ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
في ظل عالم الأعمال اليوم، تواجه المؤسسات تحديات غير مسبوقة نتيجة التغيرات السريعة والتعقيد المتزايد. فالأسواق تتغير بين ليلة وضحاها، في حين تظهر التقنيات الحديثة بوتيرة يومية، و تتزايد توقعات العملاء بشكل مستمر. هذه البيئة الديناميكية تتطلب من المؤسسات القدرة على التكيف السريع، والابتكار المتواصل، والاستجابة الحاسمة للتحديات والفرص التي تطرأ بشكل مفاجئ، لضمان الحفاظ على مكانتها وتحقيق النجاح المستدام.
غالبًا ما تلجأ الشركات التي تسعى إلى تحقيق تحسينات جوهرية في أدائها إلى اتباع مناهج مختلفة لإحداث التحول المطلوب. فمنها ما يعتمد على نهج "الإدارة الهرمي من الأعلى إلى الأسفل"، حيث يتولى كبار القادة توجيه دفة التحول والتغيير بشكل كامل، ومنها ما يركز على برامج تهدف إلى تغيير أنماط التفكير والسلوكيات لدى الموظفين في كافة المستويات التنظيمية.
ومع ذلك، هناك نهج ثالث يمكن أن يكون أكثر فعالية. تشير تجربتنا الأخيرة مع العديد من المؤسسات عبر مختلف الصناعات والمناطق الجغرافية إلى أن التركيز على الفِرق كعنصر أساسي في عمليات التحول يمكن أن يؤدي إلى تحقيق مكاسب مستدامة ونتائج كبيرة. ووفقًا لأبحاث ماكنزي، فإن المؤسسات التي تتبنى استراتيجيات وتركز على الفِرق تحقق معدل رفع كفاءة يصل إلى 30% عند تنفيذها بشكل فعال. ويبرز هذا النهج بشكل خاص عند تشكيل فِرق متعددة التخصصات متعاونة لتحقيق أهداف صعبة ومعقدة، الأمر الذي يعزز من قدرة المؤسسة على تحقيق التحول المطلوب بشكل مستدام.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
معظم الموظفين يدركون قيمة ومعنى العمل ضمن فريق متماسك نابض بالحياة يسعى لتحقيق هدف مشترك. في هذه البيئة، يشعر الأفراد بالانتماء الحقيقي ويجدون مساحة آمنة لتجربة أساليب عمل مبتكرة، وتطوير مهاراتهم مع زملائهم، وتقديم ومشاركة آراء بناءة تساعد على تحسين الأداء. هذه الممارسات ليست مجرد أنشطة روتينية، بل تعد ركيزة أساسية لتطوير بيئة عمل تعليمية تدعم تحسين الأداء على المستويين الفردي والجماعي، مما يعزز من قدرة المؤسسة على تحقيق نجاح مستدام وتطور شامل.
ومع ذلك، لا تُبنى جميع الفِرق بنفس المستوى من الأداء والإمكانات. فالفِرق التي تتمتع بالقدرة على تحقيق أداء متميز تحتاج إلى توافر مجموعة من العناصر التشغيلية الأساسية، بالإضافة إلى دعم قوي ومتكامل من المؤسسة ككُل. في هذا المقال، نسلط الضوء على أربع خطوات استراتيجية يمكن للقادة اتخاذها لبناء شبكة من الفِرق عالية الكفاءة، مستندين إلى أمثلة واقعية من مؤسسات نجحت في جعل هذا النهج الأساس لتحولاتها التنظيمية وتحقيق نتائج مستدامة.
أربع خطوات عملية لتمكين الفرق وتحقيق النجاح
يتطلب تحويل الأنظمة الكبيرة والمعقدة اتباع استراتيجية تعتمد على العمل بشكل منهجي لكل وحدة على حدة، بحيث يتولى كل فريق قيادي تطوير خطة تغيير خاصة به، على أن تكون متوافقة مع استراتيجية المؤسسة وقيمها العامة. ولتحقيق ذلك، يجب على الفِرق القيادية إجراء حوارات ونقاشات صريحة ومفتوحة لتحليل التحديات التي تعيق الأداء وتحديد الخطوات الضرورية لتجاوزها. وبمجرد وضع إطار واضح للمساءلة وتحمل المسؤولية، يمكن لقادة الوحدات دفع عجلة التغيير بفعالية ضمن نطاق عملهم المحدد، مما يعزز من كفاءة الأداء ويرسخ الالتزام داخل الفرق، ويضمن توافق الجهود لتحقيق التحول الشامل للمؤسسة.
ولتحقيق أقصى استفادة من إمكانات الفرق، يمكن للقادة اتخاذ أربع خطوات استراتيجية تبدأ بتحديد الفرق الأكثر تأثيرًا وقيمة، وهي الفرق التي تمتلك القدرة على إحداث تغييرات جوهرية في أداء المؤسسة. بعد ذلك، يتم تفعيل هذه الفرق من خلال تمكينها بالموارد والدعم اللازم لتعزيز أدائها وتحقيق أهدافها بفعالية. ولضمان نجاح هذه العملية، يجب تمكين القادة عبر تطوير مهاراتهم وتأهيلهم لتقديم التوجيه والدعم المطلوب لفرقهم. وأخيرًا، يمكن توسيع نطاق هذا النهج ليشمل جميع فرق المؤسسة.
تحديد الفرق الأكثر تأثيرًا وقيمة
يدرك القادة جيدًا أن إحداث تحول جذري في المؤسسات ليس أمرًا يمكن تحقيقه بسرعة أو بمجرد اتخاذ قرار. فعملية تحويل الشركات تعتمد بشكل أساسي على الفرق، وتتطلب تحديد الفرق التي تمتلك القدرة على تحقيق أعلى قيمة تجارية بما يتماشى مع رؤية التحول المؤسسي. بعض هذه الفرق قادرة على تحقيق نتائج ملموسة وزيادة في الإيرادات على المدى القصير، بينما قد تحتاج فرق أخرى إلى خمس سنوات أو أكثر للوصول إلى إمكاناتها الكاملة وتحقيق الأهداف المرجوة. ومع ذلك، يبقى القاسم المشترك بين هذه الفرق هو ارتباطها الوثيق بهوية المؤسسة وانتماءها لها ولرسالتها الجوهرية، التي تُمثل السبب الأساسي لوجودها ودورها في تحقيق رؤيتها المستقبلية.
على سبيل المثال، واجهت إحدى شركات الأدوية تحديًا كبيرًا تمثل في انخفاض إيراداتها، نتيجة انتهاء حقوق الملكية الحصرية لعدد من أدويتها الأكثر مبيعًا. وللتعامل مع هذا الوضع، تبنت الشركة استراتيجية مدروسة لتحديد أولويات فرق العمل. إذ بدأت بتحليل خططها المستقبلية وتقييم جميع فرق تطوير المنتجات لديها، التي يبلغ عددها 40 فريقًا، لتحديد الفرق ذات الإمكانات الأعلى لتحقيق الإيرادات أو الوصول إلى معالم تطوير مهمة خلال العامين إلى الثلاثة أعوام القادمة. بعد تحديد هذه الفرق، ركزت الشركة جهودها عليها من خلال تزويدها بدعم منهجي ومراحل إرشادية واضحة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة بأعلى مستويات الكفاءة والفعالية.
يتطلب تحول المؤسسات، حسب حجم التحول، التركيز على تحديد الفرق الأكثر تأثيرًا خلال المرحلة الأولى من التغيير، سواء كانت خمسة فرق، عشرين، أو حتى مئة فريق. ومع ذلك، قد لا تكون الفرق الأكثر أهمية والقادرة على تحقيق القيمة المستقبلية موجودة بعد؛ بل يجب تشكيلها لتلبية احتياجات فعلية تمليها الأولويات التجارية للمؤسسة. عادةً ما تكون هذه الفرق متعددة التخصصات، تعمل بشكل متكامل حول منتج معين أو شريحة عملاء محددة. ولتحديد هذه الفرق ذات القيمة العالية، يحتاج القادة إلى تبني رؤية استراتيجية شاملة، تعتمد على التفكير المفتوح واستكشاف جميع الخيارات الممكنة. هذا النهج يساعد في إنشاء فرق قادرة على تحقيق التحول المطلوب وتحقيق القيمة المضافة للمؤسسة على المدى الطويل.
بدأ أحد البنوك الرائدة في آسيا رحلة تحول استراتيجي تهدف إلى تحديد الفرق الأكثر تأثيرًا وترتيب أولوياتها بما يتماشى مع رؤيته المستقبلية. ركزت هذه الخطة على إنشاء هيكل تنظيمي أفقي يدعم فرق العمل المبتكرة والقادرة على التكيف بسرعة مع التحديات والمتغيرات. ومع ذلك، واجه البنك مجموعة من التحديات التي أعاقت تحقيق هذا الطموح، مثل الطبيعة الهرمية للهيكل الإداري، والتقسيم الواضح بين الأقسام الذي يحد من التعاون، وانخفاض مستوى الثقة والأمان النفسي في بيئة العمل. كانت هذه العقبات تتطلب حلولًا جذرية لضمان نجاح عملية التحول وتحقيق الأهداف المرجوة.
اختار البنك بعناية 50 فريقًا رئيسيًا يُعدّون الأكثر أهمية لدعم عملية التحول، وشمل ذلك اللجنة التنفيذية للمجموعة، وعددًا من فرق القيادة على مستوى الدول، وفرق القيادة الوظيفية، بالإضافة إلى فرق متعددة التخصصات ذات أولويات استراتيجية. ومن أجل ضمان نجاح هذه الفرق في تحقيق أهدافها، تم توفير دعم متخصص لها من قبل خبراء ميسرين، وسيتم تناول دورهم بشكل أكثر تفصيلًا لاحقًا في المقال.
من خلال التركيز مبدئيًا على هذه الفرق الخمسين، تمكن البنك من تحقيق تقدم ملحوظ في تغيير ثقافته المؤسسية نحو مزيد من المرونة والابتكار. أظهرت النتائج تحسنًا كبيرًا في مؤشرات تفاعل الموظفين، لا سيما في قسم التكنولوجيا والعمليات. كما تمكنت إحدى الفرق المسؤولة عن إدارة الأنظمة الأساسية من مضاعفة إنتاجيتها، بينما نجح فريق آخر في تطبيق نموذج حوكمة أكثر كفاءة. بعد تحقيق هذه النتائج الأولية الإيجابية، وسّع البنك نطاق مبادرته وعمله بإضافة فرق جديدة على مراحل، بما في ذلك فرق ذات تأثير عالٍ كانت في السابق مهملة أو تعاني من نقص في الموارد. هذا النهج ساعد في تعزيز التحول المؤسسي بشكل أعمق وأكثر استدامة.
تمكين الفرق لتحقيق الأداء الأمثل
ولتحقيق أقصى قيمة ممكنة من الفرق المساهمة في خلق التغيير، يجب تمكينها من خلال تحديد صلاحيات واضحة، وتوحيد جهودها نحو أهداف محددة بدقة، والاتفاق على نهج عمل جماعي متكامل يضمن التناغم والكفاءة.
يمثل هذا النهج العملي مثالًا قويًا من تجربة إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال علوم الحياة. كان قادة الشركة يشعرون بقلق متزايد بسبب الكم الكبير من الأنشطة التي لا تساهم بشكل مباشر في إضافة قيمة حقيقية للمؤسسة. إضافة إلى ذلك، كانت البيروقراطية الداخلية تعيق سير العمل، مما تسبب في تباطؤ أداء الفرق وخلق نقاط ضعف أثرت بشكل سلبي على تجربة العملاء. أدركت الشركة أن هذه التحديات تتطلب إعادة هيكلة شاملة لعملياتها الداخلية، بهدف تحسين الكفاءة وتعزيز القيمة المقدمة لعملائها.
تم منح الفرق صلاحيات موسعة لتحديد توجهاتها واتخاذ قراراتها بشكل مستقل، بهدف تعزيز المرونة والكفاءة. وتم إطلاق هذا النهج من خلال جلسات مكثفة استمرت لمدة يومين، شاركت فيها الفرق إلى جانب مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة والشركاء الذين قد يكون لهم تأثير مباشر على تحقيق النتائج المرجوة. شملت الدعوات أيضًا زملاء من خارج الفريق الرسمي، ممن يمتلكون القدرة على دعم الفرق أو المساهمة في تحسين أدائها، مما ساهم في خلق بيئة تعاونية شاملة وتعزيز التنسيق لتحقيق أهداف مشتركة.
بعد تحديد الأشخاص المشاركين في عملية التحول، ركزت الفرق على الإجابة عن سؤال "لماذا" تحتاج المؤسسة إلى هذا التحول. في كثير من الأحيان، يتم فرض عمليات التحول على الموظفين دون إشراكهم في الأسباب والدوافع، مما يقلل من مستوى التزامهم. ولكن عندما تكون الفرق قادرة على استكشاف الأسباب المقنعة والدوافع الحقيقية للتغيير بنفسها، فإن ذلك يعزز من إحساسها بالملكية والالتزام تجاه هذه العملية. هذا النهج يُحول التغيير من كونه أمرًا مفروضًا من الإدارة العُليا إلى عملية يشارك فيها الجميع بروح الفريق، مما يعزز من فرص تحقيق التحول بنجاح واستدامته على المدى الطويل.
في المرحلة التالية، عملت الفرق على توضيح القيمة التي يمكنها تحقيقها وتحديد الأطراف المستفيدة من هذه القيمة. تم التركيز على تحقيق التوافق بين أعضاء الفرق حول الأهداف المرجوة على المدى القصير والمتوسط والطويل، مع وضع معايير قابلة للقياس لتقييم النتائج. وكان من الضروري أن يدرك كل عضو في الفريق كيف تسهم مهامه اليومية في خلق قيمة فعلية للفريق ككل. وقد أثمر هذا النهج عن نتائج جديدة ومفاجئة؛ حيث بدأ أعضاء الفرق، الذين لم يسبق لهم أن تساءلوا عن جدوى أنشطتهم اليومية، في مراجعة أعمالهم وتحليل مدى تأثيرها الفعلي. ونتيجة لذلك، تم التخلي عن الأنشطة غير الضرورية التي تستهلك الوقت والجهد دون إضافة قيمة حقيقية، مما أتاح لأعضاء الفِرق تركيز جهودهم على مهام أكثر أهمية وتأثيرًا.
في الوقت نفسه، ساهم التوجه نحو إشراك مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة في تعزيز فهم الزملاء الذين يعملون على هامش الفريق، (مثل العاملين في الوظائف الداعمة أو أولئك الذين يوزعون وقتهم بين عدة فرق، لأهداف الفريق ورؤيته). هذا النهج مكنهم من تحديد أولويات الطلبات الواردة بشكل أكثر كفاءة ووضوح. على سبيل المثال، عندما تطلب الفريق مراجعة قانونية عاجلة، كان زملاء القسم القانوني على دراية مسبقة بالسياق العام وأهمية الطلب، مما ساعدهم على منحه الأولوية وضمان معالجته بسرعة وفعالية.
ساهم هذا الفهم المشترك في تعزيز مستويات الثقة بين أعضاء الفرق وأصحاب المصلحة، مما أدى إلى تسريع وتيرة التعاون وتحسين جودة الأداء (كما يظهر في الشكل). وبالإضافة إلى ذلك، أدى النهج القائم على تحقيق النتائج إلى زيادة نشاط الفرق وتحفيز ديناميكيتها، حيث أصبح التجريب والتعلم السريع والابتكار جزءًا جوهريًا من ثقافة العمل داخل الفرق. ولضمان التحسين المستمر، تم اعتماد جلسات مراجعة دورية تُعقد كل 30 إلى 90 يومًا، حسب طبيعة مهمة كل فريق. ركزت هذه الجلسات على مناقشة أسئلة رئيسية تتمثل في: ما هي النتائج التي حققناها حتى الآن؟ ما هي الخطوات التي أثبتت نجاحها وما هي التحديات التي واجهتنا؟ وما هي الدروس التي تعلمناها؟ وأخيرًا، ما هي التجارب الجديدة التي ينبغي علينا إجراؤها في الدورة القادمة؟
يُعد ضمان وجود مستويات عالية من الأمان النفسي جزءًا أساسيًا من عملية تمكين الفرق. فالأمان النفسي يخلق بيئة عمل تتيح للأفراد الحرية في التجربة والابتكار، وتقديم ملاحظات صريحة، ومعالجة الخلافات بشكل علني دون الخوف من أي عواقب سلبية قد تؤثر على علاقتهم المهنية أو أدائهم. في إطار تعزيز هذا النهج، بذل البنك الآسيوي جهودًا كبيرة لتعزيز عقلية النمو لدى موظفيه وترسيخ ثقافة الأمان النفسي في بيئة العمل. ولتحقيق ذلك، قدم البنك ممارسة مبتكرة تعتمد على جلسات متابعة دورية تهدف إلى تعزيز وعي الموظفين بأهمية دورهم الفردي في تحسين أداء الفريق ككل.
تبنّت إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال خدمات ومعدات النفط والغاز نهجًا استراتيجيًا لتفعيل فرق العمل كجزء من تحولها نحو التركيز على تقليل انبعاثات الكربون. وعلى الرغم من أن التقنيات الأساسية للشركة كانت داعمة لهذا التحول، إلا أنها أدركت ضرورة تعزيز ثقافة مؤسسية أكثر ريادية وتعاونية وقدرة على التكيف مع المتغيرات. لذلك التزمت كل فرقة بتحقيق أهداف طموحة تتجاوز الحدود التقليدية، ووافقت على تبني سلوكيات تهدف إلى تسريع وتيرة الابتكار والانتقال من النهج التدريجي البطيء إلى الابتكار السريع والمتكرر. كما ركزت الشركة بشكل مكثف على تعزيز التعاون الداخلي من خلال تشكيل فرق متعددة التخصصات تمتد عبر جميع أقسام المؤسسة.
اعتمد النهج الجديد على توظيف المهارات المتنوعة لأعضاء الفِرق بطريقة تتجاوز التعريف التقليدي لأدوارهم الوظيفية. وقد اكتشفت الفِرق أن التمسك الحرفي بالوصف الوظيفي يحد من قدراتهم ولا يسمح لهم بالاستفادة الكاملة من إمكاناتهم ومهاراتهم المتنوعة. ومع إدراكهم لهذا القيد، بدأ الأعضاء بتغيير طريقة تفكيرهم، حيث انتقلوا من عقلية "هذا هو دوري المحدد" إلى عقلية "نحن جميعًا مسؤولون معًا عن تحقيق النجاح." هذا التحول الفكري فتح الباب أمام فرص أكبر للتعاون بين أعضاء الفريق، مما أتاح لهم التعلم خارج حدود وظائفهم التقليدية واكتساب خبرات جديدة في مجالات أخرى داخل المؤسسة. وبفضل هذا النهج، تمكن الأعضاء من تطوير مهارات جديدة، مما زاد من شعورهم بالحماس والطاقة تجاه عملهم.
بعد مرور ثلاث سنوات على بدء عملية التحول، أظهرت الإحصائيات أن 85% من الموظفين عبروا عن دعمهم الكامل للتغيير، فيما أكد 75% منهم أنهم يطبقون السلوكيات الجديدة في عملهم اليومي بشكل منتظم. هذا التحول لم يقتصر فقط على تغيير سلوكيات الموظفين، بل امتد ليشمل تطوير الثقافة المؤسسية بشكل شامل، مما عزز من روح المشاركة والانتماء داخل الشركة. أما على المستوى الاستراتيجي، نجحت الشركة في تحقيق تقدم ملموس في تعزيز قدرتها التنافسية في مجال الأنشطة منخفضة الكربون ضمن قطاع الطاقة.
يتطلب تفعيل الفِرق وتمكينها إعدادًا دقيقًا يبدأ بتشكيل الفِرق بالشكل المناسب، (وذلك عبر اختيار الأفراد الملائمين للمشاركة في رحلة الفريق). كما يتطلب الأمر تخصيص وقت كافٍ في المراحل الأولى لتحقيق التوافق بين أعضاء الفريق حول الأهداف المشتركة، والعمل على تحسين جودة التفاعلات والتواصل داخل الفريق لضمان بيئة عمل متكاملة. تشير أبحاث شركة ماكنزي إلى أن دعم الموظفين لمبادرات التحول يُعد عاملًا حاسمًا لتحقيق النجاح. وأظهرت الدراسات أن أعلى معدلات العائد الإجمالي للمساهمين تتحقق عندما يشارك ما يصل إلى 30% من الموظفين في أدوار رئيسية ضمن عملية التحول.
تمكين القادة لدعم فرقهم
تحتاج الفرق دائمًا إلى قادة يلعبون دورًا حاسمًا في توجيه عملية تحول الأداء، حيث يمكن أن يكون لسلوك القادة تأثير مباشر على نجاح أو فشل هذه العملية. ويكمُن العنصر الأساسي في هذا السياق في كيفية ظهور القادة وتفاعلهم مع فرقهم. فغالبًا ما تكون السلوكيات والمهارات التي ساعدت القادة على التقدم داخل المؤسسة فعّالة في سياقات معينة، لكنها قد لا تكون كافية للتعامل مع المواقف المعقدة أو قيادة الفِرق بنجاح في ظل التحولات الكُبرى.
تشير أبحاث ماكنزي إلى أن القادة المسؤولين عن قيادة التغيير يجب أن يتجاوزوا حدود المهارات التقليدية التي اعتادوا استخدامها، ويتبنوا مجموعة جديدة من المهارات التي تركز على إلهام فرقهم وترسيخ الغاية المشتركة بينهم. على القادة أن يكونوا قادرين على وضع استراتيجيات متوسطة المدى ورؤية بعيدة المدى تتيح للفريق التوجه بثقة نحو المستقبل. علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون القادة داعمين لفرقهم في إزالة أي عقبات تعترض طريق الإنجاز، من خلال تقديم حلول مبتكرة وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف. ومع ذلك، فإن العنصر الأكثر أهمية هو أن يظهر القادة بشخصياتهم الحقيقية والصادقة، حيث يسهم هذا في تعزيز الثقة وبناء بيئة عمل تدفع الأفراد إلى تقديم أفضل ما لديهم وتحقيق النجاح الجماعي.
كيف ترتبط هذه السمات القيادية بنهج يركز على الفِرق؟ سعت شركة عالمية متخصصة في علوم الحياة، لجعل نموذجها التشغيلي أكثر استجابة لاحتياجات العملاء، وواجه قادتها تحديات لتبني سلوكيات جديدة تتطلب تغييرًا جذريًا في أسلوب قيادتهم. بدلاً من اتخاذ القرارات بشكل فردي ومركزي، أصبحت الفرق هي الجهة الأساسية لاتخاذ القرارات، بينما تحول دور القادة إلى مرشدين وموجهين يضعون الإطار العام ويوجهون الفرق نحو تحقيق الأهداف. تعاون القادة مع فرقهم لصياغة رؤى استراتيجية مشتركة تركز على تحقيق أهداف المؤسسة، وفي الوقت ذاته عملوا على توسيع نطاق إشرافهم لضمان التشغيل بكفاءة وفعالية أعلى. ومن أجل تعزيز هذا التحول القيادي، وفرت الشركة برامج تدريب ودعم مكثفة، حيث قامت خلال العام الأول فقط بتدريب (أكثر من 6,000 قائد لتأهيلهم للتحول إلى قادة ملهمين ومدربين فعّالين).
مع انضمام المزيد من الفِرق إلى عملية التحول، تصل المؤسسة إلى نقطة تحول حاسمة، حيث تتفوق التحسينات العامة في أداء النظام على مجرد الإنجازات الفردية لكل فريق. في هذه المرحلة، يصبح التعاون بين الفرق عاملاً رئيسياً يرفع من مستوى الكفاءة والإنتاجية بشكل شامل.
يركز دور القائد كصانع رؤية ومُحرك أساسي في دعم الفِرق التي تضع العملاء في صميم اهتماماتها على تحقيق نتائج استراتيجية محورية. ومن خلال توليهم دور الرعاة لهذه الفِرق، يلهم القادة أفراد فرقهم لتسريع وتيرة العمل وتحقيق إنجازات ملموسة، مع مواجهة المخاوف والشكوك المتعلقة بفعالية النهج الجديد القائم على التفاعل الجماعي والتعاون المشترك. لم يتوقف دور القادة عند حدود التشجيع، بل يمتد إلى إزالة العقبات التي تعترض طريق الفِرق أثناء تفاعلها مع الأقسام الأخرى داخل المؤسسة. ففي إحدى الحالات، واجه فريق ما معارضة شديدة من قادة كِبار في قسم آخر، مما أدى إلى تعطيل مسار العمل. وبلمسة قيادية مبدعة، تدخل قائد الفريق وأجرى حواراً مباشراً مع نظيره في القسم الآخر، وهو ما أزال الحواجز وفتح الطريق أمام الفريق للمضي قُدماً بثقة لتحقيق أهدافه.
في بيئة التحول السريع التي تشهدها المؤسسات، حيث تسعى مئات الفِرق لاختبار أساليب عمل جديدة، يصبح للقادة الكِبار دور بالغ الأهمية كحلقة وصل بين الفرق المختلفة. إذ يمكنهم من خلال هذا الدور نقل التغييرات الإيجابية من قسم إلى آخر، وتكرار النجاحات في مختلف المجالات. علاوة على ذلك، يمتلك القادة القدرة على نقل رسائل النجاح إلى جميع أنحاء المؤسسة، مما يسهم في رفع المعنويات والتغلب على تحديات التغيير التي قد تواجه الفِرق. على سبيل المثال، عندما استطاع أحد فِرق علوم الحياة تقليص الوقت المطلوب لإتمام عملية تقديم المستندات التنظيمية إلى النصف، قام قائد الفريق بنقل هذه التجربة الناجحة إلى كِبار القادة في المؤسسة، مما أسهم في تعميم هذه الممارسة عبر جميع الأقسام. ونتيجة لذلك، استفادت فِرق أخرى تعمل في مجالات علاجية مشابهة من هذا النهج المبتكر ونجحت في تطبيقه، مما ساعدها على تسريع إجراءات الموافقة التنظيمية لديها.
إن تبني عقلية النمو يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية للقادة في هذا السياق. عليهم أن يكونوا مستعدين لوضع أنفسهم في مواقف غير مريحة وغير مألوفة، ثم يظهرون الشجاعة والشفافية عندما يطلبون ملاحظات من فرقهم. هذا التواضع يساعدهم على كسر الحواجز النفسية وتعزيز الثقة المتبادلة مع فرقهم. فغالبًا ما نوصي أن يرافق القادة مدرب خلال رحلة التحول تلك، ليس فقط لتوجيههم، ولكن أيضًا لمساعدتهم في اكتشاف وتغيير بعض المفاهيم العميقة التي يحملونها حول مفاهيم التحكم، وندرة الفرص، والتمسك بالثوابت.
إن هذه القائمة من المهام قد تكون كبيرة ومعقدة، وبالنسبة للقادة قد لا يكونون معتادين على استثمار مرونتهم وقدراتهم على التكيف. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، فإننا شهدنا كيف أن العديد من المؤسسات التي مرّت بمرحلة تحول كبير قد نجحت في تنفيذ هذا النهج بشكل فعّال. وبالتحديد، في تلك المؤسسات، تطلب التحول تبني أساليب قيادة جديدة تمامًا، وهو ما دفع القادة إلى تجاوز أساليبهم التقليدية وفتح آفاق جديدة للقيادة ترتكز على المرونة والقدرة على التكيف مع المتغيرات المستمرة.
توسيع نطاق هذا النهج ليشمل المزيد من الفرق
لتعزيز التحول على نطاق واسع، يجب أن تتجاوز أساليب العمل الجديدة الفِرق ذات الأولوية العالية لتشمل جميع الفِرق التي تساهم في تحقيق القيمة داخل المؤسسة.
من المهم التفكير في عدة خطوات لتحقيق ذلك. تشمل هذه الخطوات كيفية الانتقال من المجموعة الأولى من الفِرق ذات الأولوية إلى المجموعة التالية، وكيفية تحديد الفِرق الجديدة، بالإضافة إلى كيفية توسيع قاعدة المدربين لدعم هذا التوسع الكبير. وأخيرًا، يعني توسيع هذا النطاق تحديد طرق لقياس النجاح ونشر قصص النجاح بشكل يعزز الحماس لأساليب العمل الجديدة.
قامت شركة عالمية في مجال خدمات ومعدات النفط والغاز بتوسيع نطاق فرقها الأولى من خلال إنشاء شبكة من "وكلاء التغيير المساهمين في تغيير الثقافة". في البداية، تم تكليف حوالي 30 وكيل تغيير للمشاركة في دعم الفرق الأولى، وهو ما توسع ليصل إلى أكثر من 150 وكيل تغيير بعد مرور عامين من بداية التحول. هؤلاء الوكلاء كان لهم دور محوري في نقل أساليب العمل الجديدة إلى جميع أجزاء المؤسسة. لقد جلبوا معهم عقليات وأفكار سلوكية مبتكرة ساعدت في دفع الفِرق التالية نحو تطبيق هذه التغييرات، كما عملوا على مساعدة هذه الفِرق في تحديد مبادرات جديدة تتماشى مع أهداف التحول الاستراتيجية.
تم تنظيم وكلاء التغيير ضمن هيكلية متكاملة في مختلف الوظائف والأعمال داخل الشركة، حيث كانوا يشغلون دورًا محوريًا في توحيد الفِرق عبر مختلف الأقسام والمساهمة في تيسير التعاون بين أعضاء المؤسسة. هذه المبادرة لم تقتصر على التنظيم فقط، بل امتدت إلى جمع ومشاركة قصص نجاح الفِرق التي تمكنت من تحقيق نتائج تجارية جديدة وملموسة.
قامت الشركة العالمية المذكورة أعلاه في مجال علوم الحياة بتوسيع نهجها بهدف التحول من خلال إشراك فِرق جديدة كانت تتفاعل بشكل دوري مع الفِرق التي بدأت في المرحلة الأولى من التحول. على سبيل المثال، كان هناك فريق مختص بإنتاج منتج معين قد غيّر طرق عمله ليتبنى أساليب أكثر حداثة وفعالية. كان هذا الفريق يتواصل بانتظام مع فِرق الإنتاج وتوريد المنتجات، التي كانت تعمل بطرق تقليدية وبوتيرة أبطأ. في البداية، شعر فريق المنتج ببعض الإحباط بسبب التباين الكبير بين أسلوب عملهم الحديث والطريقة التقليدية التي كانت تتبعها الفرق الأخرى. ومع توسع التحول ليشمل المزيد من الفِرق، بدأت تلك النقاط العالقة تتقلص تدريجيًا، ووجدت فِرق العمل نفسها تتبنى طرق العمل الجديدة بشكل أكثر سلاسة. فكلما كانت الفِرق تتفاعل مع بعضها البعض، كان الانسجام بين الأساليب القديمة والجديدة يزداد.
إن توافر عدد كافٍ من المدربين لدعم عملية التحول هو عامل أساسي لنجاح هذه الرحلة. يتم تدريب المدربين من خلال نموذج تعليمي معين، بحيث يتيح لهم اكتساب المهارات بشكل تدريجي، بالإضافة إلى تنظيم جلسات تدريبية متخصصة تحت مسمى "تدريب المدربين"، وهو ما يستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين. ومن أجل ضمان نجاح هذه العملية، تلجأ المؤسسات إلى توظيف مدربين متخصصين، سواء من (داخل المؤسسة أو من خارجها)، جنبًا إلى جنب مع القادة الذين يتخذون دورًا رياديًا في توجيه وتنفيذ استراتيجية التحول.
ومن أجل تسريع عملية التوسع، يمكن للمدربين وقادة الفِرق أن يتبنى بعض الممارسات الرئيسية التي تساهم في خلق بيئة عمل تعاونية وزيادة الإنتاجية بشكل ملحوظ. ومن أهم هذه الممارسات عقد اجتماعات دورية لمتابعة التقدم، بالإضافة إلى تقديم ملاحظات دقيقة ومباشرة، مما يساعد على تحفيز الفِرق وتعزيز التعاون بينهم. كما يجب أن تكون عمليات اتخاذ القرارات واضحة وشفافة. ويتمثل دور المدربين في تحديد من المسؤول عن كل موضوع، وما هي الاقتراحات التي يتم دراستها، وأي الاعتراضات التي تحتاج إلى الحل. فمن خلال هذه الإجراءات، يتم تحقيق وضوح أكبر في سير العمل، مما يساعد الفرق على التحرك بسرعة نحو الحلول الملموسة.
في إحدى الشركات العالمية المتخصصة في علوم الحياة، وجد فريق مختص في اتخاذ قرارات استراتيجية معقدة أن اعتماد عملية واضحة ودقيقة لاتخاذ القرارات سهل عليهم عقد محادثات أكثر عمقًا وفعالية حول القضايا الجوهرية. وقد تبين أن قصص النجاح كانت من العوامل الأساسية التي تسهم في تسريع التحول داخل الشركة، حيث تم تقديم مثال على كيفية تحسين اتخاذ القرارات مما أدى إلى تسريع إطلاق منتج جديد في السوق بشكل كبير. إن نشر هذه النجاحات عبر قنوات مختلفة (مثل الاجتماعات العامة، والمدونات، واللقاءات المباشرة)، هو ما يساعد في تحفيز بقية أفراد المؤسسة. فالقادة الكِبار في الشركة يمكنهم تسليط الضوء على تلك النجاحات لإظهار التزام المؤسسة العميق والرغبة الجادة في التغيير والتحول.
علاوة على ذلك، يمكن للقادة قياس تأثير التحول من خلال متابعة المؤشرات قبل وبعد تطبيق النهج القائم على الفِرق. ومن ضمن الأدوات المستخدمة في هذا السياق مؤشرات الأداء التي يتم مراجعتها كل أسبوعين لقياس مدى التوافق بين الفِرق، والمزاج العام، وساعات العمل، بالإضافة إلى مراقبة مستويات الثقة والعمل الجماعي بين أعضاء الفِرق.
في ختام الحديث عن تعزيز المرونة التشغيلية على مستوى الفِرق، يتطلب الأمر من المؤسسة أن تشهد تطورًا شاملًا على مستوى النظام بأكمله لتتمكن من الاستجابة الفعالة لمتطلبات الأعمال المتغيرة. فعندما تضع المؤسسة هدفًا مشتركًا ورؤية موحدة لجميع العاملين، فإن ذلك يتيح لها تشكيل الفِرق المناسبة، وحل الفِرق غير الضرورية، وإعادة تشكيل فِرق جديدة بشكل سريع ومرن، مما يمكّن النظام من التكيف ذاتيًا مع الأولويات الجديدة والاستجابة للتغيرات في بيئة الأعمال. ويعد المزج بين الاستقرار والمرونة عنصرًا حاسمًا لنجاح هذا النهج.
غالبًا ما تُغفل أهمية الفِرق باعتبارها المحرك الأساسي للتحول داخل المؤسسات ، إلا أن الاستثمار في تطوير فِرق العمل عالية الأداء يشكل حجر الزاوية لإحداث تغيير مستدام يؤثر إيجابيًا على كافة جوانب المؤسسة. وتظهر الأمثلة العملية التي تمت مناقشتها كيف يمكن للتركيز على الفِرق أن يُحدث تحولًا جوهريًا في الأداء المؤسسي، مما يُفضي إلى تحقيق إنجازات غير مسبوقة. فبالنسبة للقادة الذين يطمحون إلى قيادة مؤسساتهم نحو مستقبل أكثر إشراقًا، فإن البداية تكمن في استثمار الإمكانات الجماعية لفرقهم، وذلك من خلال تمكين هذه الفرق ووضعها في صميم استراتيجية التحول.