حالة الأسواق الاستهلاكية لعام 2025: خارطة جديدة للأسواق وسط تقلبات دائمة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

ففي مطلع العقد الحالي, شكّلت الجائحة نقطة تحوّلٍ مفاجِئة في حياة الأفراد، إذ تبنّى الكثير منهم أنماطًا جديدة كليًا، من أبرزها العمل عن بُعد، والتواصل الرقمي، وغيرها من الأنشطة الفردية التي فرضتها ظروف العَزل.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ورغم عودة الحياة إلى طبيعتها إلى حدٍ كبير، إلا أن آثار تلك المرحلة لا تزال واضحةً على سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم.

بعد مرور أكثر من خمس سنواتٍ على بداية الجائحة، لا يزال المستهلكون حول العالم يعيشون في ظل حالةٍ من الضبابية، وسط مخاوف متزايدة مرتبطة بالتضخم، وارتفاع الأسعار، وتكاليف المعيشة. ومع ذلك، لم تُسجّل معدلات الإنفاق تراجعًا ملحوظًا، حتى مع ضعف العلاقة التقليدية بين الثقة الاقتصادية وحجم الإنفاق. وتشير قرارات المستهلكين اليوم إلى نمطٍ متقلب؛ إذ يقلّصون إنفاقهم في بعض المجالات، مقابل الإنفاق بسخاءٍ على منتجاتٍ أو تجارب تمنحهم شعورًا أعلى بالقيمة أو الراحة. وقد يبدو هذا التفاوت في السلوك محيّرًا بعض الشيء، لكنه يعكس واقعًا جديدًا تجاوزت فيه سلوكيات المستهلكين الأطر التحليلية القديمة.

فالعادات التي نشأت بفعل أزمةٍ مؤقتة، تحوّلت إلى سلوكياتٍ راسخة تُصعّب مهمة التنبؤ بما هو قادم. ومن هذا المنطلق، يصبح فهم دوافع المستهلك المتغيّرة شرطًا أساسيًا لبقاء الشركات في قلب المشهد التنافسي خلال النصف الثاني من هذا العقد.

واستنادًا إلى نتائج وتحليلات استطلاعيّ ماكنزي حول ثقة المستهلك وحالة السوق الاستهلاكية، تم تحديد خمسة تحوّلاتٍ رئيسية في سلوك المستهلك من المتوقع أن تترك أثرًا كبيرًا على هذا القطاع في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى أربع خطواتٍ استراتيجية تتيح للمؤسسات تعزيز قدرتها على النمو.1 (كما يُعد النمو في الأسواق الناشئة، إلى جانب التحولات السكانية العالمية مثل شيخوخة السكان وتراجع معدلات الولادة، من العوامل المؤثرة أيضًا، إلا أن هذا التقرير يركّز على التغيرات السلوكية العميقة التي أصبحت جزءًا ثابتًا من المشهد الاستهلاكي في كبرى الأسواق العالمية).

خمسة تحوّلاتٍ استهلاكية أفرزتها الجائحة ولا تزال ترسم ملامح السوق

مع بداية الجائحة، تغيّرت سلوكيات المستهلكين بشكلٍ كبير وبسرعةٍ لافتة، حتى أن الكثير من هؤلاء المستهلكين مازالوا يحتفظون بهذه العادات حتى اليوم. وللوقوف على أبعاد هذه التغيّرات بشكلٍ دقيق، قامت "ماكنزي" بإجراء استطلاعٍ موسّع حول ثقة المستهلك، شمل أكثر من 25 ألف مستهلك في 18 سوقًا تُمثّل نحو 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.2 إلى جانب استطلاعٍ آخر حول حالة السوق الاستهلاكية. وقد كشفت نتائج الاستطلاعين عن تحوّلاتٍ جوهرية في طريقة إدارة المستهلكين لأوقاتهم، ومصادر ثقتهم، والمعايير التي يعتمدونها لتقييم المنتجات والخدمات.

1. اتجاه الأفراد نحو العزلة والحياة الرقمية

2. القنوات الرقمية تزداد انتشارًا بين المستخدمين ولكنها تخسر ثقتهم

3. جيل "زد" يفرض نفسه كلاعبٍ رئيسي في مشهد الإنفاق العالمي

4. اتجاه المستهلكون نحو المنتجات المحلية على حساب العالمية

5. المستهلكون يعيدون صياغة مفهوم القيمة وفق أولويات جديدة

أربعة مسارات استراتيجية تعزّز فرص النمو للشركات الاستهلاكية

في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير المستقرة، وتراجع ثقة المستهلكين بشكلٍ كبير، بدأت تتغير الطريقة التي يتّخذ بها الأفراد قراراتهم الشرائية. وبينما يواجه قطاع الاستهلاك العديد من التحديات، لا تزال هناك فرصٌ حقيقية للنمو. ومن هذا المنطلق، رصدنا أربعة مساراتٍ استراتيجية يمكن أن تساعد الشركات في الحفاظ على قدرتها التنافسية وتحقيق نتائج ملموسة خلال العام القادم، وهي:

  • فهم المستهلكين بشكلٍ أعمق وأدق: لم يعد من السهل توقّع سلوك المستهلك كما في السابق، إذ لم تعد مشاعره وانطباعاته مرتبطةً بشكلٍ مباشر بقراراته الشرائية. ولهذا، أصبحت الشركات بحاجةٍ إلى فهمٍ شاملٍ ودقيقٍ لعملائها، يُمكّنها من اتخاذ قراراتٍ استباقية ومدروسة. وذلك عبر جمع المعلومات الدقيقة من مختلف القنوات مثل المواقع الإلكترونية أو المتاجر الخاصة بتلك الشركات، والاستفادة من الأدوات الذكية، وأبرزها تقنيات الاستماع الاجتماعي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تتيح تتبّع ما يُقال عن العلامة التجارية عبر المنصات الرقمية. أما الشركات التي لا تمتلك بياناتٍ مباشرة عن عملائها، فعليها تطوير قدراتها في جمع وتحليل المعلومات، حتى وإن كانت من قطاعاتٍ أخرى خارج نطاقها التقليدي.

    غير أن امتلاك البيانات لا يُعد كافيًا بحد ذاته؛ فلكي تتمكن الشركات الاستهلاكية من استثمار هذه البيانات بفعالية، لابد من استخدام أدوات تحليلٍ ذكية تُمكّنها من تحويل البيانات إلى رؤى تنبؤية وتحليلية قابلة للتنفيذ، مثل توقع احتمالية تراجع ولاء العملاء، أو تحديد المنتجات التي يفضلها كل عميل، إلى جانب تقديم توصياتٍ شخصية مخصّصة لكل مستخدم. إن هذا النهج يُمكّن الشركات من تخصيص التجربة التسويقية لكل مستهلكٍ على حدة، ويُعزز من كفاءة الحملات التسويقية من خلال الوصول إلى الجمهور المناسب في الوقت المناسب.

  • بناء نظام ذكي لإدارة نمو الإيرادات: في ظل تزايد وعي المستهلكين بالأسعار وتزايد قدرتهم على المقارنة الفورية بين أسعار المنتجات عبر المنصات الرقمية، لم يعد الأداء التسويقي التقليدي كافيًا لتعزيز المبيعات. فأمام هذا التحول في السلوك الاستهلاكي، يتحتم على الشركات تبنّي نهجًا أكثر ذكاءً لإدارة نمو الإيرادات، ليساعدها على اتخاذ قراراتٍ دقيقة حول التسعير، وتحديث تشكيلات المنتجات حسب الحاجة، بالإضافة إلى تحسين العروض الترويجية، حتى تتمكّن الشركات من تقديم المنتجات المناسبة بالسعر المناسب وفي التوقيت المناسب. ويعتمد هذا النهج على استخدام أدوات تحليلٍ متقدمة – مثل الذكاء الاصطناعي التنبؤي، ومصادر بيانات سلوك المستهلك، والرؤى المدعومة من المستهلك – تُمكّن الشركات من توقّع احتياجات المستهلك وتقديم عروضٍ مخصصةٍ بدقة، بما يضمن الوصول إلى الجمهور المناسب وتحقيق أقصى استفادةٍ من الميزانيات التسويقية. كما يُمكن للعلامات التجارية أن تعزز شراكاتها مع متاجر التجزئة من خلال ربط استراتيجيات التسعير بالإعلانات الرقمية داخل المتاجر، وتبادل البيانات لدعم النماذج التحليلية بما يسمح بتحسين الأداء وتطوير عروضٍ أكثر تخصيصًا وقيمة.
  • إدارة الحافظة بذكاءٍ لتحقيق النمو المستدام: في عالمٍ سريع التغيّر تقوده علاماتٍ تجارية مبتكرة واتجاهاتٍ استهلاكية متسارعة، تواجه الشركات تحديًا جوهريًا في الحفاظ على وتيرة نموها وسط بيئةٍ غير مستقرة. وهو ما يتطلب إعادة تقييم الحافظة الاستثمارية بشكلٍ دائم، سواء من خلال الاستحواذ على كياناتٍ جديدة، أو التخارج من الكيانات التي لم تعد تواكب تطورات السوق. وتشير الدراسات إلى أن الشركات التي تنجح في تحقيق 20 إلى 30 في المائة من إيراداتها من مصادر جديدة خلال كل عقدٍ زمني، تكون أكثر قدرةً على النمو والمنافسة. وقد أظهرت التجربة أن اتباع هذا النّهج المرن والجريء يساهم في تحقيق عائدٍ إجماليٍ أعلى للمساهمين بنسبة 2.5 نقطة مئوية مقارنةً بالشركات التي تعتمد فقط على النمو التقليدي. ولتحقيق ذلك الهدف، يجب على الشركات تحديث وتغيير أساليبها وإجراءاتها التشغيلية لتناسب التحديات والفرص الجديدة. وفي ضوء هذه التحوّلات، تزداد أهمية التجارة الإلكترونية بوصفها إحدى المجالات التنافسية الأكثر نموًا، خاصةً مع اقتحامها السريع للأسواق الناشئة، وظهور نماذج جديدة للتجارة مثل البيع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
  • تحديث البنية التقنية للشركات: حتى لو التزمت الشركات الاستهلاكية بجميع التوجهات الاستراتيجية السابقة، فإنها لن تحقّق التميز الحقيقي ما لم تُحدث تغييراتٍ جوهرية في قدراتها التقنية، بما في ذلك إعادة الهيكلة الداخلية لاستيعاب الاستثمارات التكنولوجية الخاصة بالتحوّل الرقمي والاستفادة من حلول الذكاء الاصطناعي الحديثة. وتُظهر التقديرات أن الاستخدام الفعّال لأكثر من 140 حالة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي العاملة والتوليدية، والتي تُحدث تحولًا حقيقيًا في طريقة فهم المستهلك وإدارة القنوات وتحسين تجربة العملاء، يُعد أحد أبرز مفاتيح النجاح. أما الشركات التي تنظر إلى التكنولوجيا كاستثمارٍ طويل الأمد، فقد تتمكن من تحقيق قفزةٍ نوعيةٍ في أرباحها التشغيلية تصل إلى 15 نقطة مئوية.

في ظلّ ضبابية المشهد وتقلّبات السلوك الاستهلاكي، يظلّ التكيّف السريع والقدرة على استباق احتياجات المستهلك، هي السبيل للحفاظ على التنافسية. فالعلامات التجارية التي تمتلك القدرة على استباق تحوّلات السوق والتجاوب بمرونةٍ مع المتغيرات، ستتمكّن من تعزيز مكانتها وتحقيق النمو، حتى في أحلك الظروف.

Explore a career with us