أبحاث معهد ماكنزي العالمي

الذكاء الاصطناعي التوليدي يرسم ملامح مستقبل الوظائف 

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

في ظل جهود الشركات الحثيثة لاستيعاب إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي الواعدة وأثاره العميقة، تتجلى حقيقة هامة، وهي أن الذكاء الاصطناعي وإصداراته المستقبلية ليس مجرد صيحة رائجة مؤقتة، بل أصبح ركيزة أساسية في عالم التكنولوجيا والأعمال. وفي هذه الحلقة المميزة من "ماكنزي بودكاست"، التي تديرها "روبرتا فوسارو"، مديرة التحرير في ماكنزي، يناقش كلاً من "كويلين إلينجرود"، شريكة رئيسية بمكتب ماكنزي في مينيابولس، و"سوراب سانجفي"، شريك في مكتب ماكنزي بخليج سان فرانسيسكو، نتائج أحدث الدراسات البحثية التي أجراها مركز ماكنزي العالمي للأبحاث حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يسلطون الضوء على أهمية تحول استراتيجيات الشركات لتبني هذه التقنيات التكنولوجية الحديثة، التي بدورها ستساهم في إحداث نقلة نوعية في مسار أعمالها وتدفع عجلة النمو المستدام. ويعتبر هذا التحول ضرورة حتمية للأفراد والمؤسسات على حد سواء بهدف مواكبة التطورات المتلاحقة في عالمنا اليوم.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

كما تتطرق الحلقة إلى التساؤلات التي تتبادر إلى أذهان العديد من الأشخاص حول مستقبل الوظائف في ظل عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي . ويجيبنا عن هذا التساؤل جوان ليبمان، مؤلفة كتاب "خطوتك التالية! قوة التجديد في الحياة والعمل" (إصدار دار نشر مارينر بوكس، مارس 2023)، حيث تقدم لنا خطة تتكون من أربعة مراحل لتعزيز مسيرتك والمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل، وذلك من خلال برنامج "حوار المؤلف" الذي يقدمه ماكنزي.

ونقدم فيما يلي نسخة كتابية منقحة لهذه المناقشات.

شارك في إدارة هذه الحلقة كلأ من روبرتا فوسارو ولوتشيا راحيلي.

أولًا: تداعيات جائحة كورونا

روبرتا فوسارو: قبل أن نناقش نتائج التقرير الذي أصدره مركز ماكنزي العالمي للأبحاث بخصوص الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستقبل الوظائف في الولايات المتحدة، أود أولًا أن أسأل عن سبب إعداد هذا التقرير واختيار هذا التوقيت تحديدًا لإصداره؟

كويلين إلينجرود: شهدنا تغيرات جذرية في الآونة الأخيرة بسبب عاملين رئيسيين، مما دفعنا لإعداد هذا التقرير. ويتمثل العامل الأول في التعافي من الأثار العميقة لجائحة كورونا التي استمرت لمدة ثلاثة أعوام شهدنا فيها العديد من الاضطرابات والتغيرات التي طالت كافة جوانب سوق العمل. أما العامل الثاني فهو ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي حقق انتشارًا واسعًا خاصة في الستة أشهر الماضية.

وقد ساهم هذان العاملان سويًا في تغيير طبيعة العمل والوظائف، مما دفعنا لطرح عدة أسئلة حول التغيرات الراهنة وآفاقها المستقبلية.

سوراب سانجفي: أود أن أضيف أن سوق العمل لم يعد كسابق عهده، وذلك نتيجة لعدة أسباب على رأسها تداعيات جائحة كورونا إلى جانب التغيرات الجذرية في متطلبات أصحاب العمل واحتياجات السوق.

كما تشهد الحقبة الحالية تغيرات تقنية غير مسبوقة تتجاوز الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث سجلت الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية مستويات قياسية، كما نلاحظ التزام الحكومات الراسخ نحو تنفيذ استراتيجيات الاستدامة الرامية إلى خفض انبعاثات الكربون والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية. وعليه، أردنا أن نسلط الضوء على هذه العوامل المتداخلة في هذا التقرير الذي يتناول مستقبل العمل والذكاء الاصطناعي التوليدي.

روبرتا فوسارو: هل تتوقعا استمرار أزمة نقص العمالة التي بدأت خلال فترة الجائحة؟

كويلين إلينجرود: حاليًا، يصل عدد الوظائف الشاغرة إلى ضعف عدد العاطلين عن العمل، مما يشير إلى وجود حالة من عدم التوازن في سوق العمل مقارنة بالأعوام الماضية. ومن المتوقع أن تستمر حالة عدم الاتزان لفترة من الزمن ولكن ليس بنفس الحدة التي شهدناها عند بداية الجائحة.

كما نتوقع استمرار بعض التوجهات التي شهدنا انتشارها خلال فترة الجائحة بشكل لافت على المدى الطويل وعلى رأسها تطلع الأفراد نحو مزيد من المرونة في بيئة العمل، وحرصهم على تعزيز قدراتهم، لتطوير مسيرتهم المهنية، هذا بالإضافة إلى اتخاذ قرارات استراتيجية تعكس رغباتهم في البحث عن رسالة سامية لمسيرتهم المهنية وحرصهم على بناء روابط أكثر تماسكًا وتواصلًا في أماكن عملهم.

روبرتا فوسارو: ما هي أبرز الوظائف أو الفئات المهنية التي شهدت التأثير الأكبر جراء جائحة كورونا؟ وهل يمكن تحديد قطاعات الأعمال التي تشهد نموًا والوظائف الأخرى التي تقلصت؟

كويلين إلينجرود: شهدت فترة الجائحة نمو العديد من الوظائف خاصة في قطاعات الرعاية الصحية، وقطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، هذا بالإضافة إلى الوظائف المتعلقة بقطاع النقل، وكذلك توصيل الطلبات.

وعلى الصعيد الآخر، هناك العديد من المهن التي من المتوقع أن تشهد تقلصًا في المستقبل. وأعتقد أن هناك أربعة قطاعات وظيفية رئيسية ستستحوذ على نسبة 80% من التحولات المهنية المتوقعة خلال الأعوام القليلة القادمة وحتى حلول عام 2030. وتتمثل هذه القطاعات في خدمة العملاء، وقطاع الخدمات الغذائية، والإنتاج والتصنيع، وكذلك الوظائف المكتبية. وعليه، يتعين على العاملين بهذه القطاعات أن يولوا اهتمامًا بالغًا بتعزيز مهاراتهم وصقلها بالإضافة إلى اكتساب مهارات جديدة مما يؤهلهم للعمل في المهن الأخرى التي تشهد رواجًا ملحوظًا في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.

سوراب سانجفي: بالإضافة إلى ما تم ذكره فإننا بدأنا نشهد تعافي بعض الوظائف عبر مجموعة متنوعة من القطاعات بما في ذلك عمال البناء والمعلمين، بالإضافة إلى وظائف الاقتصاد الإبداعي. ويرجع النمو في فئة عمال البناء على وجه الخصوص إلى ضخ الاستثمارات الحكومية في البنى التحتية، حيث ساهمت هذه الاستثمارات في إطلاق مشروعات بنية تحتية ضخمة مما دفع عجلة النمو في هذا القطاع بشكل كبير.

أما الفئة الوظيفية الأخرى التي أود أن أسلط الضوء عليها هي فئة المعلمين، حيث ساهمت الجائحة في تغيير المفاهيم التقليدية عن التعليم بشكل جذري. ولكن سرعان ما اعترفنا مجددًا بأهمية هذه المهنة بمفهومها التقليدي، مما يعكس الحقيقة الراسخة أننا بحاجة لعدد أكبر من المعلمين الأكفاء على جميع المستويات.

. . . ثم بدأت انطلاقة التحول التكنولوجي

روبرتا فوسارو: برأيكما، ما تأثير إضافة عوامل الميكنة والذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المعادلة التي تحكم سوق العمل؟

كويلين إلينجرود: يؤثر الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل واضح على الاقتصاد الأمريكي، حيث يمكنه أتمتة قرابة 10% من المهام الوظيفية في الولايات المتحدة، مما يلقى بظلاله على مجموعة واسعة من الوظائف، خاصة الوظائف ذات الدخل الأدنى، الذي لا يتجاوز 38 ألف دولار سنويًا. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يهدد العاملين في تلك الوظائف، حيث أنهم أكثر عرضة لفقدان وظائفهم 14 مرة مقارنة بالعاملين بالوظائف ذات الدخل الأعلى، وخاصة تلك التي يزيد الدخل السنوي فيها عن 58 ألف دولار.

كما يصل تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى العديد من الوظائف ذات الدخل الأعلى أيضًا، مما يلزم العاملين في مجموعة متنوعة من المهن مثل صناعة المحتوى، والوظائف الإبداعية، والمحاماة، وتقديم الاستشارات، إلى تغيير طريقة أداء مهامهم بشكل جذري نتيجة لتأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على مختلف جوانب عملنا. وتتفاوت حدة هذا التأثير، حيث قد يغير فقط الطريقة التي نخصص بها وقتنا لأداء المهام الوظيفية في بعض الحالات، ولكنه قد يؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف بصورة جذرية في حالات أخرى.

تطوير مهارات العاملين

روبرتا فوسارو: قد تدق هذه الإحصاءات والأرقام المرتفعة ناقوس الخطر، ولكن قد يتيح أيضًا الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصًا واعدة. وفيما يتعلق بالعمال ذوي الأجور المنخفضة على وجه الخصوص، هل يمكننا استخدام الآليات المناسبة لضمان تحقيق تطور وتقدم وظيفي لهذه الفئة؟

كويلين إلينجرود: من المتوقع أن يخضع حوالي اثنى عشر مليون موظفًا لعملية تحول مهني على مدى الأعوام القليلة القادمة وحتى عام 2030، ومن اللافت أن أربعة قطاعات وظيفية رئيسية تستحوذ على 80% من تلك التحولات المهنية. وتشمل هذه القطاعات كما ذكرتها من قبل خدمة العملاء، وقطاع الخدمات الغذائية، والإنتاج والتصنيع، بالإضافة إلى الوظائف المكتبية.

وفيما يتعلق بسؤالك عن كيفية ضمان تطور العمالة ذات الأجور المتدنية، فإن جزء كبير من هذه المسؤولية يقع على عاتق الشركات، حيث يتعين على كل مؤسسة عمل أن تولي اهتمامًا خاصًا بتنمية تلك الفئات على نطاق واسع ليشمل الآلاف من الموظفين. كما أعتقد أيضًا أن التعاون الوثيق بين الحكومة والمؤسسات التعليمية يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الهدف من خلال إطلاق شراكات مثمرة بين القطاعين العام والخاص، بهدف تنظيم برامج تدريب للعمال لتعزيز وصقل مهاراتهم.

وفيما يتعلق بسؤالك عن كيفية ضمان تطور العمالة ذات الأجور المتدنية، فإن جزء كبير من هذه المسؤولية يقع على عاتق الشركات، حيث يتعين على كل مؤسسة عمل أن تولي اهتمامًا خاصًا بتنمية تلك الفئات على نطاق واسع ليشمل الآلاف من الموظفين.

كويلين إلينجرود

وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن يعتمد التوظيف على أسس المهارات، حيث يبحث أصحاب الأعمال عمن يمتلكون المهارات والكفاءات الملائمة لمتطلبات الوظائف، بدلاً من التركيز على الشهادات الأكاديمية. ويتجلى الجانب الإيجابي لهذا التوجه في زيادة فرص العمل في المستقبل مقارنة بالوقت الحالي. ويعزى ذلك إلى عدة عوامل مثل الاتجاهات الديموغرافية وزيادة معدلات الاستهلاك، بالإضافة إلى النمو المستدام للناتج المحلي الإجمالي. ونتيجة لهذه العوامل المجتمعة، فمن المتوقع أن تكون هذه الوظائف ذات أجور أعلى في المتوسط، لكنها ستتطلب أيضًا مستويات أعلى من التعليم والتأهيل.

روبرتا فوسارو: أود أن أعرب عن إعجابي بالنظرة التفاؤلية التي أعتقد أننا في أمس الحاجة إليها، ولكن لا يسعني إلا أن أتساءل عن كيفية ضمان عدم استبعاد الفئات الأقل حظًا من سوق العمل في المستقبل؟

كويلين إلينجرود: سؤالك في غاية الأهمية، حيث يمس قضية جوهرية، قد تمثل تهديدًا حقيقيًا لعدة فئات إذا لم يتم معالجتها والتصدي لها بشكل فعال. وتشمل هذه الفئات العمال ذوي الدخل المتدني، والأشخاص ذو البشرة السوداء، وكذلك الإناث. فعلى سبيل المثال، تزداد احتمالية عمل الإناث بإحدى هذه المهن التي ستشهد تحولًا بنسبة 50% مقارنة بالذكور.

وباستلهام تلك المعطيات، يتعين علينا أن نولي اهتمامًا بالغًا بدعم تلك الفئات من خلال ثقل مهاراتهم، وذلك عن طريق الاستعانة ببعض برامج التدريب والتأهيل المتخصصة. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تعمل في مجال خدمة العملاء أو المبيعات، يمكن لهذه البرامج أن تساعدك في تطوير مسارك المهني من خلال اكتساب مهارات جديدة أو ثقل المهارات المطلوبة بهدف تحقيق التطور الوظيفي أو الحصول على وظيفة أفضل في المستقبل.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للبرامج الحكومية أن تلعب دورًا هامًا في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، يُمكن الإشارة إلى العقود المخصصة للاستثمارات في البنية التحتية التي من المقرر منحها لشركات البناء والتشييد التي تقدم خدمات رعاية الأطفال كجزء من تلك العقود، مما يتيح الفرصة للأمهات للعمل في قطاع البناء والتشييد، الذي كان مقتصرًا بشكل كبير على الذكور فقط سابقًا. ولكن بفضل هذا التوجه الحكومي والاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية، ستتاح فرص العمل بشكل أكثر تكافؤًا بين الرجال والنساء من حيث فرص الترقي الوظيفي والتطور المهني.

سوراب سانجفي: أود أن أسلط الضوء على حاجتنا للتركيز الواعي على معالجة التحديات الراهنة. وفي إطار مناقشة الحلول المطروحة، فقد يكون أحد الحلول المتعلقة بمجال التعليم العالي هو التعاون مع الجامعات المخصصة للطلاب ذو البشرة السوداء والمعروفة باسم جامعات وكليات السود التاريخية، وذلك بهدف تمكين هؤلاء الطلاب من المنافسة في سوق العمل وتعزيز مسيرتهم المهنية.

وقياسًا على ذلك، عندما نلقي نظرة على بعض برامج تعزيز مهارات القوى العاملة سنجد أنها تشهد تغيرًا مبشرًا يتمثل في ضخ استثمارات هائلة بمناطق جغرافية جديدة كانت تفتقر إلى مراكز للإبداع والابتكار. وتسهم هذه الاستثمارات في خلق فرص جديدة ومتكافئة في تلك المناطق المهمشة، مما يساهم في تمكين الأفراد بتلك المجتمعات من تحقيق النجاح المهني المنشود.

روبرتا فوسارو: كيف يمكن أن يستفيد أصحاب الأعمال من هذه الإحصاءات لإعادة تصور مفهومهم عن تنمية المهارات؟

سوراب سانجفي: يتعين على أصحاب الأعمال الاضطلاع بدور بارز في هذا السياق، حيث ينبغي أن يعيدوا النظر في معايير التوظيف التقليدية المعتمدة على الشهادات الأكاديمية، كما يجب أن يقوموا بتغيير شروط التوظيف التي كانوا يعتمدونها سابقًا، وتبني منهجية بديلة للتوظيف تتمحور حول تقييم المهارات والكفاءات.

ثانيًا، تُعد الفترة الحالية فرصة ذهبية للشركات لدراسة واستكشاف مسارات الترقي الوظيفي داخل المؤسسة، وذلك للاستفادة من الوعي المنتشر بين الموظفين حول ضرورة الاهتمام بالتقنيات التكنولوجية الحديثة والحاجة الملحة لثقل المهارات بهدف مواكبة التطور. وفي هذا السياق، يمكن للشركات اقتناص هذه الفرصة للنظر في إمكانية ترقية موظفيها للعمل في الوظائف الشاغرة لديها، بدلًا من اللجوء لتعيين موظفين جدد. وتضمن هذه العملية تطوير مسارات وظيفية لمساعدة العاملين في بعض المهن التي تعاني من تراجع معدلات الطلب، على تطوير مهاراتهم وترقيتهم إلى وظائف أكثر طلبًا في سوق العمل. كما تساهم هذه الإجراءات في توفير التكاليف التي تتكبدها الشركة في عملية التوظيف، من خلال الاستفادة من الموارد البشرية المتاحة دون زيادة التكلفة.

وأخيرًا، إذا نظرنا لما هو أبعد من الذكاء الاصطناعي التوليدي، سنجد أن الموظفين يطالبون بإعادة صياغة أساليب العمل وتطوير نماذج جديدة، مما يتطلب اهتمام بالغ من قبل أصحاب الأعمال. فهل يستطيعون تصميم أنماط جديدة لإنجاز الأعمال وتطوير نماذج عصرية تتسم بالمرونة والقدرة على الدمج بين نظامي العمل من موقع الشركة والعمل عن بعد؟ وهل يمكن ضمان أن تتماشى هذه النماذج الجديدة مع احتياجات الفئات الخاصة، مثل الإناث أو الموظفين الذين يدمجون العمل بالدراسة؟

دور الوظائف الخضراء في دفع عجلة النمو

روبرتا فوسارو: يشير التقرير إلى دور الحكومة الفيدرالية في الاستثمار بالبنية التحتية ودعم المبادرات الرامية إلى تحقيق أهداف الحياد المناخي. فكيف يمكن أن تؤثر هذه التوجهات على مستقبل سوق العمل؟

سوراب سانجفي: نحن نعتقد أن الحياد المناخي يمثل فرصة هائلة لنمو وتطوير مجالات العمل، مما يتطلب إجراء بعض التغيرات على غرار التحولات المتعلقة بالميكنة والذكاء الاصطناعي التوليدي التي سبق وتناولناها. ومن المتوقع أن ينجم عن تلك التحولات تغيرات في العرض والطلب في بعض الوظائف، حيث ستشهد الوظائف المتعلقة بقطاعات النفط والغاز انخفاضًا في معدلات الطلب عليها، بينما ستشهد الوظائف المرتبطة بالبيئة والطاقة المتجددة رواجًا ملحوظًا ينعكس في نمو معدلات الطلب. وتشمل هذه المجالات التي يطلق عليها الوظائف الخضراء الأعمال المرتبطة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك مشروعات البنية التحتية التابعة لها.

ومن المتوقع أن ستشهد الوظائف المتعلقة بقطاعات النفط والغاز انخفاضًا في معدلات الطلب عليها، بينما ستشهد الوظائف المرتبطة بالبيئة والطاقة المتجددة رواجًا ملحوظًا ينعكس في نمو معدلات الطلب. وتشمل هذه المجالات التي يطلق عليها الوظائف الخضراء الأعمال المرتبطة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك مشروعات البنية التحتية التابعة لها.

سوراب سانجفي

ويعتبر التحدي الأبرز في هذا الملف هو كيفية تمكين العمالة من التحول أو الانتقال من الوظائف المعرضة لتراجع الطلب عليها إلى شريحة الوظائف الخضراء، وكذلك تطوير آليات لصقل مهارات العاملين بهذه الوظائف المستحدثة. ويعد قطاع التشييد والبناء خير مثال على القطاعات التي ستشهد تحولاً ملحوظًا نحو الوظائف الخضراء، حيث سجلت الاستثمارات الفيدرالية في هذا القطاع مستويات قياسية غير مسبوقة، وتُضخ هذه الاستثمارات في عدة مشروعات، أبرزها مشروعات البناء، والتشييد، وإصلاح الطرق، وبناء الكباري. وعليه، يُعد قطاع البناء والتشييد من أبرز القطاعات التي ستستفيد من هذا التحول نحو الوظائف الخضراء والمستدامة.

ويحمل هذا القطاع في طياته فرصًا مختلفة للنمو والتحول إلى سوق عمل يتسم بالشمولية بدلًا من كونه مقتصرًا على الرجال من أعراق معينة فقط. فكيف يمكننا توسيع نطاق هذه الفُرَص لتشمل النساء؟ وما هي الآليات الني يجب اتباعها لتوسيع آفاق المساواة من خلال ضمان تمثيل أكبر للأشخاص من الأعراق المختلفة لتعزيز التعددية والاختلاف في هذا القطاع؟

كويلين إلينجرود: وفيما يتعلق بمسألة الحياد المناخي أو الكربوني، نتوقع أن تسهم الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف في زيادة صافي عدد الوظائف الإضافية إلى حوالي 700 ألف وظيفة، ولكن في الوقت نفسه، سيتم تقليص قرابة 3.5 مليون وظيفة بشكل مباشر أو غير مباشر.

وعلى الصعيد الآخر، سيتم خلق أكثر من أربع ملايين وظيفة جديدة في عدة قطاعات أبرزها مجال الطاقة المتجددة. كما سينجم عن هذه التقلبات الحادة جراء اختفاء بعض الوظائف وخلق وظائف أخرى حالة من عدم الاتزان التي ستلقى بظلالها على اقتصاد التوظيف الكلي. ولكننا نأمل أن تشكل الوظائف الجديدة التي ذكرناها سابقًا -700 ألف وظيفة- نواة تقود النمو الاقتصادي في المستقبل.

روبرتا فوسارو: إن هذه الإحصاءات مشجعة للغاية، فقد دفعتني للتفكير في الانتقال من وظيفتي كمحررة ومقدمة لبودكاست إلى البحث عن وظيفة في قطاع البناء والتشييد أو أي قطاع أخر من القطاعات الواعدة مما تم ذكرها.

سوراب سانجفي: قد ينجح هذا التحول نحو الوظائف الخضراء في خلق فرص هائلة للعمل في هذه القطاعات. ويمكن استغلال هذه الفرص من قبل الدولة للترويج لهذه الشريحة الجديدة من الوظائف التي بإمكانها استيعاب كلاً من الطلاب والموظفين، مما يساهم بشكل كبير في تعزيز الاستدامة والحفاظ على البيئة.

ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال استغلال الطاقات والإمكانات الكامنة في الجيل القادم من الطلاب، الذين يتميزون برغبتهم في البحث عن رسالة أكبر وهدف أسمى في حياتهم المهنية، مما يجعلهم مؤهلين لتولي مثل هذه الوظائف المعنية بالحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة.

مؤثرات إضافية على سوق العمل بجانب الذكاء الاصطناعي التوليدي

كويلين إلنجرود: عندما نتفحص سوق العمل على مدى السنوات الماضية، نجد أن هناك مهن جديدة تظهر كل عقد من الزمان وتتراوح ما بين 9 أو 10 في المئة من إجمالي الوظائف المتاحة وتتضمن هذه المهن مجموعة متنوعة من مجالات العمل، مثل الوظائف المتعلقة بالتحليلات المتقدمة والطاقة المتجددة، فضلاً عن ظهور فئة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتثير هذه الإحصاءات بعض التساؤلات المتعلقة بتلك الوظائف الجديدة، التي عادة ما كانت تتسم بالهيمنة الذكورية، حيث يتعين علينا أن نفكر في الآليات اللازمة لتنمية المهارات التي سيحتاجها الجيل القادم للمنافسة في سوق العمل سواء في الوظائف التي ندرك احتياجنا لها في المستقبل، بالإضافة إلى المهن التي لم نتمكن من التنبؤ بها بعد.

روبرتا فوسارو: هل ذكر التقرير أيَّ قوى أو عوامل أُخرى قد تؤثر على سوق العمل في الفترة المقبلة التي تمتد من سنتين إلى خمس سنوات، باستثناء تلك العوامل التي تم الإشارة إليها مسبقًا؟

سوراب سانجفي: تمثل ارتفاع متوسط أعمار القوى العاملة أحد أبرز العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على سوق العمل، مما ينعكس بشكل كبير على جوانب عدة، بما في ذلك معدلات التقاعد، هذا بالإضافة إلى موجة الاستقالات التي ضربت سوق العمل وبلغت ذروتها خلال العامين الماضيين. ومن المتوقع أن تساهم هذه العوامل في زيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.

وأعتقد أن واحدة من أبرز النتائج التي خلص إليها هذا التقرير هي تسجيل معدلات انتقال من وظيفة لأخرى بنسبة تزيد على 50 في المائة على مدى الثلاث سنوات الأخيرة مقارنة بالثلاث سنوات السابقة لها. وتعكس هذه الإحصاءات نتائج إيجابية نظرًا لاستقرار هؤلاء الأفراد، الذين انتقلوا إلى وظائف جديدة، ذات دخل أعلى نسبيًا.

وفي حال استمرار هذا الاتجاه على مدى العقد المقبل وحتى عام 2030، فمن الممكن أن تتحول بعض الاضطرابات التي نتحدث عنها إلى ظواهر إيجابية، من شأنها تمكين الموظفين ودعمهم للحصول على مناصب أفضل ذات دخل أعلى، بما يتماشى مع تطلعاتهم. ويمثل هذا التقرير أول دليل قوي نوثقه بشأن هذه التحولات المهنية التي تحدث بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.

كويلين إلينجرود: هناك عنصر أخر يجب الالتفات له في سوق العمل، وهو انخفاض معدلات الهجرة لفترة طويلة. ويؤدي امتزاج العديد من العوامل مثل ارتفاع معدلات الاستقالة، والتقاعد المبكر نتيجة لمشكلات صحية، بالإضافة إلى انخفاض معدلات الهجرة، إلى تفاقم أزمة ندرة المواهب في سوق العمل، مما يمثل تحديًا بارزًا لأصحاب الأعمال، حيث يصعب عليهم استقطاب وتوظيف أصحاب المهارات المطلوبة.

نتائج غير متوقعة

روبرتا فوسارو: ما هي أبرز النتائج غير المتوقعة التي خلص إليها هذا التقرير بالنسبة لكل منكما؟

كويلين إلينجرود: من أبرز النتائج المفاجئة بالنسبة لي، هي أن الأشخاص الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر -أقل من 38 ألف دولار سنويًا-، يكونون أكثر احتياجًا للتدرج أو الانتقال الوظيفي أكثر 14 مرة من الأشخاص العاملين في الوظائف ذات الأجور المرتفعة. فقد توقعت أن تترك الأتمتة والذكاء الاصطناعي التوليدي تأثيرًا متكافئًا نسبيًا لكلا من الشريحتين، ولكن تشير النتائج إلى تفاوت صادم وفقًا لمستوى الأجور.

روبرتا فوسارو: هذه نسبة غير متوقعة بالفعل! أود أن أوجه ذات السؤال لسوراب، فما النتيجة التي فاجأتك؟

سوراب سانجفي: كما ذكر كويلين، وفقًا للسيناريو الوسطي الذي نستند إليه، من المتوقع أن ترتفع نسبة الأنشطة التي ستصبح مميكنة إلى 29% من إجمالي الوظائف، وهذا مقارنة بالنسبة البالغة 21% سابقًا. إلا أن النقطة الملفتة للاهتمام هي أن نسبة الوظائف التي قد تصبح مميكنة بلغت 21% قبل ظهور التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.

و تعد نسبة الـ 21 في المائة من أبرز النتائج الأكثر تأثيرًا في دراستنا، مقارنة بالزيادة الأخيرة التي طرأت نتيجة تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تعكس أهمية مختلف التقنيات التكنولوجية في سوق العمل. فعلى سبيل المثال، ظهرت تقنيات تكنولوجية جديدة، تشمل الاعتماد على الروبوتات أو أكشاك الخدمة الذاتية الإلكترونية في قطاع مطاعم الوجبات السريعة، مما يترك أثر عميق على معظم هذه القطاعات. لذلك اعتقد أننا بحاجة إلى دراسة إمكانات مختلف هذه التقنيات، وعدم التركيز فقط على دراسة أثار الذكاء الاصطناعي التوليدي.

الجانب المشرق

روبرتا فوسارو: ما هي الرسالة الرئيسية التي تودون توجيهها لمستمعينا أو الجانب المشرق لهذه التحولات في سوق العمل؟

كويلين إلينجرود: نوصي المستمعين بالتركيز على الجوانب الإيجابية، التي تشمل الزيادة المرتقبة في أعداد الوظائف وارتفاع الأجور تدريجيًا. وسيشهد عالم الأعمال تحولات مهنية كبيرة، مما يتطلب تنمية المهارات واكتساب مهارات جديدة على نطاق واسع. وتساهم هذه التغيرات في دفع عجلة نمو الاقتصاد وزيادة معدلات الناتج المحلي الإجمالي، حيث تعد زيادة أعداد الوظائف ذات الأجور المرتفعة مؤشرًا ايجابيًا يعكس اتجاهنا نحو مستقبل أفضل، وذلك على الرغم من الفترة الانتقالية العصيبة والمضطربة، التي نمر بها.

سوراب سانجفي: عندما نتناول الموضوعات ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي، عادًة ما ننساق لاستنتاج سريع يتعلق بفقدان الوظائف كنتيجة حتمية لاعتماد هذه التقنيات. ولكن، على النقيض يشير تقريرنا المفصل إلى أن هذه التقنيات ستمكننا من التركيز على المهام الأكثر أهمية في إطار وظائفنا. وتعتبر وظيفة المعلم خير مثال على ذلك، حيث يعد المعلمون إحدى الفئات المعنية بالعمل الشاق والمسؤوليات المرهقة في مجتمعاتنا.

عندما نتناول موضوعات متعلقة بالذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي، عادة ما ننساق لاستنتاج سريع يتعلق بفقدان الوظائف كنتيجة حتمية لاعتماد هذه التقنيات. ولكن، على النقيض يشير تقريرنا المفصل إلى أن هذه التقنيات ستمكننا من التركيز على المهام الأكثر أهمية في إطار وظائفنا.

سوراب سانجفي

فإذا بحثنا في المهام المسندة للمعلمين، سنجد أن العديد منها تتمثل في مهام إدارية تخلو من التفاعل المباشر مع الطلاب. وهنا تتجلى أهمية استخدام التقنيات الحديثة، حيث تساعدنا في إدارة أعمالنا بشكل فعال من خلال إعادة تخصيص الوقت والجهد لإنجاز الأولويات وتحقيق أهدافنا المهنية. ففي حالة مهنة التدريس، ستتيح هذه التقنيات الفرصة للمعلمين لقضاء المزيد من الوقت مع الطلاب بصورة مباشرة مما يساهم بشكل كبير في تحسين تحصيلهم الدراسي. وهذا مجرد مثال واحد حيث يمكن تطبيق نفس النهج على مستوى العديد من المهن الأخرى.

لوسيا رحيلي: هل يتيح لنا الذكاء الاصطناعي التوليدي الفرصة لإعادة تخطيط حياتنا بشكل عام نظرًا لما يوفره من وقت وجهد؟ وللإجابة عن هذا السؤال، تنضم إلينا جوان ليبمان، مؤلفة كتاب "خطوتك التالية! قوة التجديد في الحياة والعمل".

جوان ليبمان: أقدم في هذا الكتاب دليلًا شاملًا لتجديد وإعادة صياغة حياتك، يتألف من أربع مراحل: البحث، والصراع، والتوقف، والوصول إلى الحل.

وتتمثل المرحلة الأولى في البحث، حيث يسعى الشخص في تلك المرحلة الهامة إلى جمع المعلومات القيمة وتراكم الخبرات. وتمثل هذه المرحلة الركيزة الأساسية لتطور المسيرة المهنية وتجديد حياته المستقبلية، حتى وإن لم يكن واعياً لهذا الأمر في الوقت الحالي. وبالنسبة للأشخاص المهتمين بحياتهم العملية، قد تتضمن هذه المرحلة العمل في وظيفة ثانوية، أو اكتشاف اهتمامات جديدة، هذا بالإضافة إلى الانغماس في قراءة الموضوعات المفضلة، أو ممارسة هواية معينة.

ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الصراع، حيث تبدأ في الانفصال عن الهوية السابقة، ولكنك لا تزال بحاجة لاكتشاف ما الذي ينتظرك في المستقبل. وعادة ما نغفل هذه المرحلة المحورية عندما نسرد قصص نجاح الأشخاص الذين مروا بتحولات جذرية في مسيرتهم المهنية. وتكمن أهمية هذه المرحلة في أنها تشهد تحقيق أهم الإنجازات. ولا ينتهي هذا الصراع حتى بلوغ محطة التوقف للتفكير العميق حتى تتضح الرؤية.

أما المرحلة الثالثة فهي التوقف، وفي هذه المرحلة، يمكن أن يبادر الشخص بإنهاء مرحلة سابقة والشروع في خطوة جديدة بمحض إرادته عن طريق الاستقالة من وظيفته، أو على الصعيد الآخر قد تطرأ ظروف خارجه عن إرادته مثل فقدان وظيفته، أو المرور بمحنة قاسية مثل تجربة الانفصال، أو مرض أحد أفراد العائلة، أو المعاناة من تداعيات الجائحة. وفي كل الأحوال تؤدي مختلف هذه السيناريوهات إلى نهاية حقبة معينة، مما يتيح الفرصة للاستفادة من التجارب السابقة والمضي قدمًا نحو آفاق جديدة.

وفي النهاية، نصل إلى المرحلة الأخيرة حيث يجد الفرد الحلول المناسبة ويحقق الأهداف المنشودة. ولا يشعر بالضرورة الأشخاص الذين خضعوا لتلك التحولات في حياتهم المهنية أنها عملية معقدة، بل قد تمر بسلاسة في إطار إعادة تصور هويتهم بطريقة جديدة.

ويُعد الروائي جيمس باترسون - مؤلف الروايات الأكثر مبيعًا -أحد أبرز الأمثلة على هذا التحول الجذري الذي أشير إليه. ولقد قابلته لأول مرة منذ 30 عام، عندما كنت مراسلة صغيرة السن في جريدة وول ستريت جورنال، حيث كنت معنية بتغطية قطاع الإعلانات التجارية. وفي ذلك الوقت، كان باترسون يعمل في شركة جاي والتر تومبسون للإعلان، حيث كان مسؤولًا عن حساب شركة برجر كينج. وعندما وصلت لمقر الشركة مبكرًا، ووجدته قد وصل بالفعل، وأخبرني أنه استيقظ منذ ساعات طويلة ليمارس هوايته المفضلة وهي كتابة الروايات، حيث صرح عن رغبته الجادة في أن يصبح روائيًا.

وعندما تناولت قصة نجاحه في كتابي، فقد وجدت أنه مر بالمراحل الأربعة التي ذكرتها. فالسعي كان مرحلة الكتابة والعمل على تطوير أسلوبه الخاص والمميز، بينما كان يشغل وظيفة مسؤول تنفيذي بشركة الإعلانات. أما مرحلة الصراع فقد تجلت عندما بدأ بنشر كتبه، حتى بدأت تتصدر قائمة أكثر الروايات مبيعًا، لكنه تربى على مبدأ الحصول على وظيفة ثابتة وأن الكتابة ليست مهنة مستقرة، فأصبح مضطربا، خاصة أنه لم يتأكد بعد من نجاحه كروائي. ثم جاءت مرحلة التوقف عندما نشر كتابه العاشر.

وعندما يقص باترسون قصة حياته، فإنه يذكر بالتحديد اللحظة التي اتخذ فيها قرار التوقف، فقد كان عائدًا من الشاطئ وعالقًا في زحام مروري على طريق نيو جيرسي. وبينما كان يراقب حركة السيارات القادمة في الاتجاه المعاكس، راوده خاطرة بأنه يسير في الاتجاه الخاطئ، وأن عليه تعديل وجهته ليستطيع الذهاب للشاطئ متى شاء. فرجع واستقال من وظيفته ليتفرغ لتأليف الروايات، وقد تبين بعدها أنه اتخذ القرار السليم.

عادة ما تختلف هذه المراحل باختلاف الأفراد. فقد تأتي هذه اللحظة في صورة فقدان الوظيفة، أو الزواج، أو الانتقال لمكان جديد. وعلى الرغم من تنوع الاستراتيجيات المؤدية للنجاح، فثمة بعض الأخطاء الكبرى التي لابد من تجنبها. وتتمثل إحدى هذه الأخطاء في الانسحاب مبكرًا. وحينها لا يستنفد الفرد جميع المحاولات لتحقيق هدفه، بل يعتزل ويترك الساحة مع أول بادرة إخفاق.

وقد تناولت في كتابي اثنين من أبزر المفاهيم المغلوطة. أولهما ما يدعى بوهم "سندريلا"، وهو اعتقاد البعض أن التغيير يحدث بصورة مفاجئة وفورية، كما حدث في قصة سندريلا. فعند سرد قصص النجاح الرائعة فإننا عادة ما نتجاهل ما تنطوي عليه من صعوبات. لكن في حقيقة الأمر فإن الفرد الذي يمر بتغيير بطيء أو تدريجي لا يعيبه شيء، وتقدمه المتذبذب هو مؤشر على النجاح في حد ذاته وجزء بالغ الأهمية في عملية التغيير.

أما المفهوم الخاطئ الثاني والذي أعتقد أنه في قمة الخطورة، فهو اعتقاد بضرورة تبني الفرد خطة محددة ودقيقة لتحقيق أهدافه. فيمكن أن تكون هذه النصيحة ناجحة في حالة رغبة الشخص أن يصبح جراحًا، ولكنها لا تنطبق على غالبية الأشخاص الذين قد التقيت بهم. بل على العكس تمامًا، حيث لم يكن لديهم أدنى فكرة عن أهدافهم أو الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه، غير أنهم كانوا يتسمون بالانفتاح والمرونة الكافية لاستكشاف ما يحمله المستقبل من فرص واعدة.

Explore a career with us