أبرز النصائح لاستقطاب المواهب الجديدة والقديمة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

لا يمكنك تخيل أن يقوم موظفوا العمل لديكم في الشركة بترك وظائفهم على وتيرة أسرع من قدرتكم على تأمين البدائل. وقد كشف مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بأنّ أكثر من 4.3 مليون شخص بادروا إلى ترك وظائفهم في ديسمبر لعام 2021، أقل بقليل عن المستوى القياسي المُسجل في نوفمبر من العام ذاته، في خطوة أحدثت فجوة هائلة في سوق العمل، حيث تجاوز عدد الوظائف الشاغرة الحالية (10.9 مليون) عدد التعيينات الجديدة (6.3 مليون). وبحسب آخر استبيان أجريناه بمشاركة حوالي 600 موظف ممن تركوا وظائفهم طوعًا قبل تأمين عمل بديل، فقد أعرب 44% من المشاركين بأنّهم لا يعتزمون العودة إلى شغل الوظائف التقليدية على مدى الأشهر الستة المقبلة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

لطالما كان ارتفاع نسب التسرب الوظيفي الطوعي دليلًا على المنافسة لاستقطاب المواهب، حيث تترك اليد العاملة الماهرة العمل لشغل وظيفة مشابهة ولكن أفضل لدى شركة أخرى. غير أنّ الموجة الأخيرة من هذا التسرب الوظيفي كانت مختلفة عمّا اعتدنا عليه، حيث تُبادر الغالبية لترك وظائفها بهدف شغل أدوار مختلفة تمامًا أو لمجرد التسرب من قوام القوى العاملة بشكل نهائي. ونظرًا لعجزهم عن تحقيق التوازن المناسب بين حياتهم الشخصية والمهنية بسبب العمل تحت ظروف قاسية لفترات مطولة، اضُطر الكثيرون لتفضيل حياتهم الشخصية في المرحلة الراهنة إلى حين اضطرارهم إلى العودة إلى العمل.

وإلى جانب ذلك، اكتسبت المنافسة على المواهب شكلًا مختلفًا الآن أيضًا. يتنافس أصحاب العمل اليوم للحصول على المجموعة المتنوعة من الخبرات المُتاحة لدى الموظفين في المرحلة الراهنة، سواءً العاملين في الوظائف التقليدية أو غير التقليدية، وحتى العاطلين عن العمل في بعض الحالات. ولا بُد أن تُقدم الشركات الراغبة بدخول هذه المنافسة باقات مناسبة من التعويضات والمزايا، وهُنا يكمن الرهان. إذ يتعيّن عليها الإقرار بالتغييرات التي طالت قواعد اللعبة لكي يتسنى لها النجاح في مساعيها. وفي حين يُطالب الموظفون بتعويضات أعلى (ويحصلون عليها)، يشترط الكثير منهم الحصول على قدر أكبر من المرونة والثقافة المجتمعية والشمولية (ما نُطلق عليه تسمية عوامل العلاقات) لكي يقبلوا وظيفة بدوام كامل لدى أحد أصحاب العمل التقليديين.

ويجد أصحاب العمل التقليديون أنفسهم مضطرين للمنافسة لتوفير جميع هذه العناصر. ويتوجب عليهم على الأرجح اعتماد أساليب جديدة لإيجاد الموظفين من ذوي المواهب "الكامنة" واستقطابهم، وخصوصاً الذين لا يسعون للعودة إلى سوق العمل في الوقت الراهن غير أنّهم قد يُغيّرون رأيهم في حال حصلوا على العرض المناسب.

ونتناول في هذه المقالة الموظفين الذين تركوا وظيفتهم دون تأمين البديل مسبقًا، ومن عاد منهم وسبب عودتهم، وكيف يُمكن للشركات العمل لإقناع مزيد من الموظفين للعودة إلى صفوف القوى العاملة. ويتوجب على الشركات حاليًا، أكثر من أي وقت مضى، أن تُعيد صياغة استراتيجيات استقطاب الموظفين واستبقائهم، فضلًا عن بناء عروض القيمة الكفيلة بأخذ حياة الموظفين بجميع تفاصيلها بعين الاعتبار، علمًا أن إطالة فترة الانتظار ستؤدي إلى استنزاف موظفيها الحاليين بشكل أكبر ما سيؤدي إلى مزيد من التسرب الوظيفي في نهاية المطاف.

وكانت معدلات التسرب الوظيفي بين الذين يُبادرون لترك وظائفهم أكثر انتشارًا في قطاعات السلع الاستهلاكية والتجزئة والرعاية الصحية والتعليم، وهي القطاعات التي وقعت عليها أكبر الضغوط الاجتماعية والاقتصادية خلال أزمة كوفيد-19.

لماذا يترك الموظفون أعمالهم؟

لأنهم بكل بساطة يستطيعون القيام بذلك. لطالما ارتبط قرار ترك الوظيفة بقدر كبير من القلق، غير أنّ الحال تغيّرت في وقتنا الحالي. وانخفضت التكلفة المترتبة على قرار تبديل الوظيفة بشكل ملحوظ للغاية. ولم يعد وجود فجوة زمنية في السيرة الذاتية للشخص مسألة تثير أي ردود فعل سلبية. وبات الموظفون في العديد من القطاعات أكثر ثقة بقدرتهم على إيجاد الوظائف في أيّ مكان بمجرد استعدادهم لهذه الخطوة، لا سيما في ضوء النقص الحالي في عدد الموظفين وزيادة معدلات القبول لسياسة العمل عن بُعد. ويتسنى لهم اليوم أكثر من وقت مضى إمكانية الوصول بشكل أكبر للمعلومات المتعلقة بسوق العمل، سواءً عن طريق الكلام المنقول بين الناس أو مواقع التواصل الاجتماعي، ولذا لم يعودوا مضطرين للاعتماد على خدمات التوظيف التقليدية. كما شهدوا بأنفسهم قدرة الأصدقاء والزملاء على الاستمرار في حياتهم بعد ترك الوظيفة، وأصبحوا أكثر يقينًا بقدرتهم على فعل الشيء ذاته.

لأنّهم مستاؤون. أشار الموظفون الذين بادروا لترك وظائفهم إلى تجارب تشمل استهتار القادة وتوقعات غير قابلة للتحقيق في مستوى الأداء في العمل والافتقار لآفاق التطور الوظيفي بصفتها أبرز العوامل المؤثرة على اتخاذ قراراتهم (الشكل 1). وشهد الموظفون قيام شركاتهم بمنح زملائهم إجازات قسرية أو حتى تسريحهم من العمل عند تباطؤ الأعمال. ووجد الموظفون ممن بقوا في وظائفهم أنفسهم مستائين مما يُطلب منهم من تحمل أعباء إضافية وتخصيص وقت أكبر (باستخدام موارد دون المستوى الأمثل في بعض الأحيان) لضمان استمرار عمليات شركاتهم.

لأنّهم مرهقون. تُشير دراستنا البحثية إلى أنّ عوامل، مثل سوء الصحة النفسية (الإنهاك والتوتر) ومتطلبات رعاية الأسرة وتساؤلات الموظفين حول أهدافهم بسبب أزمة كوفيد-19، قد لعبت دورًا محوريًا في دفع بعضهم لمغادرة شركاتهم قبل تأمين وظيفة بديلة مسبقًا. فلننظر مثلًا إلى زوجين اكتشفا، بعد عامين من الإجهاد والعزلة الناجمة عن العمل عن بُعد في وظائفهما، بأنّهما قادران على العيش بالاعتماد على مصدر دخل وحيد مقابل قضاء وقت أطول مع أطفالهما. كانت معدلات التسرب الوظيفي بين الذين يُبادرون لترك وظائفهم أكثر انتشارًا في قطاعات السلع الاستهلاكية والتجزئة والرعاية الصحية والتعليم، وهي القطاعات التي وقعت عليها أكبر الضغوط الاجتماعية والاقتصادية خلال أزمة كوفيد-19.

وعاد 47% من حوالي 600 موظف شملهم الاستبيان، ممن تركوا وظائفهم طوعًا دون تأمين وظيفة بديلة، إلى صفوف القوى العاملة وفق ترتيبات عمل تقليدية أو غير تقليدية.

ما الذي يدفع بعض الموظفين للعودة إلى سوق العمل؟

لأنّهم يُريدون ذلك. الأمر معقد، ولكن بدأ بعض الموظفين بالعودة إلى وظائفهم التقليدية مدفوعين بأسباب تتعلق بصحتهم الشخصية أو حالتهم المادية، أو التواصل معهم من أشخاص ضمن شبكة معارفهم، أو عدم الرضا عن تجاربهم في مجال الشركات الناشئة وغيرها من الأسباب. عاد 47% من حوالي 600 موظف شملهم الاستبيان، ممن تركوا وظائفهم طوعًا دون تأمين وظيفة بديلة، إلى صفوف القوى العاملة وفق ترتيبات عمل تقليدية أو غير تقليدية. وأعرب حوالي ربع المشاركين بأنّهم عادوا لشغل وظائف غير تقليدية، بينما عاد 76% منهم إلى مسار الوظائف التقليدية. وكشفت المجموعة الأخيرة بأنّ قرارهم بالعودة إلى العمل كان مدفوعًا بعوامل رئيسية مثل مرونة مكان العمل والتعويضات المناسبة والتوقعات المنطقية حول الأداء. (الشكل 2) وكان 21% من المشاركين فقط قد عادوا للعمل في القطاع ذاته، مع قبول وظائف تتساوى من حيث المستوى مع تلك التي تركوها سابقًا.

والجدير بالذكر أنّ التركيز على جوانب التعويضات أو العوامل الثقافية حصرًا لن يُوقف موجة التسرب الوظيفي. فلا بد أن يولي قادة الشركات عنايتهم المستمرة للجانبين معًا.

هل عاد الموظفون بصورة دائمة أم بشكل مؤقت؟

وأشارت دراستنا البحثية أيضًا إلى أنّ 25% من الموظفين ممن تركوا وظائفهم طوعًا وعادوا إليها لاحقًا (سواء لشغل أدوار تقليدية أو غير تقليدية) سيتركون على الأرجح وظائفهم الحالية أيضًا خلال ثلاثة أو ستة أشهر. فهُم مُدركون لتوفر العديد من الفرص الأخرى، لا سيما في سوق العمل المضطربة. وأوضحوا بأنّه في حال عدم توفر فرص التطور المهني والمرونة في مكان العمل والدعم للصحة النفسية والبدنية وغيرها من الاحتياجات في إحدى الشركات، فسيبحثون عن ظروف أكثر ملاءمة لهم في مكان آخر (الشكل 3).

ماذا لو خصصتم الدعم لخدمات التنظيف بدلًا من عضوية الصالة الرياضية؟ أو ماذا لو استثمرتم في خدمات رعاية الأطفال داخل مقر الشركة بما يُتيح للموظفين فرصة تناول وجبة الغداء مع أطفالهم؟

كيف يُمكننا إقناع الموظفين بالعودة لسوق العمل والاحتفاظ بهم؟

تمثلت الاستجابة العامة للشركات لظاهرة رحيل الموظفين بتعزيز الإجراءات المتخذة لديها أصلًا، باستخدام حلول مؤقتة تتناول مسألة شُح القوى العاملة فحسب. فقد عرضت بعض متاجر التجزئة الضخمة، على سبيل المثال، دفع أجور العمال لديها على أساس يومي، بدلًا من الدفع كُل أسبوع أو أسبوعين، بهدف جعل الوظيفة أكثر جاذبية. بينما لجأت شركات أخرى لدفع أجور أعلى، سعياً منها لاستبقاء الموظفين الراغبين بترك العمل، وإن كان على حساب الإنتاجية، فيما يُعزى بكل بساطة إلى حاجة هذه الشركات للعمال.

غير أنّ الشركات لن تكون قادرة على تبرير هذه التدابير أو حتى مواصلة اعتمادها على المدى الطويل. وبناءً على ذلك، يتعيّن على الشركات تطوير منهجية مختلفة تتمحور حول المبادئ الرئيسية التالية لتكون قادرة على بدء إصلاح علاقتها مع الموظفين.

الدفع المجزي مقابل العمل: مراجعة التعويضات والمزايا

لا يُمكن لقادة الشركات التركيز على منح موظفيهم رواتب ضخمة، متوقعين بأن ذلك كفيل بإبقائهم في الشركة. ومع ذلك، هذا بالضبط ما يُحاول الكثيرون منهم القيام به. ونتناول على سبيل المثال إحدى شركات الخدمات المالية التي قرر قادتها زيادة الأجور بما يصل إلى 15% خلال تداعيات أزمة كوفيد-19 للحفاظ على الموظفين، إلا أن معدلات التسرب الوظيفي بقيت على حالها. ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى عدم التطرق إلى المخاوف الأساسية لدى الموظفين المرتبطة حول ساعات العمل المطولة غير المبررة والضغوط العالية للمهام في خضم وجود أزمة صحية أثرت على العالم بأسره. يُضاف إلى ذلك عدم إقرار هذه التدابير بطبيعة التحوّل الذي يحدث داخل القطاع.

وسيكون لزامًا على الشركات إعادة هيكلة حزم التعويضات التي تُقدمها بطريقة تستقطب الموظفين المُحبطين وتُحافظ عليهم. لا توجد طريقة واحدة صحيحة لتحقيق هذا الغرض؛ إذ يعتمد القرار على السياق بشكل كبير، وقد تنطوي الخطوة على بعض التجارب والتعلّم من الأخطاء. ولا بد أن يطرح قادة الشركات على أنفسهم مجموعة من الأسئلة المحددة مثل: ما هي الرواتب المطروحة في الأسواق حاليًا؟ وهل يبدو من المنطقي دفع أجور العمال على أساس يومي مقارنةً لما تشهده الرواتب الحالية (كما ذكرنا في حالة متاجر التجزئة الضخمة أعلاه)، أم أن هذه الخطوة ستُشجع الموظفين على البقاء لفترة قصيرة وتزيد من معدلات التسرب الوظيفي؟ ويجب على الشركات أن تُدرك بأنّ الشفافية بشأن الأجور أصبحت في أعلى مستوياتها. وفي حال اكتشف الموظفون الحاليون بأنّ الشركة تدفع أجورًا أعلى للموظفين الجُدد أو تعمد إلى تغيير ممارسات دفع الأجور لاستقطاب الموظفين الجُدد إلى الشركة، فقد يتجهون لطلب زيادة أجورهم أيضًا، في خطوة قد تستنزف موارد الشركة التي لا بد من تسخيرها في قضايا أخرى، ما قد يُسفر عن مزيد من حالات ترك العمل في نهاية المطاف.

وفي إطار نقاشاتها بشأن التعويضات، يجب أن تتناول الشركات تلك المزايا التي يحتاجها الموظفون لتحقيق التوازن المناسب بين الحياة الشخصية والمهنية، وهو ما أصبح يعد عاملًا ضروريًا لكي يعودوا إلى العمل. ماذا لو خصصتم الدعم لخدمات التنظيف بدلًا من عضوية الصالة الرياضية؟ أو ماذا لو استثمرتم في خدمات رعاية الأطفال داخل مقر الشركة بما يُتيح للموظفين فرصة تناول وجبة الغداء مع أطفالهم؟ ويتعيّن على الشركات تقييم التعويضات القياسية بالمقارنة مع أنواع عوامل العلاقات التي يرغب بها الموظفون، مثل خدمات الصحة النفسية أو مُختلف أشكال ساعات العمل المرنة، بحيث تجد التوازن المناسب فيما بينها.

تعزيز جاذبية بيئة العمل: تحويل مكان العمل لديكم إلى بيئة من الصعب تركها ومغادرتها

تعد مراجعة التعويضات ومزايا العمل الخطوة الأولى لهذه الجهود؛ إذ لا بُد أن تستثمر الشركات في تعزيز جاذبية مكان العمل لديها، من خلال الاستماع إلى الموظفين وتوقع مخاوفهم والتعامل معها، وضمان سلامتهم النفسية وتوفير بيئة مجتمعية مناسبة وقياس النتائج. فهل اكتفت شركاتكم بإجراء المقابلة الأخيرة مع الموظفين الراغبين بترك العمل، أم اعتمدت سياسة المقابلات الاستباقية التي قد تضمن بقاء الموظفين، من خلال طرح الأسئلة على الأشخاص الذين يشغلون أكثر الأدوار حيوية حول طبيعة سير العمل لديهم وما يلزمهم للاستمرار في هذه الأدوار؟

وقد تستفيد الشركة من الإجابات لطرح باقات جديدة من الحلول المبتكرة فيما يتعلق بوضع جداول الدوام واستقطاب الموظفين وتعيينهم. فلِمَ لا تلجأ الشركات مثلًا لطرح وردية منتصف النهار للعمال أو تسمح للأشخاص باختيار فرقهم الخاصة بكل مشروع بدلًا من تعيينهم لقيادة فرق مجهزة مسبقًا؟ قامت إحدى شركات التجزئة بتبسيط إجراءات التقديم على الوظيفة أمام المرشحين الجُدد، وذلك في محاولة منها للحد من الوقت اللازم للتعيين، وكذلك تسريع عملية توسيع فريق علمها. بينما قد تلجأ شركات أخرى إلى منح المُرشحين على الوظيفة فرصة تجريب وظيفتهم لفترة محدودة أو إجراء المقابلات مع الزملاء المحتملين بشكل مباشر في أقسام الشركة التي تحظى باهتمامهم بشكل أكبر من غيرها.

وحاولت بعض الشركات على مدى العامين الماضيين اعتماد تدابير بسيطة نسبيًا لاستبقاء الموظفين من خلال التعويضات، والتي شملت علاوات "جودة الحياة" الممنوحة للموظفين أو تقديم أيام عطلات إضافية لأغراض التطور المهني أو حتى استراحات الصحة النفسية. ومن جانبها، اتجهت إحدى شركات مُدن الملاهي والترفيه إلى عرض سداد 100% من رسوم تعليم الموظفين الساعين إلى الحصول على التعليم العالي.

وفي ظلّ هذا السباق المحموم للحصول على المواهب، يجب على أصحاب العمل إدراك الأدوار المختلفة التي قد تلعبها التعويضات، بصفتها عاملًا صحيًا ومصدرًا للتحفيز في الوقت ذاته. فقد يبحث الأفراد عن نطاق معين من الأجور عند التفكير في عرض عمل. ولكن وبمجرد تلبية هذا الشرط، تتحول العوامل الثقافية إلى محرك يجذب الموظفين للعمل في الشركة، والبقاء فيها. والجدير بالذكر أنّ التركيز على جوانب التعويضات أو العوامل الثقافية حصرًا لن يُوقف موجة التسرب الوظيفي. فلا بد أن يولي قادة الشركات عنايتهم المستمرة للجانبين معًا.

ترتيب الصفوف: تعزيز رصيدكم من المواهب

تُركز فرق الاستحواذ على المواهب لدى معظم الشركات على استقطاب واختبار ومقابلة ومن ثم تعيين أولئك المرشحين الذين تنطبق عليهم المعايير التقليدية لطالب الوظيفة. غير أنّ ضمان النجاح في واقع القوى العاملة الراهن يُحتِّم عليهم التفكير بشأن المرشحين بطريقة أكثر ابتكارًا: ماذا عن العمال غير التقليديين الذين لا يدخلون حتى ضمن نطاق اهتمامها؟ وقد تشمل هذه الشريحة الطلاب، والموظفين الذين يعودون للشركة بعد مغادرتها، وغيرهم ممن الموظفين بدوام جزئي أو تعاقدي أو يقودون شركاتهم الناشئة الخاصة.

والأهم من ذلك، لا بد على فرق الاستحواذ على المواهب أن تجد سبلًا لجذب العاملين الموهوبين الذين ليسوا جزءًا من القوى العاملة على الإطلاق، ولا يسعون لشغل وظيفة تقليدية لدى شركة تقليدية، والذين قد يُفكرون بالانضمام إليهم في حال حصلوا على العرض المناسب في ظلّ الظروف الملائمة. قد يكونون من الأشخاص المُنهكين ممن قرروا أخذ استراحة غير محدودة. وربما تركوا وظيفتهم خلال تداعيات أزمة كوفيد-19 لرعاية أبنائهم ويُفكرون بالعودة إلى العمل الآن مع استئناف المدارس لأنشطتها الطبيعية. وتُشير حساباتنا التقديرية إلى أنّ هذا الرصيد غير المستغل من المواهب قد يشمل حوالي 23 مليون شخص.

ويتعيّن على فرق الاستحواذ على المواهب تحديد هؤلاء المرشحين المحتملين واستقطابهم نحو شركاتهم بأسرع وقت ممكن، علمًا أنّ طول فترة بقاء هؤلاء المرشحين خارج القوى العاملة مرتبط طردًا بقدر التدريب الذي سيحتاجون إليه عند عودتهم لتسريع إمكانية اكتسابهم لبعض المهارات المحددة (الشكل 4).

ولا بد على الشركات أن تعمل بفعالية من أجل الحد من معوقات التوظيف وإعادة التفكير بالمتطلبات التي حددتها لشغل أدوار محددة في حال أرادت الوصول إلى الموظفين غير التقليديين. فهل يجب، على سبيل المثال، أن يحمل المرشحون شهادات عليا لشغل دور حيوي في الشركة، أم هل سيكفي الحصول على شهادة تخصص أو تدريب مهني؟ يُمكننا في هذا السياق التطرق إلى مجموعة من العمال غير التقليديين: أولئك الذين كانت لديهم بعض المشاكل مع القانون. تتجه العديد من الحكومات في الوقت الراهن إلى اعتماد سياسات "التساهل مع أصحاب السوابق"، حيث تطلب من الشركات إزالة أيّ أسئلة حول أيّ إدانات أو سجلات اعتقال من طلبات الوظائف، فضلًا عن تأجيل إجراءات التحقق من خلفية المتقدمين لمرحلة لاحقة من عملية التعيين. وقد يُساعد هذا التغيير، إلى جانب وجود مؤسسات، مثل "هوم بوي إنداستريز"، التي تُقدم خدمات التوظيف والدعم لأفراد العصابات السابقين الراغبين بالعودة إلى صفوف القوى العاملة، وتعتبر هذه احدى الخطوات التي يمكن أن تساعد الشركات على الوصول إلى المواهب غير التقليدية.

وسيكون لزامًا على الشركات أن تُغيّر منهجيات التوظيف الخاصة بها في حال أرادت الوصول إلى هؤلاء الموظفين البعيدين عن مجال التوظيف التقليدي. وبدلًا من الاعتماد على منصات التوظيف الإلكترونية ذاتها ومواصلة البحث ضمن المواهب المحلية فقط، يجب على فرق الاستحواذ على المواهب التفكير بشكل مبتكر حول برامج الإحالة الخاصة بها، مثل إطلاق حملة "اتصل باثنين من أصدقائك" المخصصة، والتي تطلب من خلالها من موظفي الشركة تعيين أشخاص من داخل شبكة معارفهم، فضلًا عن الإقرار بأنّ المرشحين الأنسب لشغل الوظائف قد يكونون خارج الدائرة المباشرة لمقر الشركة.

ويجب على أصحاب العمل قبل بدء أيّ عملية تواصل مع المرشحين أن يُفكروا بالمهارات الحيوية التي تحتاجها الشركة وتحديد شريحة المرشحين المحتملين داخل الشركة وخارجها من أصحاب هذه المهارات. هل تكبُر هذه الشريحة أم تتقلص- الآن وبعد خمسة أعوام؟ كم عدد المهام القابلة للأتمتة؟ أجرت إحدى المؤسسات المالية تحليلًا يتناول هذه المسألة، ووجدت بأنّ موظفي المبيعات يقضون معظم أيام الدوام في معالجة الطلبات والتعامل مع الوثائق بدلًا من متابعة المبيعات بحد ذاتها. ومن هذ المنطلق، يُمكن لقادة الشركات أن يعيدوا تعريف الوظائف وطرق التعيين بحيث تُصبح أكثر جدوى وقابلية للإدارة بالنسبة للموظفين ممن يعملون فوق طاقتهم ويوفر القيمة المضافة بالنسبة للشركة في الوقت ذاته.


لا يقتصر السباق الجديد على المواهب على تنافس أصحاب العمل فيما بينهم للعثور على أفضل الموظفين؛ بل يتمحور أيضًا حول إقرار الموظفين أنفسهم بوفرة الخيارات المتاحة أمامهم اليوم وإيجاد الطرق الفعّالة للمنافسة في ظل هذه الخيارات. لم تعد الأساليب التقليدية ناجعة بعد الآن. وستشهد الشركات التي نجحت في إيجاد طريقةٍ لاستعادة بعض موظفيها انتكاسات حتمية بلا شك (فضلًا عن موجات جديدة من التسرب الوظيفي)، لا سيما في حال لم تنجح في ابتكار طريقة ما لاستبقاء هؤلاء الموظفين.

ومع ذلك، يُمكن للشركات من خلال الاعتماد على المبادئ الواردة في هذا التقرير أن تبدأ بتطوير قدراتها من حيث استقطاب الموظفين والحفاظ عليهم، لتتحول إلى وجهة مفضلة للعمل وتنجح في تلبية المتطلبات دائمة التغير للجيل المقبل من القوى العاملة.

Explore a career with us