يواجه المستهلكون في الولايات المتحدة ضغوطًا مادية ملحوظة، سواء بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والمحروقات وغيرها من المنتجات. وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة منذ عقود، ما عزز من قلق المستهلكين ودفعهم إلى تغيير أساليبهم في الإنفاق والادخار. ويختلف هذا الواقع بين فئات المستهلكين. فعلى الرغم من تراجع ثقة المستهلكين العامة إلى مستويات غير مسبوقة، ما تزال مستويات الادخار مرتفعة، وتوجد فوارق طفيفة في استجابة المستهلكين بناءً على الفئات العمرية ومستويات الدخل ونوعية المشتريات.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وتستند دراستنا الأخيرة إلى استبيان تم إجراؤه في يوليو 2022، والذي كشف مدى تباين مشاعر المستهلكين وسلوكياتهم في الولايات المتحدة خلال هذه الفترة غير المستقرة، والتي تتوازى مع تحول كوفيد-19 إلى مرض متوطّن وتصدّر التضخم واجهة الاهتمام. وتحمل نتائج المسح آفاقًا مبشرة وسط المشهد الاقتصادي السلبي خلال صيف العام الجاري، على الرغم من أنها لا تشمل استجابة المستهلكين لتقرير الوظائف القوي الذي أصدرته الحكومة الأمريكية في أواخر يوليو، أو لتراجع معدلات التضخم الذي تم الإعلان عنه في مطلع أغسطس. ويفرض هذا الواقع على الشركات ضرورة التركيز على المرونة والتكلفة، والاعتماد المدروس على النمو طويل الأجل. ويتعين على الشركات محاولة فهم الفروقات الطفيفة في المشاعر والسلوكيات لدى مختلف شرائح المستهلكين، وضمن المجالات التي تنشط فيها هذه الشركات.
وتسلّط الرسوم البيانية الثمانية التالية الضوء على نتائج آخر دراسة استقصائية لنبض المستهلك، والتي تم نشرها بين 6 و10 يوليو 2022، وشملت آراء أكثر من 4,000 من البالغين في الولايات المتحدة (والذين تم اختيارهم وتقييمهم لتمثيل جميع الشرائح السكانية في الولايات المتحدة). وجمعنا النتائج مع بيانات من أطراف ثالثة لفهم آراء المستهلكين وسلوكياتهم. وتستند هذه التحليلات إلى جهودنا المستمرة منذ مارس 2020، حين بدأنا بإجراء دراسات استقصائية دورية حول المستهلكين، ودمج أبحاثنا وتحليلاتنا مع بيانات أطراف مستقلة حول معدلات الإنفاق في الولايات المتحدة، بهدف تكوين أفكار ورؤى بشأن كيفية تحول مشاعر المستهلكين منذ بدء أزمة كوفيد-19.
ثقة المستهلكين تتراجع إلى مستويات غير مسبوقة. صحيحٌ أن أزمة كوفيد-19 سببت اضطرابات في الأسواق العالمية على مدار أكثر من عامين، غير أن شعور المستهلكين تجاه الاقتصاد اتسم بالاستقرار الكبير لغاية هذا الصيف. واستطلعنا آراء المستهلكين عدة مرات حول مدى ثقتهم بالاقتصاد الأمريكي منذ مارس 2020، حيث أشار أكثر من 80% من المشاركين في جميع الاستبيانات إلى ثقتهم بتعافي الاقتصاد أو عودته إلى النمو خلال شهرين أو ثلاثة، أو أن الاقتصاد سيتأثر لفترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا ليعود إلى الانتعاش خلال فترة أطول بقليل.
بلغ التضخم اليوم أعلى معدلاته منذ أربعة عقود، ما انعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي. ويعتقد 30% من المشاركين في دراستنا أن الآفاق الاقتصادية تحمل طبيعة سلبية، وقالوا إننا نتجه إلى واحدة من أسوء فترات الركود على الإطلاق، وهي نسبة تمثّل ضعفي عدد الأشخاص الذين كانت لديهم مشاعر سلبية حول الاقتصاد طوال فترة الجائحة الصحية. وتنعكس هذه النتائج في مختلف الدراسات والاستبيانات. وبدورها، أشارت جامعة "ميشيجان"، التي تتتبع مشاعر المستهلكين منذ عام 1952، عن تسجيل تراجع قياسي في ثقة المستهلكين خلال صيف العام الجاري.
تبعات التضخم تتصدر دائرة الاهتمام. سجل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعًا بنسبة 9.1% على أساس سنوي في يونيو 2022، ما عزز قلق جميع المستهلكين بشأن الأسعار والنفقات. وأصبح ارتفاع الأسعار مصدر القلق الأبرز لدى المستهلكين، على غرار التحول الذي شهدته أوروبا في مشاعر المستهلكين مع بداية صيف العام الجاري. ولدى سؤال المستهلكين حول أبرز ثلاثة مخاوف يواجهونها اليوم، حلّ التضخم في المرتبة الأولى لدى نحو ثلثي المشاركين في الدراسة، وبفارق كبير عن باقي المخاوف الاقتصادية والسياسية والشخصية، بما فيها كوفيد-19.
ويختلف مدى تخوّف سكان الولايات المتحدة من التضخم، إذ يبرز تباين حاد في الآفاق المستقبلية بين الفئات العمرية المختلفة. وأشار 75% من المشاركين من جيل طفرة المواليد إلى أن ارتفاع الأسعار هو مصدر قلقهم الأكبر، في حين ينطبق هذا الرأي على 71% من المشاركين من الجيل "إكس". ويتناسب مستوى القلق طردًا مع ارتفاع أعمار المستهلكين؛ حيث اعتبر 55% من مواليد جيل الألفية و44% من المشاركين من الجيل "زد" أن التضخم يشكل مصدر قلق كبير لهم. ويعتبر المشاركون من الجيل "زد" المواضيع الشخصية والسياسية مصدر قلقهم الأبرز، إلى جانب التضخم.
المستهلكون يغيرون كيفية إدارة شؤونهم المالية. يتخذ 66% من المستهلكين تدابير لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم، حيث يُنفق 44% منهم من مدخراتهم أو يقللون من المبالغ التي يدخرونها، بينما يستخدم 18% منهم بطاقاتهم الائتمانية بشكل أكبر، ويسدد 18% الفواتير بشكل جزئي، ويعمل 13% في وظائف إضافية لتعزيز دخلهم.
وكان من الملفت أن الأجيال الشابة أبدت فعالية في إدارة نفقاتهم، رغم أنهم الأقل قلقًا من التضخم، حيث عمد أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين من الجيل "زد" وجيل "الألفية" إلى تعديل طريقة إنفاقهم، مقابل ثلثي المشاركين من الجيل "إكس" و55% من جيل "الألفية".
غالبية المستهلكين في الولايات المتحدة تمتلك مدخرات جيدة. تمتلك غالبية المستهلكين في الولايات المتحدة مدخرات جيدة يمكنهم الاستعانة بها، على الرغم من تقلبات الأسواق. وشهدت فترة انتشار كوفيد-19 إرسال المساعدات المالية للمستهلكين وميلهم إلى الحد من الإنفاق على التجارب المكلفة مثل السفر، ما أدى إلى زيادة الأموال في الحسابات المصرفية وتضاعف مدخرات الأُسر الثرية عما كانت عليه قبل الجائحة الصحية. بينما سجلت الأُسر متوسطة الدخل نموًا أقل في مدخراتها. وبدأت الحسابات المصرفية لدى الأُسر منخفضة الدخل بالتراجع في الوقت الحالي، مع تقلص مدخراتها النقدية بنسبة 0.5% بين الربع الأخير من عام 2021 والربع الأول من عام 2022.
عادات التسوق لدى المستهلكين تتغير بآليات مختلفة. دفع ارتفاع الأسعار السريع المستهلكين إلى تغيير أساليبهم في الإنفاق، حيث أفاد 74% من المشاركين في الدراسة بأنهم يخفضون معدل إنفاقهم، بينما أكد 50% منهم انخفاض القوة الشرائية لمدخولاتهم، فيما لجأ 43% من المشاركين إلى تعديل طريقة إنفاقهم لتعزيز مدخراتهم، و29% منهم قالوا إنهم عاجزون عن سداد فواتيرهم.
وعمدت غالبية المستهلكين إلى تخفيض إنفاقهم من خلال تقليل أعداد المنتجات التي يشترونها أو حجمها (60%)، والتي مثلت الآلية الأساسية لخفض النفقات، تلاها تأجيل شراء (44%) المنتجات غير الأساسية. واضطر أصحاب الدخل المنخفض إلى تأجيل مشترياتهم بنسبة أكبر من أصحاب الدخل الأعلى، ولا سيما الأحذية ومستلزمات البقالة والأدوات المنزلية والملبوسات. وخفّض المستهلكون إنفاقهم من خلال الشراء من المتاجر الأرخص، أو الانتقال إلى علامات تجارية أقل تكلفة، أو اعتماد خيارات الدفع اللاحقة.
التصورات حول التضخم قد تكون غير واقعية في بعض الأحيان. يعتقد المستهلكون اليوم بأن أسعار الوقود ارتفعت بشدة، نتيجة تركيز وسائل الإعلام الكبير على هذا النوع من الأخبار. كما شهدت أسعار مستلزمات البقالة والسفر الجوي ارتفاعًا ملموسًا.
ومع ذلك، يملك المستهلكون تصورات غير واقعية بالنسبة لأسعار المنتجات الأخرى، مثل الإلكترونيات الاستهلاكية، ومنتجات العناية بالبشرة، والمكياج، والألعاب، ومستلزمات الأطفال، حيث يعتقد حوالي 30% من المشاركين في الدراسة بحدوث ارتفاع ملحوظ في سعر أحد هذه الفئات على الأقل، غير أن التضخم أثّر في الواقع على هذه المنتجات بنسبة أقل من 2%. ونجد بأن العكس هو الصحيح بالنسبة لبعض الفئات الأخرى، حيث يعتقد ربع المشاركين في الدراسة فقط بأن الأسعار ارتفعت بقوة في فئة مستلزمات المنازل والحدائق، والتي سجلت في الواقع ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 11%.
زيادة الإنفاق تتباطأ بشكل متفاوت بين الفئات والقنوات المختلفة. تباطأ الإنفاق في بعض المجالات نتيجة خفض المستهلكين معدل إنفاقهم واعتماد آخرين على مدخراتهم. ومع ذلك، يمكن ملاحظة ارتفاع الإنفاق في فئات أخرى، توازيًا مع زيادة إجمالي الإنفاق من خلال بطاقات الائتمان والخصم بنسبة 5% على أساس سنوي (معدل نمو حقيقي تم تعديله وفق معدلات التضخم). وتشهد معدلات الإنفاق من خلال بطاقات الائتمان والخصم نموًا فعليًا (بارتفاع بنسبة 9% في العام الماضي) لدى المستهلكين من أصحاب الدخل المرتفع. بينما سجل معدل إنفاق الأُسر متوسطة الدخل نموًا بنسبة 2% مقارنة بالعام الماضي، وشهد معدل إنفاق الأُسر منخفضة الدخل تراجعًا طفيفًا بنسبة 2% عن العام الماضي.
انخفض أيضًا معدل الإنفاق في بعض الفئات التي سجلت نشاطًا ملحوظًا خلال الجائحة الصحية، مثل مستلزمات المنازل والإلكترونيات، بينما حافظت فئات أخرى على نمو من خانتين. وارتفعت مبيعات مستحضرات التجميل باستخدام بطاقات الخصم المباشر والائتمان بنسبة 16%، كما ازدادت مبيعات مستلزمات الحيوانات الأليفة بنسبة 11%. وتُظهر الفئات التي حققت انتعاشًا في عام 2021، مثل التجزئة والملبوسات والمطاعم، استقرارًا نسبيًا في العام الحالي.
وعلى صعيد قنوات البيع بالتجزئة، تم تسجيل نمو قوي لدى شركات التجزئة التي تركّز على القيمة وتختص بتوفير المستلزمات الأساسية. وارتفعت المبيعات باستخدام بطاقات الائتمان والخصم المباشر في متاجر البيع بالجملة بنسبة 24%، مقابل نسبة 11% في المتاجر التي تبيع المنتجات بأسعار مخفضة. وشهدت متاجر البقالة نموًا بنسبة 12%، وهو الأداء الشهري الأفضل منذ فترة ما قبل الجائحة الصحية.
المستهلكون يتوقعون زيادة إنفاقهم على الفئات الأساسية وتراجعه على غير الأساسية. يتوقع المستهلكون، من جميع الفئات العمرية ومستويات الدخل، زيادة إنفاقهم على السلع الأساسية مثل البقالة والوقود. ولدى سؤالهم حول خطط الإنفاق الخاصة بهم في الأسبوعين المقبلين، توقعت غالبية المستهلكين زيادة إنفاقهم على الاحتياجات الأساسية (توجه إيجابي بنسبة 22%) وتراجع إنفاقهم على السلع الاستهلاكية غير الأساسية (توجه سلبي بنسبة 21%). ويُبدي المستهلكون اليوم استعدادًا أكبر للإنفاق مقارنةً مع الأشهر الأولى من الجائحة الصحية (توجه إيجابي بنسبة 31%).
وتتباين مستويات التفاؤل لدى المستهلكين وفقًا لمستويات الدخل والفئات العمرية، حيث أشار المستهلكون من أصحاب الدخل المرتفع من مختلف الفئات العمرية، باستثناء الجيل "زد"، إلى أن معدلات إنفاقهم ستواصل ارتفاعها على السلع الأساسية وغير الأساسية على حد سواء. ويبدو المشاركون من جيل "الألفية" أكثر تفاؤلًا، إذ أشار المستهلكون من أصحاب الدخل المرتفع ضمن هذه الشريحة إلى إنهم يخططون للإنفاق على جميع فئات المنتجات الأساسية وغير الأساسية. بينما يتوقع المستهلكون أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، على اختلاف فئاتهم العمرية، التخلي عن المنتجات والتجارب غير الضرورية.
بات تحقيق النمو المرن أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى، لا سيما في ضوء التعقيدات التي أوضحتها دراستنا، إلى جانب حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد الكلي. ويتعين على الشركات التي تتعامل مع المستهلكين مباشرةً مواجهة تحديات اليوم من خلال التركيز على النقاط التالية:
- معرفة متطلبات العملاء. يجب على الشركات مواصلة تتبّع التغييرات في مشاعر ومعدلات إنفاق المستهلكين، والاستفادة من التحليلات في الوقت الفعلي لتوفير تشكيلة الأصناف والعروض الأنسب و قنوات التواصل والاتصالات المخصصة مع المستهلكين.
- وضع خطط نمو جريئة. يتعين على شركات التجزئة التحلي برؤية متجددة للمستهلكين، والتركيز على شرائح واعدة من المستهلكين والأصناف الفرعية والاستراتيجيات، ووضع خطط جريئة قادرة على مضاعفة النمو. ويمكن للشركات التي تتخذ خطوات جريئة خلال الأوقات الصعبة تحقيق عوائد أعلى في دورات الأعمال المستقبلية.
- تمويل النمو ذاتيًا من خلال تعزيز الكفاءة. يتعين على شركات التجزئة إعادة دراسة استراتيجيات القيمة لديهم، والتخلص من أوجه ضعف الكفاءة في التواصل مع العملاء ومخصصات الإنفاق الداخلية. ويمكن تحقيق نمو ملحوظ عن طريق إعادة الاستثمار المدروس في مجالات مثل التسويق وتحسين الإنفاق التجاري.
- إنشاء نموذج تشغيلي مرن. تتغير مشاعر المستهلكين وسلوكياتهم بين شهر وآخر، وسلوكياتهم بين شهر وآخر، وهو ما يستلزم التواصل باستمرار مع الفرق الإدارية في الشركات، وتمكين اتخاذ القرارات سريعًا من خلال عمليات الاختبار والتعلم الدورية والسريعة، فضلًا عن الاستعداد الدائم للتأقلم سريعًا مع البيئة دائمة التغير.