تباطؤ معدلات النمو العالمية، وارتفاع مستويات التضخم وتكاليف رأس المال. وتمثّل هذه المعطيات تحولًا كبيرًا بالمقارنة مع الأشهر القليلة الماضية، عندما كان يتعين على الفرق الإدارية المسارعة إلى حل المشكلات والأزمات المتلاحقة، مثل ارتفاع تكاليف المواد الخام وتكاليف العمالة. وكما أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذه المهمة لن تكون سهلةً، لأن الانتقال إلى بيئة عمل ترتفع فيها الفوائد وتكاليف رأس المال "سيؤدي إلى ظهور بعض التحديات أمام المستهلكين والشركات".

وتسلط هذه المقالة الضوء على اثنين من الدراسات البحثية الصادرة عن ماكنزي (تركّز إحداهما على المستهلكين والأخرى على الشركات)، واللتين توضحان تأثيرات سلوكيات المستهلكين على أرباح الشركات واحتمال استمرارها في ذلك. ونختتم هذه المقالة ببعض الملاحظات المستمدة من الواقع حول الأداء الحالي للشركات، ونقدم أربع استراتيجيات يمكنها مساعدة الشركات على تحقيق الازدهار في بيئة عمل ترتفع فيها أسعار الفائدة لفترة طويلة.

فائدة أعلى ولمدة أطول: مخاطر التضخم الراسخ

إلى أي مدى سترتفع معدلات الفائدة؟ وإلى متى ستستمر؟ بدايةً، استنتجنا من خلال تعاوننا مع مئات الشركات في الولايات المتحدة بأن قيمة الرفع القادم لأسعار الفائدة ينبغي ألا يمثل مصدر قلق بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في الشركات؛ وإنما يتعين عليهم التركيز بشكل أكبر على الأسعار النهائية التي ستستقر عليها الفائدة، ومدة هذا الاستقرار، لأنه من غير المرجح أن تكون هذه الإجراءات قصيرة الأمد. وتشير توقعات معظم المحللين الاقتصاديين حاليًا إلى إمكانية وصول معدل الإقراض الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي إلى نحو 4% أو أعلى بقليل، وهو معدل يساوي أسعار فائدة أساسية تبلغ نسبتها حوالي 7%.

أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني المتعلق بمدة رفع أسعار الفائدة، فيوفر لنا التاريخ بعض الدروس المهمة. ويشير الباحث "آلان بلايندر" من جامعة "برنستون" إلى أنه من بين أصل 11 جولة تشديد كمي أجراها الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 1965، استمرت جولة واحدة فقط لمدة ثلاثة أعوام، في حين استمرت جولة واحدة فقط لمدة تقل عن عام واحد، بينما استمرت جميع الجولات الأخرى لمدة تتراوح من عام واحد إلى ثلاثة أعوام. وأدت جميع هذه الجولات، باستثناء ثلاث منها، إلى حدوث ركود اقتصادي، بينما نجحت جولة واحدة فقط في تحقيق ما أطلق عليه "بلايندر" مصطلح الهبوط السلس المثالي.

ولا شك أن الفارق كبير جدًا بين عام واحد وثلاثة أو أربعة أعوام. ولكن الفرق الأساسي بين الحلول السريعة وطويلة الأمد يكمن في الدرجة التي تجعل التضخم واقعًا مترسخًا لدى المستهلكين وقادة الأعمال. وتشير دراستان بحثيتان جديدتان من ماكنزي إلى التحديات التي تواجهها بعض الشركات في بيئة عمل ترتفع فيها أسعار الفائدة لمدة طويلة.

المستهلكون: تضخم واسع النطاق

قمنا بإجراء استبيان شمل 4 آلاف مستهلك في الولايات المتحدة خلال شهر يوليو الماضي، والذين أشاروا إلى شعورهم بالقلق من البداية السريعة للتضخم (الشكل 1).

1
Something’s coming: How US companies can build resilience, survive a downturn, and thrive in the next cycle Arabic version

ولم تعد حالة الصدمة التي أصابت المستهلكين مثيرة للاستغراب. فبالنظر إلى المقاييس واسعة النطاق لإنفاق المستهلكين على السلع والخدمات، يمكننا ملاحظة انتشار كبير للتضخم على مدى الأشهر الـ 12 الماضية، حيث ارتفعت الأسعار ضمن أكثر من 90% من فئات المنتجات، وهو معدل انتشار لم نشهده منذ سبعينيات القرن الماضي (الشكل 2).

2
Something’s coming: How US companies can build resilience, survive a downturn, and thrive in the next cycle Arabic version

ولا تقتصر تأثيرات هذا الواقع على ظهور تحديات جديدة فحسب، بل يشير زملاؤنا أيضًا في استبيان آراء المستهلكين الذي صدر مؤخرًا، إلى إمكانية أن يدفع ارتفاع التضخم المستهلكين لوضع تصورات تتجاوز المعدلات الحقيقية. وتتمثل إحدى التأثيرات المحتملة لهذه الحقائق والتصورات في إمكانية أن يصبح التضخم راسخًا في توقعات المستهلكين، وهذا بالتحديد ما يسعى مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تجنبه.

وبشكل عام، تعتبر هذه النظرة مثيرة للقلق. وقد شهدنا ارتفاعًا طفيفًا في معنويات المستهلكين في شهر أغسطس، ولكنها تبقى عند أدنى مستوى لها على الإطلاق (الشكل 3).

3
Something’s coming: How US companies can build resilience, survive a downturn, and thrive in the next cycle Arabic version

الشركات: نظرة مستقبلية على الأرباح

كانت التأثيرات السلبية لسلوكيات المستهلكين واضحة في نتائج أرباح الشركات خلال الربع الثاني من هذا العام، ولا سيما في القطاعات التي تتطلب تعاملًا مباشرًا مع العملاء. وبهدف رسم ملامح المرحلة المقبلة، قمنا بدراسة أحدث تقديرات محللي الأسهم المتعلقة بالعوائد والأرباح لكامل العام 2022، ومقارنتها مع تقديراتهم الصادرة مع بداية هذا العام (الشكل 4). ووجدنا على صعيد العوائد بأن التحليلات تتخذ اتجاهًا مستقرًا بشكل وسطي (ارتفاع أسعار المواد والسلع، وتراجع عوائد الشركات المتخصصة بالسلع الاستهلاكية). ويتناول المحللون هذا الموضوع من ناحية القيمة الاسمية (دون تعديل النتائج لتتماشى مع التضخم)، ولذا فإن هذا التوجه ينطبق أيضًا على الكثير من القطاعات الأخرى، وقد يرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع تكاليف التضخم مقابل الانخفاضات في الحجم.

أما على صعيد الأرباح، فيبدو المشهد أكثر سوداوية. إذ تشير تقديرات المحللين بشكل وسطي إلى تراجع مستويات الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين في جميع القطاعات باستثناء عدد قليل منها. ووفقًا لتوقعات المحللين، لن تقتصر المصاعب على الشركات التي تتعامل مع المستهلكين بشكل مباشر، وإنما ستمتد أيضًا لتشمل معظم القطاعات الأخرى. ومما يزيد الأمور سوءًا هو أن عمليات قياس الأرباح هذه لا تأخذ بالحسبان التكاليف المرتفعة للاقتراض.

4
How US companies can build Arabic version

العمليات التشغيلية في ظل ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة

شهدنا قيام الشركات باتخاذ الكثير من الإجراءات قصيرة المدى التي أشار إليها زملاؤنا في الدليل الإرشادي الخاص بالتضخم. وتضم قائمة الإجراءات الأكثر شيوعًا تعديل الأسعار وإدارة تكاليف مستلزمات الإنتاج المطلوبة، كما تقوم بعض الشركات باتخاذ إجراءات ترمي للحد من النفقات التشغيلية. ورغم أن هذه الإجراءات قصيرة المدى يمكن أن تساعد الكثير من الشركات، ولكنها منهجية تقوم على حل المشكلات بعد ظهورها، بدلًا من اتباع الإجراءات الوقائية لتجنب وقوعها. ويتعين على الشركات في ظل ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة البحث عن حلول هيكلية أفضل، بالإضافة إلى تعزيز مرونتها لتحقيق قيمة طويلة الأمد. ونقدم فيما يلي أربعة مواضيع يمكن لقادة الشركات أخذها بعين الاعتبار، والتي تشكل بحد ذاتها برنامجًا مليئًا بالتحديات يتطلب من القادة إرساء نقاط قوة جديدة لشركاتهم بما يتيح لها مواصلة العمل والنمو؛ كما أن نتائجها الإيجابية الكبيرة تستحق جميع الجهود والاستثمارات المبذولة.

النمو: خيار ضروري. يشكل النمو أولوية قصوى بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين، ولكنه يبقى هدفًا صعب التحقيق بالنسبة للكثيرين. ويخفق حوالي ربع الشركات في تحقيق النمو، ويعود ذلك في معظم الأحيان إلى عدم بحث قادة الشركات عن فرص النمو ومبالغتهم في إجراءات التحوط، ليقتصر تركيزهم على عدد قليل من مبادرات النمو. وأدى التضخم وارتفاع تكاليف رأس المال إلى زيادة صعوبة تحديد المجالات المناسبة للاستثمار. ويكتسب اتباع منهجية منظمة للنمو أهمية كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

ويتميز المسؤولون التنفيذيون المتمرسون بقدرة عالية على كسر حالة الجمود في الشركات من خلال جعل النمو في مقدمة أولوياتهم، وهو خيار يساعدهم على بلورة سلوكيات العمل وأنماط التفكير والرغبة بالمجازفة والقرارات الاستثمارية في مؤسساتهم. ويبين بحثنا أن القادة الذين يسعون إلى تحقيق النمو يحرصون على اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة الاضطرابات قصيرة الأمد وتحويلها إلى فرص مُجدية، وهو ما يُعرف اصطلاحًا "بالاضطرابات في الوقت المناسب"، بالإضافة إلى تعزيز مرونة الشركات في الاستجابة للتغييرات واغتنام الاضطرابات. وتعد بيئة العمل ذات أسعار الفائدة المرتفعة لفترة طويلة خيارًا مثاليًا لاغتنام هذه الفرص المجدية وتحقيق النمو، وهي فرص تنجح الشركات الرائدة في تحديدها والاستفادة منها.

المواهب: ردم فجوة الطلب. تواصل الكثير من الشركات عمليات التوظيف على الرغم من بيئة العمل غير المواتية. ولكن يشير بحثنا إلى تراجع أعداد المواهب في الكثير من القطاعات، بالتزامن مع استقالة الموظفين لدخول قطاعات جديدة، أو بهدف اغتنام فرص وظيفية غير تقليدية مثل العمل في مجال الخدمات المستقلة أو بغرض الخروج بشكل كامل من القوى العاملة. وثمة نقص كبير في الموظفين المتمرسين بمجال التكنولوجيا الرقمية، حيث أشار حوالي 90% من كبار المسؤولين التنفيذيين في الاستبيان الذي أجريناه مؤخرًا إلى عدم كفاية المهارات الرقمية في مؤسساتهم.

وتتبع الشركات الرائدة عددًا من المنهجيات لتعزيز قوتها العاملة، حيث يسعى الكثير منها إلى تحفيز موظفيها من خلال تكليفهم بمهام عمل أكثر جدوى، ومنحهم فرصًا أفضل لتحقيق التقدم الوظيفي. ويتم اتباع هذه المنهجيات عادة بالتوازي مع توفير التدريب على المهارات التي يصعب على الشركات العثور عليها. وتختار بعض الشركات عدم التركيز (أو تجاهل) على متطلبات التعليم والخبرات ذات الصلة، وتعيين موظفين من خلفيات مهنية غير مألوفة، مثل المختصين بقطاعات أخرى أو تخصصات قريبة من التخصصات اللازمة، أو الخريجين من جامعات وكليات لا تتمتع بشهرة كبيرة، شريطة أن يكونوا على أتم استعداد للتعلم. كما نشهد قيام الشركات بتبسيط عمليات التعيين وإثراء تجارب المرشحين للعمل بهدف جذب المزيد من المتقدمين وزيادة معدلات التوظيف. تواصل الكثير من الشركات عمليات التوظيف على الرغم من بيئة العمل غير المواتية. ولكن يشير بحثنا إلى تراجع أعداد المواهب في الكثير من القطاعات، بالتزامن مع استقالة الموظفين لدخول قطاعات جديدة، أو بهدف اغتنام فرص وظيفية غير تقليدية مثل العمل في مجال الخدمات المستقلة أو بغرض الخروج بشكل كامل من القوى العاملة. وثمة نقص كبير في الموظفين المتمرسين بمجال التكنولوجيا الرقمية، حيث أشار حوالي 90% من كبار المسؤولين التنفيذيين في الاستبيان الذي أجريناه مؤخرًا إلى عدم كفاية المهارات الرقمية في مؤسساتهم.

تبين الأدلة أيضًا أن تحسين العوامل النفسية للموظفين في أماكن العمل يمكن أن يحقق نتائج تتجاوز توقعات أصحاب العمل. وتشير استبيانات ماكنزي التي شملت المدراء والموظفين إلى أن أصحاب العمل غالبًا ما يخفقون في فهم الأسباب التي تدفع الموظفين لترك العمل. إذ يميل أصحاب العمل على وجه التحديد إلى المبالغة في أهمية العوامل المتعلقة بـ "المعاملات"، مثل الأجور والتطور الوظيفي، والتقليل من أهمية العوامل المتعلقة بـ "علاقتهم بموظفيهم"، مثل الشعور بالتقدير من جانب المدراء والمؤسسة، والإحساس بالثقة تجاه زملائهم، والشعور بالانتماء، وتوافر جداول عمل مرنة - والتي تشكّل العوامل الأكثر أهمية بالنسبة إلى الموظفين. ويمكن للشركات التي تنجح ببناء هذا النوع من التواصل الهادف مع موظفيها تحقيق مستويات أعلى من التناغم والمرونة التنظيمية.

الاستدامة: البقاء على المسار الصحيح. يترافق التباطؤ الاقتصادي عادة مع ضغوط شديدة على الهوامش الربحية، وارتفاع حاد في تكاليف رأس المال، فهل يتعين على الشركات الاستثمار في مجال الاستدامة؟ الإجابة هي نعم. إذ يمكن للاستدامة أن تساعد الشركات على تعزيز المرونة وخفض التكاليف وتوفير قيمة مضافة في ظل القيود الاقتصادية التي تعيشها بيئة العمل.

ويمكن للشركات في القطاعات التي يصعب إنجاز الانتقال فيها نحو الحياد المناخي حماية أعمالها الأساسية من خلال تعزيز المرونة في مواجهة المخاطر المرتبطة بتسريع الانتقال نحو الحياد المناخي. ويسهم تحديد التكلفة الدقيقة لتقلبات أسعار الوقود الأحفوري القائمة في جعل الاستثمارات بمجال الاستدامة أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية. بينما يساعد الانتقال إلى الأصول ومحافظ المنتجات الخضراء على حماية الشركات من خسارة العملاء نتيجة مواصلة تشديد المعايير. كما يسهم تطبيق استراتيجيات الاستدامة الصارمة في ظل التباطؤ الاقتصادي في تسريع وتيرة النمو عن طريق توفير قيمة مضافة. ويمكن للشركات تعديل محافظ أعمالها بحيث تضم حصصًا أكبر من القطاعات ذات إمكانيات النمو الأخضر الكبيرة، في حين يمكن لشركات أخرى إطلاق أعمال خضراء جديدة بالكامل. وتتيح المنتجات الخضراء وعروض القيمة أيضًا للشركات إمكانية تحقيق التميز والاستحواذ على حصة كبيرة من السوق أو السعي لتقديم أفضل الأسعار.

سلسلة التوريد: إعادة البناء لتحقيق المرونة والكفاءة. ساهمت أزمة كوفيد-19 في الكشف عن حقيقة سلبية حول منهجيات إدارة سلاسل التوريد بالنسبة إلى الكثير من قادة الأعمال، إذ أدى تصميم هذه الأنظمة لتعزيز كفاءتها إلى ظهور عدد كبير من نقاط الضعف. كما أدت نقاط الضعف التشغيلية - مثل الاعتماد المفرط على موردين محددين وقلة جرد منتجات مهمة وتحميل شبكات الإنتاج فوق طاقتها - إلى تعريض الشركات لحالات نقص واضطرابات كثيرة. وأشار العديد من قادة سلاسل التوريد إلى عزمهم تعزيز مرونة سلاسل التوريد، ونجح الكثير منهم في تحقيق هذا الهدف، وغالبًا ما كان ذلك بأفضل طريقة ممكنة من خلال بناء وهيكلة المخزونات. ويمكن للشركات اتخاذ إجراءات أخرى أكثر تعقيدًا لتعزيز مرونتها. وعلى سبيل المثال، تشير خبراتنا إلى أن إعادة تكوين شبكات التوريد تساعد على تقليل التكاليف بنسبة تتراوح بين 4-8%.

علاوة على ذلك، يمكن للشركات تعزيز مرونتها بالإضافة إلى تحقيق وفورات إضافية من شبكات التوريد الضعيفة. وتوصلنا إلى أن التقييم الدقيق لنقاط الضعف في سلسلة التوريد قد يوفر فرصًا لخفض مستويات الإنفاق على الموردين ذوي المخاطر العالية بنسبة 40% أو أكثر. ويمكن تخفيض تكاليف النقل بنسبة تصل إلى 25% من خلال تعديل أنماط ومسارات النقل والتوزيع لتفادي التوترات التجارية، والتعريفات الجمركية، والمشاكل المتعلقة بالتخليص الجمركي، والاضطرابات المحتملة. كما يمكن تحقيق الكثير من المنافع من عمليات تحديث المنتجات، عن طريق تزويدها بتصاميم معيارية تشمل مكونات يسهل العثور عليها بدلًا من المكونات المخصصة. وقد يسهم ذلك في زيادة الهوامش الربحية بنسبة 25%، فضلًا عن تقليص مخاطر الاعتماد على مجموعة قليلة من الموردين.

تتجه الأمور حاليًا نحو مزيد من التعقيد. ومع توالي المؤشرات المتناقضة، تستمر حالة الغموض في الاقتصاد الأمريكي بحيث يصبح من الصعب توقع توجهاته؛ ما يحتّم على الشركات الاعتماد بشكل أكبر على التحضير للسيناريوهات المختلفة، وإعداد مجموعة من الإجراءات طويلة الأمد التي يمكن أن تساعدها في بيئة عمل تزداد فيها أسعار الفائدة لفترة طويلة.

Explore a career with us