خطوة نحو حقبة جديدة من المدفوعات: استكشاف الآفاق المستقبلية للبنوك

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

يكشف قطاع المدفوعات لعام 2022 عن تغييرات ملموسة وفرص نمو وتحسين هائلة في هامش الربح عبر مختلف المنتجات والمناطق الجغرافية. وعند التمعن في الإيرادات، نلاحظ تغييرات هيكلية ملحوظة تضمنت تطورات جديدة في قطاع المدفوعات اللحظية واستخدام المحافظ الرقمية.

ويشير تقرير ماكنزي للمدفوعات العالمية لعام 2023 إلى النتائج المهمة المستقاة من بيانات السوق الموثقة ضمن خريطة المدفوعات العالمية. وتشمل هذه البيانات أكثر من 25 منتجًا للمدفوعات، موزعة على 47 دولة، والتي تمثل مجتمعة 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفيما يلي بعض النتائج البارزة لهذا العام:

  • تضاعفت إيرادات المدفوعات العالمية للعام الثاني على التوالي.
  • لقد أسهم النمو المستمر الذي تشهده الهند والمدفوع بالتحول نحو بدائل التعاملات النقدية في تقدمها وأتاح لها الانضمام لقائمة الدول الخمس الأولى من حيث إيرادات المدفوعات.
  • لأول مرة منذ سنوات عديدة، شكّلت الإيرادات القائمة على الفوائد نحو نصف قيمة نمو الإيرادات الكلية.
  • شهد عام 2022 انخفاضًا في استخدام النقد بمعدل أربع نقاط مئوية على المستوى العالمي. وعلى مدار الأعوام الخمس الأخيرة، ارتفعت المعاملات الإلكترونية بمعدل يقارب ثلاثة أضعاف النمو الإجمالي لإيرادات المدفوعات.

نستعرض في هذا التقرير أداء قطاع المدفوعات في عام 2022، ونلقي نظرة متمعنة على التطور الذي شهده هذا القطاع منذ أن استحدثت الشركات أنظمة معالجة للمدفوعات الخاصة بها. ومنذ البدايات وحتى الآن، مرّ قطاع المدفوعات بثلاث عصور مميزة. وتشير الأدلة إلى أننا قد نكون على أعتاب دخول عصر جديد نطلق عليه "عصر الانفصال". ويحمل هذا العصر الجديد فرصًا حقيقية وجديدة للبنوك والمتعاملين الآخرين في قطاع المدفوعات.

تلقي نتائج الإيرادات الضوء على مرونة الأعمال وتوجهات المستقبل

أظهرت إيرادات المدفوعات العالمية استقرارًا واضحًا، حيث تغلّبت على التحديات الإقليمية العديدة وحققت نموًا يتجاوز بشكل كبير التوقعات على المدى البعيد. وفي عام 2022، سجلت إيرادات المدفوعات نموًا بنسبة 11%، محققة بذلك معدل نمو مزدوج للعام الثاني على التوالي، وبلغ إجمالي الإيرادات أكثر من 2.2 تريليون دولار، مسجلةً بذلك رقمًا قياسيًا جديدًا (الشكل 1).

الشكل

خريطة الإيرادات: نظرة عامة على الإيرادات عبر القارات

شهدت إيرادات العديد من المناطق نموًا ملحوظًا وواسع النطاق، حيث سجلت ثلاث مناطق من أصل أربعة أعلى معدلات زيادة لها في العقد الأخير. وحققت أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، إلى جانب أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، معدلات نمو تتجاوز الـ 10%.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

لكن منطقة آسيا والمحيط الهادئ عانت من تباطؤ نسبي في نمو الإيرادات. ورغم أن هذه المنطقة - التي تمثل 47% من إجمالي إيرادات المدفوعات العالمية - كانت تعتبر محرك رئيسي للنمو في الأعوام الأخيرة، إلا أن الإيرادات الإقليمية شهدت ارتفاعًا بنسبة 4% فقط بفضل تراجع إيرادات المدفوعات في الصين بنسبة 3%. وإذا ما استبعدنا الصين، نلاحظ أن المنطقة سجلت نموًا يُقدر بـ 25%، مما يتجاوز معدلات النمو التي شهدتها في العام الماضي.

وسجّلت الاقتصادات التي حققت أعلى معدلات لإيرادات المدفوعات، مثل البرازيل والهند واليابان والولايات المتحدة، نموًا يعادل أو يتجاوز المعدل العام، مُسهمة بذلك في النتائج الإيجابية لعام 2022. كما حققت هذه الدول أداءً قويًا فيما يتعلق بالإيرادات المرتبطة بالفوائد والرسوم.

وشهدت الصين تراجعًا بنسبة 5% في إيرادات رسوم المعاملات، حيث انخفضت إلى 255 مليار دولار. ونتج هذا الانخفاض بشكل رئيسي عن تقليل حجم التذاكر في معاملات البطاقات وتنفيذ إعفاءات من الرسوم من قبل مزودي خدمات الدفع. ويهدف هذا الإجراء إلى تحفيز الأنشطة التجارية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتقليل تأثير الركود الاقتصادي الذي نجم عن جائحة كوفيد-19.

الفوائد تتخطى الرسوم والتجارة تحتفظ بتفوقها على قطاع التجزئة

شهدت العديد من الأسواق نموًا في الإيرادات خلال عام 2022، حيث نشأ نصف معدل النمو من ارتفاع أسعار الفائدة، مما كسر التوجه طويل الأمد الذي ركز بشكل أساسي على الرسوم كمصدر رئيسي للنمو. وكانت التغييرات في أسعار الفائدة لها تأثير كبير، خاصة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في صافي هوامش الفائدة، لتعكس بذلك الاتجاه السائد في العقد الأخير. وبينما واصلت الإيرادات القائمة على المعاملات في المنطقة ذاتها النمو بمعدل ثابت وصل إلى 5% في عام 2022، في حين شهدت حصة صافي دخل الفوائد من إجمالي الإيرادات نموًا من 33% إلى 45% خلال عام واحد، مما جعلها تقترب إلى المناطق الأخرى.

ويمكننا تحليل إيرادات المدفوعات من منظور آخر، وهو التفريق بين شرائح العملاء (الشركات والمستهلكين)، بالإضافة إلى الخدمات والمنتجات التي تُقدم لكل شريحة (الشكل 2). وهناك تحولات طفيفة لكن مستمرة نحو الاهتمام بالجانب التجاري على مستوى العديد من المناطق منذ وقت طويل. ويشكل القطاع التجاري الآن حوالي 53% من الإيرادات، في حين يمثل القطاع الاستهلاكي 47%. وتعكس هذه النسبة تفاوتًا حسب المنطقة؛ ففي مناطق مثل آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، ظلّت إيرادات الشركات مهيمنة لفترة طويلة. بينما يشكل المستهلكون في أمريكا الشمالية الغالبية بنسبة 63%، وفي أمريكا اللاتينية بنسبة 54%، حيث لا تزال هذه الأسواق تعتمد بشكل كبير على البطاقات.

الشكل

في عام 2022، شهدت ديناميكيات الدفع عبر الحدود نموًا ملحوظًا، حيث بلغت التدفقات المالية نحو 150 تريليون دولار، مسجلةً بذلك زيادة بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق. وساهم هذا الزخم في حركة الأموال بدوره في زيادة هائلة في الإيرادات الناجمة عن المدفوعات عبر الحدود بنسبة 17%، لتصل إلى 240 مليار دولار. وشهدت الإيرادات الناجمة عن مدفوعات المستهلكين عبر الحدود - سواء التي تتعلق بالمعاملات بين المستهلكين أو المعاملات بين المستهلكين والشركات - معدلات نمو تصل إلى 10%، مستفيدة بذلك من معدلات النمو المرتفعة في عام 2021. وعلى الجانب الآخر، شهدت المدفوعات التجارية (المتعلقة بالتعاملات بين الشركات وبين الشركات والمستهلكين) نموًا بنسبة 10%، وهي نسبة نمو أبطأ نسبيًا مقارنة بالفترة التي تلت الجائحة عام 2021.

إن المسار المالي بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية يحتفظ بمركزه باعتباره الأضخم فيما يخص التحويلات المالية بين المستهلكين، حيث يشكل 11% من إجمالي قيمة هذه التحويلات. وفي هذا السياق، باتت أمريكا الوسطى تمثل وجهة مهمة للتحويلات المالية والمساعدات الإنسانية من الولايات المتحدة.

ورغم أن المعاملات بين الشركات لا تزال تشكل المحرك الرئيسي للإيرادات الناجمة عن المعاملات عبر الحدود (بواقع 69% من إجمالي الإيرادات)، إلا أن الفئات التي تشمل المستهلكين لا تحقق هوامش ربح أعلى فحسب، بل أيضًا تُظهر توجهًا نحو نمو أسرع على مدار الأعوام الخمسة المقبلة. ومن المتوقع أن تشهد المعاملات بين المستهلكين والشركات نموًا ملحوظًا، خاصة في ظل زيادة الإنفاق على السفر والتجارة الإلكترونية.

نمو الإيرادات المستقبلية: التحول نحو استخدام المدفوعات الفورية والمحافظ الإلكترونية

تشير الإحصائيات إلى تسارع واضح في تحقيق الإيرادات المستقبلية وذلك بفضل الابتكارات في المدفوعات اللحظية أو الفورية وازدياد استخدام المحافظ الرقمية في مناطق معينة، حيث تسارعت وتيرة معدل نمو حجم معاملات المدفوعات الإلكترونية بشكل ملحوظ مقارنة بنمو إيرادات المدفوعات، مسجلة 17% مقابل 6%، على مدار الأعوام الخمسة الماضية. ويعكس هذا الاتجاه تطورًا مستمرًا في تفضيلات الدفع في ظل التوجه العام نحو استخدام وسائل الدفع التي تُحمل تكاليف أقل وهوامش ربح التي تتناقص تدريجيًا.

وتتجلى هذه التوجهات المالية أيضًا في بدائل المعاملات النقدية. ففي عام 2022، شهد استخدام النقود انخفاضًا بمقدار أربع نقاط مئوية على مستوى العالم. ويستمر معدل استخدام النقد الذي بدأ خلال الجائحة في التباطؤ دون أي مؤشرات للتراجع وذلك بفضل قلة الاعتماد على النقود في اقتصاديات بعض الدول مثل الهند والبرازيل، حيث شهدت نسبة المعاملات النقدية انخفاضًا يتراوح بين سبعة وعشر نقاط مئوية. ويتزامن التراجع في استخدام النقد في البرازيل تحديدًا مع اتخاذ إجراءات سريعة لتطبيق نظام المدفوعات اللحظية.

ونلاحظ تحولاً ذا أهمية لكن بوتيرة أقل شدة في نيجيريا في مجال المدفوعات والتعاملات المالية، حيث تُبذل الجهود حاليًا لتسهيل عملية الدفع الفوري من خلال أجهزة نقاط البيع، وذلك بهدف تطوير إمكانيات التجار بطريقة فعالة. ويشير التطور الملحوظ في الاستخدام النقدي إلى أن نسبة المعاملات النقدية في نيجيريا قد انخفضت من 95% عام 2019 إلى 80% عام 2022. كما ارتفعت حصة المدفوعات اللحظية أربعة أضعاف خلال الفترة الزمنية ذاتها لتصل إلى 8%.

وتلعب المدفوعات اللحظية دورًا حيويًا في التوجه نحو التخلي عن استخدام النقد. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تشكل المدفوعات اللحظية في البرازيل المصدر لنحو نصف الإيرادات الناجمة عنها حتى عام 2027. ومع ذلك، قد يكون نمو الإيرادات الناجم عن المدفوعات اللحظية محدودًا في بعض المناطق. فمثلاً، من المتوقع أن تُسهم المدفوعات اللحظية في الهند بأقل من 10% من نمو الإيرادات المستقبلية نظرًا لعدم فرض رسوم على نظام واجهة المدفوعات الموحدة في الوقت الحالي. وعلى النقيض من ذلك، تعتبر المدفوعات اللحظية في عدة دول أوروبية، منها ألمانيا، خيارًا مميزًا، وهو ما يفتح الآفاق أمام إمكانية نمو الإيرادات بشكل كبير.

وتشير التوقعات إلى أن الاقتصادات النامية التي تعتمد بشكل كبير على استخدام النقد ستشهد تحولات ملحوظة نحو المدفوعات اللحظية بحلول عام 2027، حيث من المتوقع أن تشكل هذه المدفوعات نحو نصف الحصة الإجمالية لمعاملات الدفع، وهو ما يمثل زيادة تتراوح بين ضعفين ونصف إلى ثلاثة أضعاف مما كانت عليه في عام 2022. ومن ناحية أخرى، يشير تحليلنا إلى أن التأثير على المدى القريب سيكون طفيفًا، وخاصة في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن المدفوعات اللحظية في الولايات المتحدة لا تزال في المرحلة الأولية حيث شهدت البلاد تراجعًا ضعيفًا في استخدام النقد عام 2022 في أعقاب التراجع الذي شهده عام 2021 المتعلق بقيود الوباء، إلا أن إطلاق خدمة التحويلات المالية من قِبل الاحتياطي الفيدرالي في يوليو 2023 يُعد نقطة تحول جوهرية، على الرغم من أن الأثر المترتب عليه من المُتوقع أن يظهر تدريجيًا.

ورغم تنوع التجارب بين الدول المختلفة، يظل الاطلاع على التقدم الذي تحققه أوروبا موضوعًا يستحق الاهتمام. وحاليًا، تمثل المدفوعات اللحظية 12% من إجمالي حجم التحويلات الائتمانية داخل منطقة المدفوعات الأوروبية الموحدة كما هو موضح في الشكل 3. وفي ظل غياب التدخل التنظيمي، من المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة بحلول عام 2027. وعلاوة على ذلك، في حالة مواصلة الجهات التنظيمية اتخاذ الإجراءات المرتقبة لتشجيع التوجه نحو المدفوعات اللحظية، قد تصل هذه النسبة إلى 45% من مجموع معاملات منطقة المدفوعات الأوروبية الموحدة السنوية التي تبلغ 23 مليار معاملة، وهي نسبة تفوق بشكل ملحوظ حصة المدفوعات بين الحسابات، بما في ذلك التحويلات التي تُجرى عبر غرفة المقاصة الآلية ونظام التسوية الإجمالية في الوقت الفعلي والمدفوعات اللحظية.

الشكل

تشهد المحافظ الرقمية، التي تُعتبر مصدرًا ووجهة لنسبة كبيرة من تدفقات المدفوعات اللحظية، ازدهارًا ملحوظًا. وبدأت العديد من نماذج الأعمال في التبلور في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في أفريقيا. فعلى سبيل المثال، أصبحت البنية التحتية للمحافظ الرقمية المتنقلة في بعض الدول الأفريقية مثل كينيا وغانا وتنزانيا ليست متاحة للجميع فحسب، بل إنها تدعم التعاملات بين الشبكات المختلفة أيضًا. وفي السياق ذاته، عمل البنك المركزي النيجيري على إيجاد بيئة مواتية للمدفوعات الرقمية وذلك من خلال التوجه نحو إقامة "اقتصاد لا يعتمد على استخدام النقد" أثناء عملية تجديد الأوراق النقدية في أوائل عام 2023. وهذا ساهم بدوره في زيادة طلب التجار النيجيريين من جميع الأحجام على حلول الدفع الرقمي. وذكرت إحدى الشركات المستحوذة أن 70% من العملاء التجاريين الجُدد لم يسبق لهم قبول المدفوعات الرقمية، مما يعتبر مؤشر واضح على زيادة تأثيرات الشبكة.

إمكانات تحقيق النمو

يشير نمو الإيرادات الذي يشهده قطاع المدفوعات في عام 2022 إلى تطور واضح يتماشى مع التوقعات المستقبلية الإيجابية. وتدل تحليلاتنا على أن الأفق الزمني للأعوام الخمسة المقبلة يحمل في طياته استقرارًا، حيث من المتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة تتراوح بين 6% و8%. ومن المرجح أن تزداد الفرص، حيث من المنتظر أن تشهد المناطق الأربعة توسعًا بنسبة 6% سنويًا على الأقل. ومن المتوقع أن يتخطى نمو الإيرادات القائمة على الرسوم قليلاً نمو الإيرادات القائمة على الفائدة، في حين يجب أن يواصل حجم المعاملات الإلكترونية العالمية تصاعده (بنسبة 15% في هذا السياق) بمعدلات تفوق الإيرادات. ورغم أن تأثيرات أسعار الفائدة قد تتراجع تدريجيًا في الأعوام القادمة، يظل السوق مُتجهًا نحو تخطي حاجز الـ3 تريليونات دولار من إيرادات المدفوعات بحلول عام 2027.

دخول حقبة جديدة من المدفوعات

خلال العقود الأخيرة، شهد قطاع المدفوعات نموًا ملحوظًا، حيث سرعان ما تبنّى تقنيات جديدة وفتح بذلك أبوابًا جديدة لتحسين الخدمة المقدمة للعملاء. وأحدث هذا التطور، بدوره، تحولاً في مصادر الإيرادات. ونلاحظ تراجع استخدام النقد بشكل كبير، حيث فقد 20 نقطة مئوية من نسبة المدفوعات العالمية خلال السنوات الخمس الماضية. وفي الوقت ذاته، يسهم صافي هامش الفائدة في تحفيز النمو بينما تتوجه الأطراف المعنية نحو مناطق ذات تغطية أقل في سلسلة قيمة المدفوعات. وعندما ننظر إلى هذه التغييرات التي يشهدها هذا القطاع ككل، نرى أنها تُشير إلى أن القطاع يتجه نحو استكشاف وتطبيق نموذج أعمال جديد.

كيف وصلنا إلى هذه المرحلة

مرّ قطاع المدفوعات بثلاث مراحل مختلفة، حيث تطورت المعاملات المالية من المعاملات الورقية إلى البلاستيكية، وأخيرًا المعاملات القائمة على الحسابات (الشكل 4). ومنذ بداية التسعينات، دخل المدفوعات حقبة المعاملات المبنية على الحسابات، حيث لم يعد استخدام البطاقات البلاستيكية شرطًا للحصول على الأموال. وفي نهاية القرن العشرين، أدى ظهور الإنترنت وتكنولوجيا الهواتف المحمولة إلى دخول هذه الحقبة، فقد أتاح ظهور الأدوات الإلكترونية للمستخدمين التحكم في تحويل أموالهم مباشرة من حساباتهم والاستفادة من البنية التحتية القائمة. أما في العقد الحالي، نرى بوادر لحقبة جديدة نطلق عليها "عصر الانفصال".

الشكل

لندرس تأثيرات التطورات المالية المستقبلية على البنوك ومقدمي خدمات الدفع، يمكننا النظر إلى كيفية تحولنا التدريجي من استخدام النقود الورقية، إلى البطاقات البلاستيكية، وأخيرًا إلى الحسابات الإلكترونية. أولاً، يجسد التاريخ تراجعًا - وليس اندثارًا - لأساليب الدفع الأقدم. تظهر كل مرحلة اعتمادًا متزايدًا على التكنولوجيا، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية ويحتم على الهيئات المالية القائمة إعادة هيكلة واسعة لأنشطتها. كذلك، أصبحت وسائل الدفع جزءًا لا يتجزأ من تجربة التسوق، مما يزيد أهميتها بالنسبة للمستهلكين الراغبين في تجربة مريحة. وفي النهاية، يشير التاريخ إلى زيادة مستمرة في عدد المنافسين في السوق، مما يدفع باتجاه زيادة حجم التداولات وتخفيض التكاليف للمستهلكين والشركات على حد سواء.

عصر الانفصال

من المتوقع أن يُظهر "عصر الانفصال" تمييزاً جديداً في عمليات الدفع، حيث ستكون أكثر استقلالية وفصلًا عن الحسابات والأشكال الأخرى من التخزين القيمي الثابت. يسعى المستخدمون، بدورهم، نحو تحقيق المزيد من الراحة، والتكلفة المعقولة والأمان. في هذا العصر، تُعد التكنولوجيا هي الركيزة الأساسية، والتي لم تحدد تقنياتها الرئيسية بعد. تشمل الأمثلة على الجهات المتنافسة نماذج 'المنصة كخدمة' (PaaS)، التي تمنح المتخصصين ومزودي الخدمات القدرة على تحقيق تحولات سهلة للعملاء عبر مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات، وكذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي من شأنه أن يزيد من تخصيص تجارب العملاء، ويبسط عمليات الدفع، مع توفير حماية ضد الاحتيال.

وعلى الرغم من أن هناك توقعات لظهور لاعبين جدد في "عصر الانفصال"، إلا أن هناك إمكانية لتحول اللاعبين الحاليين أيضًا. من المتوقع أن توجه شركات التكنولوجيا المالية، بعد استقرار نماذج أعمالها نحو الاستدامة، أنظارها نحو توسيع نطاق الخدمات المالية التقليدية أو تشديد البحث عن شراكات استراتيجية لتلبية حاجات العملاء. من جهة أخرى، من المحتمل أن تسعى البنوك لتعزيز استقلالها وسيطرتها على سلسلة القيمة، وهو ما قد يتجلى من خلال استكشاف فرص الشراكات أو التحالفات وعمليات الدمج والاستحواذ.

في عصر الانفصال، من المتوقع أن تتصاعد حدة المنافسة بشكل ملحوظ على جذب ودائع وأرصدة العملاء، مع التركيز المتزايد على تكوين وتعزيز العلاقات مع العملاء. يُظهر التوجه أن اللاعبين القادرين على دمج عمليات الدفع بشكل سلس في أنماط حياة العملاء وسلوكياتهم سيستفيدون بشكل كبير في هذا السياق.

بينما تظل نماذج الأعمال والحلول والشركات المستقرة في "عصر الحساب أو الحسابات" ذات أهمية، حيث يفتح "عصر الانفصال" أفُقًا لفرص جديدة للجهات الفاعلة التي ترغب في استكشاف مسارات جديدة للنمو. بينما لم تتمكن البنوك، في المستقبل، من الاعتماد بشكل حصري على نماذج ملكية الحساب، وبالتالي سيكونون بحاجة لتطوير أعمال تجارية جديدة للتمييز والاحتفاظ بالعملاء ضمن نظام خدمتهم.

الفرص الناشئة

بما أن عالم المدفوعات تحول الآن ليكون موجهاً تكنولوجياً، تقدم الحلول التي تعتمد على واجهات برمجة التطبيقات (APIs) وغيرها من تقنيات الجيل الجديد فرصاً عديدة لتوسيع نطاق تأثير الأعمال. سواء كان الهدف هو بناء مشاريع رقمية جديدة لتحقيق نمو إجمالي (والذي غالبًا ما يستفيد من التوجه نحو التمويل المدمج) أو تحسين الكفاءات التشغيلية، تلعب هذه التقنيات دوراً محورياً في تحقيق تلك الأهداف.

تتمثل إحدى أبرز فرص توسيع نطاق الأعمال في المعاملات التي تتجاوز الحدود، خصوصًا تلك التي تقل قيمتها عن 100,000 دولار، والتي تشمل قطاعات المستهلكين والشركات الصغيرة والمتوسطة. بالرغم من أن المدفوعات ذات القيمة الأقل تشكل فقط 8% من إجمالي تدفقات المدفوعات العابرة للحدود، إلا أنها تُمثل حوالي ثلث الإيرادات، وذلك بفضل الشبكات الواسعة المُتاحة وهوامش الربح الأعلى المرتبطة بها.

تمتد أهمية الرقمنة عبر كل جانب في المؤسسات. في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة وتحفظ الشركات على الحفاظ على مستويات أقل من النقود الزائدة في حساباتها، يصبح من الضروري للقادة أن يمتلكوا فهماً أعمق ورؤية أوضح للحالة المالية في الوقت الفعلي والحصول على تمويل فعّال. وبالتالي، تواجه فرصة فريدة لتقديم خدمات التحول الرقمي والأتمتة القيمة للمديرين الماليين، مستفيدين من خبرتها في عمليات الاكتتاب وإمكانية الوصول للموازنات.

تنتظر البنوك العديد من الفرص المهمة. تعتبر الودائع لبنة أساسية في موارد البنوك، وهي من بين المصادر الرئيسية لإيرادات البنوك التجارية عالميًا. تمثل ودائع الشركات ما بين 40% و45%، أي ما يقدر بـ500 إلى 550 مليار دولار، من إيرادات المعاملات المصرفية على مستوى العالم. بالإضافة، لا تزال ودائع الأفراد تمثل نسبة 43% من مجموع أرصدة الحسابات الجارية. يتابع المستثمرون بشكل مستمر قدرة البنوك على التكيف وتوجيه استراتيجيات ودائعها للتعامل مع الواقع الجديد في السوق، خاصة في ضوء عمليات السحب الأخيرة وزيادة تقلبات السوق التي تنتج عن ارتفاع أسعار الفائدة، والقيود الائتمانية، وفجوات السيولة.

تستطيع البنوك تعزيز كفاءتها الداخلية من خلال تطبيق ثلاث استراتيجيات رئيسية: وهي استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، الحداثة التكنولوجية، والجهود المستمرة للحد من الجرائم المالية. بالفعل، قامت الخدمات المصرفية بإحراز تقدم ملحوظ باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي التقليدي في مجالات مثل التسويق وخدمات العملاء. وفقا لتقديرات معهد ماكنزي العالمي، يعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة قوية يمكنها أن تعزز إنتاجية القطاع المصرفي من 2.8% إلى 4.7%، مما يترجم إلى زيادة في الإيرادات السنوية تتراوح بين 200 مليار و340 مليار دولار.

قد يؤدي تحديث مجموعات التكنولوجيا لدى البنوك إلى تخفيض تكاليف التشغيل بمقدار 20% إلى 30% وتقليل الفترة الزمنية لإطلاق المنتجات الجديدة بمقدار النصف. يُظهر مؤشر ماكنزي لنموذج التشغيل، الذي تم تطويره من خلال أبحاث أجريت عبر 150 مؤسسة مالية كبرى، أن الكيانات التي تظهر مستوى عالٍ من النضج في نموذج التشغيل تميل إلى تحقيق نمو أسرع بمعدل 20% وتكون أكثر ربحية بنسبة 69% في العائد الإجمالي مقارنةً بالأخرين. مع توسع الهوة التكنولوجية بين الشركات التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية والجهات الفاعلة الرقمية، يصبح من الضروري للبنوك تحديد النقاط التي ستجلب أقصى فوائد من تسديد الديون التكنولوجية وقد تجد الشركات البنكية أن الشراكات تُعد فرصة مهمة للنظر فيها.

لقد تغيرت طرق الاحتيال المالي وتطورت بشكل ملحوظ، حيث أصبح المجرمون الماليون الآن يتمتعون بمستوى متقدم من التطور، مستفيدين من أدوات فعالة من حيث التكلفة تستفيد بدورها من التقدم التكنولوجي الحديث. على الرغم من ذلك، تُقدم هذه التقنيات الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، آفاقاً جديدة للدفاع ضد عمليات الاحتيال. وتشير البيانات الأولية إلى أن تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي لأتمتة أو تسريع العمليات اليدوية الحالية قد يُحسن الكفاءة في اكتشاف الاحتيال بمعدل يتراوح بين 30% و50%. ومن المحتمل أن تحتاج شركات الدفع لتحديث عمليات مكافحة الاحتيال، والتحول من تنفيذ وظائف في الظل إلى إنشاء مراكز متخصصة يديرها فريق نشط إلا أن القيام بذلك من شأنه يقلل الخسائر ويعزز من تجربة العملاء.


ما زالت آفاق قطاع المدفوعات مبشرة، حيث يتوقع أن يظل النمو خلال الخمس سنوات المقبلة متوازيًا مع المتوسط الزمني الطويل أو أن يتجاوزه. لكن، بينما تتغير محركات النمو، يجب على البنوك تحقيق ربحية أعلى من هذا النمو. وهذا يستلزم إجراء تقييم دقيق لأعمالهم واتخاذ قرارات استثمارية جريئة وواضحة لبناء نواة تشغيلية للمدفوعات تتميز بالكفاءة ويعزو جزء من هذا النمو لكلٍ من النتائج الأولية والنهائية.

Explore a career with us