يتحاور في هذه الحلقة من مناقشات ماكنزي حول المواهب، كلٌ من "بريان هانكوك" و"بيل شانينجر" مع الخبير الأول "فيل كيرشنر" حول المساحات المكتبية في المستقبل وأبرز احتياجات الموظفين وأصحاب العمل، وسبل تغيير بيئات العمل لتوائم احتياجاتهم. وفيما يلي نسخة منقّحة عن المقابلة.
تستضيف "لوسيا راهيلي" مناقشات ماكنزي حول المواهب.
توازن جديد ومتطلبات جديدة
"لوسيا راهيلي": شهدنا مؤخرًا تزايد التغطية الإعلامية حول العودة للعمل من المكاتب، مع إلزام بعض الرؤساء التنفيذيين للموظفين على العودة، في حين تراجع قادة آخرون عن التوصيات التي أعربوا عنها سابقًا حول مدى وجوب عودة الموظفين إلى أماكن العمل وسبل تطبيق ذلك. "فيل": هلّا حدثتنا عن بوادر استجابة الموظفين لنداءات العودة إلى المكاتب؟
"فيل كيرشنر": إنهم لا يستجيبون لهذه النداءات بشكل عام، خصوصًا وأننا لم نكن نتواجد في المكتب طيلة الوقت حتى ما قبل جائحة كوفيد-19. كما لاحظت أن جميع الأشخاص الذين تحدثت معهم أو العملاء الذين قدمت الخدمات لهم يطلبون توفير يومين مرنين خلال أسبوع العمل، وهو ما لم يكن موجودًا في السابق.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وأصبح الموضوع الآن اختياريًا، ولأن العمل من المكتب لم يكن شيئًا ممتعًا، وصلنا اليوم إلى طريق مسدود يُضطر فيه أصحاب العمل إلى التشديد على عودة الموظفين إلى المكاتب. ولكنّ مسألة العودة إلى نمط عمل غير محبّب للموظفين حتى قبل جائحة كوفيد-19 هي ظاهرة جديدة في جميع أنحاء العالم.
"لوسيا راهيلي": بريان، أعلم أنك على تواصل مع قادة الشركات يوميًا، ما هي الأهداف التي يحاول عملاؤك تحقيقها من خلال مطالبة الموظفين بالعودة للعمل من المكاتب؟
"بريان هانكوك": تنقسم أهداف قادة الشركات بين التفكير في كيفية استقدام الأشخاص القادرين على إنجاز العمل، وبين احتمالية خسارة الموظفين في حال تشديد السياسات ضمن استراتيجية العمل الجديدة. وعلى الجانب الآخر، يدرس القادة دور فتح الشواغر لاستقطاب مواهب من أي مكان.
وأصبحنا ندرك اليوم إمكانية العمل بفعالية من أي مكان، إذ لا تتطلب المهام الوظيفية أو متابعة البريد الإلكتروني التواجد بشكل شخصي في المكتب، فيما تحتاج بعض المهام الأخرى إلى تواجد الموظفين في مكان العمل بصورة منتظمة، بما تشمل التدريب والإرشاد وبعض علاقات التواصل الإبداعية. ويستلزم تحقيق هذا التوازن الجمع بين مرونة العمل عن بُعد والتواصل الشخصي ضمن مكان العمل.
"لوسيا راهيلي": أودّ العودة إلى موضوع استقطاب المواهب؛ ولكن قبل ذلك، تحدثنا سابقًا خلال إحدى حلقات البث الصوتي حول احتمال تزايد نفوذ الموظفين وتأثيرهم في ظل قلة عددهم حاليًا وكثرة الشواغر المتوفرة. هل تعتقد أن سلسلة القرارات التي أصدرها قادة الشركات مؤخرًا سوف تلزم الموظفين بالعودة إلى أماكن العمل؟
"بيل شانينجر": لا أعتقد ذلك، ولكنني تفاجأت بجميع تلك القرارات، حيث بات الموظفون يدركون عدم ضرورة التواجد في المكتب لإنجاز مهامهم وقضاء وقت طويل في التنقلات لإجراء اجتماع على منصة "زوم". وأتمنى أن يتم إعادة تخصيص الموارد المُكرّسة لرأس المال العامل وخفض التكاليف ووضع منهجيات جديدة للمبيعات، لدعم الأعمال التي تتطلب التعاون بين أعضاء الفريق.
فعند إطلاق مشروع جديد، على سبيل المثال، يمكن أن تستغرق الاجتماعات الأوّلية مدة أسبوعين لتحديد جوانب المشروع ونطاقه وتفاصيله، وإذا كان العمل يسير وفق إطار حوكمة مناسب، يمكن أن يتم تحديد الحاجة إلى التواجد بشكل جماعي في المكتب بناءً على سير العمل.
وأعلم جيدًا أن بعض أنواع العمل تتطلب التواجد في مكان العمل، ولكنّها لا تخضع لقرارات جبرية أو الترويج لعودة هيمنة أصحاب العمل. وأعتقد أن هذه القرارات غير عقلانية وستلحق الضرر بعرض القيمة في الشركات.
احتياجات الموظفين والجوانب الكمالية
"لوسيا راهيلي": ما تعقيبك على انسجام تصميم مكان العمل مع أعمال الشركة وثقافتها والأدوار الوظيفية فيها؟
"بيل شانينجر": تستند هذه المسألة إلى أساس علمي، ولكنّها تتعلق بشكلٍ رئيسي بسلطة أصحاب العمل. وأودّ ترك الحديث لـ "فيل كيرشنر" ليطلعنا على أحدث المستجدات بهذا الخصوص بعد انقطاعنا لعامين عن العمل في المكاتب.
"فيل كيرشنر": ذكّرني حديثك بأول عملٍ لي في البرنامج التجريبي للعمل من أي مكان، أي أن جميع الموظفين يتشاركون جميع الأغراض في المكتب. وفي نهاية البرنامج التجريبي، قال أحد كبار المدراء الأوائل، الذي لطالما اعتاد العمل من المكتب ورؤية الأشخاص ذاتهم، جملةً غير متوقعة.
إذ أشار حينها: "أشعر وكأنني خسرت مكتبي بعد الانتقال إلى نظام العمل عن بُعد، ولكنني في الوقت نفسه حصلت على إمكانيات تواصل غير محدودة. وأمامي اليوم هذا التنوع العظيم وفرصة مقابلة مختلف الأشخاص واستخدام أنماط مختلفة من المساحات والتقنيات طيلة اليوم لتلبية احتياجاتي الشخصية واحتياجات فريقي بأكمله".
ولقد زاد الاهتمام بضرورة انسجام تصميم مكان العمل مع ماهية العمل على مدار العقد الممتد لغاية بدء جائحة كوفيد-19. ويمكن الاعتماد على أماكن متعددة للعمل عند تحرير الموظفين من ضرورة التواجد في المكتب وتدريب المدراء على إدراك المقياس الحقيقي لإنتاجية الموظفين.
ونشهد اليوم في عالم ما بعد الجائحة توافر العديد من المساحات المكتبية مختلفة الأحجام والأشكال والمواقع والتصميمات، لم يكن باستطاعة أصحاب العمل توفيرها في السابق. ويساهم فتح المجال للموظفين للوصول إلى منظومة المساحات المكتبية بالكامل في تعزيز التصورات المتعلقة بالأداء أو الرضا عن مكان العمل، مقارنةً بالعمل من مكان واحد.
"لوسيا راهيلي": بالعودة إلى ما قاله بريان حول استقطاب المواهب، فإننا جميعًا نفضل العمل في مكاتب عالية الجودة، حيث يمكننا مثلًا تناول القهوة أو الوجبات الخفيفة الشهية. ومع ذلك، ليس بالضرورة أن توفر هذه النقطة تعويضًا كافيًا عن حاجتنا، فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لمفهوم المكتب الجديد الذي تطرحه أن يساعد في جذب الموظفين مرة أخرى للعمل من المكتب في ظل العودة مُجددًا وبشكل مفاجئ إلى المكاتب، وفي ظل أيضًا ارتفاع أسعار الوقود؟
"بريان هانكوك": أجرت شركة "ستيل كيس" لتصنيع المفروشات المكتبية دراسة بحثية مهمة لتحديد نوع المساحات المكتبية الأكثر أهمية وجاذبية في المستقبل بالنسبة للموظفين، وبالتالي استكشاف مستقبل هذه المساحات.
وأوضحت نتائج البحث تزايد الحاجة في المستقبل لمساحات العمل الفردية التي توفر مكانًا هادئًا للعمل، عوضًا عن المساحات المكتبية المفتوحة. وأشار الموظفون، وبخاصة من الشرائح الشابة، إلى حاجتهم لمساحة تتيح لهم إنجاز المهام الفردية، أو على الأقل لتوفير إمكانية العمل في مثل هذه المساحات في بعض الأوقات.
وثمة حاجة متنامية أيضًا إلى مساحات العمل الجماعية، والتي لا تقتصر على إجراء الاجتماعات، بل تشجع أعضاء الفرق على اللقاء والتفاعل ضمن بيئة مناسبة، فضلًا عن تزويدهم بالأدوات اللازمة للتعاون مع إمكانية الوصول إلى الوجبات الخفيفة وغيرها من العناصر المطلوبة. لذا من الضروري بالنسبة للشركات توفير مساحة عمل جماعية مريحة مجهزة بشكل مناسب، عوضًا عن الاكتفاء بإجراء بعض التعديلات على قاعات الاجتماعات القديمة، والحرص على أن تكون هذه المساحة قادرة على تلبية مختلف احتياجات فرق العمل.
وينبغي بالتالي توفير مساحات أوسع وقادرة على تلبية أذواق الموظفين واحتياجاتهم على الصعيدين الفردي والجماعي، لتضمن تزويد الموظفين بوجهة عمل أكثر جاذبية. أود معرفة رأيك يا "فيل" بهذا الصدد.
"فيل كيرشنر": أنا سعيد لأنك تطرقت إلى موضوع الموظفين الشباب، نظرًا لوجود ارتباط إحصائي بين جودة البيئة المنزلية للموظفين ومدى استعدادهم للعودة إلى المكاتب. فعادة ما يعيش هؤلاء الشباب ضمن بيئات مزدحمة ولا يملكون مساحات مخصصة للعمل، بينما يتمتع العاملون في المكتب بمساحة عمل خاصة تضمن الخصوصية والهدوء المطلوبين.
"بيل شانينجر": مثّلت المساحة المكتبية في السابق رمزًا للسيطرة الإدارية، والتي يمكن ملاحظتها من الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تركّزت فيها السلطة في البيئة المكتبية. ومن الطبيعي أن يبقى المسؤولون والمدراء في الوقت الحالي متمسكين بهذه الهيكلية، نظرًا لأنها منهجية مألوفة ومعتادة بالنسبة إليهم. وبالمقابل، على سبيل المثال، لاحظنا تراجعًا كبيرًا للغاية في معدلات زيارة المكتبات العامة بفعل تضاؤل دورها المركزي الناتج عن إمكانية الوصول إلى مختلف المعلومات بشكل رقمي.
والآن لدينا جيل جديد من الموظفين المعتادين على الوصول رقميًا وبمفردهم إلى كل شيء وفي كل مكان وأي وقت، باستثناء مشاريع العمل الجماعية. إلا أن القسم الأكبر من المهام الوظيفية ليست مهامًا فردية، بل تتطلب التعاون مع الآخرين.
وهنا نشهد اختلافات كبيرة من حيث طبيعة العمل المتغيرة والتباين الواسع بين تجارب وخبرات الموظفين القائمين من جهة والجدد من جهة أخرى. إذ لا يملك الموظفون الجُدد خبرات كافية في التعامل مع تدفقات العمل في المكتب التي تكلم عنها "فيل"، لذا فإن الفجوة القائمة واسعة للغاية.
"بريان هانكوك": أود الإشارة هنا إلى استبيان مثير للاهتمام حول الوافدين الجُدد إلى سوق العمل، والذي أشار إلى أن عددًا قليلًا جدًا من الخريجين الجامعيين يرغبون بالعمل عن بعد بدوام كامل. ورغم أن هؤلاء يفضلون الحصول على المرونة اللازمة لاختيار مكان وزمان العمل المناسب لهم، فقد أبدوا رغبتهم بالعمل من المكتب في بعض الأوقات لترسيخ ارتباطهم بالمكان الذي يعملون فيه، بالإضافة إلى التفاعل والحصول على التوجيهات من الموظفين الأقدم.
لذا فإن التركيز في بعض الحالات لا ينصب على جذب الموظفين الجُدد إلى المكاتب، بل إلى جذب الموظفين ذوي الخبرة، القادرين على تقديم الدعم والتوجيه، لترك منازلهم المريحة والعودة إلى المكتب، نظرًا لأن التوجيه والإرشاد يحملان أهمية كبيرة من حيث دعم الموظفين الجدد وضمان نمو واستمرارية المؤسسة ككل.
"فيل كيرشنر": يمثّل المسؤولون التنفيذيون في الوقت الحالي عامل الجذب الأساسي للموظفين، بعد أن كان تركيز الموظفين سابقًا ينصب على المرافق ووسائل الراحة المختلفة في المكاتب، مثل النوادي الرياضية والمقاهي وغيرها.
وأثناء حديثي إلى رئيسة قسم العقارات لدى أحد البنوك الكبرى، والذي نقل مقره الرئيسي خلال جائحة كوفيد-19 إلى مبنى جديد كليًا، أشارت هذه المسؤولة إلى أن الموظفين أصبحوا متحمسين أكثر للعمل من المكتب. ورغم أن هذا البنك يضم مجموعة متكاملة من المرافق عالية الجودة، قالت تلك المسؤولة إن الموظفين الآخرين هم السبب الرئيسي في الإقبال على العمل من المكتب.
إيجابيات العمل من المكتب وسلبياته
"لوسيا راهيلي": كيف يمكن الانتقال من التواجد سويًا إلى التعاون سويًا، خاصة وأن الكثير من الموظفين الشباب واثقون بأنهم قادرون على التعاون مع الآخرين افتراضيًا أو ضمن بيئة المكتب.
"فيل كيرشنر": عملتُ سابقًا لدى شركة ''WeWork'' في مبنى غير مألوف يضم موظفي الشركة ومديريها. وتلقيتُ سؤالًا متكررًا من المسؤولين التنفيذيين عند زيارتهم المبنى حول طبيعة الأجواء التي نعمل ضمنها.
وكانت تلك الأجواء المتميزة نتيجة مزيج دقيق يجمع عناصر التصميم والتكنولوجيا والموظفين ومدراء المجتمع وأخصائيي المشروبات وغيرهم، ويدمج مفهوم وجهات الضيافة ضمن مساحة مكتبية مفتوحة وتتميز بتصميم داخلي متقارب.
ومع ذلك، تضمن تلك المساحة لجميع الموظفين الراحة اللازمة وإمكانية العمل على مقربة من بعضهم، حيث كنا نستمتع جميعًا بالجلوس سويًا في مطعم جديد مع أشخاص لم نكن نعرفهم حتى، إلا أن الجو العام كان مُساعدًا لخوض مثل هذه التجربة.
وبالمقابل، فإن غالبية المكاتب تتميز بتصاميم جميلة، إلا أنها لا تدعم مثل هذا النوع من الترابط والتفاعل المستمر، لذا فإن أجواءها تسبب القلق، وتجعل الموظفين يشعرون وكأنهم تحت المراقبة، نظرًا لأن أي صوت أو حركة تصدر ستكسر الصمت القائم وتلفت انتباه الجميع. وأصبح هذا الواقع أصعب بعد أزمة كوفيد-19.
"لوسيا راهيلي": من الجيد التطرق إلى موضوع جلوس الموظفين بمسافات قريبة أثناء العمل.
"فيل كيرشنر": رغم صعوبات التقارب المادي في الوقت الحالي، تحمل هذه الناحية أهمية كبيرة بالنسبة لتجارب العمل المدروسة.
"لوسيا راهيلي": في ظل المسافات الصغيرة بين الموظفين التي توفرها المساحات المكتبية المفتوحة، أليس من الأفضل وجود موظفين أقل في المكتب على مدار الأسبوع؟
"فيل كيرشنر": يبلغ الحد الأقصى حاليًا للموظفين في مجالي التداول والخدمات المالية حوالي 85% من عدد الموظفين الإجمالي المتوقع. وأدى الانتشار الكبير لمساحات العمل والخدمات المرنة، سواء ضمن مساحات العمل المشتركة المصممة خصيصًا لهذا الغرض، أو في المقاهي والفنادق والصالات الرياضية وغيرها من المرافق، إلى إتاحة المجال لإنجاز مهام العمل بكل بساطة وسهولة، فكل ما يتطلبه الأمر امتلاك حاسوب محمول والتوجه إلى إحدى هذه الوجهات.
"بريان هانكوك": أكثر ما استدعى انتباهي في حديثك يا "فيل" هو مفهوم الضيافة الذي أشرتَ إليه سابقًا، والذي يمنح المكان المادي القدرة على العمل والحركة. هل يمكنك تقديم شرح أوفى حول هذا المفهوم للأشخاص الراغبين بتطبيق هذا المفهوم في مكاتبهم؟ وكيف يمكن البدء بتطبيقه؟
"فيل كيرشنر": باختصار، يجب التركيز في التجارب على النواحي العملية الخاصة بالموظفين، عوضًا عن المجالات المتعلقة بالمكاتب والمساحات المادية بحد ذاتها، فضلًا عن تحويل النظرة من أن الشركة "تمتلك" المكتب، إلى كون المكتب "بيئة مشتركة للجميع". ويمكننا أخذ اللوازم المكتبية كمثال بسيط على هذا، حيث يمكن توفير المستلزمات الخاصة بالمرافق المكتبية ومشاركتها من قبل جميع الموظفين.
ويمكن الانطلاق من هذا المستوى وتوسيعه بالتدريج. ولعل العامل المفضل لدى الموظفين في مساحات العمل المشتركة يتمثّل في وجود مدير للمجتمع يتولى تحقيق التواصل بين الموظفين ذوي الاهتمامات المشتركة، فضلًا عن حل الإشكالات التي قد تطرأ. ويمكن تجربة إقامة فعاليات مشتركة، والتي قد لا تنجح باستقطاب تفاعل كبير في البداية غالبًا، لذا من الضروري مواصلة هذا النهج وعدم التوقف عن طرح الفعاليات المختلفة. أو يمكن أيضًا القيام بأنشطة مرحة وغير متوقعة، مثل تقديم الشوكولاتة الساخنة لجميع الموظفين خلال أحد الأيام الباردة.
وبالتالي يمكن ضمان تفاعل ومشاركة الجميع عند المواظبة على إقامة مثل هذه الأنشطة والمبادرات بشكل دوري، وطرحها ضمن المكاتب المادية بدايةً ومن ثم توسيع نطاقها لتشمل حتى العاملين عن بُعد، وبالتالي توفير بيئة تجذب الموظفين للعمل منها. وأعتقد أن مثل هذه المنهجية ستقود إلى نمو كبير في اعتماد هذه الأنشطة الهادفة إلى تفعيل مشاركة الموظفين، والتي تتكامل مع الأدوات التكنولوجية المختلفة، مثل أنظمة الحجز والتطبيقات الخاصة بتجارب الموظفين، والتي تمنح شعورًا إضافيًا بالعناية والاهتمام.
"بريان هانكوك": لا شك أنه يوجد فرق كبير، على سبيل المثال، بين تقديم المأكولات الطازجة للموظفين بنهاية يوم عمل متعب، وبين تقديم بقايا وجبة الغداء التي تجعل الموظفين يفضلون تناول الطعام خارج المكتب.
المساحات الهادفة مقابل الوعود الرنانة
"بيل شانينجر": أعتقد أن المفهوم القائم على اعتبار مكان العمل العنصر الرئيسي في العمل لم يعد سائدًا، لا سيما مع التوجه نحو التوظيف بدون التركيز على المكان خلال العامين الماضيين. وهنا يبرز السؤال حول أهمية إعادة تفعيل مكانة المكاتب، وإمكانية الدمج بين الموظفين القدامى والذين تم تعيينهم خلال الجائحة. هل نعمل على تأهيلهم الآن للانضمام إلى الفريق العامل في المكاتب؟ أم نعمل على تأهيلهم إلى جانب فئات الموظفين الجُدد؟ وهل يتطلب ذلك من مدراء الإدارة الوسطى التواجد في المكاتب لتقديم التوجيه والإرشاد؟
وأود أن أسمع رأيكما بهذا الموضوع، إذ يبدو أن تكريس الثقافة التي تتمحور حول أهمية العمل ضمن المساحات الجماعية تتطلب التدخل لإظهار مدى أهمية هذه المساحات.
"فيل كيرشنر": ينبغي أن يكون هذا التدخل هادفًا. فالإجابة عن تساؤلات أصحاب الشركات حول أسباب عدم عودة الموظفين إلى مكان العمل، وسبب الصعوبات التي تواجه عودة الموظفين إلى المكاتب، وآلية تصميم المكاتب المتوافقة مع متطلبات المستقبل، تتمثل في تحديد الهدف والعودة إلى المبادئ الأساسية. إذ إن الموظفين سيدركون أن ما تقدمونه ليس مجرد وعود رنانة.
وتدرك شركات التجزئة وفروع المصارف جيدًا، على سبيل المثال، السبب الكامن وراء أداء كل من فروعها أو مكاتبها، وتقوم بتحليل دائم لمدى صحة قرارها، بالاعتماد على بيانات زيارات العملاء والتفاعل معهم.
لكن العديد من الشركات لا تُظهر اهتمامًا باحتياجات الموظفين من مساحات العمل، التي لا تقتصر بالضرورة على المكاتب، ولا أظن أن الابتكار سيكون الحافز الكافي الذي يدفع الموظفين للإقبال على العمل من المكاتب، بل ينبغي أن ندرك ما يحفز الموظفين ويشجعهم على ترك منازلهم، مثل أن نوضح لموظف مهتم بشؤون الرعاية والطب بأن العمل من المكتب يمكن أن يساهم في تسريع تحقيق النتائج السريرية.
ورغم سعي بعض الشركات لزيادة الإنتاجية ورفع مستوى التعاون وتقديم المساعدة للعملاء، إلا أن الأمر يتطلب وضع أهداف تنظيمية تعود بالفائدة على المجتمع والعالم وتعزز جهود التنوع، وتعزيز دور المكاتب أو أماكن العمل في تحقيق هذه الأهداف.
"بريان هانكوك": أود أن أسألك يا "فيل" حول مدى أهمية تصميم مكتب يشجع الموظفين على العودة إليه. أم أن العمل ذاته أكثر أهمية من مساحة العمل؟
"فيل كيرشنر": تكتسب أجواء العمل ومدى توافقها مع أهداف الموظفين ومجالات اهتمامهم التي يرغبون بالمساهمة في تحقيقها أهمية أكبر، وتمثل عاملًا مهمًا في جذب الموظفين.
كيف نعيد تصميم المساحات المكتبية؟
"لوسيا راهيلي": أود أن نتحدث عن بعض الأمثلة الملموسة حول مواصفات مكتب المستقبل يا "فيل"، ومدى أهمية مساحة العمل المادية في تسريع عملية التعلم واختلافها عن التعلم الافتراضي.
"فيل كيرشنر": أولًا، يجب أن توفر مساحة العمل والتدريب المكتبية أجواء ملهمة وصحية وتتميز بعناصر الجذب والراحة.
ثانيًا، ينبغي توجيه الجهود نحو توفير فرص التواصل بين الموظفين والتركيز على أهمية بيئة العمل الجماعية والمجتمع المحيط بمقر الشركة في تشجيع الابتكار وتقديم الأفكار الجديدة.
ثالثًا، يجب التحول من المساحات الضيقة إلى أماكن مفتوحة توفر أجواء طبيعية مفعمة بالحيوية والطاقة الإيجابية، وتعزز فرص التواصل والتفاعل بين الموظفين.
وأخيرًا، ينبغي أن يوفر المكتب مزايا مريحة ويتسم بالتجدد ويمنح الموظفين نوعًا من الاستقلالية.
"لوسيا راهيلي": يمكن للمكاتب أن تسهم في تعزيز التواصل الاجتماعي والعاطفي، إلا أن هذا قد يكون مكلفًا بالنسبة للشركات. كيف يمكن الترويج لهذه الفكرة وجدواها الاقتصادية من الناحية الواقعية؟
"فيل كيرشنر": يتطلب توفير مساحة العمل الخاصة بكل موظف مبلغًا يتراوح بين 10-15 ألف دولار أمريكي سنويًا. لذا فإن فكرة إنفاق مزيد من المال لتعزيز خبرات الموظفين وتوفير أنشطة ترفيهية تعزز التواصل بينهم سيرفع من معدل النفقات بشكل كبير. وإذا تم تقليل عبء المحفظة العقارية، أعتقد أن المدراء التنفيذيين سيعملون على تقديم تجربةٍ شاملة أفضل باستخدام بعض هذه الوفورات.
وهنا تبرز أهمية وجود إدارة تنفيذية تتمتع بالقدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بميزانية التدريب وتطوير مساحات العمل.
"بيل شانينجر": أتساءل ما إذا كان عصر افتتاح مساحات العمل في الأحياء المرموقة قد انتهى، إذ أن الجيل الشاب لا يهتم بهذه الأمور. ما رأيك في ذلك؟
"بريان هانكوك": أعتقد أن مفهوم الوجهة المرموقة قد تغيّر. فرغم ما تتميز به وجهات العمل التقليدية من موقع هام في قلب المدن وأبنية فاخرة وبيئة محيطة جميلة، تبرز وجهات جديدة تمكنت من تحقيق قفزات واسعة وتطور سريع.
وتتميز هذه الوجهات بمواقع قريبة من أماكن السكن، ما يجعلها الخيار الأنسب للموظفين والبديل المثالي لوجهات العمل التقليدية.
كيف يمكننا الاستفادة فعليًا من العودة إلى المكاتب
"بيل شانينجر": عادت فكرة العمل من المكاتب لتشكل جزءًا من الواقع الجديد، وأحاول فهم كيف يمكننا أن نعيد العمل من المكاتب ليكون الوضع الطبيعي دون قرار إداري، وأن نجذب الموظفين عن طريق تزويدهم بمساحات للتواصل والتحدث مع بعضهم بشكل شخصي أو لقضاء بعض الوقت معًا بعد انتهاء العمل. وتتمحور الفكرة في تحفيز الموظفين على العودة إلى المكاتب ليعتادوا على ذلك مجددًا.
"فيل كيرشنر": أتفق معك تمامًا، وبرأيي يتمثل العامل الرئيسي في إتاحة الخيار. وتبرز آلاف الأسباب التي تدفعنا إما إلى المضي قدمًا أو التراجع، بدءًا من حالة الطقس ووسائل النقل وحتى نوعية الموظفين الذين سيعودون إلى مكاتبهم، ما يجعل الأمر صعبًا والأسهل أن نبقى على وضعنا الحالي.
ولا بد في سبيل تطبيق البنية الهندسية الأفضل تسهيل عملية اتخاذ القرارات السليمة. ويتوجب بدايةً تحديد أهم الجوانب على المستوى التنظيمي ومستوى الأقسام وصولًا إلى بعض الموظفين الذين ربما يحتاجون إلى التدريب أو إلى دعم زملائهم لتخطي ظروف صعبة.
ويتعين تحديد أهم الجوانب، ويستحسن أن نقوم بذلك عن طريق قياس النتائج، مثل توفير البيانات للموظفين والفرق والقادة لاتخاذ القرار حول الخطوات المفيدة أو المضرة بمعدلات المبيعات إلى جانب التفاعل والتدريب والابتكار في الاجتماعات الاستراتيجية. ويمكن بعدها استخدام التقنيات المتاحة لاقتراح أنسب الخطوات، والتي يمكن أن تكون إلغاء الاجتماعات بسبب عدم جدواها.
ويجب بعدها الحرص على التجريب والتعلم، لأن ذلك يتيح للجميع أن يعتادوا على العمل من المكاتب مجددًا والتواصل مع الآخرين سواء في المكتب أو خارجه. كما يسهم ذلك أيضًا في إعادة استخدام المساحات المكتبية لإنجاز خطوات مفيدة للشركة ولنجاحنا الشخصي ورفاهيتنا في آنٍ معًا. وأتفق معكِ على أن الخيار المُرجح سيكون العمل من يوم إلى ثلاثة أيام في المكتب.
"لوسيا راهيلي": "فيل"، تطرقت إلى موضوع التجريب والتعلم، فهل يوجد ما يعادل هذا الأسلوب ويتيح للقادة الراغبين في بدء مشوار التحول ولكنهم غير قادرين على توفير الاستثمار الكافي للقيام بتغييرات كبرى اختبار بيئات عمل تجريبية؟
"فيل كيرشنر": تتوفر أداتان بسيطتان لا تأخذهما معظم الشركات والموظفين بعين الاعتبار، أولهما مساحات العمل عند الطلب، وهي مساحات مخدَّمة وتعاونية ومرنة، التي تشهد نموًا كبيرًا من حيث الأهمية والطلب في المدن الأكبر.
وتمثل طريقة سهلة للحد من النفقات واختبار تصاميم جديدة، ويمكن للشركات والقادة أن يخبروا الموظفين بأن "هذه المساحة هي مجرد اختبار، ولن تكون بالشكل الذي نرغبه، ولن تحمل التصميم النهائي لأفكارنا. ولكن يمكننا محاولة الجمع بين مجموعتين مختلفتين أو ترتيب الأثاث بطريقة مختلفة، من خلال وسيلة لا تتضمن استئجار مساحة قد تصبح مشكلة تمتد عشر سنوات".
أما الأداة الثانية فهي استئجار الأثاث، وهو ما لم يكن متاحًا سابقًا، ولكنه يزداد انتشارًا اليوم. إذ يمكن أن يتيح ذلك لقادة الشركات تجربة تصاميم مختلفة بدون التزامات مادية كبيرة قد تؤثر سلبًا على الشركة، حيث يمكنهم التواصل مع مدراء المرافق والتأكيد على رغبتهم في التجربة والاستفادة من أخطائهم، حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة. وأرى بأن هذا المستوى من المصداقية سيجعل الشركة أكثر جاذبية.
"لوسيا راهيلي": شكرًا لكم جميعًا، استمتعنا للغاية بهذه الجلسة الحوارية معكم.
"فيل كيرشنر": شكرًا لكم.