مستقبل صناعة السيارات: كيف تستعيد أوروبا مكانتها في المنافسة العالمية؟

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تُعد صناعة السيارات بكل بكل عناصرها أحد أهم دعائم الاقتصاد الأوروبي، بدايةً من الشركات المُصنّعة للمُعدات الأصلية للسيارات والشاحنات، والمُوَرّدين، وحتى الجهات المعنية بمراحل ما بعد البيع، كشركات التمويل والتأمين على سبيل المثال. إذ يمثل هذا القطاع الحيوي نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، كما يوفر ما يقرب من 13.8 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة.1 فقد احتفظ الاتحاد الأوروبي بموقعه الريادي في سوق السيارات العالمي حتى عام 2019، عبر ضم عشرةً من أكبر 20 مورّدًا، وأربعةً من بين أكبر عشر شركات تصنيعٍ للسيارات من حيث الإيرادات. وبالرغم من تلك الإنجازات، إلا أن هذه الصناعة باتت تواجه الكثير من التحديات غير المسبوقة، والنّاجمة عن التطورات الحديثة في طرق تشغيل المَركبات، وتطلُّع المستهلكين نحو مزايا أكثر تخصصًا، بالإضافة إلى التحوّل المتسارع من استخدام السيارات التقليدية المعتمِدة على المكونات الميكانيكية (الهارد وير) إلى المَركبات الذكية المعتمِدة على البرمجيات (السوفت وير).2

ولتعزيز القدرة التنافسية لصناعة السيارات الأوروبية، يتطلّب الأمر ضخّ المزيد من الاستثمارات لدعم التحوّل نحو أنظمة الدفع الكهربائية، وضمان تأمين إمداداتٍ موثوقةٍ من المكونات الأساسية والحيوية. ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة، ينبغي أن تتضافر كافة الجهود بين مختلف الأطراف المعنيّة، سواء داخل القطاع نفسه أو في القطاعات المرتبطة به، بما في ذلك القطاع العام، والذي مما لا شكّ فيه يلعب دورًا محوريًا في توفير بيئةٍ داعمةٍ لهذا التحوّل الاستراتيجي.

في خضم ما يشهده قطاع السيارات الأوروبي من تحولاتٍ واضطرابات، تأتي هذه المقالة لتُسلط الضوء على واقع شركات السيارات والمورّدين لها، مستندةً إلى أبحاث ماكنزي السابقة في هذا المجال. فكيف أثرّت التحولات الديناميكية على أداء هذه الشركات؟ وما الأساليب التي انتهجتها لمواجهة التحديات والصّمود في وجه المتغيرات؟ والأهم، أين تكمُن الفجوات التي تستوجب القيام بتحركاتٍ جادة وإجراءاتٍ حاسمة لاستعادة القدرة التنافسية وتعزيز الاستدامة في هذا القطاع؟ أسئلةٌ محورية تفرض نفسها في مشهدٍ اقتصادي يتطلب سرعة التكيّف وحُسن التخطيط للمستقبل.

صناعة السيارات الأوروبية.. ركيزةٌ اقتصادية تواجه تحدياتٍ غير مسبوقة

لطالما كانت صناعة السيارات الأوروبية أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، ليس فقط من خلال الإنتاج المباشر، بل أيضًا عبر تأثيرها الواسع على مختلف القطاعات. فكل يورو يتم استثماره في هذا القطاع يولّد قيمةً مضافة تعادل 2.6 ضعف في الاقتصاد بشكلٍ عام، ليُسهم في توفير أكثر من عشرة ملايين وظيفةٍ غير مباشرة في الصناعات المرتبطة به.3 ولا تقف أهمية قطاع السيارات عند هذا الحدّ، بل تُمثل المشاريع المرتبطة به نحو 10 في المائة من إجمالي القيمة المضافة لكلٍ من مُصنعي المعادن الأساسية، والمطاط، والمنتجات البلاستيكية.4 كما تستحوذ الشركات الأوروبية المصنعة للسيارات على 40 في المائة من حجم الطلب على أشباه الموصّلات في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا،5 في حين يستأثر قطاع صناعة السيارات على نسبة 75 في المائة من مبيعات البطاريات الأوروبية.6 مما جعل صناعة السيارات الأوروبية تساهم في دعم الاقتصاد القاري بقيمةٍ مضافة بلغت 1.7 تريليون يورو خلال عام 2023، جاءت 570 مليار يورو منها عبر صادرات التكنولوجيا والسيارات وحدها.7 ومن المتوقع أن يستحوذ قطاع السيارات على 30 في المائة من إجمالي الطلب الأوروبي على الفولاذ الأخضر بحلول عام 2030،8 مما يُبرِز دوره المحوري في التحولات الاقتصادية والاستدامة البيئية.

لم تعد صناعة السيارات الأوروبية تحتفظ ببريقها، فقد شهدت تراجعًا ملحوظًا في قدرتها التنافسية مقارنةً بمستوياتها السابقة. فمنذ عام 2017، فقدت الشركات الأوروبية المُصنّعة للسيارات أكثر من 13 نقطة مئوية من حصتها السوقية،9 في حين انخفض متوسط ربحية مورّدي السيارات الأوروبيين من 7.4 في المائة في عام 2017 إلى 5.1 في المائة في عام 2023.10 وفي ظل هذه المعطيات، تم إجراء استطلاعٍ حديثٍ شمِل 119 مورّدًا في صناعة السيارات. وقد أظهر الاستطلاع أن 66 في المائة من هؤلاء المورّدين يتوقعون استمرار حالة انخفاض الأرباح حتى عام 2025 على الأقل،11 وهو ما يعكس حالةً من القلق بشأن قدرة هذه الشركات على التكيّف مع المتغيرات الجديدة وتأمين التمويل اللازم لدفع عجلة التحول في القطاع، لا سيّما بالنسبة للشركات الصغيرة التي تواجه عقباتٍ في تأمين التمويل اللازم لمواكبة التحول نحو المَركبات الكهربائية، خاصةً مع محدودية وصولها إلى مصادر التمويل الخارجية. وما يزيد من خطورة المشهد، هو ما كشفته تحليلات ماكنزي الأخيرة، والتي أظهرت أن 370 مليار يورو من إجمالي القيمة المضافة لصناعة السيارات في أوروبا - أي ما يعادل 21 في المائة من إجمالي القيمة المضافة لهذا القطاع - باتت مهددةً بسبب التحول المتسارع نحو المَركبات الكهربائية (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ بعنوان "نبذةٌ حول منهجية العمل").12

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وحتى تستعيد أوروبا قدرتها التنافسية، ينبغي أن تكاتف جميع الأطراف الفاعلة عبر سلسلة القيمة، من المُصنّعين والمورّدين إلى الجهات التنظيمية والاستثمارية. فمواجهة التحديات الرّاهنة تتطلب استراتيجياتٍ موحدة ورؤيةً مشتركة، تتيح التعاون الفعّال وتضمن التحول السّلس نحو المستقبل.

خمس اضطراباتٍ تجعل من التغيير أمرًا ضروريًا

تواجه صناعة السيارات الأوروبية تحدياتٍ غير مسبوقة، إذ تجد نفسها أمام تحولاتٍ جذرية تستوجب إعادة رسم ملامح القطاع لمواكبة التطورات المتلاحقة. فقد فرضت بعض الاضطرابات الجوهرية واقعًا جديدًا يتطلب تبني استراتيجياتٍ مبتكرة، لضمان استعادة الشركات لمكانتها التنافسية وترسيخ دورها في الأسواق العالمية.

تحديات التصدير في ظل التحولات الاقتصادية. يظهر اعتماد صناعة السيارات الأوروبية على الأسواق الخارجية بشكلٍ كبير في الوقت الحالي، حيث تقوم الشركات بتصدير 64 في المائة من إنتاجها إلى دولٍ خارج الاتحاد الأوروبي، كما تشكّل المبيعات للدول غير الأوروبية ما يقرب من 43 في المائة من إجمالي القيمة المضافة للقطاع.13 ومع ذلك، فقد فرضت التقلبات الاقتصادية الأخيرة ضغوطًا متزايدةً على سلاسل التوريد المحلية، مما انعكس بشكلٍ مباشرٍ على قدرة المستهلكين في الأسواق العالمية على الوصول إلى المنتجات الأوروبية.

وفي ظلّ ما تشهده أسواق السيارات العالمية من منافسةٍ شرسة، ومع سعي الشركات السيارات الصينية إلى اقتحام الأسواق الأمريكية والأوروبية، أقدمت الولايات المتحدة على فرض رسومٍ جمركية تصل إلى 100 في المائة على السيارات الكهربائية الصينية،14 بينما رفع الاتحاد الأوروبي التعريفات الجُمركية إلى 45 في المائة لمواجهة هذا التحدي المتزايد.15 ولم تقف المواجهة عند هذا الحدّ، فقد وسّعت واشنطن نطاق رسومها الجمركية لتشمل أشباه الموصّلات والبطّاريات، اللّتان تُعدان من المكونات الأساسية لصناعة السيارات الحديثة. كما أن القيود المفروضة على تصدير أدوات تصنيع الرّقائق الإلكترونية،16 والتي تأتي في سياق التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة، باتت تُهدد بتفكك وتجزئة سلاسل التوريد العالمية ورفع تكاليف الإنتاج والمنتجات. ومع تصاعد التطورات، قد يضطر عددٌ من الشركات المُصنعة إلى نقل بعض عمليات التصنيع والإنتاج إلى أوروبا، مما يمنح الشركات الأوروبية فرصةً لتقليص الفجوة التنافسية مع الأسواق الأخرى، وهو ما بدأ يأخذ حيز التنفيذ بالفعل مع إعلان عددٍ من الشركات الصينية توجهها للبحث عن مواقع لإنشاء مصانع جديدة في أوروبا،17 في إشارةٍ إلى أن خريطة صناعة السيارات العالمية قد تكون على أعتاب تحولٍ جديد.

مستقبلٌ غامضٌ لتقنيات أنظمة الدّفع. رغم التباطؤ الملحوظ في وتيرة تبنّي السيارات الكهربائية، إلا أن مبيعاتها على المستوى العالمي ما زالت تواصل النمو، وهو ما أشارت إليه تقديرات مركز ماكنزي للتنقُّل المستقبلي، التي توقعت أن تتراوح مبيعات السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات (BEVs) ما بين 30 إلى 42 في المائة من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030. وتُلقي هذه التحولات بظلالها على قطاع التصنيع، حيث تُعتبر أنظمة الدّفع في السيارات الكهربائية أقل تعقيدًا من نظيرتها في المَركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي(ICE)، وهو ما قد يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على حجم القيمة المضافة في القارة الأوروبية. وتكشف دراسةٌ حديثة أجرتها ماكنزي أن ما بين 85 إلى 90 في المائة من القيمة المضافة الناتجة عن تصنيع سيارات محركات الاحتراق الداخلي في أوروبا تظلُّ داخل حدود القارة، في حين أن هذه النسبة تنخفض لتتراوح بين 50 إلى 60 في المائة فقط في السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات.18 وبالرغم من هذا التحدي، لا تزال هناك فرصٌ واعدة لتعزيز القيمة المضافة، لا سيما في الاستثمار بمكوناتٍ رئيسيةٍ مثل البطاريات، التي تُشكّل أكثر من ثلث القيمة الإجمالية للسيارات الكهربائية، والتي لا يزال تصنيعها يتركّز خارج أوروبا.19 لذا، بات على الشركات الأوروبية تسريع خطى بناء القدرات الصناعية، والعمل على تعزيز سلاسل التوريد، وإعادة هيكلة أنظمة الإنتاج، بالإضافة إلى ضرورة معالجة التحديات المرتبطة بالقوى العاملة من خلال إعادة تأهيل الموظفين، وذلك لضمان مواكبة التحولات المتسارعة في صناعة التنقُّل الكهربائي.

أما بالنسبة لقطاع الشاحنات، فمن المتوقع أن يشهد مستقبلًا متعدد المسارات، وذلك في ظلّ التحوُّل نحو التقنيات منخفضة الانبعاثات. وهو ما يفرض على صناعة السيارات تكييف استراتيجياتها لمواكبة احتياجات الشحن والتزود بالوقود، وذلك وفقًا للتطبيقات والمناطق الجغرافية المختلفة. وبحسب تقديرات مركز ماكنزي للتنقُّل المستقبلي، فمن المتوقع أن تتوزع مبيعات المركبات الثقيلة بحلول عام 2035، على مجموعةٍ من الفئات، لتستحوذ الشاحنات الكهربائية العاملة بالبطاريات (BEVs) على النصيب الأكبر من المبيعات بنسبة 45 في المائة، مع تركيز استخدامها على المسافات القصيرة والمتوسطة، فيما ستستحوذ الشاحنات العاملة بخلايا الوقود الهيدروجينية (FCEVs) على 16 في المائة من المبيعات، نظراً لكفاءتها العالية في الرحلات الطويلة. أما محركات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالهيدروجين (H2ICEs)، فمن المتوقع أن تستحوذ على 9 في المائة فقط، بينما يُتوقع أن تحافظ الشاحنات العاملة بالديزل على حصتها السوقية والتي تبلغ 30 في المائة.

العملاء وتقنيات الترفيه المعلوماتي.. طلبٌ متزايد وتجربٌة رقمية لا غنى عنها. لم يعد تقديم تجربةٍ رقميةٍ متكاملة داخل السيارة مجرد ميزةٍ إضافية، بل بات مطلبًا أساسيًا للكثير من العملاء. فوفقًا لاستطلاع ماكنزي لمُستهلكي قطاع التنقُّل لعام 2024، فإن 59 في المائة من مشتري السيارات الكهربائية و48 في المائة من مشتري السيارات التقليدية يتوقعون زيادة اعتمادهم على حلول الاتصال داخل المَركبة خلال السنوات المقبلة. كما أفاد أكثر من نصف مشتري السيارات الكهربائية والتقليدية بعدم قبولهم شراء سيارةٍ ما لم تكن مزودةً بتكاملٍ تلقائيٍ مع الهواتف الذكية، سواءً كخدمةٍ مجانية أو كميزةٍ اختياريةٍ مدفوعة. بينما تتجه أنظار مستهلكي فئة السيارات الفاخرة إلى تجربةٍ تفاعليةٍ أكثر سلاسة، يبحثون من خلالها عن تصميمٍ ذكي وواجهة مستخدمٍ شخصية تعكس احتياجاتهم بأسلوبٍ سلسٍ ومبتكر. ولتلبية هذه المتطلبات، تجد شركات السيارات التقليدية نفسها أمام تحدٍّ كبير يستلزم تسريع وتيرة الابتكار في تقنياتٍ متقدمةٍ مثل التعرف على الصوت والإيماءات اليدوية، إما عبر فِرق التطوير الداخلي أو من خلال الاستعانة بمزودي التكنولوجيا الخارجيين لمساعدتهم في دمج هذه الميزات بفاعليةٍ في مَركباتهم.

برمجيات السيارات والأنظمة المتقدمة المخصصة لمساعدة السائق تقود المستقبل. بحلول عام 2035، ومع دخول قطاع السيارات عصر التحوّل الرقمي، من المُرجّح أن يصل حجم السوق العالمي للبرمجيات والأنظمة المتقدمة المخصصة لمساعدة السائق (ADAS) نحو 165 مليار يورو.20 فقد أصبحت هذه الأنظمة عنصرًا أساسيًا في المَركبات الحديثة، بعد أن أدرجتها كُبرى الشركات المُصنّعة للسيارات ضمن مَركباتها، لتشمل الخرائط عالية الدقة، وأنظمة تحديد المواقع، وتقنيات التعرف على الإشارات المرورية. ومع تسارع التطورات في مجال القيادة الذاتية، تزداد تطلُّعات المستهلكين نحو امتلاك مركباتٍ أكثر ذكاءً، لا سيما في السوق الصينية.21 إذ كشف استطلاع مُستهلكي قطاع التنقُّل أن 53 في المائة من العملاء الصينيين على استعدادٍ لتغيير علامتهم التجارية المفضلة مقابل الحصول على ميزاتٍ أكثر تطورًا من أنظمة مساعدة السائق المتقدمة.22

تحدي تحقيق النمو في الصين. تشهد الأسواق الغربية تراجعًا في الطلب على المرَكبات الخاصة، حيث انخفضت المبيعات في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة 2.5 في المائة بين عامي 2023 و2024،23 مع توقُّعاتٍ ببقاء القوة الشرائية ثابتة حتى عام 2030، بينما تسير الصين نحو تحقيق طفرةٍ في الطلب، إذ يُرجّح أن تنمو الفئات القادرة على شراء السيارات بنسبة 104 في المائة ما بين عامي 2023 و2035،24 مع زيادةٍ سنويةٍ في الطلب تُقدّر بـ 2 في المائة.25 ورغم تحقيق الشركات الأوروبية المُصنّعة للسيارات أرباحًا ضخمة في السوق الصينية خلال العقود الماضية، إلا أن هذه النجاحات باتت تواجه تهديدًا متزايدًا من العلامات التجارية المحلية التي أصبحت تنافس بقوة. ويأتي ذلك في وقتٍ يشهد فيه القطاع نموًا ملحوظًا في عدد الشركات المُصنِّعة عالميًا، والتي زادت بـمقدار 18 شركة جديدة، إلى جانب ظهور 50 علامةٍ تجاريةٍ إضافية منذ عام 2018.26 وفي ضوء هذه المتغيرات، فقدت الشركات الأوروبية خمس نقاطٍ مئوية من حصتها في السوق الصينية بين عامي 2020 و2023، بينما عززت الشركات الصينية حضورها بزيادة حصّتها بمقدار 18 نقطةً مئوية إضافية في الفترة ذاتها.27 وعلى الجانب الآخر، تخطو العلامات التجارية الصينية بخطى واثقة نحو الأسواق الأوروبية، واضعةً نُصب أعيُنها تحقيق أهدافٍ طموحة لتعزيز حصّتها السوقية.28

في خطوةٍ لاستعادة مكانتها التنافسية، اتجهت بعض الشركات الأوروبية إلى عقد شراكاتٍ استراتيجية تُتيح لها الوصول بشكلٍ أكبر إلى أحدث التقنيات في مجاليّ البرمجيات والمكونات الصلبة. ففي عام 2023، أعلنت إحدى الشركات الأوروبية الكبرى عن تحالفٍ مع شركةٍ صينية بهدف تعزيز حضورها في سوق المَركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.29 وبالرغم من هذه التحركات، جاءت نتائج الاستطلاع الذي أجرته ماكنزي بمشاركة رابطة مورّدي السيارات الأوروبية، والذي يهدف لقياس مؤشرات أداء قطاع توريد السيارات في أوروبا، لتكشف عن فتورٍ واضحٍ في حماسة المورّدين الأوروبيين للاستثمار في السوق الصينية، إذ أشار 11 في المائة فقط من المشاركين إلى أن الصين لا تزال تُمثّل أولويةً رئيسية لنمو أعمالهم في المستقبل.30

خطوات الصناعة نحو مستقبلٍ واعد

في ظل ما ذكرناه من تحدياتٍ، كيف تستعيد صناعة السيارات الأوروبية مكانتها الريادية؟ للإجابة عن أبرز التساؤلات حول قدرة الشركات الأوروبية على استعادة مكانتها التنافسية على المستوى العالمي، أجرت شركة ماكنزي دراسةً معمقةً استندت فيها إلى قاعدة بياناتها المُوسّعة، كما قامت باستطلاع آراء خبراء الصناعة، وإجراء مقابلاتٍ مع نخبةٍ من مُصنّعي السيارات، والمورّدين (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ بعنوان "أبرز الرؤى من استطلاع ماكنزي حول بعض الشركات الأعضاء في رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية و رابطة مورّدي السيارات الأوروبية"). خَلُصت هذه الدراسة إلى سبع توصياتٍ محورية من شأنها أن تمنح صناعة السيارات الأوروبية دفعةً قوية نحو استعادة ريادتها من جديد.

توصياتٌ حاسمة لمُصنّعي السيارات الأوروبية لاستعادة التنافسية

طرحت الدراسات ثلاث توصياتٍ رئيسية من شأنها تعزيز تنافسية الشركات الأوروبية في سوق السيارات العالمية:

التركيز على احتياجات العملاء كمحورٍ أساسيٍ للأعمال. كشفت نتائج استطلاع مُستهلكي قطاع التنقُّل لعام 2024، عن تباين تفضيلات العملاء بين الأسواق المختلفة بشكلٍ كبير، خاصةً فيما يتعلق بتجربة المستخدم، وخدمات الاتصال الرقمي، وتقنيات القيادة الذاتية.31 وفي ضوء هذه النتائج، يتعين على الشركات الأوروبية اعتماد استراتيجياتٍ مرنة تُتيح تخصيص المنتجات والخدمات وفقًا لخصوصية كل سوق، بدلًا من اتباع نهجٍ عالميٍ موحد قد لا يُلبي تطلعات المستهلكين في بعض المناطق. كما أن إعادة تقييم استراتيجيات المنصّات العالمية وتعديلها بما ينسجم مع متطلبات الأسواق المحلية من شأنه أن يسهم في تعزيز القدرة التنافسية بشكلٍ ملحوظ.32 في هذا السياق، تُشير أبحاث ماكنزي في قطاع الصناعات والإلكترونيات إلى أهمية تبنّي نهجًا يضع العميل في صميم العمليات التشغيلية كعاملٍ رئيسيٍ لتحفيز النمو وتحقيق مزيدٍ من النجاحات.33

تعزيز النماذج التشغيلية الإقليمية لمواكبة التحولات الاقتصادية والجيوسياسية. تفرض التحديات الجيوسياسية والتغيرات الاقتصادية العالمية على الشركات الأوروبية إنشاء نماذج تشغيلية أكثر تكيُّفًا مع خصوصيات كل سوقٍ على حدة. فالاعتماد على إدارةٍ مركزيةٍ صارمة قد يؤدي إلى بطءٍ في اتخاذ القرارات وضعفٍ في الاستجابة لمتطلبات الأسواق المحلية. لذا، من الضروري أن تقوم الشركات بتعيين فرق قيادةٍ مُتخصصة لكلٍ من الأسواق الرئيسية مثل الصين، والولايات المتحدة، وأوروبا، مع توفير الموارد اللازمة لضمان توافق المنتجات مع احتياجات العملاء واللوائح التنظيمية الخاصة بكل منطقة.

تطوير استراتيجيةٍ تنافسية لبطاريات "ليثيوم فوسفات الحديد". مع تزايد أهمية تقنيات البطاريات في مستقبل قطاع السيارات، تواجه الشركات الأوروبية صعوبةً كُبرى في تأمين سلاسل التوريد الإقليمية وتقليل الاعتماد على الشركاء الأجانب. وقد كشف استطلاعٌ حديث أجراه كلٌ من رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية ورابطة مورّدي السيارات الأوروبية، أن 45 في المائة من الخبراء يعتبرون أداء البطارية (بما في ذلك مدى القيادة وسرعة الشحن) سيصبح عنصرًا استراتيجيًا رئيسيًا في التنافسية بحلول عام 2035. وعلى الرغم من إطلاق المبادرة الأوروبية للبطاريات (EBA250)،34 والتي تهدف للحدّ من الاعتماد على الشركاء الأجانب لدعم الإنتاج المحلي وتعزيز فرص التصدير للأسواق العالمية، كالسوق الأمريكية على سبيل المثال، إلا أن التأخير في إنشاء المصانع الكُبرى يُعد مؤشرًا لضرورة تحرُّك شركات السيارات بشكلٍ فردي لضمان تحقيق الرّيادة في هذا القطاع الحيوي.

توصياتٌ مبتكرة لمورّدي قطاع السيارات الأوروبي

كشف أحدث استطلاعٍ لماكنزي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لمورّدي السيارات، والذي شمل 119 من مورّدي صناعة السيارات في أوروبا، عن توقعاتٍ يشوبُها الحذر بشأن مستقبل السوق، حيث أشار 60 في المائة من المشاركين إلى احتمالية انكماش السوق بحلول نهاية عام 2025.35 ولتجاوز هذه العقبة، يتوجب على المورّدين الأوروبيين إعادة هيكلة نماذجهم التشغيلية عبر خفض نقطة التعادل وتقليل تأثرهم بتذبذب الإنتاج، من خلال تحسين نسبة التكاليف الثابتة إلى المتغيرة. ولتحقيق ذلك، يتعين عليهم اعتماد نموذجٍ يعزز الكفاءة التشغيلية، ويوفر هيكل تكلفةٍ مرن، وتنوعًا في المنتجات، وسلسلة توريدٍ قوية قادرة على الصمود أمام التحديات. لمواجهة هذه المتغيرات، هناك بعض الاستراتيجيات العملية التي يمكن للمورّدين الأوروبيين تطبيقها، مثل إعادة هندسة المنتجات عبر تبسيط تصميم المركبات وتقليل التعقيدات التقنية، توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز الكفاءة التشغيلية وتحسين الإنتاجية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة التكاليف لزيادة القدرة على مواجهة التقلبات السوقية وضمان تحقيق الاستدامة المالية.

توصياتٌ استراتيجية شاملة لمصنّعي السيارات والمورّدين في أوروبا

حتى يتمكّن مُصنّعو السيارات الأوروبيون والمورّدون من مواجهة التحديات المتزايدة في قطاع السيارات وتعزيز قدرتهم التنافسية، ينبغي عليهم العمل معًا من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

تسريع وتيرة تطوير المنتجات. إن تسريع دورة التطوير ليس مجرد خطوةٍ للتحسين الإداري فحسب، بل هو ضرورةٌ استراتيجية للتكيُّف مع التغيرات المتسارعة في تفضيلات العملاء، بما يضمن للشركات الأوروبية البقاء في قلب المنافسة العالمية. وتكشف تحليلات ماكنزي عن تأخُّر الشركات الأوروبية عن منافسيها العالميين في سرعة طرح المنتجات في الأسواق.36 فعلى سبيل المثال، تستغرق الشركات الأوروبية ما يقترب من أربع سنواتٍ للانتقال من مرحلة التصميم إلى مرحلة الاختبار الأوليّ، في حين تقوم الشركات الصينية الرائدة بتحقيق ذلك في 21 شهرًا فقط،37 وهو ما يمنحها ميزةً تنافسية تُتيح لها تلبية احتياجات السوق بشكلٍ أسرع. ولتقليص هذه الفجوة، يتعين على الشركات الأوروبية خفض مدة تطوير المنتجات بنسبةٍ تتراوح بين 30 إلى 50 في المائة، وذلك من خلال عدة إجراءاتٍ، منها تبسيط البنية الهندسية للمَركبات بما يُقلل من التعقيد والتكاليف، إلى جانب الاعتماد على التطوير المستمر لضمان التحديث الدائم للمنتجات، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التصميم والهندسة، فضلًا عن ضرورة إعادة هيكلة آليات اتخاذ القرار لتسريع الموافقات وتقليل العوائق البيروقراطية.

خفض تكاليف المنتجات. يُعد التسعير المناسب أحد العوامل الرئيسية المُتسبّبة في زيادة معدلات تبنّي السيارات الكهربائية في أوروبا، لا سيّما في ظل الأوضاع الاقتصادية التي جعلت من تكلفة المعيشة مصدر قلقٍ للكثيرين. ومع اشتعال المنافسة، أصبح من الحتميّ على الشركات الأوروبية مواجهة صعود الشركات العالمية التي استطاعت جذب المستهلكين وزيادة حصتها السوقية بفضل أسعارها الجذابة واستراتيجياتها الفعالة.38 ولضمان تقديم منتجاتٍ قادرةٍ على المنافسة في الأسواق الأوروبية دون المساس بهوامش الأرباح، ينبغي على الشركات اتباع نهجٍ أكثر صرامةً في خفض التكاليف، مع استهداف تحقيق تخفيضاتٍ تصل إلى 20 في المائة مقارنةً بالمستويات الحالية. ولتقليص هذه الفجوة في التكاليف دون الإضرار بالرّبحية، هناك بعض الخطوات الاستراتيجية التي يجب على الشركات أخذها بعين الاعتبار، منها تطبيق استراتيجيات "التصميم وفق التكلفة" لضبط الإنفاق وتحقيق الكفاءة، وتوظيف التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي التوليدي والتصنيع المتقدم لتعزيز الإنتاجية، وأخيرًا، إعادة تقييم العوامل المؤثرة على التكاليف عبر كامل سلسلة القيمة، بدءًا من المواد الخام وصولًا إلى عمليات التجميع النهائي.

تعزيز التعاون لمواكبة التحولات. مع التغيُّر المستمر في مشهد قطاع السيارات العالمي، أصبح التعاون الاستراتيجي بين الشركات العاملة بهذا القطاع ضرورةً مُلحّة لمواكبة التطورات وتعزيز التنافسية. فالتحولات الجذرية التي تشهدها الصناعة تتطلب تضافُر الجهود بين كافة أطراف المنظومة، ابتداءً من المُورّدين والشركات الأوروبية المُصنّعة، مرورًا بالقطاعات المرتبطة بصناعة السيارات كالطاقة والبنية التحتية، وحتى صُنّاع القرار، وذلك لضمان استدامة النمو والابتكار. وتتعدّد مجالات التعاون، منها على سبيل المثال، تعزيز الكفاءة التشغيلية عبر اعتماد نماذج إنتاجٍ مرنة قادرة على التكيُّف مع تغيرات السوق وتقلبات الطلب. ولعلّ استكشاف فرصٍ ابتكارية لتطوير هياكل جديدة للمَركبات وتعزيز حلول أنظمة القيادة المساعدة المتقدمة، أحد المحاور الرئيسية لهذا التعاون. بالإضافة إلى ترسيخ عوامل النمو من خلال تعزيز البنية التحتية وتوسيع شبكات شحن المَركبات الكهربائية وتوفير الكفاءات البشرية المؤهَلة لدفع عجلة الابتكار في هذا المجال.

عصرٌ جديدٌ من التعاون: ثماني فرص لتعزيز تنافسية قطاع السيارات الأوروبي

ولكي تستعيد الشركات الأوروبية قُدرتها التنافسية، لا يكفي الاعتماد على الجهود الفردية فقط. فرغم الفرص التي تمتلكها الشركات المُصنّعة والموردون لتحقيق النمو بشكلٍ مستقل، يظل التعاون عاملًا حاسمًا لإعادة تنشيط الصناعة الأوروبية، حيث تفرض الطبيعة المترابطة لمنظومة صناعة السيارات تعاونًا بين كافة الأطراف المعنيّة، بما في ذلك الصناعات المرتبطة بصناعة السيارات، ودوائر صُنع القرار. وتُشير أبحاثنا إلى ثماني فرص رئيسية يُمكن من خلالها تحقيق الفائدة القصوى من هذا التعاون، مما يُسهم في تعزيز النمو والابتكار، ويُشكّل دعامةً أساسية لاستعادة تنافسية القطاع، كما هو موضح في (الشكل 1). فمن خلال توحيد الجهود وتكامل الرؤى، تستطيع الجهات المعنيّة تجاوز التحديات الحالية، واستكشاف آفاقٍ جديدة لتحقيق النمو، بما يُمهّد الطريق أمام قطاع السيارات الأوروبي ليُصبح أكثر صلابةً واستدامة في المستقبل.

1. تعزيز مرونة التصنيع وضمان الشفافية لمواكبة تغيرات السوق

وفقًا لنتائج استطلاع آراء الشركات الأعضاء في رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية ورابطة مورّدي السيارات الأوروبية لعام 2024، فإنّ 31 في المائة من المشاركين يَرون أن تعزيز المرونة في خطوط الإنتاج أمرًا ضروريًا لمواجهة تقلبات الطلب. كما أكّدت الدراسات أن بإمكان الشركات المُصنّعة والموَرّدين زيادة الكفاءة التشغيلية من خلال تعزيز مرونة التصنيع، فهي تزيد من قدرتهم على إدارة تقلبات الطلب والتكيف مع تغيرات السوق، وهو ما بات ضرورةً ملحّة، لا سيما في ظل التحوّل المتسارع نحو المَركبات الكهربائية. وتُشير الدراسات إلى أن الأتمتة القابلة للبرمجة تلعب دورًا حيويًا في تحقيق هذه المرونة، فقد أتاحت لبعض الشركات المُصنعة إمكانية إنتاج المَركبات ذات محرك الاحتراق الداخلي والمَركبات الكهربائية على نفس خط الإنتاج، مما يعزز القدرة التنافسية ويخفض التكاليف.

أما لضمان استقرار الإنتاج وسرعة الاستجابة للطلب، فتُوصِى الدراسات بتوسيع نطاق الأتمتة وتحسين تقنيات الاتصال (كالبثّ المُبسّط على سبيل المثال)، مما يتيح بياناتٍ أكثر دقةً حول الإنتاجية. كما أكّدت الأبحاث أيضًا على أهمية تبنّي معايير مُوحّدة للمكونات وزيادة مستوى الوحدات النّمطية، لتمكين مشاركة خطوط الإنتاج والمنصّات بين الشركات المُصنِّعة، وبالتالي تعزيز الكفاءة التشغيلية. وفي هذا الإطار، يُنصَح مُصنّعو السيارات بإعادة النظر في المُتطلبات الحصرية التي تفرضها شركاتهم على الموردين - والتي تُلزِم المُورّد بتوفير مكوناتٍ أو خدماتٍ معينة بشكلٍ حصري لهذه الشركة دون غيرها-، بما يتيح مرونةً أوسع للمورّدين، ويُخفّض من تكاليف البحث والتطوير. أما بالنسبة للمورّدين، فبإمكانهم تقديم مكوناتٍ أكثر نمطيةً، مثل محركات التوجيه النمطية، التي تسهّل عمليات التصنيع وتزيد من نسبة مساهمة الأجزاء المشتركة بين المُنتجات، مما يعزز التكامل الصناعي ويحقق مكاسب اقتصاديةٍ أوسع.

2. توحيد سوق مكونات محركات الاحتراق الداخلي (ICE)

يواجه سوق المَركبات المزودة بمحركات الاحتراق الداخلي ضغوطًا متزايدة، في ظل تنامي الاعتماد على المركبات الكهربائية، واختلاف مكونات هذه المَركبات الجديدة من بطارياتٍ وأشباه موصّلات عن نظيراتها التقليدية بنسبةٍ تتراوح بين 40 إلى 50 في المائة.39 وبحسب ما ورد في تحليل ماكنزي، فإن المكونات الرئيسية التي تُصنَّع على نطاقٍ واسعٍ في أوروبا مثل (أجزاء المحركات، وأنظمة الوقود، والعوادم) والتي تبلغ قيمتها الإجمالية ما يقارب 230 مليار يورو سنويًا، لم تعد مطلوبةً في صناعة المَركبات الكهربائية. وتشير التوقعات إلى أن الطلب على مكونات محركات الاحتراق الداخلي سيصل إلى أعلى مستوى للمبيعات والإيرادات بحلول 2025، قبل أن يبدأ في التراجع السريع بعد 2030. وعلى الرغم من سعي بعض الشركات المُصنعة إلى إطالة عُمر المَركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي - حيث قامت إحدى الشركات الأوروبية الكُبرى بتوجيه ثلث ميزانيتها للبحث والتطوير نحو هذا القطاع 40- إلا أن التوجُّه العام يشير إلى انخفاض حصة مكونات هذه المحركات من 24 في المائة إلى 8 في المائة من إجمالي سوق المكونات بين عامي 2024 و2035، كما هو موضح في (الشكل 2).

كما يُعد التعاون الوثيق بين مصنّعي السيارات والمورّدين عاملًا حاسمًا في تعزيز تنافسية مكونات محركات الاحتراق الداخلي، وذلك من خلال إقامة شراكاتٍ موثوقة تُلبي الطلب بكفاءةٍ عالية وبتكاليف أقل. ولعل موثوقية هذه الشراكات هي العنصر الأساسي في تمكين الشركات من إدارة الانخفاض التدريجي في مبيعات هذه المَركبات، سواء عن طريق التحكم في التكاليف أو من خلال تحسين عمليات التسليم. فعلى سبيل المثال، يسمح هذا التعاون بالسيطرة على ارتفاع أسعار المنتجات، والذي قد ينشأ نتيجة خفض الإنتاج، وذلك بجانب دوره في تعزيز الاستقرار المالي للمُورّدين، مما يضمن قدرتهم على تلبية الطلب بكفاءة.

وفي هذا السياق، يمكن للمُصنّعين والموردين وصنّاع القرار تبنّي نماذج تعاونٍ جديدة تقوم على الاستدامة طويلة الأجل. وأول هذه النماذج وأبرزها اعتماد عقودٍ طويلة الأمد واتفاقياتٍ لحجم الإنتاج عبر سلسلة القيمة، بدلًا من التركيز على خفض التكاليف لِجَني مكاسب فردية قصيرة المدى. فعلى سبيل المثال، يمكن تحقيق تحسينٍ شاملٍ في التكاليف من خلال استراتيجياتٍ تعاقديةٍ أكثر شمولًا، تأخذ في الاعتبار التكاليف الثانوية المرتبطة بتطوير البنية التحتية للمصانع، وتُسهم في الحد من تعقيد العمليات الناتج عن إلغاءات الطلبات في اللحظات الأخيرة والتي يسمح بها نظام تبادل البيانات الإلكتروني (EDI)،41 مما قد يزيد من التكاليف على امتداد سلسلة التوريد.

لذا، تُعد الالتزامات المشتركة بين المصنّعين والموردين ركيزةً أساسية في تعزيز كفاءة العمليات وخفض التكاليف. إلى جانب ذلك، تتيح هذه الشراكات مستوى أعلى من المرونة، يسمح بتسريع عمليات الموافقة على إعادة توزيع إنتاج مكونات محركات الاحتراق الداخلي داخل شبكات الإنتاج والتصنيع، الأمر الذي يسهم في تعزيز تكامل الموارد وتوحيد الإنتاج بفعاليةٍ خلال مرحلة التراجع التدريجي في السوق، بما يضمن استدامة العمليات وتقليل الأعباء التشغيلية على مختلف الأطراف الفاعلة في القطاع.

3. توسيع منظومة أشباه المُوصّلات

أصبحت صناعة السيارات الأوروبية في حاجةٍ ماسّة إلى تأمين وصولٍ مستدامٍ ومرن للتقنيات الأساسية التي توفر ميزةً تنافسية، وفي مقدّمتها أشباه المُوصّلات، حتى تتمكّن من مواجهة ما يعترضُها من تحدياتٍ استراتيجية.

وخلال الرُّبع الأول من عام 2024، نجحت أوروبا في تأمين ما يقرب من 70 في المائة من إجمالي احتياجاتها من أشباه الموصّلات، وذلك عبر الإمدادات المحلية الخاصة بالمرحلة الأولية من الإنتاج.42 وبالرغم من أن تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في تصنيع هذه المكونات الحيوية ليس واقعيًا أو ضروريًا، إلا أن امتلاك حصةٍ سوقيةٍ مؤثرة عبر مختلف مراحل سلسلة القيمة يعدّ أمرًا بالغ الأهمية، فهو يضمن الاستقلالية ويعزز من قدرة القطاع على المنافسة. على سبيل المثال، تحتاج الشركات الأوروبية إلى ضخ استثماراتٍ تصل إلى 205 مليار دولار بحلول عام 2028 للحفاظ على موقعها في تصنيع المرحلة الأولية من إنتاج أشباه الموصّلات.43 كما يتعيّن عليها تعزيز قدراتها في تصنيع المرحلة النهائية للحفاظ على مكانتها التنافسية، وهو ما يتطلب استثماراتٍ إضافية لمعالجة التحديات اللوجستية وخفض تكاليف العمالة، بما يضمن تحقيق جدوى مالية مستدامة لمنظومة الإنتاج. وعلاوةً على ذلك، يتطلب تعزيز مكانة أوروبا كمركزٍ متكاملٍ لصناعة أشباه الموصّلات توسيع نطاق المرونة الإنتاجية ليشمل إلى جانب تصنيع الرقائق إنتاج الويفر ( وهي العملية التي يتم فيها تصنيع رقائق السيليكون التي تُستخدم كأساسٍ لصناعة أشباه الموصّلات والدوائر الإلكترونية المتكاملة)، وكذلك تصنيع المعدات والمواد، وضمان استدامة إمدادات الطاقة، بما يسهم في دعم استقرار القطاع ونموه. وفي ظل التزايد المطّرد في الطلب على أشباه الموصّلات خاصةً في قطاع السيارات، من المتوقع أن يتضاعف الطلب ثلاث مراتٍ بحلول عام 2030.44 ومع هذه الزيادة في النمو، إلا أن التوسع في القدرات التصنيعية العالمية من المتوقع أن يتركّز خارج أوروبا، إذ تُشير التقديرات إلى أن 52 في المائة من التوسع في تصنيع المرحلة الأولية سيتم في الصين بحلول عام 2028، مقابل 10 في المائة في الولايات المتحدة، و8 في المائة فقط في أوروبا. أما على الصعيد العالمي، فهناك مناطقٌ أخرى من المرجح أن تضخّ استثماراتٍ ضخمة في هذا المجال، حيث تخطط كوريا الجنوبية لاستثمار 430 مليار يورو لإنشاء أكبر مُجمَّعٍ عالمي لأشباه المُوصّلات بحلول عام 2050،45 إلى جانب دخول دولٍ أخرى مثل تايوان إلى السّباق، مما يزيد من حدّة المنافسة في هذه الصناعة الاستراتيجية.

ومن المنتظر أن تستحوذ الصين على 60 في المائة من إجمالي نسبة التوسّع في القدرات الإنتاجية للرقائق الإلكترونية المخصّصة لقطاع السيارات، والتي تُعرف باسم "العُقد التقنية الناضجة"، والتي تشمل الرّقائق المُصنَّعة بتقنيات 22 نانومتر فأكثر (، في حين لا تزال أوروبا تفتقر إلى حضورٍ فاعلٍ في هذا المجال. وعلى الرغم من التقدّم الريادي الذي تحقّقه أوروبا في المراحل المُبكرة من البحث والتطوير، خاصةً فيما يتعلق بابتكار المواد الجديدة، وتقنيات التصنيع، والمعدات المتقدّمة، إلا أنها لا تزال تواجه تراجعًا ملحوظًا في حجم استثمارات الشركات الناشئة المتخصّصة في أشباه الموصّلات. فمنذ عام 2010، شهدت كلٌ من الولايات المتحدة والصين استثماراتٍ تُعادل الضِّعف تقريبًا في هذا القطاع مقارنةً بأوروبا، ويرجع الفضل في ذلك لبعض التشريعات الهامة، مثل "قانون الرقائق والعلوم الأمريكي" وصندوق الاستثمار الوطنيّ الصينيّ لصناعة الدوائر المتكاملة، مما منح هاتين القوتين العالميتين ميزةً تنافسيةً أكبر.46 ولهذا، يتوجّب على أوروبا اتخاذ خطواتٍ حاسمةٍ لتعزيز موقعها التنافسي، عبر مضاعفة استثماراتها في البحث والتطوير المبكر، وتكثيف جهودها في تصميم أشباه الموصّلات المتقدّمة، إذا ما أرادت ضمان استدامة ريادتها في هذه الصناعة الاستراتيجية.

فيما يتعين على المُصنّعين والمورّدين توحيد الجهود لعقد شراكاتٍ استراتيجية وإبرام اتفاقيات توريدٍ مع كُبرى الشركات المُنتجة لأشباه الموصّلات، لتعزيز القدرات الإنتاجية لأشباه الموصّلات داخل أوروبا، وللحد من مخاطر اضطرابات سلاسل التوريد في ظل التحديات المرتبطة بمتطلبات المصادر المحلية (كتلك القيود التي قد تنشأ نتيجة القوانين والسياسات التي تَفرِض على الشركات الاعتماد على مورّدين محليين بدلاً من الاستيراد من الخارج). وفي المقابل، يبقى الدور التنظيمي عاملًا مؤثرًا في تسريع عمليات التوسُّع وضمان استدامة الإنتاج الأوروبي.

4. تعزيز الأنظمة المتقدمة لمساعدة السائق"ADAS"، والقيادة الذاتية، والمَركبات المعتمِدة على البرمجيات بمعيارٍ تقنيٍ موحّد

مع تسارع التطورات التقنية التي تقودها كُبرى الشركات الصينية والأمريكية، تجد صناعة السيارات الأوروبية نفسها أمام تحدٍ كبير للحفاظ على تنافسيتها، لا سيّما في مجالات أنظمة مساعدة السائق المتقدمة والقيادة الذاتية. فبينما تسير الشركات العالمية بخطى سريعة نحو تطوير حلولٍ متقدمة وذات تكلفةٍ تنافسية، لا تزال الصناعة الأوروبية تعاني من فجوةٍ في الخبرات بالعديد من المجالات كالبرمجيات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الشرائح الإلكترونية، مما يحدّ من قدرتها على التوسع والمنافسة. فعلى سبيل المثال، كشفت الإحصائيات أن 43 في المائة من موظفي البحث والتطوير العاملين بشركات السيارات الناشئة خارج أوروبا يُركزون بشكلٍ أساسي على تطوير البرمجيات، مقابل 16في المائة فقط في الشركات الأوروبية. كما أظهرت تحليلات الاستثمارات في الشركات الناشئة أن إجمالي ما تم استثماره في تقنيات الأنظمةالمتطورة لمساعدة السائق في الولايات المتحدة، والتي تشمل تكامل المَركبات الذاتية، ومكونات التقنيات المخصصة لمساعدة السائق، وبرمجيات المركبات الذاتية، وتقنيات التحديد اللحظي للموقع ورسم الخرائط.47 قد تجاوز مثيله في أوروبا بأكثر من 3.5 مرة منذ عام 201048 وفي الوقت ذاته، يرى 30 في المائة من المشاركين في استطلاع آراء أعضاء رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية ورابطة مورّدي السيارات الأوروبية لعام 2024، أن أداء الأنظمة المتخصصة لمساعدة السائق سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد مكانة صناعة السيارات الأوروبية بحلول عام 2035 على أقصى تقدير.

ولمواجهة هذا القصور وتعزيز القدرة التنافسية في مجال الأنظمة المتقدمة لمساعدة السائق، تبرز الحاجة إلى تعاونٍ واسع النطاق بين الشركات العاملة في الصناعة، وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا، يمكن للشركات العمل معًا على وضع معايير موحدة وتطوير برمجياتٍ مفتوحة المصدر للعناصر غير التنافسية ضمن البنية التقنية للأنظمة المخصصة لمساعدة السائق، بحيث يمكن لجميع الشركات الاستفادة منها، مما يقلل التعقيد التقني، ويُسرّع عمليات التطوير، ويخفض التكاليف، مع مراعاة الالتزام بالضوابط القانونية للمنافسة. ويشمل ذلك إنشاء طبقات تواصلٍ سلسة بين نظام التشغيل والمكونات الصلبة، وتعزيز التكامل بين البرمجيات الوسيطة، وتحسين أنظمة الاتصال والأمان. فهذه الجهود من شأنها تقليص المدة اللازمة لطرح التقنيات الجديدة في الأسواق.

ثانيًا، باستطاعة الشركات تقوية أواصر التعاون فيما بينها في مجالات جمع البيانات، وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وإرساء منظومةٍ متكاملة لأدوات البرمجيات، وذلك بهدف تقليص التكاليف المرتبطة بعمليات جمع البيانات، ورفع مستوى أمان الأنظمة المخصصة لمساعدة السائق عبر إتاحة فرصٍ أوسع للتعلم، تستند إلى دراسة الحالات الاستثنائية والتعامل معها بفعالية.

وأخيرًا، على صعيد التشريعات، يلعب صنّاع القرار دورًا محوريًا في وضع معايير موحدة تضمن سهولة تبادل البيانات وتكامل الأنظمة مع بعضها البعض، إلى جانب تطوير أُطُرٍ تنظيميةٍ واضحة لاختبار أنظمة القيادة المساعدة والذاتية على الطُرُقات، بما يسهم في تسريع اعتماد هذه التقنيات وترسيخ ثقة المستخدمين بها.49

5. تبسيط وتوحيد بنية المَركبات

إنّ تطوير بنية المَركبات ليس مجرد تحسينٍ تقني، بل هو خطوةٌ أساسية نحو جعل التصنيع أكثر كفاءةً واستدامة. فعلى سبيل المثال، يُسهم اعتماد الشركات لبِنيةٍ كهربائية/إلكترونية في تحقيق وَفرٍ يتراوح بين 10 إلى 20 في المائة من تكاليف المواد، وذلك بفضل دمج وحدات التحكم الإلكترونية في عددٍ أقل من وحدات التحكم المركزية لكل منطقةٍ في المَركبة. كما تُتيح هذه البِنية تقليل النفقات الهندسية، وتسريع عملية الإنتاج بنسبةٍ تتراوح بين 20 إلى 30 في المائة. ولا تقتصر الفوائد على تقليل التكاليف فحسب، بل تشمل أيضًا تحسين أداء المَركبة على مدار عُمرها الافتراضي. وتشير التوقعات إلى أن 35 في المائة من المَركبات المُنتَجة بحلول عام 2035 ستعتمد على هذه الِبنية الحديثة، مما يتيح تحديثاتٍ برمجيةٍ آمنة وسلسة عبر الهواء، وهو ما يعود بالنفع على المُصنّعين والمستخدمين على حدٍ سواء.50 ويتوافق هذا الاتجاه مع رؤية قطاع صناعة السيارات الأوروبي، إذ أظهر استطلاع آراء أعضاء رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية ورابطة مورّدي الأوروبية السيارات لعام 2024، أن 59 في المائة من المشاركين يعتبرون أن البِنية الكهربائية/الإلكترونية المركزية ستصبح عنصرًا أساسيًا في خفض التكاليف وتعزيز التنافسية بحلول عام 2035.

تعتمد شركات السيارات اليوم على مجموعة من الأساليب المبتكرة لخفض التكاليف وتعزيز قدرتها التنافسية في قطاع التصنيع، لا سيما في ظل التوجه العالمي نحو إنتاج مركبات أكثر كفاءة وأقل تكلفة. من أبرز هذه الأساليب تطوير هندسة جديدة للمركبات، تبدأ بتقنية الصبّ الأحادي الكبير(Gigacasting)، والتي تتيح إنتاج أجزاء هيكل السيارة الرئيسية من الألمنيوم كقطعة واحدة، بدلًا من تجميعها من عدة مكونات صغيرة. هذا النهج لا يقلل فقط من تكاليف الإنتاج، بل يُبسط سلسلة التوريد ويُسرّع وتيرة التصنيع. وفي السياق ذاته، برز مفهوم "التجميع من الداخل إلى الخارج(Unboxing)" كاستراتيجية جديدة في بناء المركبات، تقوم على تصميم وتجهيز المكونات الداخلية أولًا، ثم الانتقال إلى الهيكل الخارجي، مما يمنح مرونة أكبر في التصميم ويقلص من الخطوات التقليدية المعقدة. وتكتسب هذه الابتكارات جدواها القصوى في المشروعات الجديدة المقامة من الصفر، أو ما يُعرف بـ "مشروعات الإنشاء الأخضر" (Greenfield Projects)، حيث تكون البنية التحتية مصممة خصيصًا لاستيعاب هذه التحولات التقنية من البداية. إضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق مزيد من الوفورات من خلال أدوات رقمية متقدمة، مثل سلاسل الإمداد المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تمكّن من إدارة العملية الإنتاجية بشكل شامل من التصميم إلى التسليم، إلى جانب تطبيق ممارسات "التصميم حسب التكلفة"، التي تضع خفض التكاليف كأولوية في مراحل التطوير الأولى. كما يعد الدمج الهيكلي والوظيفي من العناصر الأساسية لتحقيق هذه الكفاءة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام جزء واحد مصبوب لتشكيل القسم الأمامي أو الخلفي بالكامل، أو إلغاء الأرضية التقليدية للسيارة وتركيب المقاعد مباشرة فوق هيكل البطارية، مما يخفف الوزن ويقلل عدد الأجزاء المطلوبة.

ومما لا شكّ فيه، تتطلب إعادة صياغة بنية المَركبات تعاونًا وثيقًا بين الشركات المصنّعة والمورّدين. فلا تقتصر عملية التطوير على التغيير التكنولوجي فحسب، بل تحتاج أيضًا إلى سرعة التنفيذ لضمان المنافسة على المستوى العالمي. ولهذا، يصبح توحيد الرؤية نحو بنيةٍ كهربائية/إلكترونية مقسَّمة المناطق خطوةً ضروريةً لخفض التكاليف وتعزيز الكفاءة التشغيلية. ولضمان نجاح هذا التحوّل، لا بد من وضع معايير موحّدة تضمن توافق المكونات وإمكانية إعادة تدويرها والاستفادة منها في المستقبل. على سبيل المثال، يمكن توحيد المعايير الخاصة بأسلاك الألمنيوم والموصّلات، أو توحيد البِنية الكيميائية لخلايا البطاريات عالية الجهد، مما يسهم في تحسين الأداء وتخفيض تكاليف الإنتاج، ليصبح المستقبل أكثر كفاءةً واستدامة.

6. استكشاف آفاقٍ جديدة للنمو

يمتلك مورّدو ومصنّعو السيارات في أوروبا فرصةً استراتيجية للاستفادة من مجالاتٍ جديدة قريبة من مجالهم الأساسي، وذلك نتيجةً للعديد من الأسباب، منها تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، وتغير سلوكيات المستهلكين، فضلًا عن التحولات الاقتصادية العالمية. فمن خلال التوجه نحو هذه القطاعات الواعدة، يمكن للقطاع تعزيز قدراته التنافسية، وخلق فرص نموٍ مستدامة تدعم مستقبل صناعة السيارات في القارة. (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبي بعنوان " فرصٌ واعدة في قطاعاتٍ مجاورة").

وفي دراساتٍ حديثةٍ تناولت مستقبل الاقتصاد الأوروبي في ظل التحول نحو المَركبات الكهربائية،51 تم الكشف عن فرصٍ واعدة لتعزيز القيمة المضافة في مراحل الإنتاج اللاحقة. فقد أشار تقريرٌ صادرٌ عن مركز ماكنزي للتنقُّل المستقبلي إلى إمكانية تحقيق إيراداتٍ إضافية تتراوح بين 220 و270 مليار يورو بحلول عام 2035. ووفقًا للتقرير، فإن القطاعات المرتبطة بصناعة سيارات الرُّكاب ستشهد نموًا ملحوظًا، لتتجاوز قيمتها السوقية العالمية بحلول 2035 ما يقارب 370 مليار يورو في قطاع الطاقة، -بما في ذلك إنتاج الكهرباء، وخدمات الشحن، وتطوير البنية التحتية الداعمة-، و900مليار يورو في قطاع خدمات التنقُّل المشترك، بالإضافة إلى 180 مليار يورو في قطاع الخدمات الرّقمية. وللاستفادة من هذه المجالات الواعدة، يتعين على الشركات إعادة النظر في استراتيجياتها التوسُّعية، واعتماد نهجٍ قائمٍ على الشراكات الاستراتيجية، مما يُسهم في تقاسم الأعباء المالية للاستثمار في نماذج أعمالٍ جديدة، وتعزيز القدرات التقنية والتشغيلية اللازمة لمواكبة التحولات المستقبلية في القطاع.

كما يُمكن لشركات تصنيع السيارات والموردين الاستفادة من تبادل بيانات المَركبات واستثمارها بفعالية، مما يتيح لهم تطوير ميزاتٍ مُبتكرة تعزز تجربة المستخدم على امتداد عمر المَركبة، مثل أنظمة الترفيه الذكية داخل السيارة والصيانة الاستباقية التي تتنبأ بالأعطال قبل حدوثها. علاوةً على ذلك، فإن توحيد بعض معايير السوق الأساسية– كإرساء نظم شحنٍ موحّدة ومتناسقة بين مختلف العلامات التجارية – قد يسهم في فتح آفاقٍ أخرى للنمو، وتذليل العقبات أمام دخول الأسواق، إلى جانب توسيع نطاق الابتكار وتعزيز قدرته على الوصول إلى شريحةٍ أوسع من المستخدمين.

7. تطوير بنية تحتية متكاملة للشحن والتزوّد بالوقود

مع التحول نحو أنظمة نقلٍ مستدامة، تظهر ضرورة تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية لمحطات شحن المَركبات الكهربائية وتزويدها بالهيدروجين. وتُشير تقديرات ماكنزي إلى أن أوروبا ستكون بحاجةٍ لزيادة استثماراتها الخاصة بتوسيع شبكة محطات الشحن العامة بما يصل إلى130 مليار يورو، وذلك لرفع عدد المحطات من مليون إلى 2.5 مليون محطة بحلول عام 2030.52 أما فيما يتعلق بالهيدروجين، فتتطلب تلبية احتياجات المَركبات العاملة بخلايا الوقود استثماراتٍ بقيمة 14 مليار يورو لتوليد الهيدروجين، إلى جانب ما يقرب من6 إلى 7 مليارات يورو لإنشاء 1,500 محطة تزويدٍ بالهيدروجين.53

ومن المؤكد أن تطوير البنية التحتية لقطاع التنقُّل يستلزم تعاونًا وثيقًا بين مختلف الجهات، بدءًا من مُشغّلي محطات الشحن، الذين يُمكنهم تعزيز شفافية الأسعار وتقديم عروضٍ تنافسية للعملاء، وصولًا إلى أصحاب المحطات، الذين يستطيعون إتاحة هذه الأسعار لمُقدمي خدمات التنقُّل، مما يضمن وصولها إلى المستخدمين النهائيين بسهولة. ولضمان استثمار الموارد المالية بكفاءةٍ عالية، يجب العمل على توحيد كافة المعايير التقنية المستخدمة، مما يسرّع من تطوير البنية التحتية ويقلل من التكاليف التشغيلية. وفي هذا الإطار، يُسهم واضعو السياسات وصنّاع القرار بدورٍ فعّالٍ من خلال تسريع إجراءات التصاريح، ودعم توسِعة شبكات الطاقة، وتعزيز استخدام العدّادات الذكية، مما يهُيئ بيئةً داعمةً لنشر تقنيات ربط المَركبات بالشبكة الكهربائية، ويدعم التحول نحو أنظمة نقلٍ أكثر استدامةً وكفاءة.

8. تعزيز المهارات وبناء قاعدة مواهب تنافسية

تتلاحق التغيرات وتتباين التحولات الديموغرافية في صناعة السيارات، لذا أصبح الاستثمار في تنمية المهارات وصقل الكوادر المؤهَلة حجر الأساس للحفاظ على الابتكار واستدامة النمو. ورغم الإرث الصناعي العريق لأوروبا، لا تزال تفتقر إلى بعض المهارات الجوهرية مقارنةً بأمريكا الشمالية، خاصةً في مجالات الهندسة، والتحوّل الرقمي، والتحليلات، وحتى التصنيع. وبحسب ما ورد في تحليل ماكنزي، فإن 51 في المائة من موظفي أمريكا الشمالية يمتلكون المهارات اللازمة لعمليات البحث والتطوير، مقابل ـ42 في المائة فقط في أوروبا، مما يُبرِز الحاجة الملحّة لتعزيز هذه المهارات. كما تتفوق شركات السيارات الناشئة خارج أوروبا من حيث امتلاك المواهب المتخصصة في البرمجيات، إذ يُمثل هذا المجال 43 في المائة من كوادر البحث والتطوير لديها، في حين تركّز الشركات الأوروبية التقليدية بشكلٍ أكبر على تطوير الأجهزة والمعدات، بنسبةٍ لا تتجاوز 16 في المائة.

ولسدّ هذه الفجوة ومواكبة التغيير، على شركات السيارات الأوروبية الاستثمار في بناء المهارات عبر مسارين أساسيين، أوّلهما تكوين شراكاتٍ مع الجامعات والمؤسسات العامة لتطوير المناهج الدراسية والبرامج التدريبية لتعكس احتياجات القطاع، مما يُتيح أجيالًا جديدةً من المهنيين المتخصصين، لا سيما للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي قد لا تتمكن من تمويل برامج التدريب بمفردها. كما تسمح هذه الشراكات بالاستفادة من المبادرات الأوروبية التي تهدف إلى تعزيز المهارات، مثل "تحالف تكنولوجيا البطاريات والتدريب والمهارات (ALBATTS)،" والمَعنيّ بإعداد الكفاءات اللازمة في مجال البطاريات،54 بالإضافة إلى "تحالف مهارات السيارات "(Automotive Skills Alliance)، الذي يسعى إلى إعادة تأهيل 5 في المائة من القوى العاملة في قطاع السيارات الأوروبي لمواكبة التحولات الجديدة.55

أمّا المسار الثاني، فيُركّز على أهمية التعاون بين المورّدين وشركات التصنيع في إعادة تأهيل الكوادر العاملة بالقطاع، لضمان مواكبة التحولات المتلاحقة. وقد شهدت بعض المُنظّمات نجاحاتٍ ملموسة في هذا الإطار، فقد نجح التحالف الأوروبي للبطاريات (European Battery Alliance) في تأهيل أكثر من100,000 عاملٍ، مما يُسهم في تلبية المتطلبات اللازمة لصناعة البطاريات وتعزيز استدامتها.56


لا شكّ أن استعادة أوروبا لمكانتها الرائدة في صناعة السيارات تتطلب رؤيةً استراتيجيةً موحدة وجهودًا متكاملة بين القطاعين العام والخاص. فرغم التحديات التي تعتَرِض هذا المسار، يظل التعاون الوثيق بين مختلف الجهات الفاعلة ركيزةً أساسية لإعادة ترسيخ القدرة التنافسية لهذا القطاع الحيوي، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الأوروبي ككل. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي لشركات السيارات التركيز على إعادة هيكلة أعمالها وفق استراتيجياتٍ فعالة من حيث التكلفة، إلى جانب الاستثمار المستدام في التقنيات الحديثة وتسريع وتيرة البحث والتطوير، مما يعزز قدرتها على مواكبة التحولات المتسارعة في هذا القطاع. أمّا القطاعات الداعمة لصناعة السيارات، فيمكنها الإسهام بفعاليةٍ في هذا التحول عبر ضخ الاستثمارات في البنية التحتية المتقدمة، مثل تقنيات البطاريات، والطاقة النظيفة، وأشباه الموصّلات، بما يسهم في تعزيز القيمة المضافة للقطاع. وفي الوقت ذاته، يقع على عاتق صنّاع القرار مسؤولية تطوير سياساتٍ تنظيميةٍ مرنة وجاذبةٍ للاستثمارات، تضمن استدامة تنافسية أوروبا في مواجهة الأسواق العالمية الأخرى. وبهذا النهج التكاملي، تستطيع أوروبا أن تستعيد ريادتها في صناعة السيارات، وترسّخ مكانتها كمركزٍ عالميٍ للابتكار والتطور في هذا القطاع الحيوي، مواكبةً لمتغيرات العصر ومتطلبات المستقبل.

Explore a career with us