ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
على مدى السنوات العشر الماضية, حاولت أكثر من نصف الشركات الكبُرى تطوير أسلوب عملها وتحديثه. وقد اتخذت هذه الجهود أسماء متعددة مثل: العمل المرن، أو منهجية المنتج والمنصة، أو التحول الرقمي، أو حتى طرق العمل الجديدة. وفي جوهر الأمر، كانت جميع هذه المحاولات تسعى وراء هدف واحد، وهو تحقيق المزيد من السرعة والمرونة، ورفع الكفاءة، وجعل العميل في قلب الاهتمام، وذلك من خلال تحسين الهياكل الداخلية، وتبسيط سير العمل، وتعزيز ثقافة الشركة، وتنمية مهارات الموظفين. ومع ذلك، فإن الكثير من المؤسسات لم تتمكن من الوصول إلى هذه الفوائد المرجوة، وكأن النتائج التي تطمح إليها تبتعد كلما اقتربت منها.
قال المدير المالي لإحدى شركات الاتصالات الأوروبية: "لقد أنهينا مؤخرًا مشروعًا كبيرًا لتحوّل نموذج العمل، شمل وضع آليات جديدة للتخطيط ربع السنوي، وتشكيل فرق مرنة تضم تخصصات مختلفة، ومع ذلك لا أرى أي تحسن في أدائنا". ثم أضاف موضحًا: "نحن نواجه ارتفاعًا في تكاليف العمالة ضمن ميزانية العام المقبل، كما أن مؤشرات تفاعل الموظفين والعملاء ما زالت ثابتة بلا أي تغيير. وفي الحقيقة لقد بذلنا جهدًا كبيرًا، فما النتيجة التي حصلنا عليها؟".
وفي السياق نفسه، سمعنا الشكوى ذاتها من عدد كبير من كبار المديرين التنفيذيين، إذ إن محاولاتهم لتحوّل نموذج العمل لم تحقق النتائج التي كانوا يأملونها، أو أن التحوّلات التي نفذوها سرعان ما اختفت. ولهذا، يشعر الكثير من القادة المسؤولين عن هذه التحوّلات بإحباط متزايد، فهم يرون أن برامجهم أصبحت تستنزف الوقت والموارد من دون فائدة، أو جرى تهميشها حتى تحولت إلى مبادرات صغيرة لا تكاد تؤثر في طريقة إدارة الشركة. وفي أحيان كثيرة، تختفي الوعود بتحقيق كفاءة أعلى من خلال أساليب العمل الجديدة أو المبادرات الرقمية أو تغييرات الثقافة المؤسسية، بينما تعود التكاليف للارتفاع من جديد، مما يجعل الجهد المبذول يبدو بلا جدوى حقيقية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وبالانتقال إلى ما كشفته أحدث أبحاث ماكنزي حول إعادة تصميم نموذج العمل إلى أن 63% من الشركات قد حققت معظم أهداف التحوّل وتمكنت من تحسين أدائها، في حين أن 24% فقط حققت نجاحًا كبيرًا. ورغم أن هذه النسب أعلى مما كانت عليه قبل عقد من الزمن، فإنها ما زالت تعكس حقيقة أن جزءًا كبيرًا من الشركات لا يحقق كامل إمكاناته. وهذا يوضح أن التغيير ليس مجرد هدف قصير المدى بل هو مسار مستمر يتطلب التزامًا عميقًا من القادة للحفاظ على قيمته.
وبالتوازي مع ما لاحظناه سابقًا، ومن خلال مناقشاتنا مع عشرات الشركات، بدأنا نرى نمطًا يعيق تحوّل نموذج العمل عن تحقيق نتائجها المرجوة. وغالبًا ما تظهر هذه العقبات عبر اختلاف أولويات الفرق، أو ضعف التنسيق بين الإدارات المختلفة، مما يحد من أثر التغيير على الأداء العام. وفي هذا المقال، نستعرض ست عقبات شائعة تواجه هذا التحوّل بمختلف أشكال نموذج العمل، ونوضح كيف يمكن للقادة ضمان الاستفادة الكاملة من برنامج تحوّل ناجح يحقق قيمة فعلية للشركة.
تحديات تتعلق بالسبب وراء عملية التحوّل
عادةً ما تسعى المؤسسات إلى إجراء تحوّلات في نماذج عملها بهدف خفض التكاليف، وزيادة تفاعل الموظفين وشعورهم بالمسؤولية، وإنجاز المهام بسرعة أكبر. وفي جميع هذه الحالات، يجب أن تُترجم هذه التحسينات المستهدفة إلى أهداف محددة وواضحة، مثل إطلاق مصادر دخل جديدة بشكل أسرع، أو تحسين تجربة العملاء. وهنا تظهر العقبة الأولى، والتي تحدث عندما لا يتم ربط عملية التحوّل بهذه الأهداف العملية والملموسة. فإذا ظل التحوّل مجرد فكرة نظرية دون أهداف واضحة، فإنه يفقد قيمته وتأثيره الحقيقي على أرض الواقع.
العقبة الأولى: عدم ربط أهداف الشركة بعملية التحوّل بشكل واضح
ولتوضيح ذلك، نجد أن طموحات القادة مثل "تمكين الموظفين أكثر"، أو "تركيز أكبر على القيمة"، أو "تحسين تجربة العملاء"، أو "الاعتماد أكثر على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي" لا تكفي دون وجود أهداف واضحة ومحددة يمكن قياسها. وفي حالة شركة الاتصالات، اعترف المدير المالي بسرعة بعدم وجود أهداف كمية مرتبطة بالبرنامج، مما جعل الوحدات الجديدة متعددة الوظائف، أو ما يُعرف بـ "الفرق المشتركة بين الأقسام"، تعمل بدون قيود ميزانية صارمة، وسمح لها بتحديد أهدافها الخاصة بعيدًا عن ربطها بالاستراتيجية العامة للشركة. وهذا النقص في الوضوح جعل جهود تحوّل نموذج العمل أقل تأثيرًا، وصعب قياس النتائج الفعلية بدقة.
وفي مثال آخر، كانت الصورة أكثر تعقيدًا في أحد البنوك الأوروبية. فقد حدد فريق تطوير نموذج العمل في البداية أهدافًا طموحة وقابلة للقياس، لكن الفريق لم يشارك هذه الأهداف مع قادة وحدات الأعمال. كما كانت مؤشرات الأداء وتوزيع المسؤوليات المتعلقة بالمبادرات المختلفة غير واضحة. وعند المراجعة الدقيقة، أدركت الشركة أن أهداف تحوّل نموذج العمل لم تكن مرتبطة مباشرة بمقاييس النجاح اليومية، مثل ربحية خطوط الأعمال، ولا بأهدافها الاستراتيجية مثل الرقمنة. لذلك، لم يكن مستغربًا أن تأتي أهداف تحوّل نموذج العمل في المرتبة الثانية بعد الأهداف المتعلقة بالأداء الفعلي للأعمال التي كان القادة يتابعونها. وهذا النقص في الربط الواضح بين الأهداف اليومية والاستراتيجية جعل من الصعب على الفريق قياس التقدم الحقيقي لجهود تحوّل نموذج العمل وتحقيق الفائدة المرجوة منها.
إن عمليات التحوّل التي لا ترتبط بأهداف محددة تفقد حماسها وأهميتها مع مرور الوقت. وفي المقابل، فإن أفضل عمليات التحوّل هي التي تجمع بين أمرين: مقاييس لتحسين طريقة العمل (مثل زيادة الكفاءة والسرعة)، وفوائد عملية ومحسوبة تعود على الشركة (مثل زيادة الأرباح بسبب خفض التكاليف الناتجة عن استخدام التكنولوجيا). ويجب أن تكون هذه الأهداف سهلة الفهم للجميع، وأن تساعد المسؤولين على اتخاذ القرار الصحيح في الأوقات المهمة. فوجود أهداف واضحة يشبه وجود بوصلة توجه كل الجهود، وتضمن أن كل خطوة في عملية التحوّل تساهم بشكل مباشر في تحقيق نتائج حقيقية للشركة.
أشياء يتم إغفالها عند تحديد أهداف التحوّل
إذا تخيلت أن نموذج عملك القديم يشبه حصانًا، فإن مجرد استبدال ساقيه الأماميتين بعجلات لن يحوّله إلى سيارة سباق. وكما تُظهر أبحاث ماكنزي الجديدة، يجب فهم نموذج العمل كنظام متكامل يحوّل إمكانيات الشركة الاستراتيجية إلى نتائج تتفوق بها على منافسيها في السوق. ولكن عندما تحاول الشركات تغيير جزء واحد فقط من نموذج عملها، فإنها قد تقع في واحدة أو أكثر من العقبات الأربع التالية. وهذا التشبيه يوضح أن التغييرات الجزئية أو السطحية لا تكفي، بل يجب أن يكون التحوّل شاملاً وعميقًا ليحقق التأثير المطلوب.
العقبة الثانية: عدم وضوح الأهداف الاستراتيجية للوحدات الجديدة
لكي ينجح نموذج العمل الجديد ويترسخ في الشركة، من المهم التأكد من أن الاستراتيجية الجديدة قد تم تطبيقها على الهيكل التنظيمي بأكمله. ففي النهاية، إن تحقيق تحسينات شاملة تمتد من البداية إلى النهاية هو مجهود جماعي يتطلب تكاتف الجميع. وهذا يعني أنه لا يمكن لأي قسم أن يعمل بمعزل عن الآخرين، بل يجب أن تتعاون كل أجزاء الشركة معًا كفريق واحد لتحقيق الأهداف المشتركة لعملية التحوّل.
ولتوضيح خطوة عملية لضمان وضوح الأهداف، يجب أولًا تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية الثابتة التي تتحمل كل وحدة أعمال مسؤوليتها، مثل الربحية ورضا العملاء، إلى جانب الأهداف الديناميكية لكل وحدة، مثل تحسين الإنتاجية بنسبة 20% في الربع القادم. وأحد أفضل الطرق لتحقيق هذا الوضوح هو بناء خريطة توضيحية لقيم الأداء تربط كل وحدة وفريق بالفرع المناسب في الخريطة، بحيث يفهم الجميع دورهم بدقة ويساهمون بفعالية في تحقيق نجاح الشركة.
ولتوضيح تحدٍ آخر في تطوير نموذج العمل الجديد، يجب أن نفهم أن تحقيق تحسينات شاملة غالبًا ما يتطلب تعاونًا بين عدة وحدات مختلفة داخل الشركة. على سبيل المثال، إدارة المنتجات تحتاج إلى دمج عدة جوانب معًا: جهة العملاء (تصميم الخدمة، تجربة العملاء، البحث والتحليل)، الجانب التجاري (إدارة المنتج، التسويق، والشراكات)، والجانب الفني (الهندسة، الاختبارات، البنية التحتية، والبيانات). وفي شركات التصنيع، تحسين الأداء يستلزم الجمع بين الصيانة، العمليات، الهندسة، المشتريات، الصحة والسلامة، وغيرها من الجوانب لضمان سير العمل بكفاءة. أما في قطاع التجزئة، فإن إدارة ربحية الفئات تتطلب تعاون الوحدات المختلفة في التشكيلة، المشتريات، سلسلة الإمدادات، التسويق الداخلي، والتحليل، بحيث يفهم كل فريق دوره بوضوح ويساهم بفعالية في تحقيق النتائج المرجوة للشركة. ويبرز من ذلك أن وضوح الأدوار والتعاون بين الوحدات هو مفتاح تحويل نموذج العمل الجديد إلى نتائج ملموسة وقابلة للقياس.
ولفهم أحد التحديات التي تواجه الشركات، غالبًا ما تبدأ الشركات بنوايا جيدة لجمع الوظائف المختلفة معًا لتحقيق قيمة حقيقية، لكنها تصطدم بهياكل قديمة ومعقدة ومتفرقة منذ فترة طويلة. وعند محاولتها تصميم هيكل جديد، تميل كل وحدة وظيفية أو تجارية إلى الابتعاد عن التصميم الشامل لحماية الوضع القائم، وهو ما يبطئ تنفيذ التحوّلات ويحد من الاستفادة الكاملة من التحسينات عبر الشركة.
وكمثال عملي يوضح هذا التحدي، في أحد البنوك التي حاولت إنشاء هيكل مسطح يضم وحدات مسؤولة عن القيمة من البداية للنهاية، بدا التصميم جيدًا على الورق. لكن في الواقع، كانت كل وحدة مجرد نسخة من الهيكل القديم، حيث كانت وحدة الاستراتيجية تنقل الأهداف إلى فريق إدارة المنتج، الذي يوجهها بعد ذلك إلى فريق هندسة الحلول، ثم تصل طلبات الميزات إلى فريق المطورين. وبالرغم من محاولة تطبيق جميع ممارسات الأسلوب المرن، كان تمرير أي شيء إلى العميل يستغرق أشهرًا، مما يوضح أن نجاح نموذج العمل الجديد يحتاج أكثر من مجرد تغيير الهيكل؛ فهو يتطلب تعاونًا فعّالًا بين جميع الفرق لضمان سرعة التنفيذ وتحقيق النتائج المطلوبة.
ولتوضيح تجربة هذا التحدي، كان البنك الأوروبي للاتصالات الذي ذكرناه سابقًا مصرًا على الاعتماد على فرق متعددة الوظائف في أول تصميم لنموذج العمل. ومع ذلك، خلال الأشهر التالية، بدأت كل وحدة تدريجيًا في سحب مواردها، مما جعل الفرق المتبقية غير قادرة على تقديم القيمة الشاملة. وأظهرت مقابلات مع أعضاء الفرق أن الثقافة كانت تميل إلى تكريس وقت الأفراد بالكامل في الفرق المشتركة، بينما كانت الوحدات، المسماة "فصول" في هذا النموذج، تقتصر على مهام التوظيف والموارد البشرية، وهو ما يوضح أن بناء ثقافة داعمة ومتناسقة لجميع الفرق أمرًا ضروريًا لنجاح نموذج العمل الجديد وتحقيق الأهداف المرجوة.
ولتسليط الضوء على طريقة إيجاد التوازن في تطبيق نموذج العمل الجديد، شعرت الوحدات بالحاجة للحفاظ على التميز الوظيفي فأنشأت فرقًا خاصة بها في مجالات مثل معايير الاختبار ومكتبة التصميم. ولضمان هذا التوازن، قامت الشركة بتحديد مهام الفصول لتشمل الحفاظ على الاتساق، وبناء القدرات، ووضع الرؤية الوظيفية إلى جانب إدارة الأفراد. ومع هذا التركيز المركزي على التميز، أصبح بالإمكان تحريك الأشخاص للعمل ضمن الفرق متعددة الوظائف، مما ساعد على تعزيز التعاون وتسريع تحقيق القيمة المرجوة للشركة.
تُظهر تجربة شركة الاتصالات هذه أن القادة المسؤولين عن عملية التحوّل يمكنهم أن يلعبوا دورًا محفزًا في ربط هيكل الشركة باستراتيجيتها الجديدة. وهذا يعني أن عليهم دائمًا التركيز على القيمة التي سيتم تقديمها للعميل، وجعلها محور كل قرار. والأهم من ذلك، أن دورهم يتطلب التعامل بمهارة مع السياسات الداخلية في الشركة، والتي غالبًا ما تقاوم التغيير وتحاول إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. فبدون قائد قوي يستطيع توجيه الدفة وتجاوز هذه العقبات الداخلية، قد تتعثر جهود التحوّل أو تفشل تمامًا.
العقبة الثالثة: فصل التغييرات التقنية والبيانات عن التغييرات التنظيمية
في عام 1967، صاغ "ملفين كونواي" قانونه الشهير الذي ينص على أن الأنظمة التقنية لأي منظمة هي في الواقع انعكاس لهيكلها التنظيمي. وهذا يعني أنه إذا كانت الأقسام التقنية في الشركة مجمّعة تحت إدارة واحدة ضخمة، وتُجري تغييراتها عبر مشاريع تمتد لسنوات طويلة، وتعتمد بكثرة على المصادر الخارجية، ويُنظر إليها على أنها مجرد مراكز تكلفة، فإن أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها ستكون هي الأخرى أنظمة ضخمة ومعقدة، تكلفة تشغيلها منخفضة نسبيًا لكن تكلفة تغييرها وتطويرها باهظة جدًا. وهذا الترابط الوثيق يضع الشركات أمام خيار صعب: إذا أرادت منظمة ما أن تنتقل إلى نموذج عمل أسرع، يدمج بقوة بين قطاع الأعمال والتقنية في فرق عمل متعددة الوظائف، فهل يجب عليها تحديث التكنولوجيا أولاً ثم تغيير الهيكل التنظيمي، أم أنها تنقل الموظفين إلى الهيكل الجديد وتأمل أن تتطور التكنولوجيا لاحقًا لدعمهم؟
تقع العديد من المؤسسات في حيرة تشبه معضلة "الدجاجة والبيضة"، حيث تتساءل: هل نغير التكنولوجيا أولاً أم نغير الهيكل التنظيمي؟ ففي بعض الأحيان، تقبل هذه المؤسسات بالقيود التقنية الحالية وتقرر الانتظار حتى يكتمل مشروع التخلص من الأنظمة القديمة (وهو الأمر الذي غالبًا ما يستغرق سنوات)، قبل أن تبدأ في تغيير نموذج العمل. وفي أحيان أخرى، تحاول تطبيق الهيكل التنظيمي النهائي بالكامل دون الاستثمار في تطوير ممارسات العمل والبنية التحتية والأنظمة اللازمة لدعم أساليب التطوير الحديثة، مما يؤدي في النهاية إلى إثارة المزيد من الارتباك والفوضى بدلاً من تحقيق الوضوح. وهذا يوضح أن محاولة حل مشكلة التكنولوجيا بمعزل عن مشكلة الهيكل التنظيمي، أو العكس، غالبًا ما يؤدي إلى طريق مسدود يعرقل عملية التحوّل بأكملها.
على سبيل المثال، قرر أحد البنوك في أمريكا اللاتينية نقل معظم مهندسيه للعمل جنبًا إلى جنب مع فرق الأعمال داخل فرق متعددة التخصصات، بهدف تطوير مزايا جديدة بسرعة أكبر والتركيز على احتياجات العملاء. في البداية بدا القرار ناجحًا، إذ شعر البنك بأنه أصبح أقرب إلى العملاء. لكن سرعان ما تبين أن المشكلة أعمق من مجرد إعادة توزيع الموظفين، إذ لم تُعالج بعض العمليات الأساسية في تكنولوجيا المعلومات، مثل اختبار الأكواد البرمجية وإطلاق التحديثات للعملاء. فقد كانت خطوط الإطلاق المركزية تسبب تأخيرات طويلة، بينما كانت الاختبارات اللامركزية تجرى على أجزاء الأكواد البرمجية بشكل منفصل دون التأكد من عملها معًا بشكل كامل. وهكذا واجه البنك تحديًا جديدًا، حيث لم يكن من الممكن الاعتماد على فرق مرنة وسريعة بدون بنية تحتية تكنولوجية قوية تضمن الاستقرار والجودة. ولم يتمكن البنك من تحقيق التوازن بين السرعة والاستقرار إلا بعد سنوات من تنفيذ تحول تقني شامل أعاد تنظيم أدواته وعملياته الداخلية.
وفي الوقت نفسه، أنشأت إحدى شركات السلع الاستهلاكية فرقًا متعددة التخصصات لتحقيق نتائج واضحة للعلامة التجارية والمنتجات، لكنها أبقت البيانات تحت هيكل الأقسام القديم. وفي الواقع، لم يقم قسم البيانات بتسهيل وصول الفرق إلى المعلومات والرؤى بشكل عام، مما أبطأ عمل الفرق المرنة وخفض كفاءتها لأنها كانت تعتمد على هذه البيانات. ويُظهر هذا المثال أن تنظيم البيانات ومشاركتها بشكل فعال هو جزء أساسي من نجاح أي أسلوب عمل جديد، إذ لا تكفي فقط إعادة تشكيل الفرق دون تمكينها بالأدوات والمعلومات اللازمة.
ولتوضيح ذلك أكثر، نجد أن المؤسسات التي نجحت في برامج التغيير الكبيرة أخذت التغييرات التكنولوجية في الاعتبار ضمن خطة التحوّل الكاملة. فقد حددت الأنظمة التي تحتاج إلى مرونة أكبر، مثل القنوات الرقمية أو المنتجات والمنصات، وما يلزم لتحديثها بأمان من خلال تعديلات تقنية. وتشمل هذه التعديلات أيضًا الجوانب التنظيمية، مثل وضع قادة التكنولوجيا داخل وحدات الأعمال، أو جعل الفرق متعددة التخصصات مسؤولة عن صحة الأنظمة ودورة حياة المنتج بالكامل، وليس فقط عن تطوير المزايا. وبذلك يتمكن كل فريق من فهم دوره بدقة والمساهمة بشكل فعّال في نجاح التغيير، كما يضمن هذا النهج دمج التكنولوجيا بسلاسة مع نموذج العمل الجديد لتحقيق نتائج ملموسة ومستدامة.
من جهة أخرى، يجب على المؤسسات أن تتحرك على الجبهتين معًا: الانتظار حتى تحل التحوّلات التكنولوجية القديمة جميع المشاكل ليس حلاً عمليًا، وفي الوقت نفسه، محاولة تحوّل نموذج العمل دون التعامل مع التكنولوجيا قد تكون بنفس السوء. النجاح يتطلب تنسيق تحوّل نموذج العمل مع تحسين البنية التكنولوجية لدعم النتائج المرجوة بشكل كامل.
العقبة الرابعة: الميزانية وتحديد الأولويات وتوزيع الموارد غير متوافقة مع نموذج العمل
ولتطبيق ذلك بشكل فعّال، على الشركات إنشاء فرق شاملة تتحمل المسؤولية الكاملة عن نتائج الأعمال، مع اعتماد طريقة مختلفة في التعامل مع الميزانية والتمويل. ومع توسّع برنامج تحوّل نموذج العمل وانتشاره على نطاق واسع، يصعب الاعتماد على الأساليب التقليدية للحفاظ على الرؤية والتوافق بين الفرق. لذلك يجب اعتماد نظام واضح لمراجعة الأداء والتخطيط المستقبلي، مع توضيح الأولويات لكل مستوى في الشركة، مثل مراجعات الأعمال ربع السنوية أو تخطيط زيادات المنتجات. كما أن وضوح التمويل وتحديد الأولويات يمكّن الفرق من اتخاذ القرارات الصحيحة بسرعة أكبر، ويضمن استخدام الموارد في المجالات الأكثر أهمية لتحقيق نتائج ملموسة، مما يعزز نجاح نموذج العمل الجديد ويحوّل الجهود إلى قيمة حقيقية للشركة.
وبالمثل، نلاحظ اختلافًا كبيرًا في طريقة عمل مراجعات الأعمال ربع السنوية بين الشركات من حيث المنطق، والنطاق، والجودة. على سبيل المثال، قدمت إحدى شركات الاتصالات الكُبرى هذه المراجعات، لكن كان يشرف عليها مدربو الأسلوب المرن فقط، بينما لم يشارك كبار المديرين التنفيذيين بالشكل الكافي. ونتيجة لذلك، لم يكن هناك توجيه واضح من الإدارة العُليا للشركة بشأن تحديد الأولويات، كما لم يكن التمويل والميزانية مرتبطين بالقرارات المتخذة، وكانت دورة التخطيط مجزأة عبر عدة مبادرات مستقلة. والحل كان واضحًا: إشراك فرق المالية والاستراتيجية والموارد البشرية ومكتب إدارة المشاريع ومجتمع المدربين معًا لتصميم دورة حوكمة متكاملة تشمل جميع الوظائف الرقابية، بدلًا من الاكتفاء بمراجعة أعمال ربع سنوية منفصلة على الهامش. وهذا يضمن أن تكون الأولويات واضحة للجميع، وتُستخدم الموارد بشكل فعّال لدعم النتائج الأكثر أهمية للشركة.
على صعيد آخر، في أحد البنوك في أمريكا اللاتينية، كان نموذج العمل أكثر تكاملًا منذ البداية، لكن بعض التغييرات المهمة لم تُستوعب بشكل كامل. أولًا، كانت طريقة التمويل لا تزال تعتمد على مشروعات كبيرة تُوافق عليها لجان توجيه، بدلًا من اعتماد تمويل مرن قائم على المنتجات. ثانيًا، كان التركيز على الرقابة والالتزام بالمعايير، مع قضاء وقت طويل على نماذج دراسة الجدوى والموافقات ومتابعة الأداء بأثر رجعي. ثالثًا، كانت المناقشات المشتركة تركز على النتائج والخطط الزمنية بدلاً من التركيز على خلق القيمة الحقيقية للأعمال. ويُظهر هذا المثال أن تبني أسلوب عمل جديد يحتاج إلى فهم عميق لكيفية إدارة التمويل والرقابة وتوجيه النقاشات نحو القيمة، وليس مجرد تطبيق الإجراءات السابقة على الفرق الجديدة.
ولتجاوز هذه الصعوبات، قررت الشركة اعتماد مفهوم التمويل الثابت، حيث تُمنح كل وحدة ميزانية مستقرة وتكون مسؤولة عن ترتيب أولويات النتائج ضمن وحدتها نفسها بدلًا من طلب المزيد من الموارد. وبالإضافة إلى ذلك، وسّعت الشركة نطاق مراجعات الأداء لتشمل كامل الشركة وليس فقط الفرق متعددة التخصصات المرنة. وهذا الأسلوب يساعد الفرق على التركيز على تحقيق النتائج المهمة بفعالية أكبر، ويضمن توجيه الموارد نحو المجالات التي تخلق أكبر قيمة للشركة.
ولتوضيح الفكرة بشكل أبسط، يُعد مفهوم الميزانية الثابتة محورًا أساسيًا. ففي أحد البنوك الأوروبية الأخرى، وبعد أن لاحظ الرئيس التنفيذي زيادة التكاليف ضمن نطاق الفرق المرنة، وضع قاعدة صارمة تنص على "تثبيت الموارد المتاحة وتحديد الأولويات ضمنها". هذا لم يقتصر تأثيره على السيطرة على ارتفاع التكاليف، بل أتاح أيضًا نقاشات مهمة حول تحديد الأولويات وكيفية تحقيق قيمة فعلية للشركة. ويُظهر ذلك أن وضع حدود واضحة للميزانية يعزز التركيز ويساعد الفرق على تقديم ما يضيف قيمة حقيقية للعملاء والمؤسسة.
في البداية، قد يبدو الأمر غير بديهي، إلا أن اعتماد عمليات تخطيط طويلة الأمد أبسط وأقل تفصيلًا، تُجرى كل ثلاث إلى خمس سنوات، يمكن أن يساعد على وضع أهداف قابلة للتنفيذ لكل عام على حدة. ففي هذا الأسلوب، لا تُجرى عمليات وضع الاستراتيجية كل عام لتجنب مشكلة "عصا الهوكي"، أي تأجيل أهداف متغيرة باستمرار إلى المستقبل. وبدلًا من ذلك، تركز كل دورة سنوية على كيفية تحقيق الأهداف المتفق عليها لذلك العام، مع تخصيص التمويل للنفقات التشغيلية والرأسمالية للوحدات الشاملة المسؤولة عن النتائج من البداية للنهاية. كما أن هذا الأسلوب يمنح الفرق وضوحًا أكبر، ويجعلها قادرة على التركيز على تحقيق قيمة فعلية وسريعة، بدلًا من الانشغال بالخطط الطويلة والمعقدة دون تنفيذ فعلي.
وفي هذه الطريقة، يعتمد التخطيط الربعي على أحدث توقعات الأداء، والوضع التنافسي، والاستراتيجية العامة، مع أخذ أي أفكار جديدة مفاجئة بعين الاعتبار. هذا يضمن أن الجميع متفق على النتائج التي يجب تحقيقها خلال الثلاثة أشهر القادمة. ويتم ذلك من خلال تعاون جيد بين الفرق المختلفة، مع إعادة توزيع الموارد حسب الحاجة (مثل 5 إلى 10 بالمئة كل ربع سنة) لتركيز الجهود على الأمور الأكثر قيمة. ويركز القادة على تحقيق نتائج واضحة وملموسة في المجالات المهمة بدلًا من بدء الكثير من المشاريع في نفس الوقت، ما يساعد الفرق على العمل بوضوح وتركيز وتحقيق أكبر فائدة للعملاء والشركة.
العقبة الخامسة: تجاهل تأثير الثقافة وأساليب القيادة
ولتسليط الضوء على هذا التحدي، فإن وضع ملصقات ملهمة في المصاعد أو دعوة خبراء خارجيين للحديث عن أهمية التفكير المرن لا يكفي لتغيير الثقافة الحقيقية وقيادة الشركة. فقد أوضح رئيس برنامج تحوّل نموذج العمل والثقافة في إحدى شركات الطيران العالمية قائلاً: "نستخدم كلمات جميلة مثل التمكين والأمان النفسي في خطابنا، لكن الواقع يظهر خلاف ذلك عند النظر إلى من يحصل على الترقيات وكيفية منحها". ويُظهر هذا المثال أن أي تغيير حقيقي في نموذج العمل يحتاج إلى تكييف السياسات، الممارسات، واتخاذ القرارات اليومية لتكون متوافقة مع القيم والثقافة المرغوبة، وليس مجرد شعارات أو كلمات ملهمة على الورق.
في كثير من الأحيان، يميل القادة إلى تجاهل الثقافة والقيادة عند تنفيذ التحوّلات، لأن هذه الجوانب قد تبدو غامضة أو بعيدة عن سيطرتهم. ومع ذلك، يمكن للشركات اتخاذ خطوات واضحة وعملية لضمان أن التغيير يحدث بالفعل ويثمر نتائج ملموسة. وتشير التجارب العملية للشركات التي نجحت في تحسين أسلوب عملها إلى أن تغيير الثقافة هو العامل الأصعب لكنه الأهم لتحقيق النتائج. وبجانب التزام الفريق التنفيذي بشكل صريح وليس مجرد موافقة سطحية، هناك خطوات عملية واضحة يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في النتائج. ويشمل ذلك على سبيل المثال تشجيع السلوكيات المرغوبة وتقديم مكافآت على المبادرات التي تعكس الثقافة الجديدة، لضمان أن التغيير ليس مجرد كلمات على الورق بل ممارسة يومية.
أولًا، يجب النظر في مدى دعم نظام الأفراد والمكافآت داخل المنظمة (مثل الأدوار، المسارات الوظيفية، الرواتب، إدارة الأداء، الحوافز، والعقود) للسلوكيات التي يسعى القادة لتعزيزها. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو زيادة المرونة، والعمل ضمن فرق، والتعاون بين جميع أقسام الشركة بدلًا من الانعزال، فهل هذا الدعم موجود في الطريقة التي يحدد بها القادة الأهداف ويتحدثون عن نمو المسار الوظيفي؟ أم أن تقييم الوظائف لا يزال يعتمد على وصف الوظائف الثابت وربط المكافآت السنوية بها؟ ويظهر هذا المثال أهمية أن تكون أنظمة المكافآت والتقدير متوافقة مع السلوكيات المطلوبة، حتى يتحقق التغيير الفعلي في نموذج العمل وليس فقط على الورق.
ثانيًا، عند اختيار القادة للمناصب المهمة، هل تلجأ الشركة للخيارات المضمونة، أي بتعيين نفس المديرين القدامى الذين يملكون الخبرة والأقدمية، أم أنها تقوم بخطوات جريئة وتختار قادة يمتلكون الحماس والرؤية ليكونوا قدوة للآخرين؟ ففي بعض الأحيان، يختفي الحماس المصاحب لعملية التحوّل عندما يرى الموظفون أن أقسام العمل الجديدة والمرنة سيقودها نفس الأشخاص الذين كانوا يديرون الأقسام المنعزلة والبطيئة في السابق. وهذا الأمر يرسل رسالة سلبية للموظفين مفادها أن شيئًا حقيقيًا لن يتغير، مما يهدم جهود التحوّل بأكملها.
ثالثًا، هل تم تحديد التغيير المطلوب في ثقافة الشركة بوضوح؟ (على سبيل المثال، الانتقال من العمل في أقسام منعزلة إلى العمل كفريق واحد، ومن تصعيد المشاكل للمديرين إلى تحمل كل فرد لمسؤولياته). وهل تم إطلاق مبادرات كبيرة وكافية لدعم هذا التغيير، مثل مطالبة القادة بالالتزام بهذه التحوّلات بشكل علني، وتقديم تدريبات واضحة وعميقة للموظفين على السلوكيات الجديدة، ودمج هذه الثقافة الجديدة في أنظمة تقييم الأداء؟ والأهم من ذلك، هل تقيس الشركة مدى التقدم في هذه الجوانب الثقافية بنفس الاهتمام الذي توليه لقياس أداء الأعمال والأرباح؟ فبدون اتخاذ خطوات عملية وملموسة لقياس التغيير الثقافي ومتابعته، ستظل هذه الأهداف مجرد شعارات جميلة على الورق لا تجد طريقها إلى الواقع.
التحديات المتعلقة بـ "طريقة التنفيذ"
إن إحداث التغيير الشامل المطلوب لتحويل نموذج العمل حقًا ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق. فقد كشفت أبحاث شركة ماكنزي لعام 2021 حول التحوّل المرن أن الشركات التي نجحت في تحقيق هذا التحوّل استثمرت أولاً وقتًا كافيًا لضمان توافق فريق الإدارة العُليا تمامًا على الرؤية، ثم التزمت بتنفيذ عملية التحوّل بسرعة. وفي الواقع، لقد تبيّن أن إنجاز التحوّل في أقل من 18 شهرًا ضاعف من فرص النجاح بمقدار 1.6 مرة. وهذا يؤكد أن التخطيط الدقيق في البداية والتنفيذ السريع بعدها هما عاملان حاسمان للوصول إلى النتائج المرجوة، بدلاً من ترك عملية التحوّل تمتد لسنوات دون جدوى.
أما بالنسبة للشركات الكُبرى التي تعمل في عدة بلدان، فإن عملية التحوّل فيها تتقدم عادةً بشكل تدريجي، فتبدأ في وحدة أعمال ثم تنتقل إلى التي تليها، أو تبدأ في بلد ثم تنتقل إلى بلد آخر. وعلى الرغم من أن الإدارة المركزية للشركة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في دعم هذه الوحدات، مثل تبديل أعضاء فريق التحوّل بينها والتأكد من أن العمليات الأساسية (كدورات الميزانية وأنظمة تقييم الموظفين) مصممة لتحقيق الغرض منها، إلا أن الوحدات والفروع المنفردة هي التي يجب أن تتولى زمام المبادرة وتقود هذه العملية بنفسها.
وبغض النظر عن القسم الذي يبدأ فيه التغيير، يجب على الفريق المسؤول تنفيذ الخطة بصرامة ودقة. فالكثير من الشركات تفشل في هذه المرحلة، مما يؤدي بها إلى الوقوع في العقبة الأخيرة.
العقبة السادسة: غياب الدور القيادي للإدارة العُليا في عملية التحوّل
وفي مثال واضح يكشف عن هذه العقبة، كنا نناقش نماذج العمل الحديثة مع مجموعة من كبار القادة في شركة اتصالات كُبرى أخرى. وبعد الاجتماع، قدّم أحد المشاركين نفسه قائلاً إنه "رئيس قسم التحوّل نحو منهجية العمل المرنة ونماذج العمل في المجموعة". ثم عبّر عن دهشته من أن المعلومات التي طُرحت بدت جديدة تمامًا على بعض قادة الأعمال في الشركة، على الرغم من أن عملية تحوّل نموذج العمل في شركتهم كانت جارية بالفعل منذ ثلاث سنوات. وهذا يدل على وجود فجوة كبيرة بين المسؤولين عن قيادة التحوّل وبين المديرين الذين يُفترض بهم تطبيقه، مما يؤكد غياب الرؤية القيادية الموحدة.
وهذا الموقف يتكرر أمامنا كثيرًا: حيث يتم تكليف موظفين بعيدين عن الإدارة العُليا بمسؤولية التحوّل، وتوضع له خطط زمنية تمتد لسنوات طويلة دون الإحساس بضرورة الإنجاز السريع، ويتم تنفيذه في قسم واحد بمعزل عن باقي أقسام الشركة. ورغم أن عمليات التحوّل التي تبدأ هكذا تنطلق بحماس وسرعة في مرحلة التخطيط ووضع الأفكار، إلا أنها تفقد قوتها وحماسها عندما لا يكون هناك دعم وتفويض حقيقي من الإدارة العُليا لإتمام هذا التغيير. وهذا يؤكد أن التحوّل الحقيقي يجب أن يُقاد من القمة، وإلا فإنه سيتحول إلى مجرد مشروع جانبي لا يملك القوة اللازمة لإحداث تغيير فعلي.
يمكن أن يظهر ضعف الدور القيادي للإدارة العُليا بطرق أخرى أيضًا. ففي حالة بنك آخر كان يسعى لتطبيق هياكل تنظيمية مبسطة ومرنة، قررت الإدارة السماح باستثناءات نادرة، حيث سمحت للأقسام التي تعمل في عدة بلدان بإضافة مستوى إداري إضافي بين مدير القسم وفرق العمل متعددة الوظائف. ولكن، خلال الأشهر التالية، انتشرت هذه المناصب الإضافية بكثرة، حيث اختار معظم المديرين المسؤولين عن تصميم الهيكل الجديد إضافة هذا المنصب الإداري الزائد. ولم يكن من اليسير التراجع عن هذا القرار والعودة إلى الهدف الأصلي المتمثل في تبسيط الهيكل التنظيمي. وهذا الموقف يوضح كيف يمكن لقرار استثنائي صغير أن يتحول إلى قاعدة عامة تهدم الهدف الأساسي للتحوّل، خاصة عند غياب الرقابة القيادية الصارمة.
وبالمثل، فإن عدم التزام الرئيس التنفيذي بعملية التحوّل يمكن أن يكون سببًا في فشلها تمامًا، ولكن وجود قادة كبار آخرين غير ملتزمين يمكن أن يسبب ضررًا كبيرًا أيضًا. ففي إحدى شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات التي كانت تمر بعملية تحوّل كبيرة في نموذج عملها، اتخذ فريق الإدارة العُليا قرار البدء، ومع ذلك، ظل أحد أعضاء الفريق يعرقل العملية باستمرار. واستمر هذا الوضع لعدة أشهر حتى اتخذ الرئيس التنفيذي قرارًا بالاستغناء عنه، وبعدها ارتفع مستوى الحماس والطاقة في عملية التحوّل بأكملها بشكل هائل. وهذا الموقف يوضح أن وجود شخص واحد فقط في منصب قيادي يعارض التغيير يمكن أن يسمم بيئة العمل بأكملها، وأن إزالته قد تكون ضرورية لإطلاق طاقات الفريق ودفع التحوّل إلى الأمام.
وكتوجيه عام، يمكن القول إنه بالإضافة إلى الالتزام الكامل من كبار القادة، فإن إنجاح عملية التحوّل يتطلب تخصيص حوالي أربع ساعات أسبوعيًا من وقت كل عضو في فريق الإدارة العُليا، وذلك خلال المرحلة الرئيسية من التحوّل (والتي تستمر عادةً من 6 إلى 12 شهرًا). فإذا جاء رد فعل أحدهم قائلاً: "هذا وقت طويل جدًا"، فقد يكون ذلك علامة على وجود إحدى مشكلتين: إما أنه لا يدرك حجم وعمق التغييرات المطلوبة في جميع جوانب نموذج العمل، أو أن الفوائد المرجوة من عملية التحوّل صغيرة جدًا لدرجة أنها لا تستحق تخصيص 10% من وقت فريق الإدارة العُليا. وفي كلتا الحالتين، يكون الحل هو أن تكون الشركة أكثر وضوحًا وجرأة بشأن ما تسعى إلى تحقيقه، وهو ما يعني في جوهره العودة وإصلاح "العقبة الأولى" المتمثلة في عدم ربط التحوّل بأهداف قوية ومحددة.
البقاء على المسار الصحيح
هناك طرق عديدة يمكن أن تتعثر بها الشركات في رحلة تحوّل نموذج العمل. ولكن، إذا حافظ القادة على تركيزهم على الهدف النهائي (وهو ما يساعدهم على تجنب العقبة الأولى)، وتأكدوا من قيادة تغيير شامل يغطي جميع جوانب نموذج العمل (مما يجنبهم الوقوع في العقبات من الثانية إلى الخامسة)، وقادوا هذا التغيير بسرعة وصرامة (وهو ما يمنعهم من التعثر في العقبة السادسة)، فمن المرجح جدًا أن يظلوا على الطريق الصحيح والمثمر. وهذا يوضح أن النجاح في عملية التحوّل يعتمد بشكل أساسي على رؤية واضحة، وتغيير شامل، وقيادة حاسمة.
كما أن تبادل الملاحظات والخبرات مع قادة آخرين مرت شركاتهم بعملية تحوّل في نموذج العمل أو أكملتها مؤخرًا، يعد طريقة أخرى لكشف المخاطر الخفية التي قد لا تكون واضحة. بالإضافة إلى ذلك، من المهم عقد محادثات منتظمة وصريحة داخل فريق القيادة لمناقشة ما إذا كان البرنامج يسير كما هو مخطط له، وتحديد المواضع التي قد تواجه فيها الشركة خطر الوقوع في إحدى العقبات. وفي بعض الأحيان، يتطلب معرفة ما ينجح وما لا ينجح إجراء تشخيص منهجي ودقيق، على الرغم من أن الأحاديث غير الرسمية بين الموظفين (أو ما يُعرف بـ "أحاديث الممرات") يمكنها في كثير من الأحيان أن تكشف عن الوضع الحقيقي لعملية التحوّل.
وفي الختام، إن العقبات الست التي ناقشناها هنا هي مظاهر شائعة للتحديات التي تعاني منها عمليات التحوّل منذ سنوات، وستواجهها معظم المؤسسات في مرحلة ما من رحلتها. ولكن ما يميز الشركات الناجحة عن غيرها حقًا هو ما تفعله عندما تدرك أن عملية التحوّل قد توقفت أو تعثرت. فهل تستمر في المحاولة بنفس الطريقة وتأمل في حدوث الأفضل، أم أنها تعيد تقييم الموقف وتتخذ خطوات كبيرة وجريئة بما يكفي لاستعادة قوة الدفع والمضي قدمًا؟ من وجهة نظرنا، فإن اتباع سياسة "الانتظار والترقب" نادرًا ما ينجح في مثل هذه المواقف الحاسمة.