ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إذا كنت تعتقد أنك على درايةٍ تامة بسلوك المستهلك، فينبغي عليك التفكير في هذا الأمر مرةً أخرى. إذ قد يفاجئك المستهلكون من أصحاب الدخول المتوسطة بعدم ترددهم في الإنفاق بسخاءٍ رغم ما يشعرون به من ضغوطاتٍ وقلقٍ إزاء ارتفاع معدلات التضخم. ولعل هذا الأمر لا يُقتصر على فئاتٍ عمريةٍ محددة، بل تُظهر الدراسات أن المستهلكين المتقدمين في العمر يُقبلون هم الآخرون على الإنفاق بسخاءٍ، بدلاً من التزامهم بميزانياتٍ محدودة خلال فترة تقاعدهم. كما أظهرت الدراسات أيضًا أن الولاء طويل الأمد للعلامات التجارية، والذي طالما اشتهرت به فئة المتسوقين الأكبر سنًا، أصبح شيئًا من الماضي. أما فيما يخص المستهلكين من الشباب في آسيا والشرق الأوسط، فهم الأكثر عرضةً للتنقل بين العلامات التجارية ذات الأسعار المرتفعة، مقارنةً بأقرانهم في الأسواق الغربية.
فيما يلي نستعرض بعض التحولات التي تجتاح المشهد الاستهلاكي العالمي الحالي. والتي تتمحور حول استمرار تحدي المستهلكين للتوقعات، والتصرف إزاء المشهد بشكلٍ غير تقليدي، مما يضع منتجي السلع الاستهلاكية وتجار التجزئة في حالةٍ من الترقب الدائم. وفي هذا السياق، فإن الشركات التي تطوّر فهماً دقيقاً ومحدّثاً عن توجهات ورغبات المستهلكين في الوقت الحاضر والمستقبل، وأين وكيف يتسوقون؟، هي فقط الشركات المؤهلة لتحقيق النجاح.
في هذا المقال، نستند إلى نتائج الأبحاث المستمدة من بيانات محرك ماكنزي البحثي لتحليل الرؤى الاستهلاكية (ConsumerWise)، كمحاولة لاستكشاف تسع اتجاهاتٍ جديدة، تُشكل في مُجملها القطاع الاستهلاكي العالمي، بالإضافة إلى أربع أولوياتٍ على الشركات الاستهلاكية التعامل معها، لتساعدها على الانتقال من مرحلة "الحاضر" إلى مرحلة "المستقبل".
تسع اتجاهاتٍ تشكل السوق الاستهلاكي العالمي:
وحتى نتمكن من توقع اتجاهات المشهد الاستهلاكي العالمي، قمنا بإجراء استطلاعٍ لرأي أكثر من 15,000 مستهلك في 18 سوقٍ حول العالم، تشكل في مجملها 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقد كشفت النتائج عن تغيراتٍ كبيرةٍ في سلوكيات المستهلكين من مختلف الفئات العمرية والمناطق الجغرافية، وتفضيلاتهم الشرائية، بشكلٍ يخالف التوقعات وما كان عليه الحال في السابق.



من هو المستهلك المستقبليّ؟
لم يعد المستهلكون اليوم يتقيدون بالأنماط السلوكية التقليدية كما كان عليه الأمر في السابق. فقد أظهرت الدراسات أن بعض الفئات من المستهلكين ممن يُرجح أن يكون لهم تأثيرٌ كبيرٌ في المستقبل، لا تتم تلبية احتياجاتهم الحالية بشكلٍ كافٍ. مما يجعل هناك حاجةً ماسّة لدى الشركات لفهم التغيرات المستجدّة التي طرأت على سلوك المستهلكين، حتى تتمكن من تلبية هذه الاحتياجات المتطورة.
1. الشباب في الأسواق الناشئة. تشير البيانات إلى أن معظم المستهلكين في الأسواق الناشئة تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 34 سنة، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 75 في المائة من إجمالي السكان في تلك الأسواق بحلول عام 2030. كما تشير الدراسات أيضًا إلى أن هذه الفئة النشطة من المستهلكين، تبدي تفاؤلًا بشأن الوضع الاقتصادي في المستقبل، مما يجعلهم على استعدادٍ لزيادة إنفاقهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة قيام الشركات بالاعتناء بشكلٍ خاص بالمستهلكين الشباب في الشريحة العمرية من 18 إلى 24 عامًا، خاصةً في الدول الآسيوية ومنطقة الشرق الأوسط، مثل الهند والسعودية، فهم يمثلون فرصةً حقيقيةً للنمو وزيادة الأرباح بالنسبة للشركات، وذلك نظرًا لاستعدادهم الكبير للإنفاق، ورغبتهم القوية في شراء المنتجات الفاخرة، والترقية إلى العلامات التجارية ذات الأسعار الباهظة، وهو ما يزيد بمرتين مقارنةً بنفس الفئة العمرية في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة. ولعل هذا الأمر يعكس تفاؤل هذه الفئة من الشباب بتحسن الأوضاع الاقتصادية في بلادهم، والذي يفوق نظرائهم من الدول الأخرى بثلاث مرات (الشكل رقم 1). إن هذه الدرجة العالية من التفاؤل لدى هؤلاء الشباب، من الممكن استغلالها للوصول إلى مستوياتٍ أعلى من الاستهلاك في المستقبل، بما يعزز دور هذه الفئة كمحركٍ للنمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة. وعلى العكس من ذلك، يُظهر الشباب في أمريكا اللاتينية استعدادًا أقل للقيام بالترقية إلى العلامات التجارية الأعلى سعرًا، مقارنةً بنظرائهم في الدول الآسيوية والشرق الأوسط. وهو ما يعكس الأهمية القصوى لفهم تأثير الاختلافات الإقليمية بين الدول على معدلات الاستهلاك، الأمر الذي يُمكّن الشركات من توجيه استراتيجيات التسويق، والتواصل مع كل سوق بالشكل الذي يناسبه، لتحقيق النمو وزيادة الانتشار في كافة الأسواق الحيوية.
2. المتقاعدون المستعدون للإنفاق. يعد انخفاض معدلات الولادة وزيادة متوسط الأعمار، خاصةً في الاقتصادات المتقدمة، من العوامل الرئيسية المؤدية لزيادة نسبة كبار السن ممن تتجاوز أعمارهم 65 عامًا، بمعدلٍ أسرع من الفئات الأصغر سنًا1 ، مما يعني أن التركيبة السكانية للمجتمعات تتحول بشكلٍ كبير نحو الفئات الأكبر سنًا. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك بعض المفاهيم الخاطئة والشائعة حول السلوكيات الاستهلاكية لهذه الفئات. إن هذا التغير الديموغرافي الهام والذي يؤثر على الأسواق بشكلٍ ملحوظ، يُحتم علينا تصحيح الفهم حول هذه الفئة من المستهلكين، ليس لكونهم يمثلون شريحةً متناميةً فقط، بل أيضًا لاستعدادهم التام للإنفاق، مما يوفر فرصًا جديدةً للشركات التي يمكنها تلبية احتياجاتهم.
بالرغم من التحديات المالية والقيود التي يفرضها التقاعد على دخول كبار السن، إلا أنهم يُبدون استعدادًا تامًا للإنفاق على أمورٍ بعينها قد تكون غير ضروريةٍ أو ترفيهية، كالسفر مثلًا. كما تميل اختياراتهم نحو رحلات السفر الفاخرة بمعدلٍ أعلى من غيرهم، كالأجيال الشابة مثل جيل الألفية وهم مواليد أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وحتى منتصف التسعينيات، الذين طالما عُرفوا تاريخيًا بإنفاقهم الكبير على رحلات السفر. أما بالنسبة للمستهلكين من جيل مواليد الحرب، وهم مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، وجيل الصمت وهم مواليد أواخر عشرينيات القرن الماضي، وحتى منتصف الأربعينيات من ذوي الدخول المرتفعة (أي تلك الأسر التي يتجاوز دخلها المنزلي 100,000 دولار)، فهم يشكلون مجموعةً كبرى تصل إلى30 في المائة من سوق الولايات المتحدة. ويرجح أن تقوم هذه الفئة بالإنفاق بشكلٍ أكبر على تحسين المنازل والحدائق، مقارنةً بأقرانهم من ذوي الدخل الأقل، وهو ما يدل على قدرتهم واستعدادهم على الإنفاق لتحسين جودة حياتهم وبيئتهم المعيشية.
أما فيما يتعلق بالأسواق الناشئة، فلم يعد المستهلكون الشباب هم فقط المستعدون للإنفاق، بل يشترك معهم آباؤهم أيضًا في ذلك. وتُظهر الدراسات أن المستهلكين الأغنياء من كبار السن في الأسواق الناشئة هم الأكثر تفاؤلاً، كما تتوقع الدراسات أيضًا قيامهم إنفاق المزيد على الأمور الكمالية، وإقبالهم على التخطيط للاستمتاع أكثر من نظرائهم في الأسواق المتقدمة. على سبيل المثال، أفصح 42 في المائة من المستهلكين الأثرياء من كبار السن في الأسواق الناشئة2 عن نيتهم في زيادة الإنفاق على الترفيه، مقارنةً بـ 7 في المائة فقط من نفس الفئة في أوروبا3 و11 في المائة في الولايات المتحدة. كما أبدوا استعدادًا مماثلًا للإنفاق في مجالاتٍ أخرى، مثل تحسين المنزل ورحلات الطيران، فضلًا عن الإقامات بالفنادق. لذلك يجب أن تلتفت الشركات التي تركز استراتيجياتها التسويقية على فئة المستهلكين الشباب بشكلٍ حصري، إلى أنهم ربما يفوتون على أنفسهم فرصًا كبيرةً بتجاهل هذه الفئة من المستهلكين.
3. الطبقة الوسطى المضغوطة والمُسرفة في نفس الوقت. إن الزيادات المطّردة في تكاليف المعيشة، والتي أصبحنا نشهدها اليوم، لا تزال تُلقي بظلالها السلبية على المستهلكين من ذوي الدخل المتوسط. وهو ما يؤدي إلى شعور هؤلاء المستهلكين بضغطٍ ماليٍ أكبر جراء ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية. وبالرغم من التوقعات التقليدية التي من الممكن أن تشير إلى تقليل إنفاق المستهلكين ذوي الدخل المتوسط على الأمور غير الضرورية، إلا أن تحليلاتنا جاءت لتكشف عكس ذلك، فقد صرّح المستهلكون من ذوي الدخل المتوسط في أوروبا والولايات المتحدة عن رغبتهم في الإنفاق بشكلٍ كبير على العناصر غير الضرورية والكمالية، بمعدلٍ يقارب ما ينفقه المستهلكون من ذوي الدخل المرتفع. ويدلل هذا السلوك على الرغبة القوية لدى المستهلكين من الطبقة الوسطى للاستمتاع بحياتهم، وتحقيق نوعٍ من التوازن بين الضغوط الاقتصادية ورفاهة العيش. لذا فإن الشركات التي تضع فئة المستهلكين من ذوي الدخل المتوسط هدفًا لها، قد تجد فرصةً مربحة في تقديم منتجاتٍ وخدماتٍ كمالية تلبي احتياجاتهم، بالرغم من كافة الضغوط التي يواجهونها.
وبالحديث عن نية المستهلكين في الإنفاق، تجدر الإشارة إلى تعدد أوجه الإنفاق المرتفع لدى العديد من الفئات، لتشمل السفر وتناول الطعام في المطاعم، وشراء البقالة كأحد الاحتياجات الأساسية، إلى جانب شراء بعض السلع الاختيارية. وعلى عكس المتوقع، فقد أظهرت الدراسات أن المستهلكين ذوي الدخل المتوسط يميلون إلى تأجيل الشراء بشكلٍ طفيفٍ فقط، مقارنةً بنظرائهم من ذوي الدخل الأعلى. كما أثبتت الدراسات أيضًا، أن هذه الفئة من المستهلكين لا تتجه كثيرًا إلى تغيير سلوكها الشرائي بالتحول إلى منتجاتٍ أقل سعرًا، مقارنةً بأصحاب الدخل الأعلى.
ما هي الرغبات المتوقعة للمستهلكين؟
إن تفضيلات المستهلكين ورغباتهم لا تلبث أن تتغير بمرور الوقت. ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل، أول هذه العوامل هو انخفاض ولاء المستهلكين للعلامات التجارية، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لتجربة منتجاتٍ جديدة من علاماتٍ تجارية مختلفة، بدلاً من التمسك بعلامةٍ واحدة. بالإضافة إلى ميلهم لشراء المنتجات الأرخص على حساب المنتجات صديقة البيئة والتي تحقق شروط الاستدامة البيئية. وأخيرًا، ما رصدته التحليلات من الاهتمام المتزايد من جانب فئات المستهلكين المختلفة بمنتجات وخدمات الصحة والعافية.
4. استكشاف العلامة التجارية. خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد، والتي صاحبت جائحة كوفيد-19، واجه المستهلكون صعوبةً في الحصول على المنتجات التي يحتاجونها من العلامات التجارية المفضلة لديهم. لذا، فقد لجأ قرابة نصف المستهلكين إلى منتجاتٍ وعلاماتٍ تجاريةٍ بديلة. لم يكن هذا التغير في سلوك المستهلكين مؤقتاً؛ بل استمر حتى بعد انتهاء فترة الاضطرابات. حيث بات المستهلكون الآن أكثر استعداداً لاستكشاف وتجربة العلامات التجارية المختلفة، بدلاً من التمسك والولاء لعلامةٍ تجاريةٍ واحدة. لذلك يمكننا القول بأن المستهلكين من جميع الأعمار ومختلف المناطق الجغرافية باتوا أقل التزاماً بعلامةٍ تجاريةٍ معينة، وأكثر انفتاحاً على التجربة والتغيير.
لقد قام ما يزيد عن ثلث المستهلكين في الأسواق المتقدمة بتجربة علاماتٍ تجاريةٍ جديدة ومختلفة عن تلك التي اعتادوا شرائها. بينما أقدم حوالي 40 في المائة من المستهلكين على التنقل بين التجار المختلفين، إما بحثاً عن أفضل الأسعار، أو للاستفادة من الخصومات والعروض المتاحة (الشكل رقم 2). ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع معدلات التضخم وحالة عدم اليقين الاقتصادي، هما أهم العوامل الرئيسية التي دفعت بالمستهلكين إلى تغيير سلوكهم الشرائي.
كما أكدنا سابقًا، لم تعد ظاهرة ضعف الولاء تجاه العلامات التجارية تخص فئةً عمريةً بعينها، وإنما أصبحت ظاهرةً عامة تشمل جميع الفئات العمرية، بما في ذلك كبار السن الذين عُرف عنهم في السابق إخلاصهم للعلامات التجارية المفضلة لديهم. واليوم، أصبحوا ينافسون فئة الشباب في استعدادهم لتجربة علاماتٍ تجاريةٍ وتجارٍ جدد. على الرغم من أن الاستعداد الذي يبديه الشباب للتنقل بين العلامات التجارية مازال هو الأكبر، إلا أن هذا الفارق بين استعداد الأجيال الشابة وكبار السن ليس كبيرًا. حتى أن الأجيال الشابة في أوروبا والولايات المتحدة، مثل جيل Z وهم مواليد أواخر التسعينيات وحتى أوائل الألفية وجيل الألفية، أصبحت تسجل ارتفاعًا طفيفًا عن كبار السن، في ميلهم لتبديل العلامات التجارية والتنقل بين التجار بحثاً عن أسعارٍ أقل.
ولعل في زيادة الإقبال على شراء المنتجات ذات الأسعار الأقل فرصةً للعلامات التجارية الخاصة وهي المنتجات التي تملُكها وتديرها متاجر التجزئة بدلًا من الشركات المصنعة التقليدية، وتباع هذه المنتجات في متاجر التجزئة التي تملكها، وعادةً ما تكون أسعارها أقل مقارنةً بالعلامات التجارية المشهورة، مع حفاظها على مستوى جيد من الجودة. إذ يُقبِل 36 في المائة من المستهلكين على شراء هذه المنتجات بشكلٍ متزايد. بينما يعتقد 60 في المائة من المستهلكين أن هذه المنتجات توفر نفس المستوى من الجودة، والتي تمنحها المنتجات ذات العلامات التجارية المعروفة، أو حتى قد تكون أفضل منها. وهو ما يعكس زيادة ثقة المستهلكين في جودتها، مما يشجعهم على تكرار شرائها.
5. الاستدامة: القيمة الأخلاقية مقابل القيم الاقتصادية. لقد أظهرت بيانات استطلاعات الرأي في السنوات الأخيرة، إعطاء الشباب الأولوية للاعتبارات المتعلقة بالاستدامة عند إقدامهم على عملية الشراء. مما يعني أن الاعتبارات البيئية والاجتماعية أصبحت ذات أهميةٍ كبيرةٍ بالنسبة لهم عند اختيارهم للمنتجات. ولم يكن تركيز الشباب على الاستدامة مجرد حديثٍ يثار، بل انعكس ذلك على سلوكهم الشرائي. ففي الولايات المتحدة، تجاوزت مبيعات المنتجات التي تحقق اعتبارات الاستدامة نسب مبيعات المنتجات التي لا تلبي تلك الاعتبارات.
وبالرغم من اهتمام المستهلكين الشباب بعنصر الاستدامة، إلا أنه وبسبب عوامل التضخم وعدم اليقين الاقتصادي، بدأ البعض منهم في تقديم بعض التنازلات عن القيم الأخلاقية لصالح القيم الاقتصادية مثل السعر. ولهذا، فقد رأينا مع بداية عام 2024 انخفاض أعداد الشباب من جيليّ Z والألفية في أوروبا والولايات المتحدة، ممن يعتبرون الاستدامة عاملاً مهماً عند إقدامهم على عمليات الشراء، وذلك مقارنةً بعام 2023، مما يعكس تأثير الظروف الاقتصادية على سلوك المستهلكين (الشكل رقم 3).
فلم يعد المستهلكون الشباب يعتبرون الاستدامة أولويةً قصوى لهم كما كانوا في السابق. فقد أظهر الشباب استعداداً أقل لدفع رسومٍ إضافية للحصول على منتجاتٍ مستدامة صديقةٍ للبيئة. ففي أوروبا والولايات المتحدة على سبيل المثال، تراجعت نسبة المستهلكين من الشباب الراغبين بدفع رسومٍ إضافية نظير الحصول على منتجاتٍ مستدامة، بنسبةٍ تصل إلى أربع نقاطٍ مئوية في فئاتٍ مختلفةٍ من المنتجات. ومن بين هؤلاء المستهلكين، وجدنا نسبةً ضئيلةً فقط هي التي ما زالت ترغب في دفع رسومٍ إضافية للحصول على منتجاتٍ معينة، مثل منتجات العناية الشخصية والملابس التي تحقق شروط الاستدامة.
6. الازدهار العالمي لسوق الصحة والعافية، يقدر السوق العالمي للعافية بأكثر من 1.8 تريليون دولار. مُسجلًا معدل نموٍ يتراوح بين 5 إلى 10 في المائة سنويًا4 ، لقد كانت معدلات الطلب على منتجات وخدمات الصحة والعافية تتسم بالزيادة المستمرة في الأسواق المتقدمة. واليوم أصبحنا نلحظ زيادةً في الطلب على هذه المنتجات في الأسواق الناشئة أيضًا، وبوتيرةٍ سريعة، قد تتجاوز في بعض الحالات معدلات النمو في الأسواق المتقدمة مما يعكس التحول العالمي نحو الاهتمام بالصحة والعافية.
فقد أوضحت النتائج تضاعف نسبة المستهلكين في الأسواق الناشئة مثل الصين والهند والشرق الأوسط، ممن يعتزمون زيادة إنفاقهم على منتجات وخدمات العافية بثلاث مراتٍ، مقارنةً بمستهلكي الأسواق المتقدمة، مثل كندا والولايات المتحدة (الشكل رقم 4).
ولعل النمو في قطاع الصحة والعافية ليس مدفوعاً فقط بالأجيال الشابة مثل جيل Z وجيل الألفية، بل أيضاً نجده بين أبناء الأجيال الأكبر سناً، مثل جيل X وهم مواليد الفترة من منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات، وجيل مواليد الحرب. وتجدر الإشارة إلى أن هناك تبايناتٍ واضحة تتعلق بالرغبة في الإنفاق على منتجات اللياقة البدنية بين مختلف المناطق الجغرافية. ففي الصين مثلًا، يعتزم 63 في المائة من جيل مواليد الحرب زيادة إنفاقهم على اللياقة البدنية في المستقبل القريب. وهو ما يعكس اهتماماً كبيراً بمنتجات الصحة والعافية بين كبار السن في الصين. بينما في المقابل، ينتوي 4 في المائة فقط من نفس الفئة العمرية في الهند، زيادة إنفاقهم على اللياقة البدنية. وهو ما يشير إلى التفاوت الكبير في رغبة المستهلكين للإنفاق على الصحة والعافية ما بين الصين والهند.
من المؤكد أن منتجات وخدمات إنقاص الوزن أصبحت تشكل محركاً رئيسياً لنمو قطاع العافية في المستقبل. فمع زيادة الوعي بالصحة واللياقة البدنية، أصبح من المتوقع زيادة الطلب على هذه المنتجات، مما يسهم في تحفيز نمو هذا القطاع على مدار السنوات القادمة.
وبحلول عام 2035، نتوقع أن يكون أكثر من نصف سكان العالم مصابين بالسمنة والبدانة. ولكن في الوقت نفسه، نتوقع زيادةً في أدوية إنقاص الوزن، نظرًا لظهور المزيد من الخطط الصحية التي تسمح بتغطية تكاليفها، مما يجعلها أكثر وصولًا للناس. بالإضافة لإقبال الأطباء على وصف مثل تلك الأدوية، بالإضافة إلى وجودها في صورة أقراص، والذي عادةً ما يشجع على استخدامها في العديد من استراتيجيات إنقاص الوزن، نظرًا لسهولة تناولها مقارنةً بالأساليب الأخرى لإدارة الوزن (مثل الحمية الغذائية أو التمارين الرياضية). غير أن هذا الأمر يعتمد في شقٍ منه على العادات الثقافية والمعتقدات المختلفة في المجتمع. فعلى سبيل المثال، وجدنا أن أقل من 30 في المائة فقط من المستهلكين في الصين وبريطانيا، هم فقط من يعتبرون أن أدوية فقدان الوزن فعالةٌ للغاية5، مما يعني أن هناك بعض الشكوك تجاه فعالية هذه الأدوية لدى بعض المستهلكين في هذه الدول.
7. صحة المرأة. تشهد الاستثمارات المالية في مجال صحة وعافية المرأة نموًا ملحوظًا. فقد أصبح المستهلكون في كلٍ من الأسواق المتقدمة والناشئة على حدٍ سواء، يُظهرون اهتمامًا متزايدًا بإنفاق أموالهم على المنتجات والخدمات المعنية بتحسين صحة ورفاهية المرأة، إلى جانب منتجات العناية الشخصية الأخرى والتي لها صلةٌ بصحة النساء، مثل مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة والشعر. وتشير التقديرات إلى أن سد الفجوة في تقديم الرعاية الصحية للنساء، يمكن أن يحقق فوائدًا اقتصاديةً ضخمة، قد تصل إلى تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2040.6
كما تشير النتائج أيضًا، إلى أن النساء في الأسواق الناشئة يبدين اهتمامًا أكبر بالإنفاق على منتجات الجمال والعناية الشخصية واللياقة البدنية، بنسبةٍ بلغت 48 في المائة، مقارنةً بالنساء في الأسواق المتقدمة، والتي تبلغ نسبتهنّ 27 في المائة فقط. وتُظهر الشابات من النساء اهتمامًا خاصًا فيما يتعلق بالصحة العامة. وهو ما جاء مطابقًا لنتائج الأبحاث، فقد أشارت مجموعةٌ من النساء من جيل Z في كلٍ من الأسواق الناشئة والمتقدمة إلى اعتزامهنّ إنفاق المزيد على السلع والخدمات الخاصة بالعناية الشخصية، وذلك بالمقارنة بالأجيال الأكبر سناً، مثل جيل X، وجيل مواليد الحرب. ومن المؤكد أن الابتكارات المستمرة في مجال صحة النساء، سواء كان ذلك في الأبحاث الطبية أو المنتجات الجديدة، ستسهم بشكلٍ كبير في دفع هذا القطاع نحو التقدم، مما سيترتب عليه زيادةً في الإنفاق على منتجات وخدمات العناية الشخصية وصحة النساء بشكلٍ عام.






أين سيتسوق المستهلكون؟
على الرغم من الأهمية القصوى لفهم رغبات واحتياجات المستهلكين، إلا أن هذه المعرفة قد تكون بلا قيمة إذا لم تتمكن الشركات من الوصول للمستهلكين أينما كانوا. لذلك على الشركات دراسة الأنماط المتغيرة للهجرة السكانية العالمية، سواء كانت من أو إلى المدن الكبرى. وفي الوقت نفسه، على الشركات ألا تغفل أهمية إتقان نهج التجارة الاجتماعية، والتي تعتمد على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصةٍ للبيع والشراء. لذا فإن النجاح في السوق الحالي يتطلب من الشركات وضع استراتيجيةٍ شاملة، تأخذ بعين الاعتبار التحركات السكانية وأنماط الهجرة، والقدرة على الوصول إلى المستهلكين أينما كانوا، سواءً في العالم الفعلي أو الرقمي.
8. المراكز الحضرية الجديدة ذات النمو السريع. يفضل الأشخاص في الأسواق المتقدمة والناشئة على حدٍ سواء، الانتقال للبحث عن فرص عملٍ جديدةٍ لتأمين ظروفٍ معيشيةٍ أفضل. وهو ما نشهده في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة، من تحرُكٍ لافتٍ للمستهلكين بعيدًا عن المدن الكبرى المتواجدة في شمال غرب المحيط الهادئ والشمال الشرقي، والاتجاه عوضًا عن ذلك نحو "المدن الثانوية"، أي التي يتراوح عدد سكانها بين 50,000 إلى 500,000 شخص. إذ يقع ثلثا المدن الأسرع نموًا في الولايات المتحدة في جنوب وغرب البلاد. ويرجع السبب في ذلك، إلى انخفاض تكاليف المعيشة في تلك المدن عن غيرها من المدن الكبرى، بالإضافة إلى زيادة فرص العمل عن بُعد في تلك المدن. ولعل أكبر الداعمين لهذا التوجه هم جيل الألفية وجيل X، فضلًا عن جيل مواليد الحرب.
ولا يعني هذا الانتقال بالضرورة أنهم سيخفضون من إنفاقهم على المنتجات والخدمات. فبالرغم من انتقالهم إلى مدنٍ أصغر، إلا أن نمط الإنفاق لدى هؤلاء المستهلكين لا يتغير كثيرًا. بل إن نسبةً من المستهلكين في المدن الصغيرة يخططون لحجمٍ من الإنفاق يعادل ما ينفقه المستهلكون في المدن الكبرى. وفي الوقت نفسه، يقول عددٌ أكبر من المستهلكين في المدن الثانوية، إنهم يخططون للإنفاق على المنتجات والخدمات بشكلٍ يتجاوز احتياجاتهم الأساسية، بنسبةٍ تفوق سكان المناطق الريفية من الأمريكيين ب 1.3 مرة.
ومن المتوقع أيضًا أن تشهد الأسواق الناشئة (مثل الهند والصين وأفريقيا) زيادةً سكانية في المناطق الحضرية في كلٍ من المدن الكبرى والمدن الثانوية. ولعل السبب الرئيسي لهذا النمو السكاني، هو البحث عن فرصٍ اقتصاديةٍ وظروفٍ معيشيةٍ أفضل، توفر الرفاهية والخدمات المطلوبة. فعلى سبيل المثال، وبحلول عام 2035، ستبلغ نسبة السكان الهنود في المناطق الحضرية 43 في المائة، مقارنةً بـ 35 في المائة في عام 2018. أما في الصين، فمن المتوقع أن تشهد المدن من الفئة الأولى مثل" المدن الكبرى"، والفئة الثانية وهي "مدنٌ أصغر قليلاً، ولكنها لا تزال كبيرة"، والفئات الثالثة والرابعة وهي "مدنٌ أصغر بكثير" زيادةً في نسبة الأسر من الطبقة المتوسطة، بحلول عام 2030. أما بالنسبة لإفريقيا، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان المناطق الحضرية فيها إلى 537 مليون شخص بحلول عام 2040. مما يجعل إفريقيا أكبر قارات العالم من حيث عدد السكان الحضريين، وهو ما يعد مؤشرًا للتحول الكبير الذي ستشهده التركيبة السكانية نحو العيش في المدن.
9.ازدهار ونمو التجارة الاجتماعية. منذ سنواتٍ قليلةٍ مضت، بدأت الصين في قيادة العالم نحو الاعتماد على التجارة الاجتماعية، إذ أصبح من الشائع لدى المستهلكين تصفح وشراء المنتجات مباشرةً عبر تطبيقات الإنترنت التي تدمج التجارة مع المحتوى الاجتماعي. واليوم، ومع استمرار أسواق التجارة الاجتماعية في الصين والهند في الازدهار والتطور، بدأ العديد من الأسواق في الدول الناشئة الأخرى، مثل البرازيل والسعودية والإمارات بالسير على نفس النهج. (الشكل رقم 5). بحيث ينفق المستهلكون في هذه الأسواق الناشئة مبالغ طائلة وبشكلٍ منتظم، على المشتريات التي تتم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك مقارنةً بما ينفقه المستهلكون في الأسواق المتقدمة مثل أوروبا والولايات المتحدة.
غير أن الجهود المبذولة لتطوير سوق التجارة الاجتماعية في الغرب (مثل أوروبا والولايات المتحدة) لم تحقق النجاح المتوقع، كما أنها لم تكن فعالةً بشكلٍ كبير، إذا ما قارنّاها ببعض الأسواق الأخرى مثل الصين. وقد يُعزى السبب في ذلك إلى إقدام بعض الشركات على الدخول المبكر في هذا السوق، من دون أن تكون مستعدةً بعد لاستغلال الفرصة بالشكل الأمثل. وتشير التوقعات إلى أن حجم سوق التجارة الاجتماعية في الولايات المتحدة سينمو بأكثر من الضعف خلال السنوات القليلة القادمة، حيث من المتوقع أن يقفز من 67 مليار دولار في الوقت الحالي، ليصل إلى 145 مليار دولار في عام 2027. 7ويعد أبناء جيل Z وجيل الألفية، هم المحرك الرئيسي لهذا النمو المتسارع في قطاع التجارة الاجتماعية. فالمستهلكون من هذين الجيلين يقبلون على الشراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمعدلٍ يفوق الأجيال الأكبر سنًا بأربع مرات. وهو ما أكدته الاستطلاعات التي أظهرت أن أكثر من ثلث الأفراد المشاركين في الاستطلاع من جيلي Z والألفية، قد قاموا بعملية شراءٍ واحدةٍ على الأقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلال فترة الثلاثة أشهر الماضية. الأمر الذي يعكس اعتمادهم الكبير على هذه المنصات في التسوق.
أربع أولوياتٍ للفوز بالمستهلك المستقبلي
في ضوء هذه التوجهات المستقبلية التسعة، يطرح السؤال نفسه. ما الذي يجب على الشركات القيام به؟ والإجابة هي أن الشركات التي ستتبنى الأربع أولويات التالية ستكون هي الأكثر نجاحًا:
تطوير القدرة على استهداف المجموعات الصغيرة
إن التصنيفات العامة والثابتة للمستهلكين، غالبًا ما تكون مبنيةً على معلوماتٍ قديمة تفتقد للدقة. كما أن هذه التصنيفات لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المستمرة في سلوك وتفضيلات هؤلاء المستهلكين. لذا يجب على الشركات تبني استراتيجيةً مختلفة، تعمل على استهداف مجموعاتٍ صغيرةٍ من المستهلكين لفهم تفضيلاتهم بشكلٍ أعمق وأكثر دقةً. وتتمحور هذه الاستراتيجية حول اتّباع نهج "الوصول الذكي" ، والمبنيّ على استخدام الشركات لبياناتها بشكلٍ ذكي للوصول إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ ومحددة من المستهلكين الذين يظهرون سلوكياتٍ أو تفضيلاتٍ معينة عند إقدامهم على اتخاذ قرارات التسوق. وهنا يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مساعدة الشركات الاستهلاكية في الوصول إلى تلك المجموعات الصغيرة على نطاقٍ واسع، وذلك عن طريق زيادة إنتاج المحتوى الإبداعي التسويقي بشكلٍ مبتكر ومخصص لكل مجموعةٍ على حدا. وتعد هذه الاستراتيجية، وسيلةً فعالةً تُمكّن الشركات من استهداف مجموعاتٍ منتقاة من المستهلكين ممن لهم إمكاناتٍ عالية، مثل الشباب في الأسواق الناشئة أو كبار السن الأثرياء. كما تتيح هذه الاستراتيجية للشركات تقديم تجارب تسويقيةٍ مخصصة، تعزز من ولاء المستهلكين للعلامة التجارية، وتدفع نحو مزيد من عمليات الشراء المستقبلية.
الاستثمار في سوق الصحة والعافية
إن زيادة اهتمامات وتوجهات المستهلكين، وارتفاع قدراتهم الشرائية، عاملان أساسيان في توفير فرصٍ استثماريةٍ هائلةٍ في سوق الصحة والعافية العالمي، والذي تبلغ قيمته 1.8 تريليون دولار. ويلعب قادة صناعة السلع الاستهلاكية دورًا هامًا في هذا الإطار. فهم يمتلكون الفرصة لإعادة تقييم وتطوير استراتيجياتهم ومنتجاتهم بالشكل الذي يلبي احتياجات المستهلكين المتزايدة والمدعومة بالبيانات العلمية. لذا، يجب على الشركات الرائدة في هذا المجال تقييم الفرص المتاحة للتركيز على الحلول التي تعتمد على الأدلة العلمية والبيانات، مما يزيد من ثقة المستهلكين في المنتجات. بالإضافة إلى مجالات النمو الأخرى التي يشملها سوق العافية (مثل صحة المرأة والشيخوخة الصحية).
تعزيز النهوض بالتجارة الاجتماعية الرقمية
ينبغي على الشركات حسن استغلال المنصات الرقمية المختلفة، حتى تتمكن من التواصل مع عملائها بالطريقة المثلى. وذلك عن طريق تقديم محتوى يجذب انتباههم ويحفزهم على التفاعل الإيجابي، إلى جانب تصميم استراتيجياتٍ تسويقيةٍ تلبي الاحتياجات المتطورة لهم. لذلك يجب على الشركات انتقاء القنوات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي الملائمة للجمهور المستهدف بعنايةٍ بالغة، فمن الممكن أن تنشط بعض الفئات العمرية على منصةٍ معينةٍ دون غيرها. ولعل التداخل بين الصناعات المختلفة الذي بات منتشرًا اليوم (مثل دخول شركات السلع الاستهلاكية إلى قطاع الرعاية الصحية والعكس)، بالإضافة إلى بيئات الأعمال التكامليّة (التي تمثل الشراكات الممتدة بين الشركات عبر مختلف الصناعات)، من أهم العوامل التي تعزز من قدرة الشركات على تقديم حلولٍ متكاملةٍ وجذابة للمستهلكين.
واليوم، ونحن نشهد غزو الشركات العالمية لمجال التجارة الاجتماعية، وعلى الرغم من أن هذه الشركات تعمل على نطاقٍ عالمي، إلا أنها تدرك أهمية تصميم استراتيجياتها لتناسب الأسواق المحلية. وفي إطار سعي الشركات لفهم الثقافة المحلية واحتياجات المستهلكين المحليين وتفضيلاتهم، فإنها تلجأ لقادة الرأي من المؤثرين، لما لهم من قاعدةٍ جماهيريةٍ واسعة، تمكنهم من توجيه الرسائل التسويقية بشكلٍ أكثر فعالية. كما تستغل الشركات هؤلاء القادة في إنشاء حملاتٍ تسويقيةٍ رقمية سريعة الانتشار على العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المحادثات الخاصة عبر بعض المنصات مثل "WeChat". فمن المؤكد أن هذه الوسائل والتطبيقات، تسهم في تعزيز التفاعل المستمر مع المستهلكين، بما يسمح ببناء علاقاتٍ قويةٍ للشركات مع عملائها، وتحقيق النمو المستدام لهذه الشركات.
تقديم منتجاتٍ متميزة للفئات المناسبة
إن تلبية احتياجات ومتطلبات المستهلكين من المنتجات الفاخرة المتميزة، يسهم بالفعل في تعزيز الولاء تجاه العلامة التجارية. ولكن على الشركات أولًا، تحديد الفئة المعْنية بدقةٍ تامة، حتى تتمكن من تقديم منتجاتها للفئة المناسبة. وهناك العديد من الوسائل لتحديد الفئة المطلوبة والتي بإمكانها إنفاق الأموال الطائلة مقابل تلك الخدمات المتميزة، منها مثلًا رحلات السفر التجريبي التي يقوم بها العديد من المستهلكين من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع، بما في هذه الرحلات من أنشطةٍ تتطلب الإنفاق بشكلٍ كبير. أما على الجانب الآخر، فهناك بعض الفئات التي تفضل إما اقتناء العروض القيمة، أو استكشاف علاماتٍ تجاريةٍ أخرى، رغبةً منهم في تقليل معدل الإنفاق. وهنا تكمن أهمية تحديد فئات المستهلكين لتتمكن الشركات من تلبية احتياجات كل فئةٍ بشكلٍ دقيق. وتسعى شركات المستهلكين إلى تحقيق التوازن بين تقديم المنتجات الفاخرة لتعزيز ولاء الفئة المتميزة من المستهلكين وتحسين العوائد من هذه الفئة، وبين إدارة الضغوط الاقتصادية من خلال دمج استراتيجياتٍ فعالة للولاء والتسعير، وتقديم شرائح مختلفة من الأسعار لفئات المستهلكين المتعددة، إلى جانب تخصيص تشكيلة المنتجات وتحديد الأصناف والخدمات التي تلبي احتياجات المستهلكين في السوق الفعلي والرقمي على حدٍ سواء.
في هذا المشهد الاستهلاكي المتطور، الذي ترتفع فيه المعايير وتزداد فيه التعقيدات والتحديات، يتعين على القادة الإلمام الدقيق بكافة التفاصيل الجديدة التي تحدد ماهية المتسوقين "المستقبليين"، ما يهمهم، وكيف يفضلون أن تكون رحلتهم التسوقيّة. فمن المؤكد أن هذه الرؤى ستؤدي بدورها إلى استثماراتٍ استراتيجيةٍ واعدة في الفئات والقنوات الصحيحة، بما يسمح بتحقيق النمو المستدام، كما يمنح ميزةً تنافسيةً على المدى الطويل.