ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
قد يبدو بناء فريق عملٍ ناجح رحلةً طويلة تتطلب أكثر من مجرد جمع أصحاب الكفاءات؛ إذ يحتاج الأمر إلى توافقٍ في الرؤى والثقافات وآليات العمل، وهو ما تعجز عن تحقيقه كثيرٌ من المؤسسات. ففي إحدى الشركات التكنولوجية الكبرى على سبيل المثال، أخفق فريقٌ يضُمّ نخبةً من الخبراء في تحقيق الانسجام فيما بينهم، وذلك بسبب غياب قواعد واضحة للعمل. وفي مثالٍ آخر، يَظهر تراجع أداء مجموعة عملٍ متميزة بسبب اختلاف التوقعات بين الإدارة العليا والمديرين التنفيذيين؛ فقد ضاق مسؤولو الإدارة العليا ذرعًا بتردّد المديرين في اتخاذ القرارات، بينما خشي المديرون أن يتم وَصمِهم بالفشل إذا بادروا وخرجوا عن المألوف. وعندما جاءت النتائج دون المستوى، انشغل الطرفان بتبادل الاتهامات بدلًا من معالجة الأسباب الحقيقية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
فما السبيل إذن لتفادي مثل هذه الأخطاء؟ وما الذي يجعل بعض الفِرق تتصدر المشهد بينما تتعثر أخرى؟ إنها جميعًا تساؤلاتٌ ترتبط بالمهارات والعقليات والسلوكيات التي تميّز الفِرق عالية الأداء عن غيرها: كيف تحافظ على انسجامها الداخلي؟ وكيف تحافظ على تركيزها بشكلٍ جماعي على المدى الطويل، حتى في مواجهة أصعب التحديات؟
وسعيًا للإجابة عن هذه التساؤلات، استندنا إلى مصدرٍ قد يبدو غير مألوفٍ في نظر كثيرٍ من قادة الأعمال؛ حيث قُمنا بتحليل تجارب وآراء أكثر من 25 شخصيةٍ رياضية بارزة من إداريين ومدربين ولاعبين ضمن برامج رياضية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، سواء في الدوريات الاحترافية أو في البطولات الجامعية الكبرى (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبي بعنوان: "محادثاتٌ مع المدربين وغيرهم من قادة الرياضة").
ويُظهر الواقع العملي أن قيادة الفِرق الرياضية الاحترافية مهمةٌ شديدة التعقيد، إذ يعمل القادة في بيئاتٍ لا تسمح إلا بهامشٍ ضئيلٍ من الخطأ، إذ قد لا يدوم النجاح لأكثر من عامٍ واحدٍ فقط. وتُبيّن بيانات الدوريات الرياضية الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة — دوري البيسبول، والدوري الأميركي لكرة السلة، ودوري كرة القدم الأميركية — أنه خلال الـ 15 عامًا الماضية تولّى نحو 330 مدربًا أو مديرًا جديدًا قيادة فِرقهم وتحفيزهم بهدف اعتلاء القمة. ورغم أن 38 في المائة منهم قد حققوا بالفعل نجاحًا ملموسًا في بداياتهم، إلا أن الضغوط المتزايدة للحفاظ على هذا المستوى من الأداء في ظل قيود الرواتب، وضغوط الرّعايات، والعوامل المؤثرة الأخرى، أدّت إلى انخفاض نسبة من استمر منهم لما بعد الموسم الرابع إلى 23 في المائة فقط. وللمقارنة، فإن هذا المعدل يقل كثيرًا عن متوسط فترة ولاية الرؤساء التنفيذيين في أكبر 500 شركةٍ أمريكية مدرَجةٍ في البورصة وفقًا لمؤشر (ستاندرد آند بورز) والتي تقترب من سبع سنوات، مما يعكس هشاشة الاستمرارية في عالم الرياضة مقارنةً بعالم الأعمال (الشكل).
وعلى الرغم من صعوبة هذه التحديات، فقد تمكّن العديد من القادة الرياضيين الذين تحدثنا إليهم من صياغة معادلةٍ ناجحة للتميز، سواء عبر بناء فِرق متماسكة قادرة على المنافسة منذ البداية، أو من خلال إعادة هيكلة الفِرق القائمة بالفعل وإحيائها إذا ما فرضت الظروف ذلك. وقد أسفرت هذه الحوارات عن أربعة محاور رئيسية تكشف كيف استطاع هؤلاء القادة إحداث تحوّلٍ جوهريٍ في مسار برامجهم الرياضية:
- تحديد معيارٍ واضحٍ للبرنامج ليرسّخ أهداف الفريق ويجعلها مفهومةً للجميع: فالثقافة هنا ليست مجرد شعارات، بل التزامٌ يومي يُترجَم إلى سلوكٍ يعيشه كل فردٍ من أفراد الفريق، حتى في غياب الرقابة.
- بناء فريقٍ متكامل القدرات يجمع بين تنوع المهارات القيادية والوظيفية: فلا يتعلق الأمر باختيار أفضل اللاعبين فحسب، بل بانتقاء الأنسب من بين هؤلاء اللاعبين لتحقيق الفوز.
- إعداد دليلٍ تشغيليٍ متكامل يضمن انضباط أداء الفريق: بحيث يوضّح بدقة كيفية إدارة العمل ويحقق التناغم عبر مختلف المستويات، بدءًا من الروتين اليومي في قاعات التدريب والملعب، وصولًا إلى دورات التخطيط السنوية.
- بناء الثقة وترسيخ ميزةٍ تنافسيةٍ تُميز الفريق عن غيره: وهنا يسعى القادة إلى رفع مستوى الثقة والمهارات لدى جميع عناصر المنظومة، من اللاعبين والجهاز الفني إلى فِرق الإعداد البدني والتغذية وحتى عمال الصيانة. وكما يؤكد براين رايت، المدير العام لفريق سان أنطونيو سبيرز قائلًا:" لكل فردٍ في الفريق دورٌ حاسمٌ لضمان النجاح. فلا يتحقق الفوز بالنجوم وحدهم، وإنّما هي معادلةٌ يشارك فيها الجميع".
وتتناول مقالتُنا هذه المحاور الأربعة بمزيدٍ من التفصيل، موضحةً كيف يمكن للقادة التنفيذيين استلهام أفضل ممارسات بناء الفِرق في عالم الرياضة والاستفادة منها وتطبيقها داخل مؤسساتهم. وبطبيعة الحال، لا تكون المقارنات بين هذه المجالات دقيقةً تمامًا، إذ يختلف تأثيرها باختلاف السياق؛ فما قد ينجح مع فريق كرة قدم قد لا يكون بالفاعلية ذاتها مع فريق تجديف أو غولف، أو حتى مع الفِرق العاملة في مجالاتٍ أخرى مثل التخطيط المالي أو تطوير البرمجيات.1 ومع ذلك، فإن القواسم المشتركة بين هذه المجالات تكفي لجعل هذه المبادئ الأربعة أدواتٍ عملية وفعّالة، تُمكّن قادة كبرى الشركات الأمريكية الأعلى من حيث الإيرادات والمدرَجة ضمن قائمة "فورتشن500" من بناء فرقٍ ناجحة، ومعالجة أوجه القصور في الفِرق المتعثرة، بما يعزّز من القيمة المضافة لمؤسساتهم على المدى البعيد.
وضع معيارٍ جديد للبرنامج
تواجه الشركات عند بناء فِرقٍ جديدة أو إعادة تشكيل الفِرق القائمة تحديًا محوريًا يتمثل في توحيد الجهود وتوجيه الجميع نحو تحقيق أهدافٍ مشتركة. وغالبًا ما تتعثر المؤسسات في هذا الجانب، إمّا لأن الرسالة الجماعية لهذه المؤسسات لم تتم صياغتها بشكلٍ نهائي، أو لغياب التواصل المستمر حولها، أو لعدم دمجها بفاعليةٍ ضمن الممارسات اليومية، وهو ما يجعل أفراد الفريق يفتقدون الفهم الواضح لدور كل واحدٍ منهم في دعم أهداف الفريق.
بينما في المقابل، تبدو المعايير أكثر وضوحًا في عالم الرياضة الذي تقتصر فيه النتائج على الفوز أو الخسارة. ولهذا السبب يحرص معظم القادة الرياضيين الذين تحدثنا إليهم على تحديد أهدافٍ واضحة وإرساء معايير جديدة وثقافةٍ متماسكة لبرامجهم، سواء عبر تعزيز العقليات والسلوكيات القائمة أو استبدالها بالكامل. وكما أكد براين رايت، المدير العام لفريق سان أنطونيو سبيرز، قائلًا:" نحن نعمل يوميًا وفق قواعد ثابتة مبنية على توقعاتٍ واضحة، وتواصلٍ مستمر، واستغلالٍ للموارد المتاحة. وعندما تترسخ هذه القواعد في ثقافة الفريق، ستتحقق النتائج بشكلٍ تلقائي."
ولترسيخ هذه المعايير وتحويلها إلى واقعٍ عملي، يبدأ القادة الرياضيون عادةً باتباع نهجٍ يقوم على الاستماع المتعمّق؛ إذ يراجعون الأداء السابق، ويقيّمون الإمكانات الكاملة للبرامج، ويشخّصون بدقةٍ نقاط القوة والضعف في الفِرق التي كُلّفوا بقيادتها. ويستعينون في ذلك بجلساتٍ حوارية منظّمة مع مجموعاتٍ صغيرة من المعنيين، إلى جانب جولاتٍ ميدانية تتيح لهم جمع بياناتٍ دقيقة تسهم في رسم خارطة طريقٍ واضحة لمستقبل برامجهم.
وهو ما فعله دان بارثولومي، نائب الرئيس والمدير الرياضي في جامعة ويسترن ميشيغان، إحدى الجامعات المنافسة في بطولات الدرجة الأولى. حيث يقول: "وضعتُ خطةً رياضيةً شاملة، وحرصت على إشراك العديد من الأطراف الخارجية لضمان أن يكون المسار الاستراتيجي واضحًا ودقيقًا. وبفضل هذا التوجّه، استطعنا أن نعيد صياغة مبدأ "النهج الغربي" ليصبح بوصلةً تقود مستقبلنا."
وعند تعيينه في عام 2022، كانت نتائج الجامعة الرياضية في تراجعٍ ملحوظ؛ إذ انخفض متوسط ترتيبها في المؤتمر الأمريكي الأوسط، والذي يضم جامعات منطقة الغرب الأوسط الأمريكي، من المركز الخامس خلال الفترة ما بين عام 2014 إلى2017 لتحتل المركز التاسع عند وصوله. ورغم تحقيق بعض النجاحات المحدودة — مثل المشاركة في مباريات الكؤوس أو بطولات نهاية الموسم — إلا أن غياب "نظرية الفوز" الشاملة جعل البرامج الرياضية للجامعة تفتقر إلى هويةٍ واضحة وموحّدة.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، شرع "بارثولومي" في إرساء نهجٍ جديدٍ للبرنامج الرياضي، يقوم على تحويله من مجرد مجموعة فِرقٍ متفرقة إلى منظومةٍ متكاملة تُلهم الطلاب الرياضيين، وتعزّز مكانة الجامعة، وتدعم الحراك المجتمعي في مدينة كالمَزو بولاية ميشيغان. ورغم ما واجهه في البداية من شكوكٍ تجلّت في انسحاب بعض الأفراد خلال الأشهر الستة الأولى لعدم اقتناعهم بالرؤية المطروحة، فإن آخرين ممن لم يكن متوقعًا استمرارهم أصبحوا اليوم من أبرز المساهمين في نجاح البرنامج.
وقد حرص "بارثولومي" منذ توليه المسؤولية على التواجد مع القيادات وحضور الاجتماعات داخل الحرم الجامعي، ليستمع مباشرةً إلى آراء كافة الأطراف المعنية من داخل الجامعة وخارجها، ويشاركهم رؤيته لما يتطلّبه بناء برنامجٍ رياضيٍ قوي ومتكامل قادرٍ على المنافسة في سباقات الدرجة الأولى. وقد ساعده هذا النهج على تغيير طبيعة النقاشات، وكسر الحواجز بين الفِرق، وتعزيز التعاون على نطاقٍ أوسع داخل المنظومة الرياضية.
كما أَولى "بارثولومي" اهتمامًا خاصًا بتوسيع قنوات التواصل بين الفِرق والمستويات التنظيمية المختلفة، وحرص على إتاحة المجال للتواصل المباشر معه من خلال سياسة الباب المفتوح. وهو، على غرار عددٍ من القادة الذين تحدثنا إليهم، يرى أن التواضع يشكّل الركيزة الأساسية في بناء الفِرق الناجحة؛ فالقائد المتواضع لا يضع نفسه في مركز الاهتمام، بل يقدّر دور الآخرين ويُعلي من قيمة الفريق، إلى جانب امتلاك الشجاعة لمراجعة المُسلّمات والتشكيك في كل ما يُعتبر بديهيًا.
وسرعان ما انعكست هذه الجهود على أرض الواقع؛ إذ قفز البرنامج الرياضي لجامعة ويسترن ميشيغان من المركز التاسع في منافسات المؤتمر الأمريكي الأوسط إلى المركز الرابع خلال الأعوام الثلاثة الماضية. كما حقق فريق الهوكي إنجازًا تاريخيًا بوصوله إلى نصف نهائي بطولة الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات لأول مرةٍ في تاريخه، قبل أن يتوّج بالبطولة الوطنية في ربيع 2025. أما الإنجاز الأبرز، فقد تمثّل في تأهل جميع فِرق الخريف الخمسة بالجامعة إلى التصفيات النهائية للرابطة الوطنية، في إنجازٍ غير مسبوق بتاريخ المؤتمر.
بناء فريقٍ متميّز يضمّ أنسب اللاعبين وليس أفضلهم فقط
بمجرد أن يضع القادة المعيار، تصبح الخطوة التالية تشكيل فريقٍ على مستوى عالمي يتمتّع بمواهب وقدرات متكاملة وقادرة على تحويل الأهداف إلى نتائج ملموسة. ورغم أن المهمة قد تبدو سهلة نظريًا، فإنها من أصعب التحديات التي تواجه العديد من الشركات.
فإدارة المواهب تظلّ معضلةً مزمنة لدى أكبر الشركات الأمريكية المُدرجة ضمن قائمة "فورتشن500"، وذلك لعدة أسباب، من بينها العقلية الهَرميّة التي تمنح الأفضلية لبعض المناصب القيادية على حساب غيرها، والصعوبات المرتبطة بجذب الكفاءات وتوظيفها والاحتفاظ بها في بيئات عملٍ تعتمد على التوزيع الجغرافيّ، إلى جانب تعقيدات أنظمة تقييم الأداء، والنقص المستمر في المهارات الأكثر طلبًا.
ولكي يتمكّن القادة من بناء فِرقٍ استثنائية، عليهم اتباع نهجٍ منضبط يبدأ بتحديد المجالات الأكثر تأثيرًا في المؤسسة، وفهم الدور الحيوي الذي تلعبه الكفاءات العليا في تعظيم هذا الأثر. وهو النهج الذي أشار إليه معظم القادة الرياضيين الذين حاورناهم، إذ أكّدوا أن النجاح لا يقوم على القرارات الارتجالية أو الانطباعات الشخصية، بل يعتمد على آلياتٍ منهجيةٍ دقيقة تحدّد بوضوحٍ نوعية اللاعبين — أو الموظفين — القادرين على دفع الفريق نحو التميز، حتى وإن كان بعض المدربين قد اعتمدوا في محطاتٍ محددة على حدسهم للفوز بالبطولات.
ولعلّ أبرز ما يميز المؤسسات الرياضية اليوم هو أن التحليلات أصبحت جزءًا أساسيًا من استراتيجيات جذب المواهب وتطويرها. فالقادة الرياضيون الذين تحدثنا إليهم اعتادوا إجراء مراجعاتٍ شاملة ودورية لأداء فِرقهم وبرامجهم، مع التركيز على نقاط القوة والضعف، وذلك من خلال تحليل بيانات الفوز والخسارة، والاستعانة بالإحصاءات المتقدمة، وبيانات سقف الرواتب. ومن ثمّ يعمدون إلى دمج هذه النتائج مع أبحاثٍ مستمرة حول المواهب الصاعدة والاتجاهات السائدة في الدوريات والقطاعات الرياضية، لصياغة رؤية أوضح لمستقبل فِرقهم.
كما يُدرك هؤلاء القادة أن المواهب المتميزة قد تظهر في أي وقتٍ ومن أي مكان. وهو ما عبّر عنه بات إيليرز، أحد لاعبي فريق جامعة نوتردام المتوَّج بالبطولة الوطنية عام 1988، عند حديثه عن نهج مدربه الشهير لو هولتز، قائلًا: "كان يهتم بالجميع بغضّ النظر عن مواقعهم؛ فاللاعبون الاحتياطيون الحاصلون على منحٍ دراسية، ومديرو الفرق من الطلاب، كانوا يحظون بالاحترام والتقدير تمامًا مثل النجوم الكبار، بما في ذلك الفائز بجائزة هايزمان."
ويَعي القادة الرياضيون الأكثر نجاحًا أن أعضاء الفريق يختلفون في احتياجاتهم ودوافعهم، تمامًا كما هو الحال في بيئة الأعمال. وهو ما كشفته دراسة حالةٍ أعدّتها كلية هارفارد للأعمال عام 2020، شرح من خلالها ستيف كير، اللاعب السابق في الدوري الأميركي للمحترفين والمدرب الحالي لفريق غولدن ستايت ووريورز، أهمية المزج بين الخبرة والطموح داخل الفريق. وقال: "من المهم أن يكون لديك توازنٌ بين اللاعبين الكبار ذوي الخبرة، واللاعبين الشباب الذين يسعون لإثبات أنفسهم. فالشباب غالبًا يقاتلون لتأكيد جدارتهم والحصول على فرصٍ أفضل وعقودٍ أكبر، بينما يتميز اللاعبون الأكبر سنًا بالهدوء والثقة ومعرفتهم بما يلزم للفوز، وهو ما يجعلهم الرابط الذي يوحّد الفريق. إلا أنه إذا زاد طرفٌ منهم على حساب الآخر، فقد تظهر مشكلاتٌ تعيق تحقيق هذا التوازن."2 وهو ما أكّده لاعبٌ سابقٌ آخر في الدوري الأميركي وأحد المُكرّمين في "قاعة المشاهير" — وهي مؤسسةٌ تُكرِّم الشخصيات التي حققت إنجازاتٍ استثنائية أو تركت بصمةً بارزة في مجالٍ معين مثل الرياضة أو الفنون — بقوله: "إن التواجد في فريقٍ عالي الأداء يعني أن نتعلم كيف نربح معًا، وكيف نخسر معًا."
وتُظهر أبحاثنا أن فِرق دوري البيسبول الأميركي، والدوري الأميركي لكرة السلة، ودوري كرة القدم الأميركية، تُجري في المتوسط تغييراتٍ تتراوح بين 20 إلى 40 في المائة من قوائم لاعبيها سنويًا. ويعود قرابة نصف هذه التغييرات إلى الصفقات، أو الإصابات، أو الانتقالات الحرة للّاعبين، وهو ما يفرض على القادة الرياضيين ضرورة تطوير قدراتهم في اكتشاف المواهب الجديدة، وتأهيلها، والحفاظ على التواصل الفعّال معها لضمان الحفاظ على القدرة التنافسية.
ومع ذلك، فإن ما يلفت الانتباه هو أن الضغوط المستمرة لتحقيق الفوز لم تدفع أيًا من القادة الرياضيين الذين حاورناهم إلى الاعتقاد بأن بناء فريقٍ قوي يقتضي الاستغناء السريع عن اللاعبين. فكما يوضح دان بارثولومي، المدير الرياضي لجامعة ويسترن ميشيغان: "إن اختيار المواهب لا يتعلق بالتخلص من الأشخاص، بل بتمكينهم من النجاح."
وانطلاقًا من هذه الرؤية، يولي القادة الرياضيون أهميةً خاصة للحوار الفردي مع أعضاء فِرقهم، ليس فقط لضمان وضوح الأدوار، بل أيضًا لإبراز كيفية تكامل هذه الأدوار ضمن المنظومة الكاملة للفريق. وتُعد هذه الحوارات ركيزةً أساسية لترسيخ المُساءلة وتعزيز الثقة. وفي هذا السياق، يشير كيفن سوليفان، المدير الفني لألعاب القوى للمسافات الطويلة وسباقات اختراق الضاحية بجامعة ميشيغان، والمشارك ثلاث مراتٍ في دورة الألعاب الأولمبية ممثلًا عن كندا، إلى أنه يُخصّص جزءًا كبيرًا من وقته للتحدث مع الرياضيين وطمأنتهم بشأن الخطة الموضوعة لنجاحهم، مضيفًا: "إن الرياضيين الشباب على وجه الخصوص يحتاجون إلى تواصلٍ متكرر ورسائل متجددة لترسيخ الثقة وضمان الالتزام".
فيما يشير العديد من القادة الرياضيين إلى أهمية تقديم الملاحظات المباشرة والسريعة لأعضاء الفريق، إلى جانب إجراء حواراتٍ صريحة وبنّاءة عند الضرورة. وتؤكد إيلا ساندت، لاعبة الكرة الطائرة السابقة في جامعة نوتردام، على هذا المبدأ بقولها: "إن الاجتماعات الفردية مفيدةٌ للغاية، لكن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها حواراتٍ صريحة ومنفتحة، يُبدي فيها الطرفان استعدادًا لتبادل التحديات بموضوعية."
أمّا توم كارتر، لاعب رُّكن الدفاع السابق في دوري كرة القدم الأميركية والمدير السابق لشؤون اللاعبين في رابطة لاعبي الدوري، فيُشير إلى أهمية دور القيادة الداعمة في جذب المواهب المتميزة وتطويرها والحفاظ عليها، قائلًا: "على القادة أن يهتموا بأفراد فِرقهم ويعاملوهم باحترام؛ حيث يُقدِم 90 في المائة من الأفراد على ترك وظائفهم ليس بسبب عدم رضاهم عن العمل نفسه، بل بسبب عدم رضاهم عن مُديريهم". ويضيف كارتر مؤكدًا: "حين يشعر الأفراد أن القيادة توفر لهم الدعم والحماية، فإنهم يصبحون على استعدادٍ لبذل أقصى ما لديهم، حتى لو كان ذلك يعني تخطي المستحيل."
إعداد الدليل التشغيلي لأداء الفريق وكيفية إدارة العمل
حتى مع وجود معايير واضحة واستقطاب أفضل الكفاءات، قد تعجز الشركات أحيانًا عن تحقيق الأداء المأمول. فقد أظهرت خبراتنا مع آلاف حالات التحول المؤسسي خلال العقد الماضي أن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بوجود إطارٍ منظم يحدّد بوضوح القواعد والتوقعات والسلوكيات المرتبطة بالتنفيذ. فغياب هذا الإطار يُعرّض الفِرق للارتباك، والتباطؤ، وفقدان الحافز.
ومن هنا يلجأ القادة الرياضيون إلى نهجٍ مشابه يقوم على "كتيبات الخطط" التي ترسم التكتيكات والاستراتيجيات اللازمة للتفوق على المنافسين. ويؤكد القادة على أهمية إعداد أدلةٍ تشغيليةٍ للمؤسسات توضّح آليات العمل، والسلوكيات والمهارات الأساسية، ومعايير الأداء المتوقعة عبر مختلف المستويات والأدوار. فعلى سبيل المثال، تضمّن الدليل التشغيلي لأحد فِرق دوري كرة القدم الأميركية تفاصيل دقيقة حول برامج التدريب البدني، وروتين اللياقة، وخطط التغذية، وجلسات التدريب الإعلامي، وفترات الراحة، كما شمِل إجراءاتٍ مماثلة لفِرق التسويق، وبيع التذاكر، والأمن، وغيرها من الوظائف الداعمة.
وتُشير إيمي تراك، الرئيسة والمديرة التنفيذية السابقة لفريق أوكلاند رايدرز، إلى أن وجود دليلٍ تشغيليٍ متكامل على مستوى المؤسسة والأفراد يُعد ركيزةً أساسيةً للنجاح. فمنذ تولّيها المنصب عام 1997، وضعت نموذجًا تشغيليًا يقوم على أربعة مبادئ أساسية: التواصل، والتعاون، والتنسيق، والعمل المشترك. وتوضح قائلةً: "لقد قُمنا بتطبيق هذه المبادئ داخل الملعب وخارجه، فقد كانت بمثابة الأساس الذي وجّه سلوكياتي وسلوكيات الفريق
وترى إيمي أن نادي الرايدرز لم يكن مجرد مؤسسةٍ قائمة على تسلسلٍ هرميٍّ جامد، بل منظومةً مترابطة يقوم نجاحها على التكامل بين جميع الأفراد. وتؤكد على قيمة كل دورٍ داخل الفريق بقولها: "لكل شخصٍ إسهامٌ محوري؛ فقد تصنع مكالمةٌ هاتفيةٌ الفارق في قسم التسويق، أو يؤثر انتباه عامل صيانةٍ يرصد حفرةً صغيرة على أداء لاعبٍ في الملعب".
كما تُشدّد على مركزية الدليل التشغيلي وأهميته قائلةً: "كرة القدم هي العمل، والعمل هو كرة القدم. لا يجوز الفصل بينهما." فالنشاط التجاري للنادي هو ما يموّل عملياته الرياضية؛ إذ أن عدم بيع التذاكر أو جذب الإعلانات أو تسويق المنتجات يعني غياب القدرة على التعاقد مع لاعبين جدد أو تطوير المنشآت. وفي المقابل، عندما يُقدّم الفريق نتائج إيجابية على أرض الملعب، يزدهر الجانب التجاري أيضًا.
وتُضيف إيمي: "كنّا بحاجةٍ إلى رؤيةٍ موحّدة توضّح ما الذي نقوم به، ولماذا هو مهم، وكيف يمكن للجميع المشاركة". ولترسيخ هذه الرؤية، جعلت من نفسها نموذجًا يُحتذى به في الالتزام بالمعايير، الأمر الذي جعل من السّهل على الموظفين فَهْم المطلوب منهم، والتكيف معه، والانخراط بفاعليةٍ لتحقيق الأهداف المشتركة.
ومنذ الأيام الأولى لتولّيها القيادة، تبنّت إيمي أسلوبًا عمليًا مباشرًا، فلم تكن تعتبر مُهمتها مكتملةً ما لم يُنجز الجميع أعمالهم. فإذا احتاجت التذاكر إلى تعبئة، أو كانت هناك فعاليةٌ خيرية تتطلب دعمًا، شاركت فيها بنفسها دون تردد. وكما تقول: "القيادة الحقيقية تعني أن تكون جزءًا من العمل، وأن تبادر بما تَطلُبه من الآخرين". ومع مرور الوقت، انعكس هذا النهج على ثقافة الفريق، فتلاشت الحواجز بين الوظائف، وتعمّقت روح التعاون والتواصل داخل الفريق، مما رفع مستوى الانسجام والأداء عبر مختلف الأقسام.
بناء الثقة وتعزيز الميزة التنافسية التي تميز الفريق عن غيره
لكي يعمل الفريق بفاعلية، فهو يحتاج إلى قائدٍ قوي أو مجموعةٍ من القادة، قادرين على غرس الثقة وتعزيز الإيمان بقدرة الفريق على تحقيق النجاح. ففي عالم الأعمال، عادةً ما يُنظر إلى الرئيس التنفيذي باعتباره المرجعية الأولى للتأثير واتخاذ القرار، غير أن الدور القيادي القوي يمكن أن يمتد أيضًا إلى بقية أعضاء الإدارة العليا، والمديرين في المستويات الوسطى والميدانية، وإلى أي فردٍ يمتلك تأثيرًا مباشرًا على النتائج. وتُشير بيانات ماكنزي حول الصحة التنظيمية أن المؤسسات التي تُصغي بجديةٍ لموظفي الخطوط الأمامية وتُترجم توصياتهم إلى أفعال، تزيد احتمالية تبنّيها لأساليب جديدة أكثر فاعليةً بنسبةٍ تصل إلى 80 في المائة مقارنةً بنظرائها.3
وعلى النقيض من بيئة الأعمال التي تُركّز النفوذ في يد الرئيس التنفيذي وفريقه المباشر، يتّسع نطاق القيادة في المجال الرياضي ليشمل المدربين المساعدين، وخبراء اللياقة البدنية، والكشّافين، وعمّال الصيانة، وغيرهم من المِهنيين الذين يشكّلون دعائم أساسية في المنظومة الرياضية. ولهذا كثيرًا ما يصف القادة الرياضيون أنفسهم بأنهم "قادة القادة". فالنجاح في هذا المجال لا يرتبط بالمسمّيات الوظيفية، بل بالكفاءة والاستمرارية والقدرة على الابتكار. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو ما قدّمه أحد اللاعبين المُنضَمّين حديثًا إلى فريقٍ جامعي من الدرجة الأولى دون منحةٍ دراسية، إذ تمكن من رفع مستوى الأداء بفضل التزامه وتفانيه في صالة التدريب، وغرفة مراجعة المباريات، وحتى على مستوى الأداء ضمن فريق المحاكاة، ليصبح قدوةً يُحتذى بها داخل الفريق
ويُلخّص كيفن سوليفان، مدير ألعاب القوى وسباقات اختراق الضاحية في جامعة ميشيغان، هذه الفلسفة بقوله: "إنّ مهمتي الأساسية هي تهيئة بيئةٍ تمنح اللاعبين والمدربين الثقة ليقدموا أفضل ما لديهم". ويؤكد سوليفان، شأنه شأن العديد من القادة الرياضيين، أن تحقيق ذلك يتطلب استثمارًا جادًا في تطوير الكوادر المساعدة، من خلال المتابعة المستمرة، وجلسات حل المشكلات مع الأعضاء الأصغر سنًا، فضلًا عن تفويضهم بمهامٍ حيوية مثل تحليل المباريات ورصد المواهب الجديدة. فهذه الممارسات تسهم بشكلٍ كبير في صقل خبراتهم وتعزيز جاهزيتهم لتحمّل مسؤولية اتخاذ القرارات الحاسمة أثناء المباريات.
وكما تُشكّل الثقة قاعدةً أساسية تدفع الفِرق نحو تحقيق الأداء المتميّز، فإن التحوّل الحقيقي لا يقوم على الشعارات الرنّانة أو التصريحات القوية وحدها، سواء صدرت عن المدرب أو المدير العام أو حتى الرئيس التنفيذي. بل يتطلّب الأمر مشاركة جميع القادة، جنبًا إلى جنب مع الإدارة العليا، في صياغة هدفٍ موحّد يلتف حوله الجميع، كالسعي للفوز ببطولةٍ وطنية، أو كسر سلسلةٍ طويلةٍ من الإخفاقات والعودة إلى التصفيات بعد غيابٍ امتد لسنواتٍ.
ومع ذلك، فإن تحديد الهدف ليس سوى الخطوة الأولى؛ إذ ينبغي للقيادة أيضًا أن تضع لغةً مشتركة ومنظومة قيمٍ راسخة تضبط الأداء وتضمن المُساءلة. وقد عبّر أحد اللاعبين عن هذه الرؤية قائلًا: "مُنذ اليوم الأول، أعطى مُدرّبنا لكل مهمةٍ معنى وقيمة مرتبطةً بالغاية الكبرى، حيث كان يؤكد دائمًا على مبدأ (مجد الفريق)، أي أن إنجاز الفرد هو إنجازٌ للجميع. فلم نكن نرى أنفسنا كهيكلٍ هرمي مُتدرّج، بل كنا وحدةً متماسكة ومنسّقة، يجمعها إيمانٌ راسخ بأهدافٍ أسمى من إنجازاتنا الفردية".
ومن هذا المنطلق، يستطيع القادة في مختلف المستويات أن يعزّزوا مرونة الفِرق من خلال نهجٍ عمليٍ متوازن يقوم على الاحتفاء العلني بإنجازات الجميع — سواء كانوا نجوم الصف الأول أو لاعبين في أدوارٍ ثانوية — وفي الوقت ذاته الاعتراف بالأخطاء والتعلّم منها سريعًا، سواء عبر مراجعة تسجيلات المباريات، أو إجراء تعديلاتٍ فورية أثناء اللعب، أو العودة للتدريبات الأساسية في المهارات والحركات. إنّ هذا النهج لا يرفع الروح المعنوية فحسب، بل يمنح الأعضاء أيضًا القدرة على إدارة أنفسهم، وإعادة تعريف أدوارهم عند الحاجة، بما يتيح لهم التأثير المباشر في مسار الفريق ككل.
وتلخّص إيلا ساندت، لاعبة الكرة الطائرة السابقة، هذه الفلسفة بقولها: "يجب أن يكون كل فردٍ في الفريق قادرًا على رؤية الرابط بين المعيار الجديد للبرنامج وبين إحساسه بالثقة. فالفِرق العظيمة التي كنتُ جزءًا منها بُنيت جميعها على جناحين أساسيين: الثقة والمُساءلة؛ إذ يعمل الجميع من أجل هدفٍ واحد يجمعهم."
ومع ذلك، يتفق جميع الرياضيين والمديرين على حقيقةٍ واحدة: الفوز ليس مهمةً سهلة. فالإصابات، والضغوط الاقتصادية، وتفاوت مستويات المنافسين، إضافةً إلى عوامل أخرى متوقَّعة وأخرى يصعب التنبؤ بها، جميعها قد تعرقل بلوغ مستوى الأداء المطلوب لتحقيق البطولات.
غير أن ما خَلُصَت إليه مقابلاتنا يوضّح أن بناء فريقٍ قادرٍ على الانتصار، سواء في الرياضة أو في بيئة الأعمال يقوم على ثلاثة مرتكزاتٍ أساسية: قيادةٌ قوية تضع تصورًا واضحًا لما يعنيه "الأداء المتميز"، ومجموعةٌ متكاملة من المواهب التي تُعلي المصلحة الجماعية فوق الطموحات الشخصية، وأخيرًا، دليلٌ تشغيليٌ شامل يُرسي قواعد الانضباط ويحوّل الممارسات اليومية إلى روتينٍ وعاداتٍ راسخة تُبنَى في ذاكرة الفريق.
وعندما تتكامل هذه العناصر، يصبح الفريق قادرًا ليس فقط على إنجاز مهامه اليومية بكفاءة، بل أيضًا على الارتقاء بأدائه في مواجهة المجهول حين يفرض نفسه. وهنا تبرز الحِكمة التي يُردّدها ماركوس فريمان، المدرب الحالي لفريق كرة القدم في جامعة نوتردام:" اختر دائمًا الطريق الأصعب… لأن المكافآت الحقيقية لا تأتي بسهولة، بل من مواجهة التحديات يومًا بعد يوم. فما تحققه من صبرٍ وكفاح لن تجده في أي مكان آخر."4