التغليف المستدام في عام 2025: أبرز التحديات التي تواجه المشترين

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

إن قطاع التعبئة والتغليف العالمي يشهد نموًا لافتًا، مع توقعات بأن يتفوق في وتيرته على معدل نمو الاقتصاد العالمي.1 وفي هذا السياق، يزداد التركيز على حلول التغليف المستدام، حيث تسعى الشركات عبر مختلف المراحل إلى الوفاء بوعودها بتقليل استهلاك المواد الخام، وزيادة إعادة الاستخدام والتدوير، والاعتماد بشكل أكبر على المواد المعاد تدويرها. هذه الجهود لا تقتصر على تحسين الأداء البيئي فحسب، بل تمثل أيضًا خطوة جوهرية نحو إعادة تشكيل الصناعة وفتح آفاق جديدة للنمو.2

على مدى السنوات الخمس الماضية، أصدرت ماكنزي أكثر من عشرين مقالًا تناولت فيه قضايا استدامة التغليف من زوايا متعددة. وانطلاقًا من هذا الإرث البحثي، يأتي هذا المقال ليضيف بعدًا جديدًا، حيث يركز على تطورات تبنّي التغليف المستدام من منظور المشتري. ويشمل هذا المنظور طيفًا واسعًا من الجهات، بدءًا من شركات السلع الاستهلاكية المعبأة، مرورًا بتجار التجزئة، ووصولًا إلى منتجي العلامات التجارية الخاصة، وشركات التغليف بالوكالة. ومن خلال هذا الطرح، نسعى إلى إلقاء الضوء على التحديات والفرص التي يواجهها هؤلاء الفاعلون في رحلتهم نحو اعتماد حلول أكثر استدامة.

وبشكل خاص، يهدف هذا المقال إلى معرفة ما السبب وراء أنه على الرُغم من الضغوط المتزايدة من المستهلكين والحكومات، ورغم وضوح الأدلة التي تؤكد أن الاستدامة يمكن أن تحقق مكاسب حقيقية للتجار والشركات3 إلا أن اعتماد مواد تغليف صديقة للبيئة ما زال يسير ببطء. وحتى الآن، لم نشهد في أي سوق رئيسية انتقالًا واسعًا نحو حلول تغليف أكثر استدامة. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل السبب هو تمسّك المستهلكين بعاداتهم القديمة في الشراء؟ أم أن الضغوط على الأرباح لدى شركات السلع الاستهلاكية وتجار التجزئة تجعلهم مترددين في الاستثمار؟ أم أن هناك عقبات أخرى تمنع هذا التغيير؟

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

في سبيل الوصول إلى فهم أعمق لهذه العوامل، أجرينا أبحاثًا ميدانية شاملة شملت مقابلات موسّعة مع تجار التجزئة وشركات السلع الاستهلاكية المعبأة، بالإضافة إلى الموزعين وكبار التنفيذيين في صناعة التعبئة والتغليف عبر أبرز الأسواق الاستهلاكية الرئيسية وأهم المواد الأساسية. ولم يقتصر عملنا على ذلك فحسب، بل استند أيضًا إلى نتائج استبيان عالمي واسع النطاق يستكشف مواقف المستهلكين تجاه التغليف المستدام. فمنذ عام 2020 وحتى اليوم,4 قمنا بإجراء هذا البحث مع عشرات الآلاف من المستهلكين حول العالم، في حين شمل استطلاع عام 2025 وحده أحد عشر بلدًا موزعة على أربع قارات، ليقدّم صورة شاملة ومتنوعة حول اتجاهات المستهلكين وتطلعاتهم في هذا المجال.5

وعلى الرغم من تزايد الاهتمام العالمي بالتغليف المستدام، ما زال الانتقال إليه يواجه عقبات جوهرية تُبطئ من وتيرة اعتماده. فقد كشفت أبحاثنا ومقابلاتنا مع الخبراء أن هناك ستة حواجز رئيسية تمتد على طول سلسلة القيمة. أول هذه الحواجز هو ارتفاع التكلفة الذي يجعل العديد من الشركات مترددة في التغيير، يليه ضعف الأداء أحيانًا مقارنة بالبدائل التقليدية. وإلى جانب ذلك، يفتقر السوق إلى اتفاق واضح حول المعنى الحقيقي لمفهوم الاستدامة، بينما تزيد ضبابية المعايير التنظيمية من تعقيد المشهد. كما تمثل محدودية التوريد أو عدم استقراره عائقًا إضافيًا، في حين أن نقص المعرفة المتكاملة بالحلول القائمة والجديدة يجعل الطريق أكثر تعقيدًا. وهكذا يتضح أن العقبة ليست في غياب الرغبة، بل في شبكة مترابطة من التحديات التي تتطلب رؤية مبتكرة وإرادة قوية للتغلب عليها.

لذلك، فإن ما تحمله الاستدامة من قيمة تجارية ضخمة وفوائد بيئية ملموسة يجعل من غير المقبول أن تتراجع شركات التغليف أو غيرها من الأطراف في سلسلة القيمة عن طموحاتها أو أن تُبطئ من خطواتها. بل على العكس، فالواقع الحالي يوفّر فرصة نادرة أمام المؤسسات الجادة لتوحيد الجهود والاستثمار في ابتكار حلول جديدة تُلبي تطلعات المستهلكين وتتماشى مع القوانين واللوائح. ومن أجل دعم هذا التوجه، يعرض المقال في ختامه مجموعة من الأسئلة المحورية التي تساعد الشركات على جمع المدخلات الأساسية لوضع استراتيجية متكاملة للتغليف المستدام، تمنحها الريادة وتُعزز قدرتها على المنافسة.

الاستدامة في التغليف: رؤية من منظور مشتري مواد التغليف

على مرّ السنوات، كان الهدف الأساسي لمشتري مواد التغليف هو خفض التكاليف قبل أي اعتبار آخر. هذا التركيز دفعهم إلى استخدام استراتيجيات شراء تهدف بالأساس إلى تقليل وزن التغليف وكميات المواد المستعملة فيه. ومع مرور الوقت، انعكس ذلك على طبيعة المواد المختارة، حيث ازداد الاعتماد بشكل ملحوظ على أنماط تغليف أكثر مرونة مثل العبوات القابلة للطي أو التمدد، والتي شهدت نموًا واضحًا في الاستخدام.6

ولم يقتصر اهتمام مشتري مواد التغليف- على مدار العقد الماضي- على خفض التكاليف فحسب، بل اتجهوا أيضًا إلى تبنّي التزامات جريئة تجاه الاستدامة. فبحسب أبحاثنا، كانت معظم أكبر مئة شركة عالمية في قطاع السلع الاستهلاكية المعبأة قد أعلنت بحلول عام 2020 عن تعهدات واضحة لتحسين جوانب مختلفة من الاستدامة خلال السنوات التالية.7 ورغم استمرار التركيز على تقليل استخدام المواد الإجمالية، برزت أولويات جديدة تمثلت في ضمان قابلية إعادة التدوير الكاملة للعبوات، وزيادة الاعتماد على المواد المعاد تدويرها، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار وإحداث تغييرات جوهرية في أنماط التغليف. وفي حين تتكامل بعض هذه الأهداف وتدعم بعضها البعض، إلا أن البعض الآخر قد يتعارض أحيانًا، كما سيتضح لاحقًا في هذا المقال.

في السنوات الأخيرة، شهد العالم موجة متسارعة من القوانين المنظمة لقطاع التغليف، كان هدفها تعزيز مفهوم إعادة الاستخدام والتدوير,8 وحظر بعض المواد الكيميائية الضارة,9 والحد من تسرب المخلفات عبر تشجيع إعادة الاستخدام.10 ولم يعد الضغط على الشركات صادرًا من الجهات التنظيمية فقط، بل جاء أيضًا من المستهلكين الذين أصبحوا أكثر وعيًا واهتمامًا. فقد أظهرت أبحاث ماكنزي بالتعاون مع "NielsenIQ" أن المنتجات التي تضمنت بيانات تسويقية مرتبطة بالبيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة حققت نموًا تراكميًا بلغ 28 في المئة خلال السنوات الخمس السابقة للدراسة، مقابل 20 في المئة فقط للمنتجات التي لم تتبنَّ مثل هذه البيانات.11

عند النظر إلى المشهد الحالي، يبدو أن الجمع بين التزامات مشتري مواد التغليف التي تتسم بالجرأة، والضغوط المتصاعدة من الجهات التنظيمية والمستهلكين، يشير إلى زخم كبير يدفع الصناعة نحو تبني ممارسات أكثر استدامة. ومع ذلك، ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، ما زال الانتقال الفعلي إلى استخدام مواد تغليف مستدامة يسير بوتيرة بطيئة. هذا التباين بين الطموحات المعلنة والواقع العملي يثير تساؤلات عديدة، وهو ما سيسلط هذا المقال الضوء عليه من خلال استعراض أبرز العوائق التي تفسر هذا التناقض.

ستة تحديات كبرى تعرقل اعتماد مواد التغليف المستدامة على نطاق واسع

استنادًا إلى المقابلات التي أجريناها والتحليلات التي قمنا بها، تبيّن وجود ستة عوائق رئيسية قد تعرقل اعتماد مواد التغليف المستدامة على نطاق واسع، سواء من جانب مشتري مواد التغليف أو عبر مختلف مراحل سلسلة القيمة.

ارتفاع التكلفة

غالبًا ما تأتي المواد المستدامة بتكلفة أعلى من نظيراتها التقليدية.12 الأمر الذي يدفع الشركات، في سعيها للحفاظ على هوامش أرباحها، إلى تمرير هذه الزيادة في التكلفة إلى المستهلكين. فعلى سبيل المثال، يُباع البولي إيثيلين تيرفثالات المعاد تدويره عالي الجودة، والذي يطلق عليه اختصاراً (rPET) ،بأسعار تفوق بكثير تكلفة الراتنج البكر، نظرًا لمحدودية المعروض.13 ومن المرجّح أن يستمر هذا الفارق السعري على الأقل في المدى المتوسط. وإذا التزم جميع تجار التجزئة بوعودهم المتعلقة بالاستدامة، فقد يصل الطلب على البلاستيك المعاد تدويره إلى نحو 90 مليون طن متري بحلول عام 2030، وهو رقم يتجاوز بكثير حجم المعروض العالمي المتوقع البالغ نحو 60 مليون طن متري. هذا النقص سيؤدي إلى مزيد من الضغوط التصاعدية على الأسعار، ما سينعكس بطبيعة الحال على هوامش أرباح تجار التجزئة.14

أظهرت آراء الخبراء في المقابلات التي أجريناها أن الابتكارات الجديدة في مجال المواد، مثل مادة "PHA" عالية الكفاءة المستخدمة في إنتاج البلاستيك الصلب، أو الأغشية القابلة للتحلل المنزلي المستخدمة في التغليف المرن، قد تصل تكلفتها إلى ما بين أربعة إلى خمسة أضعاف تكلفة مادة البولي أوليفين التقليدية، وذلك بحسب متطلبات العزل والمواصفات الخاصة بالتغليف. ويعني هذا الفارق الكبير في التكلفة أن سعر المنتج النهائي المعبأ قد يرتفع بنسبة تتراوح بين 2 إلى 5 في المئة.

وفي الواقع، يمثل رفع أسعار المنتجات المعبأة في عبوات مستدامة معضلة حقيقية للشركات. فقد أظهر استطلاعنا لعام 2025 أن شريحة واسعة من المستهلكين أعلنت استعدادها لدفع المزيد مقابل تغليف صديق للبيئة، غير أن شريحة أخرى كبيرة رفضت ذلك تمامًا.15 والأصعب من ذلك أن السلوك الفعلي عند الشراء لا يطابق دائمًا ما يصرح به المستهلكون، وهو ما يعمّق الفجوة بين الأقوال والأفعال. هذا التناقض تكرر كثيرًا في المقابلات التي أجريناها مع مشتري مواد التغليف، مما يعكس حجم التحدي الذي يواجهونه عند التفكير في تمرير تكاليف الاستدامة إلى العملاء.

الأداء

إنه ليس من السهل دائمًا العثور على مواد جديدة تضاهي في أدائها المواد التقليدية، خصوصًا فيما يتعلق بقدرتها على تحمّل الحرارة أو تكوين الأغشية، وكذلك إمكان دمج المواد المعاد تدويرها فيها. ويزداد التحدي أمام تجار التجزئة سواء في المتاجر التقليدية أو عبر التجارة الإلكترونية، حيث تظهر مخاوف إضافية مرتبطة بأداء هذه المواد خلال مراحل النقل والتخزين والعرض على الأرفف. وقد أشار العديد من المشاركين في مقابلاتنا إلى أن بعض الابتكارات في مواد التغليف الجديدة قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الكسر أو سرعة التلف، كما أن بعض المواد لا تتمتع بالقوة أو القدرة ذاتها على الاحتفاظ بالطباعة مثل المواد الأصلية، وهو ما ينعكس سلبًا على مظهر المنتج عند عرضه على الرفوف.

Sustainable packaging 2025: Top barriers for packaging purchasers

وأشار عدد من المشاركين في المقابلات إلى أن عملية تحسين أداء المواد الجديدة قد تكون ممكنة إذا جرى إدخال تعديلات إضافية، مثل الاستثمار في آلات متطورة أو المزج بين أكثر من مادة كالبلاستيك والورق. لكن هذه الخطوات تحتاج إلى موارد مالية كبيرة لا تتوافر دائمًا بسهولة. وإلى جانب ذلك، فإن الجمع بين المواد المختلفة قد يقلل من قابلية العبوات لإعادة التدوير، مما يفرض على الشركات موازنة دقيقة بين جوانب متعددة من الاستدامة. كما أوضح خبراء الصناعة أن استيعاب المعدات وعمليات الإنتاج اللازمة للتعامل مع هذه المواد المستدامة يمثل تحديًا آخر، وكأنه اختبار لقدرة القطاع على الابتكار والتكيف مع مستقبل أكثر صداقة للبيئة.

غياب وضوح المفهوم الحقيقي للاستدامة

كما سبقت الإشارة، فإن الاستدامة ليست مفهومًا واحدًا بل مجموعة من الأبعاد المتداخلة، وهو ما يفتح الباب أمام نقاش مستمر حول ما يستحق أن يكون في صدارة الأولويات. هذه المعضلة تبرز على امتداد سلسلة القيمة بأكملها، حيث يتفق جميع الأطراف على أهمية تعزيز الاستدامة,16 لكنهم يختلفون في الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه. فبينما يرى البعض أن الأهم هو الحد من الفاقد والتسرب، يركز آخرون على تعزيز إعادة الاستخدام والدوران، في حين يعتبر فريق ثالث أن تقليص البصمة الكربونية هو الغاية الكبرى. وفي نهاية المطاف، تبدو الصورة وكأنها لوحة بألوان متعددة: كل لون يعكس جانبًا مهمًا من الاستدامة، لكن الجمع بينها في انسجام واحد يظل التحدي الحقيقي.

ويظهر جانب آخر من هذه الإشكالية عند تقييم تفضيلات المستهلكين. فكثير من الشركات لا تملك فهمًا تفصيليًا لما يريده المستهلك فعلًا,17 وحتى تلك التي تمتلك هذا الفهم تواجه قدرًا كبيرًا من التعقيد والتباين. فقد أظهرت استطلاعاتنا أن هناك اختلافات واسعة بين الدول، بل وحتى بين الفئات العمرية والاجتماعية داخل الدولة الواحدة، فيما يتعلق بتحديد المواد التي تُعتبر أكثر استدامة في التغليف.18 كما كشفت الدراسات الإقليمية عن تباين آخر في ترتيب الأولويات؛ فبينما يرى بعض المستهلكين أن القابلية لإعادة التدوير هي العامل الأهم، يعتبر آخرون أن استخدام المواد المعاد تدويرها أكثر قيمة، والعكس صحيح. ويزداد المشهد تعقيدًا حين ندرك أن تصورات المستهلكين حول استدامة المنتجات لا تعكس دائمًا الواقع الفعلي، مما يجعل فهم هذه التفضيلات والاستجابة لها تحديًا مزدوجًا يتطلب دقة ومرونة.19

إن الاختلاف حول معنى الاستدامة، وحول ما يجب أن تكون له الأولوية داخلها، لا يؤثر فقط على تقييم الوضع الحالي، بل يحدد أيضًا الطريق الذي ستسلكه الشركات مستقبلًا وكيف ستوازن بين أهداف متعددة قد تتعارض أحيانًا. فعلى سبيل المثال، التزمت شركات استهلاكية كبرى بالوصول إلى الحياد الكربوني أو بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بشكل واضح. لكن على أرض الواقع، تركّز جهودها في مجال التغليف بالدرجة الأولى على تحسين قابلية العبوات لإعادة التدوير وزيادة نسبة المواد المعاد تدويرها. وهذا يكشف عن فجوة بين الطموحات الكبيرة المعلنة وبين الممارسات الفعلية، وهي فجوة تعكس حجم التحدي الذي يواجه القطاع في رحلته نحو استدامة شاملة.20

تطور المعايير التنظيمية

خلال العقد الماضي، تعرّض قطاع التغليف لموجة متسارعة من القوانين والتشريعات الجديدة التي أعادت تشكيل ملامحه. ولم تقتصر هذه التشريعات على المستوى الوطني، بل امتدت في بعض الحالات إلى نطاق الولايات أو حتى المدن,21 لتغطي جوانب متعددة تبدأ من وضع أهداف محددة لأشكال العبوات، وصولًا إلى فرض معايير تشجع على إعادة الاستخدام.22

أشارت المقابلات التي أجريناها إلى أن اختلاف القوانين من منطقة إلى أخرى، سواء في التفاصيل أو في نطاق التطبيق، إضافة إلى الغموض حول كيفية ومواعيد التنفيذ، قد يشكل عائقًا أمام استخدام مواد التغليف المستدامة. فمثلًا، القواعد الخاصة بالتغليف القابل للتحلل تختلف بشكل واضح بين أوروبا والولايات المتحدة، كما أن التباين موجود حتى داخل الإقليم الواحد (مثل الاتحاد الأوروبي).23 وبالنسبة لشركات السلع الاستهلاكية المعبأة وتجار التجزئة الذين يعملون في أسواق متعددة أو على مستوى عالمي، فإن فهم هذه الاختلافات بين بلد وآخر أصبح ضرورة ملحّة لضمان الامتثال وتفادي العوائق التنظيمية.24

ندرة الإمدادات وعدم استقرار سلاسل التوريد

لا تتوافر المواد المستدامة دائمًا بالجودة المطلوبة أو بالكميات الكافية، وهو ما يعيق الشركات عن استخدامها على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تظل مستويات جمع المواد المعاد تدويرها عالية الجودة في الولايات المتحدة شبه مستقرة، مما يخلق تحديات كبيرة أمام أصحاب العلامات التجارية وشركات التغليف الساعية إلى زيادة اعتمادها على هذه المواد.25 وتشير أبحاث حديثة إلى أن مشتري مواد التغليف قد لا يتمكنون من تحقيق أهدافهم في مجال الاستدامة بسبب النقص المتوقع في المواد المعاد تدويرها,26 وهو نقص قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع. وعلى سبيل المثال، إذا التزمت شركات التغليف التي أعلنت عن وعود باستخدام نسب محددة من المواد المعاد تدويرها بخططها، فإن الطلب على مادة "rPET" في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 سيكون أعلى بنحو ثلاثة أضعاف من حجم المعروض المتوقع، وهو ما يعكس فجوة كبيرة بين الطموح والإمكانات الفعلية.27

قدّم المشاركون في المقابلات عدة أمثلة واقعية توضّح كيف أثّرت مخاطر نقص الإمدادات على استراتيجيات دخولهم إلى السوق. فعلى سبيل المثال، كانت إحدى الشركات الغذائية الكبرى تطمح إلى استبدال خمس وحدات من منتجاتها بمواد تغليف مستدامة واعدة، لكنها لم تتمكن من تأمين الكميات الكافية سوى لوحدة واحدة فقط. وعلى هذا النطاق المحدود، وجدت الشركة صعوبة في تبرير الاستثمارات الكبيرة اللازمة لتغيير المورّدين أو في الترويج لاعتماد هذه المادة الجديدة، مما عرقل تحقيق هدفها في التوسع باستخدامها.

وفي بعض الحالات، يمثل الاعتماد الكبير على عدد قليل من المورّدين لمادة مستدامة محددة مشكلة حقيقية. فعلى سبيل المثال، لا يوجد سوى عدد محدود من الشركات التي تنتج البلاستيك القابل للتحلل في المنزل. وإضافة إلى ذلك، تفتقر كثير من المواد المستدامة إلى بدائل قريبة يمكن استخدامها كخيار بديل عند الحاجة. وعلى المدى البعيد، قد تؤدي هذه التحديات إلى تقليل قدرة سلاسل التوريد على الصمود أمام الأزمات، وهو خطر لا ترغب الكثير من الشركات في المجازفة فيه.

قصور الوعي بالحلول الحالية والناشئة

قد لا يكون مشترو مواد التغليف، وغيرهم من الأطراف في سلسلة القيمة، على معرفة ودراية كاملة بجميع خيارات التغليف المستدام المتاحة أمامهم. فالمستجدات والابتكارات تظهر باستمرار، وقد أشار المشاركون في مقابلاتنا إلى أن جمع البيانات اللازمة حول هذه الخيارات - بما في ذلك أداؤها، ودرجة استدامتها، وتطور تكلفتها وتوافرها، إضافةً إلى القوانين ذات الصلة - يُعد مهمة مرهقة وتستغرق وقتًا طويلًا، خصوصًا مع سرعة وتيرة التغيير. ونتيجة لذلك، ذكر عدد من هؤلاء أنهم يعتمدون في الغالب على المورّدين الحاليين لتزويدهم بالجديد من الابتكارات، وهو ما يعني أنهم قد لا يملكون صورة شاملة عن التطورات التي تحدث خارج نطاق ما يقدمه هؤلاء المورّدون.

الخطوات القادمة: تسريع عملية اعتماد التغليف المستدام

وعلى الرغم من اختلاف التحديات وتعددها، فإن التوقيت الحالي لا يمنح شركات التغليف رفاهية التراجع عن أهدافها أو خفض سقف طموحاتها. فالتشريعات التنظيمية تزداد صرامة يومًا بعد يوم، ووعي المستهلكين يتنامى باستمرار، كما أن شريحة واسعة منهم، في مختلف الأسواق، باتت على استعداد لدفع المزيد، وأحيانًا مبالغ أكبر بكثير، مقابل الحصول على عبوات مستدامة. هذه العوامل مجتمعة تجعل من الاستثمار في الاستدامة ليس مجرد التزام بيئي أو اجتماعي، بل فرصة استراتيجية للنمو وميزة تنافسية تضع الشركات في موقع الريادة28

يمكن لمشتري مواد التغليف الذين يسعون لتجاوز العوائق الحالية وتحقيق أهدافهم في مجال الاستدامة أن يبدؤوا بطرح الأسئلة التالية على أنفسهم:

  • ما هي مجموعة خيارات التغليف المستدام المتاحة بالكامل؟ ينبغي على مشتري مواد التغليف أن يدركوا المزايا والمخاطر المرتبطة بكل خيار، بما في ذلك التكلفة، والأداء، وتوافر المواد، إضافة إلى التأثيرات المحتملة للتشريعات المستقبلية.
  • ما الذي يقدّره المستهلكون؟ لا بد لأي استراتيجية ناجحة في مجال التغليف المستدام أن تقوم على فهم دقيق لتفضيلات المستهلكين وانطباعاتهم، سواء فيما يتعلق بأنواع مواد التغليف المختلفة أو بجوانب الاستدامة التي يعتبرونها الأهم. كما أن معرفة استعداد المستهلكين لتحمّل تكاليف إضافية تُعد عنصرًا أساسيًا لمشتري مواد التغليف. وقد أظهرت أبحاثنا واستطلاعات الرأي أن هناك بالفعل شريحة من المستهلكين مستعدة لدفع المزيد مقابل عبوات صديقة للبيئة29 وأن المنتجات المستدامة يمكن أن تتفوق على السوق ككل,30 لكن، وحتى يتحقق ذلك، يظل من الضروري إجراء بحوث معمقة لتحديد أي شريحة من المستهلكين يجب استهدافها، وفهم ما الذي يبدون استعدادًا فعليًا للدفع مقابله.
  • ما الأثر الذي قد يتركه أي خيار من خيارات التغليف على المنتج النهائي؟ بعد أن يحدد مشترو مواد التغليف قائمة مختصرة من البدائل المستدامة الممكنة، سيكون عليهم إجراء تحليل تفصيلي لمعرفة ما الذي يعنيه اعتماد كل خيار بالنسبة لعملياتهم ومنتجاتهم. فقد أظهرت استبياناتنا حول تغليف المنتجات أن المستهلكين يقدّرون بالدرجة الأولى الجودة، والسعر، وسهولة الاستخدام، ولهذا ينبغي دراسة أثر تحديث التغليف على هذه الأبعاد تحديدًا. وقد يتطلب الأمر إجراء بحوث إضافية موجهة لفهم آراء المستهلكين بشكل أعمق,31 فهل سيقبل العملاء الحاليون والمستهدفون منتجًا أكثر استدامة وأقل تكلفة لكنه أقصر عمرًا على الرفوف؟ أم أن فترة الصلاحية غير قابلة للتفاوض، والمستهلكون يفضلون دفع مبلغ إضافي مقابل الحفاظ على الأداء الحالي؟ كذلك، يتعين على مشتري التغليف تقييم التغييرات المحتملة التي قد تطال التصميم والتسويق واستراتيجية العلامة التجارية ككل قبل اتخاذ القرار.
  • هل يمكن توسيع نطاق الخيارات المطروحة؟ تختلف الجدوى التقنية والاقتصادية لتطبيق التغليف المستدام على نطاق واسع تبعًا لنوع المادة المستخدمة، وفئة المنتج، والمنطقة الجغرافية. وقد يكون من الضروري أحيانًا ملائمة قرارات التغليف وفقًا لاختلاف الأسواق أو شرائح العملاء، لكن يبقى التأكد من قدرة هذه الخيارات على التوسع بمرور الوقت أمرًا أساسيًا لتقليل التكاليف وتبسيط العمليات. ويشكّل الابتكار هنا عنصرًا محوريًا، إذ يمكن أن يفتح الطريق أمام حلول أقل تكلفة وأكثر كفاءة. غير أن الوصول إلى الحل المثالي فورًا أمر غير واقعي، فالتغليف الذي يجمع بين القابلية الكاملة لإعادة التدوير ومناسبة التكلفة مع المواد التقليدية وسهولة الاستخدام للمستهلك يحتاج إلى خطوات تدريجية مدروسة. لذلك، عند وضع خطط الابتكار، ينبغي لمشتري مواد التغليف أن يركزوا على الجوانب التي تثبت البيانات الموثوقة أن المستهلكين يقدّرونها بالفعل، لضمان نجاح عملي ومستدام.
  • ما هي التنازلات أو المقايضات بين جوانب الاستدامة المختلفة؟ أحيانًا لا تسير الأهداف في الاتجاه نفسه، فقد ينجح مشترو مواد التغليف في تحسين قابلية العبوات لإعادة التدوير، لكن هذا الإنجاز قد لا يساهم في تقليل البصمة الكربونية على المدى القصير، أو قد لا يؤدي إلى خفض نسب إهدار الطعام. وهنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نوازن بين هذه الأهداف المتشابكة دون أن يأتي التقدم في جانب على حساب جانب آخر؟
  • ما هي الخطوات الأولى الأكثر تأثيرًا؟ يبدأ النجاح في الاستدامة غالبًا بخطوات صغيرة لكنها مدروسة بعناية. فالتحرك التدريجي يساعد على بناء زخم مستمر، لكن الأهم هو تحقيق إنجازات مبكرة وملموسة يمكن قياسها على مؤشرات الأداء الرئيسية، سواء المرتبطة بالاستدامة أو غيرها من المؤشرات المهمة. وتشير أبحاثنا السابقة إلى أن تأثير كل إجراء قد يختلف بشكل كبير من جانب لآخر من جوانب الاستدامة.32 مما يجعل اختيار الخطوات الأولى بعناية عاملاً حاسمًا في نجاح أي استراتيجية.

لذلك، فإن الشركات التي تشتري مواد التغليف، إذا تمكنت من الإجابة بوضوح عن هذه الأسئلة، ستصبح أكثر قدرة على بناء استراتيجية فعالة للتغليف المستدام. لكن الوصول إلى هذا الوضوح ليس أمرًا بسيطًا، إذ يتطلب تعاونًا بين جميع الأطراف في سلسلة القيمة، بدءًا من موردي المواد ومصنّعي العبوات، مرورًا بتجار التجزئة، وصولًا إلى الجهات المسؤولة عن إدارة النفايات. هذا التعاون هو ما يضمن وضع حلول عملية تحقق الاستدامة على أرض الواقع.

وعليه، ستكون المبادرات المشتركة على مستوى الصناعة عنصرًا حاسمًا في تجاوز العوائق التي تناولها هذا المقال أو الالتفاف حولها. فعلى سبيل المثال، يمكن لوضع معايير موحدة للاستدامة أن يسهم في توحيد التعريفات وتوضيح المفاهيم أمام المستهلكين، مما يعزز فهمهم لمصداقية المنتجات المستدامة. كما أن الاستمرار في الاستثمار في البحث والتطوير لتحسين أداء المواد المستدامة وخفض تكلفتها سيبقى بدوره عاملًا أساسيًا لدعم انتشارها واعتمادها على نطاق أوسع.


وختامًا، يعيش قطاع التغليف المستدام لحظة فارقة ستحدد مساره لسنوات مقبلة. ورغم أن ما تحقق حتى الآن لا يرقى إلى حجم الطموحات التي أعلنتها كثير من الشركات، فإن مواجهة التحديات الكبرى بقرارات جريئة قد يفتح الباب أمام نقلة نوعية حقيقية. فالشركات التي تستثمر في الابتكار وتبني شراكات واسعة عبر سلسلة القيمة لن تقتصر مكاسبها على تلبية تطلعات المستهلكين في سوق يزداد تمسكًا بالاستدامة، بل ستحظى أيضًا بفرصة ريادة المشهد وصياغة معايير جديدة تعيد تشكيل مستقبل الصناعة بأكملها.

Explore a career with us