ورغم التحول اللافت مؤخرًا في توجهات الاستثمار نحو حلول المناخ، إلا أن الحفاظ على رؤية طويلة الأمد، تتجاوز تقلبات الدورات الاقتصادية، يظل أمرًا ضروريًا، خاصة مع تصاعد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جادة للحد من الانبعاثات. فقد سجلت الاستثمارات المؤسسية في إنشاء أعمال جديدة في مجال تكنولوجيا المناخ نموًا مستمرًا بين عامي 2019 و2023، مما عزز مسار النمو للشركات التي تبنّت هذا الاتجاه مبكرًا. ومع ذلك، لا تزال مستويات انتشار التقنيات منخفضة الانبعاثات تمثل نحو 10% فقط من المستوى المطلوب لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.1
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
تشكل الشركات الراسخة (الكُبرى)، ولا سيما في الصناعات التي تتطلب استثمارات عالية، عنصرًا مهمًا في سد فجوات التحول المناخي. وتمتلك هذه الشركات مقومات تؤهلها لذلك، من بينها كبر الميزانية العمومية، واتساع العمليات، والخبرة الطويلة في تنفيذ المشاريع الرأسمالية، إلى جانب البنية الاستراتيجية والقدرات البحثية. وعلى الرغم من بعض المؤشرات السلبية مؤخرًا مثل تأخير الاستثمارات أو تقليص الالتزامات المناخية، إلا أن الفترة من 2019 إلى 2023 شهدت نموًا استثماريًا واضحًا. وتحت هذه الظروف، يُعد ضمان الربحية عاملاً أساسيًا لاستمرارية هذا النمو، في وقت تخوض فيه الشركات الكبرى مراحل تحول في قطاع تقنيات المناخ.
يُسلّط هذا التقرير الضوء على عدد من الشركات الكبرى التي استثمرت خلال السنوات الماضية في مشاريع جديدة مدفوعة بتقنيات المناخ، وذلك بهدف الوقوف على أبرز الدروس المستفادة من تجاربها. ويعرض التقرير كيف يمكن تطبيق نموذج التوسع السريع، الذي طُوّر منذ عام 2022، لتمكين هذه الشركات من تنمية أعمالها في مجال تقنيات المناخ عبر مراحل النمو المختلفة. كما يستعرض تجارب بعض الشركات التي كانت سبّاقة في هذا المجال لاستخلاص العِبر العملية منها.
استثمارات الشركات الكُبرى الراسخة في قطاعات النمو المرتبطة بالتغير المناخي
تشير نتائج التحليل إلى أن استثمارات الشركات الكُبرى الراسخة — وتحديدًا 377 من أكبر الشركات عالميًا من حيث القيمة السوقية في القطاعات التي تعتمد على استثمارات ضخمة — في مجالات النمو المدفوعة بتقنيات المناخ قد ارتفعت بنحو ستة أضعاف خلال الفترة من عام 2019 إلى عام 2023، لتصل إلى إجمالي تراكمي قدره 683 مليار دولار، كما هو موضح في (الشكل 1). وشملت هذه الاستثمارات مزيجًا متنوعًا من الإنفاق الرأسمالي المخصص لتكنولوجيا المناخ، والإنفاق على البحث والتطوير، والاستثمار في الأسهم، وحصص رأس المال الاستثماري، بالإضافة إلى إعادة توجيه المحافظ الاستثمارية الأساسية نحو مجالات تكنولوجيا المناخ، وإطلاق كيانات مستقلة تركز على هذا القطاع (اطلع على العمود الجانبي بعنوان: "منهجيتنا"). وقد تركزت هذه الاستثمارات على 12 فئة من تقنيات المناخ، والتي يُمكن أن تسهم جميعًا في خفض ما يصل إلى 90% من إجمالي الانبعاثات الغازية الناتجة عن الأنشطة البشرية.2
سجلت الشركات الكُبرى الراسخة في قطاعات الطاقة وصناعة السيارات والنفط والغاز أعلى مستويات الاستثمار في مجالات النمو المرتبطة بالتغير المناخي خلال فترة الدراسة، حيث شهد قطاعا النفط والغاز وصناعة السيارات أعلى معدلات نمو في حجم الاستثمارات. وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق الرأسمالي شكّل ما بين 73% و90% من إجمالي الاستثمارات السنوية خلال هذه الفترة.
تُعد قطاعات السيارات، والنفط والغاز، والطاقة من أبرز القطاعات التي ضخت أكبر مبالغ في استثمارات مرتبطة بتقنيات المناخ من حيث إجمالي حجم الاستثمارات. ومع ذلك، تفاوتت نسبة هذه الاستثمارات مقارنة بإجمالي استثمارات كل قطاع بشكل ملحوظ؛ إذ خصص قطاع الطاقة، في المتوسط، نحو 24% من استثماراته لتقنيات المناخ، بينما بلغت النسبة لدى قطاع السيارات 19%، واقتصرت في قطاع النفط والغاز على 8% فقط.
تقود نسبة محدودة من الشركات الراسخة حركة الاستثمارات في تقنيات المناخ؛ إذ كانت 140 شركة من بين الشركات الكُبرى التي شملها بحثنا مسؤولة عن ضخ استثمارات بقيمة 683 مليار دولار، في حين ساهمت بقية الشركات بمستويات استثمارية محدودة. وعلى الرغم من تسارع وتيرة الإنفاق على تقنيات المناخ عبر مختلف المناطق الجغرافية، فإن الشركات في أوروبا وآسيا وحدهما تمثلان نحو 80% من إجمالي استثمارات الشركات الراسخة في هذا المجال.3
ما العوامل التي تدفع الشركات الراسخة للاستثمار في أعمال تقنيات المناخ؟
تتحمل أقل من 10% من الشركات مسؤولية نحو 50% من إجمالي الاستثمارات المعلنة، والبالغة 1.3 تريليون دولار، في مشروعات تقنيات المناخ المخطط تنفيذها حتى عام 2030. كما أن هذه المجموعة من الشركات كانت مسؤولة عن نحو 20% من إجمالي الاستثمارات المناخية خلال السنوات الخمس الماضية.
حتى اليوم، استثمرت الشركات الراسخة في مجالات تقنيات المناخ يقودها ثلاثة دوافع رئيسية ألا وهي: اغتنام فرص نمو جديدة، أو التحوط من تراجع محتمل في أنشطتها الأساسية، أو الاستجابة للمتطلبات التنظيمية المفروضة عليها.
تنوع مستويات نضج استثمارات الشركات الراسخة في مجالات تقنيات المناخ
يوفر إطار "الآفاق الثلاثة للنمو"4، الذي طورته ماكنزي، منهجية عملية تمكّن الشركات من تقييم فرص النمو المستقبلية وتحديد أولويات الاستثمار. يشير "الأفق الأول" إلى الأنشطة الأساسية الحالية — وغالبًا ما تعتمد على الوقود الأحفوري — التي تُشكل المصدر الرئيسي للتدفقات النقدية اليوم. بينما يغطي "الأفق الثاني" الفرص الناشئة، وهي الأعمال الواعدة التي تتطلب استثمارًا مبكرًا استعدادًا لتحقيق أرباح مستقبلية. أما "الأفق الثالث" فيتعلق بالخيارات الاستثمارية طويلة الأمد التي تمثل آفاق نمو محتملة للمستقبل البعيد. وتندرج مشروعات تقنيات المناخ ضمن أي من هذه الآفاق، وإن كان معظمها يتركز في الأفقين الثاني والثالث، حيث تمثل فرصًا واعدة للنمو والتحول مستقبلاً.
تعتمد درجة نضج الأعمال المرتبطة بتقنيات المناخ على ثلاثة عوامل أساسية وهي: قدرة التقنية على المنافسة من حيث التكلفة، ومستوى الدعم التنظيمي الذي تحظى به، ومدى جاهزية السوق لاعتمادها، مع العلم أن هذه العوامل تختلف من منطقة إلى أخرى. وخلال السنوات الخمس الماضية، استثمرت الشركات الراسخة أكثر من 80% من استثماراتها المناخية في أربعة مجالات رئيسية هي: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح البرية، والمركبات الكهربائية، وتقنيات البطاريات.5 وتُصنف هذه المجالات ضمن فئة "الأفق الثاني"، نظرًا لأنها أصبحت قابلة للتوسع التجاري ومحققة للربحية في العديد من الأسواق حول العالم.
بينما تركز معظم الشركات الراسخة على التوسع في مجالات قريبة من أنشطتها الأساسية بهدف الاستفادة من خبراتها القائمة وقاعدة عملائها الحالية، تتجه شركات أخرى إلى تنويع أنشطتها بعيدًا عن مجالاتها الرئيسية. فعلى سبيل المثال، استثمر عدد من شركات المعادن والموارد الطبيعية في مجالات الطاقة المتجددة والوقود منخفض الكربون، بهدف تنويع محافظها الاستثمارية واستكشاف مسارات جديدة لخلق القيمة.
كيف تصنع الشركات الراسخة نجاحها في تقنيات المناخ
رغم ما ينطوي عليه الاستثمار في أعمال تقنيات المناخ من مخاطر، ورغم أن بعض الشركات الراسخة لم تتمكن من تحقيق النجاح المتوقع، إلا أن هذا المسار الاستثماري يمثل فرصة حقيقية لبناء قيمة مستقبلية للمساهمين. وقد بدأت تبرز قصص نجاح واعدة، من بينها تحول شركة "نيكست إيرا إنرجي" إلى واحدة من أبرز منتجي الطاقة المتجددة عالميًا، وصعود "إل جي كيم" إلى مكانة متقدمة في تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية، وتسارع خطى شركة "مان إنرجي سوليوشنز" في تطوير سلسلة القيمة للهيدروجين.
في مجالات الأعمال المصنفة ضمن الأفقين الثاني والثالث، تظهر الشركات الراسخة الناجحة قدرة واضحة على فهم الجدوى الاقتصادية للاستثمار، وتتخذ إجراءات حاسمة لتحسينها. وإلى جانب ذلك، تركز هذه الشركات على تحقيق أعلى مستويات الكفاءة في التنفيذ، وتتمتع بمهارة دقيقة في اختيار التوقيت المناسب للاستثمار والتوسع. ومن خلال تحليلنا، حددنا نمطين رئيسيين للشركات التي نجحت في استثماراتها المناخية: الشركات الرائدة في التوسع المبكر، والشركات السريعة التي تحسن اقتناص الفرص ومواكبة التحولات.
الشركات الرائدة تستثمر في مجالات تقنيات المناخ في مراحل مبكرة، حيث تركز على الأعمال القائمة على تقنيات أثبتت قابليتها للتطبيق، لكنها لا تزال في بدايات نموها (ضمن الأفق الثالث). وتسعى هذه الشركات إلى الابتكار من أجل خفض التكاليف وتقليل كثافة رأس المال، كما تعمل على تعزيز كفاءة الأداء لتسريع الجدوى التجارية للتقنيات المناخية. وإلى جانب ذلك، تبادر إلى تشكيل بيئة تنظيمية داعمة، واستكشاف أسواق مربحة، عبر استهداف عملاء مستعدين لتحمل تكلفة أعلى مقابل حلول مستدامة. وعندما تتهيأ الظروف المناسبة، تضخ هذه الشركات استثمارات ضخمة لدعم انتقال الأعمال إلى مرحلة أكثر نضجًا وربحية (الأفق الثاني). وبفضل تحركها المبكر، تحصد هذه الشركات مزايا السبق إلى السوق وتعزيز موقعها التنافسي على المدى الطويل.
الشركات سريعة التحرك تركز على الاستثمار في مجالات تقنيات المناخ التي أصبحت جاهزة للتوسع التجاري، بعد أن أثبتت قدرتها على تلبية الطلب، مستفيدة في بعض الحالات من بيئة تنظيمية داعمة ومحفزة (ضمن الأفق الثاني). وتعتمد هذه الشركات على كفاءتها العالية في التنفيذ لبناء حجم أعمال كبير خلال فترة قصيرة، مما يتيح لها ترسيخ موقع تنافسي قوي في السوق. ورغم استفادتها من انخفاض مستوى المخاطر التقنية مقارنة بالمستثمرين الأوائل، إلا أن نجاحها يظل مرهونًا بقدرتها على التوسع السريع قبل احتدام المنافسة.
وبإمكان الشركات الراسخة تحقيق النجاح عبر أي من المسارين، وذلك تبعًا لقدرتها على تحمل المخاطر، ومدى كفاءتها في قيادة التحولات وتنفيذ خطط النمو بسرعة وكفاءة.
كشف تحليلنا عن نمطين من الإخفاقات المرتبطة بتوقيت الاستثمار. يتمثل الأول في التسرع بالاستثمار في أعمال تقع ضمن الأفق الثالث قبل أن تصبح جاهزة للتوسع التجاري. أما النمط الثاني، فيكمن في التأخر أو التباطؤ في الاستثمار في أعمال الأفق الثاني، مما يؤدي إلى التخلف عن المنافسين الذين نجحوا في تسريع نموهم والانطلاق بقوة في السوق.
تنطبق معادلة النمو المتسارع، التي طُرحت عام 2022، على الشركات الراسخة أيضًا، ولكن مع بعض الخصوصيات. فرغم أهمية جميع عناصر هذه المعادلة، أظهر تحليلنا أن الشركات الراسخة تحقق أفضل النتائج عندما تبني استثماراتها المناخية على مصادر قوتها الأساسية، مثل ضخامة ميزانياتها العمومية، واتساع هياكلها التنظيمية، وقوة قدراتها الاستراتيجية، إلى جانب استفادتها من قاعدة عملائها الراسخة وشبكة علاقاتها الوثيقة مع الموردين.
توفر معادلة النمو المتسارع إطارًا إرشاديًا يساعد الشركات على تقليل المخاطر وتسريع وتيرة التقدم عند الاستثمار في مجالات تقنيات المناخ، لاسيما عندما تكون جدوى الاستثمار واضحة، وتكون الشركة مستعدة، ويكون توقيت دخول السوق مناسبًا. ومع ذلك، فإن الاستثمار في أعمال الأفق الثاني يختلف جذريًا عن الاستثمار في أعمال الأفق الثالث، إذ يتطلب كل منهما نهجًا مختلفًا في التنفيذ والتوسع (اطلع على الشكل 2).
يتطلب تحقيق النمو المتسارع للأعمال في الأفق الثاني التركيز على التنفيذ الممتاز وعالي الجودة وتحويل العمليات إلى نموذج صناعي قابل للتوسع، بينما يتطلب النمو المتسارع للأعمال في الأفق الثالث التركيز على تهيئة الظروف اللازمة للتوسع.
الدروس المستفادة من الشركات الرائدة في السوق
يمكن أن تكون الاستثمارات في أعمال تقنيات المناخ غير مؤكدة في البيئة الحالية التي تشهد تغيرات في السياسات، والجغرافيا السياسية، والظروف الاقتصادية العالمية. في هذا السياق، نستعرض ثلاث دراسات حالة لاستثمارات ناجحة في أعمال تقنيات المناخ قامت بها الشركات الراسخة، والتي يتم تناولها بتفصيل في التقرير الكامل. رغم أن هذه الدروس قد لا تكون قابلة للتطبيق المباشر في جميع الحالات، إلا أنها تقدم إرشادات ذات قيمة للشركات.
تعد شركة "نيكست إيرا إنرجي" من الشركات الرائدة في قطاع الطاقة، حيث تجمع بين أكبر شركة مرافق كهرباء في أمريكا (شركة فلوريدا باور أند لايت)6 و"نيكست إيرا إنرجي ريسورسز"، التي تُعد واحدة من أكبر شركات توليد الطاقة المتجددة في العالم. وقد كانت "نيكست إيرا إنرجي" من الشركات الرائدة في مجال إنتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية. بدأت الشركة، التي كانت تعرف حينها باسم "إف بي إل جروب"، في استكشاف الوقود البديل منذ عام 1979. وفي عام 1997، أسست "نيكست إيرا إنرجي ريسورسز" للتركيز على الطاقة النظيفة، وفي عام 2009 أصبحت واحدة من أكبر منتجي الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة، وهو المركز الذي لا تزال تحتفظ به حتى اليوم. وقد طورت "نيكست إيرا إنرجي ريسورسز" قدرة توليد وتخزين الطاقة المتجددة بحجم يقارب 30 جيجاوات، مع سجل مشروعات يبلغ حوالي 22 جيجاوات وخط أنابيب مشاريع يصل إلى 300 جيجاوات.7
تأسست شركة "إل جي كيم" في عام 1947 كشركة متخصصة في المواد الكيميائية التجميلية، ثم توسعت لاحقًا إلى صناعة البتروكيماويات. وعلى مدار أكثر من عقدين، قامت الشركة بالاستثمار في مجالات تقنيات المناخ، وكونت محفظة استثمارية متنوعة تشمل المركبات الكهربائية، وتقنيات التدوير وإعادة الاستخدام والهيدروجين وتخزين الطاقة، بالإضافة إلى تطوير حلول للطاقة النظيفة. كانت "إل جي كيم" رائدة في مجال بطاريات السيارات الكهربائية، حيث بدأت في تصنيع بطاريات الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية في عام 1992، ثم توسعت إلى صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في عام 2012.8 واستمرت الشركة في تعزيز استثماراتها في هذا القطاع. وفي ديسمبر 2020، أسست شركة "إل جي إنرجي سوليوشن" (LGES)، التي أصبحت في نفس العام واحدة من الشركات الآسيوية الرائدة التي تهيمن على أكثر من 70% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية. اليوم، تستخدم بطاريات "إل جي" في أكثر من 11 مليون مركبة9 مما جعل "إل جي إنرجي سوليوشن" واحدة من أكبر شركات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في العالم.
مثال ثالث أيضًا، وهو شركة "تاتا باور"، إحدى أكبر شركات الطاقة المتكاملة في الهند، والتي يمتد تاريخها لأكثر من قرن. تعتبر الشركة رائدة في مجال الطاقة الشمسية، وقد استثمرت في تقنيات المناخ منذ أوائل التسعينيات. كما طورت الشركة قدرات توليد الطاقة المتجددة، وقامت بتوسيع أعمالها في مجال الهندسة والتوريد والبناء للطاقة الشمسية، علاوة على ذلك، عززت اللامركزية في قطاع الطاقة عبر التوسع في شحن السيارات الكهربائية، والشبكات الصغيرة في المناطق الريفية، والمضخات الشمسية، والأسطح الشمسية. ومنذ عام 2018، خصصت الشركة ما يقارب 60% من استثماراتها في نفقات رأس المال، التي تجاوزت 4 مليارات دولار، في مجال الطاقة المتجددة، حيث أنجزت نحو 11.5 جيجاوات من مشاريع الطاقة الشمسية في جميع أنحاء الهند، مع العديد من المشاريع الأولى من نوعها مثل الطاقة الشمسية العائمة، والطاقة الشمسية العمودية، ومواقف السيارات الشمسية. وفي السنوات الأخيرة، فصلت الشركة أعمالها في الطاقة المتجددة لتأسيس "تاتا باور للطاقة المتجددة"، ووسعت قدرتها على تصنيع الألواح الشمسية. وقد زادت قيمة سوق "تاتا باور" ست مرات منذ عام 2018، وهي اليوم واحدة من أكبر شركات الطاقة المتجددة في الهند وأكبر شركة للطاقة الشمسية على الأسطح في الهند، مع أكثر من 2 جيجاوات من التركيبات الحالية.
الفرص المتنوعة أمام الشركات الراسخة للاستثمار
لا تزال أعمال الأفق الثاني مليئة بالفرص، حتى في المجالات التي أصبحت تجارية ومكتملة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والمركبات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم أيون، هناك مجال كبير أمام الشركات الراسخة للاستثمار، وخاصة من خلال الاقتداء السريع بالمنافسين. ومن المتوقع أن تتسارع عملية استخدام الكهرباء في العديد من القطاعات مثل الصناعة والمباني والتنقل، مما يفتح فرصًا جديدة في مجال الطاقة المتجددة وفي سلسلة القيمة الخاصة باستخدام الكهرباء بشكل عام.
وهناك إشارات مبكرة تفيد بأن بعض الشركات في الأفق الثالث تقترب من مرحلة تصبح فيها قادرة على التوسع التجاري، مما يتيح فرصًا للشركات الراسخة لتطوير هذه الأعمال وقيادتها كرواد في التوسع المبكر. رغم أن الاستثمارات في العديد من هذه الأعمال أقل مما كان متوقعًا قبل بضع سنوات، إلا أن الاستثمار الإجمالي في التقنيات الرئيسية للأفق الثالث قد شهد نموًا مستمرًا، رغم وجود تأخيرات وإلغاء بعض المشاريع. ويسهم الاستثمار في المراحل المبكرة في تسريع جاهزية التكنولوجيا وزيادة قدرتها التنافسية من حيث التكلفة.
تظل الشركات العاملة في تقنيات الأفق الثالث تمثل نسبة صغيرة من إجمالي استثمارات الشركات الراسخة في هذا المجال، ولكن الإنفاق على هذه الشركات عند حدود الأفق الثاني قد زاد بشكل ملحوظ (اطلع على الشكل 3). كما نلاحظ أن شركات رأس المال الاستثماري المغامرة قد بدأت توجه استثماراتها بشكل أكبر نحو أعمال الأفق الثالث، ولعبت دورًا في تأسيس حوالي 17510 شركة ناشئة بقيمة مليار دولار أو ما يُسمى بـ "يونيكورن" في مجال تقنيات المناخ منذ عام 2015.
كما حدث مع السيارات في أوائل القرن التاسع عشر أو الهواتف المحمولة في أواخر القرن العشرين، ستشهد شركات تقنيات المناخ فترات من النمو السريع تليها فترات من الانكماش والتوحيد. ومع المخاطر التي ترافق هذه الدورات، تتمكن الشركات الراسخة من الاستفادة من هذه الفترات بتوقيت دخولها المناسب، واستخدام أصولها لتنفيذ استراتيجياتها بسرعة وفعالية، والتغلب على التحديات التي قد تظهر.
وفي ظل الظروف الحالية التي تتميز بالعديد من الضغوط الاقتصادية والشكوك المعروفة والجديدة، أصبحت الموازنة بين الأولويات القصيرة والطويلة الأمد مع التحلي بالمرونة أمرًا بالغ الأهمية. غالبًا ما تميز جودة القرارات التي يتم اتخاذها في الأوقات الصعبة الشركات الناجحة عن غيرها. ولذلك، فإن اللحظة الراهنة تمثل فرصة مهمة للشركات الراسخة لإعادة تقييم موقفها تجاه الفرص المتاحة في أعمال تقنيات المناخ. ويتضمن تقريرنا الكامل مجموعة من الأسئلة التشخيصية التي حددها بحثنا، والتي ينبغي على الشركات الراسخة طرحها على نفسها عند التفكير في استثماراتها.
وقد زادت استثمارات الشركات الراسخة في نمو الأعمال المتعلقة بتقنيات المناخ في السنوات الأخيرة، ولكن لا يزال هناك مجال كبير للكثير منها لاستكشاف فرص بناء الأعمال المرتبطة بتقنيات المناخ.11 إذ تتمتع تقنيات المناخ بالقدرة على خلق قيمة كبيرة خلال العقد المقبل؛ حيث قدّرت ماكنزي أن سوق تقنيات المناخ قد يوفر مبيعات سنوية تتراوح بين 9 تريليونات إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2030. ورغم بعض التأخيرات، تظل الفرص السوقية كبيرة بالنسبة للتقنيات التي تصل إلى مرحلة جاهزية التوسع الاقتصادي والتقني. ومع الاستفادة من الزخم الذي تحقق في السنوات الخمس الماضية، يمكن للشركات الراسخة أن تلعب دورًا رائدًا في تسريع هذه الأعمال في المساحات الكبيرة المتاحة لشركات الأفق الثاني والموجة القادمة من شركات الأفق الثالث.
بينما نعلم أن الشركات الراسخة تواجه تحديات مختلفة في أعمالها الأساسية وتتبنى استراتيجيات متنوعة، يقدم تقريرنا أمثلة على كيفية نجاح بعضها في بناء أعمال متخصصة في تقنيات المناخ. ومع تنوع الصناعات والمناطق الجغرافية، حان الوقت لجميع الشركات الراسخة أن تطرح على نفسها سؤالًا مهمًا: هل هناك فرص في مجال تقنيات المناخ يمكن أن تسهم في تحقيق نمو مستدام في المستقبل؟ وللشركات التي تقرر السعي وراء هذه الفرص، هناك دروس مستفادة من الشركات التي سبقتها في هذا المجال.
التقرير الكامل متاح باللغة الإنجليزية هنا.