تخطي عوائق الابتكار البشرية

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

قام "أليكس هونولد" قبل خمس سنوات بتسلق جرف "إل كابيتان" شديد الانحدار، الذي يبغ ارتفاعه 3 آلاف قدم وحده ودون استخدام الحبال، مُسجلًا سابقة تاريخية. ولا شك أن "هونولد" يمتاز بمهارات عالية وانضباط كبير ولكن ميزته الأقوى هي أن دماغه لا يتعرف على مشاعر الخوف حسبما أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي.

للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ويندر أن ينطوي الابتكار على مخاطر كبيرة تشكل تهديدًا لحياتنا، ولكنه يبعث فينا الشعور بالقلق، كما أنه يتسم بالغموض أكثر من أي نشاط تجاري آخر، إذ يتطلب جرأة فائقة لمواجهة نتائجه غير المضمونة ومواصلة السعي الدؤوب على الرغم من العقبات والانتقادات وتراجع الثقة بالنفس. لذا تعترف غالبية الفرق بأن الخوف هو العائق الأول الذي يحد من قدرتها على الابتكار. وكشف استبيان أجريناه مؤخرًا بأن 85% من المسؤولين التنفيذيين يؤمنون بدور الخوف الكبير في كبح جهود الابتكار ضمن مؤسساتهم، إذ تنتشر هذه الظاهرة لدى الشركات التي تتمتع بمعدلات ابتكار متوسطة أو دون المتوسطة أكثر بواقع ثلاثة أضعاف قياسًا بالشركات الرائدة في مجال الابتكار. وتمتنع تسع من كل عشرة شركات عن اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تقليل حدة هذه المخاوف، بل يتمنون وجود أشخاص لا يعرفون الخوف مثل "هونولد" لأخذ زمام المبادرة في المجالات التي لا يجرؤ الآخرون على خوضها.

وتعد هذه الاستراتيجية خاطئة تمامًا نظرًا للأهمية المحورية التي يلعبها الابتكار في تحفيز النمو والتطوير، إذ تدرك الشركات الرائدة في مجال الابتكار الدور الكبير الذي يلعبه الخوف، إلا أنها تستثمر في بناء ثقافات مؤسسية تمزج بين البنية التحتية الضرورية للنجاح والتصميم المدروس لتجربة الموظفين العاطفية.

وسعيًا لفهم متطلبات ترسيخ ثقافة ناجحة للابتكار، أجرينا استبيانًا ومقابلات معمّقة مع مسؤولين تنفيذيين من جميع أنحاء العالم ممن يتولّون قيادة وتنفيذ مشاريع ابتكارية في مؤسسات كبيرة. وتعمّقنا بعدها بدراسة الفروقات بين الأساليب التي تتبعها الشركات الرائدة في مجال الابتكار والشركات الأخرى لإزالة المخاوف التي تعيق جهود الابتكار.

واكتشفنا بأن تجربة وثقافة الابتكار لدى الموظفين ترتبط بقوة مع نجاح الشركة الشامل في تعزيز الابتكار، وأعربت الغالبية العظمى من المشاركين عن شعورهم الدائم بالخوف والقلق، ولكن تبرز فروقات شاسعة في طبيعة هذا الخوف وشدته وكيفية محاولة الشركات للحد من تأثيراته السلبية.

ولكن ما هي مسببات هذا الشعور بالخوف؟

يُعد الخوف موضوعًا شخصيًا ومعقدًا، لأن الجوانب التي قد تسبب الخوف لفرد ما قد تكون محفزًا لفرد آخر. وكشفت أبحاثنا عن ثلاثة مخاوف تعيق الابتكار المؤسسي أكثر من غيرها، وهي: الخوف من التعرض للانتقاد، والخوف من الغموض، والخوف من التأثير السلبي على المسيرة المهنية. ويُعد موظفو الشركات التي تتمتع بمعدلات ابتكار متوسطة أو دون المتوسطة أكثر عرضةً بواقع مرتين إلى أربع مرات للمعاناة من معوقات الابتكار، وذلك مقارنةً بنظرائهم في الشركات الرائدة في مجال الابتكار.

وتوصلنا إلى أن الخوف من التأثير على المسيرة المهنية هو الفارق الأكبر بين موظفي الشركات الرائدة في مجال الابتكار وغيرهم، إذ أنه كان أكثر انتشارًا بواقع 3.6 مرات. وتنطوي هذه المخاوف على تبعات يسهل توقعها، إذ يدفعنا الخوف من الخسارة إلى تجنب القرارات التي يمكن أن تنعكس سلبًا على ترقياتنا أو تعويضنا الوظيفي. مما يعيق الموظفين من بلوغ أقصى إمكاناتهم، أو بمعنى آخر، المخاطرة بحياتهم المهنية لأجل الابتكار، أو حتى الخوض في مشروع ابتكاري منفصل.

وتتفوق الشركات الرائدة في مجال الابتكار في تقليل هذه المخاوف من خلال جعل الابتكار شرطًا إلزاميًا للنجاح المهني. وتُعد هذه الشركات مثلًا أكثر قابلية بمعدل 2.9 مرة من نظيراتها المتوسطة أو دون المتوسطة لمطالبة مسؤوليها التنفيذيين بإظهار قدراتهم الابتكارية لإحراز التقدم في مسيرتهم المهنية.

ويمثل الخوف من الغموض وفقدان السيطرة ثاني أكبر العوائق أمام الابتكار. وتحفّز هذه المخاوف تأثير الغموض، وهو تحيّز ذهني يدفعنا إلى تجنب الخيارات غير مضمونة النتائج.

وغالبًا ما يفضّل أفراد الإدارة التنفيذية، ممن يسعون لتعزيز التحكم في النتائج، الابتكارات التدريجية التي يعتبرونها أقل خطورة أو يطلبون من الفرق تقديم ضمانات على فائدة مشاريعهم، مما يأتي بنتائج عكسية ويحدّ من التجارب والأفكار الطموحة والإبداعية. ويحاول بعض القادة تقليل خوفهم من الغموض باستخدام ديناميكيات السوق القديمة لتوقع الأداء المستقبلي، ولكن ذلك يعد وسيلةً خطرة وخاصةً خلال الأوقات التي تتسم بالتغييرات.

ويظهر هذا الخوف لدى الشركات التي تتمتع بمعدل ابتكار متوسط أو دون المتوسط بمعدل أعلى بنحو ثلاث مرات من نظيراتها الرائدة في مجال الابتكار. ومقارنةً مع نظيراتها، تحفّز الشركات المتميزة في مجال الابتكار موظفيها على المخاطرة أكثر بمعدل 11 مرة، وتشجعهم على خوض التجارب الجديدة أكثر بمعدل خمس مرات. وتحظى الشركات الرائدة في مجال الابتكار بفهم أدق للفرق بين التجارب التي يمكن التراجع عنها عند اللزوم وتلك التي تعد التزامًا واسع النطاق.

ويشكل الخوف من التعرض للانتقاد العائق الثالث أمام الابتكار والذي يشعر به الجميع بنسب متفاوتة. ورغم أن الامتثال لرأي المجتمع يعد من التصرفات الطبيعية، إلا أنه يحد من الابتكار في الشركات. وترسم معايير القطاع للموظفين حدود إمكانياتهم وتمنعهم من طرح أفكار تتعارض مع الأعراف السائدة، وغالبًا ما يتم تعديل الأفكار المبتكرة لتناسب هذه المعايير مما يفقدها قيمتها. ويدفعنا هذا التحيز للامتثال لرأي المجتمع حتى على حساب مصلحة مؤسساتنا.

وتتمتع الشركات الرائدة في مجال الابتكار بقدرة أكبر على الحد من هذه المخاوف، حيث ينخفض عدد مسؤوليها التنفيذيين الذين يتأثرون بهذه المخاوف بمقدار 1.5 مرة عن الشركات الأخرى. كما تعمل الشركات الناجحة في مجال الابتكار على تسهيل انتقاد الأفكار بصراحة أكثر من الشركات الأخرى بمقدار ثلاثة أضعاف.

ويمكن أن يؤدي إغفال معالجة هذه المخاوف وغيرها إلى تشكل حواجز ثقافية كبيرة تعيق الاندفاع إلى الابتكار. وتتسم بيئات العمل في الشركات المتفوقة في مجال الابتكار بالطاقة الإيجابية والحماس، ويؤكد المسؤولون التنفيذيون فيها بأن الإبداع والتشويق هي أبرز المشاعر المرافقة للابتكار (لمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على الشريط الجانبي بعنوان: "خمسة أساليب للتخلص من الخوف").

ركائز ثقافة الابتكار الخمس

يتعين على الشركات الراغبة في إرساء ثقافة الابتكار وضع منهجيات وأهداف محددة، إذ كشفت أبحاثنا وتجارب عملائنا بأن جميع الشركات الرائدة في مجال الابتكار اعتمدت خمس ركائز لثقافة الابتكار وفق مستويات مختلفة (الشكل).

المبادئ والقيم: كشف تحليلنا للقيم المؤسسية بأن أكثر 50 شركة عامة ابتكارًا في العالم تركز على الابتكار كقيمة محورية بمعدل ثلاث مرات أكثر من باقي الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز" 500. ويقوم قادة هذه الشركات بدمج هذه القيم في تجربة الموظفين العملية. وأضافت إحدى الشركات الصناعية الابتكار ليكون أحد قيمها الأربع الرئيسية ووضعته في صميم هدفها، واعتبرته مسؤوليةً أخلاقية.

تحديد الأطر والريادة: يكون الرئيس التنفيذي مسؤولًا عن توفير أجواء إيجابية وتحفيز الجميع على المخاطرة من خلال التأكيد على أهمية الابتكار المحورية لنجاح الشركة. ويستلهم الرئيس التنفيذي في إحدى شركات التكنولوجيا شعاره القائل: "الفشل هو النجاح في اكتشاف طرق غير مجدية" من مقولة توماس إيديسون: "لم أفشل ولكنني اكتشفت 10 آلاف طريقة غير مجدية". ويمكن لقادة الشركات من خلال سرد قصص حول ابتكارات سابقة وحالية ومستقبلية، سواء من داخل الشركة أو خارجها، توسيع آفاق الموظفين. وأخبرتنا مسؤولة تنفيذية في إحدى الشركات العالمية المتخصصة في السلع الاستهلاكية المغلّفة بأن شركتها كانت تعتمد تعريفًا ضيق الأفق للابتكار، وهو: ملحقات خطوط المنتجات والعلامة التجارية، وأضافت قائلة: "شهدنا بعدها تحولًا في ثقافة الابتكار، وأصبحت قصص الابتكار التي نشاركها أوسع نطاقًا وتركز على نماذج جديدة للعمل ونماذج الدخول إلى السوق والأفكار متعددة الأقسام وخصوصًا في مجال التحول الرقمي".

المؤشرات والدلائل الداعمة: تدرك الشركات الرائدة في مجال الابتكار دور المؤشرات الداعمة وإمكانية الاستفادة منها في تعزيز أهمية الابتكار، وهو ما تلتزم به هذه الشركات أكثر من نظيراتها الأقل ابتكارًا بمقدار عشرة أضعاف. ويمكن أن تكون هذه المؤشرات مادية أو لفظية أو تتمحور حول نشاط معين، مثل مواظبة الرئيس التنفيذي على زيارة مواقع عمل المبتكرين. ويقول مسؤول تنفيذي متخصص بالابتكار في إحدى شركات النقل والخدمات اللوجستية: "يزول الخوف بمقدار كبير عند مشاركة الرئيس التنفيذي في أجندة العمل". وتمثل المكانة الوظيفية أحد المؤشرات الداعمة القوية من خلال مكافأة وتمييز المبتكرين. وأخبرنا رئيس الاستراتيجية في شركة تطوير ألعاب فيديو عالمية: "يسهم ربط الأجور بالابتكار في تحفيز الموظفين على المشاركة".

الاحتفاء بالابتكار وتحديد الممارسات: يمكن للشركات تحويل الابتكار إلى ثقافة سائدة بدلًا من حصره بأهداف محددة، وذلك عن طريق توفير ممارسات معينة مثل أيام مخصصة للابتكار وفعاليات الهاكاثون وأيام مخصصة لتعزيز الإنتاجية التي يقودها كبار المسؤولين التنفيذيين أو يشاركون فيها لترسيخ الدور المحوري للابتكار. وأكد الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في إحدى الشركات بأن ممارسات الابتكار سائدة في شركته، بما في ذلك أيام الابتكار المنتظمة والتي تشهد قيام الزملاء والفرق باستكشاف اهتماماتهم وابتكار أفكار جديدة. وكثيرًا ما أثمرت هذه الجلسات عن اكتشافات غير متوقعة قادت الشركة إلى إعادة ترتيب أولويات مشاريعها المقررة. ونجح رئيس الابتكار في شركة تأسست منذ 150 عامًا في وضع قاعدة لتشجيع العصف الذهني وتبادل الأفكار بين أفراد فريقه، حيث قال: "تتطلب مشاركة الأفكار جرأة كبيرة لذا ينبغي أن تتبعها تعليقات داعمة ومشجعة بدلًا من انتقادها".

التمكين والحماية: تلعب الحالات الشعورية دورًا كبيرًا في تجربة الابتكار لدى غالبية الشركات، وغالبًا ما يترافق الابتكار مع مشاعر الخوف والقلق والإحباط لدى موظفي الشركات متوسطة أو محدودة الابتكار، في حين تندر لديهم مشاعر المتعة والطموح والشجاعة. إلا أن الشعور بالخوف قد يكون محفزًا للابتكار، حيث يقول مسؤول تنفيذي في شركة تكنولوجيا مالية عالمية إنه كان يتعين على فريقه أسبوعيًا تقديم فكرة منتج جديد إلى الرئيس التنفيذي، الذي قد يشيد بالفكرة أو يحطم معنويات صاحبها، ما وضع الموظفين تحت ضغط هائل. وعلى الرغم من نجاح هذه الطريقة إلى حد ما، غير أن أبحاثنا تؤكد بأن نسبة الشركات الرائدة في مجال الابتكار التي تعتمد ثقافة الخوف لا تتعدى 11% مقابل 58% من الشركات التي تشجع موظفيها.

ويمكن للشركات تحفيز موظفيها على خوض التجارب وطرح الأسئلة والآراء، عن طريق تعزيز شعور الانتماء والأمان من خلال الالتزام المشترك بالابتكار. ويحرص قادة الشركات الرائدة في مجال الابتكار على إزالة الوصمة السلبية المقترنة بالفشل عادةً، كما يضعون آليات لاستخلاص الدروس من الأخطاء ومكافأة التعلم، مثل مذكرات تصحيح الأخطاء لدى شركة أمازون. ويشير أحد المسؤولين التنفيذيين إلى أنه "يمكننا دومًا التراجع عن فكرة نعتقد بعدم جدواها ومحاولة تحسينها، وتتيح الشركة الموارد اللازمة لتجربة الأفكار بشكل عملي مع اعتماد عقلية تقوم على وفرة الموارد وعدم التركيز على الفشل". كما شاركنا أحد قادة الابتكار بقوله: "توفر الشركات التي تعزز ثقة موظفيها وتحثهم على المخاطرة جوًا من الأمان والطمأنينة، وهو ما يساهم في تحفيز الموظفين لخوض مزيد من التجارب".

يمكن لإدارات الشركات، من خلال توفير السلامة النفسية وهدف واضح للابتكار والتشجيع العلني والمكافآت، أن تساعد الموظفين على اكتساب مزيد من الجرأة لتحقيق طموحاتهم الإبداعية. وتُشكّل معالجة المخاوف التي تمنع الموظفين من خوض التجارب السبيل الوحيد لإرساء ثقافة ابتكار فعالة. وتدرك الشركات الرائدة في مجال الابتكار ارتباط الابتكار بالمخاطر دومًا، وبأن موظفيهم يشعرون بالخوف ويحتاجون إلى وسائل حماية لخوض تجارب الابتكار التي يسودها الغموض، بدون الشعور بالقلق.

Explore a career with us