يُعرّف رأس المال الاجتماعي بأنه العلاقات المهنية والروابط والمعايير المشتركة والثقة التي تجمع الموظفين والفرق وقادة الشركات، وهو بمثابة الإطار الذي يحافظ على ترابط الشركات. وتساهم العلاقات المتينة بين أفراد الفريق الواحد في زيادة إنتاجيتهم وكفاءتهم في العمل، وتؤكد الأبحاث أن ثقة الزملاء بمدرائهم وببعضهم البعض تعزز تفاعلهم واستعدادهم لبذل جهود إضافية، كما تزيد احتمالية مواصلة عملهم لدى الشركة وتوصية الآخرين بالانضمام إليها، وهو ما يؤكد أهمية رأس المال الاجتماعي بالنسبة لأداء الشركات.
وقد تراجعت العلاقات في أماكن العمل منذ بداية أزمة كوفيد-19، حيث أجرينا مؤخرًا استبيانًا شمل نحو 5,500 موظف في الولايات المتحدة حول مستوى العلاقات المهنية والتواصل داخل الشركات وخارجها. وأشار أكثر من 75% من الموظفين العاملين في الوظائف التقليدية -وبخاصة النساء وموظفو الخطوط الأمامية- إلى انخفاض تواصلهم مع الآخرين وتراجع شبكة علاقاتهم المهنية، فضلًا عن بذلهم جهودًا أقل لبناء علاقات جديدة منذ بداية الجائحة الصحية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ويدعو هذا التراجع للقلق خاصة مع استمرار تسرب الموظفين في جميع أنحاء العالم وبمعدلات غير مسبوقة، ودون تأمين عمل بديل في الغالب، على الرغم من الانكماش الاقتصادي الذي يلوح في الأفق. وقد كشف بحث ماكنزي الأخير حول التسرب الوظيفي، والذي شمل 13 ألف موظف من ست دول يعملون في 16 قطاع، عن أن اثنين من كل ثلاثة موظفين يفكرون في ترك وظائفهم خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة.
ويترتب على الشركات نتيجةً لذلك، إدارة التكاليف المالية وتكاليف الفرص البديلة المرتبطة بالتسرب الوظيفي. فعلى سبيل المثال، أفادت شركة "جالوب" بأن تكلفة استبدال موظف واحد تتراوح بين نصف إلى ضعفي راتب الموظف السنوي، عدا عن الخسائر في الإنتاجية والخبرات.
وخلال الفترة التالية للجائحة الصحية، يعتمد نجاح الشركات في استقطاب الموظفين الجدد والمحافظة على موظفيها على التوصيات، والعلاقات الشخصية، والسمعة التي تحظى بها الشركات من حيث مستويات الشمولية ومستوى العلاقات الاجتماعية فيها. ويفرض هذا الواقع على قادة الشركات اعتماد آلية منهجية وهادفة لإدارة رأس المال الاجتماعي لديهم، وبالطريقة ذاتها التي يديرون بها شؤونهم المالية وكوادرهم البشرية وباقي أشكال رأس مال الشركة. ويمكنهم البدء بتقييم رأس المال الاجتماعي في الشركة وفق ثلاثة أبعاد:
- التحفيز. ما مدى استعداد الموظفين لبناء العلاقات والحفاظ عليها، وهل تتوفر لهم البيئة الملائمة التي تشجع على بناء هذه العلاقات؟
- سهولة الوصول. هل يحظى الموظفون بالوصول إلى العلاقات والشبكات المهنية التي يسعون لبنائها؟
- الكفاءة. هل تتوفر لدى الموظفين العوامل اللازمة لبناء العلاقات والشبكات المهنية والحفاظ عليها، مثل الوقت والموارد والمهارات وغيرها؟
وبناءً على هذه التقييمات، يمكن لقادة الشركات استخدام ركائز عديدة مع مجموعة من المبادرات الفردية والمؤسسية بهدف بناء العلاقات في مكان العمل أو تعزيزها. فعلى سبيل المثال، يمكن للقادة دمج متطلبات التواصل أو بناء العلاقات ضمن تقييمات الأداء على المستوى المؤسسي، إلى جانب تقديم فرص التدريب والتوجيه للموظفين بطرق تعزز التفاعل والعلاقات في مكان العمل.
وتقدم هذه المقالة نتائج من بحث ماكنزي حول رأس المال الاجتماعي، وتقترح أساليب تتيح لقادة الشركات مساعدة الموظفين والفرق على إعادة بناء رأس المال الاجتماعي وتعزيزه والاستفادة منه. ويتيح اهتمام الشركات برأس المال الاجتماعي مساعدة الموظفين على العودة للعمل من المكتب، فضلًا عن تعزيز إنتاجيتهم وتزويدهم بأماكن عمل متميزة، وهو ما ينعكس إيجابًا على الأداء المؤسسي.
رأس المال الاجتماعي
كشفت عقودٌ من الأبحاث الأكاديمية أن رأس المال الاجتماعي ينطوي على فوائد كبيرة بالنسبة للأفراد والمؤسسات، بما يشمل خفض معدلات تسرّب الموظفين، وتحسين الأداء الفردي والجماعي، وتعزيز مشاركة المعارف والابتكار، وتوفير مزيد من فرص التطور الوظيفي.
وبيّن بحث ماكنزي في هذا الصدد بأن الموظفين الذين يتمتعون بعلاقات مهنية قوية يشيرون إلى حصولهم على مستويات أعلى من دعم التطور الوظيفي (وهو دعم الإدارة العليا أو الزملاء لتطورهم المهني)، بنسبة أكبر بمرتين ويشعرون، بالانتماء للشركة وبالتفاعل والاندماج في العمل بنسبة أكبر بمرة ونصف، بالمقارنة مع الموظفين أصحاب العلاقات المهنية الضعيفة.
كما كشفت الدراسة عن تباطؤ تطوير العلاقات القائمة على تبادل المنفعة في مكان العمل منذ بداية أزمة كوفيد-19.
محفزات بناء رأس المال الاجتماعي
أفاد أقل من نصف المشاركين في الدراسة بأنهم بذلوا جهودًا لبناء شبكات علاقاتهم المهنية. وقال 24% فقط من المشاركين في الدراسة، التي شملت نحو 5,500 شخص، إنهم يركزون على إعادة التواصل مع معارفهم السابقين ضمن شبكة علاقاتهم المهنية منذ بداية أزمة كوفيد-19، كما يركز 28% منهم فقط على بناء علاقات جديدة، بينما 31% منهم ركزوا على توطيد العلاقات الحالية. وتنسجم هذه البيانات مع الأبحاث الأخرى التي أظهرت بأن تركيز الموظفين بعد الجائحة الصحية انتقل نحو تعميق العلاقات مع زملائهم المقربين وأفراد فريق عملهم، بدلًا من بناء علاقات جديدة أو توطيدها مع زملاء جدد أو غير مباشرين.
ويبرز غياب التحفيز لبناء رأس المال الاجتماعي في جميع القطاعات وبنسب مختلفة. ورجّح نحو 53% من الموظفين في قطاع التكنولوجيا، على سبيل المثال، سعيهم إلى بذل جهود لتعزيز علاقاتهم الحالية، مقارنةً مع 12% فقط من موظفي القطاع العام. وتبرز مجموعة من الأسباب وراء هذا التباين، بما في ذلك وصول موظفي قطاع التكنولوجيا بشكل أكبر إلى الأدوات والمنصات اللازمة لبناء العلاقات عن بُعد وتطويرها.
كما يظهر فارق كبير في مستويات التحفيز بين الرجال والنساء، وبحسب المناصب الوظيفية المختلفة، حيث أشار نصف الرجال المشاركين في الدراسة إلى أنهم يسعون للتواصل مع جهات اتصالهم القديمة وبناء علاقات جديدة وتوطيد العلاقات القائمة. وبالمقابل، أفاد أقل من ربع النساء المشاركات في الدراسة بأنهن يسعين لتحقيق مثل تلك الأهداف، وهو ما يطرح تساؤلات حول تراجع شبكات العلاقات المهنية لدى النساء تزامنًا مع مغادرة أعداد أكبر منهن لوظائفهن (الشكل 1). وأشار نحو نصف القادة رفيعي المستوى المشاركين في الدراسة إلى سعيهم لتعزيز شبكة علاقاتهم، مقابل 15% فقط من موظفي الخطوط الأمامية.

كما قال نحو نصف الموظفين غير التقليديين المشاركين في الدراسة (من أصحاب المهن المستقلة أو العاملين بدوام جزئي) إنهم يبذلون جهودًا مماثلة تقريبًا لتوطيد علاقاتهم القديمة وبناء علاقات جديدة، إذ يحتاج هؤلاء الموظفون إلى شبكة واسعة من العلاقات للحصول على فرص العمل.
الوصول إلى رأس المال الاجتماعي
أشار الموظفون عمومًا إلى افتقارهم لفرص بناء العلاقات أو ضعف تواصلهم مع الأشخاص داخل أو خارج الشبكات المهنية في شركاتهم. وأفاد 14% فقط من المشاركين في الدراسة بنمو شبكات علاقاتهم المهنية منذ بدء الجائحة الصحية؛ وأشار 22% منهم إلى تحسن علاقاتهم مع محيطهم المهني داخل شركاتهم؛ وقال 17% منهم إن علاقاتهم خارج الشركة أفضل من داخلها.
ويتفاوت الوصول إلى رأس المال الاجتماعي بين القطاعات، حيث أشار نحو 30% من الموظفين في قطاعي المصارف والتكنولوجيا إلى أن علاقاتهم المهنية تحسّنت منذ بداية الجائحة الصحية. بينما تنخفض هذه النسبة إلى 10% لدى موظفي قطاعات السلع الاستهلاكية والتجزئة والتعليم وأنظمة الرعاية الصحية وخدماتها والقطاعات العامة (الشكل 2).

تبرز قلة الوصول إلى رأس المال الاجتماعي بشكل أكبر لدى النساء وموظفي الخطوط الأمامية، حيث أشارت 11% فقط من النساء المشاركات في الدراسة إلى نمو شبكة علاقاتهن المهنية في العامين الماضيين (مقابل 17% من الرجال). وأفادت 16% فقط من النساء بتحسن تواصلهن مع محيطهن المهني (مقابل 28% من الرجال)، كما أشارت 12% من النساء إلى نمو شبكة علاقاتهن المهنية (مقابل 24% من الرجال). وتعود هذه النسب بشكل جزئي إلى المسؤوليات الإضافية التي تحملتها النساء خلال أزمة كوفيد-19.
وأفادت نسبة 9% فقط من موظفي الخطوط الأمامية بتحسن علاقاتهم مع شبكتهم المهنية خلال السنوات القليلة الماضية، مقارنةً مع 22% من موظفي الإدارة التنفيذية و45% من المسؤولين رفيعي المستوى (الشكل 3).

وبقي الوصول إلى رأس المال الاجتماعي أكثر استقرارًا لدى الموظفين غير التقليديين مقارنةً مع نظرائهم التقليديين، حيث أشار 28% من الموظفين غير التقليديين المشاركين في الدراسة إلى نمو شبكة علاقاتهم المهنية (مقارنةً مع 12% من نظرائهم التقليديين)، بينما أكد 45% منهم على تحسّن تواصلهم مع شبكة علاقاتهم المهنية (مقارنة مع 19% من الموظفين التقليديين).
وأشار المشاركون في استبياننا عمومًا إلى تفاعلهم بشكل أكبر مع زملائهم في العمل بالمقارنة مع الأشخاص من خارج الشركة، وتشير الأرقام إلى أن غالبية أنشطة التفاعل هذه تخص أمور العمل؛ حيث أفاد 57% منهم بأنهم يشاركون معلومات مرتبطة بالعمل مع شبكة علاقاتهم المهنية، مقابل 48% ممن يشاركون النصائح المهنية، في حين اقتصر التفاعل في الأنشطة الاجتماعية على 29% من المشاركين.
القدرة على بناء رأس المال الاجتماعي
كشف بحثنا أن نصف المشاركين تقريبًا يعتقدون أنهم قادرون على بناء علاقاتهم المهنية والحفاظ عليها. ويعتقد 46% منهم بأن بناء علاقاتهم المهنية جزءٌ من وظائفهم؛ وأكد 47% من المشاركين امتلاكهم الوقت الكافي لبناء علاقاتهم المهنية والحفاظ عليها. وتنخفض هذه النسبة لدى موظفي الخطوط الأمامية مقارنةً مع المسؤولين رفيعي المستوى والمدراء التنفيذيين، غالبًا بسبب طبيعة وظائف الخطوط الأمامية وتركيزها على المهام قصيرة الأمد.
وتتراجع التباينات بين الموظفين التقليديين وغير التقليديين من حيث القدرة على بناء رأس المال الاجتماعي، إذ يعتقد 49% من الموظفين غير التقليديين أنهم قادرون على تنمية علاقاتهم المهنية والحفاظ عليها، مقابل 54% من الموظفين التقليديين. كما يرى 44% من الموظفين غير التقليديين بأن بناء علاقاتهم المهنية جزءٌ من وظائفهم، مقابل 46% من الموظفين التقليديين. وأكد نحو نصف الموظفين التقليديين وغير التقليديين (46% و47% على التوالي) أنهم يمتلكون الوقت الكافي لبناء علاقاتهم المهنية وتطويرها.
كيفية بناء رأس المال الاجتماعي (أو إعادة بناءه)
سلّط بحثنا الضوء على أوجه القصور التي تواجه الشركات في مجال العلاقات في مكان العمل، إذ يتعين على قادة الشركات إجراء تقييماتهم المنهجية الخاصة حول حالة رأس المال الاجتماعي في شركاتهم، والاستناد إليها لتطوير مجموعة مبادرات مخصصة وشاملة لردم الهوة القائمة في هذا المجال. وأظهر بحث ماكنزي أنه بإمكان القادة ضمان أن تكون التغييرات أكثر قابلية للاستمرار، من خلال حرصهم على توضيح أهمية هذه التغييرات، فضلًا عن تحديث العمليات والأنظمة الرسمية لدعمها، وصياغة أساليب جديدة للعمل، وضمان تزويد الموظفين بالتدريب اللازم لتحقيق النجاح.
التحفيز: إعادة تعريف المناصب والمسؤوليات
يمكن للشركات طرح رأس المال الاجتماعي باعتباره عاملًا محوريًا في التطور المهني للموظفين، بالإضافة إلى تشجيعهم على بنائه كجزء من مسؤولياتهم ضمن الشركة. فعلى سبيل المثال، يعمل المسؤولون رفيعو المستوى في إحدى شركات التجزئة على إعادة تقييم مؤشرات الأداء الرئيسية لديهم، لتحديد مدى حاجتهم إلى مزيد من المؤشرات المرتبطة بالعلاقات المهنية (مثل المقاييس ذات الصلة بالتعاون والتدريب وإنشاء العلاقات) وتقليل الأهداف العملية بهدف منح الموظفين وقتًا أكبر لبناء العلاقات ومجتمع الشركة. وتعتقد إدارة الشركة بقدرة هذه المنهجية مع الوقت على تعزيز تبادل المعارف والتفاعل بين الموظفين.
ويتعين على قادة الشركات أخذ الوقت الكافي لتحديد أماكن نقص الحوافز، حيث تكشف بياناتنا مثلًا عن وجود تحديات في هذا الإطار لدى موظفي الخطوط الأمامية والنساء. ويمكن لقادة الشركات إنشاء خريطة لمجموعات الموظفين ذوي التوجهات المتماثلة وغيرها من المجموعات الخاصة بالمهتمين بالتواصل مع الآخرين، حيث يفيد هذا التقييم في تحديد المجموعات المهمة التي لا تحصل على الاهتمام والمشاركة الكافيين. ويمكن لقادة الشركات، بمجرد حصولهم على هذه المعلومات، الاستثمار في برامج تحفز مشاركة الموظفين في شبكات العلاقات المهنية الخارجية (مثل المؤتمرات المهنية)، وتسهيل التفاعل بين الموظفين الحاليين والسابقين، وإنشاء علاقات مع الموظفين السابقين، إضافة إلى تخصيص موارد لتوفير فرص التواصل للنساء وموظفي الخطوط الأمامية وباقي المجموعات المتأثرة.
كما بإمكان قادة الشركات على المدى الطويل السعي لتعديل كامل منظومة المواهب لديهم، بدءًا من التوظيف ووصولًا إلى إدارة الأداء، بهدف تحفيز الموظفين للتركيز على رأس المال الاجتماعي. ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال إدخال مصطلحات مثل "التواصل" و"التعاون" إلى الوصف الوظيفي، مع الإشارة إلى رأس المال الاجتماعي بوضوح بوصفه قيمة أساسية في الشركة، ومكافأة جهود الموظفين من مختلف المستويات الرامية إلى بناء رأس المال الاجتماعي وتطويره وضمان استدامته. وعلى سبيل المثال، قامت شركة أمريكية متخصصة في الخدمات الصناعية بإنشاء برنامج توصية على المستوى الوطني، والذي يكافئ الموظفين مقابل اقتراح مرشحين للوظائف في جميع مواقع الشركة. وتستفيد الشركة من شبكة العلاقات هذه لدعم عملية التوظيف لديها. وتعمل شركات أخرى على إعادة صياغة مقابلات الاستقالة لديها بحيث تشمل التشجيع على الانضمام لشبكات الموظفين السابقين، الأمر الذي يتيح للموظفين الحفاظ على علاقتهم مع المؤسسة.
الوصول: وضع مخطط للعلاقات المهنية
أظهرت نتائج دراستنا أن الوصول إلى رأس المال الاجتماعي يمثل تحديًا واضحًا أمام الموظفين، إذ أشار العديد منهم إلى تراجع تواصلهم مع محيطهم المهني داخل شركاتهم وخارجها منذ بدء أزمة كوفيد-19. ويتوجب على قادة الشركات تحديد مدى إمكانية وصول الموظفين إلى رأس المال الاجتماعي، مع إمكانية الاستفادة من قدرات التحليلات المتقدمة التي توفر إمكانيات غير مسبوقة في هذا المجال.
وعلى سبيل المثال، تستخدم إحدى شركات الإلكترونيات البيانات الخاصة بالموارد البشرية والمرافق والعمليات (مثل الدعوات، والرسائل الإلكترونية، وأنظمة معلومات الموارد البشرية وغيرها)، بالإضافة إلى التحليلات المتقدمة، بهدف وضع مخطط لتناقل المعرفة وباقي أنشطة التفاعل الشخصية في الشركة. وتمكنت هذه الشركة من تحديد الموظفين الأكثر تفاعلًا وتأثيرًا، وعملت على تفعيل مشاركة هؤلاء المؤثرين بشكل منهجي، بوصفهم مساهمين محوريين في إنشاء مزيد من الاتصالات بين الأفراد والمجموعات الذين يصعب تحقيق التواصل بينهم بطرق أخرى. وأنشأت الشركة، بالاعتماد على تخطيط التبادل المعرفي ضمنها، عملية موثوقة وقابلة للتكرار من أجل مراقبة المجموعات المجتمعية وتحديد الفرص لبناء رأس المال الاجتماعي وتعزيزه.
كما استخدمت شركات أخرى برامج الإرشاد ودعم التطور المهني بهدف تسهيل التواصل بين الموظفين وإضفاء طابع مؤسسي على رأس المال الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، أطلقت إحدى شركات التكنولوجيا خدمة تتيح لمطورات البرمجيات الوصول إلى المرشدين الوظيفيين، وذلك بناءً على نتائج استبيان كشف أن أقل من ثلث مطورات البرمجيات في الشركة يستفدن من دعم المرشدين الوظيفيين. فيما حرصت شركة أخرى متعددة الجنسيات على تكريم "داعمي التطور الوظيفي" المتميزين سنويًا في جميع مناطق تواجدها ووحدات أعمالها. وساهمت هذه الجوائز السنوية في تحفيز الآخرين على المبادرة ليلعبوا دور مرشدين أو داعمين للتطور الوظيفي، وبالتالي زيادة حصيلة رأس المال الاجتماعي في الشركة.
القدرة: تخطي الحواجز المؤسسية
يمكن لقادة الشركات تقييم قدرات الموظفين وعقلياتهم وسلوكياتهم في سياق بناء رأس المال الاجتماعي، كما بوسعهم تنظيم مجموعات تركيز بمشاركة الموظفين بهدف معرفة المزيد حول التحديات التي تواجههم لبناء العلاقات المهنية وتطويرها. وعلى صعيد التفاعلات الشخصية، يستطيع قادة الشركات إعادة تصميم المساحات المكتبية لتشجيع التفاعل العفوي بين الموظفين الأقل تواصلًا، حيث يمكن إنشاء مزيد من غرف الاجتماعات لتعزيز التعاون، أو إتاحة دخول المكاتب الخاصة أمام الموظفين الذين يرغبون أو يحتاجون استخدامها، وتوفير مساحات جلوس مفتوحة لتحفيز اللقاءات العفوية. كما قامت شركة التجزئة التي ذكرناها سابقًا بإعادة هيكلة أسبوع العمل لديها، بما يضمن استثمار وقت تواجد الموظفين في مكاتبهم في تعزيز الروابط بينهم (مثل جلسات العصف الذهني والجلسات الجماعية لاستعراض المستجدات)، بدلًا من الجلسات الفردية المركّزة التي تتلاءم أكثر مع نموذج العمل عن بُعد.
يمكن لقادة الشركات أيضًا دمج النقاشات حول رأس المال الاجتماعي في برامج التعلم لديهم، ولا سيما في برامج التطوير القيادي، بما يضمن فهم الجميع أهمية رأس المال الاجتماعي وكيفية إنشاء العلاقات والحفاظ عليها وتحفيز الآخرين على فعل ذلك.
غالبًا ما يفترض قادة الشركات بأن العلاقات في مكان العمل تحدث عرضيًا، وكان هذا الاعتقاد سائدًا بشكل أكبر في فترة ما قبل كوفيد-19. ويتعين على قادة الأعمال النظر إلى التعاون والتواصل من منظور مختلف في ظل واقع العمل الهجين بعد الأزمة ، حيث تكون بيئة العمل افتراضية كليًا وساعات العمل المكتبي متفاوتة بين الموظفين. ويبحث الموظفون في وظائفهم عن تكوين العلاقات وتحقيق الذات والأهداف. لذا لم يعد رأس المال الاجتماعي مجرد رفاهية، بل أصبح أداةً أساسية تتيح لقادة الشركات استقطاب أفضل الموظفين وتعيينهم والمحافظة عليهم ومساعدتهم على تحقيق أهداف الأداء أو حتى تخطيها. لذا يتعين على القادة إدارة رأس المال الاجتماعي بطريقة هادفة على غرار باقي أنوع رأس مال الشركة.