التنوّع أكثرُ أهمية: دراسة حالة التّأثير الشّامل

| تقرير

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

إنّ تقرير "التنوع أكثر أهمية" يُعدّ الرّابع ضمن سلسلة التقارير التي تُصدرها ماكنزي لاستكشاف التأّثيرات العملية للتنوّع الجنسيّ والعرقيّ فيما بين الموظفين وخاصةً على بيئة الأعمال، وهو يأتي بعد تقاريرٍ أخرى تناولت أهمية تطبيق منهج التنوّع داخل الشركات والمؤسسات، مثل "لماذا يعد التنوّع مهم" والذي صدر في عام (2015)، و"تحقيق النجاح من خلال التنوّع" (2018)، و"التنوّع يفوز" (2020). وعلى مدى عقدٍ من الزمان نجحت ماكنزي في أن تُقدّم رؤيةً عالميةً شاملة حول العلاقة بين تنوّع القيادة وتحقيق معدلات أداءٍ مرتفعةٍ للشركات. وفي هذا العام، تظهر انعكاسات الحالة العملية للتنوّع والعدالة والشّمول (DEI) بشكلٍ أكثر قوةٍ مما كانت عليه منذ أن بدأنا رحلتنا البحثية في هذا المجال، والأكثر من ذلك أنّ هذه الاكتشافات الجديدة التي توصلنا إليها تُظهر حالة الارتباط الكبير ما بين التنوّع في القيادة وتحقيق طموحات النمو الشّامل التي يصاحبها تمثيلٌ عادلٌ وتأثيرٌ اجتماعيٌ واضح بشكلٍ أكبر من ذي قبل.

في ظل الضغوط الاستثنائية التي تواجهها الشركات لتحقيق أهدافها في الحفاظ على معدلاتٍ مرتفعة ومستدامة من الأداء الماليّ ، وسط تغيّراتٍ حادة وسريعة للمشهد العام للأعمال، تأتي الأهمية الكبرى لإنشاء وترسيخ ثقافة الشفافية والشمول داخل كل شركة، بالشكل الذي يُلبّي توقعات التأثير الاجتماعي المُستهدف؛ وبالرّغم من التحديّات والتنافسيّة الشديدة التي باتت أمرًا معتادًا يميز المشهد العام للأعمال، إلا أنّ تحقيق هذه الأهداف ليس بالأمر المستبعد، بل على العكس من ذلك، تشير أبحاثنا إلى وجود علاقاتٍ قوية وإيجابية بين كل هذه الأهداف، حيث أصبح للتنوّع اليوم أهميةً أكبر.

في تقريرنا الرابع "التنوّع أكثر أهمية"، والذي يدور حول أهمية تحقيق التنوع في تمثيل الجنس وكذلك تحقيق التمثيل العرقي العادل على المستوى القيادي داخل الشركات، فقد قمنا بالاستناد على أكبر قاعدةٍ معلوماتية نمتلكها ،تلك القاعدة مليئةٌ بالبيانات المتخصصة في هذا الشأن ، والتي تغطي نحو ألفٍ ومائتي وخمسٍ وستين شركة، وثلاثٍ وعشرين دولةٍ حول العالم، وست مناطق أعمالٍ عالمية، بالإضافة لمجموعةٍ من اللقاءات التي أجريناها مع قياداتٍ لشركاتٍ متعددة، كما قمنا كذلك بتوسيع نطاق أبحاثنا لتشمل للمرة الأولى بحث العلاقة بين التنوّع في تمثيل الموظفين ومعدّلات الأداء المالي، كما نُسلط الضوء أيضًا في هذا التّقرير على تأثير تطبيق هذا التنوّع بشكلٍ شاملٍ على بيئة العمل الداخلية وأيضًا البيئة المجتمعية خارج الشركة، وذلك لإدراك بالأهمية الكبرى لمبدأ التنوع وعدم اقتصارها على الأداء المالي للشركات فقط.

حالة العمل الأكثرُ إقناعًا

بالرّغم مما شهدته بيئة الأعمال من تغيُرات ٍ جذرية في السنوات القليلة الماضية، إلا أنّ الشركات التي تمتلك فرقًا قيادية تتّسم بالتنوّع لا تزال تُحقق عوائد ماليةٍ أعلى من نظيراتها، وهو الأمر الذي أكدّت صحته قاعدة بياناتنا الموسعة في العديد من الصناعات والأسواق المختلفة، حتى في ظل حالة التنامي المستمرة للتّحديات التي تواجه بيئة الأعمال والتّباين في طموحات وتوقعات الأطراف المعنيّة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

كما قمنا أيضًا برصد زيادةٍ فاقت الضّعف في معدلات تكوين فرق العمل القيادية التي تعتمد على التنوّع في جنس العاملين1 خلال العقد الماضي، وهو ما أكدته تقاريرُنا التي نشرناها في الأعوام - 2015 و2018 و2020، وانتهاءًا بتقرير العام 2023، والتي تُظهر جميعها اتجاهًا تصاعديًا بمعدلٍ ثابت لتمثيل المرأة بالفرق التنفيذية. وعند تقييمُنا للبيانات عند كل نقطةٍ زمنية كان من اللافت للنظر وجود تفوقٍ في الأداء الماليّ للشركات التي تتمتع بتنوعٍ في الجنس والعرق على المستوى القياديّ عن غيرها من الشركات التي تفتقد لهذا التنوع، فعلى سبيل المثال اكتشفنا في تقريرنا الذي أصدرناه عام 2015 أن الشركات الرائدة في تطبيق التنوع تمتلك حظوظًا أوفر في تحقيق التفوق المالي بنسبةٍ تصل الى خمس عشرة بالمائة عن نظيراتها، لترتفع هذه النسبة وتصل الى تسعٍ وثلاثين بالمائة وذلك في العام الجاري، كما هو موضح (الشكل رقم 1)

1

تُشير تحليلاتنا إلى قوة تأثير التنوّع العرقيّ وانعكاساتها الإيجابية على التفوق في الأداء، وهو ما ثبت نجاحه بمرور الزمن، حيث يُوضح الشكل رقم (1) مدى التفوق الذي حققته شركات الربع الأعلى فيما يخص معدلات الأداء عن مثيلاتها في الرُّبع الأدنى والذي بلغت نسبته التسع والثلاثين بالمائة فيما يخص التمثيل العرقيّ، الأمر الذي أكدته تحليلاتنا للبيانات المالية لثمان اقتصادياتٍ جديدةٍ وذلك في العام 2022.2

إنّ الشركات التي تفتقر إلى التنوّع في فرق إداراتها التنفيذية تتعرض للعقوبات3 ، حيث يُوضح الشّكل رقم (2) قدرة شركات الرُّبع الأعلى على اتخاذ إجراءاتٍ فاعلةٍ لتحقيق تنوّعٍ أكبر في فرق الإدارة لديها، ويأتي ذلك نتاجًا لزيادة تمثيل المرأة والذي تجاوزت نسبته الثلاثين بالمائة، مما انعكس إيجابيًا على الأداء المالي ليفوق أداء الشركات التي تحقق نسبة الثلاثين بالمائة أو أقل، كما تفوقت شركات الربع الأعلى أيضًا على الشركات الأخرى بنسبةٍ تصل إلى 27 بالمائة وذلك فيما يتعلق بالتنوّع العرقيّ .

2

إذ تُشير أبحاثنا إلى أن تحقيق التنوّع في الجنس أو الأعراق داخل فرق الإدارة التنفيذية، يكون له أثرٌ إيجابيٌ على أداء الشركات وربحيتها. فعلى سبيل المثال، إنّ شركات الرُّبع الأعلى التي تتمتع بتنوعٍ في الجنس والعرق معًا داخل فرق الإدارة التنفيذية تظهر احتماليةً أكبر في تحقيق معدلاتٍ للربحية قد تصل نسبتها في المتوسّط إلى 9 بالمائة أكثر من نظيراتها، أخذًا في الاعتبار أنّ هذا الفارق قد تقلص قليلًا منذ النّسخة السّابقة للتقرير. بينما تقل احتمالية تحقيق التفوّق الماليّ لشركات الرُّبع الأدنى، والتي تُطبق كلا النوعين من التنوّع بنسبة 66 بالمائة في المتوسط، وما يدعم هذا الاستنتاج هو زيادة هذه النسبة من 27 بالمائة في عام 2020 إلى 66 بالمائة في الوقت الحالي، مما يشير إلى أن عدم تطبيق منهج التنوّع يمكن أن يكون أمرًا مكلفًا للشركات.

وكما تُشير تحليلاتُنا الأخيرة أيضًا إلى أن الشركات التي تتمتع بتنوعٍ أكبر في أعضاء مجالس إداراتها من المرجح لها أن تتفوّق ماليًا، وللمرة الأولى، يكون لهذا الترابط دلالةً إحصائية عند النّظر إلى الجنس والعرق على حدٍ سواء، فالشركات التي تنتمي إلى الربع الأعلى من حيث التنوّع في الجنس داخل مجالس إداراتها تكون أكثر احتمالًا لتحقيق تفوّقٍ ماليٍ بنسبة 27 بالمائة مقارنةً بتلك التي تنتمي إلى الرُّبع الأدنى. وبالمثل، فإنّ الشركات التي تنتمي إلى الربع الأعلى والتي تعتمد تنوّع العرق في مجالس إداراتها تكون أكثر احتمالية في التفوق بنسبة 13 بالمائة، وذلك مقارنةً بتلك التي تنتمي إلى الرُّبع الأدنى. وكما هو واضحٌ أنّ هذه النتائج تدعم الفرضية التي تشير إلى أن فوائد التنوع لا تقتصر فقط على القيادة التنفيذية العُليا في الشركات، وإنّما تمتد أيضًا إلى مجالس الإدارة. حيث غالبًا ما يتم اتخاذ قرارات تطبيق سياسات التنوّع والعدالة والاندماج (DEI) والتي تؤثّر على المنظمة ككل داخل مجالس الإدارة. وبما أن هذه القرارات غالباً ما تكون ذات تأثيرٍ استراتيجيٍ واسع النطاق، فإن وجود التنوع في هذه الهياكل إنما يُعد عاملًا مؤثرًا في تحقيق النجاح والاستدامة على مستوى المنظمة بأكملها. كما قمنا أيضًا بإجراء فحصٍ لتقييم عوائد وفوائد تطبيق التنوّع في الاقتصادات النّاشئة والمتقدمة، خلُصنا منه إلى أن الاقتصادات المتقدمة تكون أكثر قدرة عن غيرها من الاقتصادات في تحقيق التفوّق الماليّ لدى الشركات والمؤسسات التي تتبنى نهج التنوّع في الجنس داخل إداراتها التنفيذية. وفي المقابل، أظهرت الاقتصادات النّاشئة في السنوات الأخيرة تقدمًا ملموسًا، في تبني نهج التنوّع في القيادة الفعّالة، مما يُشير إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون له تأثيراتٍ إيجابيةٍ على الأداء الماليّ لتلك الاقتصادات.

التّمثيلُ العادل في الإدارة العُليا أمرًا مُمكنًا

في عام 2015، ومُنذ أن بدأت ماكنزي في تحليل بيانات التمثيل العادل بين الموظّفين في بيئات العمل المختلفة، كنا قد رصدنا إحراز النساء تقدمًا كبيرًا في هذا المضمار سواءًا على مستوى الوظائف العادية أو في المراكز القيادية. حيث تُظهر تلك البيانات ارتفاعًا في معدلات تمثيل المرأة داخل فرق العمل التنفيذية إلى خُمس أعضاء الفريق، وهي نسبةٌ تتجاوز ثلث ما تم رصده في عام 2022، ومن الجدير بالذكر أن ثمانٍ من كل عشر شركاتٍ قمنا بفحصها حتى الآن ضمّت على الأقل امرأةً واحدةً ضمن فريق الإدارة التنفيذية الخاص بها ، وذلك مقارنةً بأقل من ثلثيّ الشركات في وقتٍ سابق. كما ارتفعت أيضًا نسبة الشركات التي تضم داخل قياداتها التنفيذية أكثر من عشرٍ بالمائة من النساء إلى سبع شركاتٍ من كل 10 تحقق هذا الإنجاز. ومُنذ إصدارنا تقرير "التنوّع يفوز" في عام 2020، ومن خلال قاعدة بياناتنا الموَسّعة، رصدنا كذلك زيادةً في معدّلات التنوّع والتمثيل الوظيفي هي الأعلى على مدار عقدٍ من الزمان، بالإضافة أيضًا إلى تحقيق أكبر نسبة تمثيلٍ وظيفيٍ في أعلى المناصب القيادية أكثر من أي وقت مضى. (الشكل رقم 3)

3

نظرًا لما تمتلكه كل منطقةٍ من خصوصيةٍ من حيث التكوين العرقيّ الذي يميزها وتقاليدها الثقافية الخاصة بها، فقد قمنا بتقييم معدلات التمثيل العرقي داخل الشركات من خلال تحليلٍ شاملٍ لمستويات التمثيل العادل، وهي عمليةٌ تستهدف بالأساس قياس مدى انعكاس التركيبة الديموغرافية4 "التنوّع السكانيّ" للمنطقة المحيطة بالشركات على المراكز القياديّة داخلها بشكلٍ دقيق. وتعد الشركات العاملة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة – حاليًا - هي الأقرب من غيرها في تحقيق التمثيل القيادي العادل بنسبةٍ بلغت 20 بالمائة من التمثيل العرقيّ للسكان، لكنها في نفس الوقت لا تزال متأخرةً عن حصة السكان التي تبلغ 41 بالمائة.

لقد تعمقنا بشكلٍ أكبر في فحص ودراسة دور مجالس الإدارة، خاصةً في ظل حالة الارتباط التي تجمع ما بين المجالس التي تضم بداخلها تنوعًا وتمثيلًا جيدًا للموظفين والقيادات، وتحقيق معدلات أداءٍ ماليٍ أفضل ونموٍ شامل5 ، وهو الأمر الذي يتجاوز أحيانًا تأثير الفرق التنفيذية، بالإضافة لذلك يمكن لهذه النوعية من المجالس أن يكون لها تأثيرها الإيجابي القوي على سمعة الشركة في المجتمع. وفي هذا العام رصدنا مرةً أخرى وجود ارتباطٍ قوي بين تحقيق الأثر المالي الملموس وزيادة تمثيل المرأة في مجالس الإدارات، كما رصدنا أيضًا وللمرة الأولى ارتباطًا كبيرًا مع التمثيل العرقي، ممّا يُؤكد على أهمية تعدد التّمثيل في مجالس الإدارات لتحقيق أثرٍ فعّالٍ على الأداء المالي ومعدلات النمو الشّامل للشركة وانعكاسها الإيجابيّ على المجتمع.

على مدى الثّمانية أعوامٍ الماضية، وتحديدًا منذ العام 2015، قمنا بمتابعة معدلات التقدم التي تحققت منذ ذلك الحين في مجال تمثيل وتنوع القيادة داخل أكثر من ثلاثمائةٍ وثلاثين شركة، وفي هذا الإطار قمنا بتقسيم هذه الشركات إلى خمس فئاتٍ وذلك وفقاً لمستويات التنوّع داخل فرق العمل التنفيذيّة، وهذه الأقسام هي: "قادة التنوّع - الّذين يُحرزون تقدمًا سريعًا - المُتقدمين بوتيرةٍ معتدلة - المُستندين لإنجازات الماضي - والمُتأخرون"، كما هو موضح في (الشكل رقم 4).

4

لقد كان من المُلهم لنا بشكلٍ خاص ما رصدناه من نجاحاتٍ كبيرةٍ حققها قادة التنوّع، في مجال تحقيق التوازن بين الجنسين والتّمثيل العادل للأعراق، مما يُؤكد أنّ تحقيق التّمثيل العادل في المراكز القيادية ليس حلمًا أو طموحًا صعب المنال وإنّما هدفٌ واقعي يمكن تحقيقه، كما أظهرت القيادات التنفيذية ممن يحرزون تقدمًا سريعًا في مجال التمثيل والتنوّع في القيادة، أنّ التّغيير يمكن أن يحدث بشكلٍ سريعٍ وعلى نطاقٍ واسع، حيث ارتفعت نسبة تمثيل الجنسين إلى 32 بالمائة، وهي المرة الأولى التي نرى فيها هذه النّتيجة المُشجّعة. الأداء القوي لهذه الشركات دفعنا إلى رفع حدود تحسين الأداء التي كنا قد وضعناها في السابق بخصوص التنوع بين الجنسين والتمثيل العرقي، والتي تضمنها تقريرنا الصادر في عام 2020 بعنوان "التنوّع يفوز". حيث تعكس حدود تحسين الأداء الجديدة المكاسب التي حققتها شركات الربع الأعلى على مستوى الأداء (خمس نقاطٍ بالمائة فيما يتعلّق بالجنس وعشر نقاطٍ بالمائة فيما يتعلّق بالأعراق).

لقد حققت الشركات التي تم تصنيفُها من قبلنا ضمن الفئات الأعلى والأسرع نموًا في مستويات التمثيل، حيث نجح بعضها في تحقيق التمثيل العادل بين الجنسين. وكان من اللافت للنظر ما حققته بعض الشركات الرّائدة بالمملكة المتّحدة من نجاحاتٍ بارزةٍ في مستوى التمثيل العرقيّ والذي بلغت نسبته ثمانٍ وعشرين بالمائة، وهي نسبةٌ تتجاوز تعداد السكان العام بالمنطقة. بينما وصلت نسبة تمثيل المرأة في الفرق التنفيذية داخل الشركات الرّائدة في تطبيق التنوع بين الجنسين بالولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى 50 بالمائة، وبالإضافة إلى ذلك نجحت تلك الشركات أيضًا في تمثيل 39 بالمائة من الأعراق - والتي كانت تعاني من قلة التمثيل على مرّ التاريخ داخل قطاع القادة التنفيذيين.

ورُغم هذه الإنجازات، إلا أنه عندما نُدقق النظر في البيانات بشكلٍ كامل فإننا سنجد الفجوة لا تزال كبيرةً فيما يتعلّق بالتمثيل العرقيّ في المستويات العُليا من الإدارة، وهذا ما أظهرته نتائج التقريرين اللذين صدرا في عاميّ 2020، و2023، واللذان أشارا إلى أن نسبة تمثيل الأعراق - التي لم تكن ممثّلةً بشكلٍ جيد في السّابق - داخل الشركات لم تتجاوز 16 بالمائة،6 علمًا بأن هذه النتائج قد أظهرت بعض التباطؤ منذ العام 2019. كما أظهر تقريرنا السّابق " التنوّع يفوز" أن ما يقترب من 61 بالمائة من الشركات تقوم بتوظيف واحدٍ على الأقل من ذوي الأعراق غير الممثلة تاريخيًا؛ وهذا الشّكل يُظهر نموًا ضئيلًا بنسبة 68 بالمائة.

وعلى الرغم من التّقدم الجيد فيما يخص التمثيل العادل لهذه الأقليّات في فرق القيادة التنفيذيّة، إلا أنه لايزال أمامنا الكثير من العمل في هذا المضمار وخاصةً في مناطقٍ جغرافيّةٍ بعينها. إن القادة الذين يدعمون فكر التنوع هم بمثابة المُلهمين للشركات الأخرى، حيث يُقدمون نموذجًا يُحتذى به في فتح المجال أمام تطبيق سياساتهم المُعززة للتنوّع بكل أشكاله، وهو الأمر الذي يعكس التزام شركاتهم بخلق بيئة عملٍ تعاونيةٍ وعادلة تمنح الجميع فرصًا متساويةً لإدراك النجاح، بغضّ النّظر عن جنسهم أو خلفياتهم الثقافية أو انتماءاتهم العرقية.

التنوّع يدعم النمو الشامل

بالرّغم من أهمية الأداء المالي السنوي، إلا أن سعي الشركات لتحقيق مردودٍ إيجابي طويل الأمد يعود بالنّفع على أصحاب المصلحة يظل هو المبدأ الأساسيّ للرأس مالية، وهو المبدأ الذي يُؤكد على تلبية احتياجات مجموعةٍ أشمل من أصحاب المصلحة بما في ذلك الموظفين والعملاء والمستثمرين، كما يعطي هذا المبدأ الأولوية للأهداف الاجتماعية والبيئية، ويسعى نحو النمو المستدام والشامل وهو ما يعرف اصطلاحًا بالتّأثير الشامل.

في العديد من المناطق حول العالم، تتزايد الدعوات التي تطالب المؤسسات والشركات بالنّظر في مفهوم التّأثير الشامل وأخذه بعين الاعتبار، ولا يقتصر ذلك على بيئة العمل الداخلية فقط، وإنّما يمتدّ إلى نطاقٍ أوسع محليًا وعالميًا، وفي هذا المجال تشير أبحاثنا إلى خمس مجالاتٍ رئيسيةٍ عند دراسة التأثير الشامل وهي: المجال الماليّ والتشغيليّ، مجال القُدرات، مجال الصّحة والقوى العاملة، والمجال البيئيّ، وأخيرًا المجال الاجتماعيّ.

وفي هذا التقرير سنقوم بتوسيع نطاق أبحاثنا بشكلٍ أكثر تعمقًا، مع التركيز على كلا المجالين البيئيّ والاجتماعيّ، خاصةً بعد أن أدهشتنا نتائج الاستطلاع الذي أجريناها في مجالاتٍ صناعيةٍ مختلفة والتي أظهرت بشكلٍ جليّ أن التنوع والتمثيل العادل في مجالس الإدارات والفرق التنفيذية له تأثيراتٌ إيجابية للغاية على مؤشرات التأثير الاجتماعي والبيئي.

نحن نُدرك تمامًا أن إحداث تأثيرٍ اجتماعيٍ يسير بخطىً إيجابية ثابته جنبًا الى جنب مع أولويات الأعمال الأخرى لهي مهمةٌ صعبة حتى على الشركات التي تتبنى تلك السياسات بالفعل، ومع ذلك فإن أكثر من نصف الشركات التي شملتها أبحاثنا قد سجّلت أداءًا جيدًا فيما يخص المشاركة المجتمعية7 ،وما لها من أثرٍ بالغ الأهمية في خلق وترسيخ صوةٍ ذهنيةٍ إيجابية للشركة لدى المجتمع.

ولقد قمنا بعمل دراسةٍ متعمقةٍ لاستيضاح ماهيّة العلاقة التي تربط بين التنوع في القيادة من حيث الجنس والأصل العرقي ومكونات التأثير الشامل الثلاثة وهي "المجتمع وقوى العمل والبيئة"، والتي تعكس بشكلٍ وثيق مدى الرفاهية التي يمكن أن تتحقق للموظفين والمجتمع، وقد أكدت النتائج على الأثر الإيجابي الذي يحدثه التنوع في القيادة من حيث الجنس والعرق على حدٍ سواء. كما هو موضح في (الشكل رقم 5)

5

لقد اكتشفنا أيضًا وجود رابطٍ بين التنوع في الأدوار القيادية والتنوع في باقي الأدوار داخل المؤسسة.8 هذا الاكتشاف يشير إلى أن زيادة نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية يؤثر بشكلٍ إيجابي على التنوع في جميع أنحاء المؤسسة، فالارتفاع بنسبة 10 بالمائة في تمثيل المرأة بالفريق التنفيذي عام 2019، قد أدى إلى زيادةٍ بلغت في المتوسّط 2.1 بالمائة في نسبة تمثيل المرأة على مستوى الموظفين والمديرين معًا في عام 2021. وهناك أيضًا تأثيرٌ مشابه، ولكنّه أقل إلى حدٍ ما، وهو المتعلق بتمثيل الأصول العرقية.9 فعندما يتم إتاحة الفرص للنساء والأقلياّت العرقية لتتولي الأدوار القيادية العُليا داخل الشركات، فإن ذلك يُشير إلى وجود التزامٍ بتحقيق التنوع والشمول في هياكل القيادة، وخلق بيئة عملٍ تشجّع على التفاعل الشامل لجميع فئات الموظفين، بغضّ النظر عن الجنس أو الأصل العرقي مما يضع الجميع ضمن دائرة النجاح.

بشكلٍ عام هناك ترابطٌ قوي بين تنوع الأدوار القيادية المؤثرة في الشركات من جهةٍ، ومكونات التأثير الشامل من جهة ٍأخرى، وبالأخص ما هو متعلقٌ بالمجتمع والبيئة والقوى العاملة، ويظهر هذا الترابط في كل القطاعات وليس في قطاعٍ بعينه.

خمس وسائل دافعةٌ للتغيير

شهد العقد الأخير تقدمًا ملحوظًا فيما يخص التّمثيل العادل، ومع ذلك وجب التّنبيه على أن التّمثيل وحده ليس هدفًا في حد ذاته، فهناك حاجةٌ دائمةٌ إلى أن يُسهم ذلك التمثيل بشكلٍ إيجابيٍ في تحقيق نجاحاتٍ مستدامة. ففي عام 2015 كنّا قد بدأنا حلقاتٍ للنقاش حول أهميّة التنوّع وقدّمنا ذلك في تقريرنا الصّادر في نفس العام بعنوان " لماذا يُعدّ التنوّع مهمًا" ومنذ ذلك الحين أخذت النقاشات في التطور، حيث تحول التفكير من التركيز على تطبيق التنوّع في القيادة إلى التركيز على الخطوات العملية التي يمكن للشركات اتخاذُها لتعزيز هذا التنوّع. ومن هنا انطلقنا في توسيع قاعدة أبحاثنا لتشمل مفهومين آخرين لا يقلان من حيث الأهمية عن التنوع وهما الاندماج والعدالة في بيئة العمل، إذ يُشير الاندماج إلى خلق بيئة عملٍ متكاملة، لها القدرة على منح جميع الموظفين الشعور بالتقدير والانتماء وتدفعهم للتعاوّن، بينما تعني العدالة توفير فرصٍ متساوية بشكلٍ منصف لجميع الأفراد بصرف النّظر عن هويّاتهم وخلفيّاتهم

وحاليًا نحن نعمل على مبدأ التأثير الشامل واستكشاف الدور المحوريّ الذي يلعبه القادة في خلق بيئات عملٍ قادرةٍ على مواجهة تحديّات المستقبل، وذلك عبر بناء ثقافة عملٍ داعمةٍ للجميع. وعند تحقيق ذلك يصبح هؤلاء القادة المتنوعين من حيث الجنس والعرق هم الأكثر تأثيرًا في شركاتهم، ومن ثم تصبح هذه الشركات قادرةً على تحقيق نجاحاتٍ أكبر تتجاوز حدود الأداء الماليّ المرتفع.

وقد أكدت تحليلاتنا أن الفرق القيادية تميل أكثر من غيرها إلى الالتزام بنهج التنوع والعدالة والاندماج (DEI) بشكلٍ علنيٍ وأكثر نضوجًا ،خاصةً عند توجهها لوضع استراتيجيات اتخاذ القرارات. ثم يتحول هذا الالتزام لاحقًا إلى خطواتٍ جريئةٍ وملموسة على أرض الواقع، وفي هذا السياق التقينا بمجموعةٍ من قادة التنوع الذين قدّموا بدورهم رؤىً قيّمةً ساهمت في الكشف عن خمس استراتيجياتٍ فعالة تُسهم في تحقيق الاندماج والتنوع في بيئات العمل.

  1. الالتزام بأسلوبٍ منهجيٍ ومستدام، يحقق أهداف الأطراف المعنيّة. ينبغي على الشركات - كجزءٍ أساسيٍ من رسالتها وأهدافها الاستراتيجية - العمل على صياغة تطلعاتها في مجال التنوع والعدالة والاندماج داخليًا وعلنيًا. حيث يمكن لوجهات النّظر والخلفيّات الثقافية المتنوعة المتمثّلة في التنوّع العرقيّ والجنسي، أن تسهم بشكلٍ فعّال في تحقيق النمو الشامل للشركات.
  2. قُم بدمج استراتيجيتك في مُبادرات الشّركة وفقًا لقواعد العمل الداخلي. على الرغم من أن استراتيجية التنوع والعدالة والاندماج عادةً ما يتم وضعها من قبل القيادات العُليا في الشركة، إلا أنّ منح فرق العمل التنفيذيّة الحق في ضبطها ودمجها وفقًا لقواعد العمل الداخلي للشركة يعد أمرًا ضروريًا لإحداث التأثير المستهدف. ويمكن دعم أهداف التنوع والعدالة والاندماج في قطاعاتٍ بعينها وقبل تطبيقها على جميع قطاعات الشركة، عن طريق إطلاق مجموعةٍ من المُبادرات وبرامج التّدريب والتثقيف والتي تستهدف بناء الوعي بأهمية هذه الأهداف في خلق بيئة عملٍ أكثر شمولية، لذا يتحتّم على القادة عند صياغة نهج التنوع والعدالة والاندماج، الاستناد إلى فهمٍ عميق لقوى العمل والمجتمع والعملاء، وبناء خطوط اتصالٍ مفتوحة مع باقي القيادات التنفيذية وذلك لضمان تحويل الأفكار المجردة لأفعالٍ ملموسة.10
  3. تعزيز الانتماء ودعمه بالممارسات الشاملة لتحقيق النمو في الأداء. يجب أن تكون الأولويّة الأولى هي خلق وترسيخ بيئة عملٍ يشعر الجميع فيها بالانتماء والاندماج، كما يجب العمل على تعزيز كافة الممارسات التي ترسخ هذا الشّعور. ويُعدّ التمثيل المتنوع أمرًا بالغ الأهمية نظرًا لتأثيره العظيم على معدلات الأداء المتقدمة، ولكن لكي يصل هذا التأثير ذروته يجب أن تتحقق ثقافة الشمول والاندماج التي تدعم الاحتفاظ بالكوادر وتعزز من مفهوم الابتكار والتركيز على تلبية احتياجات العملاء بشكلٍ أكبر، وهذا الدعم يجب ألا يقتصر على فئةٍ معينة من الموظفين، وإنما يجب أن يشمل كافة قطاعات الشركة بما فيهم مجموعة العلاقات والموارد البشريّة، الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على مستوى الرضا لدى الموظفين ويسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحقيق النمو الشامل.
  4. تشجيع القادة الدّاعمين لاستراتيجية التنوع بتوفير الدعم الكافي. في كثيرٍ من الأحيان لا تلقَ الجهود الفردية التي يبذلها بعض القادة لتعزيز استراتيجية التنوع والشمول التقدير الكاف، خاصةً وإن كان هؤلاء القادة من النساء، لذلك على الشركات أن تنتبه لأهمية هذا الأمر وتعترف به، وأن تقوم في نفس الوقت بتوفير بيئة عملٍ تساعد هؤلاء القادة على التقدم ،كما يجب أن تعمل على دعمهم بكافة أشكال الإرشاد والرّعاية والتشجيع، كما يمكن أيضًا قياس إسهامات هؤلاء القادة في تعزيز التنوع ورفاهية الموظفين وذلك عن طريق تقييم أدائهم.
  5. تفاعَل مع جميع التعليقات، بما في ذلك الأصوات المعارضة. من الجيد جدًا التفاعل مع كافة التعليقات الخاصة باستراتيجية التنوع والعدالة والاندماج، وأخذها بعين الاعتبار، حتى وإن كانت تحمل أراءًا معارضة، وذلك عن طريق خلق بيئة عملٍ تُشجع على تبادل التعليقات والآراء بين الموظفين وجميع الفئات الفاعلة - ممن يتأثرون بأداء وسياسات الشركة، كالعملاء والمجتمع والمستثمرين والشُّركاء، حيث يمكن أن تُحقق استراتيجية التنوع الشامل أهدافها، بل وأكثر من ذلك إذ يمكن تطويرها وتحسينها إن تطلب الأمر ذلك.

وتزامُنًا مع التحديات المتنامية التي تواجه بيئة الأعمال بشكلٍ يومي، باتت الحاجة لفرقٍ قياديةٍ تتسم بالتنوع في الجنس والعرق أكثر إلحاحًا، وهو ما تؤكده نتائجنا الواردة في هذا التقرير من وجود ثمة رابطٍ قوي له دلالةٌ إحصائية بين الهياكل القيادية المتنوعة، سواءً على مستوى مجالس الإدارة بفرقها التنفيذية، أو مؤشرات تحقيق التّأثير الشامل، بما فيها المقاييس البيئية والاجتماعية.

ولتحقيق التّأثير الدائم فيما أشرنا إليه ، يجب على الشركات أن تكون أكثر جرأةً وتمضي بخطىً ثابتةً إلى ما هو أبعد من مجرد زيادة معدلات التنوع في أجناس وأعراق الموظفين، لتنتقل إلى مرحلةٍ أخرى تتوحد فيها استراتيجية التنوع والعدالة والاندماج مع أهداف الشركة، من حيث تبنّي منهج العدالة والتنوع في جميع أعمالها، ذلك النهج الذي لا يقف عند تحقيق معدلات نموٍ مرتفعة ونجاحٍ تجاريٍ ملموسٍ فقط، وإنما يُحدث أيضًا تأثيرًا إيجابيًا أكثر عمقًا واتساعًا على مستوى العلاقات بين أفراد القوى العاملة داخل الشركة من ناحية، والعملاء والمجتمع الخارجي، والبيئة المحيطة من ناحيةٍ أخري.

Explore a career with us