معهد ماكنزي للصحة

إجهاد الموظفين: نصائح يجب اتباعها وممارساتٌ يُنصح بتفاديها

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

جلسات اليوغا والعلاج والتأمل هي حلول مفيدة بلا شك، ولكنها ليست الدواء الشافي كليًا لحالات الإجهاد في مواقع العمل. وتقدم هذه الحلقة من البث الصوتي من ماكنزي حوارًا بين "إريكا كو"، شريكة ماكنزي وزميلة معهد ماكنزي للصحة؛ و"لوسيا راهيلي" من مركز ماكنزي العالمي للنشر حول أسباب وصول حالات الإجهاد إلى مستويات قياسية خلال العامين الماضيين، والتدابير التي يمكن للمدراء وأصحاب الشركات اتخاذها لتمهيد الطريق نحو إجراء تغيير دائم.

وتوضح تيفاني بيرنز، الشريكة الرئيسية لدى ماكنزي، بعد ذلك إحدى الحالات التي واجهتها عندما كانت مبتدئة: فقد أقنعت أحد العملاء بعدم إرسال بريد إلكتروني وهو في حالة غضب.

تم تعديل هذه النسخة الكتابية لغرض التوضيح.

تستضيف حلقة البث الصوتي كل من "لوسيا راهيلي" و"روبيرتا فوسارو".

تعريف الإجهاد

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

"لوسيا راهيلي": يسرنا دائمًا الحديث معك يا "إريكا"، ونهنئكم على إطلاق معهد ماكنزي للصحة.

"إريكا كو": شكرًا لكِ. كان الشهران الماضيان شيّقان دون شك.

"لوسيا راهيلي": سبق لنا وأن تحدثنا في إحدى حلقات البث الصوتي الماضية عن الإجهاد، وهو من المواضيع التي تحظى باهتمامٍ واسع. وأود أن أبدأ حوارنا بالاتفاق على معنى هذا المصطلح. كيف يشعر الموظف الذي يعاني من الإجهاد؟ وما هي أعراض الإجهاد بالمقارنة مع الشعور بالوهن، أو تراجع الأداء نتيجة فترة العمل الطويلة قبل الإجازة؟

"إريكا كو": أنتِ محقة، فالإجهاد أصبح أحد المصطلحات الأكثر انتشارًا، لذا من الضروري أن نضع أرضية مشتركة حول هذا المصطلح. تعرّف منظمة الصحة العالمية الإجهاد على أنه ظاهرة مهنية خاصة بمواقع العمل. وهو نتيجة اختلال مزمن في التوازن بين متطلبات العمل (مثل شدة ضغوطات العمل) والموارد الوظيفية. وقد يشير الإجهاد أيضًا إلى مدى الدعم الذي يتلقاه الموظف أثناء العمل. وباختصار فإن الإجهاد هو حالة من التباعد وعدم التوازن بين المتطلبات والموارد. وغالبًا ما يرتبط الإجهاد بمشاعر القلق والكآبة، وهو ما يجعله مؤشرًا محتملًا على وجود تحديات تتعلق بالصحة الذهنية بشكل عام. لذا من الضروري جدًا التعرف على تحديات الإجهاد التي قد يواجهها الموظفون، لتمكين جهات التوظيف من اتخاذ الإجراءات اللازمة بشكلٍ فوري.

وبالعودة إلى سؤالك، تشمل أهم أعراض الإجهاد الشعور بالتعب الشديد وصعوبةً في التركيز، بالإضافة إلى صعوباتٍ في العمليات المعرفية والعاطفية. ومن الضروري الإلمام بهذه الأعراض بشكل كامل.

من الانشغال إلى الإجهاد

"لوسيا راهيلي": اعتاد الناس قبل الجائحة العالمية الحديث عن مدى انشغالهم بالعمل. وكانت حالة الانشغال تمثل أمرًا إيجابيًا ومصدر فخرٍ. ولكن كيف لنا أن ننتقل من حالة الانشغال إلى الإصابة بالإجهاد؟ وهل كان لجائحة كوفيد-19 دورٌ في ذلك؟

"إريكا كو": بكل تأكيد، أعتقد أن الجائحة الصحية لعبت دورًا في ذلك. ولكن، وعلى الرغم من جميع التحديات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، ثمة جانبٌ إيجابيٌّ يتمثل بزيادة مستويات الوعي والحوارات حول الصحة الذهنية، وأهمية الصحة الذهنية الإيجابية والرفاه، وجهود الاستثمار في هذه المجالات.

ما سبب هذا التركيز على الصحة الذهنية؟

"لوسيا راهيلي": لننتقل إلى البحث الذي أجريتموه مؤخرًا بالتعاون مع الزملاء من معهد ماكنزي للصحة. لماذا جعلتم إجهاد الموظفين محور تركيز المعهد؟

"إريكا كو": كنّا بالفعل نواجه أزمةً عالميةً في الصحة الذهنية قبل بداية الجائحة؟ وواصلت هذه الأزمة نموها بعد مرور عامين ونصف على بدء انتشار كوفيد-19. وانطلاقًا من هذه الحاجة الملحّة للاهتمام بالصحة الذهنية، فقد أدركنا أن الطريقة الوحيدة التي تتيح لنا تحسين الصحة بشكلٍ شاملٍ هي التركيز على الصحة الذهنية أولًا. لأن الصحة الذهنية تؤثر على الصحة الجسدية، وكذلك على سلامة العلاقات الاجتماعية، وعلى الصحة النفسية. ولا يمكن التمتع بصحةٍ جيدة بشكل عام دون صحةٍ ذهنية جيدة. ولذا أدركنا ضرورة التركيز على الأولويات الملحة المتعلقة بالصحة الذهنية بهدف منح الناس عمرًا مديدًا وسعيدًا

كما تركّز جهودنا على أصحاب العمل كونهم يؤثّرون بشكلٍ يومي على الصحة الجسدية والذهنية لموظفيهم والقوى العاملة التابعة لهم. وإذا نجحنا بالعثور على طريقةٍ مناسبة للبدء بتغيير سلوكيات أصحاب العمل - من خلال حشد الجهود والتعاون والبحث والابتكار- فإن ذلك سيوفر وسيلةً لإحداث تأثيرٍ إيجابي على نطاقٍ واسع. كما نعتقد بأننا على وشك أن نشهد تغييرًا في هذا السياق. لذا فإننا نمر اليوم بمرحلةٍ فريدةٍ من نوعها، وإذا نجحنا بتحديد الأبحاث والابتكارات اللّازمة، فقد نكون قادرين على إنجاز تحولٍ نوعي لتتخذ الأمور منحى جديدًا.

حالة الإجهاد منتشرةٌ بكثافة حول العالم

"لوسيا راهيلي": ما مدى انتشار الإجهاد حول العالم؟

"إريكا كو": ينتشر الإجهاد بشكلٍ واسع جدًا حول العالم. وقد أجرينا استبيانًا شمل 15,000 موظفًا في 15 دولة من جميع قارات العالم، وأظهرت النتائج ارتفاع معدلات الإجهاد بشكلٍ ملحوظ. وشكّل السياق الثقافي أحد التباينات الرئيسية بين هذه الدول، بما يشمل مدى انتشار النظرة السلبية أو التمييز في مواقع العمل، وارتياح الموظفين لمشاركة أفكارٍ معينة، ومستوى الدعم الذي يشعرون به من جانب أصحاب العمل.

وتمثّلت واحدة من أهم الخطوات التي اتخذناها في هذا البحث في ترجمة جميع الاستبيانات التي نشرناها في الدول الـ 15 إلى اللغات المحلية. وأدركنا خلال مرحلة الترجمة أن بعض اللغات لا تضم كلمة تشير إلى الصحة الذهنية بشكل عام أو الصحة الذهنية في مواقع العمل. كما لاحظنا وجود تصوراتٍ سلبية بأشكال مختلفة، وحتى في تصميم أداة الاستبيان ونتائجه. ويكتسب فهم تلك النظرة السلبية، والسياق الثقافي بمفهومه الواسع، أهمية كبيرة في تسليط الضوء على الإجراءات الفعالة الواجب اعتمادها. واستنادًا إلى الثقافة السائدة وبيئة العمل، ينبغي اتباع منهجيات مختلفة جدًا لدعم الموظفين وعائلاتهم ومجتمعاتهم بشكل عام، والتي تتسرب إليها هذه التأثيرات السلبية.

وقد نجحت العديد من جهات التوظيف العالمية الكبرى بترك بصمتها الإيجابية في عدد من المناطق حول العالم. ومن المهم في هذا السياق بناء فهم واضح حول سبل تقديم الدعم الفاعل للقوى العاملة على نطاق أوسع.

التدابير التي تتخذها الشركات حاليًا

"لوسيا راهيلي": نستنتج من ذلك بأن الإجهاد يعد أمرًا سيئًا، وهو نتيجة لتراكم الكثير من العوامل. لذا يتوجب على أصحاب العمل إدراك وجود الإجهاد وتأثيراته السلبية، ولا سيما في الأسواق التي تعاني نقصًا في المواهب. وشهدنا معدلات استقالة قياسية كما يتبين من بحث التسرب الوظيفي الكبير والاستقطاب الوظيفي الكبير من ماكنزي. فما هي الإجراءات التي تتخذها الشركات اليوم لمساعدة موظفيها؟

"إريكا كو": إذا نظرنا إلى معدلات الاستثمار والإجراءات الإيجابية التي يتخذها أصحاب العمل، فإن غالبية هذه الاستثمارات تركز على الجوانب المتعلقة بالرفاهية، إلا أنها لا تنجح عادة في إحداث تغيير ملموس. وبالمقابل، تواصل معدلات الإجهاد ارتفاعها رغم التزام الكثير من المؤسسات بهذه الناحية، ما يجعلها إحدى أهم الأولويات على أجندة المسؤولين التنفيذيين الذين يحاولون العثور على طرق لدعم موظفيهم.

"تواصل معدلات الإجهاد ارتفاعها رغم التزام الكثير من المؤسسات بهذه الناحية، ما يجعلها إحدى أهم الأولويات على أجندة المسؤولين التنفيذيين الذين يحاولون العثور على طرق لدعم موظفيهم"

إريكا كو

أشار استبيانٌ صدر مؤخرًا إلى أن أربعة من كل خمسة من مدراء الموارد البشرية يصنفون الصحة والعافية الذهنية للموظفين في مقدمة أولوياتهم. ويتم استثمار مليارات الدولارات حول العالم لدعم صحة وعافية الموظفين. إلا أن التحدي الرئيسي يكمن في أن معظم التركيز ينصب على علاج الأعراض، وليس على السبب الأساسي لشعور الموظفين بالإجهاد. لذا يجب على أصحاب العمل التفكير في التحديات الهيكلية لبيئة العمل، والتي قد تتسبب بحدوث الإجهاد في المقام الأول. وستواصل بيئات العمل التسبب في إصابة الموظفين بالإجهاد إذا لم يتم العمل على علاج الأسباب الرئيسية لها.

عندما تصبح العافية إحدى واجبات العمل

"لوسيا راهيلي": أخشى أحيانًا، وأنا أتحدث هنا عن حياتي الخاصة، أن مبادرات العافية هذه قد تتحول إلى واجبات جديدة تُلقى على كاهل الموظفين. وبعبارة أخرى، من المفترض أن يرحب الموظفون بإجراء بعض التمارين وسط أيام العمل الحافلة بالمهام. ولكن قد يصعب تطبيق هذه الفكرة من الناحية العملية ما لم يتم إحداث تعديلاتٍ أخرى في واجبات الموظفين، مثل تخفيض نتائج العمل المطلوبة بالتوازي مع تلك التمارين. بالتالي هل من الممكن تحول العافية إلى واجبات عملٍ جديدة بالنسبة للموظفين؟

"إريكا كو": لقد طرحتِ هذا الموضوع بطريقةٍ صحيحة تمامًا. لا شك أن للعافية أهمية كبيرة، ولكنها غير كافية بحد ذاتها. وينبغي أن يتعلم الموظفون مهارات المرونة المختلفة، واستراتيجيات التأقلم المتنوعة، كما يجب أن تتوفر منهجية دعمٍ فردية لهم.

ومن الخطأ التفكير أن الإجهاد هو تجربةٌ فردية بحتة يمكن معالجتها بتزويد الموظفين بالأدوات اللازمة، وانتظار قيامهم بالتدابير اللازمة بأنفسهم حتى تتحسن حالتهم. وغالبًا ما يغيب عن أذهاننا تأثيرات فرق العمل والقيادات والمؤسسة بشكلٍ عام على تجارب الموظفين في مواقع العمل. وحتى نتمكن من إحداث تغييرٍ حقيقي في هذا الإطار، يتوجب علينا البدء بالتركيز على القضايا التنظيمية ومعرفة الأسباب الحقيقية للشعور بالإجهاد.

السلوكيات المسيئة في مواقع العمل تزيد معدلات الإجهاد

"لوسيا راهيلي": فلنتحدث عن الأسباب الجذرية للمشكلة. هل لكِ أن تخبرينا حول بعض مسببات انتشار الإجهاد؟

"إريكا كو": طرحنا في استبياننا أسئلةً لمعرفة أهم العوامل التي تُنذر بظهور أعراض الإجهاد وغيرها من العوارض السلبية الأخرى. وشكلت السلوكيات المسيئة في مواقع العمل واحدة من أبرز تلك العوامل. لأن هذه السلوكيات تترك لدى الموظفين شعورًا بعدم التقدير أو عدم الإحساس بالأمان، والتي تتجلى في الشعور بعدم الحصول على الاحترام، أو الشعور بالتهميش، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة، أو إساءة استخدام الصلاحيات الإدارية، أو السلوكيات غير الأخلاقية. وتتحول جميع هذه العوامل إلى ثقافة عملٍ سلبية يمكن أن تعزز السلوكيات المسيئة. وبحسب الاستبيان الذي أجريناه، فقد أشار واحدٌ من كل أربعة موظفين إلى ارتفاع مستويات السلوكيات المسيئة في العمل.

وركّز بحثنا على معرفة دور السلوكيات المسيئة في زيادة معدلات الإجهاد؛ وفيما إذا كانت توفر وسيلةً لتوقع الإجهاد بشكلٍ استباقي. وكان الموظفون الذين أشاروا إلى وجود مستوياتٍ عالية من السلوكيات المسيئة في أماكن عملهم أكثر عرضةً بثماني مرات للإصابة بأعراض الإجهاد، وهي نسبةٌ عالية جدًا. أما على صعيد العمل، فقد أبدى هؤلاء الموظفون عزمهم الاستقالة خلال الأشهر القليلة القادمة بنسبةٍ أعلى بست مرات مقارنةً بالشرائح الأخرى. وأشار بحثٌ مميز صدر مؤخرًا إلى أن ثقافة العمل المتبعة في المؤسسات تشكل أحد أبرز المؤشرات على معدلات الاستقالة المحتملة، حيث تقدم وسيلة للتوقع أكثر دقة بعشر مرات بالمقارنة مع التعويضات.

"كان الموظفون الذين أشاروا إلى وجود مستويات عالية من السلوكيات المسيئة في أماكن عملهم أكثر عرضة بثماني مرات للإصابة بأعراض الإجهاد، وهي نسبةٌ عالية جدًا".

إريكا كو

يقدم بحثنا مؤشراتٍ مهمة حول بيئة العمل، ما يوفر رؤيةً ونتائج مثيرة للاهتمام بالنسبة لأصحاب العمل. هل يدرك أصحاب العمل الحالة الراهنة لموظفيهم؟ وما هو موقفهم من بعض هذه الجوانب؟

معاملة سلوكيات العمل والمهارات على نفس القدر من الأهمية

"لوسيا راهيلي": لا شك أنه على المدراء وأصحاب الشركات اتخاذ المزيد من الإجراءات. فكيف يمكن لأصحاب العمل معالجة السلوكيات المسيئة في مواقع العمل؟

"إريكا كو": يمكن اعتبار هذه السلوكيات المسيئة على أنها أحد أشكال نقص الكفاءة. ويمكننا اعتبار السلوكيات الإيجابية واحدة من المهارات الرئيسية ودمجها ضمن تقييم أداء الموظفين في مختلف المستويات المؤسسية. وهذا يعني ضرورة التنبه للتقييمات التي يتم رفعها من الموظفين، إلى جانب اعتماد المقاييس والوسائل المناسبة لرصد مؤشرات السلوكيات المسيئة.

وبجانب ذلك، ننصح أصحاب العمل بالتركيز على قدرتهم على بناء بيئات عمل داعمة وآمنة من الناحية النفسية. ولا يقتصر ذلك على إزالة التصرفات السلبية أو منع ظهورها؛ وإنما يشمل على سبيل المثال توسيع نطاق تعاطف الإدارة مع الموظفين، أو إنشاء بيئةٍ داعمة لهم.

"لوسيا راهيلي": كيف يمكن للمدراء وأصحاب العمل تسليط الضوء على جهودهم في هذا الإطار؟ وكيف يمكنهم كسب ثقة الموظفين بأن أصحاب العمل يهتمون بصحتهم الذهنية وصحة ورفاهية مجتمعهم؟

"إريكا كو": يلعب التواصل هنا دورًا مهمًا جدًا. فقد أشار بحثنا إلى أن الموظفين يشعرون بأن مدراءهم لا يستمعون إليهم بشكلٍ كافٍ. كما ينبغي اتخاذ إجراءات حقيقية إلى جانب التواصل. ولا يقتصر ذلك على الاحتفاء بالإنجازات والنجاحات في بيئة العمل فحسب، وإنما يشمل أيضًا إظهار آليات التعامل مع السلوكيات المسيئة بشكلٍ واضح، وإحداث تغييرٍ ملموس بحيث يشعر الموظفون بمزيدٍ من الأمان والراحة عند قيامهم بطرح المشاكل مستقبلًا.

كما يتعين على المدراء طرح أهدافٍ محددة زمنيًا وقابلة للقياس حول الصحة الذهنية، على الرغم من الصعوبات المرتبطة بهذه المهمة. وعليهم أيضًا منح الأولوية لصحة موظفيهم الذهنية وعافيتهم على مستوى المؤسسة. ومن الأفضل إيجاد طرق ملائمة لتحقيق إنجازاتٍ سريعة ومنفصلة، بما يتيح للمدراء إظهار مدى أهمية الصحة الذهنية بالنسبة للموظفين.

تعزيز الشمولية

"لوسيا راهيلي": تناول التقرير أيضًا مسألة الشمول، وهو موضوع أصدرت ماكنزي الكثير من المنشورات عنه. وما يزال تحقيق الشمول مهمةً صعبةً في الكثير من مواقع العمل. ما هي الخطوات التي يمكن للمدراء اتخاذها لإنشاء بيئة عملٍ شاملة لموظفيهم؟

"إريكا كو": ثمة طرق مختلفة لتحقيق هذا الهدف. وتتمثل إحدى الخطوات الفاعلة لتحقيق الشمول في تكوين مجلسٍ وقيادةٍ متخصصة، وتوفير بيئة مريحة لجميع الموظفين. ويعني ذلك التفكير بمبادئ القيادة والتنوع على أعلى المستويات، مع اعتماد تعريفٍ موسع لمفاهيم التنوع والمساواة والشمول يتضمن مفهوم التنوع العصبي. وغالبًا ما تعرّف الشركات مفهوم الشمول بشكلٍ ضيق جدًا، يقتصر على وجود استراتيجية للتنوع والشمول، وتعيين موظفٍ مسؤول عنها، وتحديد نطاقها داخل الشركة فقط. ويتعين على المدراء بدلًا من ذلك اتباع منهجية أوسع نطاقًا، تشمل التفكير باتخاذ تدابير محددة حول أماكن العمل، وسير العمل، وإعداد فرق العمل بطرقٍ مختلفة تضمن تعزيز الشمولية وتقليص التحيز المتعمّد وغير المتعمّد. ومن الضروري إنشاء بيئة عملٍ داعمة تتمتع بمرونةٍ عالية وإمكانات تخصيصٍ كبيرة، بهدف مساعدة الموظفين للتغلب على المعوقات المرتبطة بمشكلات الصحة الذهنية الظاهرة والخفية.

التخلص من النظرة السلبية المتعلقة بمشاكل الصحة الذهنية

"لوسيا راهيلي": أجريتم الكثير من البحث حول موضوع النظرة السلبية. هل لكِ أن تطلعينا حول مخاوف الموظفين من مواجهة ردود فعلٍ سلبية نتيجة تعبيرهم عن الإصابة بالإجهاد ومشكلات الصحة الذهنية بشكل عام، وكذلك الإجراءات التي يمكن للمدراء اتخاذها للحد من هذه المخاوف؟

"إريكا كو": لا شك أن انتشار الحوارات حول الإجهاد على مستوى العالم يُعد مؤشرًا إيجابيًا. ومن الرائع أيضًا أن تقوم ماكنزي بإطلاق بثٍّ صوتي حول هذا الموضوع، حيث تمضي جميع هذه الخطوات في الاتجاه الصحيح. ويدلّ ذلك على شعور الموظفين براحةٍ أكبر تجاه التحدث عن بعض التحديات التي يواجهها الجميع.

يسود حاليًا الاعتقاد بأن تخصيص بعض الوقت للتعافي واستعادة المرونة الذهنية هو من الشروط الطبيعية والضرورية التي يتبعها المسؤولون في الشركات للمحافظة على أدائهم. كما يتعين على أصحاب العمل التحلي بحس المسؤولية العالية لمعرفة فيما إذا كان الموظفون يشعرون بالإجهاد. ولا يتعلق هذا الأمر بعدد ساعات عمل الموظف، وإنما يشكل ثقافة عمل متكاملة. ويتطلب الاعتراف بوجود الإجهاد الكثير من الشجاعة والجرأة، ويمثل خطوة مهمة، لأن الاستعداد لمعالجة مشكلة الإجهاد يشكل مهمة كبيرة بالنسبة لصاحب العمل.

ومن الصعب إجراء التغيير المنشود دون العثور على وسيلةٍ لبدء الحوار بطريقة آمنة. وعند التفكير بهذا الموضوع، وإلقاء نظرة على تداعياته حول العالم، ندرك بأن كلًا منا يعرف أشخاصًا تأثروا بتحديات الصحة الذهنية، سواء كانوا يواجهونها اليوم أو سبق لهم مواجهتها في الماضي أو قد يواجهونها خلال الشهرين القادمين. وتشكل القدرة على الحديث عن هذه التجارب، ولا سيما على مستوى الإدارة، نقطة البداية لإحداث فارقٍ حقيقي.

وحول موضوع النظرة السلبية، فقد أثارت اهتمامي إحدى الإحصائيات الواردة في استبيانٍ أجريناه خلال العام الماضي وشمل عددًا كبيرًا من الموظفين، حيث أشار أكثر من ثلث الموظفين (37%) الذين عبّروا عن معاناتهم من تحديات تتعلق بالصحة الذهنية، إلى أنهم قد يتجنبون العلاج لأنهم لا يريدون أن يعرف أي من زملائهم حول حالتهم الذهنية. وإذا نظرنا إلى الإجهاد باعتباره خطوة أولى نحو الوقوع في مجموعةٍ واسعة من تحديات الصحة الذهنية، ندرك قدرتنا على إحداث فارقٍ إيجابيٍّ كبير عند معالجة المشاكل المرتبطة بالنظرة السلبية وإطلاق الحوارات المفتوحة بشأنها.

أهمية القياس

"لوسيا راهيلي": يتعامل معظم المدراء بحسن نيةٍ، فهم لا يرغبون بإصابة أي من موظفيهم بالإجهاد، ولا يتمنّون استقالة معظم موظفيهم بكل تأكيد. فما هي أفضل طريقة تتيح للمدراء تحديد مستويات الإجهاد المرجعية في مؤسساتهم حتى يتمكنوا من معرفة مقدار التقدم الذي يحرزونه عند اتخاذ بعض الخطوات التي أوضحتِها في حديثكِ؟

"إريكا كو": يلعب قياس مستويات التقدم دورًا مهمًا، إذ يستحيل على المدير أو المؤسسة تطبيق إجراءات المساءلة إذا لم يتم قياس مقدار التقدم. ويترافق القياس عادةً مع المسؤوليات. فعند إجراء دراسةٍ أساسية حول موضوعٍ معين، سيتوقع الموظفون حدوث تغييرٍ واتخاذ إجراءات محددة استنادًا إلى المعلومات المستخلصة.

وبالمقابل، ستتفاقم حالة الإجهاد في حال غياب الأساس المرجعي أو الأسئلة المطلوبة لبناء فهمٍ وافٍ حول الحالة الراهنة لقوى العمل. وتساعد المعرفة المدراء على تحديد التزاماتهم بشكلٍ أسرع بفضل الاهتمام والاستفسار المتواصل حول هذا الموضوع. وتزود هذه المنهجية المدراء بالمعلومات والرؤى التي تتيح لهم اتخاذ الإجراءات الهادفة لإحداث التغيير المنشود.

وقد أطلق معهد ماكنزي للصحة استبيانًا مجانيًا مفتوحًا يمكن لجميع أصحاب العمل حول العالم الوصول إليه. ويوفر هذا الاستبيان أساسًا مرجعيًا حول الحالة الراهنة للصحة الذهنية والعافية لدى الموظفين، فضلًا عن تقديم بعض الرؤى التي تتيح لأصحاب العمل إمكانية اتخاذ الإجراءات التي يمكنها إحداث فارق إيجابي. وتتمثل رسالة معهد ماكنزي للصحة في مشاركة جميع المعلومات التي تعود بالنفع على الآخرين وتساعدهم على التعلم. ويلتزم أصحاب العمل المشاركين في الاستبيان بنشر بياناتهم في هذا السياق للمساهمة في توسيع نطاق التعلم، وإتاحة إمكانية البحث في قاعدة بيانات تم بناؤها بعناية وتضم النتائج من شركات من مختلف أنحاء العالم.

وهناك أيضًا عدد من الطرق التي تتيح إمكانية توحيد مقاييس الإجهاد، ثم قياسها إلى جانب عددٍ من معايير الأداء الرئيسية، مثل المعايير المالية ومعايير السلامة والمساواة والتعاقب الوظيفي. ولكم أن تتخيلوا عالمًا يصبح فيه الإجهاد أحد المعايير القياسية على لوحة التحكم التشغيلية يمكن للجميع الوصول إليها من مختلف القطاعات أو مجالات العمل أو المواقع الجغرافية.

تحديد الصحة الذهنية كأولويةٍ قصوى

"لوسيا راهيلي": أودّ الآن طرح سؤالي الأخير: دخلنا في الأشهر القليلة الماضية فترةً جديدة من التقلبات الاقتصادية؛ حيث ارتفعت مستويات التضخم، وأصبح الركود الاقتصادي وشيك الحدوث. ويواجه المدراء وأصحاب الشركات اليوم واحدةً من أصعب بيئات العمل منذ أعوامٍ طويلة. ما مدى تفاؤلكم بقدرتنا على منح الأولوية لمشكلة الإجهاد وحلها وسط هذه الظروف المتغيرة وحالة عدم الاستقرار؟

"إريكا كو": قد تتضاءل الحاجة إلى الاستثمار في الصحة الذهنية ورفاهية الموظفين إذا أصبح التنافس على المواهب أقل حدة، إضافةً إلى وجود قيود على الميزانية. وتوجد أدلة موثقة حول تأثير الصحة الذهنية للموظفين ورفاههم على الاستدامة طويلة الأمد للمؤسسات. لذا ينبغي ألا يغيب هذا الهدف طويل الأمد عن أعيننا. وأعتقد أن هذا هو الوقت لبذل جهودٍ مضاعفة لتعزيز معدلات الصحة الذهنية للموظفين، ولا شك أن هذه الجهود ستكون مجديةً على المدى الطويل، وستعود بمنافع كثيرة على الموظفين. ولكن اقتصار التركيز على المدى القصير فقط قد يؤدي إلى تحويل أنظار أصحاب العمل بعيدًا عن هذا الهدف، مما يترك تأثيراتٍ سلبية على المدى الطويل.

وأصبح معهد ماكنزي للصحة مؤخرًا عضوًا مؤسسًا في حركة العافية العالمية. وتدور حاليًا الكثير من الحوارات حول سبل إعادة تعريف المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بهدف وضع الصحة في مقدمة الأولويات. كما نركز على الاستدامة باعتبارها مفهومًا للصحة العامة والصحة الذهنية والعافية في المؤسسات. وأتمنى أن نتمكن من مواصلة تعزيز قاعدة الأدلة والحوافز في هذا الإطار. وبصرف النظر عن البيئة الاقتصادية الأوسع، فإننا نرغب بأن تسهم هذه الإجراءات في دفع أصحاب العمل للاستثمار في الصحة الذهنية للموظفين. ونأمل أن يبقينا ذلك على المسار الصحيح.

"لوسيا راهيلي": نتوجه بجزيل الشكر إلى "إريكا" على انضمامها إلينا.

"إريكا كو": أشكرك على إتاحة هذه الفرصة لي.

"روبيرتا فوسارو": قد يؤدي توجيه ملاحظات قاسية إلى الزملاء إلى شعورهم بعدم الراحة، على الرغم من أنه لا يسبب لهم الإجهاد بشكلٍ مباشر. ويمكن لـ"تيفاني بيرنز" أن تقدم لنا مثالًا حول قيامها بإقناع إحدى عملائها بعدم إرسال بريد إلكتروني كردة فعلٍ على موقفٍ مزعج حصل بينهما. ويندرج ذلك في إطار سلسلة "عندما كنتُ مبتدئًا".

"تيفاني بيرنز": حدث ذلك أثناء عملي في أحد المشاريع، وكانت تلك المرة الأولى التي أعمل فيها كمديرة مشروع. وشكل هذا المنصب تجربة جديدة كليًا بالنسبة لي، ودورًا كبيرًا تطلّب مني قيادة الفريق وتوجيهه وتحقيق التكامل بين جميع أعماله. وكنت أعمل مع عميلة جديدة في دورٍ جديد، وأدركت أني كنت سأواجه اختلافًا كبيرًا في أسلوب العمل والكثير من التحديات.

وكانت عميلتي الجديدة مسؤولةً تنفيذية متميزة تعمل في شركةٍ متخصصة بتجارة التجزئة والتعامل مع المستهلكين، والتي عملتُ لديها كشريكةٍ سابقًا. وكانت العميلة تواجه تحديًا مع أحد المسؤولين التنفيذيين الآخرين. وشعرت العميلة بانزعاجٍ شديد من هذا الموظف لأنه لم يكن متعاونًا معها ولم تستطع الاتفاق معه. وأذكرُ أنها خاضت جدالًا كبيرًا مع زميلها، لتقوم بعدها بكتابة بريد إلكتروني إليه ردًا على نقاشهما الحاد.

وندرك جميعًا بأن الشعور بالغضب أو الانزعاج ليس الوقت المناسب لكتابة الرسائل. وقامت العميلة بصياغة مسودة بريد إلكتروني شديد اللهجة أوضحت فيه بصراحة مطلقة مشاعرها ورأيها بما هو صحيح وما هو خاطئ. ثم استدعتني إلى مكتبها وقالت لي: "أنا أثق بتقديرك للأمور، هل لكِ أن تلقي نظرة على هذا البريد الإلكتروني وتعطيني رأيك فيه". وقرأتُ البريد الإلكتروني، ولم يكن لدي أي طريقة يمكنني من خلالها تقديم نقد بنّاء يضمن الوصول إلى حل منطقي لإرساله إلى زميلها. وشعرتُ بأن إرسال هذا البريد الإلكتروني لم يكن فكرة جيدة.

ثم اتخذتُ خطوة جريئة وحذفت البريد الإلكتروني وقلت لها: "من الخطأ إرسال هذا البريد الإلكتروني. ولا أعتقد أن هذه هي النبرة والرأي الذي ترغبين بتقديمه حول موضوع الخلاف. أعتقد بأنه يتعين عليكِ مقابلة زميلك والنقاش معه حول وجود صعوبات في التواصل، ومناقشة السبل المتاحة لتحقيق تواصل أفضل.

"تطورت علاقتي مع العميلة بعد هذا الحوار إلى مستوىً جديد. فقد كانت ممتنةً جدًا لاهتمامي الكبير بها، ومدى أهمية اقتراحي بأن تقدّم الاستجابة الأمثل لذلك الموقف".

تيفاني بيرنز

كان ذلك إنجازًا مهمًا بالنسبة إلي، حيث تمكنتُ من التحاور مع عميلتي في شأنٍ شخصي بعض الشيء، وأن أقول لها بوضوح أن الخطوة التي تعتزم اتخاذها كانت خاطئة كليًا. وكنتُ مسرورة جدًا بتطور علاقتي مع العميلة بعد هذا الحوار إلى مستوىً جديد. فقد كانت ممتنةً جدًا لاهتمامي الكبير بها، ومدى أهمية اقتراحي بأن تقدّم الاستجابة الأمثل لذلك الموقف؛ وجرأتي في التعبير عن رأيي بهذا الموضوع.

Explore a career with us