الربع سنوية لماكنزي

التقرير الربع سنوي من ماكنزي
مراجعة تقرير ماكنزي المالي على مدى 20 عامًا وأهم ثلاثة تحديات مستقبلية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

يصادف اليوم الذكرى السنوية العشرين لإطلاق تقرير ماكنزي المالي، الذي أصدرنا منه حتى اليوم 80 عددًا، حيث أطلقنا أول نسخة في صيف عام 2001، وكانت الشركات ما تزال تعاني من تبعات انهيار فقاعة الإنترنت قبيل أسابيع من أحداث 11 سبتمبر التي هزت العالم.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وشهدت العقود التالية حروبًا وأزمات مالية وصحية على مستوى العالم وكذلك تراجع كبير في الثقة ببعض المؤسسات الكبرى، بالإضافة إلى تزايد الأصوات المطالبة بالحد من التغير المناخي الذي يشكل تهديدًا للبشرية بأكملها. كما شهدنا طرح تطورات تقنية على نطاق غير مسبوق، وإنقاذ الملايين من الفقر، والنمو الهائل الذي شهدته آسيا والاكتشافات الطبية المذهلة.

فما الذي يمكن أن تحمله لنا الأعوام العشرون المقبلة؟ لا يمكننا، بكل تأكيد إغفال الاحتمالات الكبيرة بحدوث تغييرات جذرية تطال مختلف مناحي حياتنا، وإن كنا غير قادرين على التنبؤ بها بدقة، إلا أنّنا نستطيع أن نتتبّع ضرورة تحقيق القيمة طويلة الأمد، التي تعد البوصلة التي ترشدنا في هذا المجال. وقمنا طوال الفترة الماضية بالتعمق في دراسة المبادئ الأساسية لعلوم المال والاقتصاد، وخصوصًا نظرًا لأهميتها في المراحل التي تسودها حالة من عدم اليقين.

وأشار وينستون تشرتشل في إحدى مقولاته الشهيرة إلى "أهمية التعمق في دراسة التاريخ، لنتمكن من توقع المستقبل"، ومن جهتنا نضيف بأن ذلك "يتيح لنا رؤية أوسع للمستقبل". ولا شك أننا سنواجه تحديات عديدة تستوجب منا الدراسة أيضًا، ونتناول في هذه المقالة ثلاثة من أبرز التحديات التي تواجه الشركات الكبيرة، وهي: الابتكار على نطاق واسع، والمبالغة في تطبيق الأفكار الجيدة، والمزايا التنافسية التي يوفرها الانتقال نحو الحياد المناخي.

1. الاستثمار في الابتكار: درس في مبدأ الهدم البنّاء

شهد الاقتصاد الحقيقي ابتكارات هائلة خلال الأعوام العشرين الماضية، وشهدت معظم القطاعات تغييرات عميقة وواسعة التأثير، وساهم بعض هذه التغييرات في إنشاء قطاعات جديدة. وأطلقت ماكنزي تقريرها المالي في مرحلة كانت فيها شركات "ألفابيت"، و"أمازون"، و"نتفلكس"، و"تينسنت" في بداية مسيرتها، كما سبق إطلاق "الآي بود" و"الآيفون" من شركة آبل، أو حتى تأسيس شركات "أير بي إن بي"، و"ميتا"، و"تسلا".

وبعيدًا عن قطاع التكنولوجيا، ساهمت الابتكارات التي شهدتها الأعوام الماضية في إطالة عمر الإنسان وإضفاء بُعد جديد على حياته ومنحته قيمةً كبيرة، حيث تواصل شركات علوم الحياة ابتكار أدوية وعلاجات وطرحها بوتيرة لا يمكن تخيلها، وذلك بهدف إنقاذ حياة أكبر عدد من المرضى (وخصوصًا ما شهدناه في مجال تطوير لقاحات وعلاجات كوفيد-19). ويمكننا أخذ مثال من قطاع الأطعمة والمشروبات، حيث شهدت السلع الاستهلاكية سريعة التداول ظهور أطعمة صحية وتوفير مزيد من الخيارات للمستهلكين، بما في ذلك ظهور أنواع جديدة من المياه وأصناف الشاي المثلج وغيرها من المشروبات واسعة الانتشار. كما أحدثت التجارة الإلكترونية نقلة نوعية في قطاع التجزئة، وأصبحت السيارات كهربائية بالكامل، مع وجود توقعات بأن تغدو ذاتية القيادة قريبًا.

ومن وجهة نظر اقتصادية فإن الفائدة التي تقدمها الابتكارات بالنسبة للبشرية ككل تعد أكثر أهمية من الجهة التي تقدمها، خلافًا للشركات الكبيرة ومستثمريها الذين يتنافسون مع نظرائهم على طرح الابتكارات. تسعى بعض هذه الشركات الكبرى إلى تأسيس شركات جديدة. وتوصّل زملاؤنا إلى أن 84% من الرؤساء التنفيذيين يعتقدون بالأهمية المحورية للابتكار في تحقيق النمو، إلا أن نسبة 6% منهم فقط يشعرون بالرضا عن سوية الابتكار في شركاتهم.

وتؤدي مفاهيم تفادي الخسارة والجمود التنظيمي والإجراءات البيروقراطية (مصطلح يشير إلى نظام إداري معقد يُطبق القوانين بقوة ويوزع المسؤوليات بطريقة هرمية ووفقًا للعلاقات الشخصية) إلى إعاقة جهود الابتكار في الشركات الكبرى، وعلى الرغم من توفيرها محفزات لإحراز التقدم من خلال شراء الابتكارات من الشركات الأصغر، إلا أن ذلك ربما يشكل استخدامًا غير فعال لرأس المال؛ إذ يمكن أن يشتري المساهمون في الشركات الكبرى الابتكارات بأسعار تتخطى تكلفة تمويل المبتكرين من البداية. ويتحمل المساهمون أحيانًا لوحدهم التبعات الناجمة عن تفوق مزيد من الشركات الابتكارية على نظيراتها التقليدية.

يؤكد 84% من الرؤساء التنفيذيين على الأهمية المحورية للابتكار في تحقيق النمو، إلا أن نسبة 6% منهم فقط يشعرون بالرضا عن سوية الابتكار في شركاتهم.

وتؤكد الأحداث التي شهدتها الأعوام العشرون الماضية حقيقة مصطلح الهدم البنّاء الذي أطلقه "جوزيف شومبيتر"؛ أي أنّ امتناع الشركات عن إحداث تغييرات جذرية في هيكليتها يتركها تحت رحمة الشركات الأكثر ابتكارًا. ونعتقد بقدرة الشركات الكبيرة على الابتكار شرط استعدادها للإقدام على المخاطرة وتقليل تركيزها على الأرباح الفصلية؛ لأن مستقبلها لن يتوقف على ربع واحد. وعادة ما يكون المستثمرون الخبراء الذين يدركون هذه الحقيقة سببًا في زيادة أسعار أسهم الشركات على المدى الطويل حسبما أظهرت أبحاثنا، فعلى الرغم من اهتمامهم بسوية الأرباح الفصلية لاستشراف الآفاق المستقبلية للشركة، إلا أنهم لا يحبذون زيادة هذه الأرباح على حساب سلامة الشركة ونموها على المدى الطويل.

ونشير هنا بأن الشركات التي تحقق التوقعات أو تتخطاها لا تكون بالضرورة أعلى قيمةً من نظيراتها التي تتقلب نتائجها في مجالات قريبة من التوقعات، بل بالعكس فإن الشركات التي تخطط على المدى القصير تكون أكثر قابلية للخسارة لعدم قدرتها على المنافسة على المدى الطويل أو تكون أكثر عرضة للانهيار كليًا. ويصعب أيضًا تحقيق النمو المستدام دون استثمار كافٍ في الابتكار. وكشفت دراسة أجراها زملاؤنا مؤخرًا بأن واحدة فقط من كل عشر شركات نجحت في تحقيق نمو في العوائد والأرباح خلال دورة من الانكماش والازدهار الاقتصادي امتدت عقدًا من الزمن.

2. تجنّب الإخفاق الشامل: المبالغة في تطبيق الأفكار الجيدة

قدمت الابتكارات منافع واسعة النطاق للمجتمع عمومًا رغم انعكاسها سلبًا على بعض القطاعات. ولمسنا بأنفسنا مدى تأثير الاضطرابات الخارجية غير المتوقعة على الاقتصادات، مثل أزمة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، غير أن الكثير من حالات الإخفاق على مستوى القطاع أو الاقتصاد بشكل عام كانت نتيجة أسباب ذاتية.

وتأتي النتائج الاقتصادية الضعيفة بسبب المبالغة في تطبيق الأفكار التجارية الجيدة أو التي تم طرحها بنية حسنة، حيث برزت خلال الأعوام العشرين الماضية ثلاث أفكار جيدة من حيث المبدأ، لتصطدم لاحقًا بأساسيات التمويل والاقتصاد وتتسبّب بركود اقتصادي وخسائر كبيرة في السوق.

وقد تمثلت الفكرة الأولى في التطور السريع في ظل اقتصاد جديد، حيث يمكن للشركات التي بوسعها اللحاق بركب الابتكارات التقنية بسرعة ضمان نتائج إيجابية. ومما لا شك فيه بأن المواكبة السريعة للتطورات فكرة مثمرة تحمل فوائد عديدة مثل تأثيرات اتساع نطاق الطلب. ولكن دخول مجال جديد لا يضمن لوحده تحقيق عوائد مجزية على تكلفة رأس المال أو المحافظة عليها، ولا يغني الشركات عن تطبيق المبادئ التقليدية لتوفير القيمة أو يعني بأن الاقتصادات ستواكب هذه التطورات.

لا يضمن دخول مجال جديد لوحده تحقيق عوائد مجزية على تكلفة رأس المال أو الحفاظ عليها.

شهدت الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر على سبيل المثال طفرة في قطاع السكك الحديدية، حيث تم مد عشرات آلاف الأميال من السكك حتى وصلت إلى أماكن محدودة الأهمية، ووضع المستثمرون ورواد الأعمال نمو هذه التقنية في صدارة أولوياتهم، ولكنهم أخطأوا حينما بالغوا في التمويل والإنشاءات إلى أن أعلنوا إفلاسهم في عام 1894 مما أدى إلى دخول الدولة في ركود اقتصادي كبير. ولم يؤدِّ الإفلاس إلى توقف السكك الحديدية، حيث قام بعض المفكرين المبدعين بإدارة خطوط السكك الأكثر أهمية بطريقة ذكية ما أفسح المجال لنمو اقتصادي هائل في مطلع القرن العشرين. أدرك هؤلاء المفكرون حيثيات القطاع ومحفزات تحقيق القيمة وحددوا مكامن الفرص وكيفية الاستفادة منها.

وتؤكد فقاعة الإنترنت بأن التاريخ يعيد نفسه أو على الأقل وفق القواعد ذاتها، ونذكر جميعنا مقولة أن شبكة الإنترنت العالمية ستغير كل شيء. وشهدت أواخر تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية تخطي أسعار الأصول قيمتها الحقيقية، وأكد المختصون بأن قواعد التمويل والاقتصاد تغيرت. ويؤكد كتاب "قواعد المعلومات"، الذي ألّفه "كارل شابيرو" و"هال فاريان" في عام 1999، قدرة بعض الشركات على تحقيق زيادة متنامية تتناسب مع حجمها، حيث يتيح لها نموها إحراز مزيد من هوامش الأرباح والعوائد على رأس المال. كما أشار الكتاب إلى صعوبة تحقيق الكفاءة بهذه الطريقة.

ولكن مؤيدي الاقتصاد الجديد، والذين لم يقرأ البعض منهم الكتاب، روجوا لعالمٍ غني بالمكاسب، حيث اعتبروا بأن حجز مكانهم في عالم الإنترنت هو أساس النجاح، واعتقدوا أن قوانين الاقتصاد فقدت أهميتها. وقادت طبيعة تلك الفترة مدعومةً بالتقييمات المرتفعة بعض الشركات إلى تأسيس شركات إلكترونية وتوسيع نطاق أنشطتها بأي ثمن. وفقد كثير من المستثمرين والمدراء ثقتهم بأساسيات الاقتصاد، إلا أن هذه الثورة كانت فقاعةً مصيرها الاختفاء.

وأصبحت شبكة الإنترنت بعد ذلك، على غرار السكك الحديدية قبل أكثر من قرن مضى، مصدرًا لقيمة كبيرة وأكثر استدامة ومساعدًا في تحقيق نمو اقتصادي أوسع. وتكبد رواد الأعمال الناجحون مشقة العمل لتحليل الظروف المحددة التي تتيح تحقيق القيمة. ونجح هؤلاء في إنشاء شركات توفر قيمة مستدامة، حققت بعد ذلك عوائد تتخطى رأس مالها بمراحل.

وتتلخص الفكرة الثانية المبالغ في تطبيقها بأن حجم الشركات يمنحها ميزة تنافسية، ولا شك في أهمية هذا العامل، بشرط انسجامه مع نموذج أعمال الشركة. وكان حجم الشركات هدفًا بحد ذاته في مختلف القطاعات والمناطق والأزمنة. ومن الأمثلة على ذلك توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، حيث قامت عدد من الولايات في أواخر تسعينيات القرن الماضي بإلغاء الضوابط التنظيمية لتوليد الطاقة، مما دفع العديد من الشركات الأمريكية المتخصصة بتوليد الكهرباء إلى تحويل وحدات توليد الطاقة لديها إلى شركات مستقلة مما يسمح لها بتعزيز رأس المال وتسريع وتيرة النمو. وجاء ذلك مدفوعًا بتكهنات البعض بأن مولدات الطاقة الأضخم تحقق القيمة الأكبر. واتبعت بعض الشركات استراتيجيات استندت على أسس منطقية وعقلانية أكثر من غيرها، حيث تحولت العديد من الشركات التي ركزت على توسيع نطاقها إلى مجموعة من محطات طاقة موزعة في أنحاء الولايات المتحدة والعالم لديها مزايا استراتيجية محدودة وديون كبيرة. كما ساهم التركيز على أحجام الشركات في زيادة السعة بشكل مفرط في القطاع عمومًا، وأدى ذلك إلى جانب تغيرات أسعار السلع الأساسية إلى تراجع عائدات منتجي الطاقة. ووصل الأمر إلى حد إفلاس بعض كبار المنتجين ممن يفتقرون إلى استراتيجيات متسقة ومزايا تنافسية ويحملون ديونًا كبيرة.

وتتمثل الفكرة الثالثة في توريق قروض الرهن العقاري، والتي أدت المبالغة بها إلى تداعيات كبيرة على مستوى الملايين من الأشخاص، إذ كان تجميع قروض الرهن العقاري وتحويلها إلى أوراق مالية ثم بيعها للمستثمرين فكرةً مبتكرة، ولكن تطبيقها بشكل مبالغ به أدى إلى حدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وركز كثيرون على التدابير التي كانت يمكن لها أن تخفف من حدة الأزمة فور حدوثها، إلا أن التاريخ يؤكد بأن غالبية الأزمات المالية العالمية جاءت نتيجة اختلال التوزان في توزيع الموارد الاقتصادية، إذ يصعب تجنب حدوث الانهيار مع وجود اختلالات كبيرة.

وشهد عاما 2005 و2006 أزمة مالية وشيكة الحدوث، حيث قامت البنوك، مدعومةً بقدرتها على تجميع وبيع الأوراق المالية المدعومة بقروض الرهن العقارية، بإقراض الكثير من الأموال إلى العديد من الناس الذين اشتروا عددًا كبيرًا من المنازل. ويمكن سداد قروض الرهن العقاري حصرًا، بما في ذلك العدد المتزايد من قروض الرهن العقاري عالية المخاطر، في حال استمرار ارتفاع الأسعار وفق معدلات غير طبيعية ولفترة طويلة لا يمكن تحملها. وعند إصدار السندات المدعومة بقروض الرهن العقاري للمرة الأولى، كان المشترون مستثمرين خبراء أمضوا وقتًا لا بأس به في تحليل المحافظ الأساسية. وأدى تزايد الإقبال على السندات إلى شرائها من قبل مستثمرين أقل خبرة اعتمدوا على وكالات تصنيف السندات دون إجراء أبحاثهم الخاصة. وكانت هذه الوكالات تتنافس بين بعضها مع تحفيزها من الشركات المصدرة للسندات المدعومة بقروض الرهن العقاري. مما وضعها تحت ضغوط كبيرة لمنح السندات تصنيفات ائتمانية عالية. واستند مستثمرون آخرون على أن هذه السندات كان يجري تجميعها ما يعُد وسيلةً لتخفيف المخاطر، ولكن ذلك لم يغير من حقيقة الأمر. وجاءت العواقب مع تجميع السندات وبيعها إلى مستثمرين أقل خبرة والاعتماد على استمرار ارتفاع أسعار المنازل.

ومما لا شك فيه أن الابتكار لا يأتي من تكرار الأفكار القديمة، ولكن سيكون أمامنا تساؤل حول المدى الذي يمكننا أن نطبق فيه هذه الابتكارات. وتسلط النظريات الجديدة الضوء على الفرص التحولية التي تتيحها تقنية البلوك تشين (بما يشمل استخدامها مع العملات الرقمية) وأساليب التحول الذي قد تشهده الشركات في عالم الميتافيرس. ويظهر خلافٌ على فكرة أخرى وهي مدى استدامة انخفاض أسعار الفائدة والمخاطر التي يفرضها التضخم، حيث خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة باستخدام آليات عديدة بما في ذلك شراء عدد كبير من السندات الحكومية، بعد حدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومجددًا بعد اتضاح خطورة أزمة كوفيد-19. وأتاح هذا الأمر للحكومات اقتراض أموال ضخمة وبأسعار فائدة منخفضة جدًا، مما أدى إلى تزايد الإنفاق والعجز الحكومي.

ويبقى السؤال اليوم حول إمكانية أن تصبح أسعار الفائدة المنخفضة، بما يشمل ارتفاعها مؤخرًا، هي الواقع الجديد، مما يؤدي إلى مفاقمة إفلاس الحكومات. ويقول البعض بأن العالم قد تغير وأن البنوك المركزية قادرة على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة نسبيًا، مما يتيح للحكومات مواصلة الاقتراض لتمويل المبادرات مثل الإنفاق الاجتماعي ومكافحة التغير المناخي. بينما يناقش آخرون مسألة ارتفاع الدين الحكومي بشكل كبير، والذي يؤدي إلى استحالة السيطرة على التضخم، ولا سيما مع تسهيل الإقراض عن طريق طباعة مزيد من الأموال في البنوك المركزية. وتستند كلتا الفرضيتين إلى أساسيات الاقتصاد، ويبقى المستقبل هو الحكم.

3. القدرات التنافسية في ظل التغير المناخي: رأس المال وحده لا يكفي

شهدت الأعوام العشرون الماضية تطورًا مهمًا إضافيًّا تمثل في تعزيز الوعي بالتغير المناخي والتحولات الكبيرة المرافقة له على صعيد القوانين وتخصيص رأس المال وسلوكيات المستهلكين. ويشكل التغير المناخي تهديدًا حقيقيًا يشمل جميع أنحاء العالم ويضعه أمام تحديات هائلة، تقدم معالجتها فرصًا هائلة. ويستلزم التغير المناخي من جميع القطاعات والصناعات الابتكار وإعادة تخصيص الموارد. وتشير تقديرات زملائنا في مركز ماكنزي العالمي للأبحاث بأن تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، يتطلب متوسط إنفاق سنوي بقيمة 9.2 تريليون دولار أمريكي على الأصول المادية، أي أعلى مما هو عليه اليوم بمبلغ 3.3 تريليون دولار أمريكي.

ويحتاج رواد الأعمال والشركات الساعين إلى تحقيق القيمة في مجالات عمل منخفضة الانبعاثات إلى وجود مزايا تنافسية، لأن امتلاك رأس مال للاستثمار أو إعادة التخصيص لا يكفي للمنافسة والفوز وسط عالم حيادي الكربون. وتستثمر اليوم شركات الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر وصناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية مليارات الدولارات في قطاع الطاقة المتجددة والوقود البديل وخفض انبعاثات الكربون والحلول التقنية الجديدة. وليس من السابق لأوانه أن نتوقع امتلاك الشركات في القطاعات التقليدية القدر الكافي من الخبرة والمحفزات وإمكانات الموظفين والمرونة التنظيمية لتتصدر هذه المجالات. ويتعين على الشركات التي ترغب بالمنافسة في مجال الانتقال إلى الحياد المناخي معرفة سبل تصدرها طليعة أصحاب الرؤى، الذين يدركون طبيعة الشركات الجديدة بالشكل الأفضل، بدلًا من كونهم مجرد تابعين يفتقرون إلى الاستراتيجية المدروسة أو يتجاهلون كليًا حتمية التغيير.

يتوجب على الشركات الساعية إلى تحقيق القيمة في مجالات عمل منخفضة الانبعاثات ضمان وجود مزايا تنافسية، لأن امتلاك رأس مال للاستثمار أو إعادة تخصيصه لا يكفي للمنافسة.

ويفرض استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة وغيرها من مصادر الطاقة على الشركات في قطاعات مثل النفط والغاز والكيماويات التفكير مطولًا في سبل إدارة تراجع أعمالها التقليدية. ويستلزم الابتعاد عن أعمالهم الأساسية دراسة دقيقة لتأثيراته على أصحاب المصلحة مع وجود منهجية مدروسة للصمود أمام العوامل المعاكسة الصعبة. وإذا اكتشفت الشركات بعد دراسة صريحة عدم قدرتها على إعادة استثمار تدفقاتها النقدية الإضافية في تقنيات تعزز قدراتها التنافسية، فيمكنها إعادة الأموال الفائضة إلى مستثمريها. مما يتيح وصول الأموال إلى جهات تتمتع بقدرات تنافسية عالية في طرح حلول جديدة منخفضة الكربون وتحقيق قيمة مجزية.

ويحمل التحول إلى الحياد الكربوني صعوبات وفرصًا كبيرة، ولكن ليس إلى الحد الذي يسمح لها بتعديل قوانين علوم المال والاقتصاد. وينعكس إغفال المبادئ الأساسية للقدرات التنافسية وضرورة تحقيق عائدات تتخطى تكلفة رأس المال بشكل سلبي على استدامة الشركات وسبل عيش موظفيها والمستثمرين (الذين يمثلون ملايين الأشخاص) من أصحاب الأموال المعرضة للمخاطر والعديد من الجهات المعنية في جميع أنحاء العالم


ولا يمكن أن نكتفي بالقول إن هناك تحديات كبيرة بانتظارنا، بما يشمل تطوير الابتكار من داخل الشركات وفهم الأفكار الجديدة وقيادة الشركات وسط التهديد الكبير للتغير المناخي، بل يتعين علينا إدراك أن هذه التحديات قائمة حاليًا، إلا أننا نملك أيضًا مجموعة من المبادئ الموثوقة في علوم المال والاقتصاد، بما في ذلك ضرورة مواكبة التغيير والسعي لتعزيز القدرات التنافسية وضرورة فهم جميع جوانب أعمال الشركة لتحقيق القيمة الاجتماعية والاقتصادية من خلال اغتنام فرص النمو الشامل والمستدام.

Explore a career with us