المخاطر المتنامية لأزمة الغذاء العالمية

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

شهد العالم سلسلة من الاضطرابات المتقاربة زمنيًا، انطلاقًا من أزمة كوفيد-19 واضطرابات سلاسل الإمداد، وصولًا إلى الأحداث المناخية المختلفة، والتي أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار الغذاء. وأتى الغزو الروسي لأوكرانيا، التي تُعد واحدة من مناطق سلال الخبز الست حول العالم، ليهدد بنشوء أزمة في نظام الأغذية العالمي. وفي هذه الحلقة من البث الصوتي من ماكنزي، تستضيف مديرة التحرير العالمية ”لوسيا راهيلي“ كلًا من ”دانييل امينيتزا“ مدير ممارسات المواد الكيميائية والزراعة لدى ماكنزي، و”نيكولاس دينس“ الشريك لدى ماكنزي، لمناقشة الأدوار المحورية التي تلعبها روسيا وأوكرانيا في نظام الأغذية العالمي بالإضافة إلى المخاطر التي يفرضها استمرار الحرب الدائرة بين الدولتين. وقد تم تسجيل الحوار يوم 4 أبريل 2022. في حين تم تعديل هذه النسخة الكتابية لغرض التوضيح.

يستضيف حلقة البث الصوتي من ماكنزي كل من ”روبيرتا فوسارو“ و”لوسيا راهيلي“.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

مخاطر محدقة بإمدادات الغذاء العالمية

لوسيا راهيلي: لنبدأ باستعراض سياق الأحداث. فمن المؤكد أن الوصول إلى الغذاء يعد شاغلًا ملحًّا ومطلبًا أساسيًا بالنسبة لملايين الأوكرانيين الواقعين في خضم هذا الغزو المؤسف، لذا أود بداية التشديد على هذه الأولوية الحيوية والحرجة. وبجانب ذلك، تهدد الحرب في أوكرانيا بإحداث اضطراب في نظام الأغذية العالمي تتجاوز تداعياته حدود منطقة النزاع. ”دانييل“، هلّا أوضحت لنا الوضع القائم أو المشهد الراهن بشكل أوسع؟

دانييل امينيتزا: كما ذكرتِ ”لوسيا“، ينصب اهتمامنا بشكل أساسي على النزاع القائم في أوكرانيا، بما يشمل أزمة الغذاء. ويمكننا بالنظر إلى سلسلة توريد الأغذية العالمية الأوسع ملاحظة دور النزاع في زعزعة الركائز الأساسية لنظام الأغذية العالمي، والذي يشهد حالة من الاضطرابات حتى قبل بدء الحرب. وقد اعتمدت آليات العرض والطلب في نظام الأغذية العالمي سابقًا على عوامل المناخ وغيرها من الأحداث المرتبطة بالطلب. وأثبت هذا النظام مدى مقاومته للتحديات التي فرضتها أزمة كوفيد-19 خلال العامين الماضيين. إلا أننا نعيش حاليًا في وضع غير مسبوق، حيث نشهد خلاله حربًا واسعة النطاق في منطقة البحر الأسود، التي تعتبر مركزًا رئيسيًا للإمدادات الغذائية، وبخاصة القمح والأسمدة.

وتقود حالة عدم الاستقرار هذه إلى تقلبات متزايدة في سلسلة توريد الأغذية العالمية. ورغم أنه ما يزال من الصعب توقع التداعيات الكاملة للنزاع، إلا أن هذه الأزمة ستسبب في تأثيرات ثانوية واضحة على مناطق السلال الغذائية الأخرى مثل البرازيل. كما تلعب روسيا وبيلاروسيا دورًا محوريًا في عمليات تصدير الأسمدة، والتي تُعد المادة الأهم بالنسبة للمحاصيل في مختلف أنحاء العالم.

وفي الواقع تزامنت الحرب مع التحديات المستمرة الناتجة عن تواصل ارتفاع أسعار السلع الزراعية والأسمدة منذ أواخر عام 2020. فعلى سبيل المثال، تجاوزت أسعار الذرة منذ مطلع عام 2021، أي منذ أكثر من عام حاجز الـــ 5 دولار أمريكي للبوشل الواحد (أداة تستعمل لقياس السلع الأساسية الجافة وغالبًا في الزراعة) .

وعلى الرغم من الجهود الرامية إلى تعزيز إمدادات الأغذية العالمية، والمرونة التي أبداها النظام خلال العامين الماضيين، ما يزال القلق يسود المشهد الحالي. ويبدو أن العالم غير مستعد إلى حد ما لمواجهة هذه الأزمة حاليًا، باستثناء الصين، التي نجحت بزيادة مخزونها الاحتياطي من الأغذية بنسبة تجاوزت 70% منذ عام 2008، إلا أن الكثير من الأسواق العالمية الأخرى لا تملك نفس المستوى من الاستعداد.

”تقود حالة عدم الاستقرار الناتجة عن النزاع الروسي الأوكراني إلى تقلبات متزايدة في سلسلة توريد الأغذية العالمية. ورغم صعوبة توقع التداعيات الكاملة للنزاع، إلا أن هذه الأزمة ستتسبب في حدوث تأثيرات ثانوية واضحة على مناطق السلال الغذائية الأخرى.“

دانييل امينتيزا

لوسيا راهيلي:لنتوسع أكثر في حديثنا حول هذه التقلبات ونطاق الاضطرابات المحتمل. ”نيكولاس“، ما هو برأيك حجم المخاطر التي تواجه إمدادات الغذاء العالمية؟

نيكولاس دينس:ثمة ست مناطق سلال غذائية في العالم توفر مجتمعة ما يقارب 60 إلى 70% من السلع الزراعية العالمية. وتقدم منطقة روسيا وأوكرانيا حوالي 30% من صادرات القمح العالمية و64% من صادرات محصول دوّار الشمس. وتوازيًا مع تنامي حالة الارتباط والتكامل بين الأسواق، من الطبيعي أن يؤثر أي اضطراب طفيف في العرض على الأسعار.

وما زلنا حتى الآن غير قادرين على توقع مدة النزاع أو النطاق الذي قد يصل إليه. إلا أن التحليلات التي أجريناها تشير إلى حصول نقص في الصادرات هذا العام يتراوح بين 19 إلى 34 مليون طن، ومن الممكن أن يصل هذا الرقم من 10 إلى 43 مليون طن في عام 2023. وتعادل هذه الكميات استهلاك الأغذية اللازمة لحوالي 60 إلى 150 مليون شخص.

كما سيؤثر ارتفاع أسعار هذه السلع على عدد أكبر من السكان. فعلى سبيل المثال، تعتمد مصر وتركيا بشكل كبير على صادرات هذه المنطقة لتأمين استهلاك الأغذية اللازم للسكان. وتأتي 60% من واردات مصر من أوكرانيا وروسيا. وبجانب أهمية هذه الواردات بالنسبة للاستهلاك المحلي، تعمل مصر أيضًا على معالجة هذه السلع وتصديرها إلى دول شرق أفريقيا. وبالتالي فإن تداعيات النزاع ستنعكس على العديد من الدول حول العالم.

اضطرابات في عمليات الزراعة والحصاد والنقل

لوسيا راهيلي:إلى أي مدى قادت تداعيات الحرب المادية على الإنتاج الزراعية إلى حدوث صدمة العرض على مستوى القطاع؟ وهل سيتمكن المزارعون الأوكرانيون من زراعة محاصيلهم الربيعية؟

نيكولاس دينس:تحمل سلسلة القيمة الزراعية تعقيدات أكبر بالمقارنة مع سلاسل التوريد الأخرى، نظرًا لوجود أُطر زمنية محددة لإعداد الحقول والزراعة والحصاد. ونأخذ هذه الأُطر بعين الاعتبار عند إجراء التحليلات الهادفة إلى فهم تداعيات النزاع على قطاع الزراعة.

فعلى سبيل المثال، دخلنا حاليًا في موسم زراعة محاصيل الشعير ودوّار الشمس والذرة، وما يزال من غير المؤكد أن المزارعين في المنطقة قادرون على زراعة هذه المحاصيل في الوقت الحالي. ويأتي موسم زراعة محاصيل أخرى، مثل القمح، بين شهري يوليو وأغسطس، بالتالي فإن امتداد فترة النزاع سيؤثر على الإنتاج اللاحق للقمح في الشتاء. وفي حال استمر النزاع حتى الصيف، يمكننا توقع ظهور مشاكل في حصاد المحاصيل حتى وإن تمكن المزارعون من زراعتها في الوقت الحالي.

ولا تقتصر تداعيات النزاع على عمليات الزراعة والحصاد. فالمنطقة تنتج أحجامًا كبيرة من السلع الزراعية تصل إلى 105 أطنان، والتي عادة ما تُنقل على ظهر السفن عبر موانئ على البحر الأسود. وقد تعرّض عدد من هذه الموانئ للضرر أو لم يعد قادرًا على العمل، لذا يمكننا توقع حدوث اضطرابات في العمليات اللوجستية التي لا يمكن تعويضها عن طريق البدائل الأخرى مثل القطارات أو الطرق البرية.

اضطرابات الأغذية ودورها في عدم الاستقرار الاجتماعي

لوسيا راهيلي:الحبوب هي سلعة أساسية حول العالم، وقد شهدنا في الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المنتجات الغذائية خلال أزمة كوفيد-19، وأعتقد أن الحال مشابه في أوروبا. هل يجب أن يتوقع المستهلكون ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، مثل الخبز، في حال حدوث اضطرابات في المحاصيل؟ وهلا أطلعتنا على تفاصيل أوسع حول محصول القمح وأهميته في سياق إمدادات الأغذية العالمية؟

دانييل امينيتزا:يحظى القمح بمكانة محورية بالنسبة للأمن الغذائي. وتُستخدم نسبة 80% من إنتاج القمح بشكل أساسي لإنتاج الطحين. وقد شهدنا خلال العامين الماضيين ارتفاع سعر القمح بنسبة تجاوزت 100%، الأمر يُترجَم إلى زيادة في أسعار الخبز الأساسية، نظرًا لأن القمح يمثل حوالي 60% من تكاليف المواد الأولية الداخلة في إنتاج الخبز.

ومن المؤكد أن مثل هذا الاضطراب المباشر في منطقة روسيا وأوكرانيا، التي تعتبر أهم مركز لإمدادات القمح حول العالم، ستنطوي على تداعيات مباشرة على الأمن الغذائي. وبجانب ذلك، يلعب الخبز دورًا هامًا في الاستقرار الاجتماعي في العديد من الأسواق الناشئة. فعلى سبيل المثال، اعتُبرت أسعار القمح أحد الدوافع الرئيسية لبدء أحداث الربيع العربي قبل عشر سنوات.

تأثير الأزمة على الأسمدة ذات الأهمية المحورية للزراعة

لوسيا راهيلي:ولا شك أن الفئات السكانية الضعيفة هي المتأثر الأكبر بارتفاع الأسعار. وحاليًا نشهد ظهور بعض الاضطرابات الاجتماعية في عدد من الدول مثل اليونان، حيث احتج المزارعون على ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة منذ عدة أسابيع. وبهذا السياق ”دانييل“، تطرقتَ إلى تأثير ثانوي للأزمة مرتبط بالوصول إلى الأسمدة. هلا زودتنا بمعلومات أوفى حول الأسمدة وأهميتها ضمن منظومة الأغذية العالمية القائمة؟

دانييل امينيتزا:تُعتبر الأسمدة من قبل الكثيرين المادة الأولية الأكثر أهمية بالنسبة للمزارعين. ولعبت عناصر النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، التي تُعد المكونات الأساسي للأسمدة، دورًا رئيسيًا خلال الثورة الخضراء التي حدثت في ستينيات القرن الماضي. وقاد هذا التحول إلى مضاعفة إنتاجية المحاصيل الزراعية خلال عقدين من الزمن، الأمر الذي كان أحد الدوافع الرئيسية للنمو السكاني في القرن الماضي.

وتمثّل الأسمدة جزءًا أساسيًا من العمليات الزراعية في وقتنا الحالي، وتجسد ما يقارب 30% من إجمالي نفقات العمليات بحسب نوعية المحصول. وبالتالي أصبح من الصعب تخيل إمكانية تخلي المزارعين عن استخدام الأسمدة.

لوسيا راهيلي:ما هي أهمية منطقة البحر الأسود بالنسبة لإنتاج الأسمدة؟ وما هي الانعكاسات المحتملة لاضطرابات توريد الأسمدة؟

دانييل امينيتزا:لنركّز على أسمدة البوتاسيوم1 والنتروجين الرئيسية. يوجد مركزان رئيسيان حول العالم لإنتاج البوتاسيوم، هما كندا وروسيا وبيلاروسيا. وتتميز سوق روسيا وبيلاروسيا بتنظيمها العالي، وهي تصدّر هذه المادة لأسواق هامة مثل أمريكا الجنوبية.

وقاد النزاع إلى زيادة حادة اقتربت من الضعفين في أسعار البوتاسيوم خلال الشهرين الماضيين، وهو واقع ستتطلب معالجته بعض الوقت نظرًا لحالة التوازن الحرجة بين مستويات العرض والطلب في هذا القطاع. ويمكن أن يؤدي استمرار العقوبات والتحديات اللوجستية إلى حدوث نقص حاد في إمدادات البوتاسيوم وارتفاع كبير في أسعاره. ويرتبط النتروجين أيضًا بقطاع الطاقة. وأدت أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الطاقة الحالي إلى تأثيرات مباشرة على أسعار النتروجين وتوافر إمداداته.

أزمات متتالية

لوسيا راهيلي:ذكرتَ سابقًا يا نيكولاس أن هذه التطورات تحدث في ظل ارتفاع مستويات الطلب في سلسلة توريد الأغذية العالمية. هلّا أخبرتنا المزيد عن هذا الواقع؟

نيكولاس دينس:ارتفعت أسعار القمح بنسبة 18% بين الربع الأول 2020 وشهر ديسمبر 2021، ويعيش العالم مشكلة في الأمن الغذائي حتى قبل بدء النزاع الروسي الأوكراني بمدة طويلة. وأتى النزاع ليزيد عمق الأزمة. ونلحظ حاليًا ارتفاعًا إجماليًا في الطلب. فعلى سبيل المثال، تدخل غالبية هذه السلع في إنتاج البروتين، ونشهد زيادة في الطلب على البروتين من مناطق متعددة حول العالم. كما لم ننجح حتى الآن بحل المشكلات الرئيسية الأخرى مثل هدر الغذاء، إذ يتم حاليًا هدر 30% من إجمالي الغذاء العالمي.

وبالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض التأثيرات الأولية للأحداث المناخية بالظهور في الفترة الحالية، والتي تجلت آثارها الصيف الماضي على محصول القمح القاسي. إذ تعرض إنتاج القمح القاسي، الذي يُستخدم لإنتاج الباستا التي تُعد الأساس الغذائي للكثير من الناس، لاضطرابات بنتيجة موسم الصيف الجاف في كندا وهطول كميات أكثر من اللازم من الأمطار في فرنسا. وأظهرت أبحاثنا أن هذه الاضطرابات ستزداد بواقع أربعة أضعاف حتى عام 2050.

وقادت اضطرابات الأسواق والمناخ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الأسمدة، إلى وقوع الأمن الغذائي بحالة حرجة بدأت قبل انطلاق شرارة النزاع بفترة طويلة. ويلقي النزاع الروسي الأوكراني بآثار سلبية على ناحية إضافية من النظام الغذائي العالمي.

”قادت اضطرابات الأسواق والمناخ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الأسمدة، إلى وقوع الأمن الغذائي بحالة حرجة بدأت قبل انطلاق شرارة النزاع بفترة طويلة. ويلقي النزاع الروسي الأوكراني بآثار سلبية على ناحية إضافية من النظام الغذائي العالمي.“

نيكولاس دينس

احتمالية إعلان حالة طوارئ غذائية عالمية

لوسيا راهيلي:من الواضح أن العالم يعيش سلسلة من الاضطرابات الجوهرية والمتعاقبة. وأشارت وسائل الإعلام إلى إمكانية الإعلان عن حالة طوارئ غذائية عالمية وارتفاع مستويات الجوع العالمية. فهل يدعو هذا الواقع للقلق؟

نيكولاس دينس:لا شك أن هذا الواقع يدعو للقلق، ولكن من الضروري تقييم مدى خطورة وجدية هذه الاحتمالات خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. ولا بُد من تحديد أي من مراحل عملية الزراعة (من إعداد الحقول وحتى الزراعة والحصاد) سنتمكن من إنجازها، وأي منها سيتوقف بسبب الاضطرابات. ويجب ألا نحصر اهتمامنا بالمواضيع المطروحة في وسائل الإعلام وحسب، بل يجب أن نركز أيضًا على التأثيرات الثانوية التي يمكننا ملاحظتها.

وأشار ”دانييل“ سابقًا إلى المشكلات المرتبطة بالأسمدة في دول مختلفة مثل البرازيل. ولنفترض هنا أن النزاع سيمتد لزمن طويل ويقود إلى اضطراب محتمل في توريد الأسمدة. وبما أن موسم الزراعة في البرازيل هو بين شهري يوليو وأغسطس، فمن الضروري توريد قسم من المواد الأولية قبل هذا الموعد. بالتالي، فإن امتداد زمن النزاع سيؤثر على موسم الزراعة التالي في البرازيل، وسيقود إلى تأثير تراكمي على الأزمة الغذائية في المستقبل.

ويتوجب علينا دراسة واستيعاب السيناريوهات المختلفة، بالإضافة إلى ردود أفعال الجهات المعنية، بما يشمل الحكومات، بغرض تحديد مدى احتمالية حصول أزمة غذائية عالمية.

لوسيا راهيلي:ما هي حالات الطوارئ الغذائية، مثل أزمات الأغذية العالمية بين عامي 2007-2008، التي يمكن مقارنتها بالمخاطر والاضطرابات القائمة في الوقت الحالي؟

دانييل امينيتزا:شهدنا قبل حوالي عقد من الزمن أنماطًا مشابهة من ناحية تضخم أسعار وتكاليف السلع الزراعية والأسمدة. ويتجلى السؤال الأهم في مدة الأزمة والتأثيرات المستمرة التي يمكن أن تسببها. وتتزامن هذه الأزمة مع بيئة تضخمية تقود إلى زيادة إضافية على صعيد الأسعار، بالإضافة إلى المزيد من الاضطرابات على مستوى سلسلة التوريد، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بمسارها، وبخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الجيوسياسية لهذه الأزمات والأحداث التي يمكن أن تنتج عنها.

نيكولاس دينس:لا تقتصر الأزمة الحالية على صدمات السلع الأساسية، مثل تلك التي حصلت عام 2008، بل تشمل أيضًا صدمة في مجال المواد الأولية. وقد تحدثنا سابقًا عن حالة النقص القائمة في مادة البوتاسيوم وغيرها من المغذيات الدقيقة الضرورية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الحالية.

النتائج المحتملة

لوسيا راهيلي:في ضوء التغيرات السريعة للحرب وحالة الغموض التي تحيط بنتائجها ومدتها، هلا زودتنا بلمحة حول سيناريو الاضطرابات المحدودة؟

نيكولاس دينس:يفرض سيناريو الاضطرابات المحدودة استمرار تأثيرات الوضع الحالي حتى عام 2024، ويعني على أرض الواقع إمكانية تفويت جزء من موسم الزراعة واستئنافه خلال الموسم التالي، بالإضافة إلى فرض عقوبات محدودة، على السلع الزراعية والأسمدة على أقل تقدير، وإمكانية الاستخدام المفتوح نسبيًا للسلع الزراعية بفعل استمرار تصدير هذه السلع وعدم قيام الدول بإغلاق حدودها.

لوسيا راهيلي:وكيف سيبدو سيناريو الاضطرابات الحادة وطويلة الأمد؟

نيكولاس دينس:يفترض هذا السيناريو تفويت العديد من المراحل الهامة من عملية الزراعة، مثل مواسم الزراعة والحصاد، بالإضافة إلى احتمالية تفاقم حركة اللجوء التي تؤدي إلى انخفاض توافر القوى العاملة في الأماكن اللازمة للإنتاج الزراعي. ويمكن أن نشهد زيادة حدة العقوبات لتشمل في مرحلة ما السلع التجارية، فضلًا عن اتخاذ بعض الحكومات القرار بإيقاف تصدير عدد من هذه السلع إلى الدول التي تحتاجها. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى تراجع حاد في تجارة الأغذية العالمية، الأمر الذي سيدفع بعض الدول إلى زيادة اعتمادها على مخزونها الخاص في ظل الإمدادات العالمية الشحيحة.

الحلول المحتملة لمعالجة هذه الأزمة

لوسيا راهيلي:أشرت يا ”نيكولاس“ سابقًا إلى الحمائية التجارية، هل يمكن اعتماد سياسة معاكسة في هذا الإطار؟ وكيف يمكن لدول العالم التعاون فيما بينها لتعويض نقص الإمدادات، على المدى القصير على الأقل؟

نيكولاس دينس:تتوافر بعض الحلول على المدى القصير جدًا. وكما ذكرتِ، يمكننا محاولة تفادي الأخطاء التي ارتُكبت منذ عشر سنوات خلال أزمة الغذاء السابقة، والتي قامت خلالها مجموعة من الدول بحظر الصادرات، مما أدى إلى تفاقم أوضاعها الداخلية، إذ لم يتمكن المزارعون من الوصول إلى الإيرادات الدولية، فضلًا عن عدم قدرة الدول على الاستيراد. بالتالي من الممكن تحقيق التآزر من خلال الحد من مثل هذه القيود التجارية.

وتتمثل الخطوة الأخرى في دراسة التوازن القائم بين الأغذية والوقود، إذ تُستخدم نسبة 18% من إجمالي إنتاج الذرة العالمي في مجالي الوقود أو المواد الكيميائية الحيوية، وبالتالي يمكن إعادة النظر بهذا التوازن لفترة زمنية محدودة على الأقل. وبصورة مشابهة أيضًا، يمكننا إعادة النظر بكيفية استخدام احتياطي الغذاء الاستراتيجي.

وبجانب ذلك، يمكننا توسيع آفاقنا نحو استخدام الأراضي غير المزروعة، وبخاصة في أوروبا، حيث تم ترك 10 إلى 15% من هذه الأراضي دون زراعة لحماية التنوع البيئي، وبالتالي يمكن الاستفادة منها بشكل مؤقت.

ويُضاف إلى هذه الخطوات عملية تتبع هدر الأطعمة والتقليل من مستوياتها، فضلًا عن استكشاف مصادر جديدة للبروتين. ومن المعروف أن اللحوم الحمراء والبيضاء والبروتينات البديلة توفر خصائص متنوعة من حيث استهلاك السلع الزراعية. وتقدم هذه الخطوات حلولًا متاحة يمكن استغلالها على المدى الطويل.

لوسيا راهيلي:”دانييل“، كيف ستؤثر الحرب في أوكرانيا على قطاع الأغذية والزراعة على المدى الطويل؟

دانييل امينيتزا:في ضوء الوضع الحالي للأمن الغذائي وارتباطه بالتغير المناخي، نتوقع أن يؤدي هذا الواقع إلى زيادة تحفيز الاستثمارات والتغيرات السلوكية في مختلف المجالات. فمن ناحية الابتكار، من المرجح أن نشهد تركيزًا إضافيًا من قبل المستثمرين وغيرهم من الجهات المعنية على مجال التكنولوجيا الزراعية والغذائية، بما يشمل تقنيات الحلول الحيوية، والبروتينات البديلة، والزراعة العمودية وغيرها.

كما نتوقع حدوث تغيير ملحوظ لدى مختلف الأطراف المعنية في المنظومة الزراعية، حيث سيتجه المزارعون نحو تعزيز كفاءة استخدام الأسمدة والمواد الأولية، وبالتالي الحد من الهدر، فضلًا عن ميل المستهلكين نحو تغيير أنظمتهم الغذائية والاعتماد على بدائل اللحوم.

ونأمل أن نشهد على مستوى الدول تركيزًا أكبر على تسريع جهود التحول، وبخاصة في الأسواق الناشئة. إذ تمثّل هذه الأزمة الغذائية المرتبطة بالتغير المناخي فرصة لإحداث تسارع كبير في انتقال أنظمة الغذاء العالمية نحو نموذج أكثر استدامة في السنوات القادمة.

ومن الضروري أن يتزامن هذا التسارع مع إيلاء اهتمام خاص بالاحتياجات المباشرة والأمن الغذائي، وهو توجه يمكن ملاحظته بشكل واضح في أوكرانيا وروسيا، وبدأت بوادره بالظهور في غيرها من الأسواق الناشئة.

”نيكولاس دينس“:يتعين علينا تركيز اهتمامنا على الشرائح السكانية الأكثر ضعفًا، والتي تلقي الأزمة بتأثيراتها على قدرتهم من الوصول إلى الغذاء.

Explore a career with us