ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
بدأ قادة الشركات الشركات يدركون حقيقة مهمة، وهي أنه لا يمكن أن يستمر وجود فجوة بين الموظفين الذين يعملون في مجالات التقنية، مثل تكنولوجيا المعلومات، وبين زملائهم في الأقسام الأخرى. فمع ظهور أدوات رقمية جديدة، وخاصة في ظل التطور السريع في الذكاء الاصطناعي خلال العامين الماضيين، أصبحت هناك فرص كبيرة لتحسين أداء الشركات وتحقيق نمو سريع. لكنّ هذه الفوائد لن تتحقق إذا لم يكن جميع الموظفين مستعدين لاستخدام هذه التقنيات الجديدة. ولهذا السبب، أصبح من الضروري أن يتعلم الجميع المهارات الرقمية، وليس فقط المتخصصين في التقنية، حتى تتمكن الشركة من الاستفادة الكاملة من هذه الأدوات الحديثة.
لقد أصبح تحقيق الاستفادة الكاملة من التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع ضرورة لا تحتمل التأجيل، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين الشركات الرائدة في هذا المجال وتلك التي لا تزال متأخرة عنه. فبحسب أبحاث ماكنزي، تتفوق الشركات التي تمتلك قدرات رقمية وذكاء اصطناعي متقدمة على منافسيها المتأخرين بمعدلات تصل إلى ستة أضعاف من حيث العائد الإجمالي للمساهمين.1 غير أن هذا التفوق لا يتحقق فقط بوجود فرق تقنية عالية الكفاءة، بل يعتمد بشكل أساسي على رفع مستوى الوعي الرقمي لدى جميع الموظفين داخل المؤسسة. فكلما زادت قدرة الأفراد على فهم الأدوات التكنولوجية وتوظيفها بفاعلية، كلما أصبحت المؤسسة أكثر جاهزية للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.
في وقتنا الحالي، لم يعد الإلمام بالتكنولوجيا مقتصرًا على فرق التقنية فقط، بل أصبح ضرورة لكل موظف داخل المؤسسة، وعلى وجه الخصوص القادة التنفيذيين. فمع تزايد اعتماد الشركات على المنتجات والخدمات الرقمية، أصبحت المسؤولية التقنية جزءًا أساسيًا من مهام القيادات.2 ولهذا، يحتاج المديرون اليوم إلى فهم أعمق للتقنيات المختلفة التي تؤثر في أعمالهم. فعلى سبيل المثال، قد يكون من المهم أن يعرف القائد أين وصلت شركته في رحلة الانتقال إلى الحوسبة السحابية، حتى يتمكن من تقدير التكاليف الحقيقية للمنتجات الجديدة. كما ينبغي أن يكون لديه إلمام كافٍ بهندسة الأنظمة الداخلية لفهم الفروقات بين بناء أنظمة خاصة من الصفر أو الاعتماد على حلول جاهزة من السوق. كذلك، من الضروري أن يدرك مخاطر الأمن السيبراني وطرق الحماية منها، فضلًا عن أهمية وجود إدارة قوية للبيانات، بحيث يعرف المسؤولون ما هي البيانات المهمة، وما دلالتها، وكيف يمكن الاستفادة منها من خلال التحليلات أو أدوات الذكاء الاصطناعي. وباختصار، كلما ازدادت المعرفة التقنية لدى قادة الأعمال، تمكنوا من إعادة هيكلة مؤسساتهم بشكل أعمق، ودمج التكنولوجيا في جوهر عملياتهم، مما يمنح شركاتهم قدرة أكبر على التميز في سوق تنافسي دائم التغير.
لقد أصبحت الشركات اليوم أكثر وعيًا بضرورة تبنّي أساليب جديدة لتطوير المهارات التقنية لدى موظفيها، ليس فقط لتعزيز الأداء والمرونة والإنتاجية، بل أيضًا للحفاظ على أفضل الكفاءات وجذب المواهب الجديدة. فلم تعد المناهج التدريبية العامة التي تُطبق على الجميع دون تخصيص تُجدي نفعًا، بل اتجهت الشركات الرائدة نحو تصميم مبادرات موجهة بدقة، تستهدف سد الفجوات الحقيقية في المهارات، بما يتماشى مع أولوياتها الاستراتيجية طويلة الأمد. ولتحقيق ذلك، تُقدَّم البرامج التدريبية بشكل مرن، يجمع بين الحضور الافتراضي والمباشر، مع مراعاة طبيعة القوى العاملة سواء كانت تعمل عن بُعد أو بنظام هجين. كما لا تقتصر هذه المبادرات على التعلم النظري داخل الغرف، بل تمتد لتشمل تجارب واقعية وتطبيقات عملية ترتبط بسياق العمل الحقيقي. ومن خلال ترسيخ ثقافة التعلم المستمر، تنجح هذه المؤسسات في تحفيز موظفيها على التطور الذاتي الدائم، مما يرفع من مستوى التفاعل والرضا الوظيفي. وإدراكًا لأهمية النتائج، يتم ربط عملية التعلم بالأهداف التجارية الرئيسية، مع تحميل القادة مسؤولية تنفيذ برامج تطوير فعالة ومحاسبتهم على مدى نجاحها في تحقيق الأثر المنشود.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وبعد التحدث مع عدد كبير من قادة الأعمال في مجالات التكنولوجيا وقطاعات أخرى، لاحظنا أن الكثير من الشركات لا تزال أمامها فرصة كبيرة لتحسين برامج التدريب الخاصة بها من أجل تطوير المهارات الرقمية لدى موظفيها. في هذا المقال، نسلّط الضوء على الأسباب التي تجعل تطوير هذه المهارات أمرًا ضروريًا، سواء من أجل تحقيق أهداف العمل أو لجذب الكفاءات والاحتفاظ بها. كما نستعرض كيف يمكن للمؤسسات أن تبدأ فعليًا في بناء قدراتها الرقمية، ونعرض أمثلة لشركات نجحت في تكوين فرق عمل أكثر إلمامًا بالتكنولوجيا، مما ساعدها على الحفاظ على موقعها التنافسي وتفادي التأخر عن المنافسين.
الفوائد المشتركة لتطوير المهارات الرقمية
إن الحاجة إلى تطوير المهارات ليست بالأمر الجديد، لكنها أصبحت أكثر إلحاحًا اليوم، خاصة مع التغيرات السريعة في سوق العمل وزيادة الطلب على الموظفين القادرين على مواكبة التطورات التكنولوجية. فالتقنيات الجديدة تغيّر طريقة إنجاز الأعمال، مما يجعل من الضروري أن يتمتع الموظفون بمهارات رقمية حديثة. وفي هذا السياق، أُجري مؤخرًا استطلاع شمل أكثر من 80 مسؤولًا في شركات أمريكية تعمل في مجال التكنولوجيا، أكد 80% من المشاركين أن تطوير المهارات هو الوسيلة الأنجح لسد فجوات المهارات داخل مؤسساتهم (الشكل 1).3 ومع ذلك، أظهر الاستطلاع أن 28% فقط من الشركات تخطط فعليًا للاستثمار في برامج تطوير المهارات خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، مما يشير إلى وجود تناقض بين أهمية هذا الأمر في نظر القادة، والاهتمام الفعلي به على أرض الواقع.
إذا تأخرت الشركات في البدء بتنمية مهارات موظفيها، فقد تخسر فوائد مهمة تعود بالنفع على الأفراد والمؤسسة ككل. فقد أظهرت أبحاث ماكنزي السابقة أن نقص المهارات هو العقبة الأكبر أمام الموظفين الذين يرغبون في تغيير مسارهم المهني أو تطوير فرصهم الوظيفية.4 وهؤلاء الموظفون، الذين يسعون لتعلم مهارات جديدة، يُعدّون من أكثر الكفاءات حماسًا وجاذبية لأصحاب العمل. في الوقت نفسه، الشركات التي تركز على تطوير قدرات موظفيها تحقق أداءً ماليًا أكثر استقرارًا، وتتمتع بمرونة أعلى في مواجهة الأزمات. كما تنجح في الاحتفاظ بالموظفين، حيث تكون معدلات الاستقالة لديها أقل بنحو خمس نقاط مئوية مقارنةً بالشركات التي تهتم فقط بالأرباح. وعند الجمع بين تنمية المواهب وتحقيق النتائج المالية، تزيد فرص نجاح الشركة في التفوق على منافسيها من حيث الأرباح بمعدل أربع مرات.
حان وقت البدء
يتفق الرؤساء التنفيذيون اليوم على حقيقة واضحة، ألا وهي أن المستقبل يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها ماكنزي أن 92% من الشركات تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة، إلا أن 1% فقط من القادة يعتبرون أن مستوى استخدامهم الحالي للذكاء الاصطناعي ناضج بالفعل.5 وفي ظل هذا التحول السريع، أصبحت الشركات بحاجة ماسة إلى مساعدة موظفيها على تطوير مهاراتهم التقنية، وفهم طبيعة القطاع الذي يعملون فيه، بالإضافة إلى استيعاب كيفية عمل شركاتهم من الداخل. ويُشير ثلث قادة التكنولوجيا الذين شاركوا في المقابلات إلى أنه من أكبر التحديات التي تواجههم هو نقص المعرفة الخاصة بالصناعة وطبيعة العمل داخل الشركة. وعبّر أحدهم عن الأمر بقوله: "لطالما كان هناك تنافس على الكفاءات، لكن التحدي الأكبر الآن هو بناء كوادر تجمع بين المهارات التقنية وفهم عميق لطريقة عمل الشركة وإمكاناتها التكنولوجية.
تشير دراسة سابقة أجرتها ماكنزي شملت أكثر من 4.3 مليون إعلان وظيفي في قطاعات التكنولوجيا إلى وجود فجوة كبيرة في المهارات، إذ أن عدد المرشحين المحتملين الذين يمتلكون المهارات التقنية المطلوبة أقل من نصف عدد الوظائف المعروضة.6 وفي السياق نفسه، يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن نحو 60% من العاملين حول العالم سيحتاجون إلى تدريب جديد قبل عام 2030، كما أن 22% من الوظائف ستشهد تغييرات جذرية بسبب التطور التكنولوجي، والتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية والجيوسياسية7.7
وفي الوقت ذاته، تُظهر أبحاث ماكنزي أن الغالبية العُظمى من الموظفين والمديرين التنفيذيين أصبحوا على دراية بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلا أن نحو نصف الموظفين ما زالوا يشعرون بالحاجة إلى تدريب رسمي ومنهجي يساعدهم على فهم هذه التقنيات واستخدامها بفعالية.8 وفي استطلاع أُجري بين قادة شركات تقنية في الولايات المتحدة، أشار المشاركون إلى عدة أسباب وراء وجود فجوة في المهارات: 46٪ أرجعوا الأمر إلى قِدم المهارات وعدم كفاية التدريب، و43٪ أشاروا إلى نقص الخبرة العملية، فيما رأى 37٪ أن التعليم الأكاديمي لا يواكب احتياجات سوق العمل الفعلية (الشكل 2). ولتحقيق أقصى استفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا بد للشركات من معالجة هذه التحديات بجدية، من خلال الاستثمار في تدريب مستهدف يسد الفجوات ويُعدّ الموظفين للمستقبل.
للاستجابة لهذا التحدي، يمكن للشركات اتخاذ خمس خطوات أساسية للبدء في الاستثمار في برامج رفع المهارات وتطويرها:
- تحديد المهارات الأكثر أهمية للاستراتيجية طويلة المدى وتوحيد الرؤية بين قادة الأعمال: لا يمكن للشركات أن ترفع كفاءة موظفيها في جميع المجالات، لذا من الضروري أن يحدد قادة الأعمال المهارات الأكثر تأثيرًا في تمكين المؤسسة من التفوق على منافسيها، وسد الفجوات الكُبرى، وجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها. كما ينبغي أن يكون رفع المهارات أولوية مشتركة بين كبار القادة، وأن يضربوا بأنفسهم المثل في دعم هذه الجهود، بما يعزز أهميتها في ثقافة المؤسسة.
- وضع استراتيجية شاملة لتطوير المهارات داخل شركتك، والاستفادة من تجارب المؤسسات التي حققت نجاحًا في هذا المجال والبدء بتصميم خطة متكاملة تناسب طبيعة فريقك واحتياجاته، وتجربة بعض الأفكار أولًا على مجموعات صغيرة وقابلة للتعلم. بعد ذلك، يتم توسيع نطاق التنفيذ تدريجيًا بناءً على النتائج والتفاعل. ومن المهم أيضًا كسب دعم الموظفين والمديرين داخل المؤسسة أثناء تطبيق هذه المبادرات، لضمان استمرارها ونجاحها على المدى الطويل.
- تصميم تجارب التعلم بشكل سريع وتدريجي يُعد خطوة مهمة لتلبية احتياجات العمل المتغيرة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستفادة من التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى جانب الشراكة مع الجامعات ومزودي التعليم المعتمدين لتقديم برامج تطوير المهارات وإعادة التأهيل المهني. ويُفضّل إعادة التفكير في محتوى هذه البرامج بحيث تركز بشكل أكبر على التطبيقات العملية، وتدمج آليات التغذية الراجعة الفورية داخل المهام اليومية، مع استخدام أدوات وتقنيات حديثة تعزز من كفاءة التعلم وواقعيته.
- من الضروري أن يكون المتعلم نفسه في موقع القيادة. لبناء ثقافة تعليمية فعالة، ويعني ذلك أن تتحول المؤسسة نحو ترسيخ ثقافة التعلم المستمر والتمكين الذاتي، بحيث يُشجَّع الموظفون على تحمّل مسؤولية تطوير مهاراتهم، ويدركون أن التعلم ليس مجرد مبادرة تنظيمية، بل هو جزء من مهامهم اليومية. ومن خلال دمج فرص التعلم في سياق العمل اليومي، يصبح الموظفون أكثر قدرة على تنمية مهاراتهم بشكل مستمر، دون انتظار تدخل رسمي من المؤسسة.
- من المهم تعزيز قيمة التعلم في جميع مراحل دورة حياة الموظف داخل المؤسسة. ويشمل ذلك ربط تطوير المهارات بشكل مباشر بأهداف الموظف، ونظام الحوافز، وخطط النمو المهني. كما يجب التأكد من أن المديرين يمنحون الموظفين الوقت والدعم اللازمين لاكتساب مهارات جديدة، ويشجعوهم على الاستمرار في التعلم أثناء العمل. بالإضافة إلى ذلك، يُستحسن أن يلعب المديرون دور المعلمين، من خلال مرافقة الموظفين وتوجيههم أثناء تطبيق ما تعلموه خارج قاعات التدريب.
أثناء البدء في تنفيذ مبادرات تطوير المهارات، من المهم أن تدرك المؤسسات أن الوصول إلى العائد الكامل من هذا الاستثمار لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى وقت وجهد مستمر. لذلك، يجب على القادة أن يتبنّوا رؤية مستقبلية تركز على إعادة تصميم طبيعة العمل نفسها بطريقة تجعل التعلم جزءًا أساسيًا منها، وليس مجرد نشاط منفصل. ووفقًا لإطار عمل شائع يُعرف بـ 70/20/10، أي أن الموظفون يكتسبون 70% من مهاراتهم من خلال المهام اليومية، و20% من التعلّم من الزملاء، و10% فقط من التدريب الرسمي. ورغم أن هذا المبدأ لا يزال صالحًا، فإن هذا التوزيع قد يتغير في ظل التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي، حيث تندمج طرق التعلم التقليدية مع التعلم العملي بشكل أكبر. في هذا السياق الجديد، لم يعد التعلم مجرد تدريب يُضاف إلى عبء العمل، بل أصبح عنصرًا متكاملًا من تجربة العمل اليومية، يتم بشكل مستمر، ويأخذ بعين الاعتبار احتياجات كل موظف، ويرتبط بشكل مباشر بأهداف العمل ونتائجه.
تطوير المهارات بفعالية لسد الفجوات الحالية
من خلال مقابلاتنا المباشرة مع قادة الشركات في القطاع التقني وغيره، تبيّن لنا أن فجوات المهارات التي تواجهها المؤسسات تنقسم غالبًا إلى ثلاث مجالات محورية: المهارات التقنية الأساسية، والمهارات التخصصية الدقيقة، والقدرة على فهم السياق التجاري. ولكل من هذه الفئات أهمية خاصة في بناء فرق أكثر كفاءة وجاهزية للمستقبل. في هذا السياق، نستعرض كيف يمكن للشركات تحديد أولوياتها، إلى جانب نماذج واقعية لشركات استطاعت بالفعل أن تطور مهارات فرقها وتحقق قفزات ملموسة في قدراتها الرقمية.
تمكين الجميع من تعلم الأساسيات التقنية
يمكن للمؤسسات أن تساعد موظفيها على مواكبة التطورات التكنولوجية من خلال تعزيز فهمهم الأساسي للمواضيع التقنية المرتبطة بعملهم. ويسهم هذا الفهم في تنمية عقلية مرنة وسريعة التعلم، وتمكّنهم من التكيّف بسهولة مع التغيرات المستمرة في عالم التكنولوجيا. ولهذا، تركز الشركات الناجحة على عدد من المهارات الأساسية، مثل فهم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتعرف على أحدث الابتكارات التكنولوجية، وتطبيق منهجيات العمل السريعة، إلى جانب إتقان التعامل مع البيانات وفهم المبادئ الأساسية للهندسة. كما تحرص هذه الشركات على أن يكون لدى موظفيها تصور واضح للبنية التقنية المعتمدة داخل المؤسسة، وكيف تعمل مكوّنات هذه البنية بتكامل بين الفرق المختلفة.
وعادةً ما تتعاون الشركات الناجحة مع جهات تدريبية متخصصة لمساعدة موظفيها على اكتساب المهارات المطلوبة، وذلك من خلال دورات تعليمية تُقدَّم عبر الإنترنت سواء بشكل مباشر أو في أي وقت يناسب المتعلم. وعندما تحتاج المؤسسة إلى محتوى تدريبي يتماشى مع طبيعة عملها الخاصة، تقوم بتعديل هذه الدورات وتطويرها بالتعاون بين خبراء خارجيين في التعليم وخبراء داخليين من موظفي الشركة، بهدف تقديم محتوى عملي ومفيد يلبي احتياجاتها الفعلية.
على سبيل المثال، في إحدى التجارب الناجحة، قامت شركة عالمية متخصصة في السلع الاستهلاكية بتأسيس أكاديمية رقمية بهدف تطوير المهارات الرقمية لدى موظفيها، وذلك لدعم عملية التحول الرقمي في التصنيع وسلاسل التوريد. وقد التحق بهذه الأكاديمية نحو 3000 موظف، بعد أن اتفقت القيادة العُليا أولًا على رؤية واضحة لعملية التحول. عقب ذلك، تم تطوير أكثر من 100 ساعة من المحتوى التدريبي، أُتيحت للموظفين عبر دورات تعليمية ذاتية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى ورش عمل عن بُعد وأخرى بالحضور الشخصي. كما جرى تخصيص المحتوى بما يتناسب مع طبيعة كل دور وظيفي، سواء للعاملين في الخطوط الأمامية، أو فرق التغيير، أو القيادات التنفيذية. ولم يقتصر أثر هذا البرنامج على التعلم النظري، بل امتد ليُحدث تحولًا فعليًا في أساليب العمل داخل فرق العمليات. وخلال أول 18 شهرًا من إطلاق الأكاديمية، سجلت الشركة زيادة في الإنتاجية وسرعة الإنجاز تراوحت بين 20% إلى 40%.
تعزيز المهارات المتقدمة للمختصين في المجالات التقنية
تسعى الشركات اليوم إلى مساعدة موظفيها على اكتساب معرفة تقنية أعمق تتناسب مع طبيعة أدوارهم، بهدف تلبية احتياجات العمل المتسارعة. وتشمل هذه المجالات الأساسية تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، والحوسبة السحابية، وإدارة المنتجات، والأمن السيبراني، وهندسة النظم. وفي سبيل تحقيق ذلك، تعمل الشركات الناجحة على تصميم برامج تدريبية متقدمة يتم تطويرها بسرعة لتناسب المهارات المطلوبة، مع مراعاة تخصيص المحتوى وفقًا لمستوى كل موظف واهتماماته. وتُقدَّم فرص التعلم من خلال مسارين: الأول يعتمد على مسارات يقودها الموظفون بأنفسهم، بناءً على طموحاتهم وأهدافهم المهنية، والثاني من خلال شهادات مهنية معتمدة من جهات خارجية، تعزز كفاءاتهم وتُثبت مهاراتهم في السوق. (اطلع على العمود الجانبي بعنوان: "ما هي القيمة الحقيقية للشارة الرقمية"؟)
تختلف المهارات التقنية المتقدمة التي تهتم بها الشركات عند تدريب موظفيها، حسب استراتيجية كل شركة ومستوى تطورها الرقمي. فالشركات الكبيرة التي لا تحقق نموًا سريعًا عادة ما تكون متأخرة في المجال الرقمي وتعتمد على أنظمة تقنية قديمة، ولهذا تركز جهودها على تطوير المهارات التي تساعدها على التحديث، على سبيل المثال، تطوير أنظمة الحوسبة السحابية، وتكامل الأمن مع التطوير والتشغيل (DevSecOps)، وتصميم بنية الأنظمة. أما الشركات المستقرة التي بدأت خطواتها الأولى في التحول الرقمي وتحقق نموًا محدودًا، فهي تركّز على المهارات التي تمكّنها من تحقيق نمو جديد، مثل إدارة المنتجات وتعزيز التنسيق بين فرق التكنولوجيا والأعمال. في حين أن الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا في جوهر عملها، وتركّز على الابتكار، تهتم بتطوير المهارات التي تحسن تجربة العملاء وتدعم نموها المتسارع.
وعندما تركز الشركات على تنمية المهارات التي تمنحها ميزة تنافسية على المدى الطويل، وتساعدها على الحفاظ على الكفاءات المميزة، فإن المبادرات التي يقودها الموظفون لتطوير مهاراتهم تكون أكثر نجاحًا. على سبيل المثال، أطلقت إحدى شركات الخدمات المهنية الكُبرى قسمًا جديدًا للاستشارات في الذكاء الاصطناعي، وكانت بحاجة إلى تدريب مئات الموظفين، سواء الجُدد أو الحاليين، كل ثلاثة أشهر، في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوك تشين، والروبوتات، وغيرها من التقنيات المتقدمة. ونظرًا للتطور السريع في هذه المجالات، كان من الضروري تصميم برنامج تدريبي مرن يمكن تعديله وتوسيعه بسرعة، بحسب تغير الاحتياجات. وبدلًا من اتباع أسلوب التدريب التقليدي، قرر مدير قسم التعلم إنشاء برنامج تسريع المهارات مدته ثلاثة أشهر، يدمج التعلم داخل بيئة العمل اليومية، ويتماشى مع متطلبات العملاء وتوزيع المهام داخل الشركة. شمل هذا البرنامج تدريبات إلكترونية يمكن للموظف تقييم نفسه من خلالها، وورش عمل مكثفة على نمط "المعسكرات التدريبية"، بالإضافة إلى فترات تدريب عملي بإشراف خبراء الشركة. وقد تم استخدام نتائج التدريب لاختيار المشاركين في المشاريع الواقعية، مما أتاح فرصًا إضافية للتعلّم العملي، وساعد في قياس تأثير التدريب على الإيرادات. ومن خلال هذه المبادرة، أصبحت الشركة أكثر مرونة واستعدادًا للتغيّرات التكنولوجية، كما شعر الموظفون بثقة أكبر في مستقبلهم المهني في ظل سوق عمل يشهد منافسة متزايدة.
الأسس التجارية التي يجب أن يتقنها أصحاب المهارات التقنية
تمامًا كما يحتاج قادة الأعمال إلى فهم التكنولوجيا، فإن الموظفين العاملين في المجالات التقنية بحاجة إلى فهم الجوانب الأساسية للعمل التجاري. ويمكن لأصحاب العمل أن يساهموا في تعزيز هذا الفهم من خلال مساعدة موظفيهم على تطوير المهارات التي تجمع بين المعرفة الإدارية، والإلمام بأساليب العمل داخل المؤسسة، والقدرة على التأثير في الآخرين. وتشمل هذه المهارات: حل المشكلات المعقدة، والتفكير الإبداعي، والتواصل الفعّال، وسرد الأفكار بطريقة جذابة، والتعامل مع أصحاب المصلحة، وإدارة فرق العمل، وحل النزاعات بأسلوب مهني وبنّاء. من خلال ذلك، يصبح الموظف التقني أكثر قدرة على إحداث تأثير حقيقي داخل المؤسسة، والمساهمة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
فالشركات التي تنجح في تطوير مهارات موظفيها في المجال التقني تتبع نهجًا شاملاً ومتكاملاً، حيث تُصمَّم البرامج التدريبية بالتعاون بين مختلف الإدارات، وتُقدَّم أمثلة عملية تساعد الموظفين على تطبيق ما يتعلمونه في مهامهم اليومية. فعلى سبيل المثال، قامت شركة تجزئة عالمية بإنشاء أكاديمية تدريب متخصصة لموظفيها التقنيين، تهدف إلى تنمية المهارات الأساسية في الأعمال والتكنولوجيا، مع توفير مسارات للتطور التدريجي نحو مستويات أعمق من الخبرة. شارك قادة الفريق التقني في تحديد الأولويات التدريبية، والتي شملت مهارات إدارة الفرق المختلفة، وتطوير الاستراتيجيات، وتحسين مهارات التواصل، وفهم طبيعة العمل داخل المؤسسة لقيادة التغيير بكفاءة. وبعد تطبيق البرنامج على أكثر من 60 موظفًا، أبدى أكثر من 90% منهم رضاهم الكامل وأوصوا بتوسيع التجربة. ونتيجة لذلك، بدأت الشركة في تنفيذ البرنامج على نطاق أوسع ليشمل أكثر من 1800 موظف خلال عامه الأول، كما ساعد هذا النهج في جذب المزيد من الكفاءات التقنية التي تبحث عن فرص حقيقية للتطوير المهني.
وفي زمن تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، لم يعد امتلاك المهارات التقنية خيارًا، بل ضرورة تمس جميع المستويات داخل المؤسسات. فالعاملون في المجال التقني بحاجة إلى ثلاث ركائز أساسية: فهم شامل لكيفية عمل التكنولوجيا داخل شركاتهم، تعمق أكبر في تخصصاتهم لتقديم حلول متطورة، ووعي بكيفية ارتباط دورهم التقني بالرؤية والأهداف الكُبرى للمؤسسة. وفي نفس السياق، يحتاج قادة الفرق والمديرون إلى الجمع بين الخبرة التقنية والقدرة على قيادة فرق متنوعة وتحقيق نتائج ملموسة في بيئات عمل معقدة ومترابطة. أما كبار التنفيذيين، فعليهم امتلاك الحد الكافي من الفهم التكنولوجي الذي يؤهلهم لصياغة استراتيجيات ذكية ترتكز على التقنية وتدفع نحو النمو، (مع الأخذ في الاعتبار أن المهارات الإدارية الأساسية لديهم متوفرة). بهذا التكامل، تصبح المؤسسات أكثر قدرة على سد الفجوات المهارية وتحقيق التميز في عالم تقوده التكنولوجيا.
جهود تنمية المهارات في المستقبل
في ظل تسارع الابتكار التكنولوجي، تشير التقديرات إلى أن نحو ربع الوظائف في الولايات المتحدة سيشهد تغيرًا بحلول عام 2027، ما يستدعي تحركًا استباقيًا من قبل الشركات والموظفين نحو تطوير المهارات.9 وانطلاقًا مما تم تناوله من استراتيجيات وأمثلة، تبرز مجموعة من الممارسات المستقبلية القادرة على تسريع وتيرة التعلّم والارتقاء بالكفاءات.
- دمج التعلم في سياق العمل اليومي. ويُعد ذلك خطوة أساسية لتعزيز فاعلية تنمية المهارات. ومن المهم هنا تطوير مهارات المديرين في التوجيه والتدريب، بحيث لا يقتصر دورهم على الإشراف، بل يمتد ليشمل دعم الموظفين في تطبيق ما تعلموه بشكل عملي. وكذلك يمكن لقادة الصفوف الأولى، على سبيل المثال، تكليف موظفيهم بمهام تتطلب استخدام المهارات المكتسبة حديثًا، مما يساعدهم على ترسيخ المعرفة من خلال الممارسة. كما أن تشجيع ثقافة التجربة والتأمل داخل بيئة العمل يسهم في تعميق التعلم. ويمكن تحقيق ذلك من خلال طرح أسئلة بسيطة ولكنها فعالة، مثل: "ما الذي تعلمته هذا الأسبوع؟ وكيف يمكنك الاستفادة منه في الأسبوع المقبل؟" فمثل هذه التغييرات الصغيرة تُحدث أثرًا كبيرًا في تسريع وتيرة تطوير المهارات داخل المؤسسة.
- دمج التعلم مباشرة في التكنولوجيا نفسها. إذ تتيح أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة فريدة لتقديم التعليم والتوجيه في الوقت الفعلي. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد المديرين بحاجة إلى تحسين أسلوبه في إدارة الاجتماعات، يمكنه ببساطة شرح التحديات التي يواجهها لأداة ذكاء اصطناعي والحصول فورًا على اقتراحات عملية للتعامل معها، بل ويمكنه أيضًا خوض محاكاة تفاعلية لتجربة تلك المهارات. وقد بدأت بعض الشركات، مثل مراكز خدمة العملاء، في استخدام هذا النوع من التطبيقات لتوفير توجيه مباشر وملاحظات فورية شبيهة بما يقدمه مدرّب محترف يراقب الأداء عن قرب. ورغم أهمية إدارة هذه الأدوات بعناية لتفادي الأخطاء، فإن السرعة التي تقدم بها المحتوى والمراجعات والتعليقات تجعل منها فرصة قوية يمكن لفرق التعلّم والتطوير الاستفادة منها بشكل كبير.
- تطوير المهارات لا يقتصر فقط على المتعلمين، بل يشمل أيضًا الخبراء والمديرين، إذ يمكن تأهيل الموظفين ذوي الخبرة والكفاءة العالية ليصبحوا "مُعلّمين متعلمين"، أي أن يقوموا بدور المدرّبين الذين ينقلون المعرفة ويطبقون المهارات ضمن سياقات واقعية تتماشى مع احتياجات العمل. وفي الواقع، في بعض المؤسسات التي تبنّت هذا النهج، أشار الموظفون إلى أن التعلّم من الزملاء ذوي الخبرة كان أكثر فاعلية وتأثيرًا من الاعتماد على مدرّبين تقليديين. ولا يقتصر هذا الدور على الصفوف التعليمية، بل يمتد أيضًا إلى بيئة العمل اليومية، حيث يُسهم المديرون في تقديم التوجيه العملي وتدريب الفرق على المهارات الجديدة ضمن السياق الفعلي لمهامهم.
- دمج المحتوى التدريبي داخل الأدوات الرقمية التي يستخدمها الموظفون يوميًا، سواء كان هذا المحتوى من إنتاج داخلي أو خارجي. لكن لتحقيق تأثير فعلي، يجب أن تكون تجربة التعلم سهلة وسلسة، بحيث يتمكن الموظف من متابعة تقدمه بسلاسة. ومن الوسائل التي تعزز هذا التوجه: استخدام التعلم التفاعلي، وإضافة عناصر التحفيز مثل جمع الشارات عند اجتياز مراحل أو تحقيق أهداف محددة، مما يجعل عملية التعلم أكثر متعة وجاذبية.
- تحويل المعرفة التقنية إلى أداة مشتركة ومتاحة للجميع. إذ يمكن للشركات تعزيز مشاركة المعرفة التقنية من خلال إنشاء مستودعات رقمية تحتوي على الأدوات والأساليب والممارسات التي يستخدمها الموظفون، إلى جانب الإجابات على الأسئلة المتكررة. وبدروها، تتيح هذه المنصات للموظفين الاطلاع على تجارب زملائهم والتعلم منها، كما يمكنهم تقييم المحتوى بالإعجاب أو التصويت الإيجابي، مما يساعد الآخرين في التعرف على أكثر المعلومات موثوقية وفائدة. ومن خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذه المستودعات، يمكن تحسين تجربة البحث والوصول إلى المعلومات بشكل أسرع وأكثر دقة. كما تُعد هذه المستودعات أداة فعالة لتسريع عمليات الإعداد والتأهيل للموظفين الجدد، لا سيما في الشركات التي تستقطب أعدادًا كبيرة من المواهب التقنية.
وأخيرًا، وفي ظل تزايد اعتماد الموظفين على التقنيات الرقمية في أداء مهامهم اليومية – وهو اتجاه قابل للتوسع في السنوات المقبلة – يصبح من الضروري أن تبادر المؤسسات إلى تسريع جهودها في تنمية المهارات الرقمية لدى الموظفين غير المتخصصين في التكنولوجيا، حتى يتمكنوا من مواكبة هذا التحول. وفي الوقت نفسه، ينبغي توفير برامج تدريب متقدمة للموظفين التقنيين، تركز على تعزيز فهمهم لجوانب العمل التجاري، بما يمكنهم من المساهمة بشكل أكبر في تحسين الأداء وزيادة التنافسية. ويتطلب بناء استراتيجية فعالة لتطوير المهارات أن يحدد القادة بدقة الفجوات والفرص داخل مؤسساتهم، وأن يضمنوا توافق خططهم الاستراتيجية مع برامج التعليم والتدريب، بحيث تكون هذه البرامج مرنة وشاملة، وتستهدف جميع الموظفين دون استثناء، بهدف بناء قاعدة رقمية قوية تواكب تحديات المستقبل.