يشهد قطاع السيارات تغيرات جذرية على مستوى المنتجات ونماذج الأعمال، نتيجة القوانين الجديدة والتقنيات المعاصرة واختلاف تفضيلات العملاء. وهي تغيرات لم يشهد القطاع مثيلًا لها منذ إطلاق خط إنتاج سيارة ”فورد موديل تي“ في بدايات القرن العشرين. وتعمل الشركات التقليدية المصنعة للسيارات الأصلية والشركات الناشئة الجديدة على حد سواء، على التعامل مع هذه التغيرات من خلال تعزيز الإنفاق، حيث شهد القطاع تدفق 280 مليار دولار أمريكي منذ عام 2010، ضخها مستثمرون مهتمون بتطوير الحلول المبتكرة على مستوى القطع الصلبة أو البرمجيات. وكان نصيب السيارات الكهربائية من هذه الاستثمارات قرابة النصف، وتحديدًا حوالي 115 إلى 120 مليار دولار أمريكي.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وأسهمت هذه الاستثمارات في تحقيق أداءٍ إيجابيٍ للقطاع في الأسواق المالية، حيث بلغ المعدل الوسطي المُرجَّح لإجمالي عوائد المساهمين بالنسبة للشركات التقليدية المصنعة للسيارات الأصلية والموردة للقطع 79 بالمئة بين شهر مارس 2020 وشهر يناير 2022، متفوقةً بذلك على شركات ناشطة في العديد من القطاعات المزدهرة الأخرى، بما فيها التقنيات المتقدمة والمواد الكيماوية. أما الشركات الجديدة نسبيًا مثل ”نيو“ و ”تيسلا“ وغيرها من شركات السيارات الكهربائية، فقد حققت نتائج أكثر إيجابيةً، حيث بلغ المعدل الوسطي المرجَّح لإجمالي عوائد المساهمين لهذه الشركات 278 بالمئة، مما يضعها في صدارة القائمة.
وعادةً ما كان نمو قطاع السيارات يعتمد بمعظمه على على مبيعات السيارات التقليدية ذات محركات الاحتراق الداخلي، إلا أن التوقعات تشير إلى أن معدل النمو السنوي المركّب لهذه المبيعات لن يتجاوز 2 بالمئة حتى عام 2025، وأن المبيعات قد تتناقص على امتداد العقد الحالي ككل. ومع ذلك، فإن إجمالي عوائد المساهمين في قطاع السيارات يحافظ على معدلاته العالية بفضل التفاؤل بتحقيق الإيرادات من مصادر أخرى، بما فيها تلك المتعلقة بالتقنيات والخدمات الجديدة. ومع أن السيارات الكهربائية تشكل حاليًا نسبة قليلة من مبيعات السيارات الإجمالية، فإنها توشك أن تحقق قفزة نوعية على هذا الصعيد، ما يجعلها مصدرًا لنسبة كبيرة من التفاؤل الذي يحيط بالقطاع في الأسواق المالية. وقد تجسد ذلك في الزيادة التي حققتها السيارات الكهربائية المخصصة لنقل الركاب على صعيد المبيعات والانتشار في الأسواق الكبرى في النصف الثاني من عام 2020، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19. وتتوقع ماكنزي تزايد الطلب العالمي على السيارات الكهربائية ستة أضعاف بين عامي 2021 و2030، لتزيد المبيعات من 6.5 مليون إلى قرابة 40 مليون وحدة سنويًا.
إلا أن هذا التفاؤل يترافق مع نقاط استفهام كبيرة. فعلى الرغم من أن تزايد الطلب من جهة العملاء يبدو مسألة محسومة، يتوجب على قطاع السيارات التحرك سريعًا لمعالجة ثلاثة عوائق كبرى تحد من قدرته على رفع وتيرة الإنتاج والمبيعات لمواكبة الطلب المتزايد، وهي:
- الصعوبات في توريد الكميات اللازمة من المواد الأولية، بما فيها الليثيوم والنيكل والكوبالت، والتي تستخدم في صناعة البطاريات
- عدم وجود العدد الكافي من مصانع جيجا لإنتاج البطاريات، إضافة إلى انخفاض إنتاجية المصانع الحالية
- ضرورة تطوير بنى تحتية للشحن قادرة على مواكبة العدد المتزايد من السيارات الكهربائية
ومع أن بعض الشركات الكبرى قد تسعى لتسهيل وصولها إلى المواد الأولية، فإن معظم شركات السيارات ليس لديها هذا الخيار حاليًا. أما التحديات التي يستطيع القطاع مواجهتها بالفعل، فهي المتعلقة بمصانع جيجا والبنى التحتية للشحن. هنا، سيكون من المهم للغاية اتخاذ إجراءات سريعة، بهدف تعزيز الزخم الذي تحققه السيارات الكهربائية، بل وحتى تسريع اعتماد السيارات ذاتية القيادة، والتي ستفتح بدورها أمام الشركات المصنعة للسيارات الأصلية فرصًا جديدة لتحقيق الإيرادات في مجالات الخدمات على امتداد دورة حياة المنتجات، مثل نشر التحديثات البرمجية عبر الهواء، وخدمات المسح والخرائط، وخدمات الترفيه داخل المركبة.
بناء مصانع جيجا جديدة وناجحة
تختلف البطاريات المستعملة في السيارات الكهربائية اختلافًا كبيرًا عن نظيرتها المستعملة في المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي من حيث المواد الداخلة في تركيبها، والتي تضم الليثيوم والكوبالت والنيكل. وتُعرف المصانع الضخمة، والتي يتم فيها تصنيع معظم بطاريات السيارات الكهربائية، باسم مصانع (جيجا)، لأن استطاعتها الإنتاجية تتجاوز الجيجا واط سنويًا. وتضم قارة آسيا النسبة العظمى من مصانع جيجا، حيث ساهمت المصانع الموجودة في القارة بما يقارب 80 بالمئة من إجمالي البطاريات المنتَجة عام 2020. وتعود ملكية وإدارة معظم هذه المصانع إلى الشركات المتخصصة في تصنيع البطاريات، إلا أن العديد من الشركات المصنعة للسيارات الأصلية أصبحت تشارك بفعالية أكبر في هذا المجال.
ويواجه مشغلو مصانع جيجا اليوم مشكلتين أساسيتين، الأولى تتعلق ببناء هذه المصانع الضخمة وما يرافقه من مشاكل حتمية تزيد من تكاليف البناء والمدة المطلوبة لإنجازه؛ أما الثانية فهي فشل الكثير من الشركات في تحقيق الكفاءة التشغيلية المطلوبة بعد تشييد المصنع. ووفقًا لتحليل أجرته ماكنزي، فإن استمرار الوضع الحالي من تأخر بدء عمليات الإنتاج وفترات الركود المطوّلة، يهدد ببقاء حوالي 30 بالمئة من السيارات الكهربائية الجديدة التي يتم إنتاجها في أمريكا الشمالية وحدها، أي ما يعادل 300 ألف سيارة سنويًا، دون بطاريات بحلول عام 2025.
معالجة مشاكل التشييد
في حال تزايد الطلب على السيارات الكهربائية وفقًا للمتوقع، فإن القطاع سيحتاج بحلول عام 2030 إلى 200 مصنع جيجا جديد، إضافة إلى المصانع الموجودة حالياً وعددها 130 مصنعًا وتبلغ قيمتها كرأسمال تشغيلي 400 مليار دولار أمريكي. ومن المرجح أن يتم بناء العديد من المصانع الجديدة بالقرب من الشركات المصنعة، وذلك بهدف تسريع زمن التسليم وتقليل متطلبات التخزين. إضافة إلى ذلك، فإن كلفة إنتاج البطاريات قد تصل إلى 7000 دولار أمريكي للسيارة الواحدة، ولذا فإن كلفة تخزين البطاريات المعدة للتصدير الدولي ستكون مرتفعة للغاية، إلا أن المشاكل التي قد تطرأ خلال مراحل التصميم والبناء، قد تؤخر انطلاقة الإنتاج لمدة قد تصل إلى 12 شهرًا أو أكثر.
ويمكن للشركات المشغلة لمصانع جيجا أن تتفادى بعض المشاكل الشائعة من خلال تحسين الآلية التي تعتمدها لتوظيف الكفاءات في مجال البناء، ويفضل أن يكون ذلك خلال مرحلة تخطيط الموقع أو قبلها، مع الاهتمام بشكل خاص بالشواغر التي يصعب إيجاد الكفاءات المثالية لها، مثل خبراء المجالات الميكانيكية والكهربائية. كما يمكن للشركات المشغلة الاستفادة أكثر عند الاهتمام بالمعايير المحلية للتصميم والشؤون القانونية مثل المخلفات المائية، منذ المراحل الباكرة للمشروع؛ والاعتماد على موردين محليين ناشطين في المجال الصناعي، قادرين على تقديم الدعم الميداني اللازم والاستجابة بسرعة أكبر لتحديات الإنتاج الكمية والنوعية.
تعزيز الكفاءة التشغيلية
لا تختفي التحديات بمجرد افتتاح مصنع جيجا وتشغيله، حيث يأتي نتاج العديد من المنشآت الجديدة أقل من المتوقع، وذلك نتيجة للنقص المتواصل في اليد العاملة، والأعطال غير المتوقعة في الآلات، والمشاكل التشغيلية. وقد يكون لهذا الضائع الإنتاجي عواقب ضخمة بالنسبة للشركات المصنعة للبطاريات ولشركات تصنيع السيارات التي تتعامل معها؛ فمثلًا، إذا عمل مصنع بنسبة 66 بالمئة فقط من استطاعته الأصلية البالغة 50 جيجاواط ساعي، فقد تصل خسائره إلى 500 مليون دولار أمريكي سنويًا، ليتنقل من تحقيق أرباح بنسبة 6 بالمئة حسب المخطط إلى تكبد خسائر بنسبة قد تصل إلى 8% على أرض الواقع. أما الشركات المصنعة للسيارات الأصلية، والتي تعتمد على هذا المصنع، فقد تواجه أزمة في التوريد، مما قد يجبرها على تخفيض إنتاجها من السيارات أو إغلاق بعض مصانعها بشكل مؤقت. وقد اضطرت العديد من الشركات البارزة في مجال تصنيع السيارات الأصلية إلى تعليق الإنتاج بسبب الانقطاع في توريد البطاريات منذ عام 2017، على الرغم من أن إنتاجها في تلك الفترة كان أساسًا أقل بكثير مما يجب أن يكون عليه مستقبلًا.
وبالنسبة للمشاكل على صعيد اليد العاملة، فينبغي على الشركات المصنعة للبطاريات التفكير في شبكة الكفاءات المتاحة في مختلف مراحل المشروع، بما في ذلك اختيار الموقع، والتشييد، والتدريب في مجال العمليات. وإضافة إلى ذلك، ينبغي مراعاة الاختلافات التي قد تكون موجودة في النظام اليومي والمهارات بين العمال المحليين وفرق العمل في منشآت الشركة الأخرى. وإذا لمست الشركة حاجة لتطوير قدرات الموظفين المحليين، فيمكنها تحقيق ذلك من خلال التعاون ميدانياً مع مؤسسة متعددة الثقافات، بحيث يستفيد الموظفون المحليون من الخبرات العالمية لتنمية كفاءاتهم الاستراتيجية. ومع التسارع المتوقع في الطلب على البطاريات، يجدر بالشركات المصنعة لها أيضًا التفكير في احتياجاتها المستقبلية على صعيد اليد العاملة، ومراعاة هذا الجانب في عمليات الأبحاث والتطوير التي تُجريها في سبيل الوصول إلى الجيل الجديد لصناعة البطاريات. هكذا، ومع والتطورات السريعة التي يمر بها القطاع بشكل عام وتكنولوجيا صناعة البطاريات على نحو خاص، فينبغي على الشركات التحلي بالمرونة والرشاقة لمواكبة هذه التغيرات من ناحية التوظيف والتدريب.
كما يمكن للكفاءة التشغيلية أن تتأثر سلبًا بالنقص في توريد مكونات البطاريات والآلات المطلوبة لتصنيعها، خاصة مع تزايد الطلب العالمي، وهو ما يمكن للشركات المصنعة للبطاريات أن تتجاوزه في بعض الأحيان من خلال الاعتماد على المصادر المحلية، ما يتيح زيادة الكفاءة وتقليل التعقيدات التشغيلية. ويمكن أن يتم ذلك، على سبيل المثال، من خلال مواصلة الاعتماد على المزودين العالميين ذوي الخبرة الكبيرة في توريد المعدات المطلوبة في المراحل الحساسة من التصنيع، واللجوء إلى المزودين المحليين بالنسبة للمعدات والمكونات الأخرى.
وبينما تلعب الشركات المصنعة للبطاريات حاليًا دور الريادة في مواجهة هذه التحديات على مستوى الكفاءة التشغيلية، فإن الشركات المصنعة للسيارات الأصلية ستواجه هذه المسائل نفسها، وبشكل أكثر إلحاحًا، في المستقبل القريب، وذلك بالتوازي مع تزايد دورها الفعال في إنتاج البطاريات عبر استراتيجيات متنوعة، منها التكامل العمودي، والمشاريع المشتركة، وغيرها من أشكال الشراكة الاستراتيجية الأخرى.
تسريع إنجاز البنى التحتية لشحن السيارات
تحتاج السيارات الكهربائية، لكي تحقق الانتشار على نطاق واسع، إلى توافر شبكة واسعة من حلول الشحن، الكفيلة بتأمين الطاقة الكهربائية اللازمة لها. وعلى سبيل المثال، يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا حوالي 100 ألف شاحن عمومي، إلا أن هذا الرقم قد يرتفع إلى حوالي 1.2 مليون بحلول عام 2030 لتلبية الطلب المتزايد. وفي الصين، يُتوقَّع أن يصل عدد السيارات الكهربائية المخصصة لنقل الركاب والناشطة على الطرقات إلى 100 مليون سيارة بحلول عام 2030، مما يقتضي زيادة عدد محطات الشحن من 1.15 مليون حاليًا إلى 5 مليون بحلول عام 2030. كذلك الأمر بالنسبة للقارة الأوروبية، والتي ستحتاج إلى زيادة محطات الشحن العمومية من 34 ألفًا في عام 2021 إلى عدد يتراوح بين 2.9 مليون و6.8 مليون خلال الفترة ذاتها، بحسب سرعة انتشار السيارات الكهربائية.
وتفتقر معظم الدول حتى الآن إلى القدرة على تخصيص التمويل الكافي لدعم هذا التوسيع المطلوب في البنى التحتية لشحن السيارات الكهربائية، حيث تشير تقديراتنا إلى أن الوصول إلى العدد المطلوب من محطات الشحن العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية، أي 1.2 مليون محطة، سيكلف 35 مليار دولار أمريكي، غير شاملة تكاليف صيانة وتحسين الشبكة الكهربائية (الشكل). ووفقًا لما جاء في قانون الوظائف والاستثمار في البنى التحتية الذي تمت المصادقة عليه مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يتم تخصيص سوى 7.5 مليار دولار أمريكي لهذا الموضوع، وهو جزء بسيط فقط من المبلغ المطلوب.
ولدى تشييد البنى التحتية لشحن السيارات، سيكون على الحكومات، والجهات المختصة بإدارة المرافق، وشركات شحن السيارات الجديدة الإجابة على عدة أسئلة مثيرة للاهتمام، والتي تفرض المفاضلة بين عوامل مختلفة:
- أين يجب إقامة محطات الشحن؟ للإجابة على هذا السؤال، يتعين على مشغلي محطات الشحن والجهات العامة المعنية المفاضلة بين عدة متطلبات، وهي سهولة الوصول، والراحة في الاستخدام، والمساواة فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يكون الوصول إلى محطات الشحن متاحًا بالقدر نفسه في المناطق منخفضة الدخل ومرتفعة الدخل على حد سواء.
- ما هو الحد الأدنى المقبول لسرعة الشحن؟ توفر الشواحن السريعة مستوى أعلى على صعيد راحة الاستخدام، ولكنها أيضًا الأكثر تكلفةً. أما الشواحن البطيئة، فهي غالبًا ما تكون كافيةً لتلبية الاحتياجات، ويمكن تركيب عدد أكبر منها نظرًا لانخفاض تكلفتها.
- ما هي الطريقة المثلى للموازنة بين الربحية وبين راحة الاستخدام؟ يزداد مردود المحطة لكل جهاز شحن مع ازدياد نسبة استخدامه، ولذا فإن زيادة عدد أجهزة الشحن سيؤدي إلى تقليل نسبة الاستخدام، وبالتالي تقليل معدلات الربح بالنسبة للمشغلين، لكنه في الوقت نفسه سيقلل من أوقات الانتظار بالنسبة للمستهلكين (خلال أوقات الذروة مثلًا). هنا، يمكن للأطراف المعنية أن تضع نماذج للسيناريوهات المحتملة لفهم هذه المفاضلة وتحديدها كميًا.
كما يتعين على الأطراف المعنية أيضًا تحديد الطلب المتوقع على الشحن من خلال قراءة المعطيات المحلية بدقة، بما فيها سلوكيات القيادة والركن، وهو ما سيساعد على تقييم هذه المعطيات بدقة وكفاءة، بدلًا من اعتماد حجم موحد للمحطات، والافتراض أنه سيلائم مختلف المناطق.
وهناك أدوات متعددة تساعد على مواجهة التحديات الحالية، حيث يعتمد العديد من هذه الأدوات على توافر الدعم التشريعي اللازم. فمثلًا، يمكن للجهات المشرعة أن تسرع عمليات الموافقة على تركيب محطات الشحن، والتي تستغرق حاليًا فترة تتراوح بين 9 أشهر و16 شهرًا. وإذا بحثت الجهات الحكومية في عملية تقصير مدة تقييم المواقع، إما من خلال توظيف المزيد من القدرات أو عبر تسهيل العملية بحد ذاتها، فيمكن تقليل المدة اللازمة لإطلاق المحطات بشكل كبير.
المشهد الجديد لقطاع السيارات
سيشهد قطاع السيارات خلال العقد المقبل تغيرات لم يعرف لها مثيلًا منذ أكثر من قرن من الزمن. ويتمثل التحول الأول في الانتقال من محركات الاحتراق الداخلي إلى المحركات الكهربائية، ما سيشجع على تطوير مركبات تعمل بالبطارية، وتمتاز ببرمجياتها المتطورة، وقدرتها على الاتصال بالشبكة، وتوفيرها لحواسيب عالية القدرة، وعدد من الأنظمة مثل أنظمة الترفيه والمعلومات، والأنظمة المتقدمة لمساعدة السائق، ومجموعات القيادة التي تعمل بالكهرباء. وقد تُتوج العديد من الشركات المصنعة للسيارات هذا التطور بإنتاج مركبات ذاتية القيادة بالكامل، تتيح تجربة قيادة على أعلى مستوى من التطور، كقدرتها على التنقل من منزل المالك إلى مكان عمله، بينما يمكن للسائق في هذا الوقت تفقد بريده الإلكتروني أو مشاهدة فيلم سينمائي.
ومع أن انتشار السيارات ذاتية القيادة على نطاق واسع سيكون متوقفًا على تطوير البرمجيات الملائمة والحصول على الموافقات القانونية اللازمة، وتقبل الجمهور لها، فإن العديد من المحللين يتوقعون تطور السيارات ذات شبه القيادة أو ذاتية القيادة بالكامل وتجاوزها للنماذج التجريبية، لتسير على الطرقات العامة بعد عام 2025. ويُتوقع أن تكون الشاحنات، والتي تسير بشكل مبرمج من محطة إلى أخرى على الطرقات السريعة، أول مركبات تحصل على الموافقات التجارية. وعلى صعيد تقبل الجمهور، يمكن لمصنعي السيارات تسريع انتشار المركبات الذاتية من خلال إطلاق حملات عامة للتعريف بمزايا هذه المركبات وتحقيقها لمعايير السلامة.
ومع هذه التوجهات الجديدة، والتطور والتعقيد المتزايد في تصميم السيارات، فقد يصعب على شركة واحدة أن تتولى مراحل الإنتاج الكاملة من الألف إلى الياء. ولذا، يُرجَّح أن يشهد قطاع السيارات دخول شركات عالية التخصص، والتي ستلعب دورًا أكبر في تحديد مواصفات العناصر والتقنيات التي تنتجها وتحقيق التكامل فيما بينها.
وقد يصبح قطاع السيارات في المستقبل، نتيجة لهذه التغيرات، أشبه بما هو عليه قطاع التقنيات المتقدمة في يومنا الحالي، حيث تلعب شركات محددة دور الريادة في تخصصات معينة، والذي قد يصل إلى وضع المعايير على مستوى القطاع بأكمله. وكمثال على ذلك، فإن العملاء التجاريين، مثل شركات تأجير السيارات، ومشغلي خدمات النقل المشترك، ومشغلي سيارات الأجرة ذاتية القيادة، قد يُصبحون أكثر تطلبًا ودقةً في المواصفات التي يحتاجونها، على نحو يشابه ما تقوم به الشركات التي تشتري التقنيات الحديثة، حيث تحدد بنفسها المواصفات التي تحتاجها. ونظرًا لأن هذا النوع من العملاء عادةً ما يطلبون أعدادًا كبيرة من السيارات دفعة واحدة، لتلبية الطلب على خدماتهم، يتعين على الشركات المصنعة للسيارات أن تكون قادرة على تلبية احتياجاتهم.
ولن تقتصر إيرادات السيارات الكهربائية على المبيعات، فبفضل القدرة الكبيرة لهذه السيارات على الاتصال بالشبكة، فهي ستتيح للقطاع التركيز على الإيرادات الناتجة عن الخدمات والتي تمتد على كامل منظومة دورة حياة المنتج. وستتوسع خدمات ما بعد البيع، والتي تتركز حاليًا بشكل رئيسي على بيع قطع الغيار، لتشمل التفاعل مع العملاء بشكل مباشر عبر الوسائط الرقمية، لتقديم خدمات جديدة مثل تحديث برمجيات السيارات المتصلة بالشبكة. وتمتد الفرص الجديدة التي ستتيحها السيارات الكهربائية لتحقيق الإيرادات على كامل دورة حياتها، بما في ذلك خدمات الشحن، وخدمات النقل المتكامل الرقمية، إلى جانب فرص أخرى للاستثمار التجاري للبيانات، مثل بيع بيانات المركبات إلى أسواق متخصصة مع إغفال المعلومات الشخصية.
ولن يتوقف تطور القطاع مع الانتقال إلى المحركات الكهربائية وانتشار المركبات ذاتية القيادة على نطاق واسع، بل سيمتد إلى محاولة الشركات المصنعة للسيارات الأصلية توطين التقنيات الجديدة، بهدف تحقيق المزيد من القيمة المضافة، وغالبًا مع تركيز كل شركة على الجوانب التي تتميز فيها عن غيرها. وبالتوازي مع ذلك، فقد ينخفض عدد الشركات التخصصية، حيث ستفوز شركات معينة بدور الريادة وتزيح منافسيها، ما سيؤدي إلى زيادة التمركز في القطاع. ولا يمكن بدقة تحديد المسار الزمني لهذه التحولات، خاصة في ظل عوامل خارجية مثل النقص في أشباه الموصلات ومحدودية المواد الأولية، ولذا فإن بنية القطاع قد تتحرك بديناميكية كبيرة خلال السنوات المقبلة. ومن المؤكد ضرورة استعداد الشركات المصنعة للسيارات الأصلية وغيرها من الأطراف المعنية بقطاع السيارات لدعم وتشجيع التحولات المرتقبة خلال السنوات والعقود المقبلة.