تولى ديفيد نابارو، وهو أحد مساعدي الأمينِ العامِ للأممِ المتّحدةِ منذُ عام ٢٠٠٥، مهمة المبعوث الخاص للأمين العام المعنيّ بالإيبولا في شهرِ سبتمبر من عامِ ٢٠١٤، حيث شَغَلَ نابارو سابقًا منصبَ المديرِ التنفيذيّ لمنظّمةِ الصحّةِ العالميّةِ، وقد تحدّثَ مؤخّرًا مع ليفن فان دير فيكن من ماكنزي حولَ أهميّةِ الشراكاتِ، وأكبرِ التحدياتِ أمامَ مواجهةِ الأمراضِ الوبائيّةِ على مستوى العالم، وأهمية توخي الحذر من جانب المؤسسات المعنيّة بالصحة على مستوى العالم. كما تطرقَ الحوار إلى دورِ ماكنزي في دعمِ عملِ الأممِ المتّحدةِ خلالَ الأزماتِ.
ماكنزي: لقدْ مضى على تفشّي وباءِ الإيبولا عامانِ. كيفَ هو الوضعُ الآن؟
ديفيد نابارو: من الضروريّ أنْ نفهمَ أنّهُ حتّى بعد انتهاءِ الجزءِ الأسوأ من الوباءِ، فإنَّ العملَ لمْ ينتهِ بعد. ففي مطلع عامِ ٢٠١٦، كانَ لا يزالُ هنالكَ بعضُ سلاسلِ نقلِ المرضِ الفعّالةِ في غينيا-ربّما اثنتين منها على الأكثرِ-وأكثرُ من ذلكَ تم اكتشافه في ليبيريا مؤخّرًا. ولذلك نواصلُ حتّى الآن القيامَ بأمرينِ اثنين؛ أولهما، التواصل مع الأشخاصِ الذين أُصيبوا مُسبقًا بالإيبولا ونجَوْا منه، للتأكّدِ من حصولهم على الرّعايةِ والدّعمِ اللّازميْنِ للتّعافي والحدّ من فرص نقلِ الفيروسِ إلى غيرهم. وثانيًا، العملُ مع فرقِ الاستجابةِ السّريعةِ والتي يمكنها الاستجابة بسرعةٍ في حالِ تلقينا أيّ إخطار بتفشي الوباء مجددًا.
ماكنزي: لو تأملنا ما حدث، ما هي أبرز العوامل التي ساهمت في نجاح الجهود خلال عمليّاتِ الاستجابةِ للأزمةِ؟ وما هي أكبرُ الإنجازاتِ التي حقّقتها الدول المتضرّرة والمجتمعُ الدوليّ خلال الاستجابةِ للوباءِ؟
ديفيد نابارو: في ذروةِ الأزمةِ في منتصفِ عامِ ٢٠١٤، كانَ أهمَّ شيءٍ هو تزويدُ الدولِ المتضرّرةِ بدعمٍ قوِيٍّ ومنظّمٍ خلال توفيرهم للرعايةِ اللّازمةِ للمصابينَ بالإيبولا، إلى جانبِ توفير مدافن آمنةٍ للأمواتِ لتكريمهم، وقيادةِ الجهودِ لإشراكِ المجتمعِ وتغييرِ السلوكيّاتِ على المستوى المحليّ. ومن خلالِ حصولنا على استجابةٍ دوليّةٍ واسعةٍ، ووجودِ استراتيجيّةٍ لدمجِ هذه الاستجاباتِ معًا، إلى جانبِ توفُرعمليّاتِ تَواصل وقيادة قوية على المستويين المحليّ والدّوليّ، تمكنّا من الاستجابةِ بشكل مميز، لا سيما من حيث جودةِ وترابط هذه الجهود، وخاصّةً إذا اخذنا بعين الاعتبار العديدِ من آلافِ الأشخاص والعديدِ من الجهاتِ التي كانت مُشارِكةً.
كذلكَ شهدنا قيادةً قويّةً من رؤساءِ أكثرِ ثلاثِ دولِ تأثّرتْ بالوباءِ وهي غينيا وليبيريا وسيراليون، ومنْ رؤساءِ الدولِ الأخرى التي تأثّرتْ بوباءِ الإيبولا خلال انتشارِهِ وهي بالتحديد: مالي، والسنغال، ونيجيريا. إضافةً لما سبق، كانت القياداتُ السياسيّةُ القويّةُ على المستوى الرئاسيّ مهمّة للغايةِ. ومع أخذِ جميع ما ذكرْتُهُ بعين الاعتبارِ- القيادة والتنسيقُ الدوليّين والقيادةُ والتوجيهُ المحليّين والمشاركةُ القويّةُ من المجتمعِ- كانَتْ جميعها عوامل داعمة بشكلٍ قويّ لهذهِ الاستجابةِ.
ماكنزي: حصلَتْ الأممُ المتّحدةُ على دعم العديدِ من الدولِ على مستوى المجتمعِ الدوليّ لتحقيقِ أهدافها. هل يمكنكَ وصْفُ كيْفَ ساعدَ ذلكَ في جهودِ الاستجابةِ؟
ديفيد نابارو: لقدْ كانَ العملُ المنسّق مع الحكوماتِ المحليّةِ والمؤسّساتِ غيرِ الحكوميّةِ وغيرِ الرّبحيّةِ مهمًّا للغاية، وبالطبعِ عملنا عن كثبٍ مع مؤسّستكم أيضًا.
نحن نقدّرُ لكمْ رغبتكمْ بالعملِ معنا ضمنَ هذهِ الجهودِ وتقديمِ كلِ ما بوسعِكُم فقد ساعدنا ذلك كثيرًا. كانَتْ ماكنزي حقّا شريكة أفكارنا طوالَ الأزمةِ، فقدْ قامَ فريقُ ماكنزي بمساعدتنا في تشكيلِ رؤيتنا حولَ طرق الاستجابة للتحدّياتِ الاستراتيجية والتشغيليّةِ المتعلّقةِ بالمواردِ التي نواجهها-وبالتّالي أدّى ذلكَ إلى إعدادِ عمليّاتٍ استخدمناها للتنسيقِ العالميّ وللترابط على المستويين الإقليميّ والدوليّ. وبالحديثِ على نطاقٍ أوسعَ، وجدْنا أن التحدي فيما نقدمه من أفكار أمرًا مفيدًا لنا- وذلكَ لضمان أنّ أفكارنا واضحةً ومنظّمةً ويمكنُ إيصالها إلى الآخرين.
ومؤخّرًا عندما بدأْنا في التّفكيرِ بالدّروسِ المُستفادَةِ خلالَ استجابتنا لوباءِ الإيبولا، نَجِدُ أنَّ ماكنزي قدْ ساعدتنا كثيرًا في نقلِ هذهِ الدّروسِ إلى الآخرينَ وكانَ ذلكَ بالفعْلِ عِبْئًا أُزيحَ عنْ كاهلنا.
ماكنزي: لو تأملنا ما حدث، ما هي أكبرُ التّحدياتِ التي واجهتكم خلالَ جهود التصدي لوباءِ الإيبولا؟
ديفيد نابارو: خلالَ الوباءِ، كانَ من المهمّ التحرّكُ بسرعةٍ وبحسمٍ في البدايةِ، وهوَ ما كانَ ضروريًا لمنعِ المرضِ منَ الانتشارِ. في بدايةِ عامِ ٢٠١٤، تمّ الإبلاغُ عنْ عددٍ قليلٍ جدّا من حالاتِ الإصابةِ بالإيبولا في غينيا على وجه التحديد، كما سُجِلت إصابات في شهري يونيو ويوليو من نفسِ العامِ في كلٍّ من ليبيريا وسيراليون تحديدًا. ولو أننا تعاملنا على نحوٍ أكثر صرامةً في استجابتنا خلالَ الأشهرِ الأولى، لم يكن الوباء ليتفشى بهذه الدرجة خاصّةً في المناطقِ المدنيّةِ. وخلالَ المراحلِ المستقبليّةِ علينا أنْ نتنبه مبكراً حتّى نتمكّن من الاستجابة على نحوٍ سريعٍ وفعّال .
بالطبع كان اتخاذ إجراءات حاسمةُ ضروريًا خلالَ الأزمةِ، ففي شهرَيْ أغسطس وسبتمبر من عامِ ٢٠١٤، كانَ هنالكَ ارتفاعٌ سريعٌ للغاية في حالات الإصابة، ولو كانَ لدينا استجابةً أقوى على مستوى المجتمع و خلال فترةِ الذّروةِ، أعتقدُ أنه كانَ منَ الممكنِ حدوثُ انخفاضٍ أسرعَ في حالاتِ الإصابةِ. وينطبقُ ذاتُ الأمرِ على المراحلِ المتأخرةِ من الاستجابة،ِ فلو تمكّنّا من الحصولِ على مشاركة وتغطيةَ أشملَ و أوسعَ من المجتمعِ، كانّ منَ الممكنِ أنْ تنتهيَ هذه الأزمةُ بسرعة أكبر.

القضاء على شلل الأطفال في نيجيريا
ماكنزي: ما الدروس المستفادة من تفشي هذا الوباء، وكيفَ يمكنُ أنْ يؤثّرَ ذلك على الاستجابةِ الدّوليّةِ لهذهِ الأنواعِ من الأزماتِ الصّحيّةِ العالميّةِ؟
ديفيد نابارو: مع تفشي هذه الأنواع من الأوبئةِ، منَ المهمّ الفهمُ أنّه منَ الصّعبِ جدًّا التنبّؤُ بها مُسبقًا. وحتى وإن كانَ بإمكانكَ توقع أوبئةٍ أخرى من أنواع الحمّى النّزفيّةِ الفيروسيّة مثل الإيبولا، لنْ تتمكّنَ من معرفةِ المكانِ الذي سينتشر فيه أو كيفَ سيؤثّرُ على السّكانِ أو الدّول والمجتمعاتِ التي ستتأثر به. وبالتالي، لدى اتّخاذِ القرارِ حوْل حجم الاستجابةِ المطلوبة، يجبُ أنْ نكونَ متأكّدينَ من أنّ إجراءاتنا قابلةً للتكيّفِ مع الوقائع المحيطة - الواقعِ اللّغويّ وواقعِ البنى التّحتيّةِ والمخاوفِ المحدّدةِ للسّكّانِ المُصَابين. ولهذا السّببِ، تحاولُ منظّمةِ الصّحةِ العالميّةِ والأممِ المتّحدةِ ضمانَ توفر القُدرَات الأسَاسيّة للتعاملِ مع الأزماتِ الصحيّةِ العالميّةِ مع مراعاة المُرونةِ المطلوبةِ للقيامِ بذلك. إن تقديم استجابةٍ مرنةٍ وجاهزة يتطلب توفر مجموعةً منَ الخبراءِ و زيادة في عدد الأشخاص العاملين في حالات الطوارئ وخاصّةً ممَن يعيشونَ في المناطقِ المتأثّرةِ، كما يتطلّبُ وجود منصّةَ للعمليّات التشغيلية يُمكنُها أنْ تحرّكَ أعدادًا كبيرةً من النّاسِ إلى أيّ مكانٍ يريدونه؛ ومن ثمّ دعمهم لدى وصولهم إلى ذلكّ المكانِ. وبالطّبعِ، تحتاجُ إلى وجود إجراءاتٍ واضحةٍ لكيفيّةِ توجيهِ هذا العمل وتنظيمه.
وأخيرًا، أودّ القوْلَ أنّه يتعين علينا تعديل ممارساتِ العملِ الدّاخليّةِ الخاصّةِ بنا- لإدارةِ النّقودَ والعقودَ والمشترياتِ- للتّعاملِ معَ هذهِ الأنواعِ منَ المشاكلِ. ولكن علينا تعديلها ما بينَ الأزماتِ والأوبئةِ بدلًا منَ القيامِ بذلكَ خلالَ حدوثها؛ إذ لا يمكننا تحمّلُ تكاليفَ إعادةِ كتابةِ القواعدِ والأزمة تُلقي بظلالها من حولنا،ِ وهذا كانَ درْسًا لا يُنسى. ويتمّ الآن تطبيقُ ممارساتٍ جديدةٍ، ومنَ الضّروريّ ألّا ننهمكَ فجأةً بالتّعاملِ معَ أزمةٍ جديدةٍ لنجد أنفسنا عاجزين عن تطبيقِ هذهِ الممارساتِ الجديدةِ بشكلِ صحيح. ومما يدعو إلى التفاؤل في هذا الشأن أنَّ جميعَ أعضاءِ منظّمةِ الصحّةِ العالميّةِ متشوّقونَ جدًا لرؤيةِ هذهِ التغييراتِ واقعًا ملموسًا.