بالرغم من نواياهم الحسنة، إلا أن المدراء التنفيذيين عادةً ما يقعون في فخ انحيازاتهم وميولهم الشخصية عند إقدامهم على اتخاذ قراراتٍ مهمة. وفي هذه السلسلة من المقالات، سنلقي مزيدًا من الضوء على بعض تلك الانحيازات التي عادةً ما تؤدي إلى قراراتٍ خاطئة، كما سنقدم أيضًا بعض الاقتراحات الفعالة لمعالجة هذه المشكلة.
موضوعنا لهذه المرة؟
من هو القائد التالي؟ استراتيجية التخطيط الناجح لمسألة التعاقب الوظيفي
المُعضلة
يظل التحيّز في اختيار القادة الجُدد، هو المعضلة الرئيسية التي يمكن أن تواجه الشركات والمؤسسات بشكلٍ عام، ولاكتشاف حجم التأثيرات السلبية لهذه المعضلة، سنعرض المثال التالي وهو لإحدى شركات النفط والغاز المتوسطة الحجم، والتي كانت تعمل بشكلٍ مستقر، وكانت مؤشرات أدائها المالي في مستوياتٍ جيدة. ولكن بعد أن أعلن الرئيس التنفيذي المؤسس للشركة عن نيّته في التقاعد، بدأ تراجع الأداء على كافة المستويات، مما دفع بإحدى عضوات مجلس الإدارة الجُدد أن تقترح البحث بشكلٍ رسمي عن رئيسٍ تنفيذيٍ جديد يكون قادرًا على طرح رؤىً جديدة تقود الشركة نحو النجاح عبر طرقٍ غير تقليدية في القيادة، حيث ارتأت في إعلان تقاعد الرئيس التنفيذي فرصةً لإحداث التغيير وتصحيح المسار، خاصةً في ظل التحديات التي كانت تواجه الشركة آنذاك، وحاجتها الملحة للتغيير وتعزيز الأداء.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
غير أن مجلس الإدارة فوجئ بأن الرئيس التنفيذي كان قد اختار خليفته بالفعل، وهو أحد كبار التنفيذيين في الشركة، والذي كانت مسيرته المهنية وأسلوب قيادته يتشابهان إلى حدٍ كبير مع أسلوب ونهج الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته في الإدارة. وهنا رأى مجلس إدارة الشركة عدم وجود جدوى من الانخراط في عملية بحثٍ مطوّلة، طالما أن هناك مرشحٌ من داخل الشركة مؤهلٌ ومختارٌ بعناية من قبل الرئيس المنتهية ولايته. لذا، قرر المجلس بالإجماع قبول هذا المرشح لقيادة الشركة.
وبعد مرور تسعة أشهر، اجتمع المجلس مرةً أخرى، ولكن هذه المرة كانت للتصويت على عزل الرئيس التنفيذي الجديد، وذلك على خلفية تراجع ثقة المستثمرين في الشركة وتدهور معدلات الأداء.
البحث
بالرغم من أن نجاح عملية انتقال السلطة من رئيسٍ تنفيذيٍ لآخر، أحد المهام الرئيسية التي يجب على مجلس الإدارة القيام بها، إلا أن النتائج التي توصلت لها أبحاث ماكنزي في هذا الشأن، أظهرت أن ما بين 27 إلى 46 في المائة من هذه العمليات تبوء بالفشل بعد مرور عامين1.
ولضمان نجاح استراتيجية التخطيط لتعاقب القادة الجُدد، يتعين على مجالس الإدارات إدراك أهمية الابتعاد عن نهج التحيُّز والاختيارات المبنية على الأهواء والميول الشخصية، خاصةً عندما يختار الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته رئيسًا تنفيذيًا جديدًا يتبع نفس أساليبه ومنهجيته في القيادة. وقد يظهر التحيّز في ميل الأفراد إلى تقدير الأشخاص ممن يشتركون معهم في الهوايات الشخصية أو بعض السمات الأخرى بشكلٍ إيجابي، أو بالتصرف معهم بشكلٍ أكثر لطفًا عن غيرهم. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن بعض رجال الأعمال يميلون إلى تقييم الفرص الاستثمارية الواعدة بشكلٍ أكثر إيجابية، إذا ما ارتأوا أن رائد الأعمال المؤسس يفكر بالطريقة ذاتها التي يفكرون بها2.
لقد ارتأى الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته لتلك الشركة أن يستبدل نفسه بشخصٍ له نفس الأولويات ومنهجية العمل، بغض النظر عن توافق هذه الأولويات مع احتياجات الشركة في ذلك الوقت أو حتى ما يمكن أن تحتاجه في المستقبل. ومن جانبه استجاب أعضاء مجلس الإدارة لتلك الرغبة، غاضِّين الطرف عن احتياجات الشركة الفعلية. مما أدى بهم في النهاية لاستخدام الطريقة التقليدية في التفكير السريع والمُبسط، والتي يلجأ إليها الأفراد لتقييم الأحداث بناءً على درجة تشابُهها مع النماذج المعروفة لديهم، فبدلاً من الاستفادة من فرصة التجديد المؤسسي3، قاموا بالاعتماد على نماذج سابقة وقوالب ثابتة عند اتخاذهم للقرارات، مما زاد الأمر سوءًا.
وفي نهاية المطاف، تمكنت الشركة من تحقيق الاستقرار في معدلات الأداء، ولكن بعد أن اضطُرت الإدارة لتعيين رئيسٍ تنفيذيٍ مؤقت تم الاستقرار عليه بعد عملية بحثٍ كاملةٍ، أعقبها انتقالٌ سلسل وناجح لتولي مسئوليات هذا المنصب المهم. وهنا يجدر الإشارة إلى أن عملية تصحيح المسار الخاطئ هي عمليةٌ مضنية وعالية التكلفة، بالنسبة للشركات والمؤسسات بشكلٍ عام.
الحلول والإجراءات
من الممكن حل هذه المُعضلة عن طريق قيام مجلس إدارة الشركة أو المؤسسة بتشكيل فريق عملٍ جيد، يجعل من عملية التخطيط لتعاقب القيادات أكثر موضوعيةً وبُعدًا عن الأهواء الشخصية والانحيازات، وذلك من خلال مجموعةٍ من الإجراءات والمعايير الواضحة والمحددة ليتم من خلالها اختيار القيادات الجديدة. ويجب أن تأتي هذه الخطوة قبل الإعلان عن رحيل أيٍ من القيادات التنفيذية، أو حتى التفكير في ذلك. وبهذه الطريقة، تضمن مجالس الإدارات تعيين القادة المناسبين لمؤسساتهم، بما يحقق مستهدفات النجاح والبقاء في الطليعة.
من الممكن تطبيق هذا الحل بشكلٍ عملي. ففي المثال الذي تناولناه لشركة النفط والغاز، كان بمقدور أعضاء مجلس الإدارة ممن لديهم رؤيةٌ مستقبلية، دعوة الرئيس التنفيذي للانضمام إلى لجنةٍ خاصة لوضع خطةٍ لتعاقب القيادة مع مجموعةٍ أخرى تجمع قادةً من الإدارة التنفيذية ووحدات الأعمال وقسم الموارد البشرية، بحيث تجتمع هذه اللجنة بشكلٍ منتظم لمراجعة المعايير المثالية لاختيار خليفة الرئيس التنفيذي الحالي، لتحديد القادة الأكثر ملاءمةً، سواءً كانوا من داخل الشركة أو من خارجها. بالإضافة إلى إجراء التحديثات الخاصة بتلك المعايير التي تقدمها اللجنة إلى مجلس الإدارة، بما يضمن تحقيق عناصر المشاركة الجماعية والشفافية في اتخاذ القرار. إن هذا النهج يسمح بمساهمة الرئيس التنفيذي بشكلٍ فعالٍ في عملية اختيار خليفته، كما يضمن مساهمة أعضاء مجلس الإدارة الجُدد بآرائهم ومقترحاتهم الخاصة في اختيار القائد الجديد للشركة بناءً على رؤيتهم لاحتياجات الشركة الحالية ومتطلباتها المستقبلية.
كما يمكن لفريق العمل أيضًا أن يتبع نهجًا استباقيًا أكثر شموليةً لتطوير مهارات المرشحين المحتمل توليهم للقيادة من داخل الشركة، وذلك من خلال مجموعةٍ من الأفكار البناءة، مثل عملية التناوب الوظيفيّ، أو تكليف الموظفين بمهامٍ صعبة تتطلب مهاراتٍ عالية، بالإضافة إلى تقديم الإرشادات اللازمة لتوجيه هؤلاء المرشحين المحتملين بهدف تحسين قدراتهم وتطويرها. إن هذه الاستراتيجيات عادةً ما تكون أقل تكلفةً وأكثر توفيرًا للوقت إذا ما قارنّاها بالاعتماد على مرشحٍ جاهزٍ يجهل احتياجات الشركة الحقيقية.
في نهاية المطاف، يتحتم على مجالس إدارة الشركات ضرورة التفكير في خليفة الرئيس التنفيذي بمجرد تعيينه، بدلاً من الخوف من رحيله والاضطرار لبدء عملية البحث من الصفر. فهذا النهج الاستباقي يضمن أن تكون عملية تعاقب القيادة عمليةً مخططةً بشكلٍ جيد، وأن تتم بأكبر قدرٍ من السلاسة، مما يقلل من فرص حدوث أي اضطراباتٍ أو فوضى، كما يعزز من استمرارية نجاح القيادة في الشركة.