تأثير نقص الكوادر والموهوبين على مستقبل صناعة الطيران والفضاء والدفاع العالمية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

وفي الواقع، يشهد قطاع صناعات الفضاء والطيران والدفاع العالمي، حالة من الازدهار الملحوظ في الآونة الأخيرة، مدفوع بالطلب المتزايد على رحلات السفر الجوي بعد عودة معدلاتها إلى مرحلة ما قبل جائحة (كوفيد-19). بالإضافة إلى تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية في أكثر من مكان حول العالم مما أدى إلى زيادة الإنفاق بشكلٍ كبير على منظومات الدفاع الوطني، "في أوروبا على سبيل المثال" وارتفاع الطلب على الذخيرة.1 وفي ظل الاحتياج المتزايد والمستمر لمنتجات ومخرجات هذه الصناعة، تزداد الحاجة لتوظيف عددٍ أكبر من العاملين، وهو ما أدى لإطلاق حملاتٍ واسعةٍ للتوظيف في هذا القطاع.2

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وبالرغم من حالة الازدهار التي يشهدها هذا القطاع الحيوي، إلا أنه يواجه العديد من التحديات، أبرزها هو كيفية تحقيق التوازن بين حجم الطلب المتزايد على العمالة المؤهلة والماهرة، في ظل قلة المعروض منها، إذ تُمثل هذه الفجوة ضغوطًا كبيرة على أصحاب العمل، مما يؤثر على قدرتهم على المنافسة ويضطرهم إلى الدخول في منافساتٍ شديدة مع قطاعاتٍ أخرى لجذب أفضل الكفاءات. كما يعد عدم التوظيف بالوتيرة المطلوبة، لتلبية احتياجات النمو السريع لهذا القطاع، أحد أبرز التحديات التي يجابهها القطاع، وهو ما يؤدي إلى تأخر وصول الموظفين الجدد لمستويات الكفاءة التشغيلية المطلوبة. فضلًا عن الصعوبات التي يواجهها أصحاب الأعمال في الاحتفاظ بالموظفين الأكفاء، نتيجة استقطابهم من قِبل شركاتٍ أخرى بعروضٍ أفضل، سواء كانت شركاتٌ منافسة أو تعمل في قطاعاتٍ أخرى، وكل هذا بالطبع يؤثر على مستوى الأداء.

لذلك تعد عملية جذب وإدارة المواهب في قطاع الفضاء والطيران والدفاع من العناصر الحاسمة لتحقيق النجاح. وفي حالة عدم قدرة الشركات على جذب المواهب المطلوبة لتحقيق الأهداف التشغيلية والاستراتيجية، فمن المتوقع أن يعرضها ذلك إلى خسائر محتملة في الإيرادات والأرباح. وتشير الأبحاث إلى أن الشركات التي تولي اهتمامًا كبيرًا بجذب وإدارة المواهب تحقق عوائد إجمالية أعلى للمساهمين مقارنةً بمنافسيها. وفي هذا المقال سنستعرض أبرز ما توصَّلنا إليه من نتائج وأبحاث وتحليلات، والتي تُظهر أن سد الفجوة بين العرض والطلب على المواهب يمكن أن يوفر لشركةٍ متوسطة الحجم في قطاع الفضاء والطيران والدفاع ما يزيد عن 300 مليون دولار من التكاليف المحتملة، بالإضافة إلى تعزيز الأرباح.

كما سنلقي الضوء على ضرورة اتخاذ أصحاب الأعمال لإجراءاتٍ فورية لسد هذه الفجوة ومعالجة العجز في توافر المواهب في هذا القطاع، مع التركيز على أهمية تطوير استراتيجياتٍ سريعةٍ وفعالة لجذب المواهب المطلوبة وكيفية الاحتفاظ بها. كما سنناقش أيضًا أهم التحديات التي تواجهها شركات الفضاء والطيران والدفاع بسبب نقص المواهب، ونبحث أيضًا في الأسباب المؤدية لارتفاع المخاطر في هذا المجال، ثم نضع أمام أصحاب الأعمال خمس توصياتٍ رئيسية يمكنهم التركيز عليها لمعالجة هذه الفجوة وهي: تحديد المجالات التي تعاني من نقصٍ في المواهب والكفاءات المطلوبة، والعمل على تبسيط عمليات التوظيف، وإعادة تأهيل المواهب الحالية، وتحسين بيئة العمل وثقافة العاملين بالشركة لتعزيز الأداء وزيادة رضا الموظفين، وأخيرًا تحديث إدارة الموارد البشرية لتلعب دورًا استراتيجيًا في قيادة جهود الشركة لجذب المواهب والاحتفاظ بها، وهو ما يُعرف بقيادة عائد المواهب.

كيف تبدو فجوة المواهب في قطاع الفضاء والطيران والدفاع

نستطيع الجزم بوجود عجزٍ في تلبية الطلب المتزايد على المواهب والكفاءات في جميع مجالات العمل المرتبطة بقطاع الفضاء والطيران والدفاع، بما في ذلك العمالة الماهرة، وسلسلة التوريد، والأدوار التقنية المتقدمة. ويرجع السبب في ذلك إلى سلسلةٌ من العوامل، بدءًا من البيئة الاقتصادية العامة كالأزمات والتغيرات الاقتصادية التي تطرأ على هذا السوق، وصولًا إلى الخصوصيات الثقافية التي قد تقف عائقًا أمام جذب المواهب للعمل في هذا القطاع.

ويمكن اعتبار تحديات نقص المهارة والمعرفة هما نقطة الانطلاق التي نناقش من خلالها السببين الرئيسيين في ذلك، وهما أولا: انخفاض معدلات البطالة، وثانيا: الاعتماد على فئة الشباب كقوة عاملة في قطاع الفضاء والطيران والدفاع. فأما عن معدلات البطالة، فإنها تشهد انخفاضًا نسبيًا في كلٍ من الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يعني قلة عدد الأفراد الباحثين عن عمل، وهو ما يعد مشكلةً كبرى، إذ أن غالبيتهم من الشباب الذي يفتقد للمهارة والخبرات اللازمة للعمل في قطاعٍ هامٍ كهذا. أما عن المشكلة الرئيسية الأخرى فتتمثل في الانفصال الإداري بين الموظفين المتمرسين في أعمالهم من أصحاب الخبرات، والموظفين الجُدد، وهو ما يُعيق عملية انتقال المعرفة والخبرة، مما يفاقم الوضع سوءًا. وتُظهر نتائج الأبحاث اعتزام نسبةٍ كبيرةٍ من مديري الخطوط الأمامية والوُسطى ممن يقومون بأدوارٍ حيوية يتركون أعمالهم، بمعدلٍ يقارب ضعف معدل ترك الموظفين العاديين لوظائفهم، الأمر الذي بدوره يزيد من فقدان الخبرات ويُعقِّد من عملية نقل المعرفة. وهو ما اضطَّر إحدى الشركات العاملة في قطاع الفضاء والطيران والدفاع الأمريكية إلى الاستعانة بموظفيها المتقاعدين من العام الماضي لإعادة تشغيل خط إنتاجٍ لأنظمة الأسلحة القديمة، حيث لم يكن بإمكان الموظفين الجُدد العمل على المشروع لنقص خبراتهم بكيفية تشغيله.3 ويجدر بالذكر أن الاستراتيجية الأوروبية للصناعات الدفاعية التي صدرت مؤخرًا4 سلطت الضوء على القوى العاملة المتقدمة في العمر كقضية حاسمة يمكن أن تتسبب في نقص المهارات والخبرات الضرورية.

ورغم المتغيرات التكنولوجية الكبيرة، إلا أن قطاع الفضاء والطيران والدفاع لم ينجح في استقطاب أصحاب المواهب ممن فقدوا وظائفهم بقطاع التكنولوجيا. ذلك في التوقيت الذي من المرجح فيه أن تتسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في زيادة حدة المنافسة على العمالة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي من المتوقع أن تشهد أكبر زيادة محتملة في طلب العمالة، وتبني أنظمة التشغيل الإلكترونية الحديثة في آن واحد.

غير إن أكثر ما يزيد من تعقيد عملية توفير المواهب هو اختلاف الرؤى ما بين أصحاب العمل والموظفين حول المهارات الأكثر أهميةً، كما هو موضح في (الشكل 1). وفي هذا الإطار قامت ماكنزي بعمل تحديثٍ لبحث سابق حول المهارات الأساسية في أماكن العمل، مع التركيز على قطاع الفضاء والطيران والدفاع بشكلٍ خاص. وقد أظهرت الدراسة وجود اختلافٍ في الأولويات بين ما يراه أصحاب الأعمال هامًا فيما يتعلق بالمهارات وما يراه الموظفون غير كذلك، حيث يرى نصف أصحاب الأعمال أن المهارات المعرفية الأساسية (مثل التفكير النقدي، وحل المشكلات، وما إلى ذلك) هي المهارات الأكثر أهميةً لمؤسساتهم، وهو الرأي الذي يوافقهم فيه 32 في المائة فقط من الموظفين. أما فيما يتعلق بالمهارات التكنولوجية المتخصصة، فيرى 44 في المائة من الموظفين أنها مهاراتٌ حيويةٌ وهامة، خاصة في الوقت الحالي، وهو ما يتفق مع رؤية 24 في المائة من أصحاب الأعمال. أما ما نجده مثيرًا للاهتمام، أن تأتي توقعات أصحاب الأعمال للمهارات المستقبلية متماشيةً مع ما يراه الموظفون مهمًا الآن. وهو ما يشير إلى أن قدرة الموظفين على التكيف مع الاحتياجات المستقبلية من المهارات تفوق قدرة أصحاب الأعمال على تطوير نماذج أعمالهم، حيث يتمتع الموظفون بمرونةٍ أكبر وقدرةٍ أعلى على اكتساب المهارات الجديدة اللازمة للتعامل مع متطلبات المستقبل مقارنةً بأصحاب الأعمال الذين يجدون صعوبةً في تعديل وتطوير نماذج أعمالهم لتلبية تلك المتطلبات والتكيف مع هذه التغيرات.

إن العوامل التي تجذب الموظفين وتؤثر على قراراتهم بالبقاء أو الرحيل من أماكن عملهم تختلف من منطقةٍ جغرافيةٍ لأخرى، اطلع على (الشكل 2). فعلى سبيل المثال، يميل الموظفون في أوروبا لتكوين ارتباطٌ قويٌ مع أصحاب العمل، وذلك لأنهم يُبدون اهتمامًا كبيرًا بعواملٍ عدة، كالتعويضات المالية والرواتب والمكافئات، وإتاحة الفرص للترقي، إلى جانب شعورهم بالقيام بعملٍ هادف له معنى. بينما على الجانب الآخر، يرتبط الموظفون في الولايات المتحدة بشكلٍ أكبر بالقطاع نفسه، بدلاً من الولاء لشركةٍ بعينها. فهُم يطمحون دائمًا في أن يمتاز مكان عملهم بالمرونة الكافية، إلى جانب رغبتهم في تكوين علاقاتٍ جيدة مع زملائهم في العمل. لذا قد يحتاج أصحاب الأعمال ممن يعملون في مناطق مختلفة حول العالم إلى وضع استراتيجياتٍ توظيف تجذب المواهب وتراعي الاختلافات الجغرافية التي تتحكم في تفضيلات الموظفين، فنجاح استراتيجية توظيف معينة في أحد المناطق لا يعني بالضرورة نجاحها في منطقة أخرى.

كما ينبغي أن نشير أيضًا إلى أن الاختلاف في الرؤى بين أصحاب الأعمال والموظفين حول استراتيجيات تحديد الأهداف، وتطوير أداء الموظفين لتحسين فعالية وإنتاجيتهم يسهم بشكلٍ أو بآخر في خلق فجوةٍ بين العرض والطلب فيما يخص جذب المواهب، فعلى سبيل المثال، قد تعتقد الشركات في أهمية أمرٍ ما، بينما لا يراه الموظفون كذلك. وقد أثبتت أبحاثنا في ماكنزي أن الشركات التي تتمتع بصحة تنظيمية وببيئة عملٍ داعمة تحقق عوائد إجمالية للمساهمين تفوق بثلاث مراتٍ تلك التي تحققها الشركات التي تفتقر لتلك الميزة، بغض النظر عن الصناعة التي تعمل بها الشركة. ولكن بالنظر إلى بيانات الصناعات المتقدمة في مؤشر الصحة التنظيمية لماكنزي، وجدنا أن 70 في المائة من الشركات العاملة في مجال الفضاء والطيران والدفاع تسجل درجاتٍ أقل من المتوسط العالمي للصحة التنظيمية، أي أن العديد من هذه الشركات قد لا توفر بيئات عملٍ محفزةٍ بما يكفي للموظفين. وبالرجوع إلى استطلاع ماكنزي لإدارة الأداء لعام 2024، وجدنا أن واحدًا من كل خمسةٍ من موظفي القطاع يشعر بأن النهج المتبع من قِبل أصحاب العمل غير محفزٍ على تقديم أفضل أداء.

وفي محاولةٍ للتصدي لهذه المشكلة، قامت إحدى منظمات الفضاء والطيران والدفاع في أوروبا باتخاذ خطواتٍ نحو التأسيس لنظامٍ جديد، حيث بدأت المنظمة أولاً بفهم المشاكل التي تواجه موظفيها فيما يخص إدارة الأداء، (كتخصيص الكثير من الوقت للأعمال الورقية والإجراءات الإدارية، وعدم التمييز بين الموظفين من حيث جودة الأداء مما يُفقدهم الحافز، وعدم وجود نظامٍ محددٍ لتقييم الأداء، سواء كان إيجابيٌ أم سلبي). وبعد أن أتمّت المنظمة مهمة تحديد المشكلات، قامت بوضع تصميمٍ لاستراتيجيةٍ جديدة لإدارة الأداء لمعالجة تلك المشكلات، وذلك من خلال تقليل الوقت الذي يقضيه الموظفون والمديرون في الأنشطة الروتينية، مثل الأعمال الورقية، ووضع آليةٍ فعالة لتقييم أداء الموظفين ومكافأة المتميز منهم، ومعاقبة المقصر، مما يعزز الحافز لدى الموظفين ويزيد من الإنتاجية العامة.

النتائج المترتبة على نقص المواهب في قطاع الفضاء والطيران والدفاع

وفقًا لنتائج تحليلاتنا المستندة إلى مجموعة الأبحاث السابقة التي أجرتها ماكنزي حول عوائد المواهب في جميع الصناعات، فقد توصلنا إلى ثلاثة أسباب واضحة وقابلة للقياس يمكن من خلالها تحديد القيمة الإنتاجية المفقودة، والعوامل الأساسية المسؤولة عن الفجوة في المواهب بقطاع الفضاء والطيران والدفاع، وهم:

  • فجوة المهارات: افتقاد الموظفين للمهارات الضرورية لأداء مهامهم الوظيفية بالكفاءة المطلوبة.
  • فجوة الإرادة: عدم انخراط الموظفون في أعمالهم بحماس.
  • الفجوة الزمنية: إهدار الوقت في أنشطةٍ لا تضيف أي قيمة، أو في اجتماعاتٍ غير مثمرة.

تحتاج الشركات إلى تحديد العوامل التي قد تقف عائقًا أمام تقدمها، كما أن عليها أيضًا تحليل تأثير هذه العوامل على المجموعات المختلفة من الموظفين. مع العلم، يبقى هذا الفهم ضروريًا لتحديد ومعالجة الفجوات التي قد تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدلات تسرب الموظفين وغيابهم.

وفيما يخص قطاع الفضاء والطيران والدفاع تحديدًا، فقد قمنا بدراسةٍ اعتمدنا فيها على بياناتٍ مستمدةٍ من ملف تعريفٍ خاص بأحد الشركات متوسطة الحجم العاملة في هذا القطاع، والتي يعمل بها ما بين 20,000 إلى 30,000 موظفٍ بدوامٍ كامل، وتحقق عائدًا سنويًا يتراوح من 5 إلى 8 مليار دولار، ويستغرق ملء المنصب الشاغر فيها ما بين 70 إلى 90 يومًا في المتوسط، ولديها معدل استقالات يقارب 15 في المائة.

إن تجمع الفجوات الثلاث " المهارة والإرادة والوقت"، قد يكلف الشركات المتوسطة العاملة في قطاع الفضاء والطيران والدفاع فاقدًا في الإنتاجية بما يتراوح بين 300 إلى 330 مليون دولار سنويًا، كما هو موضح في (الشكل 3). وبما أن الإنتاجية مصطلحٌ واسع يحتمل تفسيراتٍ عدة، فمن المهم أن تكون لدينا رؤيةٌ واضحة لما قد يعنيه هذا المصطلح في مختلف أقسام الشركة، مثل الموارد البشرية، أو سلسلة التوريد، أو الهندسة، وغيرها من أقسام الشركة المختلفة. فهذه الرؤية الواضحة ستساعد في تحديد وتحليل العوامل المؤثرة على الأداء وتحسينه في كل مجالٍ على حدا، مما يسهم في تقليل الخسائر المرتبطة بهذه الفجوات

مسار جديد للمستقبل

لتحقيق ميزةٍ تنافسية تجذب أصحاب المهارات من الموظفين، تعتمد بعض المنظمات على مراعاة التغيرات المستمرة في سوق العمل وتفضيلات الموظفين. وحتى يتمكن قادة الشركات في قطاع الفضاء والطيران والدفاع من سد الفجوة وتعويض العجز في الكفاءات والمواهب، ينبغي عليهم أولًا تحديد احتياجات شركاتهم من الموارد البشرية بشكلٍ دقيق، وذلك من خلال التركيز على خمسة أبعادٍ رئيسية هامة لإدارة هذه المواهب، كما هو موضح في (الشكل 4).

  • تحديد أفضل الكفاءات لتحقيق النجاح. تمتلك شركات الفضاء والطيران والدفاع خبرةً طويلةً في التخطيط بعيد المدى، ولكن عادةً ما تعمل الفرق المسؤولة عن سدة فجوة المواهب واستقطاب الكفاءات (بما في ذلك أقسام تطوير الأعمال والموارد البشرية والتعاقدات) كجزرٍ منعزلةٍ عن بعضها البعض، مما يقف عائقًا أمام وضع استراتيجياتٍ فعالة لسد تلك الفجوة، حيث تخطئ الشركات بعدم إشراك فرق الموارد البشرية أثناء وضع استراتيجية التوظيف التي تقودها أقسام المالية وتطوير الأعمال، مما يعطي في النهاية نتائج غير دقيقةٍ عن احتياجات الشركة الفعلية. وفي واقع الأمر لم تظهر هذه المشكلة عندما كان هناك إمداد ثابت وموثوق به من المواهب التي كان من السهل على أصحاب العمل في قطاع الفضاء والطيران والدفاع استقطابها، ولكن كل ذلك تغير في ظل ارتفاع نسبة خطأ التنبؤ بشكل غير صحيح باحتياجات العمالة، لذلك، ينبغي على الشركات التي تسعى للتفوق في هذا المجال أن تعكف على فهم ودراسة كيفية تغير وتطور المهارات المطلوبة في سوق العمل وداخل الشركة مع مرور الوقت، وكيف تحوِّل الشركة هذا الفهم إلى خطة توظيفٍ قوية تستفيد بها خلال المستقبل. مع الإخذ في الاعتبار أن تراعي استراتيجية التوظيف متطلبات أن كل مجموعةٍ وظيفيةٍ. فعلى سبيل المثال، تختلف متطلبات العمالة المباشرة من الحرفيين المهرة عن متطلبات مسؤولي سلسلة التوريد، فليس ما يناسب واحدًا يناسب الجميع. كما يجب على الشركات الناجحة أيضًا أن تدع قسم الموارد البشرية شريكُا رئيسيًا لها في جذب المواهب المناسبة والحفاظ عليها.
  • تحديث استراتيجيات التوظيف لمواكبة متغيرات سوق العمل وجذب المواهب. اعتمدت استراتيجيات التوظيف في الماضي بشكلٍ أساسي على توظيف عددٍ كبير من الأشخاص مع احتمالية بقائهم في نفس الشركة طوال مسيرتهم المهنية. ولكن مع المتغيرات المستجدة في سوق العمل، ومع زيادة تنقل الموظفين بين الوظائف والمجالات المختلفة، أصبح هذا النهج غير فعالٍ في وقتنا الحاضر. فقد بات من الشائع أن ينتقل الموظفون، من ذوي الخبرات المحدودة، من وظيفةٍ لأخرى بمعدلٍ أسرع من ذي قبل، وقد يصل بهم الأمر إلى مغادرة قطاع الفضاء والطيران والدفاع تمامًا. لذلك، باتت الضرورة ملحة لتغيير الاستراتيجيات المتبعة في التوظيف، حتى تتمكن الشركات من المنافسة بشكلٍ قوي على أفضل المواهب والمهارات، وذلك من خلال اتباع منهجية عمل تحاكي أسلوب شركات المبيعات، والتي تعتمد على عقد اجتماعات يومية لبحث ودراسة قواعد البيانات والمعلومات الخاصة بعملية توظيف المواهب عن طريق مصادر يمكن الاعتماد عليها، (مثل الجامعات، المواقع المهنية، الشركات المنافسة، وما إلى ذلك)، وتحديد أيٍ منها هو الأكثر موثوقيةً وفعالية في توفير مرشحين ذو جودةٍ عالية. ولعل أحد أكثر استراتيجيات التوظيف شيوعًا في هذا القطاع هي إنشاء "غرفة الفوز بالمواهب" التي باتت تكتسب زخمًا كبيرًا اليوم، حيث تضم مجموعةً من ممثلي أقسام الشركة المختلفة، بما في ذلك قسم التطوير المهني، والموارد البشرية، وعلوم البيانات والتحليلات، وتكنولوجيا المعلومات لتعمل جميعها معًا في فريقٍ واحد، بهدف تقديم عروضٍ مميزة تستقطب من خلالها أصحاب الكفاءات والمهارات، بشكلٍ أكثر مرونةً وسرعة.
  • إعادة تأهيل وتطوير المهارات كلما أمكن. مع تصاعد حدة المنافسة على أصحاب الخبرات والمهارات، يضطر العديد من أصحاب الأعمال في قطاع الفضاء والطيران والدفاع، إلى توظيف البعض من ذوي الخبرات المحدودة، مما يحتم عليهم الاستثمار في تدريبهم وتطوير مهاراتهم الأساسية، وهو ما يلقي على الشركات عبء تكاليف إعادة تأهيلهم. ولذلك، تفضل الشركات استثمار هذه الموارد في تطوير مهارات الموظفين الحاليين من أصحاب المواهب المبتدئة، خاصة إذا كانت عوائد هذا الاستثمار مرتفعة. مع التركيز على أن تكون الأولوية للنتائج العملية الملموسة بدلاً من الاكتفاء بتنفيذ الأنشطة التدريبية، ووضع خطط استراتيجية واضحة لتطوير المهارات تتماشى مع الأهداف العامة للشركة، وأن يكون هناك فهمٌ عميقٌ لكيفية مساهمة كل برنامجٍ تدريبي في تحقيق أهداف العمل. وفي ظل ما نشهده من تطوراتٍ تكنولوجية واسعة النطاق، لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن المتوقع أن تساهم تلك التقنيات في تحسين عملية التعلم والتطوير عبر تحديد المهارات الأكثر احتياجًا، وتخصيص برامج تدريبية تتناسب مع احتياجات الموظفين، مما يعمل على تسريع عملية التوظيف والوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة الإنتاجية. في الوقت ذاته، تلعب منظومة التعلم والتطوير دورًا كبيرًا في تعزيز مرونة الشركة وقدرتها على التكيف، وذلك من خلال مساعدة الموظفين على التعامل مع المتغيرات المستقبلية بسلاسةٍ ويسر.
  • تطوير إدارة المواهب لتعزيز الأداء ودعم خبرة الموظفين. على عكس غيرها من الشركات العاملة في مجالاتٍ أخرى كالتكنولوجيا والسيارات، تعاني شركات قطاع الفضاء والطيران والدفاع من خللٍ في التصورات الأساسية لعروض القيمة المقدمة للموظفين. فالشركات التي ترغب في جذب كوادر وظيفية مؤهلة وترغب في الاحتفاظ بهم، عليها أن تطور ثقافتها المؤسسية وطريقة إداراتها لأداء موظفيها، الأمر الذي يتطلب معه تغييرًا جذريًا في نمط التفكير والسلوك اليومي للموظفين، وهو ما يعد أمرًا صعبًا، لاسيما على الشركات التقليدية التي دخلت هذا المجال منذ عقودٍ طويلة. ولعل الشركات التي نجحت في تحقيق تقدمٍ ملموسٍ في تحسين ثقافتها وتصوّرات إدارة الأداء الخاص بموظفيها، هي تلك الشركات التي وضعت رؤيةٍ واضحةٍ للثقافة والسلوكيات الوظيفية التي تطمح في تحقيقها، ثم تقوم بعد ذلك بعمليات تقييم للسلوكيات الحالية للموظفين لتحديد ما يجب تغييره منها عن طريق مجموعة من الخططٍ والإجراءات التي تستهدف تعديل تلك السلوكيات وتقويمها، وهو ما لا يتحقق إلا بمعالجة العقليات التي قد تقف عائقًا أمام عملية التغيير. على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات الأمريكية العاملة بقطاع الفضاء والطيران والدفاع باتباع نهجٍ عمليٍ لتحسين الثقافة السلوكية لدى موظفيها. وقد اعتمد هذا النهج على تدريب جميع الموظفين على السلوكيات المستهدفة، حيث يقومون بقضاء يومٍ كامل بعيدًا عن العمل المعتاد، للتركيز على تعلم السلوكيات الجديدة التي تحسن أدائهم، والتعرف على العقبات التي تعيق تبني مثل هذه السلوكيات. ثم تبدأ مرحلة التدريب على ممارسة ما تعلموه من خلال سيناريوهاتٍ عملية تساعدهم على تطبيقها. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تكليف القادة بتوفير التدريب اللازم للطبقة التالية من الموظفين، بما يضمن وصول التحسينات الثقافية والتعديلات السلوكية إلى جميع الموظفين في كافة مستويات الشركة. ليظل في النهاية الهدف الرئيسي من كل هذه الجهود، وهو تحسين تجربة الموظفين وجعلهم يشعرون بأنهم جزءٌ من ثقافةٍ متطورةٍ وداعمة، تعزز من الأداء العام للشركة وتجعلها مكانًا أفضل للعمل.
  • تحديث دور الموارد البشرية لتقود عملية تطوير المواهب. يواجه قطاع الفضاء والطيران والدفاع، تحد آخر هو بطء أقسام الموارد البشرية في التكيف مع المتغيرات الجديدة والمتسارعة التي تطرأ على القطاع، فبدلًا من أن يتبنى قطاع الموارد البشرية أساليب جديدة أكثر حداثة، نراه لا يزال يعتمد على إجراءاتٍ قديمة وغير فعالة. على سبيل المثال قد تنشغل الموارد البشرية بمهامٍ روتينية، كالرد يدويًا على الاستفسارات، بدلًا من الاعتماد على الأنظمة التكنولوجية التي تقوم بهذه المهام بشكلٍ تلقائيّ. ومن هنا تأتي أهمية أن يعي قادة الموارد البشرية ضرورة أن تتماشى خططهم السنوية مع استراتيجية الشركة وأهدافها العامة، حيث يجب أن يكون كل شريكٍ تجاري للموارد البشرية، والذي يعمل كحلقة وصلٍ بين قسم الموارد البشرية وبقية الأقسام في الشركة، مزودًا بالبيانات والمعلومات الكاملة عن الموظفين، وما هي الاحتياجات التدريبية، ومؤشرات الأداء، إلى جانب أهمية امتلاكه للمهارات اللازمة لتحقيق التعاون المثمر مع البرامج والوظائف المختلفة في الشركة، مثل التواصل الفعال، والقدرة على تحليل البيانات، والفهم العميق لاحتياجات العمل. كما يجب على قسم الموارد البشرية أن يستغل ما لديه من بياناتٍ ومعلوماتٍ دقيقة وما يمتلكه من مهارات التواصل ليُظهر بوضوحٍ كيف تسهم أنشطته وبرامجه في تحقيق أهداف الشركة وزيادة قيمتها. وحتى تتمكن الموارد البشرية من تحقيق هذه الأهداف بشكلٍ أكثر فعاليةً، ينبغي عليها الاعتماد على التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي التوليدي في القيام بالعديد من المهام الإدارية. ومن الجدير بالذكر، أن من بين جميع المنظمات والشركات التي أقرت باستخدامها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الحديثة في أكثر من مجال، هناك 3 في المائة فقط تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في الموارد البشرية.

تدرك الشركات الرائدة في قطاع الفضاء والطيران والدفاع أن مجرد التكيف مع الظروف الحالية لسوق العمل، كنقص المهارات أو التنافس الشديد على الكفاءات من الموظفين المؤهلين، لن يكون كافيًا لتحقيق النجاح. بل يتعين عليها أن تأخذ بزمام المبادرة وتتخذ خطواتٍ استراتيجية لجذب المواهب وتطويرها. فلا ينبغي عليها الانتظار حتى تتوافر الظروف المثالية، بل يجب عليها بناء قدراتها واستراتيجياتها الخاصة لاستقطاب المواهب التي تحتاجها. كما يجب أن تعي هذه الشركات أيضًا ضرورة إعادة النظر في كيفية إدارة هذه المواهب من خلال تخليها عن أساليبها التقليدية في إدارة المواهب، فالشركات التي تتمكن من القيام بتلك الخطوات بالسرعة والجرأة المطلوبة، هي التي يمكنها تحقيق نجاحاتٍ ملموسة في هذا المجال.


وفي ظل ما يواجهه قطاع الفضاء والطيران والدفاع من تحدياتٍ كبيرة نتيجة التغيرات المستمرة في القوى العاملة وديناميكيات سوق العمل، بالإضافة لتقاعد الموظفين المتمرسين من أصحاب الخبرات والمعرفة، يبقى تعويض هذه الفجوة وضمان انتقال الخبرات للأجيال الجديدة من أبرز التحديات التي تواجه الشركات العاملة في هذا القطاع. وفي الوقت نفسه، يمكن الاستفادة من الموظفين الجُدد في استبدال أساليب العمل التقليدية بأخرى أكثر حداثة مع دمجها بالتقنيات الحديثة. وحتى يتحقق النجاح المطلوب في هذا السياق يجب أن تتمتع الشركات بسرعة الاستجابة للفرص الجديدة مع انضمام موظفين جُدد، وأن تكون أكثر فعالية، في التكيف مع المتغيرات. ويبقى الوعي بهذه الفجوة وإدارتها بشكلٍ جيد هو المفتاح للحفاظ على القدرة التنافسية والابتكار في هذا القطاع الحيوي.

Explore a career with us