إعادة تصوّر اقتصاد السياحة البالغ 9 تريليون دولار، ما هي الخيارات أمامنا؟

لقد شكّلت السياحة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2019 وبلغت قيمتها حوالي 9 تريليون دولار1، وهو ما يجعل قطاع السياحة أكبر بثلاث مرات تقريباً من قطاع الزراعة. ومع ذلك، لطالما كانت سلسلة القيمة السياحية التي تضم الموردين والوسطاء مجزأة وقائمة على تنسيق محدود بين الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل جزءاً كبيراً من القطاع. وكان دور الحكومات محدوداً في ذلك القطاع بشكل عام، واقتصر على وجود رقابة جزئية وممارسة نظام الإدارة المبسطة.

واليوم، أسفرت جائحة كوفيد-19 عن أزمة غير مسبوقة في قطاع السياحة، إذ من المتوقع أن ينخفض عدد السياح الوافدين الدوليين بنسبة 60% إلى 80% في عام 2020، ومن غير المرجح أن يعود الإنفاق السياحي إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى عام 2024، وهو ما يعرّض حوالي 120 مليون وظيفة للخطر. 2

وقد تتطلب إعادة تشغيل الأعمال التجارية المرتبطة بالسياحة وإدارة تعافيها بطريقة آمنة وجذابة للسائحين ومجدية اقتصادياً تنسيقاً على مستوى لم نشهده من قبل. وقد يكون القطاع العام أفضل من يُشرف على تلك العملية في ظل بيئة العمل المجزأة للشركات الصغيرة والمتوسطة، والشركات الكبيرة المملوكة للدولة التي تتحكم في نقاط الدخول، والتأثير المتزايد للوكالات العاملة في مجال الصحة. ومع إعادة فتح الحدود وزيادة الاهتمام في إنعاش مناطق الاستجمام في بعض المناطق، يمكن للحكومات أن تغتنم الفرصة وتعيد التفكير في دورها في السياحة، وأن تسهم بالتالي في تعافي القطاع وتعزيزه على المدى الطويل.

ونقترح في هذه المقالة أربع طرق تمكّن الحكومات من إعادة تصور دورها في قطاع السياحة في ظل جائحة كوفيد-19.

1. تبسيط الواجهات البينية بين القطاعين العام والخاص من خلال مركز إدارة يُشرف على الأنشطة السياحية.

ركّزت معظم وزارات السياحة وسلطات السياحة قبل جائحة كوفيد-19 على عملية التسويق إلى الوجهات والترويج لقطاع السياحة وإجراء البحوث. ويتعامل الكثيرون منهم اليوم مع مجموعة من القوانين الجديدة وبرامج الحوافز والبروتوكولات، فضلاً عن اضطرارهم إلى التعامل مع حالة الغموض بشأن التنبؤ بالطلب، والقرارات التي يتعيّن عليهم اتخاذها بشأن ماهية الأصول التي سيعملون على إعادة تشغيلها والتي ستنطوي على تأثير كبير على سلامة السياح وموظفي القطاع مثل المطارات.

كان التنسيق بين القطاعين العام والخاص في مجال السياحة معقداً بالفعل قبل جائحة كوفيد-19. على سبيل المثال، تندرج السياحة في المملكة المتحدة ضمن إطار إدارتين ألا وهما إدارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية والإدارة الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة اللتان تتفاعلان مع الوكالات الحكومية الأخرى والقطاع الخاص في عدة قضايا. لكن غالباً ما تُسفر هياكل التنسيق المعقدة عن جعل قضايا الوضوح والاتساق مهمات صعبة. وتفاقمت تلك القضايا نتيجة المستوى العالي من التنسيق التي سيحتاج إليها قطاع السياحة في أعقاب الأزمة، سواء ضمن الوكالات الحكومية (على سبيل المثال، بين الوزارات المسؤولة عن النقل والسياحة والصحة)، وبين الحكومة و الجهات الفاعلة في القطاع الخاص (مثل تنفيذ البروتوكولات ومزامنة المساعدات المالية وإعادة تشغيل الأصول).

إن تركيز القيادة الفاعلة في مركز إدارة رئيس يمثّل استجابة لإدارة الأزمات التي نفذتها العديد من المؤسسات في مواقف مماثلة. ويمكن لمراكز إدارة الأنشطة السياحية الذي يجمع بين الجهات الفاعلة العامة والخاصة وشبه الخاصة في فرق المشاريع لمعالجة القضايا الخمسة، أن يوفر إطار عمل تعاوني فاعل يتناسب مع مختلف أصحاب المصلحة ضمن قطاع السياحة (الشكل 1).

أجرينا تحليلاً على حزم الحوافز ضمن 24 مجالاً من المجالات الاقتصادية 3 والتي بلغ مجموعها حوالي 100 مليار دولار من الأموال المخصصة لقطاع السياحة بشكل مباشر، وما يقرب من 300 مليار دولار ضمّت الحزم المشتركة بين القطاعات ذات البصمة السياحية الكبيرة. جرى توفير تلك الحوافز بشكل عام من قبل كيانات وإدارات حكومية متعددة، وقلة هي البلدان التي كوّنت وجهة نظر واحدة ومتكاملة حول هوية الجهات المستفيدة والجهات الخاسرة. كما أجرينا دراسات استقصائية حول مدى فاعلية استجابة القطاع العام، ووجدنا أن ثلثي الجهات الفاعلة في قطاع السياحة كانت إما غير مدركة للتدابير التي اتخذتها الحكومة أو شعرت أن تأثيرها غير كاف. ونظراً للغموض الذي يكتنف توقيت التعافي السياحي وسرعته، سيكون الحصول على آراء تقييمية سريعة وإعادة توزيع الأموال أمراً بالغ الأهمية لضمان أن يكون لحزم الحوافز أقصى تأثير.

2. تجربة آليات تمويل جديدة

جرى تنظيم معظم حزم الحوافز البالغة 100 مليار دولار والتي أجرينا تحليلاً عليها في شكل منح ومبادرات للتخفيف من عبء الديون ومساعدات للشركات الصغيرة والمتوسطة وشركات الطيران. على سبيل المثال، قدمت نيوزيلندا منحة قدرها 15,000 دولار نيوزيلندي (أي ما يعادل 10,000 دولار أميركي) لكل شركة صغيرة ومتوسطة لتغطية أجورها؛ في المقابل، أقرت سنغافورة صرف منحة نقدية بنسبة 8% على إجمالي الأجور الشهرية للموظفين المحليين. كما أعفت اليابان الشركات الصغيرة من الديون بعد أن انخفضت نسبة الدخل بأكثر من 20%. أما في ألمانيا، يمكن للشركات استخدام خطط تقاسم العمل التي ترعاها الدولة لمدة تصل إلى ستة أشهر، فضلاً عن لجوء الحكومة إلى توفير تعويض عن الدخل بنسبة 60٪.

وتشير توقعاتنا إلى أن الأمر سيستغرق من 4 إلى 7 سنوات حتى يعود الطلب على السياحة إلى مستويات عام 2019، وهو ما يعني أن القدرة الفائضة ستمثّل الوضع الطبيعي الجديد على المدى المتوسط. كما أن هذه الفترة الطويلة من الطلب المنخفض تعني ضرورة تغيير الأسلوب المتّبع في تمويل السياحة. وتعد أنواع السياسات المذكورة أعلاه باهظة الثمن وسيكون من الصعب على الحكومات تحملها على مدى عدة سنوات. وقد لا تكون تلك السياسات كافية أيضاً، فقد أشارت دراسة استقصائية أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخراً على الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع السياحة إلى أن أكثر من نصف تلك الشركات ستفشل في مواصلة أعمالها التجارية في الأشهر القليلة المقبلة، وأن فشل الشركات وفق ذلك التوقع من شأنه أن يؤخر مرحلة التعافي إلى وقت يتجاوز أكثر التوقعات تحفظاً 4. وبالتالي، لا بدّ للحكومات والقطاع الخاص من البحث عن تدابير تمويل جديدة ومبتكرة.

هياكل تجميع الإيرادات للفنادق

يتمثّل أحد الخيارات في إعداد هياكل لتجميع الإيرادات، والتي يمكن أن تساعد مالكي الأصول والمشغلين، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، في إدارة التكاليف والخسائر المتغيرة في المستقبل. قد تمتلك الفنادق التي تتنافس على القطاع السوقي نفسه في المنطقة نفسها، مثل الشاطئ، حافزاً لتجميع الإيرادات والخسائر في أثناء العمل بقدرة منخفضة. وبدلاً من تشغيل جميع الفنادق بنسبة إشغال تتراوح من 20% إلى 40%، يمكن لمجموعة فرعية من الفنادق العمل بمعدل إشغال أعلى ومشاركة الإيرادات مع الفنادق الأخرى. وهو ما يُتيح لتلك الفنادق تحقيق أقصى استفادة من التكاليف المتغيرة وتقليل الحاجة إلى الحوافز الحكومية. ويمكن للفنادق غير العاملة تخصيص الحوافز المالية لإجراء عمليات التجديد أو غيرها من الاستثمارات، وهو ما يعزز من جاذبية الوجهة. وقد يتعيّن على الحكومات أن تكون الوسيط بين الشركات من خلال إجراء عمليات التدقيق أو إنشاء حسابات الضمان في نموذج العمل هذا.

صناديق الأسهم المشتركة للشركات الصغيرة والمتوسطة

يمكن أيضاً استخدام صناديق الأسهم المدعومة من الحكومة لتوظيف رأس المال الخاص للمساعدة في ضمان مواصلة الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الصلة بالسياحة أعمالها في ظل الأزمة (الشكل 2). ويدعم هذا المبدأ إطار العمل المؤقت للمفوضية الأوروبية لإعادة رسملة الشركات المدعومة من الدولة، والتي قدمت ما يقدر بحوالي 1.9 تريليون يورو كمساعدة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي بين شهري مارس ومايو عام 2020.5 ويتطلب تطبيق مثل تلك الآلية على الشركات الصغيرة والمتوسطة إنشاء هيكل مناسب لأسهم رأس المال، أو توريق حصص الملكية في العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في وقت واحد، وهو ما يقلل من مجموعة المخاطر العامة التي قد تواجه المستثمر. إضافة إلى ذلك، فإن تطوير منهجية تقييم موحدة من شأنه إلغاء عمليات التقصي اللازمة والمطولة على كل أصل. ويمكن للحكومات التي لا تمتلك الموارد التي تُتيح لها الاستثمار المشترك أن تحد من دورها في إعداد تلك الهياكل وأن تُسند تلك المهمة إلى المستثمرين المحتملين من القطاع الخاص.

الشكل 2
Reimagining the $9 trillion tourism economy—what will it take?

3. ضمان وجود عملية تواصل شفافة ومتسقة بشأن البروتوكولات

تتطلب عودة الطلب السياحي أن يشعر المسافرون وموظفو قطاع السياحة بالأمان وأن يكونوا بأمان بالفعل. وعلى الرغم من أن المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الدولي للنقل الجوي، والمجلس العالمي للسفر والسياحة قد وضعت مجموعة من الإرشادات لتكون بمثابة المرجع، أضافت الجهات التنظيمية المحلية تدابير أخرى ووضعتها في مقدمة تلك الإرشادات، وهو ما قاد إلى مستويات منخفضة من التنسيق فيما يتعلق بالقوانين التي تفرضها الحكومات المحلية.

وتشير دراساتنا الاستقصائية حول مستوى الثقة التي يشعر بها المسافرون في الولايات المتحدة إلى أن القلق لا يزال مرتفعاً، ويجب على السلطات ومدراء الوجهات العمل لضمان فهم المسافرين للبروتوكولات الموضوعة لحمايتهم وضمان شعورهم بالاطمئنان لوجودها. وتشير أحدث دراسة استقصائية أجريناها حول مشاعر المسافرين في الصين إلى وجود فجوة كبيرة بين مدى الثقة التي يرغب المسافرون في الشعور بها ومدى الثقة التي يشعرون بها بالفعل؛ وكانت الثقة الفعلية في الأمان أقل بكثير من المستوى المتوقع الذي طلبوه قبل شهر.

ويتمثّل أحد أسباب ذلك المستوى المنخفض من الثقة في الارتباك بشأن تدابير السلامة المطبقة حالياً. وبالتالي، يُعتبر التواصل بمثابة الحل الرئيس لتعزيز الطلب. وتشير التجربة في أوروبا إلى أن التواصل السريع والشفاف والمتسق من الوكالات العامة كان له تأثيراً على طلب المسافرين مماثلاً لتأثير بيانات الرئيس التنفيذي بشأن أسعار الأسهم. حيث أسفرت التصريحات الواضحة والموثوقة بشأن إزالة قيود السفر بالفعل إلى زيادة عمليات البحث والحجوزات المتعلقة بالسفر الجوي. على سبيل المثال، في الأسبوع الذي أعلنت فيه الحكومات إلغاء حظر السفر إلى عدد من الوجهات الصيفية الأوروبية، تجاوز حجم البحث على شبكة الإنترنت للسفر الجوي الخارجي مستويات ما قبل الأزمة مؤخراً بأكثر من 20% في بعض البلدان.

وتساعد حالة اليونان في توضيح أهمية التواصل الواضح والمتسق، إذ كانت اليونان من أوائل دول الاتحاد الأوروبي التي أعلنت عن تاريخ إعادة فتح الحدود وشروط الفتح وبروتوكولاته. ومنذ ذلك الإعلان، بقي معدل الإصابة بالمرض في اليونان ثابتاً ولم تتخذ الدولة أي إجراء لتغيير البروتوكولات المعلنة. والنتيجة: أظهر بحثنا المشترك مع منصة "تريفاغو" (Trıvago) أن اليونان أصبحت اليوم من بين أفضل خمس وجهات صيفية للمسافرين الألمان لأول مرة. وقد تصل مستويات تذاكر الطيران الوافدة إلى اليونان في شهري يوليو وأغسطس إلى حوالي 50% من النسبة التي حققتها في الفترة نفسها العام الماضي، متجاوزة بذلك النسبة التي بلغتها معظم الوجهات الصيفية الأوروبية الأخرى، بما في ذلك كرواتيا (35%) والبرتغال (حوالي 30%) وإسبانيا (حوالي 40%) 6. في المقابل، أظهرت بعض الوجهات التي لم تُجر عمليات تواصل متسقة حول الإطار الزمني لإعادة افتتاح أبوابها أمام السيّاح بعض عمليات الإلغاء للرحلات الجوية لشهري يونيو ويوليو. ولم تصل مبيعات تذاكر السفر الجوي الوافدة إلى 30% من حجم مبيعات عام 2019 إلا بشق الأنفس، حتى في المواسم المزدحمة قرب نهاية العام.

قد تكون الحلول الرقمية أداة فعالة لتفعيل عمليات التواصل وتحقيق الاتساق في البروتوكولات بين الحكومات والقطاع الخاص. على سبيل المثال، تستخدم الصين نظام رمز الاستجابة السريعة للصحة الذي يُظهر تاريخ السفر السابق واحتمال اختلاط المسافر مع الأشخاص المصابين على نطاق واسع خلال مرحلة إعادة التشغيل. ويتعين على المسافرين إظهار رمز الاستجابة السريعة الأخضر الذي أصدرته الحكومة قبل دخول المطارات والفنادق والمعالم السياحية. والرمز مطلوب أيضاً لإجراءات تسجيل الوصول قبل الإقلاع، وفي مطارات وجهات معينة بعد الهبوط.

4. تمكين التحول الرقمي والتحليلي في قطاع السياحة

تغيّرت مصادر البيانات والتنبؤات وتضاعفت خلال الأزمة. ولم تعد نماذج التنبؤ بالطلب التي استُخدمت العام الماضي ذات صلة، وهو ما جعل العديد من الوجهات تواجه صعوبة في سبيل فهم كيفية زيادة الطلب وكيفية إدارة العرض. كما أن حالة الغموض التي تكتنف سرعة التعافي وأسلوبه يعني أن ميزانيات التجزئة والتسويق التي جرت العادة على إعادة تقييمها كل بضع سنوات تحتاج اليوم إلى تحديث كل بضعة أشهر. وبالتالي، يحتاج قطاع السياحة إلى إجراء تحوّل في عمليات التحليلات المحوسبة لتمكين تنسيق ميزانيات التسويق والترويج القطاعي ومواعيد الفعاليات، ولضمان تسويق المنتجات لشريحة السكان المناسبة في الوقت المناسب.

وتمتلك الحكومات فرصة إعادة تصور دورها في توفير البنية التحتية للبيانات والقدرات لقطاع السياحة ودراسة نماذج تشغيل جديدة ومبتكرة. وكانت تلك الخطوة قيد التنفيذ بالفعل على بعض الوجهات قبل جائحة كوفيد-19. على سبيل المثال، أجرت سنغافورة استثمارات ضخمة في مجموعة البيانات والتحليلات المحوسبة الخاصة بها على مدار العقد الماضي من خلال شبكة تحليلات السياحة السنغافورية التي زودت الجهات الفاعلة في القطاع السياحي بإحصاءات حول مجموع الزوار الوافدين وملفات تعريف الركاب وبيانات الإنفاق وبيانات الإيرادات ودراسات استقصائية مكثفة حول تجربة الزبائن. قد تكون البيانات الآنية خلال جائحة كوفيد-19 حول مؤشرات السفر الأولية و "التنبؤات الآنية" للأسابيع والأشهر القادمة بالغة الأهمية لإثراء قرارات كيانات القطاعين العام والخاص.

وقد يكون ذلك التحول في عمليات التحليلات المحوسبة مفيداً أيضاً في معالجة الفجوة الرقمية التي كانت واضحة في قطاع السياحة قبل الأزمة حتى. وتُعدّ الخدمات الرقمية ضرورية للمسافرين: ففي عام 2019، استخدم أكثر من 40% من المسافرين الأمريكيين الأجهزة المحمولة لحجز رحلاتهم 7. وكان ما يصل إلى 60% من حجوزات السفر في أوروبا والولايات المتحدة رقمية، ويمكن لوكلاء السفر عبر الإنترنت الحصول على حصة سوقية تصل إلى 50%، لا سيما بالنسبة للفنادق الصغيرة المستقلة 8. ومن المرجح أن يسرع انتشار فيروس كوفيد-19 التحول إلى العالم الرقمي مع سعي المسافرين وراء عمليات حجز أكثر مرونة وتقليل الفترة الممتدة بين حجز الرحلة وموعد الرحلة الفعلي، حيث جرى حجز أكثر من 90% من الرحلات الأخيرة في الصين خلال سبعة أيام من موعد الرحلة نفسها. كما واجهت العديد من شركات السياحة صعوبة في مواكبة تغير تفضيلات المستهلكين بشأن العالم الرقمي، لا سيما العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال السياحة التي لم تعد قادرة على دمج القدرات الرقمية الجديدة بالطريقة نفسها التي تتبعها الشركات الكبيرة، فضلاً عن وجود حواجز تشمل قضايا اللغة ومستويات منخفضة من الخبرة الرقمية. كما أن معدلات العمولة على المنصات الحالية التي تتراوح من 10% للعلامات التجارية الفندقية الكبيرة إلى 25% للفنادق المستقلة، تجعل من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة المنافسة في الفضاء الرقمي.

تتمتّع الحكومات اليوم بوضع جيد يمكّنها من التغلب على الفجوة الرقمية داخل القطاع وتحقيق تكافؤ في الفرص بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. وتعتبر منصة "توريزم إكستشينج أستراليا" (Tourism Exchange Australia) التي أعدتها الحكومة الأسترالية مثالاً على التمكين على نطاق واسع، ذلك لأنها تمثّل صلة وصل تربط الموردين بالموزعين والوسطاء لإعداد حزم جذابة لشريحة معينة من السياح، ومن ثم تستخدم تجارب السيّاح لتقديم مزيد من الرؤى الثاقبة التحليلية لوسطاء السفر (الشكل 3). وتُتيح تلك الآلية لوكلاء السفر عبر الإنترنت تنويع عروضهم من خلال عرض مزيد من التجارب بعيداً عن المسار المألوف، وهو ما يزيد من جاذبية الوجهة الأسترالية، ويمنح الموردين الأصغر فرصة أفضل للوصول إلى الزبائن.

الشكل 3
Reimagining the $9 trillion tourism economy—what will it take?

ختاماً، ستكون الحكومات التي تنتهز فرصة إعادة تصور عمليات السياحة والإشراف عليها أفضل من يقود قطاع السياحة الوطني بأمان إلى الوضع الطبيعي التالي وإعداده للازدهار.

Explore a career with us