المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
تستعرض هذه الحلقة من البث الصوتي حديث ”كيت سميج“ و”رودني زيميل“، القادة العالميين في شركة ماكنزي ديجيتال، مع ”لوسيا راهيلي“ من مركز ماكنزي العالمي للنشر، حول التحول الرقمي وماهيته وسُبل تحقيقه وضرورة تصدّره لأولويات الرؤساء التنفيذيين. وترقبوا آراء ”سميج“ و ”زيميل“ حول التوجهات العالمية.
وفي مقتطف من حوار مع ”آمي ويب“، الباحثة الاستشرافية ومؤلفة كتاب آلة التكوين: السعي لتطوير الحياة في عصر علم الأحياء التركيبي (مجموعة هاشيت بوك، فبراير 2022)، تحدثت حول دور علم الأحياء التركيبي في فتح المجال لنشوء أطفال يتمتعون بميزات مخصصة ويعيشون عمرًا أطول في مجتمعات تحت سطح الأرض.
يستضيف حلقة البث الصوتي كل من ”روبيرتا فوسارو“ و”لوسيا راهيلي“.
عمليات التحول الرقمي رحلةٌ تستلزم وقتًا طويلًا
لوسيا راهيلي: هيمن مصطلح التحول الرقمي على قاموس الشركات طيلة سنوات، حيث عمدت معظم الشركات إلى استثمار موارد ضخمة نسبيًا في مجالي التحول الرقمي والتكنولوجيا. فهل أحرز قادة الشركات تقدمًا ملموسًا في تحقيق التحول الرقمي ضمن شركاتهم؟ أم ما يزال نجاح التحول الرقمي بعيد المنال؟
رودني زيميل: أصبح من المألوف الحديث عن فشل العديد من عمليات التحول الرقمي وصعوبة توفير القيمة منها وغيرها من المشاكل الأخرى، وهو ما أعطى انطباعًا بأنها بعيدة المنال، علمًا أن معظم الشركات الكبيرة قامت بالعديد من عمليات التحول الرقمي واستطاعت حاليًا حصد بعض ثمار القيمة المستسقاة منها.
ويجدر عدم ربط التحول الرقمي بالاعتماد الكامل على التكنولوجيا والأنشطة الرقمية لأنه يتمحور عمليًا حول توليد القيمة للأعمال. ويُعد وجود خريطة طريق واضحة ومتكاملة وشاملة لمواضع القيمة من أبرز الفروقات التي تميز الشركات الحريصة على كسب كامل القيمة والشركات التي تحقق جزءًا فقط من القيمة.
كيت سميج: يُعد تحديد النواحي الإيجابية للتحول الرقمي الناجح من أهم نقاط هذه العملية، بسبب عدم وجود حد زمني فاصل لانتهائه، بل يتعلق إجمالًا بكيفية بناء أداة تدعم الشركة أو المؤسسة لمواصلة تقدمها في المستقبل ومواكبتها للتطورات الجديدة.
أخطاء القادة
لوسيا راهيلي: أعلم أنكما تتحدثان مع القادة يوميًا حول هذا الموضوع، فهلّا ذكرتم بعض الأمثلة الملموسة حول أنواع التحديات التي تشهدونها خلال أداء مهامكم في مساعدة القادة على إجراء عمليات التحول الرقمي؟
رودني زيميل: تبرز أحد أشكال الإخفاق الشائعة أو الحالات غير المواتية للنجاح حين يقرر الرئيس التنفيذي إطلاق عمليات التحول الرقمي ويبدأ بإصدار تصريحات علنية حول الاستراتيجية الرقمية، ليقوم عندها كل فردٍ من فريق الإدارة بوضع خارطة الطريق الخاصة به للتحول الرقمي. وبالتالي، ينتهي بهم المطاف بعد ستة أشهر أو عام على الأكثر وسط عددٍ هائل من المشاريع الرقمية التجريبية في الشركة.
وفي المقابل، يتوجب على الرئيس التنفيذي التركيز على بناء نوع من التوافق بين أعضاء فريق الإدارة والعمل على الأولويات ذاتها، ثم وضع خريطة طريق مفصّلة للخبرات والإمكانات تماثل خريطة طريق التكنولوجيا، والانطلاق كفريقٍ واحد لديه أولويات تقنية وشخصية واضحة.
كيت سميج: تكمن أهمية هذه المرحلة في تحديد سُبل توفير القيمة في الشركة، في حين تتمحور التحديات التي تواجهها العديد من الشركات حول غياب منهجية متسقة ومتوافقة لتحديد القيمة أو قياسها، مما يصعّب عملية توفير القيمة بشكلٍ أكبر.
ويمكن القول إن أبرز مشكلةٍ تواجه الشركات في الكثير من عمليات التحول الرقمي بعد 12 أو 18 شهرًا أو حتى عامين، هو شعورهم بعدم الوصول إلى المستوى الكافي من القيمة، ويُعزى ذلك في غالب الأحيان إلى افتقارهم للتنسيق حول مواطن القيمة وسبل توفيرها.
الانطلاقة الصحيحة
لوسيا راهيلي: : دعونا نتحدث أكثر عن سبل توفير القيمة والطرق التي يتبعها قادة الشركات لتقييم أماكن القيمة التحوّلية في شركاتهم. ما هي اقتراحاتكما في هذا المجال؟
رودني زيميل: توجد ثلاث قواعد أساسية تشهد تطورًا مستمرًا: أولها تتعلق بتوجه الشركات التي تحصل على أعلى مستوى للقيمة نحو التفكير كثيرًا في نوع المشاريع الرقمية الجديدة التي تعتزم إطلاقها، وتوفير قيمة إضافية من المنتجات والعملاء الجدد مقابل إجراء عمليات التحول الرقمي للعمليات الحالية. لذلك نجد نوعًا من الازدواجية؛ إذ يجب التركيز على بناء المشاريع الرقمية الجديدة، وفي الوقت ذاته، إجراء عمليات التحول الرقمي للعمليات.
أما القاعدة الثانية فتتمحور حول التركيز على الأشياء الهامة فقط، ورغم أن الأمر بديهي إلا أننا نتفاجأ بعدد الأشخاص الذين يصفون بعض العمليات بالتحول الرقمي، علمًا أن كامل تأثيرها على الاقتصاد لا يتجاوز 15 أو 20% من مجمل أرباح الشركة قبل الفوائد والضريبة والاستهلاك وتسديد الديون. وفي حال لم يكن هدفنا الوقوف عند هذه النسبة من التأثير، يكون من الصعب تصوّر أن هذه العملية تندرج تحت مسمى التحول الرقمي واستجداء تركيز الشركة عليها.
وتتعلق القاعدة الثالثة بالتركيز على مجالٍ محدد وليس التوجه نحو الرقمنة واستخدام الكثير من التحليلات في مختلف أقسام الشركة. ويجدر اختيار مجال عملٍ واحد والتركيز بدايةً على إحداث زخمٍ فيه وبعدها التفكير في التوسع من تلك النقطة. ونعتقد أن هذه القواعد الثلاث نشأت من الشركات التي حققت نجاحًا أكثر من مثيلاتها.
أدوات القياس الهامة
لوسيا راهيلي: ما الدور الذي تلعبه أدوات القياس في تقييم جهود عمليات التحول الرقمي؟
كيت سميج: تتمتع أدوات القياس بأهميةٍ كبيرة، ولكن يجب أن نحدد تلك الأدوات في البداية، فنحن غالبًا نريد ضمان سير التحول الرقمي في مجالات معينة. وبالطبع يتعلق سير عمل التحول الرقمي على النحو الصحيح بالفوائد المالية التي يوفرها، إذ يجب أن يكون هناك مجموعة من الأرباح من مختلف مجالات المشروع الذي نقوده، بصرف النظر عن أدوات القياس سواء كانت تشغيلية أو مالية.
ولكن الأمر مرتبطٌ أيضًا بحُسن سير التحول الرقمي فيما يتعلق ببناء أداة التمكين التي تحدثنا عنها سابقًا، ومدى تطور الإمكانات مع مرور الوقت، وازدياد عدد أفراد الشركة الملمّين باستخدام التكنولوجيا والبيانات في أعمالهم اليومية، ودور التحول الرقمي في إحداث نقلة نوعية في الثقافة، وإمكانية رؤية مدى تقدم الشركة وسرعته، فضلًا عن ضمان تطور سرعة اتخاذ القرارات. وتوجد الكثير من المؤشرات المختلفة التي توضح محاولات التقدّم ومدى فعالية العملية.
ولا شك أن أدوات القياس المالية والتشغيلية ضرورية للغاية، ولكن حصر تركيزنا عليها لا يعني أنها غاية جهودنا، حيث غالبًا ما نرتكب جملةً من الأخطاء سواء كنا نقوم بإنشاء أداة التمكين المستدامة وطويلة الأمد أم تنفيذ مجموعة من المبادرات المفيدة في الوقت الراهن.
لوسيا راهيلي: هل يتشارك الرؤساء التنفيذيون الناجحون نموذج الحوكمة لأفضل الممارسات المخصص لعمليات التحول الرقمي؟
رودني زيميل: لقد شهدنا، فيما يتعلق بكيفية إدارة التحول الرقمي بشكلٍ يومي، نموذجًا يعود لأحد قادة التحول الرقمي، إلى جانب نموذج آخر للقادة يشرف عليه رئيسان تنفيذيان، أحدهما للتكنولوجيا والآخر للأعمال. ويُعد النموذجان ناجحين مع ضرورة بقاء التحول الرقمي بندًا ثابتًا في الشركة لضمان تصدّره لأولويات الرؤساء التنفيذيين ومواءمته لمختلف أعمال الشركة ومشاريعها.
فرصة المواهب
لوسيا راهيلي: أودّ التطرّق إلى المواهب، حيث نشرت ماكنزي العديد من التقارير التي تتحدث عن دور التسرّب الوظيفي، أو ما يسميه آخرون بالاستقالة الكبرى، في تغيير ديناميات سوق المواهب والخبرات، بما يشمل توسيع الفجوة الحاصلة أصلًا. فما تأثير ذلك على المواهب في مجال التكنولوجيا على وجه التحديد؟
كيت سميج: يُعد التحول الرقمي فرصةً مثاليةً للمواهب في مجال التكنولوجيا، وذلك نظرًا لمحاولة الكثير من الشركات تطوير فرقها الموهوبة. وهنا أتقصّد استخدام مصطلح تطوير المواهب لأن الأمر ليس مرهونًا بالتوظيف فقط، بل يتخطاه غالبًا إلى تطوير المواهب الموجودة. ومع ازدياد الطلب على تلك المواهب، ليس من الخطأ التريّث لتقييم الموقف والتفكير في أفضل وجهةٍ وظيفيةٍ لتطوير ذاتنا بالقدر الذي نريده.
وأعتقد أن ما يغيب عن أذهان الكثيرين من قادة الشركات هو كون مسألة التوظيف الجزء الأسهل من الحكاية، حيث يتجاهلون وضع منهجيةٍ للارتقاء بالمواهب التي يوظفونها وإطلاق العنان لنجاحها ضمن شركاتهم. كما يفتقرون لزوايا التفكير الصحيحة في هذا الموضوع، مثل جدوى تطوير المواهب بالنسبة لوظيفة الموارد البشرية ومراحل العمل والمدة الزمنية اللازمة لإنجاز الأعمال، فضلًا عن نماذج الأداء والإنجازات أو عتبات الشراء وغيرها من الأمور التي تُعتبر أصعب من عملية التوظيف الفعلي. ويمكن القول إن قادة الشركات الذين يتجاهلون حل هذه المشاكل قد يدخلون مع مرور الزمن في دوامةٍ من التأثيرات السلبية الناجمة عن التسرّب الوظيفي.
رودني زيميل: بات هناك اليوم العديد من المواهب البارزة في مجال التكنولوجيا وانتشرت في مختلف بقاع الأرض أكثر من الأعوام السابقة، حيث نشهد جهود الشركات لاستقطاب الموهبة المناسبة أيًا كان مكان تواجدها.
ويجب أولًا استقطاب المواهب وفق نوعٍ من الاستقلالية المكانية التي تحقق لهم الراحة، وتوليتهم المهام المناسبة مع وجود نخبة من القادة والمدراء القادرين على إنجاحها، فضلًا عن تجهيز التقنيات والاستثمارات الملائمة لنجاح مسيرتهم المهنية.
كما يتعين التفكير في مجموعة المواهب اللازمة للشركة، خلافًا لما كان شائعًا في السابق بالتركيز على توظيف مجموعة من الفرق التقنية وخبراء البيانات ومهندسي البرمجيات. أما الآن فقد اتسع مجال التركيز ولم يعد محصورًا بخبراء ومهندسي البيانات والتعلم الآلي، حيث بات من الضروري توظيف مدربين ومدراء يتحلّون بالمرونة لإدارة المنتجات والخدمات بشكلٍ فعال، وإلا أصبحت الشركة عاجزة عن تطوير وبناء إمكاناتها اللازمة لتنمية أعمالها وبالتالي توسع شريحة الفرق التقنية.
وتتعلق النقطة الثالثة حسبما أشارت ”سميج“ بالفائدة الكبيرة التي يعود بها تزويد المواهب الموجودة بمهارات وخبرات جديدة. وتجدر الإشادة ببراعة الشركات، حتى التي تزاول أنشطتها في القطاعات التقليدية وتمتلك خلفيات في مجال الهندسة، في تحقيق هذه العملية وتزويد العديد من الموظفين بمواهب جديدة وتحويلهم إلى خبراء أكفّاء في المجالين التقني والرقمي.
لوسيا راهيلي: ما الدور الذي تلعبه المنظومات الأخرى التي تعتمد عليها الشركة في توسيع مجموعة المواهب؟
كيت سميج: تكتسب الشراكات أهميةً أكبر في تسريع عملية تطور المواهب التي تحدثنا عنها، مما يعني عدم الاعتماد على شرائح كبيرة من الأشخاص، ولكنه قد يشير إلى عقد شراكات لرفد الإمكانات في بعض المجالات أو تعزيز المواهب في المدى القريب للوصول إلى مستوى السرعة المنشود.
ويرى بعض الأشخاص أن الأمر يتعلق بإظهار مدى التقدم والجودة الذي اكتسبته الموهبة، ويكمُن السؤال في قدرتنا على لمس تلك الجودة على أرض الواقع ولو لمدةٍ قصيرة بالتزامن مع عملية صقل المواهب وتطويرها.
وأعتقد أن شركات التكنولوجيا باتت سهلة الاختراق أكثر من السابق، ولكن الأمر لا يتعلق بالاستعانة بمصادر خارجية بشكلٍ مباشر ولم يعد واضحًا كما كان، حيث أصبح يرتبط بمنهجية التعاون مع منظومة من الشركاء لتسريع وتيرة تطوير المواهب.
رودني زيميل: أعتقد أن التوجه السائد حاليًا يتمحور حول الاعتماد على موظفين من داخل الشركة وفرق أصغر حجمًا يتمتعون مهاراتٍ عالية، عوضًا عن فرق التكنولوجيا المكوّنة من أعداد كبيرة.
اكتساب مزيدٍ من السرعة والقوة والتنوع
لوسيا راهيلي: شهدنا في وسائل الإعلام طرح الكثير من التقارير والمحتوى حول قلّة التنوع على صعيد القطاع وكذلك على الصعيد الشخصي بوصفه من القدرات الوظيفية. فهل تعتقد أن ذلك يسهم بإحداث تغيير في عملية استقطاب المواهب أم يلعب دورًا فيها؟
كيت سميج: نعم، فما زالت هذه المشكلة قائمةً حتى الآن، حيث أجرينا أبحاثًا في الآونة الأخيرة حول أسباب صعوبة تحقيق التنوع بين الجنسين في فرق مواهب التكنولوجيا. وكشفت نتائج الأبحاث أن الأمر لا يتعلق بالسقف الزجاجي الذي يمنع المرأة من تولي المناصب الرفيعة، وهو ما نراه في مختلف مسالك الحياة، بل يتعدى ذلك إلى التحديات الأكبر التي تحول دون وصول المرأة إلى المناصب الإدارية، ومن ثم حصولها على الترقية الأولى والثانية مما يؤثر على توفر المهارات النسائية بشكل كبير.
رودني زيميل: يكمن جزء من الحل لمشكلة قلة التنوع في مدى رغبة الشركة في المراهنة على المواهب الجديدة في العمل. وسأعطيك مثالين من الواقع، الأول هو منهجية الجامعات في تحقيق المساواة بين الجنسين في دورات علوم الحاسوب والبيانات ومختلف الاختصاصات التقنية، ولكنّ هذه الحالة تختلف من بيئةٍ إلى أخرى بشكلٍ واضح، علمًا أن الكثير من الكليات البارزة نجحت في تحقيق هذا النوع من المساواة أو اقتربت من تحقيقه..
أما المثال الثاني فهو إقبال الشركات على تكثيف عمليات التوظيف في مجالي التكنولوجيا والأنشطة الرقمية على وجه الخصوص. وبالنظر إلى كلا المثالين معًا، يجدر بنا التساؤل حول المجالات التي تبرز فيها جاهزيتنا للاستفادة من المواهب الجديدة في العمل، وبالتالي امتلاك القدرة على توظيف الإجابة كأداة تسريع لتحقيق التنوع في شركتنا وليس وسيلةً لإبطائه.
تطوير البنية التحتية
لوسيا راهيلي: كيف يجب أن ينظر الرؤساء التنفيذيون إلى التكنولوجيا والبيانات التي تُعد من عوامل نجاح التحول الرقمي؟
رودني زيميل: ليس من الضروري وجود استراتيجية أو هيكل معين للبيانات لدى محاولة إطلاق بعض حالات استخدام التحليلات المختلفة، لسهولة إدارتها في حال كانت حالةً واحدةً أو اثنتين أو حتى ثلاث حالات.
ولكن عندما نصل إلى المنعطف الهام في هذه العملية وإجراء نشاط تحولي، عندها يجب التعامل بمنتهى الجدية مع مسألة حوكمة البيانات، كونها تُعد نموذجًا موحّدًا ضمن شركة صغيرة ومركزية تتولى وضع المعايير، والقوانين، وتوضيح الملكية، وسياسة الخصوصية، والاستراتيجية الداخلية والخارجية.
وبالتالي، يصبح لدينا مالكون واضحون لكل تيار من تدفقات البيانات في الشركة، فضلًا عن إمكانية التعرف على سبل استخدام البيانات للحصول على مزايا تنافسية. وكما هو حال الكثير من الأمور التي نتكلم عنها، تصبح المسألة أشبه بمشكلة تتعلق بالشركة أكثر من كونها مشكلةً تقنية. وتُعد حوكمة البيانات خطوةً ضروريةً لجميع الأشخاص الساعين إلى إحداث أثر تحولي وعدم الوقوف عند إطلاق بضع حالات استخدام للتحليلات.
كيت سميج: توجد خطة لتطوير البنية التحتية، إذ غالبًا ما ننشغل بوضع خريطة طريق للتكنولوجيا أو البيانات وينسون أن الأمر يتعلق بتطوير البنية التحتية للشركة.
وشهدنا أمثلة عديدة لمثل هذه الحالات خلال السنوات الماضية، حيث كان الناس يميلون إلى الحصول على تطبيق للواجهة الأمامية، ليتسنى لهم لمسه على أرض الواقع. وأصبح عدم إدراك دور الأعباء التقنية في الحد من إمكاناتنا عائقًا يحول دون نجاح المسؤولين التنفيذيين، إذ أرى شخصيًا أن الأمر يتعلق بتطوير البنية التحتية قبل الدخول في أمور التكنولوجيا والبيانات وغيرها، وبالتالي تطوير المنهجية التي ترتكز عليها البنية التحتية لمساعدتنا في إنجاز جميع المهام والعمليات اللازمة.
رودني زيميل: قد تقع الشركات في فخ الإغواء الذي تنطوي عليه الاستثمارات في التكنولوجيا، انطلاقًا من قناعتها بقدرة هذه الاستثمارات على تمكينها من تنفيذ جميع المهام والعمليات، ولكنّ عدم إجراء دراسة جدوى يرجّح عدم حصولنا على القيمة التي نطمح إليها.
سراب المرونة
لوسيا راهيلي: تحدثنا كثيرًا خلال فترة أزمة كوفيد-19 حول مسألة السرعة والحفاظ على وتيرةٍ متسارعة في عالمنا الرقمي، فهل أثبتت الجائحة الصحية جدوى أساليب العمل المرنة؟
كيت سميج: بالتأكيد، لا سيما وأنها كانت اختبارًا مفاجئًا للمرونة. ولم يقف الأمر عند موضوع المرونة فحسب، حيث اضطرت العديد من الشركات للعمل وفق أساليب متعددة الوظائف لم تعهدها من قبل، نتيجة وجود مجموعة من المسائل الأساسية التي كانت تتطلب فريقًا صغيرًا من المبدعين والخبراء ليجدوا حلولًا تناسب مختلف جوانب الشركة.
كما اضطر الكثير من الموظفين للعمل وفق وتيرةٍ سريعة تختلف بصورةٍ كبيرة عن عملياتهم اليومية المعهودة، ويعود السبب في ذلك إلى ضرورة إنجاز المهام بسرعة والتحقق من مرونة سلسلة التوريد وطرق التواصل الجديدة مع العملاء.
رودني زيميل: على الرغم من تكرار موضوع المرونة طيلة عقدٍ من الزمن أو أكثر، إلا أن قلّةً من الشركات وصلت إلى مستويات جيدة من المرونة في مختلف مراحل عملياتها. ويوجد الكثير من الشركات التي تزعم تحقيقها للمرونة أيضًا، ولكن مرونتها في الحقيقة تقتصر على نشر فرق التكنولوجيا، مع التأكيد على غياب هذه المرونة في مواءمة التكنولوجيا والأعمال في مختلف مفاصل الشركة وليس فقط في مجالٍ واحد أو مجالين يحظيان باهتمام الرئيس التنفيذي.
ويتجلى غياب المرونة بشكل أكبر في وظائف التحكم ضمن الشركة، حيث تُعد مواءمة التكنولوجيا والعمليات دون امتلاك الفريق المرن أقسام تدير الشؤون القانونية والتنظيمية والمالية والامتثال، عائقًا يحول دون وصولنا إلى وتيرة السرعة المطلوبة.
التعاون لحل المشكلات
لوسيا راهيلي: دعنا نتحدث عن اعتماد التكنولوجيا، حيث شهدنا جميعًا التجارب المُصغّرة التي تم خلالها إطلاق تقنيات جديدة لاقت مقاومة سلبية على نطاقٍ واسع. ولا شك أن التغيير يكون صعبًا لدرجةٍ تجعل الجميع ينحازون فطريًا إلى السبل المألوفة، في حين يعمل الرؤساء التنفيذيون على مستوى عالٍ ضمن شركاتهم، فكيف يضمن القادة الناجحون اكتساب هذه المبادرات الرقمية اهتمامًا أكبر؟
كيت سميج: يتطلب اكتساب الاهتمام الارتباط مع مالكي الشركات منذ البداية، إذ من غير المعقول أن تقوم التكنولوجيا بطرح نفسها أو أن تعتمد الأعمال والشركات على التكنولوجيا بشكلٍ كامل وترهقها بالمتطلبات، بل يجب أن تتكامل التكنولوجيا والأعمال بمنتهى السلاسة والمرونة.
كما يتوجب التفكير في اعتماد التكنولوجيا منذ البداية، فلا يمكن إصدار خدمة أو منتج ومن ثمّ التفكير بكيفية اعتمادها، بل يجب التفكير في ذلك أثناء مرحلة تصميم المنتج لضمان تعزيز اعتماده منذ إطلاقه.
ومن القواعد الأساسية هي الإنفاق على اعتماد التكنولوجيا بالتساوي مع الإنفاق على الأنشطة الرقمية والتطوير، التي يمكن التفكير في استثمار نجاحها تمامًا مثل الاستثمار في التكنولوجيا نفسها.
رودني زيميل: أودّ العودة إلى ما قالته سميج منذ قليل حول المتطلبات، فمثلًا في ثقافة تكنولوجيا المعلومات تعمد الشركات إلى تحديد المتطلبات، في حين لا توجد أي متطلبات في ثقافة الرقمنة بل فريقٌ يعمل على معالجة المشاكل الناشئة في الشركات أو لدى العملاء. كما يتعاون هذا الفريق المكوّن من رجال الأعمال وخبراء التكنولوجيا ووظيفة التحكم لحل المشاكل، ودون وجود أي متطلبات، مما يجعل الأمر يتمحور حول حل المشاكل بدلًا من العمل وفق قائمة من الأوامر والطلبات.
وبالنسبة لي، فإن أكثر ما يهمني حول مسألة الاعتماد هو الشخص الذي يتولاها، إذ يجب أن يكون مدير الشركة أو قائدها بلا شك. ويتوجب على قائد الشركة أو مالكيها تولي مسؤولية اعتماد المبادرات الرقمية لتحسين الأرباح أو تعزيز عملية النمو في شركتهم.
استعراض التوجهات العالمية
لوسيا راهيلي: أودّ الآن طرح سؤالي الأخير: هل تتابعون أي من التوجهات الرقمية المثيرة للاهتمام أو سريعة التقدم في العام الحالي؟
كيت سميج: تفضّل بالإجابة أولًا ”زيميل“، فأنا أعلم ما ستقول.
رودني زيميل: نتابع حاليًا توجهين عالميين في مجال التكنولوجيا، وهي عمليات تعلم الآلة التي تشهد تقدمًا سريعًا للغاية، ويجب أن يكون الجميع على درايةٍ بها. وتُسمّى تقنيات تعلّم الآلة كونها النظام المشغّل للتكنولوجيا والموظفين والعمليات، والذي يلزم تواجده لدعم عمل تعلّم الآلة على نطاق واسع في الشركة.
ويتوجب على الشركات أو المؤسسات اعتماد نظام تشغيل يدعم عملياتهم بشكلٍ كبير ويغنيهم عن إجراء المهام القليلة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي أو تعلم الآلة. ولذلك يتطلب الأمر نظام تشغيل شامل يدير عمليات الشركة بأكملها، ولكنّ هذا الموضوع معقد ويشهد تسارعًا كبيرًا، علمًا أنه لا بد من اعتماد أحد هذه الأنظمة في حال أردنا توفير القيمة من تعلم الآلة أو الذكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسع.
كما أراقب حاليًا توجه الحوسبة الكمية أو المعروفة بالتكنولوجيا الكمية، والتي ما زالت موضع رهانٍ علمي يثمر نجاحها عن تغيير كامل المشهد الراهن في العالم، لذا يجدر بالكثير من الشركات مراقبة مدى تقدمها وقدراتها وانعكاساتها على أرض الواقع.
كيت سميج: أريد أيضًا التطرق إلى توجهين مختلفين قليلًا، أولهما لا يتعلق بأي تكنولوجيا منفصلة أصبحت توجهًا عالميًا، بل يتمحور حول القوة الناتجة عن اجتماع تقنيتين أو ثلاث أو أربع تقنيات توفر لنا قدرةً وامكانات لا مثيل لها لأداء العمليات.
ويتعلق التوجه الثاني بالثقة الرقمية التي تعكس تفكير الشركات والمجتمعات في مجموعة من القضايا المترابطة، التي تشمل انحياز النماذج وقدرتها على التفسير والمخاوف المتعلقة بالخصوصية وتخزين البيانات المتقدمة.
رودني زيميل: تحدثنا منذ البداية أن التحول الرقمي لا يعني الاعتماد الكامل على الأنشطة الرقمية والتباهي بإلقاء المصطلحات التقنية الرنانة أمام المستثمرين، بل يتعلق الأمر بتوفير القيمة منها للشركة.
ويبدو الأمر بديهيًا ولكن يجدر بمعظم الشركات التفكير في النقاط الرئيسية التي تسمح بتسريع وتيرة القيمة والتقنيات اللازمة لذلك وكيفية حشد طاقات الشركة لإتمام الأمر، وليس الاعتماد مباشرةً على التكنولوجيا بالكامل.
القسم الثاني: مقتطف من حوار مع ”آمي ويب“
روبيرتا فوسارو: ننتقل الآن من الحديث عن التحول الرقمي إلى التحول الجيني، ومعنا اليوم ”آمي ويب“، الباحثة الاستشرافية ومؤلفة كتاب آلة التكوين: السعي لتطوير الحياة في عصر علم الأحياء التركيبي (مجموعة هاشيت بوك، فبراير 2022)، الموجود ضمن سلسلة حوارات مع الكتّاب من ماكنزي، والذي شارك في تأليفه عالم الأحياء الدقيقة أندرو هيسيل.
آمي ويب: قام بعض خبراء التكنولوجيا الحيوية بجمع 3 مليارات دولار أمريكي مؤخرًا لتأسيس شركة جديدة تسعى لإعادة برمجة الآلية الأساسية المسؤولة عن الخلايا الحية. وكما ترون يتم ضخ مبالغ هائلة على علم الأحياء التركيبي.
ويؤدي هذا التوجه إلى تأثيرات كبيرة على مختلف القطاعات بما في ذلك الصناعات الدوائية والرعاية الصحية، ولكننا سنشهد تغييرات في قطاع الزراعة والمواد الصناعية والفضاء بعد اكتشاف إمكانية إعادة برمجة الوحدات الأساسية لحياة الإنسان.
وقد حددنا تسع مخاطر طفيفة في الكتاب، أخطرها هو امتداد اختراقات أمن البيانات إلى حمضنا النووي، مما يعني أن العصر الحيوي الذي ندخله قد يشكل تهديدًا على أمن المعلومات.
وتوجد حاليًا وسائل سهلة للحصول على الشفرة الجينية لأي شخص، ولكنها قد تسفر عن آثار سلبية كبيرة في حال كان الشخص سياسيًا أو رئيسًا تنفيذيًا لشركة كبيرة. كما يُعد الأمن السيبراني الحيوي من المشاكل الناشئة التي تحتل قدرًا أكبر من الأهمية، ونعتقد أن علم الأحياء التركيبي، بما يحمله من إمكانيات واعدة، قد يؤدي إلى صراعات جيوسياسية جديدة.
ويتمحور هدفنا من الكتاب حول إيجاد الحلول المناسبة نظرًا لصعوبة حمل الناس على التغيير.
وشهدنا خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 26) عدم توجه القادة العالميين بالسرعة الكافية للحد من الأزمة المناخية، ولا سيما عندما نطلب من الدول إيقاف المساهمة في الاقتصاد من خلال تقليص أنشطتهم الصناعية أو تغييرها.
ويستلزم الأمر إيجاد بدائل مناسبة، ولذا يمنحنا علم الأحياء التركيبي حرية الاختيار، واتخاذ قراراتٍ شخصية مستقبلًا، ولكن وسط استنارة ودراسة كاملة وليس تحت الضغط والإكراه.
وحرصنا في هذا الكتاب على وضع خمس سيناريوهات لإضفاء نوعٍ من الواقعية على البحث والمعلومات الواردة فيه، ليتسنى للقرّاء تصوّر ملامح المستقبل القادم.
ويتناول السيناريو الأول مركز الخصوبة المستقبلي ودور علم الأحياء التركيبي في إنجاب الأطفال مستقبلًا. وطرحنا بعض المواضيع حول الجينات التي قد يختارها الأهل لأطفالهم في حال كان ذلك متاحًا.
ويتمحور السيناريو الثاني حول مسألة التقدم بالعمر، والدور الذي يلعبه عيش الإنسان لحياة أطول وأكثر صحة في تغيير مستقبل العمل، وكذلك العلاقة بين الرئيس التنفيذي وفريقه أو أعضاء مجلس الإدارة. كما يتطرق لدوره في صياغة مسؤوليات مجلس الإدارة، وتأثيره على القرارات التي يتم اتخاذها في حال كانت الشركة عائلية، فضلًا عن ملامح تخطيط التعاقب الوظيفي في عالمٍ يعيش فيه الإنسان عمرًا أطول مما هو عليه الآن.
ويقدم السيناريو الثالث دليلًا حول منشأ الغذاء والطعام، لا سيما مع تأثير علم الأحياء التركيبي على كيفية الحصول على الغذاء، سواء كانت لحومًا مطوّرة من الخلايا أو نباتات مزروعة في مفاعل حيوي وليس في مزرعة. وقد نتمكن يومًا من تناول أجود أنواع السوشي المزروعة في مفاعل حيوي بولاية ”نبراسكا الأمريكية“ بدلًا من ”مدينة ناغويا“ اليابانية.
ونستكشف في السيناريو الرابع مجموعات من الأشخاص الذين ينتقلون للعيش تحت سطح الأرض خلال مساعيهم للعيش خارج الكوكب. وتُعد هذه وجهة نظر بديلة تثير الاهتمام بالسبل التي قد تساعدنا على الحد من التغير المناخي والمضي قدمًا في حياتنا بشكلٍ مختلف.
أما السيناريو الخامس فعثرنا عليه ضمن بحثٍ أجراه بعض الأكاديميين الراغبين باستكشاف ما قد يحدث عند إرسال طفرة جينية إلى مختبر في الصين، حيث يتم تجميع التسلسلات الجينية وإعادتها إلى الجهة المصدر. وندرك أن إرسال الشفرات البرمجية يفتح مجالًا للثغرات الأمنية ويتيح إضافة برمجيات خبيثة، فما الذي يمكن أن يحدث إذا تمت إضافة شفرات جينية خبيثة دون أن يتم رصدها؟
ولا شك أن الضرر الذي يمكن أن ينتج عن هذا السيناريو قد يصل إلى مراحل كارثية.
وأدرك أن السيناريوهات التي يقدمها الكتاب قد تكون بعيدةً عما قد يتقبله الجمهور أو المسؤولون التنفيذيون أو حتى العلماء والمتخصصون، لأننا نتساءل بشكلٍ رئيسي حول ما سيحدث عند إزالة معوّقات وقيود التطور واعتبار علم الأحياء منصةً للتكنولوجيا.
وأعتقد أن أضخم الاختراعات وأكثرها قوةً في القرن الواحد والعشرين ستجمع بين علم الأحياء والتكنولوجيا، ولذا لا أعتقد أننا سنجد قطاعًا يكون بمعزل عن تأثيرات علم الأحياء التركيبي خلال العقد القادم.
وما يمنحني أملًا أكبر هو قدرتنا على تصحيح بعض أخطائنا وبناء مستقبل أفضل للجميع بالاستناد إلى براعة الإنسان والعلم والتكنولوجيا في آنٍ معًا. ولكن لا يمكننا تحقيق ذلك إذ كنا مقيدين بمخاوفنا أو ملتزمين بمعايير مثالية غير واقعية، بل يجب علينا اتباع نهجٍ عملي واضح ومحدد.
وفي حال نجحنا بتحقيق هذا الهدف رغم المشقّات الكبيرة التي تعترض طريقنا، أعتقد أننا سنستطيع عيش حياة صحية وسعيدة أكثر ولعمرٍ أطول.