ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
يرى كبار المديرين التنفيذيين أن الابتكار هو سلاحهم الأقوى لتعزيز الميزة التنافسية وتحقيق النمو لشركاتهم. ومع ذلك، تُظهر نتائج "الاستطلاع العالمي الأخير لماكنزي حول الابتكار" تباينًا واضحًا بين هذا الاعتقاد من جانب، ومستويات الإنفاق الفعلية على الابتكار والعائدات المتوقعة منه في العديد من القطاعات من جانبٍ آخر.1
مع تصاعد وتيرة التقلبات الاقتصادية، يميل العديد من قادة الأعمال إلى التركيز على تحقيق الأرباح السريعة، مما يدفعهم إلى تأجيل المشاريع طويلة الأجل التي تهدف إلى تعزيز النمو. إلا أن ما قمنا به من الأبحاث الممتدة أثبتت أن الشركات التي تعتمد استراتيجيةً استثماريةً شاملة ومستدامة عبر مختلف الدورات الاقتصادية تحقق أداءً يفوق منافسيها باستمرار.2
لم يعد الابتكار خيارًا يمكن تأجيله في ظل التقلبات التي تمر بها الأسواق، بل أصبح ضرورةً لمواجهة هذا المشهد الضبابي. ومع غياب رؤيةٍ واضحةٍ للمستقبل، تزداد الحاجة إلى تكييف نماذج الأعمال والعمليات ووضع خطط نموٍ مرنة قادرة على الاستمرار لما بعد الأزمات. فلا يمكن أن تقف الشركات مكتوفة الأيدي في انتظار أن تهدأ الأوضاع حتى تبدأ في إطلاق خططها الاستثمارية لدفع عجلة النمو، خاصةً مع صعوبة التنبؤ بمدة هذه التقلبات، بل عليها التكيف مع الأوضاع الحالية من خلال قراراتٍ مدروسة قصيرة الأجل، مع الحفاظ في الوقت نفسه على بناء محفظةٍ استثمارية تضمن النجاح المستدام.
توقعات كبيرة بتحقيق عوائد ضخمة في ظل تخصيص ميزانية محدودة
مع نهاية عام 2024، قام فريقنا بإجراء استطلاعٍ للرأي شمل 1,017 مسؤولًا تنفيذيًا في قطاعاتٍ متنوعة حول العالم، للتعرف على استراتيجياتهم في تمويل الابتكار. وقد كشفت نتائج الاستطلاع عن سعي معظم الشركات إلى زيادة عوائدها من الابتكار من دون رفع ميزانياتها. فقد أقر نحو 60 في المائة من المشاركين بتجميد أو خفض مخصصاتهم الموجهة للابتكار، في حين حافظ 30 في المائة فقط على مستوى التمويل ثابتًا دون تغيير (الشكل 1).
ومن اللافت أن الشركات ذات الأداء الاقتصادي المتميّز3 أظهرت استعدادًا أكبر لزيادة استثماراتها في الابتكار بنسبةٍ بلغت 61 في المائة مقارنةً بغيرها. كما أبدت قطاعاتٌ مثل الرعاية الصحية، والأدوية، والسلع الاستهلاكية، والتكنولوجيا رغبةً أوضح في تعزيز إنفاقها على الابتكار.
ورغم اتجاه العديد من الشركات إلى تقليص إنفاقها، إلا أنها لا تزال تعتبر الابتكار أولويةً استراتيجيةً للنمو. إذ يتوقّع ثلث المديرين التنفيذيين المشاركين في استطلاعنا، أن تسهم المنتجات والخدمات الجديدة بأكثر من ربع إيرادات شركاتهم خلال السنوات الثلاث المقبلة، وبالأخص في قطاعاتٍ مثل الرعاية الصحية، والأدوية، والتكنولوجيا، والصناعات المتقدمة (الشكل 2).
وفي السياق ذاته، أكّد قرابة 60 في المائة من المشاركين أن التوقف عن الاستثمار في الابتكار قد يؤدي إلى تراجع الشركات بشكلٍ كبير عن توقعات السوق، فيما أشار نحو نصفهم إلى ضرورة تطوير نماذج أعمالهم بشكلٍ ملحوظ لضمان الاستقرار المالي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
غياب أساسيات الابتكار يقوّض خطط وطموحات النمو
في ظل التحديات الراهنة، تبدو طموحات المديرين التنفيذيين لتحقيق معدلات نموٍ أعلى دون زيادة الإنفاق موضع تساؤلٍ حقيقي. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن نحو نصف الشركات لا تنجح في إطلاق أكثر من ربع مشاريعها الابتكارية في الوقت المحدد، فيما يلتزم ثلث الشركات فقط بالميزانيات المقررة، كما هو موضح في (الشكل 3). ولا تقتصر هذه العقبات على الابتكارات الكُبرى فقط، بل تظهر حتى في الابتكارات التدريجية التي يُفترض أن تكون أسهل في التنفيذ. ويزداد الأمر صعوبةً عندما يفتقر العديد من المسؤولين إلى القدرة على تحديد القيمة المضافة التي تقدمها هذه المبادرات مقارنةً بالمنتجات أو الخدمات الحالية. لعل مثل هذا الأداء المحدود، بالإضافة إلى خطط خفض الإنفاق على المشروعات الابتكارية، هما السببان الرئيسيان في اتساع الفجوة بين التوقعات الطموحة للنمو والنتائج الفعلية التي يمكن تحقيقها.
وبسؤال المديرين التنفيذيين عن مدى توافق ممارسات الابتكار في مؤسساتهم مع "العناصر الثمانية الأساسية للابتكار الناجح"4 المُتعارف عليها، كشفت النتائج أن أغلبية الشركات تعاني من ضعفٍ واضح في أربعة مجالاتٍ رئيسية، كما هو موضح في (الشكل 4). وقد أشار أقل من 10 في المائة من المشاركين إلى الأداء القوي لشركاتهم في هذه المجالات، بُناءً على معايير إتقان تلك العناصر. بينما أقرّ أكثر من نصف المشاركين بأن مؤسساتهم تعاني من نقصٍ واضحٍ في هذه القدرات.
فيما كشف تحليل أداء الشركات التي تطبق هذه الممارسات الأربع بكفاءةٍ أن قدرتها على اكتشاف الفرص الجديدة مبكرًا تزيد بأكثر من الضعف مقارنةً بمنافسيها، في حين ينجح أكثر من نصف ابتكاراتها في الالتزام بالميزانيات المقررة لها. وإلى جانب ذلك، تتميز هذه الشركات بأداءٍ أفضل يصل إلى ثلاثة أضعاف في عدة جوانب، أبرزها توسيع نطاق أعمالها ومنتجاتها الجديدة، وجذب المواهب الابتكارية والاحتفاظ بها، بالإضافة إلى ضمان إطلاق المشاريع في الوقت المحدد.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إلا أن الميزة الأكبر كانت في مدى وعي المديرين التنفيذيين بأداء مشاريعهم الابتكارية، حيث كشف الاستطلاع أن أكثر من ثلث التنفيذيين في الشركات ضعيفة الأداء غير متأكدين إن كانت ابتكاراتهم التدريجية تحقق قيمةً إضافية، مقارنةً بأقل من 10 في المائة فقط في الشركات ذات الأداء المتميز.
وبالمثل، يتكرر هذا النمط عند مناقشة الوقت والتكلفة اللازمة للابتكارات الجديدة. فقد أقرّ ما يقرب من ثلث المشاركين من المؤسسات التي لا تتبع هذه الممارسات الأربع بأن مؤسساتهم لا تمتلك رؤيةً واضحة حول ما إذا كانت المشاريع أُطلقت في موعدها أو ضمن الميزانية المحددة. ومع غياب الشفافية، يصبح من الصعب أن تحقق الشركات والمؤسسات أقصى استفادةٍ من استثماراتها الابتكارية.
ثلاث خطوات ذكية لزيادة النمو دون تكلفة إضافية
لتحقق الشركات أقصى استفادةٍ من جهود الابتكار، يحتاج قادتها إلى ترسيخ أعلى درجات الشفافية والمساءلة، سواء كانوا يسعون إلى تعزيز عوائد استثماراتهم الحالية أو يخططون لزيادة ميزانياتها في المستقبل. ومن أبرز التحديات التي تُعرقل هذه الجهود سوء توزيع الموارد، الذي لا ينشأ من نقص التمويل بقدر ما يعود إلى غياب الوضوح فيما يتعلّق بآليات تخصيص تلك الموارد وتحديد العوائد المتوقعة منها. فمثل هذا الخلل قد يؤدي إلى توجيه التمويل نحو مشاريع محدودة الجدوى على حساب المبادرات الأعلى قيمة، أو إلى فشل مشاريع مهمة نتيجة تفاوت مستويات الالتزام والأداء بين الفِرق المسؤولة عنها، بحيث تنجح بعض الفِرق في إنجاز مهامها بينما تتعثر فرقٌ أخرى، مما يهدد تحقيق الأهداف المنشودة للمشروع ككل.
وللتغلب على هذه العقبات وتحسين أداء الابتكار دون أي تكاليف إضافية، يمكن للشركات اتخاذ ثلاث خطواتٍ أساسية: أولًا، إجراء تحليلٍ شاملٍ ومفصّل لمحفظة الابتكار الحالية بهدف مراجعتها وتحديد أولوياتها؛ ثانيًا، ترسيخ ثقافة تسمح بالمخاطرة المدروسة؛ وثالثًا، وضع ضوابط واضحة تحدد الجهات المعنية بتجميد أو إيقاف المشاريع.
المراجعة الشاملة لمحفظة الابتكار لتقييم فعالية الإنفاق
تُمثّل محفظة الابتكار اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام قادة الأعمال باستراتيجية النمو الخاصة بهم. فمن دون توفير التمويل اللازم لمجموعةٍ متنوعةٍ من المبادرات، تبقى الطموحات الكبيرة مجرد شعارات. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن العديد من المؤسسات تجد صعوبةً في تحقيق التوازن بين المبادرات قصيرة وطويلة المدى، وكذلك بين المشاريع ذات مستويات المخاطر المختلفة، مما يعوق قدرتها على توجيه الموارد بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، خاصةً مع سعيها إلى تحقيق نموٍ مستدام ومتوازن عبر مراحل زمنية متعددة. ولضمان فهمٍ أفضل لكيفية استثمار ميزانيات الابتكار والعوائد المتوقعة منها، يمكن لقادة الأعمال اللجوء إلى إجراء تحليلٍ مفصلٍ وشامل لمحفظة الابتكار، أو ما يُعرف بـ "التفكيك التحليلي". وتستند هذه الخطوة إلى منهجيةٍ تحليليةٍ واضحة تساعد المؤسسات في اتخاذ قراراتٍ أفضل بشأن توزيع الإنفاق على الابتكار بما يعزز العائد الاستثماري.
هل يتماشى الإنفاق على الابتكار مع الأهداف الاستراتيجية؟ يهدف هذا التحليل التفصيلي إلى قياس مدى توافق المخصصات الموجهة للابتكار مع مجالات النمو المستهدفة، والأولويات الاستراتيجية للشركة، وأيضًا مع قدرة الشركة على الحفاظ على مكانتها السوقية مقارنةً بالمنافسين وسط تحولات السوق. فكثيرٌ من الشركات تستمر في تمويل مشاريع لم تعد ضمن أولوياتها، وبالأخص في أوقات الاضطرابات التي تتغير فيها جاذبية الأسواق بوتيرةٍ سريعة، وهو ما يجعل من خطط الابتكار قديمةً وغير متوافقةٍ مع الأولويات الجديدة.
كما يجب أن تنسجم المحفظة مع مستوى المخاطر الذي تستطيع الشركة تحمُّله. فالمؤسسات الطامحة للريادة تحتاج إلى نسبةٍ أعلى من المشاريع الابتكارية الجريئة مقارنةً بالشركات الأكثر تحفظًا التي تركز على التحسينات التدريجية. من دون هذا التوازن، قد تميل الشركات إلى تقليص عدد المشاريع ذات المخاطر والعوائد العالية لصالح مبادراتٍ منخفضة النمو. أما على الجانب الآخر، قد يؤدي الإفراط في التركيز على المشاريع عالية المخاطر إلى تعريض الشركة لخسائر كبيرة إذا لم تنجح هذه الرهانات، خاصةً في بيئات الأعمال سريعة التغير التي قد تتجاوز وتيرة تطورها قدرة الشركات على تقييم المخاطر الفعلية.
هل تُلبّي محفظة الابتكار طموحات النمو؟ تُمثّل إدارة محفظة الابتكار تحديًا خاصًا في الشركات التي تضم وحداتٍ متعددة، إذ كثيرًا ما تفتقر هذه الشركات إلى رؤيةٍ واضحة تساعدها على المقارنة بين المبادرات عالية الإمكانات في وحدةٍ معينة وتلك الأقل جدوى في وحداتٍ أخرى. فقد تبدو بعض الفرص بسيطةً وصغيرة لكنها قادرة على تحقيق عائدٍ أكبر للمؤسسة ككل مقارنةً بمشاريع أخرى تبدو أكثر طموحًا في قطاعاتٍ مختلفة. ومن دون هذه النظرة الشاملة، قد يتجه القادة إلى سحب التمويل من المبادرات الواعدة لمجرد تحقيق توزيع متساوٍ للموارد بين الوحدات، بدلًا من توجيهها نحو المبادرات التي تحقق أفضل عائدٍ للمؤسسة. إلى جانب ذلك، فإن غياب الرؤية لدى قادة الوحدات حول كيفية الموازنة بين الأهداف قصيرة وطويلة المدى قد يؤدي إلى التركيز المفرط على تحقيق أرباحٍ سريعة، مما يضعف قدرة الشركة على الاستثمار لتحقيق النمو المستدام طويل الأجل.
وقبل البدء في تحليل المحفظة أو "تفكيكها"، يجب على قادة الأعمال التنسيق مع فِرق الشؤون المالية لتقييم مستويات المخاطر وفترات العائد لكل مشروع. ويمكن في هذه المرحلة استخدام وحدةٍ مثل البحث والتطوير كنموذجٍ تجريبي لضبط الحسابات والتأكد من دقتها. وإذا اتضح أن المحفظة الحالية غير قادرةٍ على تحقيق الأهداف المرجوة للنمو، فمن الممكن معالجة هذه الفجوة بشكلٍ طبيعي عبر إطلاق منتجاتٍ جديدة أو من خلال عمليات الاستحواذ.
هل يتم التخلص من المبادرات ضعيفة الأداء بالشكل الكافي؟ بمجرد أن يضع قادة الأعمال آليةً واضحة لتقييم ومقارنة الأداء المتوقع لأنواع المبادرات المختلفة، يصبح بإمكانهم مقارنة القيمة الحالية الصافية لكل مشروع بالموارد اللازمة لتنفيذه. وغالبًا ما يكشف هذا التحليل عن عددٍ كبيرٍ من المبادرات منخفضة العائد التي تستنزف موارد كان من الممكن استثمارها في مشاريع أكثر ربحية. لذلك تساعد هذه المراجعات والتقييمات المرحلية صناع القرار على اتخاذ قراراتٍ جريئة بوقف مثل هذه المبادرات في مراحل مبكرة من التطوير قبل أن تستهلك المزيد من الموارد دون جدوى.
على سبيل المثال، اكتشفت شركةٌ عالميةٌ متخصصة في إنتاج مكونات الخبز أن محفظة البحث والتطوير لديها تزدحم بالكثير من المشاريع التي لم تحقق العوائد المرجوة. ولمواجهة هذه المشكلة، عينت الشركة خبيرًا يطلق عليه لقب "قاتل المشاريع"، مكلّفًا بالحد من التوسع العشوائي في المشاريع. يتمتع هذا الشخص بخبرةٍ عميقةٍ في تكنولوجيا الأغذية إلى جانب فهمٍ دقيقٍ للجوانب التجارية في هذا القطاع. كانت مهمته إدارة قاعدة بياناتٍ دقيقة توثق جميع المشاريع النشطة، وترصد أوجه القصور فيها، مثل تكرار الإخفاقات أو غياب الفرص السوقية، ومن ثمّ يقرر بموضوعيةٍ أي المشاريع تستحق المتابعة وأيها يجب إيقافه.
هل هناك فجواتٌ في طريقة توزيع الموارد؟ تعاني العديد من الشركات من فجوةٍ بين مستوى توقعاتها والمستوى الفعلي لأدائها السابق، مما يؤدي إلى مبالغةٍ في تقدير معدلات النمو ويجعلها عرضةً لعدم تحقيق الأهداف وتجاوز الميزانيات المحددة. ومن هنا تأتي أهمية المراجعة الدقيقة لأسباب نجاح أو فشل المشاريع الابتكارية السابقة، فهي تساعد القادة على اختبار الفرضيات الأساسية المتعلقة بتوقعات الإيرادات، وكذلك الجداول الزمنية لإطلاق المبادرات الجديدة. كما يمكن لعمليات التقييم اللاحق أن تكشف عن الثغرات في إدارة الابتكار، مثل الاعتماد المتكرر على الاستثناءات في تمويل مشاريع خاصة، أو وجود "إنفاقٍ خفي" لا يمر عبر قنوات الموافقة الرسمية.
ويساعد تحليل محفظة الابتكار في إعادة توجيه الموارد نحو المبادرات الأكثر فاعلية. على سبيل المثال، نجحت شركة إلكترونياتٍ استهلاكية في إعادة هيكلة محفظتها لتوفر 20 في المائة من ميزانيتها وتحقيق زيادةً بمقدار 10 في المائة في العائد على استثماراتها على مستوى المحفظة ككل. وبالمثل، تمكنت شركات السلع الاستهلاكية المعبأة والشركات الكيميائية التي اعتمدت النهج ذاته من تحرير 20 و12 في المائة من ميزانيات البحث والتطوير، على التوالي، وإعادة ضخها في مشاريع أكثر كفاءة.
تشجيع روح المجازفة مع إدارة المخاطر بفعالية
الخوف هو العدو الأول للابتكار. فالثقافات المؤسسية والسياسات التي تخشى المخاطرة وتكتفي بالتحسينات البسيطة، غالبًا ما تخنق الأفكار والمبادرات الجديدة ولا تحقق نتائج ملحوظة. لهذا ينبغي على قادة الأعمال تخصيص الوقت والموارد الكافية لدعم فِرقهم وتشجيعها على الابتكار، شريطة أن تكون هذه المبادرات ضمن حدود المخاطر التي يمكن للشركة تحملها. إنّ وضع أهدافٍ مرنة تسمح بهامشٍ من الفشل، إلى جانب التعلم من الأخطاء، يخلق بيئةٍ أكثر إبداعًا.
غير أن تشجيع المخاطرة يحتاج أيضًا إلى متابعةٍ دقيقة لتقدم المشاريع. فالشركات التي تستطيع إيقاف المبادرات غير المجدية بسرعة بإمكانها تحمل المزيد من المخاطر في المراحل المبكرة، بفضل إدارتها الواعية للجوانب السلبية. أما الشركات التي تهمل هذه الخطوة، فغالبًا ما تجد نفسها عالقةً في مشاريع ضعيفة الأداء لا تحقق أي نموٍ حقيقي.
إلغاء الاستثناءات ووضع قواعد لضبط التمويل الابتكاري
لا يمكن اعتبار أي مشروعٍ ابتكاري أولويةً حقيقية ما لم يحظَ بالتمويل اللازم الذي يعكس أهميته الاستراتيجية. فإذا كان الرئيس التنفيذي أو المدير المالي يرى في مبادرةٍ ابتكاريةٍ ما قيمةً حقيقية، فعليه التأكد من توفير الموارد المناسبة لها في الميزانية. ومع ذلك، تواجه العديد من المؤسسات تحديًا كبيرًا يتمثل في السماح المتكرر بالاستثناءات عند توزيع الموارد، وهو ما يحدث غالبًا نتيجة تمويل مشاريع خاصة بدفعٍ من بعض القادة المؤثرين، أو بسبب تغييراتٍ مفاجئة في بيئة الأعمال بما يتجاوز الخطط الموضوعة مسبقًا. ولتجنب هذه الفوضى، ينبغي على الشركات مراجعة وتحديث خططها السنوية والربع سنوية بانتظام، والابتعاد عن الاعتماد المستمر على الاستثناءات التي تؤدي إلى إهدار الموارد وضعف الأداء.
الأخطر من ذلك أن تلجأ بعض الشركات إلى سحب التمويل بشكلٍ متكررٍ من المشاريع الاستراتيجية طويلة الأجل ذات العائد المرتفع، فقط لتحقيق أهدافٍ قصيرة الأجل وأرباحٍ سريعة، على حساب النمو المستقبلي والأداء العام للشركة. ورغم أن اتخاذ مثل هذه القرارات قد يكون صعبًا في ظل التقلبات السريعة التي تشهدها الأسواق، خاصةً في الأشهر الماضية، إلا أنها تبقى مسؤوليةً يتحملها الرئيس التنفيذي. ففي أوقات عدم الاستقرار، تزداد بطبيعة الحال الطلبات العاجلة والاستثناءات، خصوصًا عندما تغيب الخطط البديلة والسيناريوهات المدروسة لتوزيع الموارد. وإذا تُركت هذه القرارات للعشوائية والصراعات الداخلية، فإنها قد تصبح سببًا في إضعاف قدرة الشركة على الابتكار. لذلك من الضروري وضع نظامٍ واضح يحدد بصرامةٍ أولويات التمويل، مع وجود خططٍ بديلة تساعد الشركة على التكيف بسرعةٍ ومرونة مع الأزمات والتغيرات.
في أوقات عدم الاستقرار، يظل الابتكار أداةً استراتيجيةً تمنح الشركات القدرة على مواجهة المستقبل بخيارات نموٍ متنوعة وواقعية. وقد يبدو للوهلة الأولى أن الحل الآمن هو تجميد الإنفاق على الابتكار لتفادي المخاطر، لكن هذا الخيار قد يُكلف الشركة غاليًا، لأنه يعني التضحية بمستقبلها مقابل تحقيق مكاسب مؤقتة. بينما يبقى الطريق الأذكى والأكثر مسؤوليةً هو تعزيز العائد من الاستثمار في الابتكار مع إدارة المخاطر بعناية، من خلال مراجعة محفظة المشاريع بعمقٍ وموضوعية، وتعزيز ثقافة المخاطرة الواعية، بالإضافة إلى وضع قواعد صارمة تضمن تمويل المبادرات الابتكارية الأَولى بالدعم. بهذه الخطوات، تستطيع الشركات الحفاظ على قدرتها التنافسية وضمان استدامة نموها حتى في أصعب الظروف.