تؤكد الأحداث التي وقعت في الأعوام الماضية أهمية تعاون المسؤولين التنفيذيين وترحيبهم بالآراء المختلفة عند محاولتهم حل المشاكل المعقدة في مواقع العمل. وعلى سبيل المثال، لم تكن الشركات مستعدة بشكل جيد لمواجهة الجائحة العالمية والنتائج السلبية التي ترتّبت عليها، بما في ذلك أزمات سلسلة التوريد، والتسرب الوظيفي الكبير التي نتج عنها، والانتقال نحو أنماط العمل عن بُعد (والهجينة اليوم)، والتي تطلبت من أصحاب العمل إعادة التفكير بشكل كامل حول استراتيجياتهم المتعلقة بالمواهب. ولكن نجح قادة الأعمال في معظم الحالات بتجاوز حالة انعدام اليقين من خلال التعاون والمشاركة في حوارات وتحليلات عميقة حول أفضل الخطوات التي ينبغي اتخاذها، إلى جانب العمل مع الموظفين والموردين والشركاء وغيرهم من الجهات المعنية للاستجابة وتحقيق التعافي في نهاية المطاف.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
ولا يقتصر الأمر على جائحة كوفيد-19، فقد اضطرت الكثير من الشركات لإعادة النظر في استراتيجياتها وممارساتها في ظل تصاعد المخاوف البيئية، والحرب في أوكرانيا، والحراك الاجتماعي المرتبط بالعنصرية، والانتهاكات الجنسية، وحالات عدم المساواة الاقتصادية. وعلى الرغم من طابعها المعقد وسريع التغير والمليء بالتحديات، تنطوي بيئة الأعمال الحالية أيضًا على إمكانيات كبيرة، حيث يمكن للمؤسسات التي تدعم الابتكار العثور على فرص مهمة لتحقيق الازدهار. ويحتّم ذلك، اليوم أكثر من أي وقت مضى، على أصحاب القرار عدم الانفراد بقراراتهم، وإنما الاطلاع على الآراء المختلفة والإصغاء بشكل جيد لجميع وجهات النظر. 1
ويزعم الكثير من قادة الأعمال بأنهم يتقبلون الانتقادات، إلا أن استجابتهم لهذه الانتقادات غالبًا ما تتغير عندما يتلقونها فعليًا. فقد يتخذون في بعض الأحيان موقفًا دفاعيًا، أو يشككون بقراراتهم الخاصة، أو قد ينزعجون من اضطرارهم لقضاء بعض الوقت في إعادة النظر في عمليات اتخاذ القرار. ولا شك أن ردود الفعل هذه طبيعية، إذ يفضل القادة ضمان ولاء الموظفين ودعمهم عوضًا عن الاضطرار لمواجهة تحديات كبيرة من فرق العمل. ويمتد الشعور بعدم الراحة أيضًا إلى الموظفين الذين يرغبون بتوجيه بعض الانتقادات، إذ يمنحهم الاحتفاظ بآرائهم لأنفسهم والتعايش معها شعورًا أكبر بالاطمئنان بالمقارنة مع المجازفة بتعريض أنفسهم للفصل من الشركة. 2
وتفتقد الكثير من الشركات، بحسب خبراتنا، إلى القدرة على الاستفادة من "النقد البنّاء"، أو الإمكانيات اللازمة للمشاركة في مناقشات سليمة حول مشاكل العمل المعقدة، حتى لو تضمنت بعض الاختلاف في وجهات النظر. ويتيح النقد البنّاء للأفراد والمجموعات إمكانية التعبير عن آرائهم المختلفة بطريقة تسهم في توجيه النقاشات نحو تحقيق نتائج إيجابية، ودون التقليل من شأن القادة أو تماسك مجموعة العمل.3
وتوفر أبحاث ماكنزي وخبراتها في هذا المجال عددًا من الخطوات التي يمكن لقادة الأعمال اتباعها للتشجيع على النقد البنّاء، وتطوير ثقافة عمل تفضي إلى تقديم ملاحظات مفيدة وصريحة. ويشمل ذلك وضع نماذج خاصة بسلوكيات "الانفتاح"، ودمج مفهوم الاطمئنان النفسي والنقاش الفاعل في عمليات اتخاذ القرار، فضلًا عن تزويد الموظفين بمهارات التواصل التي تتيح لهم إمكانية المساهمة بفعالية في النقد البنّاء.
ونقدّم من خلال هذه المقالة خطوات محددة يمكن لقادة الأعمال اتباعها للتشجيع على النقد البنّاء، والإجراءات التي تتيح لفرق العمل والموظفين مشاركة آرائهم ووجهات نظرهم بفعالية قصوى. ويتطلب ذلك من كلا الجانبين المشاركة في نقاشات معمّقة للعثور على الحلول المناسبة، وإحداث تغيير إيجابي طويل الأمد.
الآليات التي تتيح لقادة الأعمال تشجيع النقد البنّاء
يمكن لقادة المؤسسات لعب دور محوري لضمان أن ينظر الأفراد وفرق العمل إلى النقد البنّاء كجزء طبيعي من أي نقاش. ويمكن لهؤلاء القادة التأكيد على أهمية النقد البنّاء من خلال اتخاذ مجموعة من الخطوات لإضفاء الطابع المؤسسي على ممارسات النقد في المؤسسات، إلى جانب تمكين الموظفين من مشاركة أفكارهم بحرية وعلى نحو مثمر. وعلى وجه التحديد، ينبغي أن يسعى القادة لإلهام الموظفين بدلًا من توجيههم نحو التعاون، ومطالبتهم بشكل صريح بتقديم انتقاداتهم، واتخاذ خطوات إضافية للتواصل الفاعل مع الموظفين الذين يقدمون انتقادات بناءة (يرجى مراجعة الشريط الجانبي "آليات التشجيع على النقد البنّاء").4
الإلهام وليس التوجيه
يقول الكاتب والمتحدث الملهم سيمون سينك: "لا يتمثل دور القائد في تقديم جميع الأفكار العظيمة، وإنما في توفير بيئة تتيح إمكانية تقديم تلك الأفكار".5 ويكتسب ذلك أهمية خاصة لتعزيز أجواء التعاون والنقد البنّاء. وعندما واجهت إحدى المؤسسات العالمية الكبرى أزمة صعبة، لم تكن ردة فعل أحد قادتها بالمسارعة إلى مناقشة الحلول المتاحة لتهدئة مخاوف فريقه، وإنما توجه إليهم بالقول: "أظن بأنكم تشعرون بحالة من الارتباك وانعدام اليقين تجاه المستقبل. هذا أمر جيد. وأنا مسرور جدًا لأننا نفكر في نفس الموضوع، ولأننا جميعًا ندرك جيدًا الظروف التي نمر بها. أثق بقدرتنا على حل المشاكل سوية، ولكن ذلك يتطلب منا جميعًا بذل جميع الجهود الممكنة للخروج بأفضل الأفكار. فلنبدأ إذًا". وبفضل ما يتمتع به من مصداقية وأريحية في التعامل، نجح هذا القائد في التواصل مع موظفيه وإلهامهم وتشجيعهم على الحفاظ على الهدوء، ومواصلة العمل، وابتكار الحلول التي لم يكن ليتمكن من الوصول إليها بمفرده. ويقول "رون هايفتز"، البروفيسور في جامعة هارفارد، إن هذا الأسلوب يسهم في بناء بيئة عمل متماسكة، ويمثل عنصرًا أساسيًا من القيادة القادرة على التكيف مع الظروف. 6
المطالبة الصريحة بتقديم النقد
يجب على القادة مطالبة موظفيهم صراحة بتقديم النقد البنّاء، وعدم الاكتفاء بمنحهم الإذن في ذلك. وقد يكون لدى الأفراد وفرق العمل في الكثير من الشركات فهم خاطئ حول مفهوم الزمالة في العمل، وقد يكونوا غير مدركين لوجود طرق كثيرة تتيح لهم نقد الأفكار وضمان احترام أدوار زملائهم ومستويات ذكائهم. لذا، تقع على عاتق القادة مسؤولية مساعدة موظفيهم على فهم حدود النقد. وخلال الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، كان الجنرال الأسترالي "جون موناش" مصممًا على تطوير تكتيكات أفضل لمعالجة النتائج الكارثية المترتبة على حرب الخنادق. وأدرك "موناش" إمكانية العثور على الحلول الملائمة استنادًا إلى خبرات الجنود في الخنادق، ولكن كان يتعين عليه إظهار بعض التراخي في تطبيق مبادئ الانضباط العسكري المتعلقة بالطاعة العمياء للقادة، وقال "موناش": "أنا لا أهتم كثيرًا بولاء الجندي لي عندما أكون على صواب؛ ولكني أقدّر ولاءه عاليًا عندما ينبهني إلى أني على خطأ". وعقد "موناش" جلسات مفتوحة لتخطيط المعارك، واستمع إلى جميع النصائح المقدمة له، ما أتاح له إمكانية تطوير خططه الخاصة وتعزيز الثقة بها من قبل جميع المقاتلين على اختلاف رتبهم العسكرية. وأفضى الهجوم المنسق لقوات الدبابات والمدفعية والطائرات والمشاة إلى تحقيق تقدم سريع على طول وادي السوم، واكتسب "موناش" احترام وتقدير مرؤوسيه بفضل نجاحه الكبير في زيادة فرص نجاتهم وتحقيق النصر الحاسم.
التواصل الفاعل مع الموظفين الذين يقدمون انتقادات بناءة
ينبغي للقادة اتخاذ خطوات إضافية بعد مطالبة الموظفين بتقديم انتقاداتهم، والسعي للاطلاع على آراء الموظفين ممن يقدمون انتقادات بناءة، والذين يمكن أن يصبحوا من الأشخاص المؤثرين بمجرد تفعيل مشاركتهم في النقاشات. ويسهم هؤلاء الموظفون في تحسين طبيعة النقاشات التي تدور حول الأعمال، والارتقاء بجودة القرارات النهائية، على الرغم من أن التواصل والتفاعل معهم قد يكون مزعجًا بالنسبة للقادة، فقد يكون من المزعج أحيانًا الاستماع إلى الآراء المخالفة أو غير المدروسة. ويتعين على القادة عندها تنحية الشعور بعدم الارتياح، والانتباه إلى مؤشرات التباين المعرفي داخل المؤسسة. وعلى سبيل المثال، قد يعبّر موظفو الخطوط الأمامية عن أنفسهم بالقول: "لا يُنظر إلينا كمفكرين استراتيجيين"، أو "لا تركز الشركة على الموظفين في المقام الأول"؛ بينما يكون الاعتقاد السائد لدى فريق الإدارة العليا بأنهم نجحوا في قطع أشواط طويلة في كلا الحالتين. وعلى الرغم من ذلك، يتعين على القادة تقبّل هذه الملاحظات بصدر رحب، والتعامل معها على أنها نقاط مفيدة لجمع البيانات، وتقييم مدى صحتها، والمشاركة في نقاشات قد لا تخلو من التحديات. ويمكن للقادة الاستعانة بحلول تشمل الفرق الحمراء ومؤشرات التعطل، والتي تقوم فيها فرق العمل بتوقع جميع الاحتمالات المتعلقة بفشل المشاريع، وتحديد الآراء المخالفة، وتلخيص الأفكار الجماعية للعثور على حلول إيجابية ملائمة. وتسهم هذه السلوكيات أيضًا في تعزيز المرونة التنظيمية والقدرة على تجاوز التحديات.
الآليات التي تتيح للقادة إرساء حالة من الاطمئنان النفسي
يتعين على قادة المؤسسات إنشاء بيئة عمل توفر الأمان اللازم لتقديم وجهات نظر مخالفة. وتشير دراسات معهد ماكنزي للصحة في مجال رفاهية الموظفين إلى وجود ترابط قوي بين سلوكيات القادة وانتشار ثقافة التعاون، والوقاية من مشاكل الصحة الذهنية والإجهاد: حيث تتراجع مستويات المشاركة في تنمية القدرات الذاتية لدى الموظفين في بيئات العمل التي تتسم بانخفاض سوية الشمولية والدعم إلى 15% مقابل 38% في بيئات العمل التي ترتفع فيها مستويات الشمولية والدعم.7 ويمكن للقادة إرساء حالة من الاطمئنان النفسي، بحيث يشعر أعضاء فريق العمل بقدرتهم على تحمل مخاطر التواصل مع الحفاظ على مستويات عالية من الاحترام والقبول من قبل الآخرين، إضافة إلى تهيئة الأجواء للنقد البنّاء من خلال إعادة النظر في أساليب المشاركة في النقاشات على مستوى آليات النقاش وطريقة تنظيمه.
آليات النقاش
يوضح الشاعر والكاتب المسرحي الشهير "أوسكار وايلد" ثقافة النقاش السليمة على أنها وسيلة تتيح للناس "تداول الأفكار بشكل لطيف" من خلال الإنصات الجيد، بل وحتى إثراء وجهات النظر المخالفة بطريقة مدروسة ومحترمة. 8 وفي الواقع، يمكن الوصول إلى أفضل الأفكار من خلال الجمع بين الثقافات والآراء المختلفة. وعلى سبيل المثال، قامت عائلة "ميديتشي" في القرن الخامس عشر بجذب وتمويل المبدعين في مجالات الفن والعلوم بهدف إنشاء مركز للتفكير الإبداعي، والذي ساهم في انطلاقة عصر النهضة. 9وشهدنا خلال الفترات اللاحقة ظهور ابتكارات متعددة التخصصات، مثل تطبيق أبحاث علماء الأحياء المتعلقة بمستعمرات النمل للعثور على حلول للمشكلات في مجال توجيه الاتصالات. أما في مجال الأعمال، فقد نجح المبدعون من أصحاب الفكر المنفتح بتقديم ابتكارات استثنائية من خلال الجمع بين الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء، وتهيئة الظروف للوصول إلى اكتشافات مثيرة للاهتمام.
وحتى يتمكن القادة من تهيئة الأجواء "لتبادل الأفكار الودي"، يجب عليهم إدارة آليات العمل الجماعية أثناء النقاش. وبدلًا من القيام بفرض الآراء الشخصية، على سبيل المثال، والتي قد تكتسب على الفور أهمية كبيرة وتعيق المناقشات؛ يمكن للقادة التنحي جانبًا وإسناد مهمة قيادة النقاش إلى الآخرين. كما يمكنهم إظهار فضول حقيقي أو الإشارة بشكل صريح إلى الآراء المخالفة التي ساهمت بإحداث تغيير إيجابي في طريقة تفكيرهم. ومن خلال إفساح المجال أمام الموظفين الأصغر سنًا لإعداد الأجندات وتطبيق أفكارهم، حتى لو لم تكن مثالية، يمكن للقادة بناء حالة من الاطمئنان النفسي، وكسب المزيد من الاحترام من جانب الزملاء على المدى الطويل.10
يتعين على القادة أيضًا الانتباه إلى الاختلافات الثقافية التي قد تظهر أثناء النقاشات. وعلى سبيل المثال، يعبّر الكثير من الأستراليين عن آرائهم بصراحة، ويسعدهم معالجة القضايا المختلفة بشكل مباشر. وبالمقابل، يكتسب مفهوم "السمعة والنظرة العامة" أهمية كبيرة في الكثير من الثقافات الآسيوية بحيث يتم اتباع منهجية أكثر تحفظًا، بينما تركز الثقافات في منطقة المحيط الهادئ وشعوب الماوري على إظهار القوة والاحترام. 11وتنطوي هذه الاختلافات في آليات النقاش على أهمية كبيرة، إذ يمكن أن توفر مصدرًا جيدًا للأنشطة الهجينة إذا تمت إدارتها بطريقة مدروسة،12 بينما قد تصبح مصدرًا لتقييد حرية التعبير عند الإخفاق بإدارتها. ويمكن للقادة التعامل مع هذه الاختلافات بطريقة إيجابية من خلال إعداد مخططات تحدد الأنماط المختلفة للثقافات المشاركة في النقاش، وبالتالي إجراء التقييمات اللازمة واتخاذ الإجراءات الفعلية لتفعيل مشاركتها.
طريقة تنظيم النقاش
يجب ألا يقتصر دور قادة الأعمال على إدارة آليات النقاش، وإنما المشاركة بفاعلية في تنظيم جلسات النقاش، ولا سيما فيما يتعلق بالمساعدة على تصميم عمليات التفكير الجماعية، بما يتيح للموظفين معرفة السبل المثلى لأداء أدوارهم. ويمكن لقادة الأعمال اعتماد منهجية منظمة في إجراء جلسات العصف الذهني على سبيل المثال، أو إعداد جداول زمنية استراتيجية تجمع بين أنماط التفكير المدروسة و"الأفكار العشوائية" - مثل تخصيص بعض الوقت للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية - للاستفادة من عمليات التفكير العميقة للموظفين.
ويتطلب إنشاء الهيكلية المستدامة للنقاش من قادة الأعمال التفكير في مجموعة من الأسئلة المتعلقة بهيكل الفريق وقواعد المشاركة والتي تشمل: ما هي شروط نجاح النقد البنّاء؟ ما هي المواضيع والسلوكيات التي تتجاوز حدود النقد البنّاء؟ من هي الجهة التي يتعين عليها قيادة النقاش، وكيف يتم جمع الملاحظات؟ ما هي الجهات التي يحق لها البت في اتخاذ القرارات، أو ما هي القرارات التي يمكن تفويضها، ولمن؟ (للحصول على توضيح أكثر شمولية، يرجى الرجوع إلى الشريط الجانبي "دور الخيارات المدروسة التي يعتمدها القادة في تحسين عمليات صنع القرار".)
ويفضي إرساء هذه المعايير إلى إفساح المجال أمام فرق العمل للتفكير بطريقة أكثر إبداعية حول القضايا الراهنة، فضلًا عن تسهيل عمليات تقديم الآراء النقديّة. وعلى سبيل المثال، يتم الطلب من الموظفين في إحدى الشركات للقيام بتوضيح قيمهم الأساسية أو تحيزاتهم المحتملة عند التعبير عن آرائهم المخالفة. وخلال اجتماعات لجنة شؤون الترويج، تتم إعادة صياغة تعليقات مثل "أعتقد بأننا نتخذ خيارًا خاطئًا" لتصبح "أعتبر نفسي من الأشخاص الذين يفضلون الخبرة على التعاون، وأعتقد أن هذا القرار يجازف بخسارة الكثير من المعارف المؤسسية".
الآليات التي تتيح للأفراد وفرق العمل المشاركة والانتقاد
كما أشرنا سابقًا، يمكن للقادة اتخاذ الخطوات لتهيئة الظروف اللازمة لإطلاق النقاشات وحل المشاكل بشكل فاعل، ولكن يجب أن يتمتع الأفراد وفرق العمل بالمقابل بأنماط التفكير والمهارات التي تتيح لهم تقديم النقد البنّاء بشكل صحيح (يرجى الرجوع إلى الشريط الجانبي "الآليات التي تتيح لفرق العمل والأفراد تقديم النقد البنّاء بشكل فاعل"). وعلى وجه التحديد، يجب على الأفراد وفرق العمل قبول الرأي المخالف، وإفساح المجال لتحليل الأفكار التي تخالف أفكارهم، ثم العثور على الطرق المتاحة لمراجعة أفكار الآخرين، أو الاتفاق معهم بطريقة محترمة على وجود خلاف في الرأي.
الآليات التي تتيح لفرق العمل والأفراد تقديم النقد البنّاء بشكل فاعل
يتعين على الأفراد والفرق التحلي بقدر من التواضع والثقة كي يتمكنوا من قول الحقيقة إلى مدرائهم بطريقة محترمة، ويجب أن يكونوا متأكدين في قرارة أنفسهم بأن ذلك يمثل الإجراء الصحيح الذي يتعين عليهم اتخاذه. ويتطلب بناء هذه الثقة أن يتذكروا بأن النقد البنّاء يحمل قيمة عالية، حتى لو لم يكن مدروسًا بشكل كامل. إذ يمكن للآخرين التفاعل أو الاستفادة من وجهات النظر المخالفة، ما يجعل النقد البنّاء بحد ذاته عملية مُرضية بالنسبة إلى مقدمّه. وحتى لو لم يكن القرار النهائي مستندًا إلى هذه الاقتراحات، فإنها تسهم في تشكيل هذا القرار من خلال تقديم احتمالات جديرة بالاهتمام واختبارها.
إفساح المجال أمام تحليل وجهات النظر المختلفة
يحتاج الأفراد وفرق العمل وقت كافٍ لتحديد موقفهم تجاه قضية ما. ويتعين على القادة في هذه الفترة الظهور بعقلية منفتحة واحترام وجهات نظر الآخرين. ويعني ذلك توجيه الكثير من الأسئلة، وجمع المعلومات، وتقييم دوافع الآخرين، والأخذ بآرائهم قبل أن يقوم القادة بطرح أفكارهم الخاصة حول البدائل المتاحة. ويمكن جمع هذه الحقائق من خلال اللقاء المباشر واعتماد منهجية غير صدامية لإجراء الحوار على أرض الواقع، بدلًا من استخدام غرف الاجتماعات التي قد تثير التوتر. ويمكن للأفراد خلال هذه الحوارات بدء الحديث بالتأكيد على الالتزام المشترك بالعثور على حل للقضايا الراهنة، وإبداء احترامهم لعملية اتخاذ القرار، والمؤسسة، والمجالات المتفق عليها على نطاق واسع. كما يمكنهم الإشارة إلى نيتهم تقديم الانتقادات، وطلب الإذن في ذلك بدلًا من مواجهة الآخرين بها بشكل مباشر، حيث يجد الآخرون صعوبة في رفض ذلك الإذن، ويقل احتمال اتخاذهم لموقف دفاعي عند التوجه إليهم بتعليقات مثل "هذا حوار رائع، وأحب أن أعرف نتائجه، ولكن هل لنا أن نناقش بعض البدائل المتاحة لتحقيق تلك النتائج؟".
الموافقة على مراجعة الأفكار ...
يجب على الأفراد وفرق العمل الذين يعتزمون تقديم وجهات نظر مخالفة أن يوافقوا على مراجعة الحلول الأخرى بدلًا من اتخاذ موقف دفاعي. ويجب أن تكون آراؤهم المخالفة مقنعةً وذات طابع منفتح، ولكن يتعين عليهم عدم توقع النجاح في تغيير آراء الآخرين من المحاولة الأولى. ويجب عليهم طرح أفكارهم بلطف ومنحها الوقت الكافي حتى تتبلور، كما قد يجدون أنفسهم في وضع يتم فيه تقديم أفكارهم على أنها صادرة عن أشخاص غيرهم. وتتمثل المهارة النقدية المطلوبة هنا في الإنصات الجيد والتحلي بعقلية منفتحة، إذ يتعين على أصحاب الرأي المخالف الاستماع بحرص إلى الرؤى الإضافية التي يقدمها الآخرون، والعثور على طرق للبناء عليها. ويمكن للراغبين بتقديم نقد بنّاء تخصيص بعض الوقت لتلخيص أفكار الآخرين، ثم استخدام تعليقات من قبيل "هل تسمحون لي بتقديم رؤية أخرى؟"، ومواصلة الحديث بعدها بحسب السياق الذي يتخذه النقاش.
... أو الاتفاق على وجود خلاف في الرأي
ولكن ماذا يحدث إذا كان صاحب الرأي المخالف لا يزال يعتقد بأن الأمور تتجه نحو اتخاذ قرار خاطئ، على الرغم من أسلوبه اللبق والمداخلات المدروسة المقدمة؟ تشير خبراتنا إلى أن رفض الموافقة يصبح خيارًا مشروعًا، إذ لا يتعين على المرء الموافقة على أمر غير مقتنع به. وتتيح هذه المرحلة لصاحب الرأي المخالف جني ثمار أسلوبه المحترم وجميع الأسس المدروسة التي قدمها. وتكتسب رؤى صاحب الرأي المخالف مزيدًا من التأثير عندما يقدم تعليقًا مثل: "لا زلت أعتقد بجدوى الحل البديل الذي قدمته، ولكني ممتن جدًا لكم على إتاحة هذه الفرصة لي للمساهمة في هذه العملية، وأنا أقر لكم بكل احترام بأن القرار النهائي يعود إليكم". ويقوم صاحب الرأي المخالف في هذه الحالة بدعم القادة مع الإشارة إلى أن النقاش المفتوح لم ينجح بإقناعهم بتغيير وجهة نظرهم الأولية.
وطبعًا، ينبغي أن يكون رفض الموافقة من الإجراءات النادرة نسبيًا، وألا يتم اتخاذه إلا بعد قيام الفرد أو الفريق بإظهار القدرة على فهم الرؤى الأخرى، وأن تكون الموافقة على الإجماع الحاصل نابعة من قناعة تامة. وتشكل القاضية "روث بادر جينسبورج"، العضو المشارك في المحكمة العليا الأمريكية، مثالًا على هذه الفكرة. فقد أبدت "جينسبورج" موافقتها على الإجماع الحاصل تجاه الكثير من القرارات، ولكنها اكتسبت شهرتها الواسعة من خلال التغييرات الإيجابية التي نجحت بإحداثها بفضل آرائها المخالفة في قضايا مثل المساواة بين الجنسين، وحقوق الإنسان، والحريات الدينية.
يمكن أن يسهم النقد البنّاء في تعزيز مشاركة الموظفين، والكشف عن الرؤى الكامنة، ومساعدة المؤسسات على معالجة أصعب التحديات. ولكن تقديم النقد البنّاء يتطلب التحلي بالشجاعة والتواضع، ولن يتم تحقيق ذلك بين عشية وضحاها. لذا يتعين على قادة الأعمال الترحيب بالانتقادات التي تطال خططهم وآراءهم، حتى لو أدى ذلك إلى شعورهم بعدم الارتياح. كما يتعين عليهم تمهيد الطريق أمام بناء ثقافات وهيكليات عمل تساعد على تهيئة الأجواء لإقامة نقاشات عنوانها الاحترام، وتمنح الأفراد وفرق العمل حرية طرح حلول بديلة ومبتكرة - غالبًا ما تكون أفضل-.