مستقبل الثروات والنمو في كفّة الميزان

| تقرير

لمحة عامة

The future of wealth and growth hangs in the balance

مقدمة

نَجَمَ الاضطراب في القطاع المصرفي مؤخرًا عن اصطدام أسعار الفائدة المرتفعة بمعدّلات الرفع المالي العالية، في ظلّ تصاعد التوتُّرات الجيوسياسية. ويُعدّ ذلك تغيّرًا جذريًّا في الظروف الأساسية، مقارنة بمّا كانت عليه خلال السنوات التي شهدت وفرة في الأموال وازديادًا في الثروات التي بدا وكأنّها لن تنضب.

خلال العقدَيْن الماضيَيْن، توسّعت الميزانية العمومية العالمية بوتيرةٍ أسرع من الناتج المحلي الإجمالي، فازدادت الديون ومعها أسعار الأصول، من دون أن تتمكّن الإنتاجية والمخرجات الاقتصادية من مواكبتها، ما أدّى إلى ارتفاع مستوى عدم المساواة (للمزيد من المعلومات، انظر العمود الجانبي "ما هي الميزانية العمومية العالمية؟").1

بحلول نهاية العام 2022، أصبح عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي وفي الميزانية العمومية جليًا.2 ففي العام 2022 وحده، خسرت الأسر المعيشية 8 تريليون دولار من الثروات.

والآن، بات مستقبل الثروات والنمو الاقتصادي في كفّة الميزان. فإلى متى يمكن أن تدوم هذه الضغوط في النظام المالي؟ وهل يشهد العالم عملية ضخمة لإعادة التوازن إلى الميزانية العمومية العالمية؟ ما مدى تأثيرها على العقارات وحقوق الملكية والديون؟ وما سيكون مصير الودائع؟ وما هو مسار العمل الأمثل بالنسبة لأصحاب المصلحة، من مستثمرين ومؤسسات مالية وصانعي قرار؟

ما زالت مجموعة المسارات المعقولة على المدى البعيد واسعة ومتنوّعة. وتعتمد الآفاق المستقبليّة على احتمالات عودة العالم إلى حقبة الاستثمارات الضعيفة ووفرة المدّخرات، ما سيسفر عن نموٍ بطيءٍ للناتج المحلي الإجمالي، وأسعار متدنية للفائدة، وتوسُّعٍ مستمرٍّ للميزانية العمومية العالمية. من جهة أخرى، فإنّ وضع متطلّبات أكثر صرامة للاستهلاك ولزيادة الاستثمار بغية الانتقال إلى صافي انبعاثات صفري، وإعادة تشكيل سلسلة الإمدادات، ومتطلّبات الدفاع، كلها عوامل تؤدي إلى استمرار المعدلات العالية من التضخُّم والفائدة. فكيف يمكن معالجة هذه المسائل على صعيد السياسات؟ وهل يمكن لعملية تشديد السياسات أن تؤدي إلى تصحيح أسعار الأصول وإعادة ضبط الميزانية العمومية؟ هل يمكن لنمو الإنتاجية أن يساهم في الحلّ وأن يولّد معدّلاتٍ أعلى من النمو الاقتصادي مع إعادة توجيه رأس المال نحو فرص الاستثمار المنتجة؟

في هذه الدراسة، يقدم مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أربعة سيناريوهات لعرض مختلف المخرجات المحتملة، التي أطلقنا عليها الأسماء التالية: "العودة إلى الحقبة السابقة" و"معدلات أعلى لمدة أطول" و"إعادة ضبط الميزانية العمومية" و"تسريع الإنتاجية". وفي السيناريو المرغوب، يتم تسريع الإنتاجية ليتمكّن النمو الاقتصادي من مواكبة الميزانية العمومية، جامعًا بالتالي بين النمو السريع للناتج المحلي الإجمالي، والثروات المتزايدة، وميزانية عمومية أفضل. السيناريوهات الثلاثة الأخرى بعيدة كل البعد عن الحلّ المثالي، كلّ بطريقته.

قد يبدو المشهد الاقتصادي والمصرفي والاستثماري خلال السنوات العشر المقبلة مختلفًا تمامًا عمّا كان عليه خلال السنوات العشرين الماضية.

المخاطر كثيرة. وقد يبدو المشهد الاقتصادي والمصرفي والاستثماري خلال السنوات العشر المقبلة مختلفًا تمامًا عمّا كان عليه خلال السنوات العشرين الماضية. إنّ الأثر المتباين للسيناريوهات على المخرجات الاقتصادية ضخم، غير أنّ التداعيات على الميزانية العمومية أشدّ بعد. لهذه الأسباب، طوّر مركز ماكنزي العالمي للأبحاث نموذجًا للاقتصاد والميزانية العمومية لكلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. من شأن عملية إعادة ضبط الميزانية العمومية في الولايات المتحدة أن تخفّض النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بـ1.7 نقطة مئوية مقارنةً بسيناريو الإنتاجية المتسارعة (الشكل 1)، كما يمكن لثروة الأُسر الإجمالية أن تكون أقل بقيمة 48 تريليون دولار في سيناريو إعادة الضبط مما هي عليه في سيناريو تسريع الإنتاجية. وإضافةً إلى الانخفاض المحتمل في الثروات، الذي من المرجح أن يولّد تأثيرات سلبية خاصة به، تعني عملية إعادة الضبط المقترنة بتصحيحٍ كبير لأسعار الأصول إفلاس العديد من الأصول المُموَّلة بالدين، ما سيُفاقم الضغوط الحالية في النظام المالي. وعليه، ينبغي على صانعي القرار التنبُّه إلى الأثر اللاحق بالميزانية العمومية عند اتّخاذ قراراتهم المتعلقة بالسياسة الاقتصادية.

1
The future of wealth and growth hangs in the balance

عقدان من "الثروة الورقية" المتنامية مقابل نمو اقتصادي بطيء

هناك تفاوت واضح بين العقدَيْن الماضيَيْن، من جهة، والمسار التاريخي للثروة العالمية (والديون) المتراكمة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى. فقبل مطلع الألفية، واكب النمو في القيمة الصافية العالمية نمو الناتج المحلي الإجمالي، ثمّ طرأ تغيُّر مفاجئ. قُبيل العام 2000، وفي توقيت مختلف بين بلدٍ وآخر، بدأ كلٌّ من القيمة الصافية وقيَم الأصول والديون بالنمو بسرعةٍ تخطّت نمو الناتج المحلي الإجمالي بفارقٍ كبير (الشكل 2). في المقابل، تراجع نمو الإنتاجية ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع من 1.8% في السنة بين العامَيْن 1980 و2000 إلى 0.8% من العام 2000 حتى العام 2018.

2
The future of wealth and growth hangs in the balance

بين العامَيْن 2000 و2021، أنتَجَ تضخُّم أسعار الأصول ما يقارب 160 تريليون دولار من "الثروة الورقية". وازدادت تقييمات الأصول كحقوق الملكية والعقارات بوتيرةٍ أسرع من المخرجات الاقتصادية الحقيقية، وولّد كل دولار من صافي الاستثمار 1.90 دولار من الدين الصافي الجديد. وبالتالي، شهدت الميزانية العمومية العالمية نموًّا بوتيرةٍ أسرع بمرّة وثلث (1.3) من الناتج المحلي الإجمالي. وتضاعفت أربع مرّات لتبلغ 1.6 كوينتليون دولار من الأصول، منها 610 تريليون دولار من الأصول الحقيقية، و520 تريليون دولار من الأصول المالية خارج القطاع المالي، و500 تريليون دولار ضمن القطاع المالي.

توسّعت الميزانية العمومية بوتيرة متسارعة خلال الجائحة مع تخصيص الحكومات دعمًا واسع النطاق للأسر والشركات المتضرّرة من تدابير الإغلاق العام. وخلال العامَيْن 2020 و2021، حقّقت الثروة العالمية نموًّا مقابل الناتج المحلي الإجمالي بوتيرةٍ أسرع من أي فترة سنتَيْن خلال السنوات الخمسين الماضية. وتسارع تراكم الديون الجديدة ليبلغ 3.40 دولار مقابل كلّ دولار من صافي الاستثمار.

ارتفعت قيَم جميع أنواع الأصول الرئيسية مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي مع تراجع أسعار الفائدة الحقيقية.

بحلول العام 2021، شكّلت أربعة أنواع من الأصول 80% من الميزانيات العمومية العالمية المتداخلة (القطاع المالي، والميزانية العمومية المالية للقطاعات غير المالية، والاقتصاد الحقيقي)، وهي: العقارات (27%)، وحقوق الملكية (21%)، والديون (20%)، والعملات والودائع (12%). وقد بدأت هذه الأصول الأربعة بالنمو مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2000، بما فيها العقارات بنسبة 33% إضافية، وحقوق الملكية بنسبة 100% إضافية، والديون بنسبة 90% إضافية، أمّا العملات والودائع، فقد نَمَت بنسبة أسرع من الناتج المحلي الإجمالي بـ 124%.

شهدت جميع الاقتصادات ارتفاعًا في قيمة الأصول على نطاق واسع ولكن مع اختلافات في التوقيت والسرعة النسبية للنمو على صعيد أنواع الأصول. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تجاوز نمو البنود الكُبرى الأربعة في الميزانية العمومية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوحت بين 50% (العقارات) و200% (حقوق الملكية) بقيَم سوقية تُقارن بقيَم العام 1995 (الشكل 3)، بينما كان النمو أسرع على صعيد العقارات والديون وأبطأ على صعيد حقوق الملكية في المملكة المتحدة. أمّا في ألمانيا، فكان توسُّع الميزانية العمومية أقلّ في مختلف فئات الأصول.

3
The future of wealth and growth hangs in the balance

ترافق توسُّع الميزانية العمومية مع انخفاض هيكلي في أسعار الفائدة الحقيقية، في حين بقي النمو الاقتصادي بطيئًا. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تراجعت التوقُّعات المستقبلية لأسعار الفائدة الحقيقية بثباتٍ بين العامَيْن 1995 و2021. وقد شجّعت أسعار الفائدة المتدنية الاقتراض، ما أدّى إلى انخفاض كلفة القروض والسندات وشجّع البنوك التجارية على جذب الودائع، وإنتاجها. بعباراتٍ مبسَّطة جدًا، لم يُستثمَر سوى جزء بسيط من الفائض في رأس المال في قطاعات مُنتِجة، وتدفّق معظمه نحو العقارات وحقوق الملكية، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار. وازدادت الديون بسرعةٍ أكبر من صافي الاستثمار ونَمَت معها الثروة الورقية.

في ما يلي، نستكشف العوامل التي حفّزت نمو الميزانية العمومية على صعيد فئات الأصول الأربعة.

أدّى انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية إلى ارتفاع قيَم العقارات

لعب انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية دورًا بارزًا في رفع قيمة العقارات (الشكل 4). فأصبح بإمكان المستثمرين أن يدفعوا المزيد مقابل العقار مع قيمة إيجار محدّدة، فارتفعت بالتالي مضاعفات القيمة مقابل الإيجار. وتراجعت كذلك كلفة حقوق الملكية للعقارات، ما أدّى إلى مضاعفة التأثير. ويعني ذلك أنّ العائدات الفعلية للعقارات، أو معدّل الرسملة، قد انخفضت.

4
The future of wealth and growth hangs in the balance

رغم هذا التراجع الملحوظ في العائدات، استمرّت الإيجارات (بما فيها الإيجارات المنسوبة إلى المالك في المباني التي يسكنها مالكها) بالارتفاع. وتوسّعت نسبة الإيجارات إلى الناتج المحلي الإجمالي (في الولايات المتحدة) أو انخفضت (في المملكة المتحدة وألمانيا) بنسَب قليلة، في حين تخلّف النمو في أعداد المباني وجودتها عن نمو الناتج المحلي الإجمالي بهامشٍ ملحوظ. ولعب شحّ الإمدادات، وخاصّة في المدن الخارقة، دورًا في ذلك.3 فيتركّز حوالى ثلث القيمة العالمية للعقارات في تلك المدن، حيث يواجه التركُّز المتزايد تحديات سياسية، خصوصًا مع الأسعار المرتفعة والآخذة في الارتفاع خلال العقود الماضية. خفّت سرعة هذا الاتجاه خلال السنوات القليلة الماضية، وتباطأ ارتفاع الأسعار في هذه المدن أكثر من غيرها مع انتشار نموذج العمل عن بُعد خلال الجائحة وانتقال بعض الأشخاص إلى أماكن بعيدة عن مكان عملهم.

تبرز بعض الاختلافات بين الدول، ففي الولايات المتحدة مثلاً، ارتفعت القيمة السوقية للعقارات بوتيرةٍ أسرع بمرّة ونصف من الناتج المحلي الإجمالي من العام 1995 إلى العام 2021. ورغم عملية التصحيح الملحوظة التي أُجريت بعد الأزمة المالية العالمية، سرعان ما عادت الأسعار إلى الارتفاع. ودفعت أسعار الفائدة الحقيقية المتراجعة عملية الارتفاع بمجملها تقريبًا.

في المملكة المتحدة، نما قطاع العقارات مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ أكبر من الولايات المتحدة. وقد لعب التراجع في تكلفة حقوق الملكية للعقارات دورًا كبيرًا في ذلك. عندما شعر المستثمرون أنّ الأسعار آيلة إلى الارتفاع، تراجعت تصوّرات المخاطر وتكلفة حقوق الملكية بسرعة قبل الأزمة المالية العالمية. وبعد إجراء عملية التصحيح التصاعدي نتيجة تلك الأزمة، انخفضت كلفة حقوق الملكية مجددًا.

في ألمانيا، شهد قطاع العقارات في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فترة طويلة من التراجع في القيمة نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، تزامنت مع تصحيح فقاعة عقارية في ألمانيا الشرقية ظهرت بعد إعادة التوحيد. ونتيجة ذلك، لم يتضرر فعلًا قطاع العقارات الألماني جرّاء الأزمة المالية العالمية، ولكن سرعان ما لحقت به الآثار مع تراجع أسعار الفائدة.

أدّى تراجع أسعار الفائدة الحقيقية إلى نموّ في حقوق الملكية، ولعبت زيادة العائدات على رأس المال في الولايات المتحدة دورًا مهمًا أيضًا.

ساهم انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية في تعزيز قيمة حقوق الملكية في مختلف الاقتصادات بعد تحديد سعر أدنى للأرباح المستقبلية. ففي المملكة المتحدة وألمانيا، أدى تراجع أسعار الفائدة إلى نمو في قيمة حقوق الملكية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي بين عامَي 1995 و2021. وفي الولايات المتحدة، ساهمت المعدلات المنخفضة بنحو ثلث هذا النمو (الشكل 5).

5
The future of wealth and growth hangs in the balance

برز عامل مؤثر آخر في الولايات المتحدة، وهو ارتفاع حصة أرباح الشركات من الناتج المحلي الإجمالي، التي ساهمت بثلثي نسبة النمو في قيمة حقوق الملكية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي. وارتفعت حصة الأرباح من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 80 في المئة بين عامَي 1995 و2021 لتصل إلى 12.3 في المئة - أي أعلى حصة مسجلة منذ قرن (الشكل 6). ونَمَت حصة الأرباح على الرغم من أن مخزون رأس مال الشركات اقترن عن كثب وكالمعتاد بالناتج المحلي الإجمالي.

6
The future of wealth and growth hangs in the balance

وأظهرت دراسات سابقة أجراها مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أن عددًا من العوامل ساهم في زيادة الأرباح نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي.4 وشملت هذه العوامل الأثر الهائل الناتج عن صعود عدد من الشركات الكبرى (superstar effects)، لا سيما في الاقتصاد الرقمي، فضلًا عن انتشار الأتمتة وتراجع القوة التفاوضية للعاملين في بعض القطاعات، وخصوصًا بسبب العولمة، ونقل الأعمال إلى الخارج، ونقل الإنتاج إلى دول يقل فيها التنظيم النقابي. ولعلّ التغييرات في معدلات الضرائب على الشركات لعبت دورًا في ذلك أيضًا.

يشير تحليلنا إلى أن المستثمرين لم يتوقعوا، لا في الماضي ولا في الحاضر، أن ترتفع حصة الأرباح أكثر. ومع ذلك، يتوقع المستثمرون على ما يبدو أن تحافظ حصة الأرباح على مستوياتها المرتفعة الحالية وأن تبقى أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة على المدى الطويل، وذلك بناءً على تقييمات حقوق الملكية الأميركية الحالية.

ولّد كل دولار من صافي الاستثمار 1.90 دولار من الدين الجديد

مع ارتفاع قيمة حقوق الملكية، ارتفعت الديون بشكل حاد أيضًا وازدادت بالتالي الثروة المكافئة للمقرضين وحاملي السندات. وبحلول نهاية عام 2021، شهدت الولايات المتحدة واليابان والصين وجميع الاقتصادات الأوروبية الرئيسية باستثناء ألمانيا، ارتفاعًا في قيمة الدين نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي فاقت معدلات العام 2000، لا بل فاقت الذروة المسجّلة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008. فقد ارتفع الدين في الولايات المتحدة من 2.5 إلى 2.8 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وفي المملكة المتحدة من 2.5 إلى 2.8 أضعاف، وفي اليابان من 3.4 إلى 4.3 أضعاف، وفي الصين من 1.6 إلى 2.7 أضعاف. أما في ألمانيا، فحافظ الدين على استقراره بمقدار 2.0 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا.

على الصعيد العالمي، حقّق كل دولار من صافي الاستثمار 1.90 دولار من الدين الجديد. وموّل جزء كبير من هذا الدين مشتريات جديدة من الأصول القائمة. وسمح ارتفاع قيمة العقارات وانخفاض أسعار الفائدة للأسر بالحصول على قروض إضافية مقابل منازلها الحالية. وسمح ارتفاع قيمة حقوق الملكية للشركات باللجوء إلى الرفع المالي لخفض تكلفة رأس المال، أو تمويل عمليات الدمج والاستحواذ، أو إعادة شراء الأسهم، أو زيادة الاحتياطيات النقدية. وزادت الحكومات أيضًا ديونها، لا سيما في الاستجابة للأزمة المالية العالمية والجائحة. واللافت أنّ ارتفاع أسعار السندات وانخفاض أسعار الفائدة لعبا دورًا ثانويًا في تطور نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بما أن النطاق الزمني المستخدم أطول بكثير من آجال استحقاق السندات النموذجية.

ازدياد العملات والودائع في المصارف التجارية والمركزية

فاق نمو الودائع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. في الولايات المتحدة، ازداد حجم العملات والودائع في البنوك التجارية والمركزية من 0.6 ضعف الناتج المحلي الإجمالي في عام 1995 إلى 1.2 ضعف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، ويفوق هذا الرقم حاليًا متوسط القرن الماضي بنسبة 80 في المئة نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي. وازدادت الودائع في المملكة المتحدة من 1.9 ضعف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى 3.5 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وفي ألمانيا من 1.4 ضعف الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9 ضعف الناتج المحلي الإجمالي.

وفي الولايات المتحدة، جاء هذا الارتفاع في القيمة على ثلاث موجات وتنوعّت محرّكاته، فقد بدأت الموجة الأولى مع الإقراض المتساهل بضمان رهن عقاري قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008. على صعيد النظام المالي، يتطلب كل قرض جديد وديعة جديدة مقابله. وترافقت الموجة الثانية مع التيسير النقدي وبالتالي ضخ الأموال من البنك المركزي (أو الأموال "الخارجية") استجابةً للأزمة. وأخيرًا، حصلت الموجة الثالثة مع جولة أخرى من التيسير النقدي استجابةً للجائحة. فضلًا عن ذلك، أدى دعم الأسر والشركات خلال جائحة كوفيد-19 إلى زيادة المدخرات، إذ انخفض إنفاق الأسر خلال الإغلاق الشامل.

هل تشهد القوى التي دفعت نمو الميزانية العمومية العالمية تغيّرًا؟

ساد على مدى العقود الماضية الاستثمار الضعيف والادخار الزائد وساهما في توسّع الميزانية العمومية العالمية. ولم يحظَ المدّخرون بالكثير من الخيارات المُنتجة نسبيًا – الأفراد والمؤسّسات على حد سواء – وارتفعت بالتالي أسعار المنازل والأسهم القائمة. وبقي نمو الناتج المحلي الإجمالي دون إمكاناته الهيكلية، وحافظت البنوك المركزية على أسعار الفائدة المنخفضة لتحفيز النشاط الاقتصادي بهدف تحقيق مُستهدفات التضخم. وصُنّف هذا الوضع ضمن خانة "الركود المزمن" التقليدي.

هل يشهد الوضع تغيرًا؟ لا شك أنّ عالمنا يمرّ بتغيّرات تطال معظم جوانبه، من المشهد الجيوسياسي إلى التكنولوجيا ونُظم الطاقة والخصائص الديموغرافية. ومن الممكن أن تتغير أيضًا القوى الهيكلية التي أنتجت مدخرات عالية واستثمارًا ضعيفًا، ولكن هذه المسألة ما زالت موضوع جدال والتباس.

هل يشهد الوضع تغيرًا؟ لا شك أنّ عالمنا يمرّ بتغيّرات تطال معظم جوانبه، من المشهد الجيوسياسي إلى التكنولوجيا ونُظم الطاقة والخصائص الديموغرافية.5 ومن الممكن أن تتغير أيضًا القوى الهيكلية التي أنتجت مدخرات عالية واستثمارًا ضعيفًا، ولكن هذه المسألة ما زالت موضوع جدال والتباس.

هل ستنمو متطلبات الاستثمار والطلب على رأس المال بعد عقود من التراجع؟

لم تشهد العقود الماضية استثمارًا مُنتجًا يُذكر. فقد انخفضت في الاقتصادات المتقدمة حصة صافي الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انخفضت هذه النسبة بنحو 50 في المئة مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة المالية في أوروبا في عام 2008، وبمقدار 40 في المئة في الولايات المتحدة (الشكل 7). وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية، انخفضت على نحو لافت استثمارات القطاع الخاص في ظل عدم اليقين وتوقعات الطلب الضعيفة. وانخفض معدل تعميق رأس المال (النمو في مخزون رأس المال للعامل الواحد) إلى أدنى معدل في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتراجع أيضًا الاستثمار العام، ولا سيما في البنية التحتية والإسكان الميسّر. على صعيد البنية التحتية مثلًا، أظهر تحليل سابق أجراه مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أن الولايات المتحدة استثمرت من الناتج المحلي الإجمالي مبلغًا يقلّ بنسبة 0.4 في المئة تقريبًا عن المبلغ اللازم وفق التقديرات لدعم النمو الاقتصادي بين عامَي 2010 و2020.

7
The future of wealth and growth hangs in the balance

مستوى عدم اليقين مرتفع، ولا تزال القرارات عاجزة عن تحديد المسار المستقبلي. ولكن بشكل عام، يمكن أن يرتفع الاستثمار، وبالتالي الطلب على رأس المال - وتكلفته - إلى حدّ كبير. حتى إن لم تكن كل الاستثمارات الإضافية مُنتِجة، يمكن للنمو الاقتصادي أن يتسارع.

  • الاستثمارات تزداد في البنية التحتية. يبدو أنّ الولايات المتحدة تحديدًا تشهد تحوّلًا بدأ يتبلور بعد عقود من قلّة الاستثمار في البنية التحتية. فعلى سبيل المثال، ينص قانون الاستثمار والوظائف في البنية التحتية، الذي أُقِرّ في نوفمبر 2021، على زيادة قدرها 550 مليار دولار في الإنفاق الحكومي الذي يستهدف النقل العام، وإنترنت النطاق العريض العالية السرعة، ومياه الشرب النظيفة، والبنية التحتية الخاصة بشحن المركبات الكهربائية. ومن شأن هذه الزيادة في الاستثمارات في البنية التحتية أن تُسرّع نمو الإنتاجية.
  • التحوّل في مجال الطاقة يكتسب زخمًا. تشير الأبحاث التي أجراها مركز ماكنزي العالمي للأبحاث إلى أنّ الانتقال إلى صافي انبعاثات صفري وحده سيتطلّب استثمارات إضافية تعادل ما يُقارب نقطتين مئويتين من إجمالي الناتج المحلي في عشرينيات هذا القرن. 6 ومن المرجح أن يتسبّب ذلك بكبح نمو الإنتاجية في البداية، ولكن يُمكن أن يؤدي إلى تسارع معدّل النمو على المدى الطويل.
  • الأصول غير المادية آخذة بالنمو. لقد ازداد الاستثمار في الأصول غير المادية، مثل الرقمنة والبحث والتطوير، وسيستمر في التزايد بشكل مطرد، مع اكتسابه أهمية أكبر من الناحية الهيكلية بالنسبة للاقتصاد. غير أنّ عاملَيْن اثنَيْن قد أدّيا إلى الحدّ من سرعة هذا النمو. أولاً، برز نقص في المهارات اللازمة لتدفّق الأصول غير المادية. ولكن قد يتبدّل هذا الواقع مع زيادة الاستثمار في بناء المهارات ونشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي السهلة الاستخدام. ثانيًا، لا تشكّل الأصول غير المادية فعليًا بعد وسيلة لتحقيق المدخّرات على المدى الطويل. فنظرًا لدورة الحياة القصيرة لهذه الأصول، لا يمكنها استيعاب المدخّرات سوى لفترة محدودة قبل أن تصبح قديمة أو أن تنقل القيمة للمستهلكين مع ازدياد المنافسة. وفي حين يمكن إصدار أنظمة للحدّ من هذه التداعيات، سيكون لذلك أثر سلبي على النمو.
  • المشهد الجيوسياسي يحفّز الاستثمارات المتعلقة بالسياسة الصناعية وسلاسل الإمدادات والدفاع. من شأن الانقسامات والاضطرابات الجيوسياسية المتفاقمة أن تؤدّي إلى زيادة الاستثمار في إعادة تشكيل سلاسل الإمدادات، ومبادرات السياسة الصناعية، والدفاع - مع نتائج متفاوتة بالنسبة للإنتاجية. إلى ذلك، يتزايد الاستثمار في الشركات الجديدة في مجالات مثل الرقائق والتكنولوجيا النظيفة، ويجري إعادة تشكيل سلاسل الإمدادات. ومن شأن التنفيذ الجيّد لهذه البرامج أن يؤدّي إلى بروز اقتصادات محلية منتجة وأكثر مرونة، ولكنه في الوقت نفسه قد يحدّ من الكفاءة على المستوى العالمي. في حالة الدفاع، تميل الاقتصادات الأوروبية إلى عدم الاستثمار تماشيًا مع التزاماتها في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولكن في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت بزيادة مستوى الاستثمار. وفي حين أنّ بعض هذه الاستثمارات قد تولّد الإنتاجية، لا سيما على المستوى الوطني، إلّا أنّ الاستثمارات المدفوعة سياسيًا تواجه بشكل عام مخاطر تخصيص رأس المال غير المنتج.

هل تشهد القوى الكامنة وراء وفرة المدخّرات تراجعًا؟

هناك ثلاثة عوامل أدّت إلى وفرة في المدخّرات في الماضي، وقد يشهد كلّ منها تغيّرات حاليًا:

  • تزايد عدم المساواة وانخفاض نصيب العمالة من الدخل: هل ينعكس المسار في ظلّ نقص العمالة في أسواق العمل؟ على مدى عقود، ازدادت حالات عدم المساواة وانخفض نصيب العمالة من الدخل.7 وأدّى ذلك إلى انخفاض الاستهلاك عن طريق منح الأثرياء حصّة غير متكافئة من القيمة المولَّدة، مع العلم أنّ هؤلاء غالبًا ما يدخّرون أكثر من إجمالي السكان.8 وقد تسبّب الادّخار المتزايد من جانب الأثرياء برفع أسعار الأصول، لا سيما الأصول ذات العوائد المرتفعة المتوقّعة. في الوقت نفسه، نمت أرباح الشركات بشكل متسارع، لا سيما في الولايات المتحدة، ما أدى إلى زيادة تثمينات حقوق الملكية وبالتالي زيادة نمو الميزانية العمومية.

    قد تتغيّر بعض العوامل التي واكبت انعدام المساواة في الدخل وانخفاض حصص العمالة على المدى الطويل، ما سيتسبّب بزيادة الاستهلاك مقارنة بالمدخرات. في السنوات الأخيرة، اتّخذ المسار الخاصّ بحصة العمالة وعدم المساواة في الولايات المتحدة منحى مسطّحًا (انظر الشكل 7). ويمكن أن تزداد القوة التفاوضية للعمّال في حال ظلّ سوق العمل يشهد نقصًا في العمالة واستعادت النقابات تأثيرها، لا سيما في الولايات المتحدة. وتتأثّر حاليًا ديناميّات الشركات الكبرى والعولمة، التي رفعت الدخل للجميع ولكن ليس بالطريقة نفسها، بالسياسات والأنظمة المحلية والعالمية المتغيّرة. فقد ساهم النقص في أصحاب المواهب إلى زيادة الأجور بشكل عام، وخاصة بالنسبة للعمال ذوي المهارات العالية. وفي الوقت نفسه، تسبّبت الأتمتة بخفض أجور العمّال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة. فظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يؤثّر في قدرة أصحاب المهارات على طلب أجور أعلى. في الوقت الراهن، لا يزال من المبكر معرفة إلى أين نحن متّجهون. ففي العام 2022 وأوائل العام 2023، تسارع نمو الأجور بشكل ملحوظ، لكنّه ظلّ أقل من معدل التضخم في معظم الاقتصادات، في حين نمت الأرباح بشكل أسرع.

  • الشيخوخة: التحوّل من الادخار للتقاعد إلى الإنفاق خلال التقاعد؟ تحمل شيخوخة السكّان عواقب على معدّل الادّخار الكلي في الاقتصاد. فيعتبر مؤيّدو النظرة التقليدية أنّ الأسر تجمع الثروات استعدادًا للتقاعد ثم تنفق المدخرات خلال فترة التقاعد. ولكن، مع بعض الاختلافات بين البلدان، لا تنفق الأسر مدخّراتها بالقدر الذي تُشير إليه النظريات التقليدية، بل تحتفظ برأس المال كمدخّرات احترازية ولتوريثها؛ وهذا ما يُعرف بمُعضلة مدخّرات التقاعد.

    هل تدلّ بالتالي الخصائص الديموغرافية على وفرة مستمرة في المدّخرات، أو أنّنا سنشهد على الأرجح "انعكاسًا كبيرًا"؟ تتمثّل الإجابة الشائعة في أنّ وفرة المدّخرات ستستمر لفترة مطوّلة. غير أنّ الأقلية تعتبر أنّ الاتجاه على وشك أن يتبدّل وأنّ النفقات الاستهلاكية (مثل تكاليف الرعاية الصحية للمسنين) قد ترتفع بشكل كبير وأنّ المدّخرات المجمَّعة قد تنخفض. بالإضافة إلى ذلك، تشير نسبة الإعالة المتزايدة إلى أنّ عدد الأشخاص الذين ينفقون المدّخرات في فترة التقاعد سيزداد مقارنةً بأولئك الذين يدّخرون خلال فترة عملهم (انظر الشكل7). وقد يكون لتوسّع الميزانية العمومية - والتغيّرات في القيمة الصافية للأصول الخارجية (آثار التقييم)- دور أيضًا في ذلك. فإذا لم يعُد المتقاعدون يستفيدون من معدّل ارتفاع أسعار الأصول نفسه كما في العقود الماضية، عليهم أن يستهلكوا نسبة أكبر من مدّخراتهم.

  • وفرة المدّخرات من البلدان المُصدِّرة الصافية: هل هو في تراجع؟ بعد الأزمة المالية الآسيوية في العام 1997 على وجه التحديد، أنشأت الاقتصادات في المنطقة احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية لتضمن قدرتها على درء الصدمات المستقبلية، التي أدّت بشكل متكرر إلى توقف مفاجئ في التدفقات الرأسمالية. واستثمرت هذه البلدان معظم الاحتياطيات في سندات الخزانة الأميركية، ما أدّى إلى رفع أسعارها، وهو أمر شبيه بخفض عائداتها. وساهمت هذه الظاهرة في زيادة صادرات الصين الصافية الملفتة، وكذلك صادرات البلدان المُصدِّرة الصافية الأخرى مثل اليابان والبلدان المصدِّرة للنفط. بلغت احتياطيات الصين من العملات الأجنبية ذروتها في العام 2014، عندما وصلت إلى قرابة 14 تريليون دولار أميركي، وقد استُثمر أكثر من تريليون دولار أميركي منها مباشرةً في سندات الخزانة الأميركية. غير أنّ تلك الموجودات شهدت تراجعًا منذ ذلك الحين. وفي خضمّ التوترات الجيوسياسية المتزايدة حاليًا، يبقى المستقبل غامضًا.

هل يمكن للعرض أن يواكِب هذه الاتجاهات؟

إذا اختلّ التوازن بين الاستثمار والمدّخرات، قد تصعّب الظروف المعاكسة الناجمة عن الخصائص الديموغرافية والأوضاع الجيوسياسية عمليةَ تلبية الطلب الناشئ. فقد ارتفع مستوى العرض العالمي للعمالة بسرعة في العقود الأخيرة، ما زاد من القدرات المتوافرة في اقتصادات تشهد طلبًا ضعيفًا. في الاقتصادات المتقدّمة، ساهمت مشاركة النساء المتنامية حتى الآن في التعويض عن ازدياد نسبة السكان الذين يبلغون سنّ التقاعد. غير أنّ السكان يواصلون التقدّم في السنّ، وسيستمر العدد النسبي للأشخاص العاملين في التراجع. بالإضافة إلى ذلك، يلبّي حوالى 60 مليون عامل في العالم طلب أميركا الشمالية وحوالى 50 مليون عامل يلبّون الطلب في أوروبا. وقد تؤثّر العوامل الجيوسياسية في هذه التدفقات العالمية وتزيد من الضغوط على مستوى العرض محليًا.

من الناحية الإيجابية، تعِد التكنولوجيا بإتاحة عوامل داعِمة للعرض. فهل يمكنها معالجة الركود في الإنتاجية والانتقال بالاقتصاد إلى مزيد من الابتكار وتعميم التكنولوجيا؟ في العقود الماضية، شهدت الاقتصادات المتقدمة نموًا بطيئًا في إنتاجيتها. وحتى الآن، لم تؤدِّ الرقمنة إلى زيادة الإنتاجية. لكن من الممكن أن يتغير هذا الوضع مع تبنّي التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، ومساهمتها في توفير قدرات جديدة.

أربعة سيناريوهات للنتائج الاقتصادية المحتملة حتى العام 2030

في محاولة لتوقّع مستقبل مليء بانعدام اليقين، وضع مركز ماكنزي العالمي للأبحاث أربعة سيناريوهات لكيفيّة تطوّر الاقتصاد وميزانية العالم العمومية في الفترة الممتدة حتى العام 2030 (الشكل 8). تقدّم هذه السيناريوهات احتمالات مختلفة لكيفيّة تغيّر الميزان بين المدّخرات والاستثمارات المرغوبة المذكورة في القسم السابق، من حيث شدّة هذا التغيّر واستمراريته، كما تستعرض خيارات مختلفة للسياسة النقدية والمالية بالإضافة إلى الاستثمارات المُنتِجة. كلّ مسار من المسارات ممكن؛ لم يوضَع أيّ منها على أساس افتراضات احتمال حدوثها كبير جدًا أو ضعيف جدًا (لمزيد من التفاصيل، يمكن مراجعة العمود الجانبي، "وضع السيناريوهات المرتبطة بالاقتصاد الكلّي")

يتضمن كلّ سيناريو – العودة إلى الحقبة السابقة، ومعدّلات أعلى لمدة أطول، وإعادة ضبط الميزانية العمومية، وتسريع الإنتاجية – مسارًا نحو العام 2030 لناحية نمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم وأسعار الفائدة. ويكمن الهدف من ذلك في اكتشاف المسار الأطول أمدًا، بدلاً من تقديم توقّعات قصيرة الأمد للسنة أو السنتين المقبلتَيْن (الشكل 9).‏ وقد أنشأ مركز ماكنزي العالمي نموذجًا يعرض تحليلاً كمّيًا للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، غير أنه من الممكن تطبيق الخصائص على نطاق أوسع.

8
The future of wealth and growth hangs in the balance
9
The future of wealth and growth hangs in the balance

سيناريو العودة إلى الحقبة السابقة: توسّع غير مستدام في الميزانيّة العموميّة على حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي

من الممكن أن تكون الصدمات موقّتة، وأن يسود تراكم المدّخرات الهيكلي المفرط، وتعود أسعار الفائدة المنخفضة، ويستمرّ التوسّع في الميزانيّة العموميّة. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا السيناريو مُستحبًّا، لأنّ الثروة تستمر في النمو. لكن هذا النمو يأتي على حساب الناتج الاقتصادي الحقيقي، كما أنه يزيد من عدم المساواة، ويستمر في زيادة مخاطر الإجهاد المالي والتصحيحات المستقبليّة (تجدر الإشارة إلى أنّ الأرقام الواردة في هذا السيناريو والسيناريوهات الثلاثة الأخرى خاصّة بالولايات المتّحدة).

قد يبدو سيناريو "العودة إلى الحقبة السابقة" مُستحبًّا للبعض، لكن النمو يأتي على حساب الناتج الاقتصادي الحقيقي ويزيد من عدم المساواة ويستمرّ في زيادة مخاطر الإجهاد المالي والتصحيحات المستقبليّة.

  • ما قد يحصل: عودة الركود المزمن. في هذا السيناريو، ينخفض التضخّم في خلال العامين المقبلين إلى أقل من 2٪. وينحسر نقص العمالة في سوق العمل، وتستقّر البطالة عند المعدلات السابقة أو تبقى مرتفعة قليلًا. ويكون الطلب ضعيفًا ونمو الناتج المحلي الإجمالي بطيئًا، فيبلغ متوسطه 1 في المئة من الآن حتى العام 2030. أما حصّة الدخل من الناتج المحلي الإجمالي فتستمر في النمو. ويسعى أصحاب الرساميل الأذكياء وراء فرص زيادة قيمة رأس مالهم، مثل العقارات، بدلاً من الاستثمار المنتج. وتعود أسعار الفائدة الحقيقيّة إلى المنحنى السلبي، ويسود سوء تخصيص رأس المال، ويبقى نمو الإنتاجية منخفضًا.
  • نتائج الميزانيّة العموميّة: استمرار التوسّع والهشاشة. تواصل الميزانيّة العموميّة توسّعها المزمن بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. لكنها، كما في السابق، تظلّ عرضة للصدمات والاضطرابات المستقبليّة. تنمو القيمة السوقية الإجماليّة لحقوق الملكية، بعد تعديلها وفقًا للتضخم، بما يتماشى تقريبًا مع المعدّلات السابقة، مع استمرار الظروف المؤاتية للأرباح الكبيرة وأسعار الفائدة المنخفضة. أما قيمة العقارات، فتستمر في الاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة. فتنمو القيمة الإجماليّة للسندات مع استئناف سياسات الرفع المالي. بينما تتراجع الودائع بشكل طفيف، إذ تقلّص البنوك المركزية حجم ميزانيّاتها العموميّة. وتنمو ثروة الأسرة الحقيقيّة بنسبة تراكميّة تبلغ 28 في المئة أو 40 تريليون دولار، مع تزايد عدم المساواة في الثروة..

سيناريو المعدلات الأعلى لمدة أطول: استخدام التضخّم للحدّ من نقاط الضعف في الميزانيّة العموميّة على حساب استقرار الأسعار

إذا انتعش الاستثمار وتضاءلت وفرة المدّخرات بشكل معقول ومستمر على الرغم من الظروف المعاكسة التي تعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي، قد يترسّخ الضغط التضخمي. عندئذٍ، إذا ظلّت سياسة التقشف معتدلة بسبب مخاطر الاستقرار المالي، يمكن أن يشهد الاقتصاد سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول. يشبه هذا السيناريو في بعض جوانبه الركود التضخّمي الذي حصل في السبعينيّات في الولايات المتّحدة، وإن كان التضخّم أقل إلى حد ما (أي 4٪ بدلًا من 9٪). وتجدر الإشارة إلى أنّ غياب استقرار الأسعار في هذا السيناريو يطرح مشاكل عدّة، لكنّه يترافق مع نمو قوي في الدخل، ونمو إيجابي في الثروة (وإن لم يكن كبيرًا للغاية)، ومزيد من الاستقرار في الميزانيّة العموميّة.

يطرح غياب استقرار الأسعار في سيناريو "معدلات أعلى لمدّة أطول" مشاكل عدّة، لكنّه يترافق مع نمو قوي في الدخل، ونمو إيجابي في الثروة (وإن لم يكن كبيرًا للغاية)، ومزيد من الاستقرار في الميزانيّة العموميّة.

  • ما قد يحصل: ارتفاع المعدّلات والتضخّم باستمرار. في هذا السيناريو، يستقرّ التضخّم عند 4 في المئة تقريبًا مع استمرار نقص العمالة، ومساهمة الانتقال إلى صافي انبعاثات صفري، وإعادة تشكيل سلسلة الإمدادات، والدفاع الوطني في زيادة نقطتَيْن إلى ثلاث نقاط مئوية إلى حصّة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي. فترتفع الأجور الاسميّة بسرعة ويكون الاستهلاك قويًّا. كما ترتفع أسعار الفائدة الأساسية استجابةً لذلك. ولكن، نظرًا لزيادة الضغط في النظام المالي، لا ترتفع تلك المعدلات بالقدر الكافي لخفض التضخّم إلى المستوى المستهدف. كما يدعم الطلب القوي والاستثمارات المرتفعة - حتى لو لم تكن كلها مُنتِجة - نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حدّ ما. وبفضل تحوّل القوّة التفاوضيّة لصالح العمّال وسياسة المنافسة الأكثر قوّة، تنمو أرباح الشركات بشكل أبطأ من دخل العمل والناتج المحلي الإجمالي. كما ترتفع علاوات المخاطرة بمقدار نقطة إلى نقطتين مئويتيّن مقارنة بمعدلاتها المتوسّطة على مدى العقد الماضي، ولكن تبقى التقلّبات مرتفعة.
  • نتائج الميزانيّة العموميّة: ركود في القيم الحقيقيّة وانكماش الميزانيّة العموميّة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. يبدأ حجم الميزانيّة العموميّة بشكل عام في العودة إلى معدلاته المتوسّطة التاريخيّة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، بسبب التضخّم المقرون بنمو الناتج المحلي الإجمالي الأقوى إلى حدّ ما. ولكن بسبب تباطؤ نمو الأرباح، تتقلّص القيمة السوقية الإجماليّة لحقوق الملكية (المعدّلة لمراعاة التضخّم) بالأرقام المطلقة وكمضاعف للناتج المحلي الإجمالي. كما تنخفض قيمة السوق للعقارات بالقيمة الحقيقيّة، إذ تؤثّر أسعار الفائدة المرتفعة أكثر على المستثمرين مقارنة بمزايا الحماية من التضخم والبناء الإضافي. كما تنمو الديون والودائع لتمويل استثمارات أعلى، ولكن بشكل أبطأ من التضخّم؛ وتنخفض قيمتهما أيضًا نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. أما الثروة الحقيقيّة للأسر المعيشيّة فتتقلّص بنسبة تراكميّة تبلغ 8.5 في المئة أو 12.6 تريليون دولار.

سيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العموميّة: الركود الطويل الأمد هو أسوأ حالة للثروة والدخل والاستقرار المالي

يمكن أن تؤدي السياسات المشدّدة وتصورّات المخاطر المتزايدة والضغوط أو حتى الفشل في الأنظمة الماليّة إلى تصحيح حادّ في قيم الأصول، بالإضافة إلى الركود المطوّل وفترات من خفض المديونية. ولا يمكن للسياسة النقديّة والماليّة أن تؤدي دور المنقذ كما فعلت في الأزمة المالّية العالميّة، لأن الميزانيّات العموميّة كبيرة أساسًا. يشبه هذا السيناريو ما حدث في اليابان في التسعينيّات إلى حد ما.

  • ما قد يحصل: هبوط حادّ جدًا وعقد شبه ضائع. ينهي التقشف النقدي والمالي القوي التضخّم. غير أنّ أسعار الفائدة الحقيقيّة المرتفعة تكشف عن ارتفاع مستويات الديون وأسعار الأصول التي تنخفض بشكل كبير. وتتعرّض المؤسّسات الماليّة لضغوط، مع احتمال إغلاق المزيد من المصارف؛ فخسائر القيمة في السندات وكذلك في العقارات التجاريّة وغيرها من العقارات تؤثّر كثيرًا في رأس المال الوقائي. وفي أسوأ الحالات، تفرض أزمة السيولة عمليات بيع كبيرة للأصول، ما يزيد من انخفاض القيمة ويؤدي إلى مزيد من الضغوط الماليّة النظاميّة. وتواجه البلدان المتضرّرة - وحتى الاقتصاد العالمي - إعادة هيكلة للديون أو فترة طويلة من خفض المديونية. كما ترتفع معدّلات عدم اليقين وعلاوات المخاطرة بشكل كبير، وتعود السياسة النقديّة والماليّة ليّنة مرّة أخرى لتحقيق الاستقرار في النشاط الاقتصادي. ويؤدي تعديل الميزانيّة العموميّة إلى انخفاض النمو الاقتصادي عن طريق خفض المديونية، وبالتالي الطلب الضعيف، إذ يعمل المستهلكون على سداد الديون بدلًا من الإنفاق. أما العرض، فيشهد جمودًا على صعيد الشركات والمصارف والأصول، فضلًا عن شح رأس المال وضعف الاستثمار. وتجدر الإشارة إلى أنّ خفض المديونية قد يستمر لعقد من الزمن، وقد يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل بمقدار نقطة مئويّة واحدة عما كان عليه في العقد الماضي. وما يزيد من الصعوبات بشكل خاص هو أن جميع القطاعات والبلدان تقريبًا تتأثّر في الوقت نفسه في هذه المرحلة. لكنّ خفض المديونية في قطاع أو بلد معيّن يتطلب عادةً زيادة الديون في قطاع/بلد آخر. يمكن أن يؤدي تعميم الخسائر إلى تسريع عمليّة التعديل. ولكن، من الصعب تحقيق ذلك عندما يكون الدين العام مرتفعًا أساسًا والميزانيات العموميّة للبنك المركزي ضخمة.
  • نتائج الميزانيّة العموميّة: تصحيح الأصول وخفض المديونية. بشكل عام، يُصحّح حجم الميزانيّة العموميّة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. فالقيمة السوقية الإجماليّة لحقوق الملكية تنخفض بالقيمة الحقيقيّة وكمضاعف للناتج المحلي الإجمالي. وتتأثّر حقوق الملكية سلبًا بارتفاع أسعار الفائدة الحقيقيّة (لكنها تعود للارتفاع عندما تنخفض الأسعار مرّة أخرى)، وبزيادة عدم اليقين وعلاوات المخاطرة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي وتوقّعات الأرباح. على سبيل المثال، يمكن أن تنخفض قيمة حقوق الملكية والعقارات في الولايات المتّحدة بأكثر من 30 في المئة بين العام الحالي والعام 2030. فتنخفض قيم العقارات بالقيمة الحقيقيّة ونسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، بسبب ارتفاع المعدّلات في المقام الأوّل، وكذلك بسبب انخفاض القدرة على تحمّل المخاطر. وتنمو أقساط السندات، وتتعرّض الديون والودائع لضغوط نتيجة خفض المديونية، على الرغم من أنه من المفترض أن يضطر القطاع العام إلى زيادة ديونه لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. كما تنخفض ثروة الأسرة المعيشيّة الحقيقيّة بنسبة تراكميّة تبلغ 20 في المئة - كما في حالة إجمالي صافي الثروة في اليابان في الفترة ما بين عامي 1990 إلى 2000 – أي بقيمة 30 تريليون دولار بحلول العام 2030.

سيناريو تسريع الإنتاجيّة: نواتج الاقتصاد المعتدل؛ النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي يؤدي إلى تحسين الثروة وصحّة الميزانيّة العموميّة

يجب أن يسعى صانعو القرار إلى السيناريو الذي يقوّي الاستثمار ويكون منتجًا، ما يسرّع من نمو الإنتاجيّة. ويشبه هذا السيناريو إلى حدّ ما فترة النمو السريع للإنتاجيّة في أواخر التسعينيّات وأوائل القرن الحادي والعشرين. فتنمو الميزانيّة العموميّة، ولكن بسرعة أقلّ من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تصبح أكثر صحّة واستدامة.

  • ما قد يحصل: ينمو الاستثمار المُنتج واعتماد التكنولوجيا، ما يساهم في زيادة الإنتاجيّة. تؤدي القوى الموضحة في القسم السابق إلى استمرار الطلب القوي ووفرة فرص الاستثمار الجذابة. وتساهم الاستثمارات الجديدة في تسريع نمو الإنتاجيّة ونمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير بمقدار نقطة مئويّة واحدة مقارنة بالعقد الماضي. بسبب أسواق العمل التي تشهد نقصًا في العمالة، تعمل الشركات على تسريع الاستثمار في التكنولوجيا الرقميّة والأتمتة واعتمادها، ما يعزّز نمو الإنتاجيّة. كما تظلّ سلاسل الإمدادات المُعاد تصوّرها فعّالة، وتوفّر الموجة الجديدة من الاقتصادات الناشئة وفرة في العمالة العالميّة. أما السياسة الصناعيّة، فتنجح في تحفيز الابتكارات والتكنولوجيا. ويخفّف نمو العرض السريع من ضغوط التضخّم. نتيجة لذلك، ينخفض معدّل التضخّم إلى الهدف المحدّد، بينما ترتفع أسعار الفائدة الحقيقيّة إلى ما يقارب 1 في المئة في المتوسّط، ما يدعم تخصيص رأس المال المُنتِج بشكل أكبر.
  • نتائج الميزانيّة العموميّة: النمو المستدام. بفضل النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي، ينخفض حجم الميزانيّة العموميّة كمضاعف للناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف. أما إجمالي القيمة السوقية الحقيقيّة لحقوق الملكية فينمو ولكن بشكل أبطأ ممّا كان عليه في الماضي، كما أنّه ينخفض نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي المتسارع. ويكاد النمو الاقتصادي الأسرع أن يعوّض عن غياب الظروف المؤاتية (نتيجة نمو حصة الأرباح المتزايدة من الناتج المحلي الإجمالي) وعن الظروف المعاكسة الطفيفة (نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقيّة). وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة العقارات (المعدّلة للتضخّم) تشهد ركودًا على نطاق واسع، وبالتالي تنخفض نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتنمو القيمة الإجماليّة للسندات فتنموِّ المزيد من الاستثمارات، على الرغم من الظروف المعاكسة الناتجة عن أسعار الفائدة. في الاقتصاد المستقر، تتقلّص الودائع بالقيمة الحقيقيّة إذ تعمل المصارف المركزيّة على خفض ميزانيّاتها العموميّة مع التشديد الكمي. نتيجة لذلك، تنمو ثروة الأسرة الحقيقيّة بنسبة تراكميّة تبلغ 11 في المئة أو 16 تريليون دولار.

قد يضمحلّ التباين في قيم الأصول والديون من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعيد تشكيل المشهد الاقتصادي والمصرفي والاستثماري

اعتاد صانعو القرار لعقود على رؤية ميزانيّة عموميّة (سواء لجهة قيم الديون أو الأصول) تفوق الناتج المحلي الإجمالي. ولكن، قد يشهد العقد المقبل اتّجاهًا مختلفًا بصورة جوهرية على صعيد العالم. في جميع السيناريوهات باستثناء واحد - العودة إلى الحقبة السابقة - ثبُتَ أن أسعار الأصول الحاليّة وتقلّبات النظام المالي ليست سوى علامات مبكرة تدلّ على تحوّل أساسي في نمو الميزانيّة العموميّة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وفي ثلاثة من السيناريوهات الأربعة، تتقّلص الميزانيّة العموميّة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، سواء كان ذلك عن طريق تصحيح الأصول وخفض المديونية، أو معدل تضّخم أعلى من نمو الأصول الاسميّة والديون، أو نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أسرع (الشكل 10).

10
The future of wealth and growth hangs in the balance

يختلف النمو في حقوق الملكية والعقارات والسندات والودائع بشكل ملحوظ عمّا كان عليه في العقدين الماضيين. على سبيل المثال، في خلال السنوات العشرين الماضية، نمت القيمة السوقية الإجماليّة لحقوق ملكية الشركات المدرجة وغير المدرجة بنسبة 5 في المئة سنويًا بالقيمة الحقيقيّة. أما في الفترة حتى العام 2030، فستتراوح المعدّلات بين ناقص أربعة في المئة في سيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العموميّة وزائد ستة في المئة في سيناريو العودة إلى الحقبة السابقة (تمثلّ هذه الأرقام إجمالي نمو قيمة السوق، وليس الأداء ولا السعر).

وتجدر الإشارة إلى وجود أوجه تشابه واختلافات بحسب البلد. فحقوق الملكية تنخفض في ألمانيا والمملكة المتّحدة بدرجة أقل من الولايات المتّحدة في سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول وسيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العموميّة، ما يظهر إلى حد كبير أنها لم تشهد زيادة كبيرة في أرباح الشركات. أما في قطاع العقارات، فتشهد ألمانيا والمملكة المتّحدة انخفاضًا أقل نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالولايات المتّحدة في سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول وسيناريو تسريع الإنتاجيّة، مع ارتفاع أسعار الفائدة بشكل أقل وسط نمو أبطأ إلى حدّ ما.

العمل على زيادة الإنتاجيّة، مع الاستعداد لنواتج غير مؤاتية بالقدر المتوقع

قد يضطر صانعو القرار إلى العدول عن أفكارهم وتغييرها للتوافق مع احتمال أن يختلف الاقتصاد العالمي والميزانيّة العموميّة العالميّة في العقد المقبل عمّا هما عليه، ولمراعاة المجموعة الكبيرة جدًا من النواتج المحتملة. يتطلّب ذلك تخطيطًا على المدى الطويل، بالإضافة إلى مراعاة مجموعة أوسع بكثير من المؤشّرات - بما في ذلك الميزانيّة العموميّة نفسها - في الاستراتيجيات والخطط. وينبغي أن تسعى الحكومات والشركات إلى العمل بصورة مشتركة لتسريع نمو الإنتاجيّة، وهو السيناريو الوحيد من بين السيناريوهات النموذجيّة التي أعدّها مركز ماكنزي العالمي للأبحاث الذي يحقّق نموًا قويًا في الدخل والثروة على المدى الطويل وميزانيّة عالميّة صحيّة. ولكن، في الوقت نفسه، يجب أن يستعدوا لنواتج غير مؤاتية بالقدر المتوقع.

من الضروري السعي لتحقيق إنتاجيّة أعلى

يعتبر نمو الإنتاجيّة والخيارات المتخّذة لتحقيقه ذا أهميّة قصوى في البيئة الحاليّة. فتسريع نمو الإنتاجيّة هو الوسيلة الوحيدة لدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل – ولتوفير ميزانيّة عموميّة عالميّة صحيّة ومستدامة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات باتت أكثر إلحاحًا وأهميّة. فعادةً ما تحقّق السياسات الرامية إلى تحفيز الإنتاجيّة بضع عشرات من نقاط الأساس من النمو الاقتصادي الإضافي. ولكن، يبلغ الفارق في ثروة الأسرة بين سيناريو تسريع الإنتاجية وسيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العموميّة 48 تريليون دولار في الولايات المتحدة وحدها. كما يواجه صانعو السياسات النقديّة والماليّة المعضلة التالية: عند الفشل في تشديد السياسات، يبقى التضخّم مرتفعًا؛ وعند تشديد السياسات بشكل مفرط، يواجه كلّ من الثروة والنظام المالي ضغوطًا. ومن دون نمو أسرع للناتج المحلي الإجمالي، قد يصبح الخط الفاصل بين هاتَيْن النتيجتَيْن دقيقًا جدًا.

تسريع نمو الإنتاجية يدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل – ويضمن ميزانيّة عالميّة صحيّة ومستدامة.

ما المطلوب إذًا لتحقيق سيناريو تسريع الإنتاجيّة؟ أولاً، يجب تخصيص رأس مال إنتاجي واستثمارات، بالإضافة إلى اعتماد أسرع للأدوات الرقميّة، كما أظهرت دراسات مركز ماكنزي العالمي للأبحاث (انظر الملحق للاطلاع على مزيد من التفاصيل حول إجراءات تحفيز نمو الإنتاجيّة). كذلك، يمكن إجراء تغييرات في النظام المالي من أجل تخصيص استثمارات أكبر في المجالات التي تساعد في تكوين رأس المال الجديد والمُنتِج. فما التدابير الكفيلة بالتشجيع على تمويل الأعمال التجاريّة والمشاريع الجديدة في الطاقة أو البنية التحتيّة، بدلًا من تمويل معاملات الأصول الحاليّة مثل الرهون العقاريّة للمنازل بأسعار متزايدة أو عمليّات الاستحواذ المدعومة بالقروض؟

هذا ويتطلّب الانتقال نحو نمو أعلى للإنتاجية من صانعي القرار أن يؤمنوا بالقدرة على تحقيقه فعليًا وأن يترجِموا ذلك إلى نظرة مستقبليّة ذات مصداقيّة. فإذا استشرفت الشركات تباطؤًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي أو ركودًا، من غير المرجح أن تستثمر، بل تعمد إلى الانتظار لمعرفة كيف ستتبلور الأمور. فمطوّرو العقارات الذين يتوقّعون هبوط الأسعار مثلًا سيؤجّلون إنشاء المشاريع الجديدة. كذلك، ستشدّد المصارف التي تركّز على تعزيز ميزانياتها العموميّة معايير الإقراض، ما يقلّل من القروض الممنوحة. كلّ تلك العوامل تساهم في تهيئة المشهد لفترة من الركود. نتيجة لذلك، تضطر القيادات في كل من القطاعين العام والخاص إلى توضيح الأسس اللازمة لتحقيق سيناريو التسريع.

على الشركات تطوير استراتيجيّات استعدادًا للتعامل مع مجموعة واسعة من النتائج الطويلة الأمد

بما أنّ عدم اليقين قد يستمر لبعض الوقت، تحتاج الشركات إلى التخطيط لسيناريوهات متعدّدة. وقد تكون الاستراتيجيّات السابقة فعّالة في سيناريو العودة إلى الحقبة السابقة. ولكن، تنطوي الاحتمالات الأخرى، ولا سيّما سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول وسيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العموميّة، على اضطرابات تحتاج مواجهتها إلى تحوّل جذري في نمط التفكير، ولا سيّما من جانب المستثمرين والمؤسّسات المالية. ولن تعود الاستجابة لهذه التحوّلات على مستوى الاقتصاد الكليّ كافية. لذا، ينبغي على الشركات تحديد المؤشرات التي تدلّ على المسار المرجّح والتخطيط لمجموعة واسعة بما فيه الكفاية من السيناريوهات واختبار مناهج إدارة المخاطر، بالإضافة إلى تعديل نماذج الأعمال والبحث عن فرص نمو جديدة.

  • تحديد المؤشرات التي تدلّ على المسار المرجّح. تشدّد جهات فاعلة عدّة على المؤشّرات الماليّة قصيرة الأجل، مثل قراءات التضّخم الأخيرة، وقرار تحديد أسعار الفائدة الذي تتّخذه الولايات المتحدة والاحتياطي الفيدرالي أو بنك اليابان، ورد الفعل على أيّ منها في الأسواق المالية، فيما تحظى التحوّلات الهيكليّة الطويلة المدى اهتمامًا أقل بشكل عام.

    نظرًا لانعدام اليقين حاليًا والقوى الهيكليّة التي تؤثر في المسارات المستقبلية، ينبغي على صانعي القرار استشراف التطوّرات المقبلة.9 ويعني ذلك رصد المؤشرات التي تدلّ على العوامل التي قد تحفّز الاستثمار والادخار، والتي تشهد تغيّرات في الوقت الراهن. كما ينبغي عليهم النظر في المحرّكات البعيدة المدى لنمو العرض والإنتاجيّة، فضلاً عن القيود السياسيّة والاقتصاديّة التي قد تؤثر في مسار السياسات الماليّة والنقديّة.

  • التخطيط لمجموعة واسعة بما فيه الكفاية ومن السيناريوهات الطويلة الأجل. ما هي العواقب التي قد تتحمّلها المؤسّسات التجاريّة، على سبيل المثال، إذا بقيت أسعار الفائدة ومعدّلات التضخّم مرتفعة لمدّة عقد من الزمن، أو إذا تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير؟ في ما يلي بعض الأمثلة عن ذلك:
    • كيف يمكن أن يبني المستثمرون ومديرو الأصول توقّعاتهم وأن يعدّلوا حافظات الأصول؟ خلافًا للحقبة الماضية، لا تنطبق تمامًا في الوقت الراهن مقولة "كلّ الأمور ستكون على ما يرام عند اعتماد نظرة تطلُّعية لفترة عشر سنوات"، سواء في ما يتعلّق بأسعار الأصول أو شروط التمويل أو المعايير الاقتصاديّة، إذ تختلف نتائج السيناريوهات باختلاف فئات الأصول، ولا بدّ من أخذ هذه النتائج في الحسبان. على سبيل المثال، في سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول، يجب أن يعمل مديرو الأصول على تقليص الترجيح النسبي لصناديق تنمية حقوق الملكية. وفي سيناريوهات عدّة، سترتفع معدّلات الحد الأقصى وتحافظ على ارتفاعها، ما يؤثّر على استثمارات المطوّرين العقاريين.
    • كيف يمكن للمصارف إعادة هيكلة نماذج الودائع وتأمين السيولة والتمويل الطويل الأجل خلال الانتقال نحو نظام جديد لأسعار الفائدة؟ في سيناريوهات عدّة، تنخفض الودائع على المستوى النظامي، وليس بالنسبة إلى المصارف الفرديّة فحسب.
  • اختبار مناهج إدارة المخاطر وتعزيزها. يشمل ذلك تعزيز المخزونات الوقائيّة لحقوق الملكية أو تقوية الميزانيّات العموميّة أو التخلّص من المخاطر الكليّة. وينبغي إعطاء الأولويّة لاختبار قدرة نماذج الأعمال والميزانيّات العموميّة على تحمّل الضغوط في ضوء هذه السيناريوهات - أو إجراء اختبارات عكسية للقدرة على تحمّل الضغوط من أجل تحديد مواطن الضعف الأساسية.
  • ضبط نماذج الأعمال والبحث عن فرص نمو جديدة. يمكن أن يؤدي التحوّل المستمر في بيئة الاقتصاد الكليّ إلى فقدان بعض نماذج الأعمال لجدواها جزئيًا، وإلى زيادة فعالية نماذج أخرى. وفي ما يلي بعض الأمثلة عن الأسئلة التي قد تُطرح:
    • في ما يتعلّق بالمستثمرين، كيف يمكن ترتيب الفرص بحسب الأولوية لضمان إنتاج القيمة، بما في ذلك نمو الأرباح والإيجارات في السيناريوهات التي لم تعد المضاعفات تتوسّع فيها؟ حتّى بالرغم من ظروف السوق المعاكسة، تتوافر بالطبع فرص للاستثمارات الفرديّة، بدءًا من إعادة تطوير الأحياء بعد الجائحة إلى نماذج الأعمال الجديدة في الشركات. وفي جميع الأحوال، يُحتمَل أن يزداد الدعم المالي، فضلًا عن ازدياد الاستثمارات في الدفاع والطاقة والأتمتة والذكاء الاصطناعي.
    • في ما يتعلّق بالمؤسّسات الماليّة، كيف يمكن إعادة هيكلة نماذج الأعمال التي لا تزال في الغالب مرتبطة بميزانيّة عموميّة موسّعة ووفرة في السيولة وبتحويل كبير لاستحقاق الالتزامات؟ ما هي مصادر الإيرادات، غير صافي الدخل الناتج عن الفوائد، التي يمكن أن تكون واعدة في مختلف السيناريوهات؟ تشمل الأمثلة على الدخل القائم على الرسوم المدفوعات، وتسعير المعاملات الاستشاريّة وتسهيلها، وإنشاء المشاريع الرأسماليّة الجديدة وتمويلها، والخدمات المتكاملة مثل الوساطة العقاريّة وخدمات النقل. أما الرهون العقاريّة (ولا سيّما في العقارات التجاريّة) وقروض لومبارد، فيمكن أن تتطلّب إعادة تقييم بارزة.
    • في ما يتعلّق بالمصارف، كيف يمكن استشراف التحولات الكبيرة في المنتجات وشريحة العملاء والجاذبيّة الجغرافيّة؟ يمكن لتسريع عملية إعادة تخصيص رأس المال والأعمال أن تؤتي ثمارها، فتجني الأموال في طور تحرّكها قبل المنافسين. في سيناريو المعدلات الأعلى لمدّة أطول، على سبيل المثال، يمكن أن تربح الشرائح الخمسيّة الدنيا والمتوسطة على مستوى الدخل والثروة بعضًا من النقاط التي فقدتها مقابل الشرائح الخمسيّة ذات الدخل والثروة المرتفعَيْن. ففرص الدمج والاستحواذ كثيرة.

شكّلت الاضطرابات في الآونة الأخيرة صدمة للنظام الاقتصادي العالمي، بعد فترة من الهدوء النسبي وعقود متواصلة من الثروة (والديون) المتزايدة على الورق. فالمسار الذي ينتظرنا غير مؤكد، ومجموعة السيناريوهات المحتملة واسعة بشكل استثنائي. وعليه، يتطلّب الوضع إعادة النظر في الافتراضات وتعديل الخطط والاستراتيجيات ونماذج الأعمال. كما يمكن أن تستغرق فترة التعديل وقتًا طويلًا.

Explore a career with us