مجلة ماكنزي الربعية

أجندة للرؤساء التنفيذيين الذين يضعون المواهب أولًا

| مقتطفات من كتاب

بعد 90 عامًا من تقديم الاستشارات للرؤساء التنفيذيين ومجالس إداراتهم، لم يسبق أن مر ثلاثتنا بلحظة كهذه، حيث يتكرر طرح كل رئيس تنفيذي نعمل معه لمجموعة من الأسئلة التي تؤرقه: هل لا تزال الممارسات المتعلقة بالمواهب في شركتي قادرة على مواكبة المتغيرات؟ كيف يمكننا استقطاب وتوزيع وتطوير الموارد البشرية على نحو يمكننا من تقديم قيمة أكبر للعملاء، وبشكل أفضل من المنافسين؟ كيف يمكنني التأكد من أنني أتبع النهج الصحيح لإدارة المواهب، وأنني أطبق سياسات الموارد البشرية المناسبة لقيادة التغييرات التي نحتاج إلى تنفيذها؟

سعينا للإجابة على هذه الأسئلة في كتابنا الجديد، الموهبة تفوز (Talent Wins)، الذي يوضح المقومات اللازمة لبناء وقيادة مؤسسة تعتمد على المواهب. وتطول قائمة الأولويات الأساسية التي تؤدي إلى خلق مجموعة معقدة من التحديات للرؤساء التنفيذيين، وتشمل جميع المهام بدءًا من إعادة التنظيم المستمر والرشيد ووصولًا إلى إعادة اكتشاف الموارد البشرية ووضع استراتيجية خارجية للدمج والاستحواذ. فقد أظهرت تجارب الرؤساء التنفيذيين في المؤسسات التي تعتمد على المواهب- مثل آمجين وشركة ”أيه أو إن“ للتأمين وآبل وبلاك روك وبلاكستون وفيسبوك وجوجل وهاير وشيسيدو وتاتا كوميونيكشن وتيلينور- إلى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب مجموعة متميزة من العقليات. وكما نوضح في الكتاب، فإن قادة الشركات التي تعتمد على المواهب والكفاءات البشرية يركزون على المواهب والكفاءات بنفس المستوى الذي يركزون فيه على عمليات التخطيط الاستراتيجي والشؤون المالية. فهم ينظرون إلى المواهب باعتبارها جزءًا أساسيًا من كل قرار استراتيجي رئيسي. كما يحرصون على تغلغل الموهبة في كافة مفاصل الشركة بأكملها، ويشعرون بالراحة في قيادة المؤسسات التي لا تتبع نمط التسلسل الهرمي في الإدارة – تلك التي تتمحور حول فرق صغيرة متمكنة – والتي يتيح نظامها الهيكلي إمكانية إطلاق العنان للمواهب القادرة على خلق قيمة كبيرة.

إذن، كيف تصبح قائدًا من هذه النوعية، وتقود مثل هذه الشركات؟ يركز هذا المقال على أربع أولويات رئيسية للرئيس التنفيذي. تتعلق أول اثنتين منها بالخطوات التي يجب على الرئيس التنفيذي اتخاذها لضمان الانسجام في الإدارة العليا للمؤسسة. فعدم توافق الإدارة العليا يمثل مشكلة لأي شركة بشكل عام، لكنه بلا شك يعدّ كارثيًّا بالنسبة للشركات التي تعتمد على المواهب، إذ تحتاج تلك الشركات لأن تعمل إدارة الموارد البشرية والإدارة المالية معًا، ويتعين على الرئيس التنفيذي الإشراف على هيكل تنظيمي مركب ومرن. ومع إرساء هذا الأساس، يمكن للرؤساء التنفيذيين أن يوجهوا انتباههم إلى الجانبين الأكثر محورية في قيادة شركة من الطراز الأول من حيث الموارد البشرية: البحث عن أفضل المواهب واستقطابها وتطويرها وتوزيعها، وضمان أن الموهبة جزء أساسي من كل قرار استراتيجي محوري في كافة إدارات المؤسسة.

القيادة من خلال ثلاثي كبار المسؤولين الثلاثة (G-3)

تحتاج المؤسسة التي تعتمد على المواهب إلى مجموعة من الخبراء المركزيين، وكل من التقيناه يرى أن تلك المجموعة تتمثل في ”ثلاثي كبار المسؤولين (أو G-3)“ والتي تتألف من الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للموارد البشرية. ويكمن السبب في اختيار هؤلاء المسؤولين الثلاثة تحديدًا في أن توزيع رأس المال والموارد البشرية معًا بالطريقة الصحيحة يشكل مفتاح النجاح؛ إذ أن ”توزيع الكوادر البشرية لا يقل أهمية عن توزيع المخصصات المالية“، على حد قول جريج كيس، الرئيس التنفيذي لشركة ”أيه أو إن“، الذي يعمل عن كثب مع توني جولاند، الرئيس التنفيذي للموارد البشرية، وكريستيان ديفيز، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية للشركة، للتأكد من امتلاك الشركة للمواهب المناسبة لمواجهة تحديات المستقبل.

من خلال وضع المواهب والشؤون المالية على قدم المساواة، سيتمكن هذا الثلاثي المكون من كبار المسؤولين التنفيذيين من تغيير طريقة وتسلسل مناقشة المسائل الحساسة، فلا يهملوا الالتفات إلى المسائل التي تخص الموارد البشرية والمسائل التنظيمية، ولا يضعونها في المرتبة الثانية بعد مراجعة النتائج المالية والمبادرات الاستراتيجية في كل وحدة عمل، كما يحدث عادةً اليوم. وهو ما أوضحه كيس بقوله ”نحن نعمل معًا لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمواهب ودمج الحلول. ونعلم أن توزيع المخصصات المالية بالمعنى التقليدي أمرٌ ضروريٌ، لكن هذا لا يكفي. فهل لدينا المواهب المناسبة؟ وكيف يجب أن نفكر في تطوير المواهب؟ وإذا كان لديك فرصة للاستحواذ على شركة، فهل لديك الأشخاص المناسبين للقيام بهذه الصفقة وتشغيلها بعد ذلك؟ إن المسألة لا تنحصر في الحصول على مدخلات من فريقي حتى أتمكن من اتخاذ قرار. بل نعمل نحن الثلاثة معًا كزملاء ونجيب على تلك الأسئلة الاستراتيجية كفريق.“

”يتمتع كل من تخصيص الموارد البشرية وتخصيص الموارد المالية بالأهمية ذاتها“

غريغ كايس، الرئيس التنفيذي لشركة آيه أو أن للتأمين

لا تكتفِي مجموعة ثلاثي كبار المسؤولين بالتركيز على الموهبة بمعزل عن غيرها، بل يربطون الموهبة بكل بند في جدول أعمالهم. ولك أن تتأمل التحول الكبير على مدى السنوات القليلة الماضية في شركة ماكجرو هيل. ففي عام 2010، تعرض الرئيس التنفيذي للشركة في ذلك الحين، تيري ماكجرو، للعقاب من قبل وول ستريت. وانهارت سمعة شركة ستاندرد آند بورز لخدمة التقييم التابعة لها إبّان الأزمة المالية، ولم يرَ المستثمرون أي تعاون مع الشركات الأخرى التابعة للمجموعة، والمتمثلة في ذراع النشر التعليمي ومجموعة من الملكيات الإعلامية. فقد اعتمد ماكجرو على الرئيس التنفيذي للموارد البشرية والرئيس التنفيذي للشؤون المالية الجديدين، جون بيريسفورد وجاك كالاهان، لتقييم الشركة من وجهة نظرهم كأطراف خارجية، وطلب منهما اطلاعه على كيفية رفع قيمة أسهم الشركة.

من خلال عملهما معًا والاجتماع بشكل مستمر، على نحوٍ رسمي أو غير رسمي، تمكن بيريسفورد وكالاهان من تقييم الشركة بشكل كلي. واكتشفا أن هناك جوانب تغلغلت فيها البيروقراطية على حساب الابتكار نتيجة القيادة المبنية على مركزية القرار. كما اكتشفا أيضًا أن ”وول ستريت“ كانت على حق، ولم يكن هناك أي تنسيق للجهود بين الأقسام. وتوصلا مع ماكجرو إلى أن الطريقة الوحيدة لإطلاق العنان للمواهب البشرية في الشركة هي إجراء عملية مدروسة لتفكيك ذلك الكيان الضخم – بجعل ستاندرد آند بورز شركة مستقلة، والتعليم ووسائل الإعلام شركة أخرى - وبيع الأصول التي لا حاجة لها.

لم يكن بمقدور ماكجرو أن يصمم تلك الخطة بمعزل عن مدير موارده البشرية ومديره المالي رغم عمله بالشركة منذ عام 1980. وبعد الحصول على موافقة مجلس الإدارة، قاد بيريسفورد وكالاهان عملية انفصال الشركة. وقد التقت خبراتهما مرارًا وتكرارًا، لتقديم حلول موحدة للمشاكل المستعصية: مستويات التعويض في الشركتين، وتأثير الموظفين الرئيسيين الذين يشغلون مناصب حساسة، ووضع الهيكلية المطلوبة للقيادة في الشركة المختصة بالتعليم والتي تم فصلها. حصل كالاهان على الحقائق، وقام بيريسفورد باحتساب المعادلة البشرية، وتوصلا بالتعاون مع ماكجرو إلى حلول شاملة. وفي هذا الصدد يقول كالاهان: ”إذا لم يتم الربط بين الشؤون المالية والموارد البشرية، فلن يخلقا قيمة جديدة“. وفي حين أن الشركة التعليمية تعتبر ملكية خاصة، فإن القيمة السوقية لشركة ستاندرد آند بورز كانت أعلى أربع مرات من قيمة ماكجرو هيل في عام 2010، على إثر انضمام بيريسفورد وكالاهان.

وكما يفهم من المثال، فإن الرؤساء التنفيذيين في مجموعة ثلاثي كبار المسؤولين سيطلبون الكثير من الرئيس التنفيذي للموارد البشرية، وربما أكثر من أي وقت مضى. وهو ما أشار إليه إد برين، الذي حول شركة تايكو قبل أن يتولى منصب الرئيس التنفيذي لشركة دو بونت بقوله، ”ستكون أكثر صدقًا بشكل قد يبدو عنيفًا في بعض الأحيان. فقد يتعين على الرئيس التنفيذي للموارد البشرية والرئيس التنفيذي للشؤون المالية أن يخبرا الرئيس التنفيذي بأن شخصًا قريبًا منه في المؤسسة ليس لاعبًا من الطراز الأول. وبتلك الطريقة ستتمكن من التوصل إلى قرارات أفضل“. وترى الرئيس التنفيذي للموارد البشرية السابقة في شركة تايكو، لاوري سيجل، أن الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في الشركة التي تعتمد على المواهب يجب أن يكون متميزًا في مجال الأعمال وليس فقط في الموارد البشرية. إذ تقول ”إن الدور المنوط بالرئيس التنفيذي للموارد البشرية لا يقف عند قدرة المؤسسة أو عدم قدرتها على تحقيق أمر ما، بل يتمحور حول كيفية تحقيق الهدف المرجو. فأنت تريد رئيسًا تنفيذيًا للموارد بشرية قادرًا على حل المشكلات، وليس مبرم صفقات“. ولهذا السبب يجب أن تصبح الخبرة ذات الصلة جزءًا أساسيًا من المسار الوظيفي لأي مدير للموارد البشرية يُثبت امتلاكه إمكانات القيادة الحقيقية. ومثلما يجب على الرئيس التنفيذي للموارد البشرية فهم العوامل المالية الرئيسية، يجب على الرئيس التنفيذي للشؤون المالية أن يفهم العوامل البشرية لخلق القيمة.

تحذير: يعتمد نجاح ثلاثي كبار المسؤولين على مدى الالتزام ومستوى الانتباه والاهتمام الذين يتمتع بهم الرئيس التنفيذي. ولن يحدث ذلك لمجرد أن الرئيس التنفيذي يستعين بمدير متميز للموارد البشرية ومدير مالي رائع. فقد قام ماكجرو برفع مكانة الرئيس التنفيذي للموارد البشرية، وأرسى مبدأ الانفتاح والصدق الفكري، وعزز روح الألفة في المحادثات غير الرسمية والاجتماعات الأسبوعية الرسمية، وأعطى المسؤولين التنفيذين الثلاثة صلاحيات واسعة مثل صلاحياته. يعدّ الرئيس التنفيذي العمود الفقري لثلاثي كبار المسؤولين، ومع قيادته ودعمه القويين، يعتبر نهج ثلاثي كبار المسؤولين أفضل طريقة لضمان تمثيل قيمة المواهب في كل قرار رئيسي.

الحصول على دعم مجلس الإدارة

من بين المفارقات العجيبة في الهياكل التنظيمية السائدة في يومنا هذا، والتي تتصف بالمرونة والسلاسة، أنه لا يمكن تحقيق أي نجاح دون التزام ودعم الإدارة العليا، حيث يتطلب تحويل الشركة إلى مؤسسة تعتمد على المواهب والكفاءات ثورةً من الأعلى إلى الأسفل. كما يجب على الرؤساء التنفيذيين الذين يحاولون قيادة هذا النوع من التغيير أن يكونوا متوافقين مع كل من الإدارة العليا (بدءًا من ثلاثي كبار المسؤولين) ومجلس الإدارة.

”يشجع المدير التنفيذي، الذي يسعى إلى دعم الكفاءات، مجلس إدارة شركته على أن يعمل وفق منهجية عمل ليست مرتكزة على إجمالي عائد المساھمین فحسب، ولكن، على دعم الكفاءات ووضع الاستراتيجيات ودراسة المخاطر وتخفيف أثارها“

وغالبًا ما يتم التقليل من أهمية دور مجلس الإدارة في المناقشات حول الموهبة. وذلك لأن العديد من مجالس الإدارة تركز على الاستراتيجية والالتزام أولًا، وتحصر مناقشات المواهب فيمن سيخلف الرئيس التنفيذي في منصبه وتعويضات الرؤساء التنفيذيين. لكن الرؤساء التنفيذيين الذين يديرون مؤسسات تعتمد على المواهب يجب أن يساعدوا أعضاء مجالس الإدارة على إدراك أن الموهبة هي منشأ وأساس القيمة، وبالتالي فهي على رأس جدول أعمالهم. كما يتعين على الرئيس التنفيذي الذي يعتمد على الموهبة والكفاءة أن يوجه تركيز مجلس الإدارة ليس فقط على إجمالي عائدات المساهمين، بل أيضًا على المواهب والاستراتيجية والمخاطر.

إنه تغيير جذري، لكن معظم أعضاء مجلس الإدارة سيرحبون به. ووفقًا لمسح أجرته شركة ماكنزي مؤخرًا عن أعضاء مجالس إدارة الشركات، فإن معظمهم يعتقدون بأنهم فعالون في التخطيط الاستراتيجي، ومع ذلك، فإن قلة قليلة منهم يشعرون أنهم يقومون بعمل جيد لتطوير الكوادر البشرية وضمان امتلاك الشركة لثقافة قوية وصحية.

كيف يمكن صناعة هذا التحول في العقلية؟ ثمة خطوة حاسمة تتمثل في تحويل مهمة ونطاق لجنة التعويضات. مثلما تطورت العديد من لجان التدقيق إلى هيئات تركز على التوزيع المالي الاستراتيجي، يجب أن تتحول لجنة التعويضات إلى مجموعة تركز على استقطاب وتوظيف المواهب وتوزيعها وتطويرها. لهذا السبب، يجب إعطائها اسمًا جديدًا، كلجنة المواهب والمكافآت، مثلًا، أو ربما لجنة شؤون الموظفين.

فتغيير الاسم له قيمة رمزية، نظرًا إلى أن معظم لجان التعويضات تظل متوارية عن الأعين ولا تبرز أهميتها إلا عندما يبالغ أعضاؤها في قيمة مكافآت رئيسهم التنفيذي. ومن ناحية أخرى، تتعهد لجنة المواهب والمكافآت بالتركيز على مجموعة أوسع من التنفيذيين والبحث بشكل أكثر شمولًا عن كيفية زيادة جودة وفعالية الموهبة في كافة إدارات الشركة.

يمكن أن تقود لجنة المواهب والمكافآت أنشطة ذات قيمة كبيرة للرئيس التنفيذي الذي يعتمد على المواهب: كل شيء بدءًا من التوظيف، وصولًا إلى التقييمات المنتظمة لنظام تطوير المواهب بكل ما له من أهمية. لم تعد الموهبة مسألة ثانوية، ويجب أن يتطرق كل اجتماع لمجلس الإدارة إلى مناقشة ليس فقط من سيخلف الرئيس التنفيذي، بل أيضًا صحة مجموعة واسعة من المواهب العليا (والتي يمكن أن نسميها بـ ”نسبة 2%“) والتنوع.

قدم مجلس إدارة ”تيلينور“، شركة الاتصالات النرويجية، مثالًا جيدًا على كيفية قيام مجلس الإدارة التي تركز على الموهبة بدعم الرئيس التنفيذي الذي يضع الأفراد على رأس أولوياته. يشكل النساء 22 % فقط من قادة الشركة، لكن الرئيس التنفيذي ”سيغف بريكيه“ يأمل في زيادة هذه النسبة إلى 30 % بحلول عام 2020. ويتم إطلاع أعضاء مجلس الإدارة على آخر المستجدات حول التنوع بين الموظفين في كل اجتماع، ويشاركون في المناقشات بمستوى عميق، علمًا أن رئيس مجلس إدارة الشركة- ”غون وايرستيد“- هي امرأة، شأنها شأن ثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة التسعة الآخرين. كما تقود وايرستيد لجنة شؤون الأفراد والحوكمة، والتي كانت تسمى لجنة التعويضات. وبهذا النوع من المشاركة يمكن لأعضاء مجالس الإدارة تقديم المساعدة في ”قضايا الموارد البشرية“ مثل التنوع بين الجنسين بحيث تتحول إلى ميزة تنافسية. وفي هذا الشأن يقول ”جون إريك هاوغ“، مدير شؤون الأفراد السابق، والذي غادر الشركة في ديسمبر 2017، ”تتلخص رؤيتنا في أن التركيز على التنوع بين الجنسين يساعدنا على النجاح في بعض الأسواق، مثل آسيا، لأن منافسينا لا يركزون على تلك الميزة“.

تطوير أفضل مواهبك باستمرار

عمل ”ساندي أوج“ خلال توليه منصبه السابق كشريك تشغيلي في بلاكستون، مع قيادة شركات عملاقة متخصصة بالمحافظ الاستثمارية. وكانت أجندة إحدى الشركات تتمحور حول زيادة الأرباح من 600 مليون دولار قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والإطفاء إلى مليار دولار، مع رفع نسبة المضاعفة من ثمانية إلى عشرة. وباستخدام منهج قام بتطويره أثناء عمله مع شركات أخرى في ذات المجال، حدد ”أوج“ المناصب المحورية في المؤسسة التي تضم 12,000 موظف، ثم قام بتقليصها إلى 37 وظيفة محورية، بمقدور كلٍّ منها توليد 60 مليون دولار كأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين. وهكذا امتلك الرجال والنساء في تلك الوظائف مصير هذا الاستثمار بين أيديهم. ثم استغل ”أوج“، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي للشركة وبقية فريق بلاكستون، الوقت لضمان شغل هذه المناصب بقادة على مستوى المهمة التي تنتظرهم.

سبعة وثلاثون شخصًا في شركة تضم 12 ألف موظف! ويمكن القول إن النجاح في كل مؤسسة يعتمد على نواة صغيرة من الأفراد الذين يقدمون قيمة كبيرة. ويعتمد نجاح الرئيس التنفيذي الذي يعتمد على المواهب بشكل كبير على كيفية الاستفادة من هذه النسبة البالغة 2% من الأشخاص. (الرقم 2% هو مجرد مبدأ توجيهي؛ في الشركات الكبرى، قد تكون 2% مجموعة من أقل من 200 شخص).

الموهبة تفوز: القواعد الجديدة لوضع الأفراد على رأس الأولويات

إن معرفة المكان المناسب للبحث عن الموهبة أمر بالغ الأهمية. ووفقا لدراسة أجريت من قبل ماكنزي، فإن حوالي 70% من كبار التنفيذيين يخطئون في تحديد الأشخاص الأكثر تأثيرا في مؤسستهم. ويجب على ثلاثي كبار المسؤولين تحديد نقاط القرارات المحورية للشركة، الأماكن التي يتم فيها اتخاذ الخيارات المهمة في المؤسسة من قبل أشخاص قادرين على تحقيق قيمة هائلة. من الذي يمارس السلطة فعليًا في تلك النقاط الرئيسية؟ (في كثير من الأحيان، ليس صانع القرار الرسمي). كيف تؤدي القرارات التي تتخذ في تلك النقاط إلى خلق القيمة أو تدميرها؟ وبلا شك، لا تقتصر نسبة الـ 2% على مجموعة من الموظفين أصحاب المناصب الرفيعة في الشركة، بل يمكن أن تتضمن هذه المجموعة ذات النفوذ الكبير نخبة من أبرز المصممين، والعلماء، ومندوبي المبيعات، والقادة الواعدين، والشخصيات المؤثرة، والفاعلة، وموظفي الدعم المتواجدين في مكاتب مخفية بالشركة. ومن البديهي أن ”جوني إيف“، كبير مسؤولي التصميم في شركة أبل، هو واحد من نسبة الـ 2% في الشركة، كما هو الحال مع ”ستيفن نيسن“، طبيب القلب الشهير ورئيس طب القلب والأوعية الدموية في عيادة كليفلاند. ولكن، وفيما يخص هذا الأمر، يمكن اعتبار فريق الملاحة في شركة ”يونايتد بارسل سيرفيس“، ضمن هذه النسبة، حيث تساعد برامجه، التي تشجع السائقين على اتخاذ أقل قدر ممكن من المنعطفات اليسارية، على توفير ملايين الدولارات كل عام للشركة كانت تنفقها على الوقود.

يمثل تحديد نسبة 2% مجرد جزء واحد من عملية تطوير المواهب المستمرة. ففي إحدى الشركات التي تعتمد على المواهب، يتم منح مكافآت مالية وفرص جديدة ”على نحو غير عادل“. وكما يقول ”لازلو بوك“، الرئيس التنفيذي للموارد البشرية السابق لدى جوجل، في كتابه، Work Rules! (”أو قواعد العمل!“)، ”في جوجل، كنا. . . نتعرض لمواقف نجد فيها شخصين يقومان بنفس العمل ولكن نتائجهما ومكافآتهما تختلف فيما بينهما تمام الاختلاف. على سبيل المثال، كانت هناك حالات تلقى فيها أحد الموظفين مكافأة من الأسهم بقيمة 10,000 دولار، بينما حصل موظف آخر يعمل في نفس المجال على مبلغ 1,000,000 دولار“. وفي حين أن هذا الأمر ليس نموذجيًا، فإن مكافآت أفضل الموظفين أداءً يمكن أن تكون أعلى بخمس مرات من المنصب الذي يشغله الموظف ومؤهلاته. ويمكن للموظفين ذوي الأداء المتميز في المستويات الوظيفية الدنيا في الشركة أن يحققوا مكاسب أكبر من الموظفين متوسطي الأداء الذين يشغلون مناصب ذات مستويات أعلى.

إن هذا المنهج الذي لا يولي الكثير من الاعتبار للتسلسل الهرمي ويقلل من أهميته على حساب الجدارة، ويتيح الفرص أمام الأشخاص الأكثر موهبة في أيٍّ من مستويات الشركة. ويعتقد ”تاداشي ياناي“، الرئيس التنفيذي لشركة فاست ريتيلنج، والتي من بين علاماتها التجارية UNIQLO و Compte des Cottonniers، أن التغيرات الرقمية ستؤثر على كل شيء يدخل في عمل أي شخص يبيع أي شيء. ولإعداد شركة فاست ريتيلنج لهذا المستقبل، فهو لا يعتمد على أكثر الأشخاص خبرة؛ وهو ما أعرب عنه بقوله، ”في الحقيقة، يجيد التنفيذيون رفيعو المستوى الأنشطة والتفاصيل اليومية، لكننا نحتاج إلى منظور جديد“. ولذلك، استعان تاداشي بـ 38 موظفًا شابًا من جميع أنحاء العالم ومن كل المستويات الوظيفية بالشركة.

هذا ويستخدم الرؤساء التنفيذيون للشركات التي تعتمد على المواهب كل أداة متاحة لهم لتطوير نسبة الـ 2% المحورية. وعندما لا تمتلك الشركة مجموعة المهارات أو القدرات الابتكارية التي تحتاجها للمستقبل، فيتعين على الرئيس التنفيذي البحث عن وتوظيف ”أشخاص يستطيعون توليد أفكار أفضل من الآخرين“، على حد قول ”ماساهيكو أوتاني“، الرئيس التنفيذي لشركة ”شيسيدو“. ويجب على الرئيس التنفيذي التأكد من أن الشركة لديها أحدث برامج التحليل التي يمكن أن تساعد في تتبع تقدم هؤلاء التنفيذيين الرئيسيين، بل وتقييم احتمالات النجاح في الخطوات التالية على مساراتهم المهنية. كما يجب أن يكون الرئيس التنفيذي على يقين من أن الشركة تصنع باستمرار الجيل التالي من القادة. ففي شركة بلاك روك، على سبيل المثال، نجد أن أحد المعايير المستخدمة في تقييم كبار المسؤولين التنفيذيين هو قدرتهم على إعداد قادة جدد. ويقول رئيس قسم المواهب، مات بريتيفيلدر، “نتعمد خلق بعض الضغوط الاجتماعية في الشركة عن طريق سؤال مدرائنا،’أتظن نفسك قائدًا، ما هو سجل نجاحك؟ هل يمكنك تعداد أسماء الأشخاص الذين عملت على تطويرهم؟‘ وهو المنهج الذي نطلق عليه اسم جنون العظمة الإيجابي“.

إطلاق العنان للمواهب والاستراتيجية برشاقة

عند إطلاق مبادرات جديدة من قبل الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تعتمد على المواهب، فإنهم يتأكدون من أن امتلاكهم المواهب المناسبة قبل تعمقهم في التخطيط الاستراتيجي والمالي. وتعتبر المؤسسات الرشيقة التي تتمحور حول فرق تتمتع بالتمكين أفضل طريقة للمواءمة بين المواهب المناسبة والمبادرات الاستراتيجية باستمرار.

قبل بضع سنوات، قرر الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرج أن تقوم شركته بإجراء تحول دراماتيكي من نموذج أعمال سطح المكتب إلى نموذج الهاتف الجوال. كانت رؤية زوكربيرج واضحة: فقد قال لفرق الإنتاج، ”أريد أن أرى ما تفعلونه في تطبيقات الهاتف، أما من يجيئني منكم ويحاول أن يريني منتجًا خاصًا بسطح المكتب، فسأطرده فورًا“. هذه الرؤية الواضحة، بالطبع، لم تضمن شيئًا: فمقبرة الرؤساء التنفيذيين مليئة بالحالمين الذين سقطوا أرضًا عندما عجزت فرقهم عن تحقيق النتائج المرجوة. لكن شركة فيسبوك تمكنت من ذلك. فقد كان لدى كل فريق إنتاج مطور برامج على الهواتف الجوّالة، وتم التخلي بكل بساطة عن منتجات سطح المكتب التي كانت لا تزال قيد التطوير. قدمت الفرق عددًا كبيرًا من عروض الجوال. لم تكن جميع النتائج ناجحة، ولكن نجح منها ما يكفي لتحقيق الغرض - وبحلول نهاية عام 2016، كان الهاتف الجوّال يمثل 84% من عائدات إعلانات الشركة.

”من شأن حرص المؤسسات المرنة على تمكين فرق العمل لديها أن يمكّنها من تخصيص الكفاءات البشرية المناسبة للعمل على المبادرات الاستراتيجية التي تلائمها بشكل مستمر وسهل“

يتم دعم المبادرات ذات الأولوية مثل التحول إلى الجوال، كما يقول ”لوري جولر“ الرئيس التنفيذي للموارد البشرية بشركة فيسبوك، من خلال ثقافة الاستقلالية والمبادرة، حيث يجد الموظفون طريقهم إلى المشاريع التي تهمهم. تبقى بعض الفرق معًا لسنوات، ويتم حل فرق أخرى بعد بضعة أسابيع من تشكيلها، وهكذا تعيد الشركة تنظيم نفسها باستمرار. ولا تزال شركة فيسبوك تواجه تحديات متعددة، بالطبع، مثل إدارة بيانات المستخدم. وقد يستلزم حل هذه المعضلات تدخل زوكربيرج بقدرته التاريخية على توفير رؤية واضحة وتوزيع المواهب بقوة لإحداث التغيير الذي يسعى إليه.

لم يقتصر اعتماد مبادئ التنظيم الرشيق على شركات التكنولوجيا فقط. فثمة مثال آخر، ربما كان مألوفًا للكثيرين، عن كيف يمكن للرشاقة أن تربط بين الموهبة والاستراتيجية، نجده في ”هاير“، الشركة الصينية المصنعة للأجهزة المنزلية، حيث تتشكل وحدات الابتكار الأساسية للشبكة التنظيمية للشركة من ألفي مشروع صغير، ويتكون كل منها من 10 إلى 20 موظفًا من مختلف المناصب الوظيفية. وشأنها شأن فرق شركة فيسبوك، تبقى بعض الوحدات معًا لسنوات، بينما يتم حل بعض الوحدات في غضون أسابيع. تركز كل وحدة بشكل مكثف على مجموعة من العملاء الذين يستخدمون منتج معين. ويتم تمكين الوحدات لإيجاد الحلول التي يحتاجها عملاؤها، بدلًا من تكليفهم ببيع منتجات معينة لهم. إن الحلول التي ابتكرتها هذه الشركات الصغيرة هي التي تقود استراتيجية منتجات هاير. قد يبدو إضفاء المزيد من القوة على الموهبة أمرًا شاقًا، ولكن من الصعب المجادلة في النتائج: أصبحت شركة هاير الآن أكبر صانع للأجهزة المنزلية في العالم.

وفي هذا الإطار، يقول ”تشانغ رويمن“ الرئيس التنفيذي لشركة هاير إنه يجب على الرؤساء التنفيذيين اليوم أن يتعلموا كيف ”يتخلوا عن السيطرة، خطوة بخطوة“. ويمثل هذا تحديًا لأي شخص يتبنى أسلوب القيادة الهرمية. ولكن يجب ملاحظة المقطع الثاني من مقولة تشانغ: ”خطوة بخطوة“. ذلك أن قيادة مؤسسة تعتمد على المواهب أمر يجب أن يدار بشكل تدريجي. وتتمثل الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك الغرض في: الحصول على دعم الإدارة العليا؛ والتطوير المستمر للمواهب؛ والتزام الربط بين المواهب والاستراتيجية؛ ووجود هيكل إداري مرن؛ وغيرها من الخطوات التي نناقشها في كتابنا – مع مراعاة أن كلًّا منها من الأهمية بمكان. ولكن ببناء كل واحدة منها على الأخرى، فسوف تؤدي إلى تأثير مضاعف يمكن أن يزيد بشكل كبير من القيمة التي يقدمها أصحاب المواهب إلى المؤسسة. وهذه، بطبيعة الحال، هي الثمرة الكبرى التي تسفر عنها قيادة مؤسسة تعتمد على المواهب: رؤية أفكار جديدة تؤدي إلى أفكار جديدة أفضل، ومشاهدة التفكير الإبداعي الذي يتضخم تلقائيًا عبر إدارات الشركة ومختلف مستويات الأقدمية والخبرة، وجني ثمار القيمة المتنامية التي تنشأ من الأجزاء المتوقعة وغير المتوقعة من الشركة.

Explore a career with us