الاستفادة من الزخم لتعزيز المرونة وتحقيق النمو المستقبلي الشامل والمستدام

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

يدرك القادة أهمية المرونة كشرط أساسي لضمان مستقبل مستدام وأكثر شمولية في عالم اليوم الحافل بالاضطرابات المستمرة والمتداخلة. وشهد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي انعقد بمدينة دافوس في شهر مايو 2022، إجماعًا كبيرًا على هذا الموضوع من جانب قادة الحكومات والشركات والمنظمات غير الربحية. وفي ظل الأحداث المناخية الشديدة، واستمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، والحرب المأساوية في أوروبا، قمنا بإطلاق ائتلاف المرونة، والذي يهدف إلى تنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص لبناء المرونة وتعزيزها. وانضمت مجموعة من المؤسسات الرائدة إلى اللجنة التوجيهية للائتلاف المدعومة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي وشركة ماكنزي آند كومباني.

وحددنا في مقالتنا السابقة، بعنوان "المرونة ودورها في تحقيق النمو الشامل والمستدام"، مجالات المرونة الاستراتيجية التي تشمل المناخ والغذاء وسلاسل التوريد والتكنولوجيا والجوانب التنظيمية والتعليم والرعاية الصحية. وتخضع جميع هذه المجالات للتغيرات والاضطرابات المستمرة، لذا يتوجب علينا إدارتها بطريقة جديدة كليًا بهدف تحقيق النمو والازدهار المستدام.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ويؤكد ائتلاف المرونة على أن بناء المرونة يجب أن يتم من خلال التعاون وتنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص. كما يجب توسيع نطاق التنسيق ليشمل جميع مجالات المرونة، والتي أصبحت شديدة الترابط فيما بينها، ولكن ترابطها لا يظهر بشكل واضح إلا عند وقوع الأزمات. بالتالي يجب علينا استكشاف أوجه الترابط ونقاط الضعف التي قد تكون غير ظاهرة للعيان، بهدف ضمان أن الجهود المبذولة في أحد مجالات المرونة تتماشى مع الأهداف المحددة في المجالات الأخرى، وتسهم في تسريع الخطى نحو تحقيقها.

وتتمثل الخطوة الأخيرة في التحلي ببعد النظر. إذ يتعين على قادة المؤسسات عدم المبالغة في الانشغال بالقضايا الملحّة، وإنما العمل على حماية الموارد اللازمة لتحقيق أهداف النمو المستدام وطويل الأمد. ويتعاون أعضاء الائتلاف على تنفيذ الكثير من مبادرات المنتدى الاقتصادي العالمي. واستنادًا إلى الرؤى المستمدة من هذا التعاون، نقدم اليوم أول أجندة شاملة للمرونة، والتي تحدد الإجراءات اللازمة، وتتيح تعاونًا أعمق في مختلف مجالات المرونة الاستراتيجية. نتناول أيضًا السبل التي تتيح للمؤسسات إمكانية بناء "آليات" المرونة، وهي عوامل التمكين اللازمة لتحمل الأزمات والتركيز على تحقيق النمو. وتشير التقديرات في مقالتنا السابقة إلى أن تكلفة الإخفاق في بناء المرونة تتراوح بين 1-5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي. وتبيّن أبحاثنا الواردة في هذه المقالة أن الإجراءات المطبّقة أو غير المطبّقة في مجالات المرونة هذه ستؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العقود القادمة، إما من خلال زيادة أو خفض معدلاته بقيمة تعادل تريليونات الدولارات الأمريكية. ولكن عند قياس هذه الإجراءات من ناحية تأثيرها على جودة الحياة البشرية، أو الحفاظ عليها، فإن قيمتها تصبح أعلى بكثير.

ونتوجه بالشكر إلى جميع أعضاء الائتلاف وقادة مبادرات المنتدى على جهودهم ومساهماتهم في هذا التقرير الثاني، والذي نأمل أن يقدم إرشادات مفيدة ورؤى معمقة إلى قادة القطاعين العام والخاص، وأن يساعدنا على التفكير بشكل جماعي حول التوجهات المستقبلية الكفيلة بتنظيم أنماط الحياة على كوكبنا.

هذه المقالة هي نسخة منقّحة عن دراسة بحثية بعنوان: "الاستفادة من الزخم في تعزيز المرونة لضمان تحقيق نمو مستقبلي شامل ومستدام"، والتي أصدرها المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع ماكنزي آند كومباني بتاريخ 16 يناير 2023، خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في مدينة دافوس، سويسرا. وتتوفر الدراسة البحثية باللغة الإنجليزية بصيغة PDF هنا.

مقدمة: المرونة هي التحدي الرئيسي في عالم من الاضطرابات المستمرة وزيادة حالات انعدام اليقين

واجه قادة مؤسسات القطاعين العام والخاص خلال العام الماضي الكثير من الاضطرابات والأزمات التي يمكن أن تستمر تأثيراتها مدى الحياة. فقد ساهمت النزاعات العالمية، وحالة انعدام اليقين في مجال الطاقة، ونقص الغذاء، والتضخم المتسارع، والأحداث المناخية الشديدة في زعزعة استقرار العالم الذي لم يكن قد تعافى بعد من تداعيات جائحة كوفيد-19. وانطلاقًا من ذلك، يدرك القادة اليوم بأنه يتعين على المجتمعات والمؤسسات العمل في بيئة تتسم بالاضطرابات المستمرة الناجمة عن الظواهر الطبيعية والأنشطة البشرية.

ولا يمكن معالجة هذه الاضطرابات بمعزل عن بعضها، أو واحدة بعد أخرى، لأنها تنشأ وتترك تأثيراتها الواسعة على امتداد منظوماتنا الهشة وشبكاتنا المجهدة؛ كما لا تتوافر الموارد الكافية في العالم للقيام بذلك. ويتفق الكثير من قادة الحكومات والمؤسسات والشركات اليوم على أن المرونة تمثل التحدي الأبرز، حيث يتعين علينا تعزيز المرونة لضمان القدرة على البقاء ودعم النمو الشامل والمستدام على المدى الطويل. وبناءً عليه، يعني مفهوم المرونة القدرة على التعامل مع الصعوبات وتحمل الصدمات القوية، والتكيّف المستمر مع الاضطرابات والأزمات التي تنشأ بمرور الوقت. وقد حان الوقت للعمل استنادًا إلى هذا المفهوم، لأن تكلفة عدم الاستجابة مرتفعة جدًا.

أجندة المرونة هي أول برنامج جدّي لتنسيق الحلول طويلة الأمد بما يشمل جميع المجالات في عالمنا المضطرب.

تتطلب "أجندة المرونة" مشاركة واسعة، وتمثل جهدًا متعدد المستويات تم تطويره من قبل ائتلاف المرونة، المكون من وزراء حكومات ورؤساء تنفيذيين ومدراء مؤسسات عالمية يتعاونون مع مبادرات المنتدى الاقتصادي العالمي. وتم تصميم أجندة المرونة لتسريع العمل الجماعي في المجالات الرئيسية للمرونة، وهي أول برنامج جدّي لتنسيق الحلول طويلة الأمد بما يشمل جميع المجالات في عالمنا المضطرب.

وينبغي التركيز على ثلاثة مفاهيم رئيسية للمساعدة على توجيه التفكير القيادي وتحقيق تقدّم حقيقي لبلوغ هذه الأهداف:

  1. أجندة المرونة هي جهود معقدة ومستمرة تمتد لأعوام وعقودٍ طويلة. وبالنظر إلى مستوى الاضطرابات والترابط الوثيق بين القضايا، تتطلب الظروف الراهنة توفير أجندة المرونة الشاملة التي تقدمها هذه الدراسة البحثية للمرة الأولى. وكشفت الحرب في أوكرانيا عن وجود ترابط بين نقاط الضعف في سلسلة التوريد، وأمن الطاقة، وتحقيق تحول معقول التكلفة في مجال الطاقة. ويجب أن تصبح التكنولوجيا إحدى محفزات النمو في قطاع الأعمال، بالإضافة إلى توفير حلول جديدة للارتقاء بسوية قطاع الرعاية الصحية وتسهيل التحول في مجال الطاقة. ويُضاف إلى هذه الأمثلة عدد كبير من الروابط بين القطاعات المختلفة.
  2. ضرورة اعتماد منهجية طويلة الأمد. تتمثل ردة الفعل الطبيعية للكثير من الحكومات والشركات تجاه الأزمات الحالية بالتركيز على محاولة العثور على حلول سريعة للمشاكل العاجلة، ولكن يتعين عليها بالمقابل منح أهمية مماثلة أو أكبر للتركيز على القضايا طويلة الأمد. وتتجاوز أهمية هذا التوجه مواجهة المخاطر المناخية، لتشمل القضايا المتعلقة بسلسلة التوريد العالمية، والبيئة الجيوسياسية، والتكنولوجيا، والسكان والتعليم، والرعاية الصحية. وبالإضافة إلى مخاطر التغير المناخي، تتضمن المخاطر طويلة الأمد التوجهات المتعلقة بالتركيبة السكانية، والتكنولوجيا القائمة على البيانات، وزيادة استهلاك الطاقة، وقضايا الصحة السلوكية.
  3. تحقيق التقدم مرهون بالتعاون الدولي بين القطاعين العام والخاص. لا يمكن للحكومات والشركات بمفردها حل المشاكل العالمية أو فتح مسارات مستقلة لتحقيق النمو المستدام. ويحتاج القطاعان العام والخاص اليوم أكثر من أي وقت مضى للتعاون فيما بينهما لتحديد معايير طويلة الأجل لتحقيق النمو الاقتصادي. ولا يمكن تحقيق النجاح في عالمنا المضطرب إلا من خلال التعاون الدولي، والمشاركة في التنمية الاقتصادية، وضمان تحقيق النمو المستدام والشامل.

وتعالج أجندة المرونة ستة مواضيع أساسية تمثّل مجالات عمل شديدة الترابط فيما بينها (الشكل 1).

1

تحدد هذه الدراسة البحثية العناصر الرئيسية لأجندة المرونة، والإجراءات التي يتعين على القطاعين العام والخاص اتباعها لتعزيز المرونة على المستوى العالمي. وتشكل هذه العناصر نقطة انطلاق بديلة عن قائمة الموضوعات المنفصلة، وقد تم تطويرها باستخدام إطاري عمل متكاملين للمرونة، أحدهما يشمل الإجراءات الخاصة بالقطاع الخاص، والآخر يحدد الإجراءات الخاصة بالقطاع العام. وينبغي للقادة استخدام أطر العمل هذه لمواصلة تطوير استراتيجياتهم ومؤسساتهم (موضحة في الشكلين 5 و6).

وتنطوي أجندة المرونة الخاصة بالنمو طويل الأمد على قيمة هائلة. إذ يبين أحد الأبحاث الرائدة بأن مواضيع المرونة تترك تأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الناتج المحلي الإجمالي تتراوح نسبتها بين -8% و+15% (الشكل 2).

2

ويتطلب تجنّب الأضرار المحتملة واغتنام الفرص المتاحة وجود قادة يتمتعون بالمرونة، إذ يمكن للقادة الذين يدركون أهميتها فقط توجيه أجندة المرونة، والالتزام بقيادتها لضمان توفير حلول طويلة الأمد، مع القدرة على إدارة القضايا على المدى القصير. كما يعمل هؤلاء القادة على دعم الحوارات الجديدة بين القطاعين العام والخاص بما يفضي إلى بلورة منظومة دولية جديدة. ويمكن لهؤلاء القادة إنجاز هذه المهام لأنهم يدركون أن تكاليف التقاعس عن بذل الجهد أكبر بكثير بالمقارنة مع العمل على تطبيق الإجراءات المحددة في أجندة المرونة.

ونوضح أدناه مواضيع المرونة والإجراءات المتعلقة بكل منها بشكل واسع. ويجب استكشاف أوجه الترابط بين المواضيع المختلفة ونقاط الضعف داخلها، حتى يكون من الممكن تنسيق المبادرات في كل مجال مع أهداف المجالات الأخرى وتسريع التقدم نحو تحقيقها.

المرونة الجيوسياسية

تواجه المؤسسات مخاطر متنامية نتيجة للمشهد الجيوسياسي المتغير والمقسّم. ومع تنامي الضغوط على المؤسسات العالمية نتيجة لتأثيرات التقلبات السياسية، صعدت المخاطر الجيوسياسية لتصبح على رأس أجندة الرؤساء التنفيذيين وصناع القرار. ويمكن لقادة القطاعين العام والخاص التركيز على أربعة أبعاد رئيسية لمعالجة الاضطرابات الجيوسياسية بشكل أفضل.

التعامل بمرونة مع مختلف الجوانب الجيوسياسية

ينبغي تكييف الاستراتيجيات وتطوير المرونة لإعادة تشكيل نماذج الأعمال في مختلف الجوانب الجيوسياسية. وعلى سبيل المثال، يساعد التحول نحو التوطين في المناطق على الوقاية من التوجهات التنافسية، وتسهيل عمليات اتخاذ القرارات المستقبلية المتعلقة بالمحافظ الاستثمارية. ويمكن إنجاز هذا التوطين من خلال إنشاء شبكة من الشراكات مع الشركات المحلية، أو تعزيز مستويات التوطين في مجالات تصميم المنتجات وتطويرها وإنتاجها. ويمكن توسيع نطاق التوطين أيضًا ليشمل التمويل والمواهب.

التركيز على القيم المنسجمة والأخلاقيات العالمية

يتعين على المؤسسات التي تزاول أنشطتها في المناطق ذات الطابع الحساس معرفة التوجهات المنسجمة مع قيمها وتلك التي تتعارض معها. وتساعد الاتفاقيات الخاصة بمناطق محددة، والتي تدمج إدارة المخاطر مع استراتيجيات المؤسسات، على توضيح أهداف المؤسسة في إحدى المناطق، ومعرفة الأساس المنطقي والمعايير الخاصة باستمرار العمليات التشغيلية فيها. وتتطلب هذه القرارات عادةً مشاركة مجلس الإدارة، بالإضافة إلى المدخلات التي توفرها الجهات المعنية الداخلية والخارجية.

بناء فهم معمق حول التبعيات الاقتصادية والجيوسياسية

يرتكز تحقيق النمو المرن على مواءمة المصالح والمعايير بين القطاعين العام والخاص في مواجهة الخلل الناجم عن التنافس السياسي والاقتصادي، واستمرار حالة انعدام اليقين.

يرتكز تحقيق النمو المرن على مواءمة المصالح والمعايير بين القطاعين العام والخاص في مواجهة الخلل الناجم عن التنافس السياسي والاقتصادي، واستمرار حالة انعدام اليقين. ويجب أن تتولى الحكومات قيادة رؤية طويلة الأمد لتحقيق التوافق السياسي والجيوسياسي، إلى جانب تحديد معايير واضحة للتجارة العالمية يمكن للشركات والقطاعات العمل من خلالها. وسعيًا لدعم القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية على المستوى الوطني، يمكن لصنّاع السياسات تقديم حوافز لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات البحث والتطوير والتصنيع والتوزيع. ويمكن للسياسات والمعايير المتعلقة بمجالات الأعمال الحساسة - مثل التجارة، وحقوق الملكية الفكرية، وأنشطة البحث والتطوير، والبيانات، وحوكمة الشركات والمسؤوليات البيئية والاجتماعية - إحداث تغيير في ديناميكيات القطاعات، والتأثير على التنافسية على مستوى الدولة.

الاستعانة بأسلوب تخطيط السيناريوهات في المجالات الجيوسياسية

يمكن للمؤسسات اتخاذ المزيد من الإجراءات لصياغة سيناريوهات تحليلية مفصلة تساعد على تطوير الإجراءات المستقبلية الفاعلة، وتقوم على تحديد "النتائج المحتملة" و"الإجراءات التالية"، ولاسيما فيما يتعلق بالمخاطر المتوقعة ذات التأثيرات الكبيرة. كما ينبغي إعداد أجندة بالإجراءات المتعلقة بكل تهديد، استنادًا إلى فهم معمق للتطورات الحقيقية على المستوى الجيوسياسي. ويكتسب التعاون بين القطاعين العام والخاص أهمية كبيرة عند تخطيط هذه السيناريوهات نتيجة للترابط الوثيق بين مصالح كلا القطاعين.

مرونة المناخ والطاقة والغذاء

شهد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب26)، الذي انعقد في مدينة جلاسكو عام 2021، الإعلان عن الطموحات المتعلقة بتحقيق الحياد الكربوني، والذي أفضى إلى اعتماد اعتبارات مناخية جديدة من قبل الشركات وصناع السياسيات. ولكن أدى ارتفاع مستويات التضخم واندلاع الحرب في أوروبا خلال العام التالي إلى بروز تساؤلات حول سبل تحقيق التحول في مجال الطاقة، والتوجه نحو استخدام مصادر الطاقة الآمنة والنظيفة ومعقولة التكلفة.

ويمكن أن تبقى تكاليف الطاقة مرتفعةً لعدة أعوام، ما قد يؤثر على التنافسية في القطاعات ذات الاستهلاك المكثف للطاقة، ويفرض ضغوطًا كبيرة على الفئات الأكثر ضعفًا. وبقيت النسبة المئوية للاستثمار في قطاع الطاقة من الناتج الاقتصادي العالمي ثابتة إلى حد ما منذ عام 2015، حيث تراوحت بين 2.2% و2.6% (الحد الأعلى في عام 2019)1. ولكن يؤدي ثبات حجم الاستثمارات، إلى جانب ضعف تنوع سلاسل التوريد وندرة القوة العاملة والمواد الخام الضرورية لإنجاز التحول في قطاع الطاقة، إلى تعزيز المخاطر المتعلقة بقطاع الطاقة.

وينطوي هذا المجال متعدد الأبعاد على الكثير من المهام التي يمكن أن تسبب تداعيات كبيرة على جودة الحياة البشرية، وسلامة البيئة الطبيعية، وحيوية الاقتصاد العالمي.

زيادة استقلالية الطاقة واستدامتها

تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية إلى أكثر من 250% بحلول العام 2050 على أساس الحياد الكربوني.2 وحتى تتمكن المؤسسات من مواكبة الطلب، يتعين عليها تنويع مصادر الطاقة وتسريع التوجه نحو استخدام المصادر المتجددة والنظيفة للطاقة. كما يتعين عليها الاستثمار في دعم الشبكات الكهربائية، ويتطلب ذلك من القطاعين العام والخاص القيام بتحسين كفاءة الشبكات وموثوقيتها، ونشر التقنيات الرقمية لتعزيز مرونة الشبكة. يشتمل تعريف التحول في مجال الطاقة تحقيق التحول في المواد والمعادن المستخدمة. ويشمل ذلك الاعتماد على معادن نادرة يتم إنتاجها في عدد قليل من الدول. ويتجاوز الطلب على بعض المعادن النادرة من مستويات العرض المتاحة، ما يتطلب إجراء استثمارات في أنشطة البحث والتطوير للعثور على معادن بديلة، وتسريع عمليات إعادة تدوير المواد، وإعادة النظر في سلاسل التوريد.

إعادة توجيه الأنظمة القائمة والاستثمار في تقنيات جديدة

يتم استخدام البنية التحتية الجديدة جنبًا إلى جنب الأنظمة القديمة أثناء عملية التحول. وتلعب التقنيات التي تسهم في تقليص الانبعاثات الكربونية من الأنظمة القديمة دورًا محوريًا في تحقيق الحياد الكربوني. ويمكن أيضًا تحديث المرافق القائمة المستخدمة في التقاط الكربون وتخزينه واستخدامه، مع ضرورة تسريع وتيرة اعتماد تقنيات الالتقاط المباشر للكربون، إضافة إلى تعديل مرافق الغاز الطبيعي لتقليص استهلاك الوقود أو استخدام وقود أكثر نظافةً. وحان الوقت اليوم للاستثمار على نطاق واسع في التقنيات الجديدة الواعدة، والتي يمكنها إحداث تحول إيجابي في منظومة الطاقة. وعلى سبيل المثال، يمكن للهيدروجين الأزرق أن يسهم في تقليص الانبعاثات الكربونية بنسبة 20% بحلول العام 2050.

تطوير موارد جديدة من رأس المال للاستثمار في فرص تحقيق الحياد الكربوني

يجب على مؤسسات القطاعين العام والخاص الاستثمار في محفظة متنوعة من الفرص الواعدة.

ويتعين على مؤسسات القطاعين العام والخاص الاستثمار في محفظة متنوعة من الفرص الواعدة، واتباع منهجية للتحول نحو الطاقة الخضراء تشابه المنهجيات التي تتبعها الشركات الخاصة. ويشير تقرير صدر مؤخرًا عن شركة سويس ري إلى أن فجوة الاستثمار آخذة بالتضيّق ولكن بطريقة بطيئة. وإذا حافظت الاستثمارات على وتيرتها الحالية، فلن يكون تحقيق الحياد الكربوني ممكنًا قبل العام 2069، أي بعد حوالي 20 عامًا من الموعد المحدد له.3 ويتطلب توظيف رأس المال في مجال الحياد الكربوني إجراء استثمارات في أنواع جديدة من المعادن والمواد، والمعدات والعمليات، والتقنيات، وبناء سلاسل توريد أكثر تكيفًا، واغتنام فرص الأعمال الصديقة للبيئة. ويجب على القادة المسارعة للاستثمار الآن، حيث تشير أبحاث ماكنزي إلى أن فرص تحقيق الحياد الكربوني قد تكلّف تريليونات الدولارات بحلول العام 2030 (الشكل 3).

3

إزالة الكربون بالاعتماد على الطبيعة

يتطلب تحقيق أهداف الحياد المناخي إزالة كميات ضخمة من الانبعاثات الكربونية، وتوفر البيئة الطبيعية اليوم الطريقة الوحيدة الفعالة من حيث التكلفة لإزالة غاز ثنائي أكسيد الكربون على نطاق واسع. ويضمن دعم هذه العملية مزايا إضافية عديدة، بما في ذلك الحد من فرص حدوث الفيضانات وتحقيق المرونة الغذائية.4 ويمكن أن تساهم حلول المناخ الطبيعية بما يصل إلى ثلث كمية الانبعاثات الواجب خفضها لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.5 ويمكن للحكومات استخدام الأطر التنظيمية لمنع الإضرار بالبيئة، بينما تقيّم الشركات المخاطر البيئية كجزء من معايير الاستثمار لديها. ومن الضروري هنا تقييم الأصول الطبيعية، بما يشمل تسعير الكربون أو المياه بشكل عادل، بما ينعكس على استخدامهما ويتيح لأسواق الكربون الطوعية لعب دور محوري. ويتعين توسيع نطاق هذه الجهود سريعًا وبأساليب تضمن الالتزام بمعايير رفيعة المستوى لأرصدة الكربون. ويتوجب على الشركات دمج الحلول الطبيعية في إطار استراتيجيات أرباحها، ويمكن للحكومات أيضًا الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية طويلة الأمد لهذه المشاريع. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مبادرة السور الأخضر العظيم التي أطلقها الاتحاد الأفريقي للحد من تراجع مساحات الأراضي ومكافحة التصحر والجفاف. ويسعى المشروع إلى إزالة كميات كبيرة من الكربون وزيادة مساحة الأراضي الخصبة وتعزيز الأمن الغذائي في المجتمعات الفقيرة.

تحقيق أمن الطاقة والغذاء والمياه بتكلفة منخفضة

يبرز ارتباط وثيق بين تحديات الغذاء والمياه والطاقة والتغير المناخي، لذا يقود الفشل في تعزيز مستويات المرونة إلى ارتفاع مخاطر المشاكل المناخية، وما يرافقها من مخاطر مادية. وشهد العالم في عامي 2021 و2022 قلةً في توافر الغذاء أدت إلى رفع أسعار المواد الغذائية، نتيجة الفيضانات في باكستان والعواصف الاستوائية في شرق آسيا والجفاف في الولايات المتحدة وأفريقيا وأوروبا والصين. وتنطوي مرونة النظم الغذائية والأمن الغذائي على أهمية كبيرة لضمان حياة صحية للسكان، ما يفرض على مختلف الجهات المعنية التعاون معًا للتحول نحو الممارسات الزراعية الخضراء وتوفير مزيد من الأغذية الصحية. كما تبرز الحاجة إلى توافر الطاقة وإزالة الكربون بهدف ضبط التغير المناخي وتمكين جميع الدول من إنتاج الغذاء بطرق مستدامة. ويجب على القطاعين العام والخاص التفكير مليًا في هذه المسائل المترابطة، والتأكد من تنسيق الجهود لتحقيق الأمن الغذائي والمائي وتوافر الطاقة.

مرونة الأنشطة التجارية وسلاسل التوريد

يجب على الشركات وقادتها فهم تبعيات سلاسل التوريد والحد من المخاطر الجيوسياسية والتكنولوجية ومخاطر الاعتماد على مصدر واحد في عملياتهم. كما يجب أن تحافظ جهود تعزيز المرونة على علاقات التوريد طويلة الأمد والعلاقات العالمية التي تتيح تحقيق الازدهار، مع ضرورة أن تقوم الشركات والحكومات بتسليط الضوء على المخاطر القادمة من خلال تعزيز استخدامها لقدرات الاستشراف وتخطيط السيناريوهات المحتملة. وخلافًا لوضع التوقعات، تسعى هذه المنهجية لتقييم مجموعة من النتائج المحتملة في ضوء العوامل والتوجهات الفاعلة، ثم تربط النتائج مع عوامل التحفيز وبروتوكولات العمل.

ويمثل التغير في الطلب أحد الأسباب الأكثر انتشارًا لاضطرابات التوريد. ويمكن أن تحفز العوامل الجيوسياسية تراجع العولمة في قطاع التجارة، لتبدأ علاقات الموردين باتخاذ طابع سياسي تدريجيًا. وتتعارض هذه الضغوط مع الوقائع الراسخة لعالمنا المترابط، وهو ما يقود إلى تحديات تنظيمية وزيادة في التكلفة. ويصعب على دول العالم تحقيق الاكتفاء الذاتي، فجميعها تستورد ما لا يقل عن 25% من واحد أو أكثر من الموارد أو السلع المصنعة الهامة. 6

ويتعين على الشركات وقادتها الاستفادة من الخبرات المكتسبة نتيجة التعامل مع اضطرابات سلاسل التوريد. ويمكنهم إنشاء سلاسل توريد مرنة من خلال التركيز على ثلاثة مجالات:

نطاق التوريد

يجب مقارنة إعادة تحديد نطاق التوريد من حيث القيمة مع الحفاظ على مصادر التوريد الحالية، ودراسة إمكانيات التكامل الرأسي عند الضرورة. ويجب مقارنة الفوائد المحتملة لإضافة مواقع توريد جديدة مع التحديات الناجمة عن إنهاء علاقات التوريد طويلة الأمد. ولن يكون من السهل تحقيق ذلك في ظل النمو العضوي لسلاسل التوريد في القرن الحادي والعشرين وعناصرها المترابطة العديدة. ويمكن أن يسبب إنهاء العلاقات مع الموردين القائمين حدوث بعض الخسائر بسبب حقوق الملكية الفكرية ومنافع الاستثمارات طويلة الأمد. وتستطيع الشركات اتخاذ بعض الخطوات السريعة وذات النتائج المضمونة أثناء دراسة خطط إعادة تحديد نطاق التوريد.

  • دراسة إمكانيات التكامل الرأسي الموجّه لإنشاء ميزة تنافسية. اعتادت الشركات على اعتماد منهجيات تحافظ على إنتاج المنتجات المستقرة وذات الحجم الكبير في الشركة نفسها، والاستعانة بالمصنعين لدعم المنتجات المخصصة والمشاريع الخاصة. الأمر الذي لم يعد الخيار الأمثل في وقتنا الحالي ولم يعد هذا النهج الخيار الأمثل في الوقت الحالي، بل أصبح من المهم أكثر الاستثمار في الأصناف سريعة التداول وذات الموثوقية المحدودة والتي تُعد أساسية لتحقيق النمو.
  • الحاجة لتعزيز المخزونات الاحتياطية في سلاسل التوريد. يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة التحوط من اضطرابات العرض، مثل نقص الواردات، باستخدام استراتيجيات متعددة المصادر وتخزين المواد الأولية وغيرها. وهنا تبرز الحاجة إلى منهجية استراتيجية لتحديد الواردات الضرورية والمواد الخام النادرة التي يجب توفيرها من مصادر متعددة ثم تخزينها.

القدرات الاستشرافية وتخطيط السيناريوهات المحتملة

يضمن التخطيط والتوقع تحسين قدرات الاستشراف وتخطيط السيناريوهات المحتملة، مع تحديد المحفزات وبروتوكولات العمل. وتعتمد الاستجابات المرنة والسلسة على إدراك المخاطر والتوجهات القادمة. وتلعب البيانات عالية الجودة دورًا محوريًا في توفير رؤية شاملة لسلسلة التوريد، بما في ذلك تخطيط الموردين الفرعيين (بعد المستوى الثاني). وفي ظل فترة الاضطرابات الحالية، تتجه العديد من الشركات اليوم للقيام بهذه التحسينات، ورغم ذلك ما يزال تخطيط الموردين الفرعيين محدودًا في إدارة سلسلة التوريد. ويجب تعزيز شفافية سلسلة التوريد الشاملة لتحديد وتنفيذ أهداف الاستدامة طويلة الأمد.7

بناء القدرات في تنظيم سلسلة التوريد

يتعين على الشركات الاستثمار في بناء القدرات المتقدمة لمواجهة الاضطرابات في سلاسل توريدها. ويمكن تطبيق ذلك من خلال التدرب على سيناريوهات الاضطرابات والاستفادة من الأخطاء السابقة والمشكلات التي تم تفاديها. كما يتطلب توقع توجهات الطلب استخدام تقنيات متقدمة في تعلم الآلة مدعومةً ببناء القدرات الشاملة. وفي سياق استخدام التكنولوجيا والبيانات لمواكبة مختلف احتياجات العملاء، يتعين على الشركات توفير المحفزات لأصحاب المواهب لديها بهدف تحسين فرقهم الرقمية لإدارة سلسلة التوريد. كما يساعد تعزيز الشفافية حول التعاون والمنافسة في القطاعين العام والخاص على اتخاذ خيارات استثمارية أكثر قابلية للتوقع، والحد من العواقب غير المقصودة. وتبرز أولويات متضاربة بين الحاجة إلى الاستغناء عن بعض فئات سلاسل التوريد، والحفاظ على الروابط بين الفئات الأخرى. كما يمكن الحد من الغموض، وتوفير ظروف مواتية للاستثمارات طويلة الأمد والنمو المرن، من خلال وضع إطار عمل واضح للتعاون والتنافس، إلى جانب ضمان مساعدة الدول الأقل تقدمًا على النجاح من خلال تفعيل مشاركتها.

مرونة السكان والتعليم والشركات

تحتاج الشركات في المستقبل لتعزيز مرونتها بقوة والتأقلم مع التغييرات الاقتصادية، ما يتطلب اعتماد اللامركزية في صنع القرارات، مع نموذج قيادة جديد يساهم في رعاية المواهب والفرق المكتفية ذاتيًا وتزويدها بالمعارف اللازمة. كما يتطلب الاقتصاد في المستقبل اكتساب مهارات جديدة، ما يفرض على المجتمعات والشركات الاستثمار في التعليم، ولا سيما التعليم المبكر بهدف الحد من نقص المواهب وعدم المساواة الاجتماعية، فضلًا عن صقل مواهب القوى العاملة الحالية وتدريبها على مهارات جديدة.

وتشهد الديناميكيات التنظيمية تغييرات متسارعة مع تسارع الأزمات والاضطرابات. وأصبحت التوجهات الديموغرافية والابتكارات التكنولوجية، والتي تعود لما قبل جائحة كوفيد-19، أكثر حضورًا ووضوحًا اليوم. كما عزز النقص في اليد العاملة والمهارات من حالة عدم اليقين، ما جعل السرعة والمرونة حاجات ملحة؛ إذ تتطلب الاضطرابات تغييرات سريعة في التوجه الاستراتيجي وتخصيص الموارد، في حين ما تزال الشركات وعملياتها وهيكلياتها تفتقر إلى المرونة اللازمة للاستجابة بكفاءة.

تُعد الإدارة نقطة الانطلاق الأفضل لتغيير هذه المعادلة، إلا أن شركات القطاعين العام والخاص تفتقر إلى إمكانات القيادة اللازمة. وأظهرت الدراسات أن مجموعة كبيرة من الموظفين في قطاعات عدة كانوا يخططون خلال فترة الجائحة وما بعدها لترك وظائفهم بسبب خلافات مع الإدارة والقيادة في شركاتهم. وفشلت جهود عديدة لتحسين جودة القيادة، ما يعود إلى فشلها في تحقيق الإدارة الفاعلة بشكل منهجي في جميع أنحاء الشركة.

كما يعيق نقص المواهب في الوقت نفسه نمو الشركة ويضر بالمصلحة العامة. وأشار 75% من الشركات إلى نقص حاد في المواهب وصعوبة التوظيف، حيث بلغت معدلات النقص أعلى مستوياتها منذ 16 عامًا.8 وكشفت إحدى دراسات ماكنزي حاجة 375 مليون موظف على مستوى العالم إلى اكتساب مهارات جديدة بحلول عام 2030.9 كما يخطط الموظفون بدورهم للاستقالة أو يستقيلون بالفعل وبأعداد غير مسبوقة.

وتشهد الدول منخفضة ومتوسطة الدخل نقصًا أكبر في المواهب، نتيجة الأضرار التعليمية التي ترتبت على جائحة كوفيد-19. وأشارت منظمة اليونيسيف إلى ارتفاع نسبة الأطفال في سن العاشرة غير القادرين على فهم نص مكتوب بسيط من 57% إلى 70% خلال هذه الفترة، كما أن نسبة لا تتعدى 40% من الشباب تتجه لاكتساب مهارات القراءة والرياضيات على مستوى المرحلة الثانوية.10 ويمكن أن يترتب على هذا التدهور في التعليم خسائر بقيمة 21 تريليون دولار أمريكي في الدخل المحتمل مدى الحياة. كما يُرجح أن تتفاقم حدة النقص في المواهب مستقبلًا.

ويتطلب تخطي هذه التحديات من الشركات الاستثمار في المرونة التنظيمية ومواءمة المواهب مع الاستراتيجية، ما يمثل وسائل موثوقة لتوفير القيمة. وتتمتع الشركات المرنة بالقدرة على تحمل الصدمات وتحويلها إلى فرص وإحراز التقدم خلال الأزمات. ويتطلب تحقيق المرونة في المواهب والقيادة والتعليم من الشركات اتخاذ تدابير في مجالات عديدة، بما يشمل:

تعزيز مرونة الشركات

تعتمد الشركات المرنة على صناعة القرار بطريقة لامركزية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتمكين الفرق، كما تمتاز بسرعة استجابتها للاضطرابات من خلال التعلم واختبار وتعديل الحلول الملائمة. كما يمكنها تنفيذ التدابير الأولية عن طريق الاستكشاف والتنفيذ والتعلم، رغم أن عمليات التخطيط والتحكم اللاحقة ستكون بطيئة. ويجب أن تعتمد ذهنية القيادة على الاستكشاف، وتتضمن حواجز قليلة بين القيادة العليا والقوى العاملة الميدانية. وتعتمد هذه المنهجية على وجود طبقة متوسطة من المواهب التي تتحلى بعقلية رواد الأعمال، والقادرة على اتخاذ القرارات اعتمادًا على خبراتها الحالية.

كما تبرز الحاجة إلى هيكلية مرنة للمواهب، والتي يمكن تطويرها من خلال تخطيط المهارات لتحديد احتياجات المواهب، وإعادة تعيين الموظفين الأنسب وفق تغير الأولويات. ويجب تمكين الفرق من اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الحالات التي تتوافر فيها معلومات جديدة أو غير مكتملة، مع ضرورة تحمل مسؤولية النتائج. كما يجب الانتقال من توجيه الأوامر إلى التعاون، واستبدال التسلسل الوظيفي المنفرد وغير المرن والغامض بشبكات التعاون الشفافة التي تتحلى بعقلية الشراكة. ويمكن من خلال توفير أنظمة الدعم التي تحفز المناقشات الفعالة وطرح الآراء مساعدة الفرق على التعلم من التجارب والتأقلم بشكل أفضل مع التحديات الجديدة.

تعزيز قدرات التأقلم لدى القادة

تحتاج الشركات إلى قادة قادرين على التعامل مع مستويات جديدة من التعقيد وانعدام اليقين. ويجب أن يبدأ تطوير القيادة بتحديد المناصب القيادية المرنة والقادرة على التأقلم التي تحتاجها الشركة. ويجب أن يتحلى أصحاب هذه المناصب بسمات مميزة، بما يشمل الشغف بإحراز التقدم وصنع القرارات وسط حالات الغموض، والقدرة على تغيير التوجهات سريعًا مع تغير الظروف. وتمثّل مهارات الموظفين غالبًا العامل الأهم بالنسبة للقادة، حيث يحرص القادة القادرون على التأقلم على التعاون وإنشاء شبكات دعم قوية قائمة على الثقة.

ويمكن للشركات دعم قادتها من خلال وضع تدابير حماية تمنع التحيزات والإجراءات المبالغ بها خلال الأزمات، وتضمن التركيز على المستقبل. ويتوجب على الشركات العمل على تطوير القادة القادرين على التعامل مع الأزمات باتخاذ قرارات متعددة الأبعاد، وإلهام باقي الموظفين ودعمهم وإطلاق العنان لقدراتهم. وتحتاج الشركات إلى القادة القادرين على التعامل مع الحالات المعقدة والغامضة، وتخصيص الوقت لاستطلاع آراء أعضاء فرقهم وتدريبهم. كما يجب أن يتمتعوا بالقدرة على تحديد الفرص الكامنة في الأزمات، وبقدرات متقدمة لإدارة الاستجابات قصيرة الأمد والتركيز المتواصل على المرونة طويلة الأمد.

دعم التنوع والشمولية

تشكل عوامل الشمولية والتنوع ركائز محورية في الشركات الناجحة، حيث يتناسب مستوى الشمولية في الشركة طردًا مع الأداء الذي تحققه.11 وتتمتع فرق القيادة والقوى العاملة الشاملة والمتنوعة بالقدرة على تقديم الأفكار المتنوعة وتحفيز قدرات الاستطلاع والتغيير والتفكير المبتكر. وتمثل هذه الجوانب قدرات ثمينة تساعد الشركات على التأقلم مع الأزمات والتعافي لتعود أقوى مما كانت. ويجب تعزيز مستويات السلامة النفسية في بيئة العمل لدى الشركات، ما يتيح للموظفين التعبير عن أنفسهم والتعاون وطرح الأفكار بطرق إبداعية. ويمثّل تنويع المواهب خطوة أولية، حيث يجب أن يحصل الموظفون على فرص عادلة من خلال الالتزام بالعدالة والشفافية والجدارة.

بناء قدرات إدارة المواهب وصقل المهارات المتواصل

يجب على الشركات الاستعداد لمواكبة مهارات المستقبل منذ اليوم، ويتعين عليها الالتزام برؤية طويلة الأمد في إدارة المواهب، والاستثمار في توظيفها وتنميتها والحفاظ عليها بفعالية أكبر. ويمكن للشركات التحلي بمزيد من الابتكار مع الحفاظ على المحفزات التقليدية لاستقطاب المواهب، بما فيها الرواتب والمناصب وفرص الترقية. وتمثل منهجية التوظيف القائمة على المهارات وسيلة ممتازة للاستفادة من مجموعات المواهب التي تم تجاهلها سابقًا. كما يجب على الشركات الاستثمار في تطوير مهارات موظفيها، أو تزويدهم بمهارات جديدة، ما يتيح تعزيز المرونة حول متطلبات الإمكانات ورأس المال وسط بيئة مضطربة. وتتطلب طبيعة الوظائف الجديدة مزيدًا من "المهارات المفتاحية"، مثل الاستراتيجيات المعرفية، للتعامل مع المعلومات الجديدة دائمة التغير. وتعتمد برامج بناء القدرات الناجحة على الفهم الواضح والدقيق لطبيعة الأفراد والمهارات التي يحتاجونها لتحقيق أهداف الشركة.

معالجة أزمة التعليم

تتطلب الاقتصادات مهارات جديدة، وبالتالي يجب توسيع نطاق التعليم التأسيسي لسد فجوات المهارات، والاستفادة من أقصى إمكانات القوى العاملة في المستقبل. وتحظى بعض الدول والشرائح السكانية بوضع أفضل من غيرها مع تطور احتياجات القوى العاملة نتيجة التطورات التكنولوجية. ويجب أن يشمل تحول قطاع التعليم الدول النامية الأقل استعدادًا والشرائح السكانية الأقل دخلًا في الدول المتقدمة، ما يضمن العدالة والمشاركة الكاملة في الاقتصاد العالمي.

وتحتاج الدول في سياق استعدادها لمواكبة المستقبل إلى الأنظمة التعليمية التي تدعم مراحل التعليم الأولى. وأكدت الدول المشاركة في المؤتمر العالمي لرعاية الطفولة المبكرة والتعليم، الذي تقيمه منظمة اليونسكو، على أن الوصول العالمي إلى التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يمثل عاملًا محوريًا للتعليم في المستقبل. ويجب على شركات القطاعين العام والخاص طرح وجهات نظرها حول التعاون لتحسين التعليم، وتحديد أجندة المهارات المطلوبة للمستقبل. ويمكن للمجتمعات والشركات تحقيق أعلى مستويات النجاح من خلال اعتماد ثقافة التعليم مدى الحياة، ودعم الأطفال والبالغين في فرص التعليم الرسمي وغير الرسمي. ويمكن للشركات العامة والخاصة، التي تركز على بناء القيادة والمواهب المرنة، إنشاء دورة تحسين فعالة، حيث تفيد البيئة المؤسسية القادرة على التأقلم في استقطاب المواهب اللازمة وتعزيز مرونتها، ما يتيح لها تحقيق النمو المستدام.

مرونة الرعاية الصحية

يتعين اعتماد منهجية متعددة الجوانب لتلبية مستويات الطلب المتزايدة ومعالجة قيود التوريد في قطاع الرعاية الصحية، فضلًا عن تعزيز الاستعداد للطوارئ وضمان الوصول العادل لخدمات الرعاية. ويتوجب على القادة منح الأولوية للرعاية الصحية الشاملة والوقائية للارتقاء بجودة الحياة وإطالة متوسط الأعمار، حيث توجد فجوة تصل إلى 18 عامًا في مستوى العمر المتوقع بين سكان الدول عالية الدخل ونظرائهم في الدول منخفضة الدخل. وبالتالي، من الضروري رفع إمكانات قطاع الرعاية الصحية وزيادة إنتاجيته لردم فجوة العرض، إلى جانب خفض التكاليف من خلال الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا الرقمية.

وسلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على ضعف جاهزية منظومة الرعاية الصحية، والقضايا الأوسع نطاقًا بما فيها المرونة والاستدامة طويلة الأمد. ويتوقف بناء منظومة أكثر مرونة واستدامة على تعاون القطاعين العام والخاص لمواجهة عدد من التحديات، بما فيها الضغط الكبير الذي تشهده المنظومة وتوافر اللقاحات ومشاكل الإنتاج. ومن المتوقع أن تتزايد هذه التحديات خلال العقود القادمة مع تفاقم الفجوة بين العرض والطلب، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع مستوى الطلب لعدة أسباب، منها الابتكارات العلاجية، وإطالة متوسط الأعمار، وتقدم عمر السكان، وتزايد انتشار الاضطرابات النفسية والسلوكية، والتغير المناخي.

وعلى سبيل المثال، من المتوقع تضاعف عدد سكان العالم ممن تتجاوز أعمارهم 60 عامًا لتصل إلى 2.1 مليار نسمة بحلول عام 2050، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية. وتشمل العوامل الأخرى كلًا من ارتفاع مستوى أمراض الصحة النفسية واضطرابات تعاطي المواد المسببة للإدمان بنسبة 13% من عام 2008 إلى 2017، وذلك وفقًا لمنظمة الصحة العالمية التي أشارت أيضًا إلى أن تكلفة معالجة مرضى الاكتئاب والقلق تُقدّر بنحو تريليون دولار أمريكي.12 ويؤدي نقص العاملين في قطاع الرعاية الصحية على مستوى العالم إلى تفاقم هذه التحديات وغيرها من الجوانب الأخرى.

وتتوقع منظمة الصحة العالمية تراجع عدد العاملين في القطاع بحوالي 15 مليون عامل بحلول عام 2030، ولا سيما في الدول منخفضة الدخل والمنخفضة إلى متوسطة الدخل.13 ويتعين على القادة الذين يتولون تعزيز مرونة القطاع اعتماد منهجية متعددة الأوجه، إلى جانب ضرورة التنسيق بين القطاعين العام والخاص بما يمنح الأولوية للرعاية الشاملة والوقائية، وتعزيز الإمكانات وتحسين الجاهزية للصدمات وضمان الوصول العادل لخدمات الرعاية.

منح الأولوية للرعاية الشاملة والوقائية

يشير البحث إلى دور الاستثمار ضمن مجال الرعاية المستمرة والوقائية في تعزيز قدرة أنظمة الرعاية الصحية على خفض أعباء الأمراض في العالم بنسبة 25%. وتشمل مجالات الاستثمار تحسين الاستدامة البيئية وتشجيع السلوكيات الصحية وتوفير الغذاء الصحي والمياه النظيفة وتمكين الوصول إلى اللقاحات والعلاجات الوقائية عمومًا. كما تساعد التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والبيانات الضخمة، على الحد من الأمراض وتشخيصها ومعالجتها. وتوفر هذه المبادرات عائدات كبيرة على الاستثمار، إذ يمكن كسب ما يتراوح بين الضعفين إلى أربعة أضعاف من كل دولار يتم استثماره في تحسين الصحة (الشكل 4). 14

4

وقد تساهم تحسينات قطاع الرعاية الصحية بتقديم تريليونات الدولارات إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2040. ولا شك أن مشاركة القوى العاملة وجودة الحياة تتحسن بشكلٍ عام. ويساعد توفير الرعاية الصحية الوقائية على الحد من انتشار الاضطرابات النفسية. كما تساهم برامج الصحة النفسية المدعومة من الحكومات والشركات، إلى جانب التأمين على الصحة النفسية، في نشر الوعي والحد من حالة الإحراج المرتبطة بالأمراض النفسية، فضلًا عن توفير وصول مفتوح إلى العلاج اللازم. ويمكن تعزيز مرونة منظومة الرعاية الصحية وإطالة متوسط الأعمار والارتقاء بجودة الحياة من خلال منح الأولوية للرعاية الشاملة والوقائية.

تعزيز إمكانات وإنتاجية منظومة الرعاية الصحية

يتعين على المجتمعات تعزيز إمكانات منظومة الرعاية الصحية وإنتاجيتها، إلى جانب توسيع نطاق القوى العاملة فيها. ومن المعروف أن هذه التحسينات يترتب عليها تكاليف كبيرة، إلا أن التحول الرقمي والابتكارات الأخرى من شأنها خفض هذه التكاليف بنسبة تصل إلى 15%. وتختلف أسباب نقص القوى العاملة حسب كل دولة ومنطقة، مثل ضعف المسارات التعليمية، وطول الفترات الزمنية اللازمة لتعيين الموظفين، وفجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص. وتُعد جائحة كوفيد-19 من أكثر الأسباب تأثيرًا على النساء العاملات، لا سيما أن رعاية الأطفال (وكبار السن) تقع على عاتق النساء في العديد من المجتمعات. وفرضت الجائحة على عدد كبير من النساء ترك وظائفهن، بما في ذلك ضمن قطاع الرعاية الصحية. 15

يتعين على المجتمعات تعزيز إمكانات منظومة الرعاية الصحية وإنتاجيتها إلى جانب توسيع نطاق القوى العاملة فيها.

توجد خمسة أنواع من الإجراءات اللازمة لتوسيع القوى العاملة في مجالي الصحة العامة والرعاية الصحية: 1) دعم القوى العاملة الحالية والمحافظة عليها من خلال التأكيد على أهمية رسالتهم في حماية المجتمعات؛ 2) تلبية الحاجة للقدرات الإضافية عن طريق عمليات التوظيف والتدريب الاستراتيجية؛ 3) زيادة عدد القوى العاملة بصورة مرنة واتباع تدابير توظيف فعالة؛ 4) تسريع تطوير المواهب في قطاع الرعاية الصحية؛ 5) تدريب عدد أكبر من النساء ليصبحن طبيبات وممرضات ويتولين المهام الأخرى ذات الصلة بما يوفر أجور تتناسب مع العمل الذي يقمن به.

مواجهة أزمات الصحة العالمية في المستقبل

يوفر الاستثمار الحل الأمثل حاليًا لتحسين المقاومة العالمية للأوبئة في المستقبل، ويتعين على خبراء الصحة وصناع السياسات التركيز على خمسة مجالات للاستثمار. يتمثل المجال الأول في بناء أنظمة مستمرة تتمتع بالجاهزية لمواجهة الأوبئة بمجرد انتشارها؛ أما الثاني فهو تحسين آليات مراقبة الأمراض التي تساعد على منع سلاسل العدوى في مرحلة مبكرة؛ ويرتكز المجال الثالث على الاستثمار في الإمكانات المرنة لإعداد أنظمة الرعاية الصحية بهدف تلبية حالات ارتفاع الطلب والاستمرار بتقديم الخدمات الضرورية؛ ويتمحور الرابع حول تغيير أجندة الاستجابة للأوبئة من انتظار تفشي الأمراض إلى الوقاية الفعالة؛ في حين يتوقف المجال الخامس على تعزيز إمكانات سلسلة توريد الرعاية الصحية في دول جنوب العالم لإنتاج اللقاحات والأدوية. وتتوقع الأبحاث أن خفض تأثير الأوبئة في المستقبل يتطلب ما يتراوح بين 85 - 130 مليار دولار أمريكي خلال العامين القادمين، وما بين 20 - 50 مليار دولار أمريكي سنويًا بعدها. وتعادل هذه التكاليف وسطيًا حوالي 5 دولار أمريكي سنويًا لكل شخص على مستوى العالم. 16

المساواة في تقديم الرعاية الصحية

يجب توفير الرعاية الصحية الصحيحة للمجتمعات المحرومة منها، حيث يبلغ فارق متوسط الأعمار بين الدول عالية ومنخفضة الدخل 18 عامًا، حتى إن هذا الفارق قد يكون أكبر في دول عالية الدخل بين الشريحة الفقيرة والغنية. وتبرز ثلاث مجموعات من الإجراءات الضرورية لمعالجة عدم المساواة في توفير خدمات الرعاية الصحية. يجب أولًا تحديد العوامل الاجتماعية المرتبطة بالصحة، مثل الغذاء والسكن والنقل وعافية القوى العاملة، والتي تؤثر على ما يصل إلى 70% من النتائج الصحية.17 وترتبط المجموعة الثانية من الإجراءات بالاستثمار في الحلول الكفيلة بضمان توزيع خدمات الرعاية الصحية بشكلٍ عادل ومتساوٍ. أما المجموعة الثالثة فتتمثل في تعزيز مشاركة المجتمعات المحتاجة، ومساعدتها على بناء علاقات قائمة على الثقة مع مزودي الرعاية الصحية. ويساهم الحد من انعدام المساواة بتوفير الرعاية الصحية بين الفئات الاجتماعية في تعزيز أنظمة الرعاية الصحية ودعم النمو الاقتصادي.

المرونة الرقمية والتكنولوجية

يشكل التحول الرقمي والتكنولوجيا عوامل رئيسية في تعزيز الإنتاجية على المدى الطويل، من خلال منح الشركات مزيدًا من المرونة والسرعة. وكما هو حال جميع الابتكارات، تتسم هذه الجهود بالتغير السريع للغاية، مما يلغي حاجة القادة إلى تطوير رؤية طويلة الأمد حول تأثير النمو على التغيرات، أو تحديد فرص الاستثمار، أو تطوير منهجية خاصة بالمحفظة لتحقيق النمو. وستؤدي التكنولوجيا دورًا رئيسيًا في التغيير في جميع مجالات المرونة، ولا سيما تحول الطاقة والتعليم والرعاية الصحية وسلاسل التوريد، ما يحتّم ضرورة إدارة الاضطرابات والمخاطر الناجمة عن التحولات التقنية. وستشمل مجالات العمل الأمن السيبراني نظرًا لاستمرار انتشار التهديدات، إلى جانب دعم الحقوق الاجتماعية. وتنطوي الأهداف الاجتماعية على المعايير الأخلاقية الكفيلة بحماية الخصوصية الشخصية وتعزيز الشمولية وردم الفجوة الرقمية. وتتوقع منظمة العمل الدولية أن نشر تغطية النطاق العريض على مستوى العالم يعني تزويد ثلاثة مليارات شخص بالإنترنت ممن لم يستخدموه سابقًا على الإطلاق، ما يساهم في توفير 24 مليون فرصة عمل جديدة منها ملايين الوظائف المخصصة للشباب.

أثمر التحول الرقمي والتكنولوجيا على مدار العقود القليلة الماضية في نمو الإنتاجية، ومن المقرر أن يستمر هذا النمو على هيئة موجة جديدة من التقنيات التي تشمل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والأتمتة، وبالتالي استمرار ارتفاع مستويات الإنتاجية. كما توفر موجة نمو الإنتاجية هذه مسارات محتملة لنمو الاقتصادات دون حدوث زيادات في استهلاك الكربون. ومع ذلك، لا تتمتع جميع المؤسسات بالجاهزية للاستفادة من هذه الابتكارات بما يدعم تنافسيتها.

الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والأتمتة

في مشهد التكنولوجيا المعقد في وقتنا الحالي، قد تواجه مؤسسات القطاع العام وشركات القطاع الخاص مجموعة من الصعوبات في اتخاذ القرارات المتعلقة بملكية التكنولوجيا. وترى جميع الشركات أنه من الضروري امتلاك بعض التقنيات والاستعانة ببعضها الآخر من مصادر خارجية أو تطويرها في بيئات مفتوحة المصدر. وقد تنشأ بعض التحديات لدى العديد من الشركات فيما يتعلق بضمان الوصول إلى المواهب المناسبة وتعزيز الابتكار في خيارات العمل عن بُعد وضمن الشركات. ويوفر الذكاء الاصطناعي بديلًا للمهارات المتقدمة، لذا قد تسفر هذه الابتكارات عن تحديات أو نتائج اجتماعية غير مرغوبة. وتحتاج الشركات إلى استراتيجيات لتدريب الموظفين على المهارات عالية المستوى، وتوفير وظائف بديلة للحد من تحول القوى العاملة إلى فئات محرومة وفقدانها لبعض معايير المعيشة. ويمكن للحكومات اعتماد منهجية أكثر مرونة للاستثمار في التكنولوجيا، بهدف المحافظة على المرونة دون استنزاف رأس المال أو زيادة الاعتمادات أو تعريض الشركة لمخاطر كبيرة.

المخاطر والتبعيات الجديدة

يمكن أن يسفر الاعتماد المتسارع للتكنولوجيا الجديدة عن مخاطر وتبعيات جديدة، بما فيها خروقات الأمن السيبراني المرتبطة بالابتكار التكنولوجي واعتماده. وكشف استبيان أُجري في عام 2022 أن 57% من المسؤولين التنفيذيين أشاروا إلى حدوث خرق واحد على الأقل في البيانات خلال السنوات الثلاثة الماضية؛ بينما أفاد 42% بوقوع خسائر مالية.18 وبإمكان الشركات في القطاعين العام والخاص الحد من مخاطر الأمن السيبراني بالاعتماد على استراتيجيات فعالة. ويساهم تعزيز التعلم المتبادل بين الحكومات والشركات السيبرانية الرائدة في القطاع الخاص في تأسيس شركات قوية أمنيًا بما يواكب تحديات المستقبل. ويتعين على الحكومات التعاون مع القطاع الخاص بهدف التخطيط الاستراتيجي لإدارة مخاطر التكنولوجيا بشكل فعال، بما فيها التبعيات الناشئة عنها. وستكون التكنولوجيا من أكبر عوامل التنمية الاقتصادية، وقد تتأثر بشكلٍ كبير بالتوجهات الجيوسياسية. ويتوجب على صناع السياسات تقديم التوجيه اللازم للقطاع الخاص حول التبعيات المقبولة وتلك التي يجب الحد منها. ويتمثل التوجيه الأمثل في التعاون بين القطاعين العام والخاص باستخدام التخطيط القائم على تطوير السيناريوهات. وبمجرد وضع المعايير الصحيحة، يمكن لصناع السياسات تعزيز الابتكار من خلال السياسات والدعم المالي.

التأثير الاجتماعي والأخلاقيات والشمولية

يتعين على الشركات وصناع السياسات وضع أطر عمل أخلاقية لاعتماد تكنولوجيا تأخذ بعين الاعتبار جانبي التأثير الاجتماعي والشمولية. وغالبًا ما تثير التكنولوجيا الجديدة أسئلة تتعلق بالانعكاسات الاجتماعية مثل الوصول أو حقوق الخصوصية. ويمكن للشركات عدم الاكتفاء بمسألة الامتثال للوائح التنظيمية، من خلال تطوير أطر العمل الأخلاقية الخاصة بها لمعالجة المشكلات المتنامية، مثل خصوصية البيانات وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي. ويجب على صناع السياسات وضع قواعد أخلاقية واضحة للتأثير الاجتماعي، إذ يجب أن تضمن اللوائح المتعلقة بخصوصية البيانات والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي والشمولية الرقمية على حماية المجتمع وتقديم التوجيه للحكومات وشركات القطاع الخاص. ويفرض هذا الأمر مشكلة أخرى تتمثل في أن تحسينات التكنولوجيا على صعيد الأعمال والمجتمع تصب بشكل أساسي في صالح شرائح السكان الأغنى. ويمكن إحداث فرق ملموس من خلال اعتماد السياسات الرامية إلى تزويد المجتمع بالأدوات والإمكانات اللازمة لتشارك المكاسب الاقتصادية، مع ضرورة أن تتضمن تقديم التمويل المناسب للأنظمة التعليمية المخصصة للأطفال والشباب والبالغين ومواءمتها بما يواكب احتياجات المستقبل. ولا شك أن القوى العاملة ستحتاج إلى مهارات جديدة في المستقبل، بالتالي يجب التركيز على دعم الشرائح المحرومة أصلًا لضمان تمثيلها بالشكل الأمثل في جميع برامج صقل المهارات. كما يجب النظر بعين المساواة في مختلف أنشطة التنمية الاقتصادية.

أربعة عوامل داعمة للمرونة

يتعين على الشركات الساعية إلى تعزيز مرونتها رفد مبادراتها من خلال أربعة عوامل داعمة للمرونة.

القيادة الجديدة للمرونة والإمكانات المؤسسية

يتوجب على الشركات تعزيز إمكاناتها لإدارة الأزمات، وتطوير الأفكار والأدوات اللازمة لوضع الرؤى ودعم الجاهزية وسرعة الاستجابة وإعادة التوجيه.

التفكير بخطوات فعالة على المدى الطويل

لا شك أن التدخلات اليومية قصيرة الأمد ضرورية لمعالجة المشكلات الفورية، والتي قد يكون بعضها بدرجة خطورة كبيرة ومدة طويلة، مثل الأوبئة واضطرابات التوريد؛ ولكنّ هذه الاستجابات لن تكون كافية لمعالجة حالات انعدام اليقين أو الاضطرابات على المدى الطويل. ويتوجب على الشركات والقادة معالجة التحديات طويلة الأمد حتى وإن كان من الممكن الحد من تأثيرها على المدى القصير. وتشمل هذه التحديات الاضطرابات الجيوسياسية طويلة الأمد والتغيرات في مستويات الطلب لدى العملاء وتوافر القوى العاملة وفجوات المهارات.

تجاوز الأزمات المستمرة والحد من إجهاد المؤسسات

يدرك القادة وفرقهم أنه من الطبيعي الشعور بالإجهاد بسبب مواجهة التحديات وإدارة الأزمات طويلة الأمد، وقد تفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة نتيجة ظهور موجة غير مسبوقة من الاضطرابات. ويساعد تطوير منهجيات فعالة والتكيف مع الاضطرابات وانعدام اليقين (بما يتجاوز هياكل فرق العمل التقليدية) على معالجة هذه المشكلة، بما يشمل إجراءات تتخطى تحرير الإمكانات الإدارية للتعامل مع الأزمات. ويتعين على القادة توفير مساحة للنقاش حول السيناريوهات المحتملة في المستقبل بالتزامن مع تطوير خطط استراتيجية تضمن جاهزية الشركات للأحداث المقبلة.

تطوير عقلية قيادية جديدة لتعزيز المرونة

تشمل هذه المهمة تحديد الاستراتيجيات لمواجهة حالات انعدام اليقين والتحديات التي تفرضها البيئة المتغيرة. ويتوجب على القادة وضع رؤية مستقبلية ملهمة وطموحة لما بعد الأزمة، فمن الضروري أن تتخذ الإدارة العليا قرارات حاسمة وسريعة عند الحاجة، وإعادة تخصيص الموارد حسبما يلزم. ويتوقف نجاح الشركات على عوامل أساسية تشمل التطوير المستمر وتوليد الأفكار بسرعة كبيرة والتحلي بالمرونة والقدرة على التكيف وتعزيز الابتكار. وكلما تفاقمت حدة انعدام اليقين برزت أهمية توفير الخيارات وتوقيت القرارات الصحيحة.

دمج عقلية المرونة ضمن الشركات

تغطي هذه الناحية العديد من مجالات العمل، مثل إدارة سلاسل التوريد، والتوريد بحد ذاته، والبيانات والتكنولوجيا والبحث والتطوير والإنتاج والمبيعات. ويجدر بالشركات التركيز على الإمكانات التي تعزز المرونة لمواجهة المستويات المتفاقمة من انعدام اليقين. وعلى سبيل المثال، يمكن لإدارة سلاسل التوريد تخطي عدم الاكتفاء بالتركيز على تحسين التكاليف في التوريدات العالمية، إضافة دور الأبحاث والتطوير والتكنولوجيا في الوصول إلى محفظة أوسع من التقنيات المستقبلية المحتملة، بينما يمكن أن تركز أقسام المبيعات على إضفاء الوصول إلى الأسواق الإقليمية. ويتعين على الشركات استبدال الهياكل المنعزلة بتصميم متعدد التخصصات بهدف مواءمة المشتريات والإنتاج والمبيعات، بما يمكّنها من مواجهة التحديات الجيوسياسية.

إطار مرونة شامل يتيح توسيع إمكانات التنبؤ والدعم التحليلي

يحتاج القادة إلى معلومات عالية الجودة لمواجهة فترات الاضطراب، كونها تتيح لهم التنبؤ بالمعوقات المحتملة وتحليل حالات عدم اليقين المتغيرة واتخاذ قرارات مدروسة. ويستلزم نجاح هذه العملية النظر إلى إطار مرجعي واسع يتضمن جانب الإمداد وأسواق التوزيع المباشرة، ويمتد ليشمل العوامل الجيوسياسية والتقنية والاجتماعية، إضافة إلى آثار سلسلة التوريد وفرص الأعمال والتغير المناخي وتحول الطاقة والمعايير الاجتماعية وطلب العملاء. ويجب أن تعتمد الشركات منهجية صارمة لاختبار سيناريوهات نماذج العمل وتحليل عناصرها المختلفة، مما يتيح تقييم تأثيرها على مدى فترات زمنية أقصر من دورة الميزانية المعيارية. ويتعيّن على القادة النظر إلى مجموعة أكبر من السيناريوهات المحتملة لشركاتهم، بدلًا من الاقتصار على فترات التراجع والنمو، ولا سيما اعتماد إطار شامل للمرونة يتيح لهم تقييم إمكانات المرونة في شركاتهم وتحديد فرص التحسين والتطوير (الشكل 5).

5

كما يستفيد صنّاع السياسات وقادة القطاع العام من تعزيز مهارات القيادة المرنة وإمكاناتها، ثم دمجها بنجاح في أعمال الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع العام. ويوضح إطار المرونة الخاص بالقطاع العام الإمكانات المتوفرة وفرص التحسين والتطوير في عمل القطاع. (الشكل 6)

6

تحديد خطة مرونة شاملة وبعيدة المدى

تتيح القيادة المرنة والفعالة تحقيق التوازن بين الأولويات قريبة المدى والاحتياجات بعيدة المدى في مختلف جوانب السياسة ذات الصلة.

تتأثر الأجندة العامة دائمًا بالمخاوف السياسية قصيرة المدى المرتبطة بوجود قيود صارمة على النفقات العامة. وفي هذا السياق، تتيح القيادة المرنة والفعالة تحقيق التوازن بين الأولويات قريبة المدى والاحتياجات بعيدة المدى في مختلف جوانب السياسة ذات الصلة، بما فيها العوامل الجيوسياسية والبيئة والقضايا الاجتماعية والديموغرافية، والتقنيات المبتكرة والبنى التحتية الحيوية وحركة التجارة وتبعيات سلاسل التوريد، إضافةً إلى السياسات الصناعية والرعاية الصحية والتعليم وسوق العمل والأمن القومي. ومن الضروري اعتماد إظهار القيادة المرنة في مختلف مستويات الأعمال، والتي تمتد من المستويات الإقليمية والحكومة المحلية إلى الشركات الخاصة والحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمعية. كما تفرض الترابطات المتشعبة بين مختلف الدول ضرورة تنسيق أجندات المرونة على مستوى عالمي، أو على الأقل بين حكومات العالم.

النظر إلى المرونة باعتبارها مجال مستقل لوضع السياسات، ومخصص لجهة معنية مركزية

يستلزم تطوير أجندة المرونة التعاون على مستوى الدوائر الوزارية وبين الجهات المعنية الدولية.

يستلزم تطوير أجندة المرونة التعاون على مستوى الدوائر الوزارية وبين الجهات المعنية الدولية. ويجري في الوقت الراهن تطوير أجندات المرونة ضمن جوانب السياسة الخاصة بكل جهة معنية، فيقتصر التعاون فيما بينها على حالات الطوارئ (مثل جائحة كوفيد-19) وأزمات الطاقة والكوارث الطبيعية. لذا من الأفضل للحكومات المحلية والدولية والإقليمية والوطنية إجراء حوارات فعّالة وفعلية مع جهات القطاع الخاص، مما يستلزم إيجاد جهة معنية مركزية يمكنها الوصول إلى أعلى مستويات القيادة الحكومية (رئيس الحكومة، أو رئيس الوزراء، أو المستشار الأعلى). وتحظى هذه الجهة المعنية المركزية برؤيةٍ متكاملةٍ لجميع مستويات العمل، بدءًا من مركز الحكومة والهيئات الفردية ووصولًا إلى المستويات الإقليمية والمحلية والخاصة بالمدن. وانطلاقًا من وصولها لمركز الحكومة، تستطيع الجهة وضع منظور شامل للحكومة والمجتمع لتجنب التناقض في خيارات السياسة المتعلقة بالمستويات المختلفة ضمن المنظومة الكبرى.

تطوير إمكانات للتنبؤ المنهجي وتحليل السيناريوهات

يجب على الحكومات ومنظمات القطاع العام الارتقاء بمستوى جاهزيتها لمواجهة الأزمات المحتملة، ولا سيما فيما يخص إمكانات التنبؤ المنهجي الذكية وتحليل السيناريوهات وتحسين قدرات المرونة. ويمكن لهذه الجهات الاستفادة من البيانات والتحليلات المتقدمة في تطوير أنظمة بيانات اقتصادية قوية لدراسة الأحداث واستكشافها بصورة منتظمة، مع الاعتماد على تخطيط السيناريوهات المحتملة وتحليل المخاطر والمنافع بهدف تحديد أفضل الوسائل اللازمة لدعم الاقتصادات والشركات المحلية والمجتمعات المحتاجة. كما يساعد تطوير سجلات المخاطر وتقييم نقاط الضعف على تقييم المعوقات المحتملة، ووضع خطط الجاهزية في جميع الهيئات المعنية، وهو منهجية نجحت سنغافورة والمملكة المتحدة بتطبيقها. ويجب ألا يقتصر دور الحكومات على إطلاق ردود الفعل، وإنما تعزيز قدراتها على التنبؤ بتداعيات الاضطراب والحد من آثار الأزمات، من خلال تحسين العمل في مختلف جوانب السياسة، وتحويل المعلومات المتوفرة إلى سيناريوهات واقعية لاختبار فعالية الاستجابة الحكومية. كما يتعين على الحكومات مراجعة إمكانات إدارة الأزمات لديها وتحديثها بانتظام، لضمان فعالية استجابتها لهذه السناريوهات المحتملة ووضع خطط مرونة بعيدة المدى.

تمويل المرونة

من الضروري استثمار مبالغ ضخمة من القطاعين العام والخاص لبناء مجتمعات وشركات مرنة تضمن تعزيز النمو المستدام والشامل. يجب أيضًا توافر موارد كبيرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضمن كل موضوعٍ من مواضيع المرونة الستة. فعلى سبيل المثال، يتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني على مستوى العالم بحلول عام 2050 توفير أصولٍ مادية لأنظمة الطاقة واستخدام الأراضي بنفقاتٍ سنوية تعادل 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.19 كما ينطوي تمويل المرونة على استثمار موارد إضافية للاستعداد لحالات عدم اليقين ومواجهتها، ولا سيما الأحداث المسببة للاضطراب ذات الاحتمال الضئيل والتأثير الكبير. ومع ذلك، يحمل الاستثمار في المرونة العديد من المزايا والمنافع، إذ تحتاج متطلبات التكيّف تكاليفًا أقل من إجراءات التعافي، وتسهم في تسريع التعافي عند وقوع أحداث غير متوقعة. وتشير تقديرات اللجنة العالمية للتكيف إلى أن إنفاق 800 مليون دولار لتركيب أنظمة الإنذار المبكر في الدول النامية من شأنه تخفيض الخسائر الناجمة عن الأزمات المناخية بواقع 3 مليارات دولار لتصبح 16 مليار دولار سنويًا.

وما تزال الجهود المعنية بالمرونة تفتقر للتمويل اللازم، بالرغم من المزايا القيّمة التي توفرها المرونة وضرورتها الملحة في الوقت الحاضر. وتشكّل اليوم أزمة المديونية في الدول النامية عائقًا إضافيًا أمام استدامة التمويل، إذ تجاوز حجم الديون الحكومية 100% والخاصة 200% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أضاف عوائقًا أكبر أمام اتخاذ الإجراءات اللازمة (الشكل 7). وفي الوقت نفسه، تعاني الدول النامية من أكبر فجوة شهدتها على الإطلاق بين العرض والطلب على التمويل اللازم للمرونة، مع افتقارها لتدفق الاستثمارات بالسرعة المطلوبة. وعلى سبيل المثال، كشفت منظمة الأمم المتحدة أن الدول تعهدت بتقديم تمويل بقيمة 100 مليار دولار لتطوير إجراءات التكيّف والحد من التأثر في الدول النامية خلال عام 2020، لكنها أخفقت في تحقيق هذا الالتزام بواقع 17 مليار دولار على الأقل.20

لذا من الضروري تطوير حلول تمويل مبتكرة وشاملة لضمان الاستفادة من هذه المزايا وتوفير المرونة اللازمة على مستوى العالم. ونقدم فيما يلي عدد من الإجراءات للمساعدة على تحقيق هذا الهدف.

7

وضع رؤية بعيدة المدى للمرونة وقائمة على تحليل التكاليف والفوائد

يمكن الوصول إلى فهم أوسع حول القيم المختلفة لخيارات النمو من خلال تطوير السيناريوهات واختبارات الضغط الكمية لحالات الاضطراب (مقارنة بالحالات الحتمية)، والاعتماد عليها في تحديد خطط وأولويات تمويل موثوقة مع إجراءات الحد من آثار التراجع الاقتصادي، بما في ذلك على سبيل المثال حملات التطعيم والاستثمار في التكيف مع التغير المناخي. كما يضمن تحليل الفوائد والتكاليف إيجاد الشفافية والمعلومات اللازمة لجمع التمويل. ويجب اعتماد هذه المنهجية التجريبية على مستوى الدولة والقطاعات والشركات والأفراد لتحقيق أقصى استفادة منها في تعزيز المرونة. وتحتاج القطاعات العامة والخاصة أيضًا إلى تطوير أنظمة الإنذار المبكّر لمراقبة الأحداث المحتملة والتنبؤ بها، مما يتيح لهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الاضطرابات الجديدة بسرعة وكفاءة.

زيادة القدرة المالية والنقدية لتعزيز المرونة

يجب على الجهات المعنية تطوير منهجيات جديدة لضمان تأمين التمويل اللازم لمشاريع تعزيز المرونة، مما يستلزم في البداية وضع الأُطر اللازمة لتشجيع الجهات الخاصة على تقديم الاستثمارات. ولا تمتلك المؤسسات العامة لوحدها القدرة المالية الكافية لتأمين التمويل الضخم والمطلوب لتحقيق المرونة، وتحتاج إذًا إلى المساهمة في تمكين تدفق رأس المال الخاص بالحجم والسرعة المطلوبين.

وتسهم ثلاث فجوات رئيسية في عرقلة استثمارات القطاع الخاص، تتمثل في قلة توافر البيانات على مستوى الدولة، وقلة الشفافية حول الجوانب التي تحتاج للاستثمار، وصعوبة تحديد العائد على الاستثمار؛ كما تتفاقم هذه الفجوات في الدول النامية. ويمكن للمؤسسات العامة لعب دور محوري في إزالة هذه المعوقات، وخاصةً مع قدرتها على وضع أطر العمل القانونية وتقديم برامج الإعانة للحد من مخاطر الاستثمار وتسهيل تدفق التمويلات الجديدة، مما يسهم في النهاية بزيادة الناتج المحلي الإجمالي. وتتيح هذه الإجراءات استقطاب رأس المال المطلوب لدعم جميع المشاريع ذات العائد الإيجابي المضمون، مع ضرورة تفعيل دور القطاع العام بصورة أوسع لاستقطاب رأس المال الخاص إلى الجوانب المحتاجة للتمويل، والتي تعاني نماذج عملها من فاعلية ضعيفة. ويُعتبر تمويل إجراءات التكيف مع التغير المناخي أحد أوضح الأمثلة ضمن هذا السياق، فلا تتجاوز حصة الاستثمارات الخاصة 1.6% من هذا التمويل. وتستطيع الحكومات بهذه الحالة توسيع قدراتها النقدية لتعويض مخاطر الاستثمار التي يعجز التأمين الخاص عن تغطيتها بدون مساعدة الحكومة. ويتعين على الحكومات اليوم، في ضوء تزايد المخاطر، زيادة معدلات الدخل لتجنب إخلال التوازن النقدي عند التدخل لمساعدة الجهات الخاصة.

ويتعين أيضًا إيجاد أسواق رأس مال وهيكليات تأمين جديدة، بهدف ضمان تمويل جانب الإمداد وتحديد إجراءات الحد من التأثير باعتبارها ملاذًا أخيرًا.21 ويمكن الاستفادة من هيكليات التأمين الجديدة في توفير التمويل والحد من المخاطر، بما في ذلك إطلاق سندات جديدة تحت اسم "سندات المرونة المعززة" و"سندات الكوارث"، بالاعتماد على التجارب الناجحة للسندات الاجتماعية والخضراء. وبدورها، تمثل القدرة على تقييم الكربون بالسيولة النقدية ركيزة أساسية في تمكين الحياد المناخي وتمويل عمليات إزالة الكربون من الأصول. كما تشكّل أسواق الكربون آلية تمويل فعالة، نظرًا لدورها المحوري في تشجيع الشركات على خفض انبعاثاتها الكربونية، مع اقتطاع أكثر من نصف التكاليف اللازمة لتحقيق أهداف الإسهامات المحددة وطنيًا. وما يزال المشهد الكربوني غير مستقر حتى الآن، غير أن مراكز تجارة الكربون تشهد تطورًا ملحوظًا بالفعل، فمثلًا أطلقت المملكة العربية السعودية منصة لتداول تعويضات الكربون، في حين أعلنت الحكومة الماليزية عزمها لإنشاء سوق كربون طوعي خلال عام 2023.

ضرورة دعم الاقتصادات والمجتمعات التي تفتقر للموارد المالية

يسهم تحديد الالتزامات الدولية والإيفاء بها في تأمين تدفق رأس المال اللازم إلى اقتصادات الدول النامية، مما يضمن دعم المجتمعات الأكثر فقرًا من حيث التكيف مع نقص الطاقة وزيادة الوصول إلى التعليم. ويتطلب تأمين برامج تعليم عالية الجودة شاملة وعادلة للجميع إنفاقًا سنويًا يتجاوز 500 مليار دولار، مع توقعات بازدياد فجوة تمويل التعليم بواقع 200 مليار دولار سنويًا بعد القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19 على الوصول إلى التعليم.

تطوير قدرات المرونة يستلزم استثمار مبالغ ضخمة مقدمًا، غير أن استثمار المبالغ المطلوبة بأسرع وقت ممكن يضمن توفير مزايا قيّمة.

يعتمد تعزيز أثر رأس المال المخصص للدول النامية على تخصيصه لدعم القطاعات الاقتصادية الأساسية، مع التركيز بشكل خاص على الشرائح السكانية الأكثر ضعفًا والشركات الصغيرة والناشئة التي تغطي حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي. وتتطلب هذه المساعي تعزيز الشمولية المالية بوتيرة متسارعة، ولا سيما مع وجود 1.4 مليار شخص من البالغين حول العالم لا يستخدمون المؤسسات المالية حتى الآن. ويستلزم تطوير قدرات المرونة استثمار مبالغ ضخمة مقدمًا، غير أن استثمار المبالغ المطلوبة بأسرع وقت ممكن يضمن توفير مزايا قيّمة تتجاوز حدود تعويض تكاليف الاستثمار. ولطالما تجاوزت مزايا تمويل المرونة التكاليف اللازمة له، لكن أهمية هذا التمويل آخذة بالازدياد بشكل مستمر نظرًا لارتفاع تواتر الأحداث العالمية المسببة للاضطرابات.

التنمية الاقتصادية المستدامة

تؤدي التنمية الاقتصادية دورًا محوريًا في تعزيز المرونة الوطنية للدول، وقدرتها على تجنب الاضطرابات الكبرى أو تحملها أو التعافي منها بسرعة، في حين يؤثر الضعف الاقتصادي سلبًا على مرونة الدولة. في حالات الصدمات التي تصيب مستويات الطلب ونقص في التوريدات وارتفاع التضخم والأزمات الاجتماعية، قد تتكبد الدول ذات الهياكل الاقتصادية الضعيفة خسائر سنوية بواقع الضعف في ناتجها المحلي بالمقارنة مع الدول ذات الهياكل الاقتصادية القوية. وتضمن التنمية الاقتصادية المتينة تعزيز المرونة من خلال تسجيل معدلات نمو مستقرة وإرساء سياسة نقدية مدروسة بعناية. ومن شأن هذا النموذج الاقتصادي توفير الموارد المالية وفرص النمو العادلة للجميع، مع رفد الأُسر ذات الدخل المنخفض بفرص عمل تضمن لهم دخلًا أعلى، والالتزام في الوقت نفسه بتحقيق أهداف المناخ وتعزيز استدامة الموارد الطبيعية. ويتعيّن إذًا على القادة والحكومات معالجة التحديات الكبرى التالية لضمان تفعيل التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة.

تزايد الفروقات وفرص النمو غير العادل يسهم في بروز نقاط ضعف عامة

تضاعف النمو العالمي ثلاث مرات خلال العقدين الأخيرين، غير أنه لم يكن عادلًا للجميع، إذ هيمنت نسبة 1% الأغنى من السكان عالميًا على 38% من الثروات العالمية المتراكمة خلال هذه الفترة.22 كما يعيش سبعة من كل عشرة أشخاص في دول تفتقر إلى التوزيع العادل في مستويات الدخل. ويظهر هذا التفاوت من خلال وجود فجوة متنامية بين متوسط دخل أعلى 10% من الأفراد بالمقارنة مع متوسط دخل شريحة الـ50% الأقل، حيث توسعت هذه الفجوة مراتٍ عديدة خلال العقود الماضية. فمثلًا، ارتفع متوسط ثروة العائلات ذات الأصول الأوروبية في الولايات المتحدة إلى أكثر من النصف بين عامي 1992 و2016، ليعادل عشرة أضعاف متوسط ثروة العائلات من أصول أفريقية ولاتينية، التي لم تطرأ أي تغييرات على ثرواتها خلال الفترة نفسها. وتشير الأبحاث الأخيرة إلى أن هذا النمو الكبير سيكبّد اقتصاد الولايات المتحدة تريليون دولار على الأقل من الاستهلاك والاستثمارات الضائعة خلال العقد القادم.23 وينعكس تزايد التفاوت ضمن الدول في خمس جوانب رئيسية، تشمل تدهور مخرجات الرعاية الصحية، والتفكك الاجتماعي، وتراجع تنمية رأس المال البشري والمستويات المعرفية والابتكار، وتقييد التنمية الاقتصادية، وتزايد معوقات الاستدامة.2424

أزمة تكاليف عالمية

تواصل تكاليف مقومات الحياة الأساسية ارتفاعها، وتستنزف جزءًا كبيرًا من القدرة الشرائية المتراجعة للعائلات. وتستأثر مستلزمات السكن بالحصة الأكبر من إنفاق العائلات بمعدل يصل إلى 24%. وبيّنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ارتفاع تكاليف السكن في 22 من دولها الأعضاء بنسبة وسطية وصلت إلى 21% بين عامي 2002 و2018. وبدورها، ارتفعت تكاليف التعليم بصورة أسرع بنسبة 5%، في حين ارتفعت تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 10%. وأسهم ارتفاع هذه التكاليف مجتمعة في استنزاف 29% من دخل العائلات، مما عرّض المزيد من العائلات والمجتمعات إلى مخاطر الفقر والحاجة. وفي دراسة تحليلية أجراها على 159 دولة نامية، تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى التأثيرات الكارثية التي تحملها الارتفاعات الحادة في أسعار السلع الأساسية على العائلات الأكثر فقرًا، حيث أدى ارتفاع الأغذية والطاقة عالميًا إلى وقوع 71 مليون شخص ضمن هذه الدول ضمن تصنيف الفقر بعد ثلاثة أشهر فقط.25

الاقتصادات النامية أكثر عرضة للاضطرابات وتواجه صعوبات أكبر بالتعافي منها

تتمثل العقبات الرئيسية أمام تعزيز المرونة والتعافي في التركيز المبالغ فيه على قطاعات أو سلاسل قيمة محددة، إلى جانب انعدام المرونة في أسواق العمل، وضعف الشبكات الاجتماعية الآمنة، ووجود نسبة بطالة كبيرة بين الشباب؛ حيث تعيق جميع هذه الظروف دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، إضافةً إلى تراجع جودة الخدمات والمؤسسات الحكومية. ويتوجب على قادة التنمية الاقتصادية معالجة هذه التحديات من خلال تنسيق الجهود والإجراءات ضمن خمسة مجالات:

  1. خفض تكاليف السكن والرعاية الصحية والطاقة من خلال إجراءات التدخل القابلة للتطوير والتوسع. يتعين على قادة التنمية الاقتصادية تحقيق التوازن بين المساعدات المباشرة، الهادفة إلى ردم الفجوات في الاقتصادات الضعيفة على المدى القصير، وبين إجراءات التدخل التي تساهم في خفض التكاليف على المدى الطويل. يمكن للمبادرات في أربعة مجالات تخفيض تكلفة الإسكان الميسر بنسبة تتراوح بين 20 و50%26، والتي تشمل إيجاد الأراضي المتاحة ومواءمة لوائح استخدام الأراضي، وخفض تكاليف البناء من خلال هندسة القيمة والمنهجيات الصناعية، وزيادة كفاءة العمليات والصيانة، وخفض تكاليف التمويل للمشترين والمطورين. ويجب أن تركز مبادرات خفض تكاليف الرعاية الصحية على استخدام التكنولوجيا، مثل الأتمتة والذكاء الاصطناعي، لتقليل النفقات الإدارية وتعزيز الرعاية الوقائية التي تساهم في خفض التكاليف طويلة الأمد. كما ينبغي على مبادرات خفض تكاليف الطاقة منح الأولوية للاستثمارات القادرة على الحد من تكاليف مصادر الطاقة المتجددة والكهربة.
  2. بناء قوى عاملة شابة ومرنة. تشير التقديرات إلى أن الشباب معرضون لمواجهة البطالة أكثر بثلاث مرات من الشرائح الأكبر سنًا، حيث وصل عدد الشباب العاطلين عن العمل على مستوى العالم إلى 73 مليون شخص في عام 2022. وتُعد بطالة الشباب من القضايا الملحة بالنسبة للاقتصادات النامية التي يتواجد فيها 90% من شباب العالم. ويجب أن يركز قادة التنمية الاقتصادية على السياسات والبرامج والاستثمارات التي تعزز الوصول إلى التعليم المبكر، وتستهدف تنمية المهارات ذات الصلة بالسوق، وتدعم التوجه الاجتماعي والمهني لدى الشباب. ويشير بحث ماكنزي إلى أن زيادة الانتساب إلى تعليم الطفولة المبكرة وصقل مهارات الموظفين الحاليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، التي تضم أكثر من 200 مليون شاب، يمكن أن تعزز الناتج الاقتصادي السنوي بنحو 200 مليار دولار أمريكي بحلول عام 204027
  3. تحسين الإنتاجية في بيئة العمل الشاملة في المستقبل. يمكن تحسين الإنتاجية من خلال الاستثمارات المتوازنة في التكنولوجيا وإرساء مستقبل عمل يتسم بالشمولية، حيث تساهم الاستثمارات في التكنولوجيا، مثل الأتمتة والذكاء الاصطناعي والنطاق العريض العالمي، في الارتقاء بمستويات الإنتاجية بصورة كبيرة. وتتوقع منظمة العمل الدولية أن نشر تغطية النطاق العريض على مستوى العالم بحلول عام 2030 يعني تزويد ثلاثة مليارات شخص بالإنترنت ممن لم يستخدموه سابقًا على الإطلاق، إلى جانب توفير 24 مليون فرصة عمل جديدة، منها 6.4 مليون فرصة عمل للشباب. كما يتوقع النموذج الاقتصادي للاتحاد الدولي للاتصالات أن زيادة انتشار اتصالات النطاق العريض بنسبة 10% ستسهم في رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1.6 إلى 2.0% في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. وبالتالي، يجب تحقيق التوازن بين الابتكارات التكنولوجية وتدابير العمل لضمان النمو الشامل، بما فيها صقل مهارات الموظفين المتأثرين بهذه الاضطرابات وتحسين مهاراتهم. وقد يساهم الاستثمار العالمي واسع النطاق في صقل مهارات الموظفين للانتقال إلى الوظائف الناشئة في إضافة 5 تريليون دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.
  4. دعم الشركات الصغيرة. تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 90% من الشركات وأكثر من 50% من الوظائف الموجودة في جميع أنحاء العالم، مما يجعلها من الأصول الأساسية للاقتصادات المرنة. ويجب على قادة التنمية الاقتصادية التركيز على ثلاث مبادرات رئيسية لدعم الشركات الصغيرة، وهي الوصول إلى التمويل وبناء القدرات وبرامج التوسع. وعلى سبيل المثال، حققت شراكة بين القطاعين العام والخاص لبناء القدرات الوظيفية في المغرب عائدات اقتصادية بنحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
  5. تحسين بيئة الاستثمار. لا شك أن تهيئة بيئة مواتية للاستثمار يحظى بأهمية كبيرة في استقطاب الاستثمارات الخاصة عالية الإنتاجية، وهي محرك ضروري للنمو والحد من الفقر. وأشار البنك الدولي إلى أنه بمقدور الحكومات توفير مناخ استثماري مواتٍ من خلال تحسين الفعالية الحكومية، بما في ذلك الجودة التنظيمية والحد من الفساد. وأظهر تحليل أجري على 80 دولة حدوث تحسن كبير في النمو الاقتصادي نتيجة لزيادة الفعالية الحكومية؛ وأثمرت زيادة وحدة واحدة في مؤشر الفعالية الحكومية عن رفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.68 نقطة مئوية.

التعاون بين القطاعين العام والخاص

يُعد بناء الاقتصادات المرنة أحد أكثر المساعي استهلاكًا لرأس المال على الإطلاق، إذ من المتوقع أن تبلغ فجوة الإنفاق على البنية التحتية العالمية وحدها 5.5 تريليون دولار أمريكي سنويًا بين عامي 2017 و2035. وتساهم الشراكات الفعالة ونماذج توزيع المخاطر في دعم التعاون بين القطاعين العام والخاص لردم الفجوات في قيود الميزانية والخبرات والابتكار، فضلًا عن تحولها إلى فرص استثمارية مجزية من شأنها زيادة نتائج المرونة للمجتمع. وكانت إجراءات القطاعين العام والخاص غير المسبوقة خلال جائحة كوفيد-19 خير مثال على الشراكات المبتكرة في المجالات التي تبرز فيها أهمية بناء المرونة.

تساهم الشراكات الفعالة ونماذج توزيع المخاطر في دعم التعاون بين القطاعين العام والخاص لردم الفجوات في قيود الميزانية والخبرات والابتكار.

ويفرض التعاون بين القطاعين العام والخاص تحديات يتعين على قادة العالم النظر فيها بمنتهى الجدية. ولم نشهد حتى اليوم الكثير من المشاريع العالمية بين القطاعين العام والخاص التي تعالج مشاكل المرونة على نطاق واسع. كما شكل إنتاج لقاح أكسفورد/أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19 أوضح مثال على نوع الشراكة التي تسعى أجندة المرونة إلى تشجيعها في جميع مجالات المرونة.28 وعادةً ما يركز التعاون بين القطاعين العام والخاص على القطاعات غير الاجتماعية والبنية التحتية الثقيلة. ومع ذلك، تتزايد الحاجة إلى تعزيز المرونة على المستويات الاجتماعية أيضًا، بما في ذلك التعليم وتطوير المهارات والرعاية الصحية. وعلى الصعيد العالمي، شكلت المشاريع بين القطاعين العام والخاص في القطاع الاجتماعي نسبة 5% فقط من المشاريع الممولة في السنوات الـ 15 الماضية. كما يحظى التعاون الكبير بين القطاعين العام والخاص، الذي يشمل الحكومات والشركات الكبرى، بمعظم التمويل والاهتمام. وتتسم المشاريع الصغيرة الموجهة لدعم المجتمعات المحتاجة بأهمية كبيرة دون استثناء، إذ عادة ما تستمر هذه المشاريع (ويكون حجمها بين 10 آلاف و50 مليون دولار أمريكي) لمدة عامين وتشكل اليوم 40% من صفقات المشاريع العالمية المسجلة بين القطاعين العام والخاص.

ونواجه اليوم أربعة تحديات رئيسية في زيادة قيمة المشاريع بين القطاعين العام والخاص خلال دورة حياتها؛ والتي تتمثل بعدم وجود محفظة مستقرة ومتوازنة من المشاريع المتوافقة مع خطط التنمية الوطنية، وعدم الكفاءة في تحديد أولويات المشاريع، وعدم فعالية إدارة المشاريع، وسوء توزيع المخاطر بين الهيئات العامة والخاصة. وتشهد المشاريع بين القطاعين العام والخاص التي تخفق في تجاوز هذه التحديات زيادات في التكاليف وحالات تأخير وتعقيدات متزايدة، وقد يكون مآلها الفشل29

ويتوجب على القادة معالجة هذه التحديات من خلال تنسيق الجهود والإجراءات وفق ما يلي بهدف تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص وزيادة المرونة على المدى البعيد:

  1. تحديد أجندة عالمية للمرونة تعتمد على مجموعة من المشاريع المشتركة والقابلة للتوسيع بين القطاعين العام والخاص. يستلزم بناء المرونة من القادة التعاون لتمويل مجموعة من المشاريع المخصصة لمعالجة نقاط الضعف والمتطلبات في مختلف جوانب المرونة، مع ضرورة معالجة التحديات الملحّة للمرونة على نطاق عالمي، بما فيها أمن الطاقة وتوافر الغذاء وجودة الهواء.
  2. تطوير نماذج تعاون مبتكرة. تضمن هذه النماذج توسيع الشراكات المعنية بالمرونة بين القطاعين العام والخاص، لتشمل نطاقًا أوسع من مجالات العمل والجهات المعنية. ويجب تنسيق الابتكار ضمن هذه النماذج مع منهجيات استباقية، والتي تجمع الجهود المشتركة لقادة الحكومة والقطاع الخاص في إطار علاقات تعاون تلبي احتياجات متوقعة على المدى البعيد. وضمن هذا السياق، تستفيد الهيئات الوطنية المسؤولة عن المشتريات من جهود تطوير المعايير ونشرها بهدف تعزيز التنافسية والاستمرار بحماية حقوق الملكية الفكرية للجهات القانونية المعنية. كما تظهر أهمية إرساء نماذج عمل تتقاطع بين العديد من القطاعات وفئات الأصول، بغرض توسيع فائدة الخبرات التراكمية للقطاعين العام والخاص على امتداد سلسلة القيمة للمرونة. فعلى سبيل المثال، تستطيع الحكومات التعاون مع الشركات الخاصة لتطوير حلول متكاملة لتحويل النفايات إلى طاقة، بدلًا من الاقتصار على إنشاء محطات بسيطة للقيام بهذه المهمة. وتنبع أهمية مقترحات القيمة المتكاملة من دورها المحوري في تحسين المخرجات وقابلية التطوير عبر تعزيز إمكانية تكرار المشاريع واستدامتها. ويمكن أيضًا توفير فرص أكثر لإقامة المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص من خلال زيادة مشاركة المنظمات المحلية والتابعة للبلدية، بالإضافة إلى تأمين الدعم من الحكومة المحلية، وبناء القدرات وتوفير الدعم المحلي المتخصص، والتواصل مع المستثمرين والرعاة والشركاء التقنيين محليًا، وتعزيز التنسيق على الصعيد المحلي، واستكشاف الفرص المتوفرة في القطاعات غير التقليدية وفئات الأصول الجديدة، مثل الشركات المتخصصة بالبنى التحتية التابعة للبلديات.
  3. تحديد إجراءات مبتكرة لتحقيق القيمة. يتوجب على القادة تطوير إجراءات ومعايير مبتكرة تضمن تحقيق القيمة فعليًا، بهدف الاستفادة من الإمكانات والمزايا التي يوفرها التعاون بين القطاعين العام والخاص لمختلف جوانب المرونة. فمثلًا، يمكن للمؤسسات المالية الدولية، المتخصصة في مجال التعاون بين الجهات العامة والخاصة، تحديد مبادئ محاسبة تركز على الثروات والموارد الطبيعية، والتي يمكن للحكومات الاستفادة منها في عمليات تحليل القيمة مقابل المال ومكافحة الممارسات السيئة مثل التضليل البيئي.
  4. ضمان التميّز في تنفيذ المشاريع المشتركة بين القطاعين. يتطلب تميّز تنفيذ المشاريع التركيز على خمسة جوانب رئيسية، تتمثل في اختيار المشاريع بعناية، واعتماد هيكليات تحديد المخاطر بناءً على حالات سابقة وناجحة لمشاريع مشتركة بين القطاعين الخاص والعام من مختلف أنحاء العالم، وتمكين التواصل الفعّال بين الحكومة والجهات المعنية، وتحقيق أفضل قيمة ممكنة من هذا التواصل، وتبسيط آليات الدفع وتسليم المدفوعات في الوقت المناسب. وغالبًا ما ترتبط كفاءة المشاريع وفعاليتها بمدى النجاح في تحقيق أفضل مستويات المشاركة من القطاعين، بالإضافة إلى نقل المخاطر والمواءمة بين الحوافز. لذا يتعين على صنّاع السياسات التنسيق مع جهات القطاع الخاص حول آلية تحديد المخاطر المرتبطة بالأسعار على طول دورة حياة المشروع، إلى جانب المواءمة بين الحوافز ودراسة آثارها المحتملة على الجوانب التجارية والمالية بشكل خاص. ويضمن هذا التنسيق مشاركة خبرة الجهات الخاصة في إدارة المخاطر التجارية والمالية مع شركائها من القطاع العام، مع توفير الحوافز ضمن مستويات مدروسة تضمن تحقيق مخرجات ناجحة، وتعزيز المكاسب من ناحية الكفاءة، وتوفير القيمة.

الخلاصة: دعوة للتحرك

يقدم المنتدى الاقتصادي العالمي في هذه المقالة، التي طورها بالتعاون مع ماكنزي آند كومباني، أول نظرة متكاملة حول أجندة المرونة. ونأمل أن نكون قد سلطنا الضوء على مجالات المرونة الرئيسية التي يجب تركيز جهود التحول عليها، وعلى عوامل التمكين اللازمة لتحقيق هذه المرونة. وتتضمن هذه الأجندة التزامات غير مسبوقة بين القطاعين العام والخاص على مستوى عالمي، غير أنها أصبحت ضرورية نظرًا لتراكم الأزمات والاضطرابات المختلفة مؤخرًا. ويتوجب على الجهات المعنية في جميع أنحاء العالم المسارعة لاعتماد هذه الأجندة، مستفيدين من زخم الجهود المستمرة التي أطلقتها العديد من المنظمات مؤخرًا بهدف ترميم المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والارتقاء بها.

ومن الضروري بهذا السياق الإشادة بجهود ائتلاف المرونة، الذي يضم قادة من القطاعين العام والخاص ملتزمين بالتعاون لبناء المرونة على الصعيد العالمي في جميع المناطق والاقتصادات والقطاعات. كما نشجع على انضمام أعضاء جدد للمساهمة في جهود الائتلاف. وبات التحرك خطوةً ملحةً، إذ تحدد القرارات السياسية والالتزامات المالية التي يتم التعهد بها اليوم المسار المستقبلي للعالم والاقتصادات والمجتمعات. لذا تتيح أجندة المرونة لصنّاع السياسات وقادة الأعمال التحرك للاستفادة من الفرص المتوفرة وتحقيق نمو عالمي مستدام وشامل على المدى البعيد.

Explore a career with us