ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
غالبًا ما يستحضر مصطلح "الريف الأمريكي" مجموعة من التعبيرات المختصرة مثل "قلب البلاد" أو "أمريكا البلدات الصغيرة" أو "الولايات العابرة"، في محاولة لوصف الامتداد الواسع للمجتمعات الواقعة خارج المدن والضواحي. إلا أن هذه المسميات تخفي أكثر مما تكشف، إذ إن الريف الأمريكي ليس كيانًا واحدًا متجانسًا. فهو موطن لواحد من كل سبعة أمريكيين (أي ما يقارب 46 مليون شخص في عام 2023)، ويشمل طيفًا واسعًا من المناطق الجغرافية والأنماط الاقتصادية والثقافات.
رغم اتساع الريف الأمريكي وأهميته، فإنه ما زال يخضع لقليل الدراسة والبحث. ومن أجل سد هذه الفجوة، أطلقنا في عام 2025 مبادرة معنية بالمجتمعات الريفية ضمن معهد ماكنزي للتنقل الاقتصادي. 1وتهدف هذه المبادرة إلى فهم التحديات والفرص التي تميز هذه المجتمعات، وتقديم رؤى عملية يمكن أن تحقق نتائج ملموسة. وفي أول إصداراتنا، الذي نُشر في مارس 2025، طرحنا سؤالًا أساسيًا: "ما هو الريف الأمريكي؟".2 وقد أظهر تحليلنا أن هذه المجتمعات كبيرة ومتنوعة وحيوية، وأنها تحمل إمكانات واسعة للنمو والفرص.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
يسعى هذا التقرير إلى تعميق فهمنا للريف الأمريكي من خلال تحليل الاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية الكلية للكشف عن أبرز العوائق والفرص أمام النمو المستقبلي. وانطلاقًا من منهجية تعتمد على البيانات، قمنا بتحديد ستة أنماط رئيسية للمجتمعات الريفية في الولايات المتحدة، لتشكّل إطارًا يساعد على تفسير الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تصوغ واقع الريف اليوم. وبعد ذلك، تطرقنا إلى دراسة أوضاع السكان ومستوى رفاهيتهم، إلى جانب متابعة اتجاهات التنقل الاقتصادي عبر هذه الأنماط المختلفة. وقد أظهرت نتائج التحليل عددًا من الأساليب المثبتة التي يمكن أن تسرّع وتيرة التنمية الاقتصادية في المناطق الريفية، فضلًا عن أمثلة عملية يمكن تطبيقها مباشرة لتعزيز فرص التقدم الاقتصادي.
عند جمع هذه الرؤى معًا، يتضح أنها ترسم مسارات عملية تعزز من قدرة المجتمعات الريفية على الصمود في مواجهة التحديات، وفي الوقت نفسه تدعم فرص النمو الاقتصادي، وتفتح آفاقًا أوسع لتحقيق الفرص لسكانها.
تحديد الأنماط الرئيسية للريف الأمريكي
لفهم طبيعة الريف الأمريكي المتغيرة، بدأنا بدراسة أنواع المجتمعات التي تكوّن هذه المناطق، مع إبراز أوجه التشابه والاختلاف فيما بينها. وقد اعتمد هذا التحليل على تقييم إحصائي شمل أكثر من 3,100 مقاطعة في الولايات المتحدة. ومن خلاله، حددنا ستة أنماط رئيسية للمجتمعات الريفية، تساعد على توضيح المقصود بشكل أدق عند الحديث عن "الريف الأمريكي"، كما هو موضح في (الشكل 1).
على الرغم من أن هذه الأنماط الريفية تتشابه في بعض الخصائص التي تُميزها كبيئات ريفية، مثل حجم السكان وكثافتهم والقرب من المناطق الحضرية الكُبرى، إلا أنها تختلف فيما بينها اقتصاديًا واجتماعيًا. ويظهر هذا التمايز بوضوح في طبيعة التخصص الصناعي، حيث تتباين القطاعات المسيطرة على كل نمط بدرجة كبيرة. ومن ناحية أخرى، فإن اعتماد هذه المجتمعات على صناعات بعينها قد يزيد من هشاشتها أمام الصدمات والتقلبات الاقتصادية الكلية، لكنه في المقابل قد يتيح فرصًا لنتائج اقتصادية إيجابية تعود بالنفع على السكان (اطلع على العمود الجانبي بعنوان: "تركيز الصناعات بين المجتمعات الريفية والحضرية").
تستعرض الفقرات التالية ملفات تفصيلية للأنماط الريفية الستة، من خلال مقاطعات مختارة تمثل مختلف أنحاء الولايات المتحدة، مما يتيح إجراء مقارنات واضحة وهادفة بين هذه الأنماط.
الـمراكز الزراعية الكُبرى (تمثل 7% من إجمالي سكان المناطق الريفية)
تتكون هذه المقاطعات من مجتمعات صغيرة يسودها نمو اقتصادي معتدل، إلا أن الزراعة تمثل فيها العمود الفقري للاقتصاد، (إذ تسهم بما لا يقل عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي). ويمنحها هذا التركيز الزراعي قدرًا من الاستقرار، لكنه ينعكس أيضًا في قلة الكثافة السكانية مقارنةً بحجمها الكبير بين المقاطعات الريفية، لتكون حصتها من عدد المقاطعات أعلى من حصتها من السكان. وتتميز هذه المراكز الزراعية بميزة إضافية مهمة، وهي تحقيقها أعلى معدل لمشاركة القوى العاملة بين جميع الأنماط الريفية، حيث يصل إلى 59.8%، ما يجعلها نموذجًا بارزًا لمناطق ريفية نابضة بالحيوية رغم محدودية حجمها.3
يُظهر هذا النمط بدوره تباينات داخلية لافتة. فجزء كبير من المراكز الزراعية الكُبرى يقوم على مزارع واسعة النطاق ذات تنوع محدود في المنتجات، تتركز أساسًا على سلع أساسية مثل الذرة والخنازير ومنتجات الألبان. ويؤدي هذا التركيز إلى تحقيق مساهمة اقتصادية تفوق المتوسط، إذ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه المقاطعات نحو 47,000 دولار، مقارنة بـ 22,000 دولار فقط في بقية المراكز الزراعية. وإلى جانب ذلك، تتميز هذه المناطق بمعدل أعلى لمشاركة القوى العاملة يصل إلى 63%، مقابل 55% في غيرها.
ورش التصنيع (تمثل 26% من إجمالي سكان المناطق الريفية)
تضم "ورش التصنيع" مجتمعات متوسطة الحجم تشهد نموًا مطردًا، ويُشكّل قطاع التصنيع فيها أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها أحد أعمدة الاقتصاد الريفي. وتستمد هذه المناطق قوتها من ارتفاع معدلات مشاركة القوى العاملة مقارنة بالمتوسط وانخفاض معدلات البطالة. ورغم أن سكانها يمثلون حوالي 26% من إجمالي سكان الريف، إلا أن حصتها من عدد المقاطعات لا تتجاوز 20%. وعند النظر بعمق، يمكن تقسيم ورش التصنيع إلى فئتين أساسيتين؛ الأولى مقاطعات متأثرة بتراجع التصنيع والمتركزة في "حزام الصدأ"، والثانية مقاطعات تشهد انتعاشًا عبر إعادة توطين الصناعات، وغالبًا ما تقع في الولايات الجنوبية.
مراكز الجذب السكاني (تمثل 25% من إجمالي سكان المناطق الريفية)
تتكوّن هذه المقاطعات من مجتمعات متوسطة إلى كبيرة الحجم، وغالبًا ما تقع في الضواحي القريبة من المناطق الحضرية الكُبرى أو حول مراكز السياحة، وتشترك جميعها في تسجيل معدلات إيجابية ومستقرة من صافي الهجرة الوافدة. ويمكن تقسيم هذا النمط إلى فئتين فرعيتين: الأولى مقاطعات تقع بالقرب من الوجهات السياحية ويعتمد اقتصادها بشكل أساسي على قطاع الضيافة، (حيث يبلغ متوسط صافي الهجرة الوافدة إليها نحو 6%)، والثانية مجتمعات نامية تقع بجوار المناطق الحضرية الكُبرى وتحقق معدلات أعلى من الهجرة الوافدة تصل إلى (8%).
المناطق النائية (تمثل 15% من إجمالي سكان المناطق الريفية)
تضم هذه المقاطعات مجتمعات صغيرة ومتوسطة الحجم، لكنها تعاني من ضعف في التخصص الصناعي وانخفاض في الناتج الاقتصادي. وتواجه المناطق النائية تحديات عدة، من أبرزها ارتفاع معدلات الهجرة السلبية التي تتجاوز 4%، وتراجع مشاركة القوى العاملة، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤدي إلى نمو أبطأ وتنوع صناعي أقل مقارنةً بالمجتمعات الأخرى. وغالبًا ما تكون هذه المناطق معزولة جغرافيًا، ويثقل كاهلها تاريخ طويل من الأزمات الاقتصادية، مثل "دلتا المسيسيبي" ومناطق الفحم في "أبالاتشيا".
المناطق الغنية بالموارد (تمثل 5% من إجمالي سكان المناطق الريفية).
تتكون المناطق الغنية بالموارد من مجتمعات صغيرة ونائية يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على أنشطة استخراج الموارد مثل التعدين والمحاجر والنفط والغاز، حيث تشكل هذه الأنشطة أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن هذه المقاطعات شهدت تراجعًا في عدد السكان بشكل عام، فإنها تحقق ضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي مقارنة بالمراكز الزراعية الكُبرى، التي تحتل المرتبة الثانية في هذا المؤشر. ومع ذلك، فقد انخفض ناتجها المحلي بنسبة 6% خلال الفترة بين 2020 و2022. وكما هو الحال في المراكز الزراعية الكُبرى، تتميز هذه المناطق بانخفاض الكثافة السكانية، إذ تمثل نسبة أكبر من عدد المقاطعات الريفية مقارنة بحصتها من إجمالي السكان.
أمريكا الوسطى (تمثل 22% من إجمالي سكان المناطق الريفية)
تشمل فئة "أمريكا الوسطى" مجتمعات متوسطة أو كبيرة الحجم لا تتميز بتخصص صناعي واضح ولا تنطبق عليها السمات البارزة للأنماط الأخرى. وتُظهر هذه المقاطعات تباينًا واسعًا في خصائصها وأبعادها الاقتصادية، غير أنها مجتمعة تحقق في الوقت الراهن نتائج اقتصادية أفضل من المتوسط.
قياس مستوى الرفاهية والتنقل الاقتصادي في أنماط الريف الأمريكي
كيف يعيش سكان الريف الأمريكي عبر مختلف الأنماط؟ لقد قمنا بتقييم ثمانية جوانب تعكس تطلعات الرفاهية:4
- مستوى المعيشة
- الاستقرار المالي
- فرص عمل برواتب مجزية وظروف عمل جيدة
- حياة طويلة وصحية
- فرص لتطوير المهارات من خلال تعليم ميسور التكلفة وعالي الجودة
- مساكن مستقرة وآمنة
- ترابط فعلي وافتراضي (بنية تحتية واتصال رقمي)
- مجتمعات مستقرة
انطلاقًا من هذه الجوانب الثمانية للرفاهية، قمنا بحساب النتائج الخاصة بالسكان في كل واحد من الأنماط الريفية الستة، ثم أجرينا مقارنة بينها ورتبنا هذه الأنماط وفقًا لتلك النتائج، كما هو موضح في (الشكل 3).
يشير مفهوم التنقل الاقتصادي في هذا السياق إلى قدرة الأفراد على تحقيق نتائج اقتصادية أفضل مقارنة بآبائهم. ويقيس هذا الإطار التنقل الاقتصادي من خلال تحليل مستويات دخل الأطفال عندما يصبحون بالغين (في سن 35 عامًا)، إلى جانب مؤشرات أخرى مرتبطة بفرصهم الاقتصادية. وقد استندنا في التحليل إلى بيانات أداة "Opportunity Atlas"، التي تتبع مؤشرات التنقل الاقتصادي حسب المقاطعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.5 وأظهرت النتائج المقاطعات والأنماط الريفية التي يمتلك فيها الأطفال المولودون في فئة الدخل المتوسط (عند الشريحة المئوية الخمسين) أكبر فرصة لزيادة متوسط دخولهم مقارنة بآبائهم مع مرور الوقت. اطلع على الشكل 4.
تمكن سكان المناطق الريفية من ذوي الدخل المتوسط من تحقيق نتائج أكثر استقرارًا في التنقل الاقتصادي مقارنةً بنظرائهم في المدن، إذ سجّلوا نموًا إيجابيًا في الدخل عبر الأنماط الريفية الستة جميعها. وتُعد المجتمعات الصناعية الصغيرة مثالًا بارزًا على ذلك، خصوصًا تلك الموجودة في وسط الولايات المتحدة، حيث نجحت في تعزيز التنقل الاقتصادي بين الأجيال وتحقيق نمو في الدخل حتى للعاملين الذين لا يحملون شهادة جامعية مدتها أربع سنوات. ويعود ذلك إلى أن أكثر من 70% من وظائف الإنتاج والتشغيل في هذه المناطق تُصنف كوظائف متوسطة الأجر، مما يجعل الاستثمار في التصنيع الريفي مسارًا مهمًا لتوسيع فرص التقدم الاقتصادي وخلق مستقبل أفضل للأفراد عبر الأجيال. 6
استكشاف استراتيجيات التنمية الاقتصادية لتعزيز الرفاهية وزيادة فرص التنقل الاقتصادي
استنادًا إلى دراستنا لأنماط الريف الأمريكي، وتحليلنا لنتائج السكان، وفهمنا للعوامل المؤثرة في الأثر الاقتصادي، حددنا ست استراتيجيات محتملة يمكن أن تساهم في تحفيز التنمية الاقتصادية الريفية. وقد جرى اختيار هذه الاستراتيجيات من قائمة أطول من التدخلات الريفية اعتمادًا على معيارين أساسيين: التأثير المثبت ودرجة قابلية التطبيق في مناطق أخرى.
تركز استراتيجيات التنمية الاقتصادية المختارة بشكل أساسي على معالجة العوامل الجوهرية ضمن ثلاث مجالات رئيسية. اطلع على (الشكل 5):
الأعمال: الاستثمار في المؤسسات المحلية التي تقود النشاط الاقتصادي.
العمال: تكييف برامج تنمية القوى العاملة لتناسب الاحتياجات الخاصة بالاقتصادات الريفية وتدعم النمو الاقتصادي.
الاحتياجات الأساسية: تحسين مستوى رفاهية سكان المناطق الريفية، لا سيما في الجوانب التي تتأخر فيها هذه المناطق كثيرًا عن نظيرتها الحضرية، (مثل الصحة ومتوسط العمر المتوقع.)
وإلى جانب ذلك، هناك فرص لتقديم دعم شامل يغطي المراحل المختلفة من الطفولة المبكرة وحتى الحياة المهنية، وخاصة في المناطق الأكثر تضررًا.
1. إنشاء شراكات جديدة لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة في الصناعات المتخصصة أو القطاعات ذات النمو السريع
قد لا تضم المقاطعات الريفية صناعات ضخمة سريعة النمو مثل المدن الكُبرى، لكنها غالبًا ما تمتلك قواعد صناعية متخصصة يمكن أن تشكّل بيئة خصبة للشركات الصغيرة عالية النمو. ورغم التراجع الملحوظ في معدلات ريادة الأعمال الريفية خلال السنوات الأخيرة، فإن منظمات مثل مركز الابتكار الريفي (CORI) لعبت دورًا محوريًا في إحياء هذا المسار من خلال مساعدة المجتمعات على وضع استراتيجيات للاقتصاد الرقمي، وتأمين التمويلات، وتشجيع الابتكار. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، نجاح المركز في دعم مدينة "إندبندنس" بولاية "أوريغون" لإنشاء مساحات عمل مشتركة في مجال التكنولوجيا الزراعية وبناء شراكات ساهمت في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي. وعلى النهج نفسه، يستثمر مركز المعادن والمواد الحرجة للطاقة المتقدمة (CM2AE) في ولاية "ميزوري" خبرة المنطقة في التعدين لتوليد فرص عمل جديدة وإضافة قيمة اقتصادية ملموسة. ومن هنا، فإن الأنماط الريفية ذات التخصص الصناعي، مثل المناطق الغنية بالموارد وورش التصنيع والمراكز الزراعية الكبرى، تُعد الأكثر قابلية لجني الفوائد الكُبرى من هذه المبادرات.
2. ضخ رؤوس أموال جديدة في المؤسسات المحورية لدعم النظم البيئية للأعمال المحلية.
تلعب المؤسسات المحورية مثل الجامعات والمستشفيات دورًا رئيسيًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي في المناطق الريفية، إذ تسهم في إعداد كوادر عالية المهارة، وجذب الاستثمارات الصناعية، ودعم الابتكار وإنتاج المعرفة. ويمكن للمقاطعات القريبة من هذه المؤسسات تعظيم الاستفادة عبر بناء شراكات استراتيجية معها. فعلى سبيل المثال، أسهم معهد الأغذية والزراعة بجامعة ولاية "فريزنو" في تنشيط قطاع الزراعة في مقاطعة "فريزنو" من خلال جذب ملايين الدولارات كمنح وتدريب العمالة المحلية. وبالمثل، يوفّر مركز تطوير الأعمال الصغيرة بجامعة "باكنيل" دعمًا لريادة الأعمال عبر ورش عمل واستشارات وشراكات متنوعة. وتُعد هذه الاستراتيجية قابلة للتطبيق في جميع المقاطعات الريفية التي تضم أو تقع بالقرب من مؤسسات محورية.
3. التركيز على إعداد طلاب المدارس (من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية) للانتقال إلى التعليم الجامعي أو المهني، مع توفير وسائل اتصال وربط
تواجه المقاطعات الريفية فجوات كبيرة في معدلات الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي، وهو ما يحد من فرص التنقل الاقتصادي. ولمعالجة ذلك، ظهرت برامج مبتكرة مثل شبكة التعليم الجامعي (CEN) في ولاية تكساس، والتي تتيح لطلاب المرحلة الثانوية الحصول على شهادات مهنية ودرجات جامعية متوسطة، محققة معدلات نجاح مرتفعة. وبالمثل، يوفر برنامج منطقة ابتكار المدارس الريفية (RSIZ) في تكساس أكاديميات مهنية في مجالات مثل التمريض وتقنية المعلومات، مما يساعد الطلاب على نيل شهادات تؤهلهم لوظائف عالية المهارة. ويُعد بناء مسار متكامل للتعليم ما بعد الثانوي أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في المناطق التي تسجل معدلات منخفضة في هذا المجال، مثل المناطق النائية والمناطق الغنية بالموارد وورش التصنيع.
4. إنشاء برامج تدريب سريعة وموجّهة للقوى العاملة لدعم الصناعات القائمة وجذب الصناعات الواعدة ذات النمو المرتفع
تحتاج المناطق الريفية التي تعتمد على صناعات متخصصة مثل الزراعة والتصنيع والتعدين إلى برامج تدريبية مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات سوق العمل. وقد أثبتت مبادرات مثل برنامج التدريب السريع في ولاية جورجيا (Quick Start) وبرنامج تنمية الصناعات في ألاباما (AIDT) نجاحها في إعداد العمالة لوظائف عالية المهارة، مما جذب استثمارات ضخمة وساهم في تعزيز الاقتصادات المحلية. فعلى سبيل المثال، تعاون برنامج (Quick Start) مع شركة البطاريات الكورية الجنوبية "SKBA" لتدريب الموظفين على تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون، بينما دعم برنامج "AIDT" عمليات شركة هوندا في ولاية ألاباما. وتُعد هذه البرامج التدريبية الأكثر فاعلية في المناطق التي تشهد نموًا سريعًا وتتطلب مهارات متخصصة، مثل المناطق الغنية بالموارد، وورش التصنيع، والمراكز الزراعية الكبرى.
5. إنشاء مراكز صحية متخصصة بالمناطق الريفية لدعم رفاهية السكان.
يمثل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية عاملًا أساسيًا في تحسين النتائج الاقتصادية، إلا أن المناطق الريفية غالبًا ما تعاني من نقص في مقدمي الخدمات والمرافق الطبية. ويمكن لمراكز الرعاية الصحية الافتراضية أن تسهم في معالجة هذه التحديات من خلال تقديم الرعاية عن بُعد. فعلى سبيل المثال، ساعد مشروع "ECHO" -وهو برنامج صحي في ولاية نيو مكسيكو يوسّع نطاق الوصول إلى الرعاية التخصصية- على تمكين المرضى من الحصول على خدمات متقدمة في مختلف أنحاء العالم، بينما أطلقت مبادرة الرعاية الافتراضية التي أطلقتها مؤسسة "Sanford Health" عيادات صحية افتراضية في المناطق الريفية. وتحقق هذه المراكز أثرًا أكبر في المناطق التي تعاني من ضعف المؤشرات الصحية وارتفاع معدلات عدم التأمين الصحي، مثل المناطق النائية وورش التصنيع.
6. إطلاق حزمة من البرامج التكاملية المرتبطة بالمكان، تغطي مختلف المراحل من الطفولة المبكرة وحتى الحياة المهنية.
تحتاج الأنماط الريفية المتعثرة إلى حلول شاملة ومتكاملة مرتبطة بخصوصية المكان لمعالجة التحديات الهيكلية. وتلعب منظمة الشركاء من أجل التأثير الريفي (PRI) دورًا محوريًا في تنسيق الجهود عبر مجالات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية. ففي مقاطعة "ليسلي" بولاية كنتاكي، تعاونت المنظمة مع أنظمة الرعاية الصحية المحلية لتوفير وسائل نقل للمرضى للحصول على رعاية الأسنان، وذلك بتمويل من منح مخصصة. وتُعد هذه الحلول الشمولية أكثر فاعلية في المناطق النائية والمناطق الغنية بالموارد، نظرًا لما تواجهه من تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة.
رغم أن المقاطعات الريفية تسهم مجتمعةً بمبلغ 2.2 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، فإن اقتصاداتها غالبًا ما تعتمد على صناعات متخصصة تعاني من بطء في نمو فرص العمل مقارنة بالمناطق الحضرية. ولتحقيق كامل إمكانات الريف الأمريكي، سيكون من الضروري تنفيذ تدخلات موجهة تستند إلى الأدلة والبيانات.
يمكن للحلول الشاملة المرتبطة بخصوصية كل منطقة أن تكون مفتاحًا لمعالجة التحديات العميقة التي تعيق تقدم المجتمعات الريفية. فالتوسع في برامج تدريب القوى العاملة، وتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، والاستثمار في التعليم، كلها أدوات قادرة على قلب مسار الركود الاقتصادي المستمر منذ سنوات طويلة. ومن دون هذه التدخلات، ستزداد الفجوة بين المجتمعات الريفية الناجحة وتلك التي تعاني من التعثر، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم مظاهر عدم المساواة ويحدّ من قدرة ملايين السكان على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والتنقل نحو فرص أفضل.
لا يمثل الريف الأمريكي هامشًا ثانويًا في الاقتصاد الوطني، بل يشكل ركيزة أساسية في دفع الابتكار وتعزيز الإنتاجية. ومن خلال تبنّي هذه الاستراتيجيات بأسلوب يجمع بين الصرامة الأكاديمية والابتكار العملي، يمكن لأصحاب القرار والجهات المعنية أن يفتحوا آفاقًا جديدة لازدهار اقتصادي شامل، وفي الوقت نفسه يرفعوا من مستوى الرفاهية وجودة الحياة في مختلف المجتمعات المتنوعة التي تشكّل الريف الأمريكي.
التقرير الكامل متاح باللغة الإنجليزية هنا.