مجلة ماكنزي الربعية

كيف تقود شركة عبد اللطيف جميل، الناشئة منذ 75 عامًا، المسيرة في إطار غاية واضحة؟

يقول المثل العربي المعروف "إذا هَبَّتْ رياحك فاغتنمها". ومعنى هذا المثل أن نغتنم الفرص كلما سنحت، ومن أي اتجاه، وأن تسمح لتدفق الرياح بدفعك نحو الأمام، حتى وإن كانت الوجهة النهائية غير مؤكدة أو حتى ولو كان عليك الانعطاف إلى طريق آخر لاحقًا. ما عليك سوى اغتنام الفرصة وانطلق.

أو هكذا قد يبدو الأمر. في الواقع، في الاقتصاد العالمي اليوم مع تزايد تعقيده وسرعته وتنوّعه، قد يكون هذا القول مُربكًا ومُحيرًا ويراودك فيه العديد من الأسئلة. في أي مرحلة مبكرة يمكنك اكتشاف متى تسنح الفرصة، وفي أي اتجاه عليك أن تنظر لاقتناصها؟ ما منتهى الأهداف التي تطمح إلى تحقيقها بعدما تبدأ في مسيرتك؟ وربما يكون السؤال الأصعب على الإطلاق هو: كيف يمكنك بناء مؤسسة تُرسِّخ فكرة المخاطرة الذكية في ثقافتها، والوعي في بنيتها، وتعتمد بوصلة قائمة على بُعد النظر في تقدير توجّهاتها؟ والحقيقة هي أن اغتنام الفرص يتمحور حول القيادة بهدف ورؤية واضحة أكثر ما يتمحور حول الاعتماد على الحظ والصدفة. وعمومًا، فإن اغتنام الفرص لا يمكن أن يكون عن طريق الصدفة.

تُقدّم شركة عبد اللطيف جميل، والتي تحمل اسم مؤسّسها، نموذجًا يعكس ما يحمله هذا المثل من معني؛ أي اغتنام الفرص. فقد ظلت هذه الشركة، والتي تعود أصولها إلى المملكة العربية السعودية، تعمل على اغتنام رياح الفرص السانحة لأكثر من 75 عامًا، أي منذ بداية أعمالها كمحطة وقود بسيطة. وبينما قد يبدو العام الماضي لشركة عبد اللطيف جميل عامًا إيجابيًا وميمونًا، فقد جاءت هذه النتائج بعد أعوام من العمل والجهود الدؤوبة. على سبيل المثال، أعلن كلٌ من شركة فورد وشركة أمازون في عام 2019 أنهما استثمرتا مئات الملايين من الدولارات في شركة ريفيان المُصنِّعة للسيارات الكهربائية والمدعومة من شركة عبد اللطيف جميل، كما تُخطّط أمازون لشراء أول 100,000 سيارة من إنتاجها، في حين كانت شركة عبد اللطيف جميل هي أول مستثمر رئيسي في شركة ريفيان منذ ثماني سنوات. كذلك في أكتوبر 2019، فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2019 اثنان من مؤسِّسي مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهو مركز أبحاث مدعوم من مؤسسة الأعمال الخيرية التابعة لعائلة جميل والمعروفة باسم «مجتمع جميل».

ليس هذا سوى جزءًا من الصورة؛ فشركة عبد اللطيف جميل تعمل داخل 30 دولة في مجموعة من القطاعات المختلفة، ويرتكز عملها في الكثير من تلك القطاعات على رؤية طويلة الأجل، ومن ذلك قطاع الطاقة (وربما أبرز استثماراتها في هذا القطاع هي شركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز [FRV])، وقطاع النقل (إلى جانب شركة ريفيان وتوزيع سيارات تويوتا، تمتلك الشركة منصة Motory.com الإلكترونية لبيع السيارات في المملكة العربية السعودية، وهي منصة كبيرة وتُحقق معدلات نمو مرتفعة)، فضلاً عن قطاعات العقارات، والمنتجات الاستهلاكية، والخدمات المالية.

من الاستثمارات المزدهرة للشركة أيضًا: مؤسسة «مجتمع جميل»، وهي عبارة عن مؤسسة أعمال خيرية عالمية، وتعكس التوجه المستنير والغاية الواضحة لدى عائلة جميل. يُمثِّل الأخوان فادي وحسن جميل الجيل الثالث في قيادة عائلة جميل، وهما يشغلان حاليًا منصب نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة عبد اللطيف جميل. وقد أجرى الشقيقان مؤخرًا حوارًا مع كلٍ من أحمد يوسف وديفيد شوارتز من شركة ماكنزي في مكتب ماكنزي بلندن لمناقشة عمليات شركة عبد اللطيف جميل وفلسفة عملهما والأثر الذي يطمحان إلى تحقيقه على مستوى العالم.

مجلة ماكنزي الربعية: أنا متأكد من أن الكثير من قُرّائنا قرأوا عن المشروع المشترك بين كلٍ من أمازون وريفيان. وإن كان لهم نشاط في مجال الاستدامة، فإنهم سيعرفون شركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز [FRV]. ومن المُرجَّح أيضًا أنهم قد سمعوا عن الأكاديميين البارزين إستر دوفلو وأبهيجيت بانيرجي، وهما من شركائكم؛ إذ فازا مؤخرًا بجائزة نوبل في الاقتصاد. ومع ذلك، فقد آثرت شركة عبد اللطيف جميل مواصلة العمل في صمت. فهل لكما أن تُشاركانا قصة شركتكم؟

حسن جميل: حسن جميل: بدأ جدي أعماله بمحطة وقود واحدة في جدة في عام 1945. وفي منتصف خمسينيات القرن الماضي، تواصل جدي مع شركة تويوتا موتور وبدأ باستيراد سيارات تويوتا إلى المملكة العربية السعودية. وبعد ذلك، انخرط والدي وأعمامي في عمل الشركة، ومع نمو شركة عبد اللطيف جميل في المملكة العربية السعودية، توطّدت علاقتها مع شركة تويوتا. وبدأنا في البحث عن فرص أخرى لوكالات التوزيع وتجارة التجزئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهكذا أصبحنا من أكبر الموزعين المستقلين لسيارات تويوتا. وحتى اليوم، فإننا نتعاون مع شركة تويوتا في شمال أفريقيا وتركيا والصين واليابان. في ذروة نمو أعمالنا، بلغت مبيعاتنا ما يقرب من نصف مليون سيارة جديدة سنويًا على مستوى العالم. وكما هو واقع الأمر، فإننا وكلاء أيضًا لسيارات لكزس في اليابان، وقد تم هذا بناءً على دعوة من شركة تويوتا. وبذلك نكون نحن الوكيل الوحيد غير الياباني لسيارات لكزس أو سيارات تويوتا في اليابان، الأمر الذي نعتبره شرفًا كبيرًا لنا.

فادي جميل: ذهب عمي إلى اليابان في أواخر ستينيات القرن الماضي للمشاركة في برنامج تدريبي من شركة تويوتا، وذهب والدي إلى الجامعة هناك. وكان ذلك أمرًا غير مسبوق بالنسبة للسعوديين آنذاك. وقد قضينا أنا وأخي أيضًا الكثير من الوقت في اليابان. وأعتقد أن تويوتا كانت تُقدِّر استعدادنا لتجربة نظم إدارة وتدريب مختلفة، وقد اتخذت إدارتها قرارًا مدروسًا باحتضاننا وتزويدنا بكل ما نحتاج إليه.

”أردنا المشاركة في توجيه حركة سوق السيارات، وبحثنا عن طرق لنكون بها من موجّهي حركة السوق بدلاً من أن نكون من المتأثرين بها أو المتضررين منها.“

حسن جميل

حسن جميل: حسن جميل: كما قال فادي، قضينا الكثير من الوقت مع شركة تويوتا، وتعلمنا طريقة عملها واستوعبنا ثقافتها. واليوم، قد لا تتمتع الأعمال القائمة على مواقع فعلية غير إلكترونية بالضرورة بنظرة إيجابية، إلا أن أعمالنا التجارية قائمة بالفعل على مواقع فعلية غير إلكترونية؛ فنحن نعمل في قطاعات التوزيع والخدمات اللوجستية والعقارات والخدمات والعمليات الثقيلة. ونحن نتّبع طريقة تويوتا؛ إذ نستخدم نهج كايزن [التحسين المستمر] ونهج جينشي جينبوتسو، والذي يعني الانتقال إلى الموقع الفعلي لجمع الحقائق مباشرةً وتجربة كل شيء بنفسك. فإذا رأيت شيئًا في تقرير، فسيكون عليك النهوض والانتقال فعليًا لرؤيته على أرض الواقع. وإذا واجهت مشكلة في إطار سيارة، فسيكون عليك الانحناء ولمسه بيديك. وهكذا، فإن من المفترض أن تتسخ يداك. ولا يمكنك إدارة الأمور أو اتخاذ القرارات من المكتب فحسب. ويتماشى هذا مع نهجنا في شركة عبد اللطيف جميل، لإننا في النهاية نرى أن عملنا عبارة عن عمليات تشغيلية.

مجلة ماكنزي الربعية: كيف تُقرّرون مواطن البحث عن فرص، سواءً من حيث القطاع أو المنطقة الجغرافية؟

حسن جميل: حسن جميل: هناك الكثير والكثير من الفرص في كل مكان. وقد اتخذنا قرارًا مدروسًا منذ حوالي ثماني سنوات بالتركيز على قطاع تصنيع السيارات. ففي عام 2012، كنا أول كبار المستثمرين في شركة ريفيان لتصنيع السيارات الكهربائية، والتي يقع مقرها في منطقة قرب مدينة ديترويت. ونظرًا لمعرفتنا الأساسية بقطاع السيارات، فقد أردنا أن ندخل في مجال السيارات الكهربائية. كما أردنا أيضًا تطوير أعمالنا في الولايات المتحدة، وهي سوق كبيرة جدًا للسيارات والسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات وسيارات البيك أب. وعلاوة على ذلك، أردنا المشاركة في توجيه حركة سوق السيارات، فبحثنا عن طرق لنكون بها من موجّهي حركة السوق بدلاً من أن نكون من المتأثرين بها أو المتضررين منها. ونحن نشهد الآن الكثير من الصخب في قطاع السيارات مع ظهور أمور جديدة مثل مشاركة الرحلات، وطلب سيارات الأجرة عبر الهاتف وتطبيقات الجوّال وتكنولوجيا التأمين والتكنولوجيا المالية. ولذلك، فإننا نجد شركات مثل شركتنا تتساءل دائمًا عما يُخبّئه المستقبل لنا. وهكذا من خلال الاستثمار ببداية جديدة في شركة مثل ريفيان، يمكننا الاطلاع على آخر وأهم المستجدات في ذلك القطاع.

فادي جميل: فادي جميل: اتخذنا أيضًا قرارًا مدروسًا منذ بضع سنوات بالدخول في قطاع الطاقة المتجددة، لا سيما أننا كنا نفكر في هذا الأمر منذ فترة، لذا قررنا الاستحواذ على شركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز [FRV] التي يقع مقرها في مدريد، والتي تستهدف تحقيق طاقة إنتاجية تصل إلى 7.5 جيجاوات بحلول عام 2024 لتلبية احتياجات السوق العالمية. ويُعد قطاع الطاقة من القطاعات التي نتحمّس بقوة للاستثمار فيها. ومن مزايا هذا القطاع بالنسبة لنا أنه استثمار برؤية طويلة الأجل، ولا يصلُح للاستثمارات قصيرة المدى؛ فهو يتيح الوصول إلى نطاق جغرافي كبير جدًا، سواءً في أمريكا اللاتينية أو أستراليا، وهو بذلك يُمثِّل منصة جيدة للعمل، كما أنه قطاع سريع النمو كذلك. ولا أحد يعرف تمامًا إلى أين ستصل التطورات في هذا القطاع، إلاّ أن ذلك أمرٌ مثيرٌ للاهتمام بالنسبة لنا.

محطة كهروضوئية تابعة لشركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز (FRV) بالقرب من مدينة توسان بولاية أريزونا

في عام 2016، أنشأنا شركة لتحلية المياه ومعالجتها، وهي شركة ألمار لحلول المياه [AWS]، في مدريد. والآن تمتلك شركة ألمار لحلول المياه مكاتب في كلٍ من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. ونحن نبحث أيضًا في مجال المياه الصناعية لأغراض التعدين أو الاستخدامات الأخرى، وذلك في دولة تشيلي وأماكن أخرى في أمريكا اللاتينية. وتعتمد تلك الأعمال على رؤية بعيدة المدى بدرجة أكبر من غيرها؛ إذ يستغرق إنشاء محطة واحدة من أربع إلى خمس سنوات. وتُعد هذه القطاعات مهمة بالنسبة لنا من حيث الأعمال المستقبلية، وليس هذا بسبب التنوّع الجغرافي فحسب، ولكن بسبب أثرها الكبير كذلك. إن هناك حاجة كبيرة للحصول على الطاقة والمياه النظيفة، سواءً من منظور الحاجات الشخصية أو الصناعية. وطالما كنا نقول إن تغيُّر المناخ سيُمثِّل مشكلة خلال 20 عامًا، أو خلال 50 عامًا، ولكنه فعليًا يُمثِّل مشكلة الآن، وأنا سعيد لأننا نعمل في القطاعات التي تدعم الاستدامة.

مجلة ماكنزي الربعية: إن هذه أيضًا أعمال كبيرة وتحتاج إلى رأسمال ضخم في مجالات غير مؤكدة النتائج. إذن كيف يمكنكم تقرير الوقت المناسب للدخول في قطاع أعمال جديد، ومتى يُعدُّ الأمر مخاطرة كبيرة جدًا؟

حسن جميل: إنني أحب أن أعتبر شركتنا "شركة ناشئة" عمرها 75 عامًا، إذ كان رئيس شركتنا- والدنا، دائمًا ما يتحلى بروح المبادرة وريادة الأعمال إلى أقصى حدٍ ممكن، وقد أعطانا فرصًا لارتكاب أخطاء، باعتبارنا جيل القيادة القادم للشركة. وقد ارتكبنا أخطاءً بالفعل. ومن الضروري للقيادة أن تأخذ الفرص.

فادي جميل: فادي جميل: لا يمكنك القفز إلى أي سوق لمجرد أنها تبدو سوقًا حيوية، ولكن عليك أن تتخيل ما ستكون عليه هذه السوق بعد 20 عامًا، مع محاولة قياس حجم المخاطرة المرتبطة بتلك الفرصة. وتكون المخاطرة مرتفعة جدًا في القطاعات التي ليس لدينا أي معرفة أو خبرة بها. يُعدّ قطاع السيارات من القطاعات التي نعرفها معرفةً جيدة. أما قطاع الطاقة، فقد كان من الأعمال التي انخرطنا فيها ببطء. وعمومًا، فإننا نود الانخراط في الأعمال ذات الصلة التي يمكننا فهمها.

حسن جميل: بطبيعة الحال، عندما استثمرنا في شركة ريفيان، فإننا لم نُعطهم شيكًا على بياض، ثم قلنا لهم "هيا انطلقوا وأنشئوا شركة سيارات واشتروا مصنعًا". ولكن الأمر تم على دفعات وعلى مراحل مع الإدارة على مدى عدة سنوات، حتى اكتسب كلٌ منَّا الثقة في الآخر. ونحن لا نتحمَّل هذه المخاطر بمجرد قولنا: "دعونا نفعل ذلك فحسب". وإنما تظل جميع الأمور محسوبة بشكلٍ دقيق جدًا، وبطريقة منهجية إلى حدٍ كبير.

”في الكثير من الشركات العائلية، يترسِّخ في ثقافة الشركة أن: «أصحاب الشركة هم من يحدّدون كل ما يتم فيها، ويفرضونه على الآخرين، ولا يدعمون إلا أفكارهم هم فقط». ولكن في شركتنا، طالما أنك تفعل شيئًا جيدًا ومفيدًا وكنتَ مُتحمّسًا له، فيمكنك فعل ذلك الشيء.“

فادي جميل

فادي جميل: كانت شركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز [FRV] بالنسبة لنا مثل ذلك، فنحن لم نفهم هذا القطاع فهمًا تامًا في البداية؛ إذ لم نعتد عليه من قبل. ولكن عندما فهمناه فهمًا جيدًا، قرّرنا أن نخطو خطوات أخرى، ومن ثم قمنا بتوسيع نطاق أعمالنا إلى حدٍ كبير.

مجلة ماكنزي الربعية: يبدو أن من العناصر الأساسية في نهجكم ألا تكتفوا "بمجرد الاستثمار" في الشركات الأخرى، وإنما تسعون إلى بناء الشراكات معها. فما هي الخصائص التي تبحثون عنها في شريككم؟

حسن جميل: حسن جميل: بالنسبة لشركة ريفيان — نعم، لقد كنا مستثمرين، ولكننا كنا نعمل معًا كشركاء. كنت أتردّد على مدينة ديترويت مرة كل شهرين، وعملت بشكلٍ وثيق مع السيد روبرت جوزيف سكارينغ [المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ريفيان]. في الحقيقة، ليس لدينا العديد من الشركاء، ولكن علاقتنا بالشركاء الذين لدينا قوية جدًا. لا أستطيع أن أذكر في أي وقت من حياتي أننا استحوذنا على شركة لغرض المتاجرة بها وجني الربح السريع من ورائها. إننا قادرون على اتخاذ القرارات التي لا يستطيع الآخرون اتخاذها، لأننا ننظر برؤية بعيدة المدى. ولم يكن ليحالفنا النجاح مع شركة فوتوواتيو رينيوابل فينشرز [FRV] أو شركة ريفيان لو كنا نفكر بطريقة: "حسنًا، فلنفعل ذلك لمدة عامين، ثم ننسحب".

أبقينا على سرية شراكتنا مع شركة ريفيان لمدة ثماني سنوات، وهي فترة جيدة، وذلك لأننا أردنا ضمان ألا نستعرض عضلاتنا حتى تكن لدينا عضلات كي نستعرضها. وكنا محظوظين جدًا بأن ينضم إلينا شركاءٌ مثل شركات أمازون وفورد وكوكس للسيارات. ويتميز جميع شركائنا بالتخطيط الاستراتيجي لأقصى حدٍ ممكن. وليس منهم من يبحث عن جني ربح سريع.

مجلة ماكنزي الربعية: يبدو أن التركيز على الرؤية بعيدة المدى ينطبق أيضًا على نهج عائلتكم نحو العمل الخيري وعملكم مع مؤسسة «مجتمع جميل».

حسن جميل: حسن جميل: كان جدي رجلاً سخيًا جدًا. ولم يكن مُتعلّمًا بالمعنى التقليدي للكلمة، فكانت الأعمال التجارية هي مجال علمه وخبرته، إلا أنه كان يُقدِّر قيمة العطاء كثيرًا. فكان يدعم الأهالي في مختلف أنحاء مدينته، بغض النظر عن طبيعة المسائل التي كانت تتطلب الدعم. كان يتدخّل للمساعدة على أي حال. لذلك كان مفهوم العمل الخيري والعطاء للمجتمع راسخًا لدينا منذ 75 عامًا. وبعد أن دخل والدي في أعمال الشركة، قام بإضفاء الطابع المؤسسي على ذلك العطاء وعلى مفهوم العمل الخيري عمومًا على النحو الذي تجلّى في مؤسسة «مجتمع جميل» الخيرية، والتي تخضع الفرق العاملة فيها لمؤشرات الأداء الرئيسية وغير ذلك من القياسات والمقاييس ذات الصلة.

خمس طرق يمكن للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تحقيق قيمة من خلالها

فادي جميل: كان والدي على استعداد دائمًا للسماح لنا، باعتبارنا أبناءه ونوابه، بالمشاركة في تقديم الدعم للغير في كل أمرٍ نشعر إننا متحمسون له. ولم يكن يدفع أحدًا منا أبدًا في اتجاه محدد، وإنما كان يترك لنا باب الاختيار مفتوحًا. في الكثير من الشركات العائلية، يترسِّخ في ثقافة الشركة أن: «أصحاب الشركة هم من يحدّدون كل ما يتم فيها، ويفرضونه على الآخرين، ولا يدعمون إلا أفكارهم هم فقط». ولكن في شركتنا، طالما أنك تفعل شيئًا جيدًا ومفيدًا وكنتَ مُتحمّسًا له، فيمكنك فعل ذلك الشيء". هذه هي فلسفة أعمالنا. كما تُعد جهودنا الخيرية وعطاؤنا للمجتمع من أهم الركائز التي تقوم عليها شركتنا.

مجلة ماكنزي الربعية: يتوسع "مجتمع جميل" إلى حدٍ كبير، على النحو نفسه كما تتوطد علاقتكم بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على سبيل المثال.

حسن جميل: تخرَّج والدي، محمد عبد اللطيف جميل، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ولأنني أنا وأخي لسنا أذكياء مثله، فإننا لم نلتحق بذلك المعهد. [ضحك] إن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مؤسسة رائعة. ولدينا العديد من أوجه التعاون مع الجامعة، ومن ذلك العديد من المختبرات التي منحناها للجامعة. وتضم مختبرات عبد اللطيف جميل هذه بعضًا من أفضل الباحثين في العالم لدراسة المسائل الحرجة، بدايةً من مكافحة الفقر وحتى معالجة أزمة المياه العذبة الكبرى. وتُركّز جميع هذه المختبرات على الطموح نفسه في بناء مستقبل أفضل للجميع.

فادي جميل: في عام 2005، منحنا معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مختبرًا يحمل اسم «مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL)». وقد فاز مؤسسا هذا المختبر، وهما أبهيجيت بانيرجي وإستر دوفلو، مؤخرًا بجائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد لعملهم في مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL)، ونحن فخورون للغاية بأن نكون جزءًا من قصة نجاحهما. وتُعد إستر هي أصغر شخص سنًا وثاني امرأة تفوز بمثل هذه الجائزة.

يؤدي مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) عملاً قويًا للغاية. على سبيل المثال، تُعد أفريقيا مهمة بالنسبة لنا، ونحن نريد أن نعمل على معالجة الملاريا. يتركز أكثر من 90% من الوفيات الناجمة عن الملاريا في العالم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا يزال هناك الكثير من النقاش حول الطريقة المناسبة لمواجهة هذا التحدي. لذلك، يُشكِّل مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) فريقًا هناك لإجراء تقييمات عشوائية لتحديد أنجح وسيلة لحل هذه المشكلة بطريقة علمية. تأتي نتائج تقييمهم على النحو التالي مثلاً: الطريقة (أ) فعّالة بنسبة 50%. والطريقة (ب) فعّالة بنسبة 80%. والطريقة (ج) فعّالة بنسبة 10%. وعندما تأتي الحكومات أو المؤسسات مثل مؤسسة نايكي ومؤسسة بيل وميليندا غيتس وتقول: "نحن نريد حل هذه المشكلة"، فسوف يقول لهم مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL): "حسنًا، فإن أفضل طريقة لحل هذه المشكلة، وأفضل عائد على الإنفاق، يكون باستخدام الطريقة (ب)".

وحتى وقتنا هذا، عمل مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) في 80 دولة مختلفة، وأعتقد أن عمله قد ترك أثرًا إيجابيًا على حياة أكثر من 400 مليون شخص. 1 على سبيل المثال، بالنسبة لمرض الملاريا، فقد ساعد عمل المختبر في إحداث تحوّل في النهج المُتّبع نحو تقديم المنتجات المُنقذة للحياة مجانًا لأنها أثبتت القيمة الاقتصادية، وكذلك القيمة الاجتماعية، لذلك النهج بطريقة علمية.

مجلة ماكنزي الربعية: كل هذا يُثير موضوع التداخل بين الهدف والرؤية الواضحة من جانب والأرباح من جانب آخر، وهو الموضوع الذي يشغل أذهان المسؤولين التنفيذيين حول العالم في هذه الأيام. فكيف ترون الهدف والرؤية الواضحة لأعمال شركتكم؟

”شركة عبد اللطيف جميل شركة عالمية، ولكن جذورنا سعودية عميقة، وهذا هو أساس كل شيء في أعمالنا، بدايةً من تاريخنا، وحتى القرارات التي نتخذها اليوم، وكذلك طموحاتنا للمستقبل.“

حسن جميل

حسن جميل: لم تعد الأرباح، وحدها، هدفًا لأي شركة أو غايتها بعد الآن. فالمؤسسة بحاجة إلى غاية واضحة، ونحن كأصحاب ومديرين للمؤسسة بحاجة إلى أن نشعر بذلك. ولكن الأهم، يحتاج موظفوك إلى معرفة أن الشركة لها غاية واضحة، وأن يشعروا بذلك ويعرفوا أنها ليست مجرد كسب المال وتحقيق الأرباح فقط. فأنت تحتاج إلى أن تكون لديك قيمة حقيقية تجعلك تذهب إلى العمل كل يوم.

لا يُعد الربح سوى مؤشرًا واحدًا لنجاح عملك، في حين تُعد معالجة القضايا الأخرى في قطاع أعمالك أمرًا في غاية الأهمية. ونحن نرى أن الجهود الفنية والخيرية لعائلتنا هي بالدرجة نفسها من الأهمية مثل أرباح أعمالنا. نعم، أنا أعرف أن الكثير من الناس يقولون ذلك. أما نحن، فنعتقد حقًا في ذلك. فهذه الجوانب قريبة جدًا من قلوبنا. ومن خلال مؤسسة «مجتمع جميل»، لدينا أيضًا برنامج غير هادف للربح يحمل اسم «باب رزق جميل» الذي ساهم في توفير 900,000 فرصة عمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ إنشائه، وينصبُ التركيز الرئيسي لهذا البرنامج على توفير فرص العمل، سواءً من خلال تمويل المشاريع الصغيرة أو التدريب لكلٍ من الرجال والنساء. وقد اجتمع بعض رجال الأعمال وسيدات الأعمال السعوديين الذين بدأوا أعمالهم بقرض صغير جدًا منا، واستطاعوا إنشاء مشاريع تجارية بأحجام مختلفة. وهكذا برؤيتنا للقيمة التي حقّقها هؤلاء، نتحمّس للاستمرار في هذا المجال أكثر وأكثر.

مجلة ماكنزي الربعية: أتصوّر أن رؤية كل هذا يتبلور في المملكة العربية السعودية هو الأمر الأكثر إلهامًا. برأيك، كيف أثّرت الجذور السعودية لشركة عبد اللطيف جميل في هويتها المؤسسية؟

حسن جميل: بالتأكيد، شركة عبد اللطيف جميل شركة عالمية، ولكن جذورنا سعودية راسخة، وهذا هو أساس كل شيء في أعمالنا، بدايةً من تاريخنا، وحتى القرارات التي نتخذها اليوم، وكذلك طموحاتنا للمستقبل. إذ ظلت المملكة العربية السعودية هي مركز عملياتنا التشغيلية لمدة ثمانية عقود، وهي أكبر أسواقنا التجارية، ونقطة انطلاقنا إلى العالم. ونحن ملتزمون بأن نكون جزءًا إيجابيًا من تاريخ المملكة العربية السعودية.

فادي جميل: المملكة العربية السعودية هي أمة مزدهرة وشابة وطموحة، وقد قامت على أرض صحراوية قاسية وجافة، وأعتقد أن هذا يعني أن المثابرة والابتكار هو جزء أساسي من تكوين الشعب السعودي وشركات الأعمال السعودية كذلك. وتُعد السعودية أيضًا مجتمعًا متعدد الثقافات، فتجد فيها أصحاب المهارات والكفاءات من السعوديين، وكذلك من الجنسيات الأخرى من جميع أنحاء العالم. إنها نقطة إنطلاق رائعة. وعندما دخلنا إلى أسواق أخرى، استطعنا استخدام مجموعة من الموارد التي لم تكن لتتوفر بشكلٍ طبيعي في ظروف أخرى.

مجلة ماكنزي الربعية: من المثير للاهتمام أن تتحدث عن "الموارد". لأن التصور السائد، أو ربما التصور الخاطئ لدى الكثيرين في الغرب هو أن تدفق التجارة هنا يقوم على تصدير الموارد الطبيعية، وتحديدًا النفط، من الشرق الأوسط إلى الخارج.

حسن جميل: إن أهم مواردنا هي الأشخاص والأفكار. ومنذ ستينيات القرن الماضي، تركز شركتنا على التدريب والتطوير. وفي ثمانينيات القرن الماضي، قمنا ببناء مرافق تدريب كبرى في المملكة العربية السعودية، مع التركيز على أنشطة المبيعات وما بعد البيع. ولا تزال هذه المرافق قائمة وعاملة، وهي جزء مهم جدًا من أعمالنا. كما أن لدينا برامج نُرسل فيها شبابًا من السعوديين وغير السعوديين إلى اليابان. فادي تدرب في أستراليا، في حين تدرّبت أنا في اليابان، في إطار ما نسميه بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي من الأشياء القابلة للنقل بين الشركات. وينتقل الزملاء إلى هناك لمدة سنة أو سنتين، حيث يتدرّبون ويعودون.

”يُعد تمكين الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء مباشرةً عنصرًا أساسيًا من أعمالنا. فنحن، بطبيعة الحال، شركة ذات أُطر عمل ومبادئ توجيهية. ولكننا نترك مساحة للموظفين لاتخاذ القرارات واغتنام الفرص.“

فادي جميل

فادي جميل: من المهم جدًا الاطلاع على الأوضاع المهنية والثقافية المتنوعة للمجتمعات الأخرى في سن مبكرة. ولا يقتصر هذا على السفر إلى الخارج للدراسة الجامعية أو الدراسات العليا فحسب. فعندما يقضي زملاؤنا في شركة عبد اللطيف جميل عامًا أو أكثر وهم يعملون في الخارج، فإنهم يتعرضون لتحوّل لا يُصدّق. ويُعد تمكين الموظفين الذين يتعاملون مع العملاء مباشرةً عنصرًا أساسيًا من أعمالنا. فنحن، بطبيعة الحال، شركة ذات أُطر عمل ومبادئ توجيهية. ولكننا نترك مساحة للموظفين لاتخاذ القرارات واغتنام الفرص.

وقد استطاع الكثير من موظفينا إنجاز أعمال رائعة. ومن النماذج التي أذكرها الآن: موظفان في شركتنا أنشآ موقعًا إلكترونيًا باسم Motory.com، وقد أصبح اليوم أحد مواقع السيارات الأكثر زيارةً في المملكة العربية السعودية. ونحن نتحدث حاليًا مع شركائنا ونتطلع إلى توسيع نطاق تلك الأعمال. فالفرص تنبثق بين الحين والآخر، ودورنا كمسؤولين تنفيذيين كبار هو التأكد من أننا نُدرك هذه الفرص، وحيثما نجد فيها قيمةً لنا، يكون علينا اغتنامها والسماح لها بالنمو.

Explore a career with us