تطور المواهب وأشكالها خلال عامي 2023 و2024

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

كما نعلم، مع مرور الوقت بعد الحماس المعتاد لبداية العام الجديد، يحين الوقت للعمل الجاد. فكيف أثرت سرعة التغييرات الملحوظة في عام 2023 على توقعاتنا لما يلي؟ ندعوكم للاستماع إلى هذه الحلقة من برنامج 'McKinsey Talks Talent'، حيث ينقلنا "برايان هانكوك" و"بروك ويدل" إلى حوار شيق مع "لوسيا رهيلي"، مديرة التحرير العالمية، لنناقش الاتجاهات التي أثرت على عالم المواهب العام الماضي أفهم تمامًا ونناقش أيضًا الديناميكيات الجديدة المتوقعة التي ستؤثر بقوة على مجال المواهب في عام 2024.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

لوسيا رهيلي: مررنا في عام 2023 بتجارب مثيرة ومعقدة تتراوح ما بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وابتكاراته والتحديات الاقتصادية المتغيرة؛ مما أثرى وأعاد تشكيل مشهد المواهب. الآن، ونحن نقترب من نهاية هذا العام، أود التطرق إلى أبرز العناصر التي تركت بصمتها. "بروك"، فلنبدأ بالذكاء الاصطناعي التوليدي النجم الذي ظهر بقوة خلال هذا العام.

بروك ويدل: إن ما يجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي موضوعًا محوريًا هو انتشاره وتأثيره الواسع عبر كافة أقسام الفريق التنفيذي. إذ يلقى اهتمامًا عامًا لأن تطبيقاته تمتد لتشمل العديد من المجالات المتنوعة.

هناك اتجاهان رئيسيان نشهدهما الآن في عالم المواهب. الأول يتعلق بكيفية عمل أقسام الموارد البشرية لاستكشاف وتحديد الاستخدامات التي تخدمهم بشكل مباشر. والثاني يتمثل في التقدم الذي يحرزه قادة الموارد البشرية، مثل تطوير حلول مخصصة لاستقطاب المواهب وإنشاء مراكز للدعم، وهي خطوات تعزز من خدمات الموارد البشرية المقدمة للموظفين.

وهناك جانب آخر نلاحظه في مجال المواهب، ألا وهو تأثير عملية تطوير البرمجيات، وبالأخص في جانب ترقية المنتجات وتحسينها. وهنا تطرح تساؤلات حاسمة: كيف ستتأثر المواهب بهذا التغيير؟ كيف ستتطور الأدوار المهنية؟ وما الكفاءات الجديدة المطلوبة الآن؟ هذه أسئلة رئيسية تحتاج إلى توضيح أولًا.

لوسيا رهيلي: "برايان"، هل هناك أي نقاط أخرى تود إثارتها أو تعليقات ترغب في مشاركتها حول هذا الموضوع؟

برايان هانكوك: إن الحلول التي نراها في البداية ليست بالضرورة تلك التي ستحدث التحولات الكبيرة والمستدامة. هي ليست حتى الخطوات التي تزيد الإنتاجية على المدى القصير. بل هي في الحقيقة مجرد مكاسب سريعة يمكن لأقسام الموارد البشرية والفرق الأخرى تحقيقها.

ومثالًا على التطور الذي نشهده، نرى تطبيقات مثل 'Me@Campus' الذي طورته "وولمارت"، والذي يسهل على العاملين في مكاتبهم الرئيسية فهم واستخدام سياسات الموارد البشرية بشكل أكثر فعالية. هذا النوع من الأتمتة في إدارة الموارد البشرية هو مثال على المكاسب السريعة التي تحدث في القطاع، كما ذكر "بروك". يشمل ذلك أيضًا استخدام أنظمة مقدمة من بائعين خارجيين، مثل تلك المستخدمة في اكتساب المواهب، والتي تدمج تقنيات أساسية مع تقنيات لغوية متقدمة.

لوسيا رهيلي: "برايان"، في العام الماضي نشرت أنت وزملاؤك "بيل شانينغر" و "إيميلي فيلد" كتاباً بعنوان "تمكين الإدارة الوسطى" عام 2023، الذي يسلط الضوء على المدراء في المستوى المتوسط من الإدارة وأهميتهم الكبيرة في الشركات الناجحة. هل يمكنك أن تحدثنا أكثر عن هذه الفكرة وكيف أثرت على عالم الإدارة في "عام المدير"؟

برايان هانكوك: لقد كان عام 2023 حقًا هو "عام المدير". ففي الوقت الذي نشهد فيه تسارع الأتمتة وتطور التقنيات الجديدة، يبرز دور المدراء كقادة رئيسيين في إدارة هذه التغييرات ودعم فرقهم.

بروك ويدل: من الضروري أن نولي اهتمامًا خاصًا للجانب الثقافي في هذا السياق، حيث يفتح ازدياد تقدير المدراء أمامنا فرصًا جديدة للتطوير. فلنسأل أنفسنا أولًا: ما هي الطقوس والممارسات اليومية التي ينبغي على المدراء اعتمادها ليس فقط لتعزيز الإنتاجية، ولكن أيضًا لتحسين جوانب أخرى مثل الرفاهية العامة وتجربة العمل؟ إن الحوار يتغير الآن ليركز على كيفية مساهمة المدراء في التغيرات الثقافية داخل المؤسسات.

لوسيا رهيلي: "بروك"، على مدى العقود الماضية، رأينا اتجاهًا نحو تقليل عدد المدراء في المستويات الوسطى من الهيكلة الإدارية. هل تلاحظ الآن تغيرًا في هذا الاتجاه، بحيث يصبح هناك اهتمام أكبر بالاستثمار في مدراء المستوى المتوسط من الهيكل الإداري ؟

بروك ويدل: بالتأكيد، إن الاتجاه الذي أراه الآن هو تزايد الاستثمار في تطوير المدراء. ولكن السؤال هو، كيف يمكننا إعادة هيكلة أدوارهم لتقليل وقتهم المخصص للمهام الروتينية؟ وما هي الاستراتيجيات التي يمكننا اتباعها لتعزيز مهاراتهم بشكل عميق وفعّال، لا سيما من خلال الإرشاد والتدريب المباشر، بجانب التدريب التقليدي؟

من المهم أولاً تحديد المهارات التي يحتاج المدراء إلى تطويرها، ثم تنظيم برامج لتدوير الوظائف لمساعدتهم على اكتساب هذه المهارات بطرق جديدة. ويجب أن نغير الطريقة التي نتحدث بها عن المدراء في المستوى المتوسط من الإدارة. لسنوات طويلة، كانت هذه الطبقة الإدارية تُوصف بألفاظ سلبية مثل 'الوسط المتجمد'. أما الآن فنحن نحتاج إلى إعادة تعريف هذه المجموعة وإظهار قيمتها الحقيقية داخل المؤسسة.

برايان هانكوك: أرى أن الكثير من المؤسسات تغير من طريقة استثمارها في هذه الشريحة. على وجه التحديد في سياق التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتساءل الكثيرون: 'كيف يمكن تقليل أو تبسيط الأعمال الإدارية؟ على الرغم من أن تطبيقات الخدمة الذاتية قد عززت الكفاءة في بعض الأقسام، إلا أنها قد تضع عبئاً إضافيًا على المدراء. والسؤال هنا هو: هل ستساعد التكنولوجيا الجديدة المدراء على التعامل مع هذه التحديات بشكل أفضل؟

أرجو أن يكون النقاش الذي بدأ هذا العام والاستثمارات التي بدأنا نراها في الشركات دليلًا على أن عام 2023 سيكون هو العام الحاسم للمدراء. نأمل ألا نحتاج إلى تخصيص عام 2024 مرة أخرى كعام آخر لنتأكد فيه من أهمية المدراء، بل ليكن عام 2023 هو اللحظة التي أدركنا فيها بالفعل قيمتهم الكبيرة.

لوسيا رهيلي: "برايان"، برأيك مع مرور بعض الوقت على بدء تجربة العمل الهجين، شهدنا كيف تبنت الشركات نهجًا جديدًا، فتراجعت عن بعض السياسات وطورت أخرى، وذلك استجابة لتغير توقعات الموظفين حول العودة للعمل من المكتب. فما هو تقييمك للوضع الحالي وأين نحن الآن في هذا السياق؟

برايان هانكوك: أرى أن معدل الحضور إلى المكاتب أصبح أقل بنسبة 30٪ مما كان عليه قبل الجائحة. وعندما نسأل الموظفين، يقولون إنهم يذهبون إلى المكتب 3.5 أيام في الأسبوع في المتوسط. لكن عندما نسألهم عن عدد الأيام التي يفضلون الحضور فيها، يقولون 3.2 أيام. لذا يبدو أن الأمور توازنت بشكل جيد بحيث يأتي الموظفون إلى المكتب بالعدد الذي يشعرون بالراحة معه.

مازال هناك جزء من العاملين يقولون إنهم سيتركون وظائفهم إذا طُلب منهم الحضور إلى المكتب أكثر مما هو مطلوب الآن. حتى لو كان هذا العدد 10% فقط، يمكن أن يكون له تأثير كبير، خاصةً إذا كانوا من العاملين ذوي المهارات الخاصة. وقد يحدد هذا الفرق نجاح أو فشل منتج. لذا، تعتقد الشركات في الوقت الحالي أنها أحدثت التوازن المناسب بين العمل في المكتب والعمل عن بُعد، على الأقل في الوقت الراهن. وربما لا يستمر هذا الوضع دائمًا، لكن يبدو أن الأمور قد استقرت لفترة.

عند النظر إلى الماضي، قد يكون عام 2023 هو العام الذي استقر فيه أخيرًا النمط الجديد للعمل، مع تحقيق توازن مثالي بين الحضور الفعلي في المكتب والعمل عن بُعد. يُظهر هذا العام كيف يمكن للمؤسسات تنظيم وإدارة هذين الأسلوبين بكفاءة.

لوسيا رهيلي: "بروك"، كيف تتعامل الشركات التي تعمل معها مع هذه التغييرات؟

بروك ويدل: أتذكر أن أحد العملاء في القطاع الصناعي اضطر إلى إجراء تعديلات في البداية، ولكنهم الآن عادوا إلى العمل منذ مدة. يبدو أن تركيزهم الآن على وضع معايير عمل جديدة لتحسين الأداء.

أحد الأساليب التي يتبعونها هو طرح أسئلة إضافية لتحفيز التعاون بين الأقسام المختلفة. مثلاً، إذا طرحت سؤالًا عن كيفية تأثير عملي على عمل "برايان"، قد أحصل على إجابات تساعد على تجنب العمل المكرر وتحسين التنسيق. هذا يبدو أنه يعزز أيضًا الاستراتيجيات الفعالة للشركة.

لوسيا رهيلي: من الواضح أن الإرهاق أصبح موضوعًا رئيسيًا للنقاش، خصوصًا بعد الجائحة. فكيف إذن يمكننا التعامل مع صحة ورفاهية الموظفين وتجنب إرهاقهم؟

بروك ويدل: لاحظت أن مستويات الإرهاق لا تزال مرتفعة، وهي مشكلة واقعية للغاية. كانت إحدى المؤسسات التي أعمل معها تحاول ربط دور المدير بمسألة الإرهاق، وهي تعمل على تطوير نظام تشغيل إداري جديد يهدف إلى مساعدة الفرق على النمو والازدهار. ولكن لا يكفي معالجة الإرهاق فحسب، بل يجب السعي لتحقيق تجربة عمل رائعة للموظفين تفتح الباب لفرص جديدة وتشجع على الابتكار.

لوسيا رهيلي: هل تلاحظ أن عملاءك يستخدمون استطلاعات الرأي لقياس رفاهية الموظفين؟

برايان هانكوك: أعتقد أن هذه الطريقة أصبحت شائعة، لكن مدى تعمقها يختلف بين المؤسسات. فبعضها يجري استطلاعات أكثر تفصيلًا لفهم أسباب الإرهاق بشكل أفضل، بينما يحاول البعض الآخر تحديد العوامل التي قد تؤدي إلى مشاكل أوسع في الصحة العقلية أو غيرها. وهناك من يدرس التأثيرات الناتجة عن الممارسات الإدارية التي تجعل الموظفين يشعرون بعدم القدرة على إنجاز كل شيء.

لوسيا رهيلي: هل ترى أن هذه المؤسسات تتخذ إجراءات على أساس هذه المعلومات لتحسين الوضع؟

بروك ويدل: أحيانًا نقع في فخ الإفراط في تحليل البيانات بدلاً من التركيز على الأفعال العملية. شاهدت هذا في العديد من الأماكن، لكن هناك منظمات تتخذ خطوات ملموسة استجابة لما تكشفه استطلاعات الرأي حول الإرهاق أو الرفاهية.

برايان هانكوك: أرى من جانب آخر أيضًا تركيزًا قويًا من قبل بعض المؤسسات على فهم الأسباب الحقيقية وراء شعور الموظفين بالإرهاق، وليس فقط معالجة عبء العمل، بل أيضًا التدقيق فيما إذا كان العمل يحفز الموظفين ويتماشى مع أهدافهم الشخصية.

وكذلك كيف يمكن تحفيزيهم على العمل؟ وكيف يرتبط ذلك بأهدافك؟ على سبيل المثال، وجدت شركة محاماة كبرى أن الشركات الأخرى التي تعمل ساعات أقل حققت معدلات رضا أعلى. فبدأوا يتساءلون لماذا يشعر موظفوهم بعدم الرضا على الرغم من عمل ساعات أقل، وتبين أن الأمر يتعلق بطريقة التواصل والتقدير داخل الشركة.

يبدو أن الشعور بالتقدير والانتماء إلى شيء مهم يقلل من الإرهاق.

لوسيا رهيلي: ما هي حالة الإرهاق بين قادة الموارد البشرية نفسهم؟ كيف يتأثرون بهذه التحديات؟

بروك ويدل: عندما أنظر إلى ما سيحدث في عام 2024، أتوقع رؤية تغييرات كبيرة في كيفية تعامل الموارد البشرية مع تحديات الاحتراف. قد تتمثل هذه التغييرات في خلق تعاونات جديدة داخل الشركات، واستقطاب أنواع مختلفة من المواهب إلى قسم الموارد البشرية. أتوقع أيضًا إعادة هيكلة القسم ليصبح أكثر مرونة وديناميكية. يبدو أن هناك أُفقًا جديدة تنتظرنا في مجال الموارد البشرية في عام 2024، خاصة بعد التحديات التي واجهناها في العامين الماضيين والتي أدت إلى توسيع نطاق وظيفة الموارد البشرية بشكل كبير.

لوسيا رهيلي: "بروك"، قبل أن نناقش 2024، هل هناك اتجاهات من 2023 ترى أنها كانت مؤثرة في المشهد؟

بروك ويدل: أحد الأمور التي لفتت انتباهي كان تقرير ماكنزي حول وضع المرأة في العمل، الذي أظهر أن طموحات النساء في ازدياد. ومع ذلك، لاحظت أن التقدم المهني للنساء لا يزال يواجه صعوبات. كان هناك تركيز على الفكرة أن المشكلة ليست فقط في العوائق الخفية التي تحول دون وصول النساء والمجموعات المهمشة إلى القيادة العُليا، بل في الصعوبات التي تواجهها النساء في التقدم من مستويات دُنيا إلى إدارية. هذا يظهر تحديًا كبيرًا في تقدمهن. عندما أفكر في عام 2023، أرى أن التحدي في تحقيق تنوع أكبر - سواء بالنسبة للجنس أو أبعاد أخرى - لا يزال قائمًا. لذا يجب أن نعمل على تحسين هذه الجوانب.

برايان هانكوك: تغير الوضع قليلًا بالنسبة لقادة التنوع في الشركات. حيث تقوم بعض المنظمات التي نفذت هذه المناصب في البداية قبل بضع سنوات بإعادة النظر الآن في نهجها. ويأتي هذا التحول استجابة لأحكام قضائية مختلفة، مما دفع إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز أولئك الذين يحتاجون إلى أكبر قدر من الدعم في البيئة الحالية. والسؤال الشامل لهذه المنظمات هو: "كيف يمكننا خلق شعور بالانتماء والدعم للجميع؟"

وفقًا لتقاريرنا الخاص بـــــــ "المرأة والعرق في بيئة العمل"، نلاحظ أن الأشخاص، بغض النظر عن عرقهم، يشعرون بأن فرص ترقيتهم على السلم التصاعدي للمستوى الإداري قد تكون ضئيلة بسبب عرقهم. أما على صعيد شريحة الأقليات، يشعر هؤلاء الأشخاص بأن عرقهم حاجز يعيق ترقيتهم أكثر من نظرائهم البيض. وحتى في حال الحصول على ترقية، يشعر الجميع بأن فرصهم في الحصول على ترقية أخرى سوف تتضاءل أكثر بسبب عرقهم. مع العلم، هناك زيادة ملحوظة في نسبة الأشخاص البيض الذين يعتقدون أن عرقهم قد يشكل عائقًا، بما يتوافق مع نسبة الأشخاص السود الذين يشعرون بالشيء نفسه.

إذا كان الجميع يعتقدون أن عرقهم يؤثر سلباً على ترقيتهم، فهذا يدل على مشكلة أكبر تتعلق بالعدالة في الشركات. يجب أن نعمل على ضمان شعور كل فرد بالانتماء وأن أي عقبات تعترض طريقهم يتم التغلب عليها.

من المهم أيضًا أن يكون الحوار حول هذه القضايا للجميع. إذا فشلنا في ذلك، قد نفقد الإنجازات التي حققناها. وهناك من يقول: "علينا الاستمرار في السعي لضمان أن يكون لدى كل شخص، بغض النظر عن قدراته أو رغباته، فرصة للنجاح. ولكن يجب أن نفعل ذلك بطريقة تزيد العدالة داخل المؤسسات".

لوسيا رهيلي: تحدثنا سابقًا عن نهج العمل الهجين والعودة للمكتب. وقد أشارت بعض الدراسات خلال الجائحة إلى أن هذا التوجه قد يكون مفيدًا بشكل خاص للنساء ولأشخاص من مختلف الخلفيات السكانية. هل ترى أن ذلك سيكون له أي تأثير ملموس مع بدء عودة الموظفين إلى المكاتب؟

برايان هانكوك: تشير التوجهات الحالية إلى أن العمال الجُدد في سوق العمل يبحثون عن تدريب مهني، وتوجيه شخصي، وفرص للقيادة. من ناحية أخرى، يواجه المدراء في منتصف حياتهم المهنية تحديات مثل رعاية الآباء المسنين، والأطفال، وحتى الحيوانات الأليفة. وفي الواقع، كثيرون اكتشفوا أن التعامل مع هذه المسؤوليات يكون أسهل عند العمل من المنزل. فكيف نتعامل مع هذا التحدي ونجد صيغة عمل مختلطة تناسب الجميع؟

وفي الوقت نفسه، كيف نعيد القادة الذين يقدمون الإرشاد والتدريب إلى مكاتبهم؟ يبدو أننا بحاجة إلى تطوير طرق جديدة لتحقيق التوازن المثالي. العامل الرئيسي الذي سيجذب الناس للعودة إلى المكتب هو القيادة - وليس المزايا الأخرى مثل الأحداث أو الطعام، بل القائد نفسه.

بروك ويدل: هذا صحيح تمامًا. إن الأمر يتعلق كثيرًا بتخصيص الوقت بشكل فعّال. لكي تصبح محور جذب للمواهب أو تحفيز لفرق عملك، يجب أن تستثمر وقتًا كافيًا في ذلك. أيضًا، هناك اتجاه مهم آخر يتعلق بالتعلم والتطوير، وكيف نعيد تفكيرنا حول هذه المفاهيم. هذا مجال آخر نتوقع أن نشهد فيه ابتكارات واستثمارات متزايدة.

برايان هانكوك: إذا جمعنا كل هذه الأمور، نستطيع القول إنه في عام 2023 بدأنا حقًا في إعادة التركيز على الجانب الإنساني في مجال الموارد البشرية. بدأنا بالتفكير بشكل أعمق في التعلم والتطوير بطرق تكون أكثر شمولًا وتفهمًا لاحتياجات موظفينا. وعندما نتطلع إلى الأشهر القادمة، يجب أن تكون في مقدمة أولوياتنا تعزيز بيئة عمل تستجيب للتحديات الناشئة. وذلك لأن العالم سيكون مليئًا بالتوتر والمجهولات، ولكن يمكننا إنشاء بيئة تفاعلية مليئة بالتواصل والدعم.

لوسيا رهيلي: عندما نتطلع إلى الأشهر الـ 12 المقبلة وننظر في أولوياتنا في مجال الموارد البشرية، برأيك ما الذي يجب أن نركز حينما يتعلق الأمر بالمواهب؟

برايان هانكوك: إن هذا العالم أشبه بمكان شيق. من المرجح أن يواجه موظفونا العديد من التحديات والتطورات المثيرة والمجهولة في العالم الخارجي خلال الفترة المقبلة. وستخلق هذه الأحداث ضغوطاً وتوتراً لدى الموظفين. لذا من المهم أن نفكر في كيفية خلق بيئة عمل داخلية آمنة ومستقرة نوعاً ما، بعيدة قليلاً عن تقلبات العالم الخارجي. أين يمكننا التجمع كفريق واحد، بغض النظر عن خلفياتنا وأصولنا؟ بيئة نشعر فيها بالإنتماء والألفة، حتى في أوقات الأزمات والتحديات. فلا يزال بإمكاننا تحديد الهدف والتواصل من خلال ما نقوم به وما نحدث به الفروق؟

بروك ويدل: الشيء الوحيد الذي أتوقع أن يحظى بأهمية أكبر هو قدرة القادة على التواصل بشكل كامل مع استيعاب أي نوع من أنواع التوترات. وهذا قد يترك للصدفة أحيانًا، ولكن حان الوقت لمزيد من الجهود في سبيل وضع النهج الذي يهتم بالريادة والإدارة.

لوسيا رهيلي: هل ترى عملاءك يتحدثون ويلتفتون إلى التوترات المتزايدة التي تحدث ضمن الأنماط الديناميكية للتواصل مع الآخرين في بيئة العمل؟

برايان هانكوك: إن ما ألاحظه مع عملائي هو أن التطورات والأحداث العالمية الخارجية أصبح لها تأثير مباشر وقوي على موظفيهم. لذلك تسعى المؤسسات لإيجاد طرق لخلق بيئة عمل تتسم بالتعاطف مع الموظفين، وتشعرهم بالانتماء والألفة.

وهذا لا يتطلب بالضرورة منا الخوض في كل صراع أو خلاف. ولكن عندما يتعلق الأمر بكيفية عملنا معًا كفريق، يمكننا عن وعي خلق مساحة لنكون سويًا ونخفف من ضغوطات العالم الخارجي، بدلاً من أن نسمح للعمل بمضاعفة تلك التوترات.

بروك ويدل: نلاحظ حدوث هذا في الشركات العالمية. وهناك بعض الأمثلة البارزة لشركات عملت على تصعيد التوترات بدلاً من خلق مساحة منفصلة للتعامل معها. وفي الحقيقة، إن القيام بذلك أمرًا صعبًا للغاية.

لوسيا رهيلي: هل لديك توجهات أخرى خلال عام 2024 ترغب في الحديث عنها؟ على سبيل المثال، حدثني قليلًا عن الإنتاجية؟

بروك ويدل: تدور الكثير من المناقشات حول مفهوم الإنتاجية، حيث يذهب بعض الأشخاص إلى أبعد من ذلك بإعادة تفسير هذا المصطلح، مستخدمين مصطلح "الوفرة" بديلاً لكلمة "الإنتاجية". يرجع هذا إلى الدلالات السلبية المرتبطة أحياناً بكلمة الإنتاجية. ومع ذلك، هناك نظريات متنوعة حول معنى العمل الإنتاجي وتقييم الوقت الإنتاجي. ويبدو أن إدارة الأداء ستصبح محور الاهتمام بدلاً من مجرد النظر إلى الإنتاجية كمقياس وحيد خلال عام 2024.

برايان هانكوك: بالنسبة لأداء العمل في عام 2024، نتوقع أن نرى تغييرات جوهرية في كيفية إنجاز العمل، خاصة في ظل تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي وعوامل أخرى متعددة. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: كيف سيتم إعادة تصميم عمليات العمل وعلى أي أساس سيتم مساءلة الأشخاص؟ يمكن أن تسهم هذه النظرة الجديدة حول الإنتاجية في تحفيز مبادرات إنتاجية قصيرة الأمد في مجال التكنولوجيا أو غيرها، لكنها في النهاية ستشكل إطارًا يوجه تنظيم العمل في المستقبل.

سيشهد عام 2024 بروز أفكار جريئة ومبتكرة حول الإنتاجية. من المهم الإشارة إلى أن الإنتاجية لا تقتصر فقط على خفض التكاليف؛ فهي تتعدى ذلك لتشمل زيادة الإيرادات أيضًا. وتتضمن الإنتاجية الحصول على المزيد من النتائج باستخدام نفس وحدات العمل. لذا، عند التفكير في تحسينات الإنتاجية، يجب التساؤل عن الفرص والإمكانيات الجديدة التي يمكن أن تكون متوافرة.

لوسيا رهيلي: هل لديك مسائل أخرى تريد التحدث عنها أو تناولها؟

برايان هانكوك: أنا معجب بفكرة التوظيف التي تعتمد بشكل أساسي على المهارات، وهذا المفهوم يزداد شعبية بشكل مستمر. في الوقت الحالي، هناك أكثر من 15 ولاية قد أعلنت أنها ستعيد النظر في الحاجة إلى متطلبات الشهادة الجامعية لبعض الوظائف.

بروك ويدل: في الفترة المقبلة، سنشهد أيضًا إعادة تقييم وترتيب الأولويات، خصوصًا بالنسبة للوظائف التي يصعب شغلها. هناك حاجة لتحويل التركيز من المنافسة الشديدة على جذب المواهب الخارجية إلى تعزيز وتحسين القدرات داخل المؤسسات نفسها. رغم وجود بعض العثرات في البداية، هناك تطورات ملحوظة في مجال إنشاء آليات فعالة لتطوير المهارات وإعادة تأهيل الموظفين بشكل موسع، وذلك للوظائف ذات الأهمية العالية. وتستكشف العديد من المؤسسات هذا النهج بجدية أكبر الآن.

برايان هانكوك: الاتجاه الآخر المتوقع في عام 2024 يتمثل في استمرار وجود العمال الأكبر سنًا في سوق العمل. هناك مقال مثير للاهتمام عن ولاية فيرمونت، التي تعد واحدة من أقدم الولايات عمراً في البلاد، 1وتشير إلى كيفية تطور القوى العاملة في المستقبل. على سبيل المثال، في تعاونيات الألبان بفيرمونت، هناك نقص في العمال الشباب، خاصة في المناطق الريفية. ويمثل هذا تحديًا: كيف يمكن جعل هذه الأدوار مناسبة وجذابة للعمال الأكبر سنًا؟

تشير الأبحاث الصادرة من معهد ماكينزي الصحي (MHI) وغيرها إلى أن العمل لفترة أطول يمكن أن يكون له آثار إيجابية على الصحة والرفاهية بشكل عام. هذا الأمر مفيد للموظفين وللشركات على حد سواء. ففي عام 2024 وما بعده، سنبدأ في رؤية المزيد من العمال في سن 70 عامًا أو أكبر يستمرون في العمل، ليس بدافع الحاجة الاقتصادية فقط، بل لأنهم يرغبون في الاستمرار بالعمل والمشاركة بفعالية في الحياة العملية.

لوسيا رهيلي: نعم، تحدثنا سابقًا عن التحديات التي يواجهها قطاع التصنيع، ولكن هل من الممكن جدًا أن تكون الأتمتة قد وصلت إلى مرحلة تسمح للعمال الأكبر سنًا بالمساهمة بفعالية في سد هذه الفجوة دون التعرض للضغوط والمخاطر الجسدية التي كانت مرتبطة تقليديًا بالقطاع الصناعي؟

روك ويدل: بدأ هذا النقاش حول استراتيجيات التحول في العمل يكتسب زخمًا، وذلك بدءًا من السؤال الأساسي: "ما هي استراتيجية التحول التي يجب علينا اتباعها؟" بينما تطور هذا السؤال ليصبح أكثر شمولية وعمقًا: "ماذا لو أعدنا تصور تحولاتنا بشكل كامل وحاولنا تصنيفها بشكل فعلي؟"

برايان هانكوك: بعد الاطلاع على بحث معهد ماكنزي الصحي، شعرت بتأثير قوي لدرجة أنني ذهبت إلى المنزل وأخبرت زوجتي بأنني لن أتقاعد أبدًا. هذا مثير للاهتمام لأنه قد يعني تغيير نوع العمل الذي نقوم به، لكن البقاء منخرطين في العمل وامتلاك هدف يبقى أمرًا إيجابيًا، خاصة في عالم يعاني من نقص في أنواع معينة من العمال. كمثال، أمي كانت ممرضة مسجلة من خلال تدريبها وعملت في العديد من الأدوار طوال حياتها المهنية. ومع ذلك، بعد تقاعدها وذهابي أنا وأختي إلى الكلية، اختارت أن تعمل كمعلمة للطفولة المبكرة في دار رعاية نهارية. لم تكن بحاجة إلى الضغوط المرتبطة بالتمريض، لكنها كانت بحاجة إلى نوع مختلف من التواصل والتفاعل الذي يوفره هذا الدور الجديد.

بالفعل، يمثل هذا التوجه تطورًا مثيرًا للاهتمام عبر مختلف القطاعات. سنجد أنفسنا نقضي وقتًا متزايدًا في التفكير حول كيفية تمكين العمال الأكبر سنًا ليكونوا منتجين وفعّالين.

Explore a career with us