وفي حين استثمرت شركات الأزياء والموضة خلال عام 2021 نسبة تتراوح بين 1.6-1.8% من إيراداتها في مجال التكنولوجيا، تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع هذه النسبة لتبلغ ما بين 3.0-3.5% بحلول عام 2030. ويعود السبب وراء هذه الزيادة المتوقعة إلى قناعة الكثير من الشركات بقدرة التكنولوجيا على توفير المزايا التنافسية، ولاسيما فيما يتعلق بأنشطة التواصل المباشر مع العملاء والتي تشكل محور التركيز الأساسي للشركات حتى الآن، بالإضافة إلى الدور المتنامي للتكنولوجيا في العمليات التشغيلية. حيث يمكن لتقنيات مثل الروبوتات، والتحليلات المتقدمة، وتطبيقات الهواتف المحمولة المتوفرة داخل المتجر أن تسهم في تبسيط العمليات ودعم جهود الاستدامة، فضلًا عن تقديم تجارب استثنائية إلى العملاء (الشكل).
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ومن الملاحظ أن اعتماد المستهلكين على الخدمات الرقمية شهد ارتفاعًا كبيرًا خلال أزمة كوفيد-19 نتيجة لزيادة عدد الساعات التي يقضونها على شبكة الإنترنت، وظهور عادات تسوق جديدة، والإقبال المتزايد على الألعاب والعوالم الافتراضية. فقد أمضى الناس في عام 2021 فترة تقل قليلًا عن أربع ساعات في اليوم كمعدل وسطي في تصفح الإنترنت باستخدام هواتفهم المحمولة، منها حوالي ساعتين ونصف في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي. وشهد قطاع الأزياء والموضة في عام 2021 تحوّل الكثير من العملاء نحو التسوق عبر الإنترنت، وأشار 48% منهم إلى الجائحة الصحية العالمية كسبب رئيسي لذلك، بينما نوّه 27% منهم إلى سهولة الاستخدام، و11% منهم إلى توفر المنتجات والعروض الترويجية باعتبارها السبب الرئيسي لهذا التحول. كما ساهمت أزمة كوفيد-19 في تعزيز الحضور الرقمي للعلامات التجارية، حيث أشار 72% من العملاء إلى تفاعلهم مع العلامات التجارية عبر الإنترنت في عام 2021. ومن المرجح أن تستقر معدلات التفاعل الرقمي في العام التالي عند نسبة وسطية تبلغ حوالي 66% نتيجة لتخفيف القيود المرتبطة بالأزمة الصحية في عدد من المناطق الجغرافية حول العالم.
وتشير التوقعات إلى أن تأثيرات التكنولوجيا على حياة الناس ستتزايد بوتيرة متسارعة مستقبلًا. فمن المتوقع لتقنيات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تدعم أكثر من نصف حالات تفاعل البشر مع الحواسيب بحلول العام 2024 وفقًا لتحليلات ماكنزي. كما يمكن معالجة أكثر من 75% من البيانات التي تقوم الشركات بإنشائها باستخدام الحوسبة السحابية أو الطرفية، مما يوفر للعلامات التجارية أساسًا أكثر مرونة وقابلية للتطوير للاستفادة من التكنولوجيا في عروضها وخدماتها. ومن المتوقع أن تتاح فرصة الوصول إلى شبكات الجيل الخامس 5G أمام أكثر من 80% من سكان العالم بحلول عام 2030، مما يؤدي إلى تطوير الكثير من التقنيات، بما في ذلك زيادة سرعة عمليات الاتصال ونقل البيانات على مختلف الأجهزة المزودة بتقنيات إنترنت الأشياء.
وأصبحت الإمكانيات التشغيلية للتكنولوجيا اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. وتشير تحليلات ماكنزي إلى أن شركات الأزياء التي نجحت في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في نماذج أعمالها يمكن أن تحقق زيادة تراكمية بنسبة 118% في إيراداتها بحلول عام 2030. بينما ستشهد الشركات التي تتأخر بالاستثمار في التقنيات الرقمية انخفاضًا نسبيًا يبلغ 23% في إيراداتها. تتنوع المجالات الرئيسية المحتملة التي يمكن للمسؤولين التنفيذيين في شركات الأزياء توظيف استثمارات رقمية فيها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بين تقنيات التخصيص والتخزين وإدارة عمليات سلسلة القيمة الشاملة، وهي المجالات التي يمكن للتقنيات الرقمية إحداث فارق إيجابي حقيقي فيها من ناحية الأداء.
أهم خمس استخدامات للتكنولوجيا في قطاع الأزياء
يحاول المسؤولون التنفيذيون في قطاع الأزياء والموضة زيادة مواردهم التقنية إلى أقصى حد ممكن. وفي هذا السياق حدّدت ماكنزي بالتعاون مع مجلة "بزنس أوف فاشن" أهم خمس استخدامات للتكنولوجيا يمكنها أن تساعد القطاع على معالجة أهم التحديات واغتنام الفرص المحتملة. وتشمل هذه الاستخدامات مواكبة عالم الميتافيرس، والتخصيص الفائق للمنتجات والخدمات، والمتاجر المتصلة، وعمليات الترقية الشاملة، والتركيز على عمليات التتبع بالدرجة الأولى.
التحقق من فرص عالم الميتافيرس. قد تكون القيمة التسويقية للأزياء الرقمية والأصول الرقمية ''NFT'' أكثر وضوحًا اليوم، ولكن يتعين على العلامات التجارية في مجال الأزياء أن تمتلك القدرة على استخلاص الفرص الحقيقة من الفرص المبالغ فيها لتوليد تدفقات مستدامة من الإيرادات والتي تتوفر من خلال زيادة تفاعل المستهلكين مع عالم الميتافيرس.
التخصيص الفائق للمنتجات والخدمات. تتمتع العلامات التجارية بفرصة الوصول إلى مجموعة ضخمة ومتنامية من أدوات وتقنيات التخصيص للارتقاء بآليات تقديم تجارب مخصصة في علاقاتها مع عملائها. ويمكن للمسؤولين التنفيذيين حاليًا الاستفادة من البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتزويد العملاء بتجارب مخصصة تسهم في كسب ولائهم على المدى الطويل.
المتاجر المتصلة. نتيجة النمو الهائل لقطاع التجارة الإلكترونية يميل المتخصصون في مجال الأزياء والموضة إلى إعادة تقييم الدور الذي تلعبه المتاجر الحقيقية. ويمكن للمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأزياء معالجة المشاكل التي يواجهها المستهلكون باستخدام تطبيقات الهواتف المحمولة المتوفرة داخل المتجر لتحسين تجاربهم، بالإضافة إلى استخدام تقنيات المستودعات المصغّرة للاستفادة من المتاجر الحقيقية في عصر العمليات التجارية السريعة.
عمليات الترقية الشاملة. ساهمت الأدوات والتحليلات الرقمية في إحداث نقلة نوعية في الأقسام الرئيسية لسلسلة القيمة في قطاع الأزياء والموضة، ولكن غالبية المؤسسات تهمل تطبيق هذه التحسينات مما يعيق تكامل عملية تطور سلسلة القيمة. ولذلك يتعين على العلامات التجارية البدء بتحقيق التكامل الشامل في سلسلة القيمة لتطوير أساليب تشغيلية أكثر فعالية وربحية.
التركيز على عمليات التتبع بالدرجة الأولى. تسهم أنظمة التتبع المدعومة ببرمجيات التتبع والبيانات الضخمة في مساعدة علامات الأزياء والموضة على الوصول إلى سلاسل التوريد الخاصة بها لبلورة فهم أفضل حول دورة الحياة الكاملة لمنتجاتها، والتي تمثل بدورها إحدى عوامل التمكين الرئيسية في مسيرة تحقيق الاستدامة.
وتشكل العوالم الافتراضية، والمعروفة أيضًا باسم عالم الميتافيرس، إحدى محاور الاهتمام الأساسية من بين جميع أشكال التطور التقني التي تؤثر على قطاع الأزياء والموضة. ووصلت قيمة الإنفاق العالمي على السلع الافتراضية إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي في عام 2021 - أي ما يمثل أكثر من ضعف الإنفاق الإجمالي في عام 2015 -، حيث تشكل الأصول الافتراضية في قطاع الأزياء حوالي 30% من تلك الإيرادات. وفي ضوء الطلب القوي على منتجات مثل الأزياء الافتراضية والأصول الرقمية ''NFT''، يمكن لشركات الأزياء التي تركز على الابتكار والتسويق في عالم الميتافيرس تحقيق أكثر من 5% من الإيرادات عن طريق الأنشطة الافتراضية خلال فترة تتراوح بين العامين إلى الخمسة أعوام القادمة. وتتمثل مهمة صنّاع القرار في التركيز على اغتنام فرص محددة.
ولضمان نجاح أعمالها الرقمية، يتعين على علامات الأزياء والموضة توفير تجارب مخصصة للعملاء، فهذا هو تحديداً ما يتوقعونه. وبفضل التطور المستمر لتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات والحوسبة السحابية، تمتلك الشركات الأدوات اللازمة لاستخدام جميع أنواع البيانات في مختلف القنوات وخلال الوقت الحقيقي. وقد يسهم ذلك في دعم جهود التخصيص الفائق للمنتجات والخدمات، حيث يمكن للتكنولوجيا مساعدة قطاع التجارة الإلكترونية الذي يعتمد على عمليات البحث للتحول نحو اكتشاف المنتجات والتصاميم بشكل يراعي التفضيلات الشخصية المخصصة. ويتيح ذلك للعملاء إمكانية الوصول بسهولة إلى المواقع الإلكترونية والأسواق المتخصصة، بدءًا من صفحة الوصول ووصولًا إلى عمليات الدفع. ويتطلب تحقيق هذه الرؤية من صنّاع القرار العمل على تحسين قدراتهم المتعلقة بإدارة البيانات والتحليلات، ونشر هذه التقنيات على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد يترتب عليها بعض الاعتبارات المهمة (مثل التأكد من حماية بيانات العملاء، واتباع أفضل الممارسات في جمع البيانات)، لكنها تضمن في الوقت نفسه القدرة على جذب العملاء والحصول على ولائهم.
وإلى جانب التركيز على تخصيص تجارب العملاء، قد يشهد العام القادم توجه الكثير من علامات الأزياء نحو الاستثمار في الأدوات والتجارب داخل المتاجر، والعمل على الموازنة بين ما تقدمه عبر الإنترنت وما تقدمه فعلياً على الأرض، والابتعاد عن التقنيات التي لا يمكن ربطها مع غيرها مثل المرايا الذكية، وعلّاقات الملابس المتصلة، وتقنيات الهولوجرام. ويمكن لتطبيقات الهواتف المحمولة داخل المتجر (clienteling) والمخصصة للارتقاء بتجارب العملاء أن توفر وسيلة مثالية تساعد موظفي المتاجر على تقديم الخدمات إلى العملاء، بينما تسهم تطبيقات الهواتف المحمولة داخل المتجر في تعزيز مستويات التفاعل، وتقليص المشاكل التي يواجهها العملاء، وزيادة الوقت الذي يقضونه في مشاهدة المنتجات. بينما يمكن للروبوتات وبرامج تحسين المخزونات خارج المتاجر الفعلية أن تساعد العلامات التجارية وتجار التجزئة على إنشاء مستودعات مصغّرة، وتحقيق التكامل بين المتاجر الحقيقية المختلفة وتحويلها إلى نقاط ارتباط رقمية داخل شبكات التوزيع والتوصيل، وبالتالي خفض تكاليف إدارة المستودعات بنسبة تصل إلى 90 بالمئة.
وبدءًا من توقعات الطلب ووصولًا إلى عمليات النقل، يساعد تطبيق الأدوات الرقمية المخصصة لتحقيق تحسينات شاملة في سلسلة القيمة في توسيع نطاق الدور الذي يمكن للتكنولوجيا أن تلعبه في القطاع. وللعمل بكفاءة أكبر، يمكن للعلامات التجارية أن تنظر في إمكانية تفكيك التقنيات المستقلة التي كانت تحدد الكثير من برامج التحول الرقمي، وتحقيق التكامل بين مختلف الأنظمة الأساسية وخطط سير العمل ووظائف البيانات. ويعتقد أكثر من 60 بالمئة من المسؤولين التنفيذيين في قطاع الأزياء والموضة بأن اعتماد عمليات رقمية متكاملة في مؤسساتهم سيشكل أحد محاور التركيز الخمسة الأساسية لعملية التحول الرقمي التي يتطلعون لإنجازها بحلول العام 2025. وتشير تحليلاتنا إلى أن اعتماد حلول سلسلة القيمة التي تعتمد على التقنيات الرقمية يتيح للعلامات التجارية إمكانية تقليص الزمن اللازم للتسويق بنسبة 50 بالمئة، وتحقيق زيادة بمقدار 8 بالمئة في عمليات البيع بالسعر الكامل، وخفض تكاليف التصنيع بنسبة 20 بالمئة.
ويرى أكثر من 50 بالمئة من صناع القرار في قطاع الأزياء بأن قدرات التتبع ستشكل إحدى عوامل التمكين الأهم في خفض الانبعاثات الكربونية لسلاسل التوريد التابعة لهم، ولكن تقتصر قدرات التتبع للعديد من العلامات التجارية حاليًا على علاقاتها المباشرة مع الموردين. ونشهد زيادة في تركيز عدد من العلامات التجارية على تتبع سلاسل التوريد الخاصة بها، مما يساعدها على مواكبة متطلبات الجهات التنظيمية، والمستثمرين، والعملاء مما يؤدي إلى تعزيز مستويات الشفافية لديها. وفي إطار سعيها لخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف حوكمة الشركات والمسؤولية المجتمعية والبيئية، يمكن للعلامات التجارية الاستفادة من إنشاء بيئة مشتركة للبيانات تتيح لها إمكانية إجراء المقارنات، فضلًا عن اعتماد ممارسات جديدة في عمليات وضع البطاقات التعريفية على المنتجات واستخدام برمجيات تتبع جديدة. كما يمكن للعلامات التجارية النظر في إمكانية التعاون مع النظراء والشركات الناشئة والهيئات المتخصصة بالقطاع لإنشاء معايير مشتركة للبيانات، ومشاركة البيانات والمعارف عبر المنصات البرمجية، والسجلات المفتوحة، وتقنيات البيانات الضخمة.
ويشكل التغير المستمر أحد الحقائق القليلة المؤكدة في قطاع الأزياء. وتواصل التكنولوجيا تزويد القطاع بالمزيد من الفرص في الوقت الذي تتطلع فيه بعض الأسواق لتجاوز التحديات الناجمة عن تداعيات أزمة كوفيد-19. وتتمثل مهمة صنّاع القرار في قطاع الأزياء والموضة بالتفكير في كيفية الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين مستويات الإبداع، وتبسيط العمليات، وتوفير قيمة مضافة خلال الأعوام القادمة.