يوجد ضغط متزايد على شركات التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة لإحداث تحول في استراتيجيتها وعملياتها وخلال وقت قصير.
وتشهد تفضيلات المستهلكين تغيرات مستمرة تسبب ضغطًا إضافيًا على هوامش الربح الضيقة أصلًا، وعلى الشركات التي لم تنجح في الانتقال بشكلٍ فعال إلى التسويق الرقمي ومتعدد القنوات. كما تؤدي المشاكل في سلاسل التوريد والاضطرابات الجيوسياسية إلى الانعزال الإقليمي، ما يشكل اختبارًا صعبًا لقدرة الشركات على الاستجابة السريعة، وحتى بالنسبة لأكثر الشركات مرونةً. وبالتوازي مع ذلك، يؤدي التضخم المستمر وارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة النفقات الرأسمالية، ما يجبر الشركات على إعادة هيكلة حساباتها، وذلك في ظل تزايد المخاوف من الركود العالمي، حيث أظهر استبيان تم إجراؤه مؤخرًا أن 81 بالمئة من الرؤساء التنفيذيين يتوقعون حدوث ركود اقتصادي.
وفي سبيل مواجهة هذه التحديات بشكل فعال، يجدر بشركات السلع الاستهلاكية المعبأة إعادة النظر في منهجية التحول التي تتبعها، فبدلًا من أن يكون "التحول" مجرد مفردة رنانة لا تعني سوى "تخفيض النفقات"، يتعين على هذه الشركات اعتماد منهجية شاملة للتحول تركز على المدى الطويل، حتى لا تضطر إلى صياغة برنامج جديد كل سنتين ليضاف إلى قائمة طويلة من البرامج التي لم يُكتب لها النجاح. ويجب أن تقوم هذه المنهجية على بناء قدرات جديدة لا تكون عملية وحسب، بل تأسيسية أيضًا، بمعنى أن تشمل المؤسسة بأكملها بدلًا من أن تقتصر على إصدار المزيد من الأوامر من رأس الهرم.
وهنا يأتي دور المدير التنفيذي للتحول، والذي يلجأ إليه عدد متزايد من الرؤساء التنفيذيين لشركات التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة بوصفه عضوًا لا غنى عنه في الفريق التنفيذي، حيث يتولى قيادة التحول الشامل بدلًا من الاعتماد كليًا على البنى والأدوار الموجودة مسبقًا. وفي ظل هذا الاتجاه الجديد، أردنا أن نستكشف الطرق التي تتيح لشركات السلع الاستهلاكية تمكين المدير التنفيذي للتحول في مواجهة التحديات منذ البداية.
ولهذا الغرض، تواصلنا مع حوالي 40 من المدراء التنفيذيين للتحول الحاليين والسابقين، وغيرهم من قادة التحول في أهم شركات التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة، وسألناهم عن نطاق عملهم، والأخطاء الشائعة التي واجهوها، وطرق التفكير والعوامل الشخصية التي ساعدتهم على التكيف والنجاح، والدعم المؤسسي الذي تلقوه أو افتقدوا إليه. كما يقدّم هؤلاء مساهمات مفيدة بالنسبة لشركات السلع الاستهلاكية الأخرى، والتي قد تكون بصدد ضم مدير جديد للتحول إلى فريق عملها، أو إعادة صياغة دور المدير التنفيذي للتحول الموجود لديها، نظرًا لأن اتخاذ القرارات الصحيحة على مستوى التفاصيل ينطوي على أهمية حاسمة، بل إن نجاح التحول قد يعتمد عليها.
دور المدير التنفيذي للتحول: الوضع الحالي
شملت دراستنا 100 من الشركات البارزة في مجال التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة، بما فيها أفضل خمسين شركة في أمريكا الشمالية في كل من هاتين الفئتين. وأشارت الدراسة إلى أن 23% من هذه الشركات توظف مدراء تنفيذيين للتحول على مستوى المؤسسة، وهم أعضاء مختصون من الفريق التنفيذي ويعملون تحت إشراف مباشر من الرئيس التنفيذي. وترتفع هذه النسبة إلى 35% لدى اعتماد تعريف أوسع للمنصب، بحيث يشمل قادة التحول على مستوى نائب الرئيس فما فوق (ممن يتولون مهام التحول على مستوى المؤسسة أو أقسام محددة). وبالنسبة لشركات التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة التي يوجد لديها مدراء تنفيذيون متخصصون للتحول، فإن 86% من هذه الشركات قالت إن المدراء التنفيذيين للتحول لديها تولّوا مهامهم عام 2020 أو بعده، أي أنها اتجهت لاعتماد هذا الدور منذ وقت قريب (الشكل 1).
ورغم ارتفاع معدل تعيين المدراء التنفيذيين للتحول في شركات التجزئة والسلع الاستهلاكية المعبأة من مختلف الأحجام، فإن تعريف الدور يتباين من شركة إلى أخرى، وهو تباينٌ مفهومٌ إلى حدٍ ما، كونه يعكس جزئيًا الاختلاف في سياق التحول ونطاقه وأهدافه بين هذه الشركات. فعلى سبيل المثال، قال بعض المدراء التنفيذيين للتحول إنهم كانوا مكلفين بمهام مالية محددة وذات أهداف واضحة نسبيًا (كتخفيض نفقات سلاسل الإمدادات بمقدار 200 نقطة)، بينما شملت مهام مدراء آخرين أهدافًا أوسع نطاقًا وأكثر ارتباطًا باستراتيجية الشركة، مثل مساعدة الشركة على النمو بنسبة 10 أو 12% خلال السنوات الثلاث التالية، أو الانتقال بالأعمال إلى نموذج يعتمد على البيع المباشر للمستهلك. أما الفئة الثالثة من المدراء التنفيذيين للتحول فكانت مكلفة بتحقيق أهداف ترتبط بثقافة المؤسسة وكفاءاتها، كإزالة التكتلات بين الأقسام أو تعزيز التحول الرقمي في المؤسسة بمختلف مستوياتها. كما كان بعض المدراء التنفيذيين للتحول مكلفين بمواجهة العديد من هذه التحديات معًا.
وفي الوقت ذاته، فإن العديد من قادة التحول الذين تحدثنا معهم يرون أن دور المدير التنفيذي للتحول يترافق مع تحديات فريدة، إذ إن المدراء التنفيذيين للتحول غالبًا "لا يملكون صلاحيات كبيرة لكنهم يحاسَبون على كل شيء"، ما يفرض عليهم الموازنة بين المحاسبة من جهة، وبين تقديم الدعم الكافي ووضع أهداف طموحة وتحقيقها من جهة أخرى. وغالبًا ما يكون لدى المدراء التنفيذيين للتحول فريق عمل صغير خاص بهم، إلا أنهم في الوقت ذاته مسؤولون عن حشد طاقات مئات الأشخاص وتدريبهم. وإذا لم يتم تمكين المدراء التنفيذيين للتحول على النحو الصحيح، فقد تقتصر صورتهم على كونهم موظفين مكلفين بتخفيض النفقات أو إدارة المشاريع، ولكن تحت مسمى برّاق. وإضافة إلى ذلك، ونظرًا لأن هذا الدور جديد مقارنةً بالمناصب الأخرى في الفريق التنفيذي، فلا توجد خارطة طريق واضحة تبيّن المعايير المطلوبة للنجاح
وقد أظهر استبياننا الذي شمل قادة التحول بعضًا من هذه التحديات الشائعة، والتي جاء في مقدمتها تضارب الأولويات ضمن الشركة نفسها، ثم الافتقار إلى الصلاحيات لإحداث التغيير وانعدام الدافع ضمن فرق العمل. ورأى قادة التحول في تعزيز إشراك المؤسسة في التحول، إضافة إلى تقوية صلاحياتهم، سبلًا مهمة لتحقيق التغيير المطلوب (الشكل 2).
الأنماط الرئيسية للمدراء التنفيذيين للتحول
ليس من المفاجئ أن دور المدير التنفيذي للتحول لا يقوم على قالب واحد يناسب جميع الحالات، بل يمكن تقسيم المهام العامة لهذا المنصب إلى ثلاث فئات، تبعًا للظروف التي قادت إلى عملية التحول ومستوى التغيير المطلوب من خلالها (الشكل 3).
- المنقذ. يتم توظيف هذا النوع من المدراء التنفيذيين للتحول - كما يشير الاسم - في إطار الاستجابة لأزمة أو انتكاسة كبرى. ومن الأمثلة التي وردت على ذلك في مقابلاتنا تصاعد الضغوط على مستوى الاقتصاديات الكلية، ووجود أخطار تنافسية وجودية، والتغيرات في تفضيلات المستهلكين. ويتمثل دور هؤلاء المدراء في تقييم المخاطر وإعادة الاستقرار إلى المؤسسة، كما يتعين عليهم في معظم الحالات تحقيق تحسينات ضخمة وسريعة على الصعيد المالي. وعلى مستوى التغييرات الثقافية، يميل المنقذون عادةً إلى التركيز على الارتقاء بالسرعة والانضباط إلى مستويات جديدة، وبناء كفاءات مرتبطة بالتنفيذ بدلًا من اكتساب مهارات تقنية جديدة. ورغم اختلاف الأساليب الشخصية، فإن المنقذين يتفقون في معظم الحالات على ضرورة إعادة الحدة التنافسية في العمل لتحقيق النتائج المطلوبة.
- المجدّد. "المجدّد" هو المدير الذي يتولى تحقيق تحسينات هامة في الأداء، وغالبًا مع التركيز بشكل خاص على إحداث تغيرات مستدامة وطويلة الأمد. ويجد المدراء التنفيذيون للتحول أنفسهم مطالَبين بتأدية هذا الدور عندما تعاني المؤسسة من انخفاض أدائها تدريجيًا مع الزمن، أو عندما تمر بسلسلة من الأحداث التي تسبب تخفيض النفقات وتحاول بعدها أن تُرسي ثقافة جديدة ودائمة تقوم على التحسن المتواصل. ويركز المجددون بشكل كبير على حشد طاقات المؤسسة وتمكينها، ومساعدتها على بناء كفاءات تأسيسية وقيادية كفيلة بتحقيق تغيير مستدام على المدى الطويل. ويعمل هؤلاء المدراء عادة في غياب التهديدات المصيرية التقليدية (التي عادة ما يواجهها المنقذون)، لذا يكون عليهم بذل جهد أكبر لإيجاد الوسائل المناسبة لتحفيز وإلهام موظفيهم لخوض رحلة التغيير.
- المبتكر. فيما يعمل المنقذون والمجددون عادة في إطار الاستراتيجية الموجودة أساسًا لدى الشركة، فإن دور "المبتكر" يتطلب عادةً من المدير التنفيذي للتحول قيادة الشركة نحو تغييرات استراتيجية ضخمة، كالانتقال بنموذج الأعمال من المتاجر الحقيقية إلى التجارة الرقمية أو الدخول في منتج أو سوق جديد تمامًا. ونظرًا لطبيعة هذه التغيرات، يتعين عادةً على المبتكرين مساعدة الموظفين على بناء كفاءات جديدة كليًا وغير مألوفة (كما قد يكون عليهم بناء مؤسسات أو فرق عمل جديدة بأسرها). كما أن قدرتهم على توحيد الرؤية والعمل بين مختلف الأقسام تنطوي على أهمية كبيرة، إلى جانب القدرة على صياغة رؤية استراتيجية للمستقبل والتعبير عنها بوضوح.
وكما ذكرنا، فإن الأنماط الثلاثة للمدراء التنفيذيين للتحول تختلف عن بعضها من حيث نقاط القوة التي يركزون عليها، والتي ترتبط بدورها بشكل وثيق بطبيعة الأوضاع التي يواجهونها، حيث ينبغي على كل منهم إدراك المخاطر المحتملة المرتبطة بأوضاعهم. فعلى سبيل المثال، يركز المنقذون عادة على تحسينات الأداء على المدى القصير، وهو تركيز له أسبابه المنطقية، وقد لا تكون لديهم القدرة أو الإمكانية للتفكير إلا في فترة 6-12 شهرًا القادمة، وفي الطرق التفصيلية التي سيتبعونها لمساعدة الشركة على تحقيق النجاح خلال هذه الفترة المضطربة. بينما يعمل المبتكرون وفق رؤية استراتيجية كبرى، لذا فهم لا يركزون كثيرًا على الأداء المالي على المدى القصير أو المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن الأنماط الثلاثة محددة بوضوح نظريًا، إلا أن أدوار المدراء التنفيذيين للتحول ليست بهذا الوضوح على أرض الواقع، فعمليات التحول (والبيئات التي تجري فيها) تتطور، ما يفرض على المدراء التنفيذيين للتحول الذين يقودونها تطوير أنفسهم أيضًا. وقد يأتي ذلك ضمن تسلسل طبيعي، حيث ينتقل المدير التنفيذي للتحول من دور الإنقاذ مرورًا بالتجديد وصولًا إلى الابتكار، بما يواكب تعافي الشركة من تحدياتها المالية وبناء أسس مستدامة، لتدخل بعدها في مرحلة تطور استراتيجي. إلا أن هذه التغييرات قد تكون غير متوقعة، ومن الأمثلة على ذلك المدير التنفيذي للتحول في إحدى شركات السلع الاستهلاكية، والذي بدأ عمله بدور التجديد، إلا أنه اضطر إلى التحول إلى دور اﻹنقاذ مع ظهور تحديات طارئة في سلاسل التوريد شكلت تهديدًا للشركة.
وأخيرًا تجدر اﻹشارة إلى أن بعض قادة التحول لا يمكن تصنيفهم ضمن أي من الأنماط الثلاثة، فهم ليسوا من المنقذين أو المجددين أو المبتكرين، بل أقرب إلى المراسلين. ويلعب هؤلاء دورًا أقرب إلى إدارة المشاريع، وتتمثل واجباتهم عمليًا في "اﻹبلاغ عن المستجدات" حول سير هذه المشاريع. إلا أن هذا النوع من الصلاحيات، وإن كان مفيدًا ظاهريًا، يحد من إمكانيات دور المدير التنفيذي للتحول، لذا فإن أمام الشركات والرؤساء التنفيذيين فرصة للارتقاء بالمراسلين من مجرد دور إداري إلى مساهمة حقيقية في إحداث التحول الذي تحتاجه الشركة.
المهارات المطلوبة من المدير التنفيذي للتحول: وصفة النجاح
تشير دراستنا إلى أن اﻷنماط الثلاثة للمدراء التنفيذيين للتحول، رغم اختلافاتها، فهي تتشارك مجموعة من المزايا الشخصية الهامة للغاية للنجاح في أداء الأدوار المطلوبة. ويكون المدير التنفيذي المثالي للتحول شخصًا لديه خبرة عامة في اﻷعمال، وفي جعبته مجموعة متنوعة من المزايا الشخصية، بما في ذلك الفضول والتواضع اللازمان لطرح اﻷسئلة في مختلف مستويات المؤسسة، إضافة إلى المهارات الدبلوماسية التي تتيح بناء الإجماع والحماسة في مختلف وحدات الأعمال التي لا تعمل تحت إدارته مباشرة. كما ينبغي أن يحظى الشخص الذي يتولى هذا الدور بالمصداقية في مختلف مستويات المؤسسة.
لكون عمله يتطلب الموازنة بشكل دقيق بين المحاسبة وتقديم الدعم المطلوب، وهو توازن يفشل كثر في الحفاظ عليه، حيث يميل البعض إلى القسوة المفرطة في المحاسبة، بينما يبالغ آخرون في تقديم الدعم على حساب الهدف البعيد. مزايا المدير التنفيذي الناجح للتحول:
- الخبرة في عالم الأعمال. اتفق جميع قادة التحول الذين التقيناهم، سواء كانوا من المنقذين أو المجددين أو المبتكرين، على ضرورة أن يكون مدير التحول "صلة الوصل" - بمعنى تحليه بخبرة واسعة النطاق في مجال الأعمال، تتيح له إدراك تداعيات القرارات التي يتم اتخاذها بالنسبة لمختلف مستويات المؤسسة. كما نوه العديد من المدراء التنفيذيين للتحول، وخاصة المنقذين الذين يتعين عليهم تحقيق تغييرات في الأداء المالي خلال وقت قصير، بالحاجة إلى فهم سلسلة القيمة بمختلف مراحلها من البداية إلى النهاية.
-
تفكير عابر للتكتلات. يتمتع مدير التحول الناجح بخبرة في مجالات وأقسام متعددة. ووفقًا لما أفاد به المدراء التنفيذيون للتحول الذين شملهم الاستبيان، فإن المبادرات التي قادها قسم معين كانت تخضع لتحيزات وتفضيلات القسم المذكور، ما يصّعب إحداث تحول حقيقي. لذا فإن كبار القادة، بما في ذلك المدراء التنفيذيون للتحول، الذين يبقى تفكيرهم محصورًا ضمن تكتل معين تكون فرصهم في تحقيق تحول ناجح أقل من نظرائهم الذين يخصصون الوقت الكافي لتلافي الثغرات في رصيدهم المعرفي.
وقد انعكست هذه النقطة في الخلفيات المتنوعة للمدراء التنفيذيين للتحول الذين قابلناهم، سواء كانوا من المنقذين أو المجددين أو المبتكرين، إلى جانب تمتع الكثيرين منهم بتجارب متعددة في أقسام مختلفة ضمن الشركة نفسها (كالتمويل التقني، والأبحاث والتطوير، ومالكي الأرباح والخسائر، والاستراتيجية). كما جمعت أقلية من المدراء بين مهام التحول والاستراتيجية، وكانت هذه الحالة أكثر شيوعًا بين المبتكرين، نظرًا لكونهم مكلفين بتغيير نموذج أعمال شركاتهم بالكامل.
-
القدرة على بناء الثقة والاحترام. يمثّل تأثير مدراء التحول على المحيطين عامل القوة الرئيسي بالنسبة لهم، لذا فإن اكتساب الثقة والاحترام هو عامل أساسي لنجاحهم في مهامهم، خاصة وأنهم يلعبون دور الرابط الذي يجمع بقية المسؤولين التنفيذيين، ما يتطلب منهم التحلي بمزيج مؤثر من الذكاء العملي والعاطفي ليتمكنوا من فهم المشاكل التي يواجهونها ورسم الطريق للخروج منها.
وحول ذلك، قال أحد المدراء التنفيذيين للتحول المشاركين في الاستبيان: "من غير الصحيح التسبب باضطرابات كبيرة دون سبب وجيه. وقد سبق لي أن عملت مع أشخاص يعتمدون على الشراسة، وهو ما لم يكن لينجح في ثقافتنا، فالمطلوب هو بناء علاقات قائمة على الثقة مع القادة، بما يتيح خوض المحادثات المناسبة في الوقت المناسب".
-
الإصغاء بفضول وتواضع. أشار جميع قادة التحول الذين تحدثنا معهم إلى قدرتهم على التعلّم من الآخرين في سبيل تمكينهم، وهو ما يتطلب فهم الوضع في سياقه الكلي من جهة، وإبداء الرغبة في الخوض في أدق التفاصيل من جهة أخرى. وحول ذلك، قال لنا أحد قادة التحول: "غيرتُ رأيي في بعض الحالات لأني كنت مُخطئًا، ولم تكن لدي مشكلة في ذلك، إذ يجب أن يكون لديك الاستعداد للإصغاء إلى شخص يقل عنك خمس درجات في السلم الوظيفي كي يشرح لك أمرًا ما لأنك لا تفهمه.
من جانبه، قال مدير التحول في إحدى شركات السلع الاستهلاكية: "يجب أن تكون قادرًا على أن تلعب دور المشغّل، ففي اللحظة التي تتصرف فيها كأنك تعرف كل شيء، تكون قد حكمت على نفسك بالفشل. لذا ينبغي أن تكون قادرًا على القيادة والتنسيق وخوض التحديات". كما أكدت لنا إحدى المديرات أنها كانت تطرح الأسئلة بنبرة متواضعة، قائلة: "كنت أقول للموظف أنني لا أعرف عن الموضوع الكثير كما يعرف هو، ولكنني أعرف ما يكفي لأدرك أنه لا يزال غير منطقي".
-
الإقدام على تحدي الوضع الراهن بثقة. أجمع قادة التحول الذين شملهم الاستبيان على ضرورة الاستعداد لطرح الأسئلة والتعبير عن الشكوك في مختلف مستويات المؤسسة، وهو ما يكون من خلال التحلي بالإصرار والاستمرارية لمتابعة العمل حتى تحقيق النتائج المطلوبة، والتركيز على أدق التفاصيل، بالإضافة إلى محاسبة الزملاء.
كما أكد المشاركون في الاستبيان على أهمية القدرة على تحدي القيادة، حيث قال مدير التحول في إحدى شركات التجزئة: "يتوقع [الرئيس التنفيذي] مني أن أكون واضحًا ومباشرًا، وأن أخبره بما يجب أن يعرفه حتى وإن كان وقعه صعبًا، وإذا لم تكن لديك هذه القدرة فقد فشلت في مهمتك قبل أن تبدأ".
-
تحفيز الآخرين لإظهار أفضل ما لديهم. أشار العديد من المدراء التنفيذيين للتحول إلى أن حماستهم والتزامهم الشخصي بالتغيير ساعدا على تعميم هذه العقلية على مستوى المؤسسة، كما قال البعض إن دورهم كان يشمل تسريع المسيرة المهنية للآخرين، من خلال تكليفهم بمسؤوليات جديدة وتحفيزهم للقيام بأكثر مما يقومون به حاليًا، وأكثر مما كانوا يظنون أنه ممكن. وحول ذلك، قال أحد المدراء التنفيذيين للتحول: "تتمثل قوتي في مساعدة الآخرين على بناء ثقتهم بأنفسهم".
وتُظهر دراسات ماكنزي أن الأغلبية العظمى من عمليات التحول تبوء بالفشل، حيث يعود هذا الفشل في جزء كبير منه إلى مقاومة القيادة أو الموظفين للتغيير، لذا فإن قدرة مدير التحول على إلهام الآخرين وصقل إمكانياتهم تحمل أهمية حاسمة في حشد طاقات المؤسسة.
- • الحفاظ على مستويات الطاقة في المؤسسة. يدرك المدراء التنفيذيين للتحول الناجحون أن التحولات هي عبارة عن ماراثون، وليس سباقًا للمسافات القصيرة. وتظهر أبحاثنا أن %78 من حالات الفشل في عمليات التحول تحدث بعد المراحل الأولى، وأن 55% منها تحصل خلال تنفيذ التحول على المدى الطويل. أما القادة الذين يحققون النجاح في عمليات التحول فيتمتعون بالقدرة على الحفاظ على مستويات الطاقة والتركيز في المؤسسة والالتزام بعملية التحول مع مرور الوقت. وقال المدراء التنفيذيين للتحول الذين تحدثنا معهم إنهم نجحوا في تحقيق ذلك من خلال إيجاد سُبل مبتكرة تنسجم مع ثقافة المؤسسة. وتحدّث أحد المدراء التنفيذيين للتحول عن تجربته قائلًا: "في أحد الأشهر أقمنا مسابقة لتحقيق أهداف معينة، وفي شهر آخر طلبنا من الموظفين اقتراح أفكار غير مألوفة لتحسين الأعمال".
المؤسسة: خمسة عوامل لنجاح مدير التحول
من خلال خبرتنا التي تشمل مئات عمليات التحول في مختلف أنحاء العالم، وجدنا أن معظم المدراء التنفيذيين الناجحين للتحول يحظون بدعم قوي ومستمر من مؤسساتهم لإنجاز تحول حقيقي، وهو دعم غالبًا ما يتجسد في خمسة أشكال.
الدعم الراسخ من الرئيس التنفيذي
يحظى المدراء التنفيذيون للتحول بأكبر فرص للنجاح عندما يعامَل دورهم معاملة الند للفريق التنفيذي والقيادي، وعندما يعملون بدعم كامل قولًا وفعلًا من الرئيس التنفيذي. ويشير أغلب المدراء التنفيذيين الناجحين للتحول إلى أن رئيسهم التنفيذي مستعد للحوار واتخاذ القرارات الصعبة (بما في ذلك مقابلة الآخرين بالرفض عندما يحاولون الالتفاف على مدير التحول). ويصف أحد المدراء التنفيذيين للتحول هذه العلاقة بالقول: "أنا من المقربين من الرئيس التنفيذي".
الصلاحية بإجراء الحوار مع جميع الموظفين
أظهرت أبحاثنا أن فرص نجاح التحول تزداد بشكلٍ كبير عندما تشارك نسبة هامة من الموظفين بشكل فعال في تحقيق التغيير (مثلًا من خلال تطوير مبادرة خاصة بهم). ولتحقيق ذلك، ينبغي أن يتمتع مدير التحول بالصلاحية لحشد طاقات المؤسسة على نطاق واسع. وقد يكون فريق العمل المباشر لمدير التحول صغير الحجم، لكن أثره المؤسسي ينبغي أن يكون كبيرًا. وحول ذلك، قال لنا أحد المدراء التنفيذيين للتحول: "يشارك في عملية التحول لدينا أكثر من 350 شخصًا، ليس لكل واحد منهم مبادرته الخاصة، ولكن لكلٍ منهم أهداف محددة مرتبطة بالمبادرات الموجودة".
آلية سلسة للتنفيذ
ينطوي إنشاء مكتب للتحول، وما يتولد عنه من سرعة جديدة في العمل، على أهمية مركزية في قدرة مدير التحول على تحقيق تغيير حقيقي ودائم. وهو ما أشار إليه أحد المدراء التنفيذيين للتحول بالقول: "نحن مقبلون على ثالث سنة في عملية التحول، ولا زلت حتى الآن مواظبًا على إيقاعٍ أسبوعي، وهو عامل مهم للغاية في الحفاظ على زخم التحول وضمان استمرار نجاحه".
برنامج قوي للحوافز
تظهر أبحاثنا أن الشركات التي طبقت نظام حوافز مالية مرتبطًا بشكل مباشر بنتائج التحول قد حققت زيادة تقارب الخمسة أضعاف في إجمالي عوائد المساهمين، وهو ما عبّر عنه أحد المدراء التنفيذيين للتحول إذ وصف نفسه بـ "مدير المكافآت". إلا أن أكثر عمليات التحول نجاحًا تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل التي تحفز الموظفين، لذا فهي تضم مكافآت مالية وغير مالية.
التركيز على المهارات لتحقيق نتائج ملموسة
شدد عدد من المدراء التنفيذيين للتحول الذين قابلناهم على أهمية تغيير العقليات والسلوكيات للوصول إلى تحسّن مستدام في الأداء، ومساعدة الموظفين على بناء كفاءات جديدة. وقالوا إنهم جعلوا من مكتب التحول "أكاديمية للقيادة" بهدف إعداد جيل جديد من الموظفين عالي الأداء في الشركة.
يحمل منصب مدير التحول طبيعة فريدة، فهو يتطلب قائدًا متنوع المهارات، ويمتاز بالثقة والمرونة اللازمتين للتكيف مع أية ظروف قد تواجهه. وقد قال المدراء التنفيذيون للتحول الذين تحدثنا معهم إنهم استمتعوا كثيرًا بالمهمة، فهي تنطوي على خطورة فشل عالية، لكن نجاحها يكون مبهرًا. وعلق أحد المدراء التنفيذيين للتحول على ذلك بالقول: "هذه الوظيفة ممتعة ومؤثرة للغاية، لكنها في الوقت نفسه تستهلك الكثير من الوقت، ومتعبة من الناحية النفسية". يمكن الختام بالقول إنه في عصرنا الحالي، الذي يتسم بالثورات المتلاحقة، يمكن للشركات التي تدرك قيمة منصب المدير التنفيذي للتحول أن تعزز من فرص النجاح في تحقيق تحولاتها.