من البدايات إلى التأثير: كيف يبني الرئيس التنفيذي الجديد علاقات أقوى مع الأطراف المؤثرة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لم يُعدّ انتقالك إلى منصب الرئيس التنفيذي مجرد إنجازٍ شخصي، بل هو لحظةٌ فارقةٌ في مسارك المهني أنت والمؤسسة، تزداد فيها المسؤوليات وترتفع التوقعات. وتختلف تحديات القيادة اليوم عمّا واجهه التنفيذيون في السابق؛ فقد باتت تتطلّب مستوى أعلى من التكيّف، والمرونة في اتخاذ القرار، والقدرة على التواصل الفعّال. وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن الرؤساء التنفيذيين الجُدد يبدأون ممارسة دورهم بوتيرةٍ أسرع من أي وقتٍ مضى بفعل ضغوط الوقت ومتطلبات السوق، بالتزامن مع انخفاض مدة بقاء الرئيس التنفيذي في المنصب إلى مستوى قياسي بلغ 6.8 سنوات فقط.1 كما تُظهر الدراسات أن سوء إدارة انتقال القيادة لا ينعكس على الأداء الداخلي فحسب، بل قد يترتب عليه خسائر مالية كبيرة؛ وهو ما أكّدته بيانات الشركات ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر 1500 شركةٍ عالمية "S&P 1500"، إذ قد تصل الخسائر السنوية الناتجة عن سوء انتقال القيادة إلى نحو تريليون دولار من القيمة السوقية.2

يصف أوليفر باته، الرئيس التنفيذي لشركة "أليانز"، طبيعة الدور القيادي بقوله: "لا توجد خبرةٌ تكفي لإعدادك للدور الذي تصبح فيه ممثّل الشركة الأول أمام الجميع"3 تعكس هذه العبارة الواقع الذي يواجهه العديد من الرؤساء التنفيذيين الجُدد، حيث يجدون أنفسهم أمام تحدٍّ يتمثّل في التعامل مع طيفٍ أوسع من الأطراف المعنية، بما في ذلك المستثمرون، والجهات التنظيمية، ووسائل الإعلام، والموظفون، وأعضاء مجلس الإدارة، والمجتمعات المحيطة. ففي فترةٍ زمنيةٍ وجيزة، عليك – كرئيسٍ تنفيذي – الانتقال من القيادة الداخلية التي تعمل داخل حدود المؤسسة، إلى القيام بدورٍ أكبر يحظى باهتمام الكثيرين. ويزداد هذا التحول تعقيدًا بفعل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتعدّد المنصات والتقنيات الحديثة، مما يجعل مسار التعلّم أكثر سرعةً وحدّة. وتبرز صعوبة هذا الانتقال عند النظر إلى حقيقة أن 1 في المائة فقط من الرؤساء التنفيذيين ضمن قائمة "Fortune 100" – التي تضم أكبر مئة شركةٍ أمريكية من حيث الإيرادات – يمتلكون خلفيةً مهنيةً رسمية في مجالات الاتصال أو الشؤون العامة، وفقًا لتحليل ماكنزي.

وتأتي هذه المقالة كدليلٍ عملي يساعد الرئيس التنفيذي الجديد على بناء تواصلٍ فعّال ومستدام مع مختلف الأطراف. فقد اعتمدنا في إعدادها على مجموعةٍ واسعة من المصادر، من بينها كتابنا الجديد "رئيسٌ تنفيذيٌ لكل المواسم",4 الذي يقدّم خلاصة أكثر من 80 مقابلة مع قادةٍ عالميين، إلى جانب كتاب "تميّز الرؤساء التنفيذيين"5 المُدرج ضمن قائمة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعًا. كما استندنا إلى سلسلةٍ من الحوارات المتعمّقة مع أكثر من 20 رئيسًا تنفيذيًا، ورؤساء فِرق التسويق والاتصالات، وخبراء وكالات العلاقات العامة، ومستشاري القيادات العليا، فضلًا عن أبحاثٍ خاصة أجريناها حول جاهزية الرؤساء التنفيذيين في أكبر مئة شركةٍ أمريكية ضمن قائمة "Fortune 100".

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

كما نستعرض في مقالتنا نهجًا مبتكرًا للتواصل الفعّال مع الجهات المعنية، يُعرف بـ "EDGE"، ويقوم على أربعة عناصر رئيسية: توسيع دور الرئيس التنفيذي ليكون جسرًا يربط المؤسسة بالعالم الخارجي، وصياغة سرديةٍ قياديةٍ واضحة تجعل الرئيس التنفيذي الراوي الأول لرؤية الشركة، وترسيخ عقلية النمو وبناء فريقٍ من الخبراء لنقل الرسائل الاستراتيجية، إلى جانب تبنّي حضورٍ تفاعليٍ مستمر يعزّز الروابط مع مختلف الجهات المعنية.6 ولمساعدتك على إتقان خطواتك الأولى في هذا الدور، تتضمن المقالة أمثلةً عملية، وتمارين للتأمل والتقييم، بالإضافة إلى قائمة تحققٍ تساعدك على بدء التنفيذ.

الانتقال من القيادة الداخلية إلى الواجهة العامة

يمرّ الرئيس التنفيذي الجديد بمرحلةٍ انتقاليةٍ دقيقة، ينتقل فيها من العمل داخل المؤسسة إلى دورٍ خارجيٍ أوسع يتطلّب تواصلًا أكبر مع مختلف الأطراف داخلها وخارجها. وتشير أبحاث كتاب "رئيسٌ تنفيذيٌ لكل المواسم" إلى أن 30 في المائة من القادة حققوا أداءً أفضل بعدما عزّزوا علاقاتهم مع الجهات الخارجية خلال العامين السابقين لتولّيهم المنصب.7

ففي هذه المرحلة، يصبح تقييم شبكة العلاقات خطوةً أساسية: ما الذي يحتاج إلى إعادة بناء؟ ومن هم الشركاء الذين يجب التواصل معهم بصورةٍ مختلفة؟ فهذه الفترة تمنح الرئيس التنفيذي فرصةً لوضع استراتيجية تواصلٍ واضحة تعكس أولوياته منذ اليوم الأول.

ولا يقتصر الأمر على التواصل فحسب، بل يتطلّب الدور الجديد بناء تحالفاتٍ تدعم رؤية الرئيس التنفيذي ومسار المؤسسة. فقد طبّقت إحدى القيادات التنفيذية نهجًا منظّمًا صنّفت من خلاله الجهات المؤثّرة إلى أربع فئات: الرافضون، والداعمون، والحلفاء، والمتمرّدون. وتعاملت مع كل فئةٍ بطريقةٍ مختلفة، كما حرصت على تقييم الفئات بشكلٍ مستمر. وكانت تسأل سؤالين أساسيين قبل اتخاذ أي قرار: كيف سيؤثّر القرار على كل فئة؟ وما أفضل أسلوبٍ للتعامل مع كلٍ منها؟ فبينما كانت تُشرِك الرافضين في مرحلةٍ مبكرة لاحتواء مخاوفهم، استفادت من الداعمين لخلق زخمٍ داخلي، واعتمدت على الحلفاء لتوسيع دائرة التأثير، أمّا المتمرّدون فاستعانت بهم لاختبار الأفكار وكشف الثغرات. وعلى الرغم من لجوئها لهذا التمرين في الأساس لدعم الفريق الداخلي، إلا أنّ نتائجه ساعدتها على تحديد شخصياتٍ خارجية يمكن أن تصبح "سفراء" لرؤية المؤسسة، قبل أن يتحوّل النهج إلى إطارٍ قياديٍ موحّد يجمع الفِرَق حول رؤيةٍ واحدة.

ومع بدء الرئيس التنفيذي الجديد في ممارسة دوره، يمكنه الاعتماد على مجموعةٍ من الأدوات لبناء أولوياته، من بينها ضمان انتقالٍ سلس، وتنظيم جولات استماع مع الأطراف المؤثّرة، وإجراء تحليلاتٍ استراتيجيةٍ معمّقة لهذه الجهات، بالإضافة إلى تفعيل الشبكات والعلاقات التي يتيحها المنصب الجديد.

عليك أن تضمن انتقالٍ سلس، سواء كنت رئيسًا تنفيذيًا من داخل المؤسسة أو من خارجها

ابدأ أولًا بتقييم أسلوب الرئيس التنفيذي السابق في إدارة علاقاته مع الأطراف المعنية؛ فقد يمنحك ذلك لمحةً عمّا يجب تطويره أو تجنّبه. وإذا أُتيحت لك فترة انتقالٍ قبل مباشرة مهامك، فاستفد منها لبناء تعارفٍ تدريجي وتكوين رؤيةٍ مشتركة حول واقع المؤسسة وتحدياتها.

ومع تولّيك مهامك الجديدة، تذكّر أن انتقال القيادة حدثٌ مزدوج: فدخولك إلى موقع المسؤولية، يتزامن مع خروج من سبقك منها. لذا، احرص على أن يكون الانتقال منظمًا ومتوازنًا، لتحافظ على استقرار المؤسسة، وتمنح العاملين الثقة والطمأنينة لاستمرار العمل دون اضطراب.

وتُعدّ هذه المرحلة الانتقالية فرصةً للحد من التوتّرات وإعادة بناء العلاقات عند الحاجة. ولهذا، تواصَل مع الأطراف التي قد لا تتوقّع لقاءك "مثل المستثمرين الناقدين أو الصحفيين" واستمع إلى آرائهم بجدّية. فليس الهدف كسبهم فورًا، بل إظهار اهتمام حقيقي، وفهم مخاوفهم، وفتح صفحةٍ جديدةٍ قائمة على الاحترام المتبادل.

وبالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين جاؤوا من داخل المؤسسة، فمن الأفضل أن يتبنّوا عقلية "الوافد الجديد". فبالرغم من كون المعرفة المتراكمة بثقافة المؤسسة ميزةً كبيرة، إلا أنها قد تُصعّب تحدّي الأساليب التقليدية. فالقادة المتميزون يقدّرون نجاحات الماضي، لكنهم يوضّحون لمن حولهم أن المرحلة المقبلة تتطلب رؤيةً مختلفة. ويمكن تحقيق هذا التوازن من خلال جلساتٍ مشتركة مع الرئيس السابق لشرح ما يجب الحفاظ عليه "مثل ثقافة المؤسسة والكوادر العاملة"، وما يتطلّب تحديثًا "مثل التكنولوجيا أو البحث والتطوير أو أيٍ من منهجيات العمل". كما يفيد الإصغاء للأصوات المتنوعة داخل المؤسسة، ودراسة تجارب الموظّفين المغادرين، والنظر إلى النماذج القيادية الملهمة لكشف نقاط الضعف التي تحتاج إلى تطوير.

أمّا إذا كنت قادمًا من خارج المؤسسة، فابدأ بدور "تلميذ المؤسسة". اطّلع على أرشيفها، وتعرّف إلى تاريخها، واستخلص الأنماط التي أسهمت في نجاحها، ثم استند إليها في صياغة رؤيتك المستقبلية. وفي الوقت ذاته، حافظ على موضوعيتك كوافدٍ جديد؛ فهي أحد أهم مصادر قوتك التي تمكّنك من تحديد إيقاع العمل، واتخاذ خطواتٍ جريئة، وقيادة التحوّل بثقة.

وأخيرًا، تتطلب مرحلة الانتقال أداءً سريعًا وحاسمًا. ففي بيئة الأعمال الحالية، لم يعد أمام الرئيس التنفيذي الجديد ما يُعرف بـ"فترة شهر العسل". وبينما قد يحتاج الآخرون في أدوارٍ مختلفة نحو ستة أشهرٍ أو عامٍ كامل للتأقلم، يُتوقّع من الرئيس التنفيذي أن يكون جاهزًا لتحديد الاتجاه واتخاذ القرارات الحاسمة منذ اليوم الأول.

مع تولّيك مهامك الجديدة، تذكّر أن انتقال القيادة حدثٌ مزدوج: دخولك إلى موقع المسؤولية، وخروج من سبقك منها. لذا، احرص في هذه اللحظة الفارقة على أن يكون الانتقال منظمًا ومتوازنًا؛ فهو ما يصون استقرار المؤسسة، ويمنح فريق العمل الطمأنينة لاستمرار المسار دون اضطراب.

استمِع لأهم الشخصيات المؤثرة

تُعدّ جولة الاستماع فرصةً ثمينة لفهم ما يشغل بال الأطراف المعنية في مؤسستك. لذا، خصّص وقتًا للقاء كل طرفٍ على حدة، واستمع إلى رؤيته للمستقبل وتوقعاته لمرحلة القيادة الجديدة. فهذه الحوارات ستساعدك على اكتشاف نقاط القوة والضعف المحتملة في استراتيجيتك، وتُظهر لك ما يجري بصورةٍ جيدة وما يحتاج إلى تطوير، فضلًا عن تعزيز قدرتك على التكيّف والانفتاح. ولا تتردد خلال هذه اللقاءات بأن تقول: "لا أعرف".8 فالاعتراف بعدم المعرفة لا يضعف موقفك، بل يعكس شفافيةً تُعزّز الثقة في أسلوبك القيادي.

ومن الأفضل أن تقوم بجولة الاستماع في مرحلةٍ مبكرة، حيث يكون الجميع على استعدادٍ للمصارحة. وقبل ذلك، احرص على إعداد أسئلتك بعناية، واطلب من المعنيين تزويدك بملاحظاتٍ بنّاءة تدعم روح التعاون (يُرجى الاطّلاع على العمود الجانبيّ: "أسئلةٌ إرشادية لجولات الاستماع"). كما تمنحك هذه الجولات فرصةً لاختبار روايتك القيادية ورسائلك الشخصية وصقلها "والتي تشبه إلى حدٍّ كبير الخطاب الذي يقدّمه القادة السياسيون",9 والتي سنناقشها بمزيدٍ من التفصيل لاحقًا.

وتمتد "جولة الاستماع" إلى ما هو أبعد من الإصغاء المباشر؛ فهي عملية تعلّمٍ عميق، والأهم أنها رسالةٌ واضحة تعكس نوايا القائد واتجاهاته. فكل سؤالٍ يطرحه الرئيس التنفيذي، أو حتى يمتنع عن طرحه يُعبّر بوضوحٍٍ عن أولوياته.

على سبيل المثال، عندما قرّر أحد الرؤساء التنفيذيين ترسيخ ثقافة الابتكار داخل مؤسسته، بدأ كل اجتماعٍ له بسؤالٍ واحد: "أخبرني عن تجربةٍ جديدةٍ تعمل عليها". ومع الوقت، دفع هذا النهج الموظفين إلى تبنّي سلوكٍ أكثر جرأةً وابتكارًا لضمان امتلاكهم إجاباتٍ أفضل، مما خلق موجةً ابتكاريةً واسعة داخل المؤسسة. وفي نموذجٍ آخر، حرص رئيسٌ تنفيذي على تعزيز التوجّه نحو العميل، فكان يسأل الموظفين باستمرار: "ما هي آخر ملاحظةٍ تلقيتها من أحد العملاء وجعلتك تغيّر من طريقة عملك؟". وفي كلتا الحالتين، تحوّلت الأسئلة إلى أدواتٍ فعّالة لإطلاق عملية التغيير ودفع المؤسسة نحو اكتساب مهاراتٍ وسلوكياتٍ جديدة.

قُم بإجراء "تحليلٍ استراتيجي" للأطراف المؤثرة

يُعدّ هذا التحليل الاستراتيجي تقييمًا منهجيًا يمنح القائد منظورًا محايدًا حول استراتيجية المؤسسة ومستوى أدائها، وتزداد أهميته عندما يتولّى المنصب شخصٌ قادمٌ من خارجها.

ولتنفيذ هذا التقييم بكفاءة، يُفضّل العمل مع فِرق المتابعة الإعلامية، والتواصل العام، وإدارة علاقات المستثمرين، إلى جانب فِرق التسويق، لجمع البيانات وتحليلها وفهم موقع المؤسسة من وجهة نظر مختلف الجهات المؤثرة، ودور كلٍ منها وتوقعاتها للمستقبل. ويمكن أيضًا الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتسريع عملية التحليل ورفع جودتها، إذ يتطلب التقييم النظر إلى المؤسسة من الداخل والخارج معًا، لتشخيص نقاط الضعف، وتحديد مجالات التحسين، ومقارنة الأداء بالمنافسين.

وتهدف هذه العملية في الأساس إلى فهمٍ أعمق لدوافع هذه الجهات وتفكيرها ومخاوفها "تمرين رقم 1"، لضمان أن تتماشى رؤيتك كرئيسٍ تنفيذي مع توقعاتهم الحالية وبعيدة المدى. ومع استكمال هذا التحليل، يصبح بإمكان القائد وفريقه رسم صورةٍ واضحة لمعنى النجاح والمعايير المطلوبة لتحقيقه.

استثمِر شبكة علاقاتك الجديدة

قد يشعر الرئيس التنفيذي الجديد بشيءٍ من العزلة في بداية تولّيه المنصب، مما يجعل بناء شبكة علاقاتٍ قوية مع نظرائه خطوةً حاسمة. فقد أثبتت تجارب العديد من القادة التنفيذيين أن هذه الشبكات تُعدّ مصدرًا مهمًا للتوجيه والدعم. ويُستحسن للرئيس التنفيذي الجديد أن يبادر بالتواصل مع قادةٍ يواجهون تحدياتٍ مماثلة، أو مع رؤساءٍ تنفيذيين سابقين مرّوا بتجارب مشابهة؛ فهؤلاء قادرون على تقديم رؤى عملية تساعد في اتخاذ قراراتٍ أكثر اتزانًا. بل إن بعض الرؤساء التنفيذيين الجُدد يَعتبرون هذه المجموعة بمثابة "مجلسٍ استشاريٍ شخصي" يمنحهم منظورًا أوسع خلال المرحلة الأولى من قيادتهم.

Nail your firsts: A new CEO’s guide to stakeholder impact

تميّزك يبدأ من رسائلك الشخصية: اصنع قصتك وتواصل مع الجميع

وسط تعدّد المهام والمسؤوليات التي تسترعي انتباهك في المرحلة الأولى من تولّيك المنصب، يصبح من الضروري أن تركّز على الأدوار التي لا يمكن لغيرك القيام بها. ومن هنا تبدأ خطوات بناء "رصيد الثقة" عبر صياغة رسائل شخصيةٍ صادقة ومعبّرة تجسّد أسلوبك القيادي، وتمكّنك من التواصل الفعّال مع الجميع، كلٌّ بحسب أولوياته وتوقعاته. ويمكن النظر إلى هذه الرسائل باعتبارها النسخة المؤسسية من خطاب المرشّح الانتخابي؛ ذلك الخطاب الذي يلتفّ حوله الآخرون، ويفهمون من خلاله رؤيتك، وينسجمون مع استراتيجيتك، ويمنحونك الدعم الذي تحتاجه في الأيام الأولى من رحلتك القيادية.

قُم بصياغة رسالتك عبر الإجابة عن الأسئلة الأربعة الأساسية

تُعدّ الروايةُ القيادية إحدى أهم أدوات الرئيس التنفيذي لصياغة رسائل واضحة ومقنعة يمكن تطويرها بمرور الوقت. ويجري بناء هذه الرواية من خلال الإجابة عن الأسئلة الأربعة الرئيسية "من؟ لماذا؟ ماذا؟ ومتى؟"، بما يضمن جذب اهتمام كافة الجهات التي تتعامل معها القيادة، وتعزيز فهمها للرؤية والاستراتيجية "تمرين رقم 2":

  • من أنت؟ قدّم صورةً صادقةً عن هويتك وقِيَمك وما يميّز أسلوبك القيادي. وكما يوضح دوغ باركر، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة السابق لشركة أميركان إيرلاينز: "على القائد أن يحدد ما يؤمن بأنه الصواب، وأن يُظهِر للجميع أنه يتصدر المشهد. فالناس يبحثون عمّن يثقون به ويتبعونه، ويريدون أن يعرفوا من يقودهم."10
  • لماذا أنت هنا؟ قُم بربط رسالتك الشخصية بمهمة المؤسسة ودورها. فهذه اللحظة تمثّل فرصةً لبناء علاقةٍ واضحة بين دوافعك الداخلية وبين الرؤية التي تريد ترسيخها داخل المؤسسة، بما يعزز الثقة في توجهاتك.
  • ما الذي ستنجزه؟ اعرض برنامج عملك بوضوح بما يعكس التزامك بتحقيق النتائج، وادعم رسائلك بخطواتٍ عمليةٍ ملموسة. فمثلًا، كتب ديفيد إليسون، الرئيس التنفيذي لشركة "باراماونت" العالمية، في رسالته لعام 2025 "الرياضة محرّكٌ قويٌ لتعزيز ارتباط الجمهور بالمحتوى".11 وهو ما قام بتطبيقه على أرض الواقع، فبعد أقل من أسبوعٍ على تولّيه المنصب، أبرم اتفاقًا تاريخيًا لحقوق البث مع منظمة "UFC" – أكبر بطولةٍ عالميةٍ في الفنون القتالية المختلطة – بعقدٍ يمتدّ لسبع سنوات وبقيمة 7.7 مليار دولار، في خطوةٍ عكست مصداقية رؤيته وقوة التزامه من خلال الأفعال.12
  • ومتى ستنفّذ خطتك؟ قُم بشرح ما ستباشر تنفيذه على الفور، مع رسم ملامح الخطوات المستقبلية. وهو ما فعله أحد الرؤساء التنفيذيين في قطاع الخدمات المالية، حيث قدّم برنامجًا جديدًا لتجربة الموظف ليكون ضمن رؤيةٍ أشمل لإعادة تصميم هذه الرحلة بشكلٍ كامل داخل المؤسسة.

الرواية القيادية المُتقنة تمكّنك من إيصال رسائلك الجوهرية بوضوحٍ وقوة، وتظل قابلةً للتطوير والإثراء كلما تقدّم بك الزمن.

Nail your firsts: A new CEO’s guide to stakeholder impact

تعزيز مهارة السرد القيادي

قد يمتلك بعض القادة موهبةً فطرية في سرد القصص، فيما يحتاج آخرون إلى تطويرها مع الوقت، لكنها في جميع الأحوال مهارةٌ يمكن صقلها بالممارسة المستمرة والتحسين المتدرّج.13 وتوضح جودي ماركس، الرئيسة التنفيذية لشركة "أوتيس" للمصاعد والسلالم الكهربائية، أنها لم تكن ترتاح للظهور العلني في بداياتها، ولم تتلقَّ تدريبًا رسميًا عليه، لكنها عملت بإصرارٍ على تنمية هذه المهارة حتى أصبحت "الراوية الأولى" للشركة. وتقول اليوم إن السرد أصبح عنصرًا أساسيًا في عملها.14

وتُظهر الخبرات العملية أن هناك مجموعةً من الممارسات القيادية الفعّالة التي يمكن أن تعزّز قدرة الرؤساء التنفيذيين على صياغة رواياتٍ مؤثرة ورسائلٍ تظل عالقةً في الأذهان. ومن أبرز هذه الممارسات:

  • الموازنة بين متطلبات الدور المتناقضة: يتعيّن على الرئيس التنفيذي التوفيق بين متطلبات الحاضر وطموحات المستقبل؛ تحقيق نتائج سريعة من جهة، والاستثمار في مسارات التحوّل المستقبلي من جهةٍ أخرى، مع المحافظة على ما أثبت نجاحه بالتوازي مع قيادة التغيير. ولهذا، ينبغي ألّا تكون الرسائل القيادية نصًا ثابتًا، بل إطارًا حيًّا يتطور باستمرار وفقًا للتواصل مع مختلف الأطراف، وتغيّر الأولويات، والدروس المستفادة مع مرور الوقت.
  • ترسيخ الرسالة عبر لغةٍ واضحة وأُطُرٍ ذهنية مميزة: فاللغة التصويرية والاستعارات القوية تُساعد على فتح آفاقٍ جديدة للتفكير وترسيخ المفاهيم. ولهذا يعتمد بعض القادة التنفيذيين على التشبيهات التي تمنح رسائلهم عمقًا وتسهم في ترسيخها. ويُمثّل ساتيا ناديلا مثالًا ملهمًا على ذلك، من خلال تبنيه شعار "نتعلم كل يوم" بدلًا من مفهوم "نعرف كل شيء"، وهو ما ساعد على ترسيخ عقلية النمو داخل مايكروسوفت.15
  • الحفاظ على بساطة الرسالة: أقوى الرسائل هي تلك التي تُقال بأقل عددٍ من الكلمات. لذلك، حاول بلورة فكرتك الجوهرية في ست كلماتٍ أو أقل؛ فالبساطة تمنح المؤسسة وضوحًا في الهدف، وتُرسّخ اتجاهًا استراتيجيًا ثابتًا، وتنعكس على مختلف الأنشطة، من البحث والتطوير إلى الحملات التسويقية. وتُعدّ الشعارات الموجزة ذات الأثر العميق مثالًا حيًا على ذلك، مثل رسالة نايكي: "جلب الإلهام والابتكار لكل رياضي"، وشعار بنك DBS: "جعل الخدمات المصرفية تجربةً مبهجة".
  • التأكيد عبر التكرار: كما وصف "إيه. جي. لافلي"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "بروكتر آند غامبل"، فإن القائد يحتاج أحيانًا إلى ممارسة "التكرار المرهِق" لترسيخ رسالته.16 فقد أظهرت الدراسات أن قادة النمو يكررون رسائلهم داخليًا وخارجيًا بنسبةٍ تزيد بـ 80 في المائة مقارنةً بغيرهم، لضمان رسوخ الفكرة لدى الوعي المؤسسي.17
  • اختبار الرسالة القيادية وتطويرها: من المفيد الاستعانة بآراءٍ خارجية محايدة لتحليل الرسالة وكشف نقاط ضعفها. فقد يلجأ بعض الرؤساء التنفيذيين إلى صحفيين استقصائيين لتفكيك رسائلهم وإعادة بنائها قبل اللقاءات الإعلامية المهمة، وذلك لضمان أكبر قدرٍ من الوضوح والدقة.
  • بناء منصة تواصل متكاملة تخدم أهدافه: يقود الرئيس التنفيذي اليوم قوةً عاملة متعددة الأجيال.18 مما يجعل نجاح الرسالة القيادية مرهونًا باستراتيجية اتصالٍ متوازنة ومترابطة. وتشمل هذه الاستراتيجية الظهور الإعلامي، والتفاعل عبر المنصات الرقمية، والمشاركات العلنية المنظمة. وعندما تُدار هذه العناصر بتناغمٍ واحترافية، تتحول رسائل القيادة إلى مشروعٍٍ تشاركيٍ يجتمع حوله الرئيس التنفيذي والجهات المؤثرة داخل المؤسسة، بما يضمن الوصول إلى الجمهور بلغتهم وبالأسلوب الأقرب إليهم، ويفتح المجال لحوارٍ فعّال ثنائي الاتجاه.

ترسيخ عقلية النمو وبناء فريقٍ من الخبراء لنقل الرسائل الاستراتيجية

بعد استعراض الأدوار الجوهرية التي تقع على عاتق الرئيس التنفيذي وحده في قيادة التواصل، يبقى مهمًا ألّا يكون هذا الجهد فرديًا. فمنذ اللحظة الأولى، عليك تحديد الإطار الذي ترغب أن يتّبعه فريقك في التفاعل مع مختلف الدوائر داخل المؤسسة وخارجها.

ولتحقيق ذلك، عليك أن تتبنّى منظورًا أشمل يتيح لك رؤية المشهد بشكلٍ كامل، وربط أدوار فريقك القيادي بكل الأطراف التي ينبغي التواصل معها. وكما تكشف التجارب الحديثة أن أكثر القادة نجاحًا يعتمدون منهجيةً متكاملة تقوم على ثلاث ركائز أساسية: إشراك الفريق التنفيذي الأساسي، لضمان وضوح الرسالة وثبات اتجاهها. العمل على انتشار الرسالة من خلال تعيين "سفراء" لنقل هذه الرسالة داخل المؤسسة وخارجها بأسلوبٍ متّسق يعزّز حضورها وتأثيرها. وأخيرًا، تنمية مهارات السرد القيادي لدى الفريق، عبر تبادل الخبرات بين القائد وفريقه، بحيث يكون الرئيس التنفيذي معلّمًا ومتعلّمًا في الوقت ذاته، يعمل على تعزيز القدرة الجماعية على صياغة القصص المؤسسية وإيصالها.

رؤية القائد الشاملة لا تكتمل إلا بثلاثة أسس: اصطفافٌ قيادي متجدّد، ورسالةٌ يمتد صداها عبر سفراء مؤثرين، وسردٌ مؤسسي يتطوّر بتعلّم القائد وفريقه معًا.

إشراك الفريق التنفيذي لضمان وضوح الرسالة وتوحيد الرؤية القيادية

يعتمد القادة المتميزون على فِرقهم التنفيذية العليا لتعزيز تواصلهم مع الأطراف المؤثرة وتسريع وصول الرسائل الرئيسية داخل المؤسسة وخارجها (تمرين رقم 3).19

ولتحقيق هذا الهدف، يصبح من المهم توفير مساحةٍ واضحة يركّز فيها الفريق على التواصل والمشاركة باعتبارهما أولويةً أساسية. فعلى سبيل المثال، نظّم أحد الرؤساء التنفيذيين الجُدد ورشةَ عملٍ استراتيجية امتدّت على مدار يومين كاملين لتطوير الرسائل المحورية لمؤسسته. وخلال هذه الورشة، عمل الفريق على إعادة صياغة روايةٍ مشتركة تُجسّد رؤية المؤسسة واستراتيجيتها المستقبلية، ثم انتقل كل عضوٍ إلى إعداد روايته الشخصية وعرضها أمام زملائه وتبادل الملاحظات معهم. وقد أسهم هذا النهج في بناء فهمٍ موحّد وتعزيز روح العمل الجماعي. ومنذ ذلك الحين، أصبح التواصل مع الأطراف المؤثرة بندًا ثابتًا على جدول اجتماعات الفريق التنفيذي.

Nail your firsts: A new CEO’s guide to stakeholder impact

وفي مثالٍ آخر، اتّبع أحد القادة التنفيذيين نهجًا أكثر تنظيمًا عبر إعداد لوحة متابعةٍ تنفيذية تتضمن مجموعةً من مؤشرات الأداء الكمية والنوعية لقياس مدى تفاعل كل قائدٍ مع الأطراف المؤثرة داخل المؤسسة وخارجها، مثل حجم الظهور الإعلامي، وآراء العملاء والموظفين، وعدد اللقاءات العامة، والجلسات المخصّصة للعملاء، والمشاركة في الحوارات والفعاليات. وقد برهنت هذه الممارسات على أن القادة المتميزين لا ينظرون إلى "المهام الناعمة" – مثل الثقافة، والموهبة، والتواصل – باعتبارها أمورًا ثانوية، بل يتعاملون معها بالجدية نفسها المخصّصة للمهام التشغيلية والمالية، إدراكًا لدورها المحوري في نجاح المؤسسة.

توسيع دائرة المؤثرين داخل المؤسسة واختيار "سفراء" للرسائل القيادية

لضمان وصول الرسائل الاستراتيجية بفاعليةٍ عبر مختلف مستويات المؤسسة، يحتاج الرئيس التنفيذي إلى اختيار مجموعةٍ من "السفراء" – وهم الموظفون المؤثرون الذين يمتلكون قدرةً حقيقية على نقل الرسائل القيادية والتأثير في زملائهم. ويمكن أن يظهر هؤلاء السفراء في أي مستوى تنظيمي، إلا أنهم غالبًا ما يكونون من القادة الصاعدين في المستويين الثاني أو الثالث داخل الهيكل الإداري، ويتشاركون ثلاث صفاتٍ أساسية: أولًا، القدرة على توحيد الآراء المتباينة وحشد الموظفين حول رؤيةٍ واضحة ومشتركة. ثانيًا، امتلاك تأثيرٍ واسع داخل المؤسسة يشمل فِرقهم المباشرة ويصل إلى موظفين لا تربطهم بهم علاقةٌ إداريةٌ مباشرة. أما الصفة الثالثة، فتتمثّل في كونهم المرجع الذي يلجأ إليه القادة عند مواجهة المشكلات المعقّدة، لما يتمتعون به من خبرةٍ وثقة داخل المؤسسة.

التواصل عبر سرد القصص… مهارة يجب أن يتقنها القائد ويعلّمها لغيره

أصبح سرد القصص اليوم أحد أهم أدوات القيادة الحديثة، ليس فقط كوسيلة إلهام، بل كمهارةٍ يجب على القائد إتقانها وتعليمها لفريقه. فاختيار لغةٍ موحّدة، وصياغة رسائل واضحة، وربطها بقصصٍ تنبع من الواقع المؤسسي، جميعها عواملٌ تتيح بناء فهمٍ مشترك وتوجّهٍ موحّد داخل المؤسسة. وفي ظل تسارع ثورة الذكاء الاصطناعي، تتضاعف أهمية هذه المهارات الإنسانية، وهو ما يؤكده مات برينس، الرئيس التنفيذي لشركة "كلاودفلير"، حين يشير إلى أن دراسته للأدب الإنجليزي كانت أكثر نفعًا لمسيرته القيادية من علوم الحاسوب، لأن جوهر دوره يقوم على الكتابة والتواصل الواضح.20 وتتفق إدارات الموارد البشرية مع هذا النهج، إذ يرى قادتها أن مهارات التواصل والتأثير وصياغة الرسائل أصبحت من أهم القدرات المطلوب توافرها في الجيل القيادي القادم.21

وتزداد فاعلية هذا النهج حين يبدأ القائد بنفسه، فيقدّم نموذجًا للتواصل المؤثر ويعمل على تطوير مهارات فريقه في التعامل مع الأطراف المؤثرة. فهذه الممارسة لا تعزّز القدرات الفردية فحسب، بل توسّع دائرة القادة المحتملين، وتبني مسارًا مستدامًا لنمو القيادات داخل المؤسسة. ومع مرور الوقت، تنشأ بيئة عملٍ تكون بمثابة "مصنعٍ للقيادة" قادرٍ على قيادة التطوير داخل المؤسسة والحفاظ على حضورها وتأثيرها.

ولتعزيز هذا النهج، بادر أحد الرؤساء التنفيذيين بإتاحة فرصةٍ حقيقيةٍ لفريقه للتعامل المباشر مع جهاتٍ مؤثرة لا يلتقون بها عادةً، فبدأ باصطحاب "مساعد مرافق" إلى الجلسات التي يقودها؛ فكان المدير المالي يشاركه المقابلات الإعلامية، بينما حضر مدير الإدارة التنفيذية اجتماعات العملاء. وسرعان ما تبنّى القادة التنفيذيون الآخرون هذا الأسلوب، فاصطحب كلٌ منهم مساعدين مرافقين – وغالبًا ما يكونون من بين "السفراء" المختارين مسبقًا – لحضور الاجتماعات الأساسية. وأسهم هذا النهج في تدريب القادة الصاعدين بشكلٍ عملي وفوري، وتوسيع رؤيتهم للصورة الكاملة، وتعزيز التعاون بين الفِرق المختلفة.22

وبطريقةٍ مشابهة، اتّبع بيتر أورزاك النهج ذاته بعد تولّيه منصب الرئيس التنفيذي لشركة "لازارد"، حيث أطلق سلسلةً من جلسات "الصالون" التي أقامها في مكتبه وأحيانًا في منزله، ودعا إليها أبرز الأطراف المؤثرة لمناقشة القضايا الراهنة. كما شجّع فريقه القيادي على تبنّي المبادرة، لدرجة أنه أعاد تجهيز إحدى قاعات الاجتماعات وتحويلها إلى مساحةٍ راقيةٍ مخصّصة لاستضافة كبار الضيوف وتبادل النقاشات.23

إطلاق جهود التواصل وضمان استمراريتها بثباتٍ واتّزان

تتطلّب القيادة الحديثة قدرةً عاليةً على التحمل؛ فالكثير من المديرين يبدأون بنوايا ممتازة، لكن أكثر من نصفهم ينتهي بهم الأمر إلى الإرهاق الوظيفي.24

ولتجنّب هذا المصير، ينبغي على القائد أن يتواصل مع الجميع بالطريقة نفسها التي يتبعها الرياضيون المحترفون، وذلك من خلال إدارةٍ واعية للوقت والطاقة، وتركيزٍ واضح على الأولويات.25

ولضمان تواصلٍ مستدام مع الجهات المؤثرة داخل المؤسسة وخارجها، يمكن اعتماد ثلاث ممارساتٍ رئيسية: إدارة الطاقة بدلًا من الاكتفاء بإدارة الوقت، الاستعداد المسبق للأزمات وكيفية التعامل معها، ودمج التفاعل مع الأطراف المؤثرة ضمن إيقاع العمل اليومي للمؤسسة.

تنظيم الجهد بدلًا من الاكتفاء بإدارة الوقت

بصفتك الرئيس التنفيذي وواجهة المؤسسة، فإن نجاحك يعتمد على إدارة وقتك وطاقتك معًا. فلا يكفي تنظيم جدول الاجتماعات، بل يتطلب الأمر التفكير بطريقةٍ استراتيجية في كيفية استهلاك طاقتك وتوزيعها عبر المهام المختلفة "تمرين رقم 4".

ويستلزم ذلك عقليةً استباقية تساعدك على تحديد ما يستحق وقتك فعلًا، ومن ينبغي أن تمنحه الأولوية.

ولتحسين قراراتك، اسأل نفسك دائمًا: هل ينبغي أن أقود هذا الأمر بنفسي، أم من الأفضل أن أُوكل تنفيذه إلى غيري؟ بمعنى آخر: هل من الأنسب أن تكون أنت محور التفاعل أم مهندسُه؟ إن هذا النهج سيساعدك على رفع كفاءة تفويض المهام، وترتيبها وفقًا للأولوية، مع إبقاء فريقك على ثقةٍ بأنك مطّلعٌ ومتابعٌ لكل ما يجري.

وفي الوقت ذاته، احرص على ألا ينحصر تواصلك مع الجهات الداخلية فقط أو ينصرف بالكامل إلى الخارج المؤسسة. فالدراسات تشير إلى أن الرؤساء التنفيذيين الجُدد يشهدون خلال الأشهر الثلاثة الأولى تراجعًا ملحوظًا في عدد الاجتماعات الداخلية وقنوات التواصل بين الوحدات المختلفة بنسبةٍ تصل إلى 20 في المائة، مما يؤدي إلى ارتباك وإبطاء تدفّق المعلومات.26 ورغم أن وتيرة التواصل عادةً ما تعود لطبيعتها بعد ستة أشهر، إلا أنه من الممكن تجنّب هذا الارتباك منذ البداية عبر تخطيطٍ متوازن يراعي التفاعل مع الفِرق الداخلية كما يراعي الشركاء الخارجيين، من خلال معدلات تواصلٍ ثابتة ومستمرة معك ومع فريقك القيادي.

الاستعداد للأزمات والتعامل معها

ترتبط جاهزية المؤسسة لإدارة الأزمات ارتباطًا مباشرًا بقدرتها على التواصل الموثوق مع الأطراف المؤثرة. ففي المواقف الحرجة، يصبح وضوح القائد وثقته عاملين حاسمين في توجيه المؤسسة. ولذلك، يُستحسن استثمار الفترة الأولى من تولّيك المنصب في تحديث دليل الاستجابة للأزمات، بالتعاون مع مجلس الإدارة,27 والفريق التنفيذي، وفِرق الاتصالات والموارد البشرية. كما يُفضّل إدراج تمارين محاكاة منتظمة ضمن جدول أعمال الفريق القيادي لضمان جاهزية الجميع عند حدوث أي اضطراب. ونظرًا لاختلاف الأزمات في طبيعتها وحجم تأثيرها، ينبغي على القائد التمييز بين القضايا التي تستوجب تدخّلًا مباشرًا، وتلك التي يمكن معالجتها عبر الفريق التشغيلي. ويظل العامل الأهم هو التركيز على المسائل الجوهرية المرتبطة بهوية المؤسسة وقيمها الأساسية. وفي هذا السياق، يتعيّن على القائد منح الأولوية للملفات الكبرى التي تتطلّب حضوره المباشر، مع تفويض التفاصيل التشغيلية لفريقٍ متخصصٍ قادر على إدارتها بسلاسةٍ وكفاءة، بحيث يكون الأداء العملي هو الرسالة الأوضح في أوقات الأزمات.28

تصرّف كرياضيٍّ محترف في تفاعلك مع الجميع، واجعل تركيزك موجَّهًا بدقّة نحو كيفية إدارة وقتك وطاقتك.

Nail your firsts: A new CEO’s guide to stakeholder impact

اسأل نفسك دائمًا: هل ينبغي أن أقود هذا الأمر بنفسي، أم من الأفضل أن أُوكله إلى غيري؟ فالقائد الناجح يعرف متى يكون في مقدّمة المشهد ومتى يكتفي بهندسته، ليُحسِن تفويض المهام وترتيب الأولويات دون أن يفقد حضوره الفاعل.

دمج التواصل مع الأطراف المؤثرة ضمن إيقاع العمل اليومي

يقضي الرؤساء التنفيذيون نحو ثلث وقتهم في التفاعل مع الأطراف الخارجية,29 إلا أن أسلوب كل قائدٍ يختلف تبعًا لأولوياته ونهجه. فبينما اتّسمت الزيارات الفصلية التي قامت بها غايل كيلي من بنك "ويستباك" الأسترالي بالصرامة والدقة لاستيعاب أكبر عددٍ من الأطراف المؤثرة.30 فضّل ريتشارد ديفيس من "يو إس بانكورب" تأجيل توسيع دائرة تواصله الخارجي إلى حين بناء فريقٍ قادرٍ على التعامل مع هذا القدر من الانفتاح بالكفاءة اللازمة.31

ومع تطوّر المشهد المؤسسي، يمكن لإيقاع التواصل الذي يضعه القائد في بداية ولايته أن يتبدل ويُعاد تشكيله بما ينسجم مع المتغيرات الجديدة. فالوفاء المبكر بالوعود يبني الثقة ويمنح القائد مرونةً أكبر في إدارة الوقت مع تقدّم سنوات القيادة. وهو ما يلخّصه هوبيرت جولي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "بيست باي" بقوله: "عندما تفي بوعودك، يقل اعتماد الآخرين عليك، ويصبح تركيزهم منصبًّا على نتائجك وقدرتك على تطوير العمل والوفاء بالتزاماتك".32

ويحرص القادة الأكثر نجاحًا على تبنّي أسلوبٍ عمليٍ يقوم على مزيجٍ متوازن من الانضباط والمرونة؛ إذ يضعون جدول عملٍ واضح الأولويات، لكنه قابلٌ للتعديل وفق المستجدات. وتشرح ماريلين هيوسون من "لوكهيد مارتن" هذا النهج بقولها: "في سبتمبر من كل عام، نضع خطةً سنويةً شاملة للعام المقبل، تشمل مكالمات المستثمرين، وزيارات العملاء، والمعارض، والمؤتمرات. وإذا طرأ حدثٌ جديد، نقوم إما بإدراجه ليحل محل نشاطٍ آخر أو استبعاده بحسب الأولويات. إنها ليست خطةً جامدة، لكنها تُظهِر بوضوحٍ الجوانب التي ينبغي التركيز عليها."33 وتظل المرونة – أو ما يصفه بعض القيادات بـ "العشوائية المنظَّمة" – عنصرًا جوهريًا يتيح للقائد مساحةً أكبر لتسليط الضوء على نجاحات المؤسسة، والاحتفاء بها، وتعظيم حضور رسائلها في الداخل والخارج.


ويمتد التواصل الفعّال مع الأطراف المؤثرة إلى ما هو أعمق من التفاعلات اليومية؛ فهو يقوم على بناء علاقاتٍ راسخة تقوم على الثقة والوعي، وتمنح القائد القدرة على توجيه المؤسسة وفريقه في اتجاهٍ واحد.

وبصفتك الرئيس التنفيذي، فأنت النقطة التي تتقاطع عندها رؤى المؤسسة، وصاحب النظرة الشمولية القادرة على جمع عناصر الصورة المختلفة في إطارٍ واحد يدفع المستقبل إلى الأمام. واعتماد أسلوبٍ منهجي في هذه المرحلة يمنحك فرصةً لتوحيد الأطراف المؤثرة حول رؤيةٍ مشتركة تُسرّع من وتيرة تقدّم الشركة.

ونحن على ثقةٍ بأن خطواتك المقبلة ستكتب فصلًا جديدًا في رحلتك القيادية، فصلًا يحمل مزيدًا من الأثر والإنجاز.

يمكنك تحميل تمارين التأمل وقائمة المتابعة الخاصة بالأطراف المؤثرة، من هنا.

Explore a career with us