سيناريوهات الاقتصاد الكلي لعام 2023: هل ستنحسر الاضطرابات أم ستزداد تعقيدًا؟

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

هيمنت تقلبات الاقتصاد الكلي والعوامل الجيوسياسية على عالم الأعمال، وفرضت تحديات غير مسبوقة على الفرق الإدارية في الشركات. ولكنّ مطلع عام 2023 شهد انخفاض أسعار الطاقة عن أعلى مستوياتها وتوقف تسارع التضخم، إلى جانب استقرار مستويات النمو الاقتصادي. وتعكس هذه الدلائل الإيجابية توقعاتٍ بانحسار نطاق التداعيات المحتملة على الاقتصاد الكلي، وتجعلنا نترقب ما إذا كان هذا العام هو بداية جديدة لواقع أفضل.

وتوازيًا مع تفاقم حدة الاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الفائدة واستمرار انعدام التوازن بين العرض والطلب، يحاول قادة الشركات اليوم تحديد ملامح المرحلة المقبلة من حيث تشابهها مع فترة سبعينات القرن الماضي أو مع دورات الأعمال الاعتيادية. وبالتالي هل ستتمكن الشركات من العودة إلى الظروف التي سادت ما قبل الجائحة، أم أنها ستدخل في مرحلة تتضاعف فيها الاضطرابات؟ (الشكل 1).

وضعت ماكنزي مجموعة واسعة من سيناريوهات الاقتصاد الكلي لعام 2023 وما بعده بهدف مساعدة قادة الشركات على إيجاد إجابة شافية عن هذا السؤال. وتدرس السيناريوهات النتائج الإيجابية وغير الإيجابية على المدى الطويل، كما تحدد الخيارات قصيرة الأمد التي ستحدد مسار الاقتصاد العالمي. ويتعين على القادة اختيار الإجراءات اللازمة بمعزل عن الظروف المحيطة، وتحديد المخاطر التي عليهم مواجهتها حتى يتمكنوا من المضي بشركاتهم نحو الأمام. وقد يميل بعض القادة إلى المحافظة على نموذج عملهم وإجراءاتهم الاستراتيجية ذاتها في ضوء النتائج المقبولة لحركة الاقتصاد الكلي، في حين قد يرى آخرون فرصًا ومخاطر مختلفة تمامًا.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ولتمثيل هذا السيناريو في سياقه الحقيقي، سنتناول بدايةً أفكارنا حول أبرز القضايا في عام 2022، وهي التضخم واضطرابات سوق العمل. ونعتقد أنه من الضروري توضيح الحقائق المتعلقة بهذه المواضيع، التي ما تزال موضع جدال حتى وقتنا الحالي، حتى يتسنى للقادة وضع حلول طويلة الأمد. كما نشارك السيناريوهات الجديدة التي طرحتها ماكنزي حول الاقتصاد الكلي مع التركيز على الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.

ونرى أن القادة والشركات الأكثر قدرة على مواجهة الاضطرابات هم الذين يتميزون بقدرتهم على إدارة الأعمال بفعالية خلال الأزمات والتحلي بالجرأة والإقدام خلال فترات الانتعاش. ونأمل أن تدعم هذه السيناريوهات قادة الشركات في اتخاذ قرارات عملية تساعدهم على تحقيق أهدافهم.

فهم المشكلتين الاقتصاديتين الأبرز لعام 2022: التضخم وسوق العمل

شهد العالم العديد من التحديات العام الماضي، من ضمنها الانتشار السريع لمتحور "أوميكرون" في شهر يناير، واستمرار تعطل سلاسل التوريد ومعاناة فرق الخدمات اللوجستية لتلبية مستويات الطلب غير المسبوقة. كما ارتفعت أسعار السلع بنسبة 30% وارتفعت معدلات شحن الحاويات على مستوى العالم بحوالي عشر مرات مع زيادة كبيرة في مستويات الشحن الداخلي. وشهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أعلى معدلات انعدام التوازن في سوق العمل، حيث وصلت زيادة الأجور إلى نحو الضعفين بالمقارنة مع فترة ما قبل الجائحة، ووصل التضخم العالمي إلى مستويات غير مسبوقة في ذلك الحين.

وعلى الرغم من جميع تلك الاضطرابات والتحديات، انتشرت بوادر إيجابية حول انتهاء تداعيات جائحة كوفيد-19، غير أن تلك الآمال تحولت إلى قلق كبير في شهر فبراير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وأدانت الكثير من الشركات تلك الحرب، التي أسفرت عن أسوأ أزمة إنسانية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى أزمتي الغذاء والطاقة وتسارع وتيرة الاضطرابات السلبية الموجودة أصلًا.

كيف وصل العالم إلى أعلى معدل للتضخم منذ 30 عامًا؟

ارتفعت أسعار المستهلكين بين مارس 2020 ونوفمبر 2022 بحوالي 16% في الولايات المتحدة و15% في منطقة اليورو والمملكة المتحدة و16% في الهند و21% في البرازيل. وكانت هذه الأرقام أكبر بواقع مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بالنسب التي كانت متوقعة بناءً على نتائج فترة ما قبل كوفيد-19. كما شهدت اليابان، التي تحارب ضغوطات الانكماش المالي منذ عقود، ارتفاع الأسعار خلال 12 شهرًا الماضية لتصل إلى 3.8% في شهر نوفمبر، وهو أعلى معدل تضخم شهري منذ أكثر من 40 عامًا.

أسعار المستهلكين بين مارس 2020 ونوفمبر 2022 ارتفعت بحوالي 16% في الولايات المتحدة و15% في منطقة اليورو والمملكة المتحدة.

وظهرت العديد من الآراء المتضاربة حول مسببات التضخم الحالي وأسباب استمراره، ولكننا نرى أن الحقائق المتوافرة أكثر بساطة من الجدل السائد (يرجى الاطلاع على العمود الجانبي "طباعة الأموال"). وقدم مجموعة من الخبراء الاقتصاديين من معهد "بروكينجز" والاحتياطي الفيدرالي في "سان فرانسيسكو" إطار عمل قائم على التحليلات لتفسير أسباب تضخم أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة، والذي اعتمدناه في هذه المقالة. وبالإضافة إلى نسبة التضخم السنوي الطبيعية البالغة 2% تقريبًا، يجب الوقوف عند العوامل الثلاثة التالية:

  • صدمات السلع وتعطل سلاسل التوريد: الاضطرابات في أسواق النفط والغاز والمواد الغذائية الأساسية، وعدم التوازن بين العرض والطلب (مثل نقص أشباه الموصلات الذي تسبب بارتفاع أسعار السيارات).
  • ارتفاع تكاليف المواد لدى الشركات: أسفرت صدمات السلع وتعطل سلاسل التوريد عن تباطؤ الإنتاج ورفع تكاليف المواد.
  • ارتفاع تكاليف الأجور: قادت صدمة أسواق العمل إلى تضاعف نمو الأجور بسبب تنافس الشركات على الموظفين والعمال، الذين يشكلون عددًا قليلًا أصلًا، بهدف تلبية مستويات الطلب المرتفعة.

ويؤكد التضخم خلال السنوات الثلاثة الماضية دور هذه العوامل المذكورة. وفي عام 2020، ساهم الانهيار الاقتصادي وبرامج التحفيز غير المسبوقة والانتعاش المفاجئ والسريع في استقرار مستوى التضخم في الولايات المتحدة عند حدود 2%. وأخذ التضخم منحنىً تصاعديًا في عام 2021 لأن الطلب المتراكم نتيجة الإغلاق العام خلال الجائحة تزامن مع الاضطرابات في سوق السلع وسلاسل التوريد، ما أدى إلى توجه الشركات نحو رفع الأسعار. وارتفعت أسعار الطاقة بمجرد ظهور بعض المخاوف من الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية عام 2021، ما أدى إلى وصول التضخم في الولايات المتحدة إلى نسبة 9%. وشهد عام 2022 تفاقم هذه العوامل إلى أن تجاوزتها ضغوطات الأجور الناتجة عن الطلب، والتي أصبحت العامل الرئيسي للتضخم (الشكل 2)، ما أدى إلى ارتفاع التوقعات بشأن التضخم.

ولو أن التضخم في الولايات المتحدة ازداد كل عام مضافًا إليه الزيادة السنوية المتوقعة قبل الجائحة بنسبة 2.2%، لكان مستوى الأسعار أعلى بنسبة 6.2% بحلول نهاية سبتمبر 2022. ولكنّ السيناريو الفعلي كان أكثر حدة، حيث بلغ إجمالي الزيادة بمستوى الأسعار منذ يناير 2020 نسبة 14.9%. ويعود ثلثا الزيادة البالغة 8.7 نقطة مئوية إلى صدمات السلع وسلاسل التوريد بصورة مباشرة أو غير مباشرة (الشكل 3). بينما نتج الثلث الأخير عن الارتفاع والتغير في طبيعة الطلب الذي تجاوز قدرة الشركات على الإنتاج، إلى جانب زيادات الأجور وارتفاع الأسعار التالي. وأتى هذا الطلب مدعومًا ببرامج التحفيز والوفورات المجمعة والسياسة النقدية المتساهلة.

ونتج هذا الواقع في منطقة اليورو بالطريقة ذاتها، حيث ارتفع مستوى التضخم نتيجة صدمات السلع وسلاسل التوريد خلال فترة الجائحة. وبخلاف الولايات المتحدة، تمكّن صناع السياسات وقادة الشركات في منطقة اليورو من إبقاء الموظفين في أعمالهم من خلال برامج الإجازات وقنوات الدعم الوظيفية، التي ساهمت في خفض اضطرابات سوق العمل وتضخم الأجور. ولكنّ تأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا طالت التضخم في منطقة اليورو أكثر من الولايات المتحدة، ما أدى إلى الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة على امتداد أوروبا. وبالتالي، يمثّل التضخم في منطقة اليورو نتيجة واضحة للتأثيرات المباشرة المستمرة لصدمات توريدات الطاقة وتداعيات تعطل سلاسل التوريد، إضافة إلى توجه الشركات نحو توجيه هذه التكاليف نحو المستهلكين.

ما الذي حدث في سوق العمل بالولايات المتحدة؟

أغلقت شركات القطاع الخاص في الولايات المتحدة أبوابها بشكل جماعي في شهري مارس وأبريل 2020، في إطار إجراءات الإغلاق المرتبطة بجائحة كوفيد-19، ما أدى لفقدان أكثر من 21 مليون وظيفة. ويمثّل هذا الرقم معدل فقدان الوظائف الأكبر منذ أزمة الكساد الكبير بحسب حجم الاقتصاد.

وما يزال الموظفون والشركات في الولايات المتحدة يعانون من تبعات هذا الأمر حتى بعد مضي ثلاث سنوات، ويشير أصحاب الشركات إلى أن صعوبة التوظيف هي إحدى أبرز التأثيرات الناتجة عن تلك المرحلة. وبلغ معدل البطالة 3.7% خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، في حين كان متوسط فرص العمل المتوفرة في القطاع الخاص 10.1 مليون وظيفة شهريًا. وبالمقابل، شهد عام 2019 ومطلع عام 2020 معدلات بطالة متقاربة، وبلغ متوسط فرص العمل لدى القطاع الخاص 6.4 مليون شهريًا.

وتطرح هذه المقارنة سؤالًا هامًا حول واقع التوظيف بعد الجائحة: فمع وجود 3.7 مليون فرصة عمل إضافية شهريًا، ما هو سبب ارتفاع معدل الشواغر بنسبة 60% عن معدلات ما قبل الجائحة؟

يركّز العديد من المحللين على قلة الأشخاص الملتحقين بسوق العمل خلافًا للتوقعات، ما أدى لعجز بحوالي 1.6 مليون وظيفة حسب تقديراتنا. وساهمت قلة المشاركة بلا شك في تضييق ظروف سوق العمل، لكن ذلك لا يفسر وجود 3.7 مليون فرصة عمل إضافية شهريًا. ويكشف التحليل المتعمق للفئات العمرية وأنواع الوظائف وسلوكيات الموظفين عن ثلاثة أسباب إضافية لهذا الواقع (الشكل 4).

أولًا، يزداد معدل الأعمار في الولايات المتحدة بسرعة، لذا تساهم سلوكيات التقاعد الطبيعية بخفض معدلات دخول سوق العمل. وسجلت شريحة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 - 64 عامًا زيادة بمقدار 1.5 مليون نسمة بين شهري يناير ونوفمبر، وبلغ 3.5 مليون نسمة من مواليد فترة الطفرة السكانية سن 65 عامًا في الفترة نفسها. وتفضل نسبة 80% من الأشخاص الذين يبلغون سن 65 عامًا التقاعد، بينما يفضل 26% تقريبًا من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عامًا عدم دخول سوق العمل. وتوضح أنماط السلوك الطبيعية سبب تقاعد 2.8 مليون موظف وعدم دخول 400 ألف آخرين سوق العمل ضمن هذه الشريحة السكانية.

ثانيًا، ثمة أدلة على وجود تباين بين المهارات والوظائف منذ موجة التسريح في عام 2020. ولم يعد الموظفون ببساطة إلى وظائفهم السابقة بعد انتهاء الجائحة الصحية، إنما حدثت تحولات في الطلب في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية، وانتقل الموظفون إلى جهات جديدة وخسروا أو اكتسبوا مهارات جديدة أو تولوا وظائف جديدة ومختلفة. وتشير تقديراتنا إلى أن 40% من جهات التوظيف استغرقوا وقتًا أطول لملء الوظائف الشاغرة لديهم في عام 2022 مقارنةً مع عام 2019. وبحلول نوفمبر 2022، ساهم الاختلاف في تعافي مستويات التوظيف بين القطاعات في تغيير مزيج الوظائف، حيث وجد الموظفون فرص عمل في قطاعات نامية (الشكل 5). ويعكس الفائض المستمر في الوظائف الشاغرة استمرار تباين توزع المهارات عبر المناطق الجغرافية.

ويتمثل السبب الثالث لشح القوى العاملة في إعادة تقييم مزيد من الموظفين لطموحاتهم المتعلقة بالعمل والحياة عمومًا، حيث يترك الموظفون وظائفهم التقليدية لصالح فرص العمل المؤقتة أو الحرة أو للعمل بنظام الدوام الجزئي أو يؤسسون شركاتهم الخاصة. وترجع بعض هذه الأسباب إلى متطلبات الحياة، مثل رعاية الأطفال أو كبار السن أو حتى المشاكل الصحية المستمرة لدى البعض. وبيّنت دراستنا أن بعض الموظفين يتركون وظائفهم لمجرد أخذ استراحة ويثقون بقدرتهم على إيجاد وظيفة أخرى حالما يرغبون.

ثمة أدلة على وجود تباين بين المهارات والوظائف منذ موجة التسريح في عام 2020. ولم يعد الموظفون ببساطة إلى وظائفهم السابقة بعد انتهاء الجائحة الصحية.

ويصعب حل أي من هذه العوامل الثلاثة في وقت قريب، غير أنها باتت معروفة، ويمكن لقادة الشركات تغيير منهجيتهم المتبعة تجاه المواهب.

السيناريوهات المتوقعة

كان الأمر الأكثر غموضًا بالنسبة للأفراد والشركات والحكومات في بداية الجائحة هو تأثير انتشار المرض ومدى فعالية جهود الاستجابة، بينما كانت المخاوف الأخرى هامشية. وتمحور التركيز عند اندلاع الحرب في أوكرانيا حول الغموض بشأن مدة ومدى انتشار الاضطرابات والعقوبات واستجابات السياسة.

يجتمع اليوم عدد من العوامل المعقدة والمتنوعة لتفتح باب عصر جديد ينطوي على مصادر متعددة للمخاطر والفرص والنقلات النوعية المحتملة. ويتعين على القادة تقييم كيفية تطور النظام العالمي والتكنولوجيا والتركيبات الديموغرافية والطاقة والموارد ورأس المال وتأثيرها على الشركات (يُرجى الاطلاع على العمود الجانبي: "نقطة التحول وإطار سيناريو ماكنزي"). ويبرز في ضوء هذه العوامل بعدان رئيسيان يحددان إطار سيناريو ماكنزي الجديد، كما يوضح الشكل 1.

  • البعد الأول: حالة التوزان الهيكلي طويل الأمد والتعاون الدولي. يتناول هذا البعد مدى قدرة واردات المواد والسلع المصنّعة والأفراد والبيانات ورأس المال على تلبية الطلب العالمي وبأسعار معقولة. ويتأثر هذا البعد بقوة بالقوانين المحلية التي تحدد الاستجابات من جانب الطلب ومن قبل المؤسسات، فضلًا عن الأطر التي تحكم العلاقات الدبلوماسية وتداول العملات العالمية. وتبرز إحدى أهم المشاكل ضمن هذا البعد في قدرة العالم على صياغة القوانين والشراكات اللازمة لتحقيق تحول الطاقة بتكلفة معقولة.
  • البعد الثاني: المستوى قصير الأمد للدعم المالي وتوجه السياسة النقدية. ويتناول مدى جودة توزيع الإنفاق الحكومي والحوافز المقدمة للأسواق، وكيفية تأثير المصارف المركزية على توافر الائتمان وعلى الظروف المالية العامة. ويتأثر هذا البعد بصورة كبيرة بالمتغيرات السياسية الوطنية. ويُذكر من أهم التحديات ضمن هذا البعد مدى فعالية الخطوات التي تتخذها المصارف المركزية حاليًا في كبح الضغط التضخمي.

البعد الأول هو حالة التوازن الهيكلي طويل الأمد والتعاون الدولي والبعد الثاني هو المستوى قصير الأمد للدعم المالي وتوجه السياسة النقدي.

وتحدد كيفية تفاعل هذين البعدين وتباينهما الخيارات التي يتخذها الأفراد والشركات والمنظمات غير الربحية (بما يشمل المنظمات غير الحكومية والجامعات) للإنفاق والاستثمار وتطبيق الحلول المبتكرة. ويلعب التفاعل بين الأبعاد دورًا كبيرًا في تحديد نطاق نتائج الاقتصاد الكلي في السيناريوهات العالمية الجديدة التي طرحتها ماكنزي، بما في ذلك وتيرة نمو الإنتاجية والأجور والأرباح؛ وارتفاع أو انخفاض المشاركة في القوى العاملة، ومعدل إنفاق المستهلكين واستثمارات الشركات، وإلى أي مدى يمكن أن تصل معدلات التضخم، وإلى أي حد يمكن تحقيق انتقال الطاقة بتكلفة معقولة.

ويتوقع السيناريوهان التاليان A1 وC2 نطاق النتائج التي يجب على المدراء التنفيذيين وفرقهم مراعاتها مع بداية عام 2023. ويحمل السيناريو الثالث C3 واقعًا سلبيًا مشابهًا للظروف الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي (يمكن الاطلاع على العمود الجانبي "السيناريو C3: ركود عميق وقيود على النمو طويل الأمد وتغير كبير في نظام ضبط معدلات التضخم"). وتُظهر نظرة على التوقعات الاقتصادية مجموعة كبيرة من تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 من -1.4 إلى 1.2 في الولايات المتحدة، ومن -0.8 إلى 0.8 في منطقة اليورو. ويشير سيناريو ماكنزي إلى هذه التوقعات ويتضمن مخاطر هبوط إضافية يجب أخذها في عين الاعتبار.

السيناريو A1: هبوط سلس وتوجه متسارع نحو الازدهار مع بقاء التضخم ضمن معدلاته المستهدفة

يعتمد هذا السيناريو على قيام الأفراد والشركات والحكومات بتجديد التزامهم بتسريع التعاون الدولي. وتلتزم المجتمعات في هذا السيناريو بتحمل تكاليف المرونة، وضمان الوصول الموثوق إلى القطاعات الهامة، وسلامة ونشاط الاقتصادات والمجتمعات المحلية، إضافةً إلى دعم الأنظمة التي من شأنها توسيع عروض المنتجات ذات الأسعار المعقولة. ويشهد هذا السيناريو وقف تصعيد الحرب في أوكرانيا وغيرها من الاضطرابات الدولية وربما توجهها نحو الانحسار.

ويعمل صناع السياسات الاقتصادية في منطقة اليورو والولايات المتحدة على توفير حوافز لتعزيز الاستثمارات بين القطاع العام والخاص، والتي تساهم في معالجة انعدام التوازن قصير الأمد بين مستويات العرض والطلب على الطاقة. وتنجح الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية في تجاوز عام 2023 دون حصول ركود. كما ينحسر التضخم، بموجب هذا السيناريو، إلى نسبة 2% التي توقعتها البنوك المركزية (الشكل 6)، إلى جانب تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 3% بالتزامن مع عودة النمو.

ويسهم الالتزام تجاه التعاون الدولي، إلى جانب قرارات السياسة الاقتصادية الفعالة، في توفير حوافز طويلة الأمد للاستثمار والابتكار، فضلًا عن نمو الإنتاجية وتوسع مستويات العرض، ما يساعد على مواجهة التحديات السكانية لدى المجتمعات المعمّرة وتمكين التحول في مجال الطاقة بتكلفة معقولة. ويشير السيناريو إلى ظهور حالة من الازدهار المشترك بعد عام 2025 بفضل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي في الولايات المتحدة بنسبة تتجاوز 3%، بينما تحافظ منطقة اليورو على النمو فوق نسبة 2% بحيث يوفر الدخل من هذا النمو فوائد عديدة للجهات المعنية في المجتمع (الشكلين 7 و8).

السيناريو C2: ركود عميق يليه نمو ضعيف مع معدلات تضخم مرتفعة

يقرر الأفراد والشركات والحكومات في هذا السيناريو أن تكاليف التعاون الدولي تفوق الفوائد المنشودة. وتعاني التدفقات الدولية من الركود نتيجة عدم الاتفاق على القواعد الجديدة لمعالجة تأثير تعهيد الأعمال على الاقتصادات المحلية، ولمعالجة سلبيات الاعتماد المركز على المواد الخام وضعف مرونة النظام. وتتواصل الحرب في أوكرانيا لتزيد تفاقم نقاط الضعف هذه.

وتتخذ البنوك المركزية في منطقة اليورو والولايات المتحدة إجراءات مشددة لمعالجة التضخم وسط هذه الظروف الدولية الصعبة، ما يدفعها نحو الدخول في حالة من الركود خلال عام 2023. ورغم أن التضخم يتباطأ بصورة قسرية، إلا أن ذلك يحدث تدريجيًا حتى يفرض على البنوك المركزية التخلي عن أهداف نسبة 2% لتجنب الركود طويل الأمد. ويستمر التضخم عند حدود 3.5% أو أعلى بالتزامن مع تعافي النمو على المدى القصير إلى حوالي 2% في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو (الشكل 9).

كما يتراجع التعاون الاقتصادي الدولي، ويتم اعتماد سياسات اقتصادية أكثر تشدداً، وهو ما يؤدي إلى حوافز ضعيفة على المدى الطويل مع تباطؤ معدلات الاستثمار والابتكار، وبالتالي يضعف نمو الإنتاجية ويصعب إنتاج التكنولوجيا اللازمة لإنجاز التحول في مجال الطاقة بتكلفة معقولة. ويشهد هذا السيناريو عدم كفاية الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة ومصادر الطاقة البديلة لتطوير التقنيات الجديدة، ما يرفع مستوى الاعتماد على الوقود الأحفوري لتصل أسعار النفط العالمية إلى 130 دولار أمريكي للبرميل (الشكل 10). ويفرض النمو البطيء بعد عام 2025 صعوبة أكبر في تحقيق التزامات الشمولية، ويحقق الاقتصاد الأمريكي نموًا في الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 1.7% تقريبًا فقط، في حين يبلغ في منطقة اليورو أقل من 1%.

التصورات المبنية على السيناريوهات تساعد على بناء رؤى وأفكار استراتيجية وترسيخ الالتزام وتعزيز الأداء والمرونة

يمكن لفرق الإدارة تحقيق الازدهار بدلًا عن محاولة الصمود في وجه التقلبات، وذلك من خلال تعزيز المرونة والجرأة في شركاتهم (يُرجى الاطلاع على العمود الجانبي "احتواء حالة انعدام اليقين وتعزيز المرونة وتمكين النمو"). ويحرص القادة ممن يتمتعون بالحكمة والجرأة على تعزيز ميزات الأداء في شركاتهم وفق ثلاث طرق، وهي تعزيز الاستفادة من الرؤى والتحليلات وترسيخ الالتزام وتسريع جهود التنفيذ.

ويمكن لقادة الشركات استخدام سيناريوهات لتعزيز الاستفادة من الرؤى والأفكار من خلال تحليل عوامل النجاح طويلة الأمد، وعدم الاكتفاء بالعوامل قصيرة الأمد. وتكشف سيناريوهات ماكنزي الجديدة مجموعة واسعة من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتملة بين عامي 2025 -2030، بالتالي يتعين على القادة تحديد مدى ضرورة إجراء تغيير كبير في مجالات ومنهجيات المنافسة للاستفادة من خيارات النمو البديلة. ونطرح فيما يلي مثالين واقعيين، يغطي الأول شركة تتوقف استراتيجيتها على نتائج الاقتصاد الكلي، بينما يتناول المثال الثاني شركة تعتمد منهجية مغايرة تماماً.

  • شهدت إحدى الشركات المشغلة لمحطات شحن الحاويات زيادةً كبيرة في أعداد الحاويات خلال فترة الجائحة، ما أسفر عن تحديات تشغيلية غير مسبوقة وأرباح استثنائية. ولكنّ هذه الأرباح لن تستمر، ويكمن السؤال الجوهري فيما إذا كانت هذه الشركة ستشهد زيادة دائمة في عدد الحاويات بالمقارنة مع التباطؤ السائد منذ الأزمة المالية العالمية. وستلعب أعداد الحاويات هذه دوراً رئيسياً في تحديد الاستراتيجية لعام 2023 وما بعده.
  • تواجه إحدى شركات تصنيع البولي إيثلين تداعيات التحول السريع في مجال الطاقة، حيث تم تطبيق ضرائب الكربون وازداد مستوى طلب المستهلكين على المنتجات الخضراء. لذا من الضروري على الشركة دراسة مستوى الطلب المستقبلي، في حين أن التحدي الاستراتيجي الحقيقي يتمثل في كون التقنيات الأساسية اللازمة للمنافسة في هذا الواقع الجديد ما تزال في مرحلة البحث والتطوير. ويكمن العامل الأهم في مدى ثقة الفريق التنفيذي للشركة والجهات المعنية بكون البلاستيك الأخضر هو الحل الرائد في المستقبل.

ينطوي نمو القطاعات على جانب من الأهمية وسيتأثر بالناتج المحلي الإجمالي، ولكنّ الفارق الحقيقي في الأداء ينتج عن التدابير التي تقرر الشركة اتخاذها وطبيعة استجابتها للتوجهات العالمية. وتوفر هذه السيناريوهات نقاط استشراف قادرة على تحسين فرص النجاح، كما تساعد الفرق التنفيذية على بناء قناعة مشتركة حول بيئتهم التشغيلية والتنافسية، واتخاذ قرارات أكثر حسمًا فيما يتعلق بالتزاماتها وخطواتها الجريئة نحو تسريع التنفيذ، أو التأني والمحافظة على المرونة والخيارات التي تمتلكها.

ومن الضروري تطوير جهود تحسين المرونة والالتزام وتعزيز الأداء بناءً على السيناريوهات المتوافرة، وذلك من خلال عمليات تخطيط منفصلة بإشراف مباشر من الرئيس التنفيذي، فضلًا عن ضرورة تصميمها لتفادي تعطيل العمليات الجارية. ويتعين على فرق التخطيط المستقبلي تقييم البنى والمواهب الجديدة الضرورية للعمليات القائمة بحسب السيناريوهات المختلفة، وإدراك أن الإمكانات الرئيسية (مثل التخطيط والتحليل المالي) قد تتطلب استقدام موارد إضافية. ويمكن تنفيذ المبادرات المستقبلية بمنتهى السرعة والثقة من خلال تحديد الأولويات بصورة صحيحة والتزام فريق القيادة وتحسين الحوافز المقدمة ضمن الشركة.


يرى العديد من قادة الشركات أن عام 2023 يشكل امتدادًا للتحديات السابقة التي اصطدمت بها فرق القيادة. وتقدم السيناريوهات السابقة رؤى وأفكار حول مجموعة البيئات التشغيلية المحتملة، والفرص والمخاطر المترتبة على الخيارات المتنوعة، والجوانب التي تستوجب الانضباط والجرأة لتسريع جهود التنفيذ وبناء المرونة. كما تساعدكم هذه السيناريوهات على ترتيب أولوياتكم وتحقيق الازدهار عندما تتفاقم حدة الاضطرابات.

Explore a career with us