لماذا لا يزال تعلّم البرمجة أمرًا مهمًا للغاية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

تؤكد "كارلي كلوس"، مؤسسة مبادرة "كود ويذ كلوسي"، وكذلك "أوسي إيميوكباريا"، الرئيسة التنفيذية للمبادرة، إن تعلم البرمجة يطور مهارات مهنية أكثر من مجرد معرفة كيفية كتابة الأوامر للكمبيوتر. في هذه الحلقة من بودكاست "At the Edge"، يتحدث الضيفان مع لاريينا يي، الشريك الأول في شركة ماكنزي، عن كيفية تأثير برامج "كود ويذ كلوسي"، على الفتيات الشابات والمراهقين الذين لا يحددون أنفسهم ضمن التصنيفات التقليدية للنوع (ذكور أو إناث) ممن يتراوح أعمارهم ما بين 13 إلى 18 عامًا، حيث تساعدهم هذه البرامج على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، كما تساهم في بناء ثقتهم بأنفسهم، مما يتيح لهم الفرصة للمشاركة في مجالات التكنولوجيا والمجالات الأخرى بثقة.

عالم البرمجة الرائع

لاريينا يي: "كارلي"، عندما التقينا للمرة الأولى، رويتِ لي قصة رائعة جدًا. هل يمكنك أن تشاركينا تلك اللحظة، قبل أكثر من عشر سنوات، عندما شعرتِ لأول مرة بالانجذاب إلى عالم البرمجة والتكنولوجيا؟

كارلي كلوس: كل شيء بدأ بدافع الفضول، وهو فضول لا يزال يرافقني حتى اليوم. دائمًا كنت مهتمة بما يدور حولي في العالم، وهذا الفضول هو ما دفعني، قبل أكثر من عشر سنوات، إلى بدء رحلتي في عالم البرمجة. تلك التجربة كانت نقطة التحول التي فتحت أمامي بابًا لفهم كيفية بناء البرمجيات والأجهزة، واكتشاف الجانب الإبداعي في البرمجة. من هنا، بدأت أُدرك مدى أهمية أن يكون هناك أشخاص من خلفيات وتجارب حياتية متنوعة يشاركون في بناء الشيفرات، خاصة وأن التكنولوجيا أصبحت تلعب دورًا محوريًا في تشكيل حياتنا وعالمنا أكثر من أي وقت مضى.

في تلك المرحلة، أدركت أن عالم التكنولوجيا لا يعكس فعليًا التنوع الحقيقي الموجود في مجتمعاتنا، وخصوصًا فيما يتعلق بتمثيل النساء. وقد رأيت في ذلك مشكلة جوهرية لا يمكن تجاهلها. ومن هذا الإدراك، وُلدت مبادرة "كود ويذ كلوسي"، نتيجةً لاهتمامي العميق بالبرمجة، ورغبةً في إتاحة الفرصة لفتيات أخريات لدخول هذا المجال من خلال معسكرات تدريبية متخصصة. البداية كانت بسيطة للغاية: نشرت إعلانًا عن منحة دراسية على حسابي في إنستغرام، وكنت أظن أن عددًا محدودًا من الفتيات الشغوفات مثلي سيتفاعلن معها. لكن ما حدث كان مفاجئًا؛ فقد استقبلنا آلاف الطلبات على 21 منحة فقط. ومنذ تلك اللحظة، بدأت المبادرة تنمو بوتيرة مذهلة. واليوم، وبعد مرور عقد كامل، أصبح لدينا أكثر من 11,000 شابة وشاب من مختلف أنحاء العالم شاركوا في برامجنا، وما زلنا نواصل المسيرة بكل شغف وأمل.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

لاريينا يي: كما تعلمين يا "كارلي"، أنتِ معروفة بالأساس كعارضة أزياء شهيرة، ولم يكن هناك ما يُلزمك بتعلّم البرمجة، لكنكِ اخترتِ أن تخوضي هذا المجال بإرادتك. من الرائع أن تكون الفتاة شغوفة بالتكنولوجيا، لكن الأروع من ذلك أن تمتلك مهارة البرمجة، فهي اليوم تُعد من المهارات الأكثر طلبًا وتأثيرًا. وفي صميم مبادرة "كود ويذ كلوسي" تقف قصص النجاح التي تصنعها الفتيات بأنفسهن. "أوسي"، أنتِ كنتِ من القيادات البارزة في قطاع التكنولوجيا، ثم قررتِ ترك هذا المسار والانضمام إلى "كود ويذ كلوسي". حَدِّثينا: ما الذي دفعكِ إلى اتخاذ هذا القرار؟ وشاركي معنا بعضًا من النجاحات الملهمة التي حققتها الفتيات من خلال البرنامج.

أوسي إيميوكباريا: إن نجاح الفتيات المشاركات في مجتمعنا هو جوهر ما نقوم به، وهو الدافع الحقيقي وراء هذا العمل؛ أن نراهن يُزهرن في مسارات مهنية هادفة ويصنعن لأنفسهن مكانًا مؤثرًا في هذا العالم. خذي مثلًا "كلوي"، شابة بدأت معنا وكتبت أولى الأكواد في حياتها من خلال "كود ويذ كلوسي"، واليوم أصبحت مهندسة برمجيات في شركة "ماستركارد". وجدت بيننا شعورًا بالانتماء، وإحساسًا بالتمكن، وقناعة بأنها قادرة على التأثير وتشكيل العالم من حولها. وهناك أيضًا "ميا"، التي أصبحت الآن طالبة دكتوراه في علم البيانات، وقد دفعتها رحلتها معنا إلى ربط شغفها بالعلم برغبتها في إحداث أثر اجتماعي حقيقي، من خلال توظيف مهاراتها لتحليل البيانات في خدمة المجتمعات وتحسين حياتها.

عندما نستمع إلى قصص من أفراد مجتمعنا، نلاحظ أن هناك أفكارًا متكررة تشكّل جوهر هذه التجارب، من أبرزها أن التكنولوجيا لا تُستخدم بمعزل عن الواقع، بل كوسيلة فاعلة لإحداث تغيير حقيقي في العالم من حولهم. وهذا المفهوم يتردد في كل قصة من قصصنا، ويتجسّد في كل تجربة من تجارب الفتيات. أن نرى هذا المعنى يتكرر أكثر من 11,000 مرة هو أمر مُلهم بحق، ويمنحنا شعورًا عميقًا بالجدوى والرضا عمّا نقدّمه.

بالنسبة لي، من الرائع أن أكون جزءًا من عمل يركز على تحقيق غاية واضحة، ويجمع بين شغفي بالتكنولوجيا وإيماني العميق بقدرتها على إحداث تحوّل حقيقي في حياة الناس. وفي الوقت ذاته، فإن هذا العمل لا يغفل عن الواقع الذي نعيشه، وعن التحديات التي تواجه الأفراد خلال هذه الرحلة. لذلك، أرى أن من واجبنا كمؤسسة ألا نكتفي بتمكين الفتيات بالمهارات، بل أن نكون سندًا فعليًا لهن، فنخفف من حدة تلك العقبات ونجعل الطريق أمامهن أكثر وضوحًا وأقل صعوبة.

لاريينا يي: يعجبني كثيرًا هذا المفهوم الذي يقدّم التكنولوجيا والبرمجة كأدوات قادرة على إحداث تحوّل جذري. "كارلي"، كيف كانت التكنولوجيا وسيلة للتغيير بالنسبة لكِ، سواء على المستوى الشخصي أو في العمل الذي تقومين به من خلال "كود ويذ كلوسي"؟

كارلي كلوس: لطالما كان السؤال المطروح هو: "لماذا تتواجد عارضة أزياء في هذا النوع من المجالات؟ لماذا تهتم بالبرمجة؟" وكان ردي دائمًا: ولمَ لا؟ ما الذي يمنعني أو يمنع أي شخص آخر من الاهتمام بهذا العالم؟ وعلى الجانب الآخر، لماذا لا يمكن لمن يعمل في مجال التكنولوجيا أن يكون شغوفًا أيضًا بالموضة أو الموسيقى؟ منذ عشر سنوات، كانت مثل هذه الفكرة تُقابل أحيانًا بالرفض أو التوجس، وكأنها تشكّل تهديدًا للصور النمطية السائدة. لكننا اليوم نعيش في عالم مختلف تمامًا، وهذا ما يسعدني حقًا؛ لأن الناس بطبيعتهم متعددو الاهتمامات، ولا يجب أن تُحصر قدراتهم في قالب واحد فقط.

يتميّزن الفتيات المشاركات في برنامجنا بالحيوية والانفتاح، فهنّ في مرحلة استكشاف الذات، يحاولن بكل شغف أن يعرفن من يرغبن أن يكنّ في هذا العالم. وما يثير الحماس اليوم هو سرعة تطور التكنولوجيا، والأهم من ذلك، سهولة الوصول إليها. هذه الأدوات أصبحت متاحة للجميع، ويمكن استخدامها بطرق لا حدود لها، حسب اهتمامات كل شخص وطموحه. تخيلي أنني كنت البارحة على متن رحلة جوية تأخرت لساعات، فقمت باستغلال الوقت في تجربة أداة جديدة مذهلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للبحث العميق. وجدت نفسي أضع تصورًا أوليًا لنموذج عمل حول فكرة كانت تدور في ذهني، وبدأت أختبر إمكانياتها وكأنني أُشكّل مشروعًا بالكامل خلال وقت الانتظار.

ما يثير الحماسة في هذا التقدم السريع للتكنولوجيا، وفي إتاحة أدواتها للجميع، هو أنك تستطيع استخدامها كيفما تشاء وبالطريقة التي تُناسبك.

كارلي كلوس

حتى إن لم تكن لديك طموحات لإنشاء مشروعك الخاص، ستشعر بالحماس بمجرد التفاعل مع هذه الأدوات واستكشاف إمكانياتها. وهذا هو جوهر المسألة. فنحن لا نحاول تحويل كل فتاة إلى مهندسة، بل نطمح إلى أن نفتح أعين المشاركات على الفرص الكامنة في هذه الأدوات، وعلى الآفاق الواسعة التي يمكن أن تُحدث فيها فرقًا. نحن بحاجة إليهن ليشاركن في تشكيل ملامح المستقبل، ليس فقط في مجال التكنولوجيا، بل في كل مجال يخترن خوضه.

تعلّم البرمجة ليس حكرًا على أحد، بل متاحاً للجميع

لاريينا يي: "أوسي"، دعيني أتوقف قليلًا عند بعض النقاط التي أثارتها "كارلي". في الولايات المتحدة، لا تتجاويذ نسبة الفتيات والنساء اللاتي يدرسن علوم الحاسوب بين 22 إلى 25 بالمئة، وهي نسبة ضئيلة لا ترتقي إلى مستوى التطلعات. وما يجعل الأمر أكثر إلحاحًا هو أن هذا النقص في التمثيل لا يقتصر على قاعات الدراسة، بل ينعكس بشكل مباشر على مجالات العمل الحساسة، مثل هندسة البرمجيات وإدارة المنتجات، وهي وظائف تُشكّل جوهر الابتكار في عالم التكنولوجيا.

إن أحد الدوافع الأساسية لتعليم البرمجة في البداية كانت تمكين الفتيات من اكتساب المهارات التي تؤهلهن لدخول عالم الهندسة والتكنولوجيا. لكن اليوم تغيّر المشهد بشكل كبير، فالذكاء الاصطناعي بات قادرًا على توليد الشيفرات البرمجية بنفسه، بل وظهر ما يُعرف بـ "البرمجة بالإحساس"، حيث يُمكن للمطور أن يوجّه الأداة الذكية بلغته الخاصة، فتقوم هي بإنشاء الكود المطلوب. أمام هذه الطفرات، يبرز تساؤل جوهري: كيف ترين هذا التحوّل الكبير في أدوات التكنولوجيا؟ وهل تعتقدين أن تعلّم البرمجة لا يزال يحتفظ بقيمته في هذا العصر الذي أصبح فيه الذكاء الاصطناعي شريكًا مباشرًا في عملية التطوير؟

أوسي إيميوكباريا: أعجبتني هذه النقطة كثيرًا، وكنت في الواقع أترقب متى سنتحدث عن "البرمجة بالإحساس"! ولو عدنا خطوة للخلف ونظرنا إلى الصورة الأوسع، وتحديدًا لما ذكرته "كارلي"، سنلاحظ أننا في "كود ويذ كلوسي" أدركنا سريعًا خلال تطوّر المبادرة أن القيمة الحقيقية التي نصنعها لا تقتصر على تخريج مهندسات برمجيات. كان هناك شيء حيوي ومُلهم ينبض داخل مجتمعنا. كثير من المشاركات لم ينتهِ بهنّ المطاف في مسار هندسة البرمجيات، ومع ذلك شعرنا أننا أحدثنا فرقًا حقيقيًا في حياتهن، وأن ما قدمناه كان ناجحًا وذا أثر عميق.

فنحن لا نُخرّج فقط مهندسات برمجيات، بل نصنع جيلاً من الشابات والشبان الذين يمتلكون عقلية تكنولوجية، ولديهم شغف مستمر لتعلّم التكنولوجيا والتطور معها مدى الحياة. هذا هو الجوهر الحقيقي لبرامجنا؛ أن نُطلق طاقات مبدعة، قادرة على التفاعل مع أدوات العصر، لا أن نكتفي فقط بتكوين مسميات وظيفية.

إننا نحتضن الذكاء الاصطناعي بكل ترحيب، لا لأننا نعتقد أن المستقبل سيتطلب عددًا أقل من مهندسي البرمجيات فحسب، بل لأن رسالتنا أوسع من ذلك بكثير. فلسفتنا لا تتمحور حول الألقاب الوظيفية، بل حول تمكين جيل يفهم التكنولوجيا بعمق، ويتفاعل معها بوعي ومسؤولية. ومن هنا، نحن نوجّه مجتمعنا اليوم ليكون جزءًا فاعلًا في هذه اللحظة المفصلية من الثورة التكنولوجية، ليس فقط كمستهلكين، بل كمبدعين ومسؤولين. نُعلّمهم كيف يكونون صنّاعًا واعين للذكاء الاصطناعي، وفي الوقت ذاته، مستخدمين ناقدين قادرين على التمييز والتقييم. هذا التوازن بين الفهم العميق والاستخدام المسؤول هو ما نؤمن بأنه مفتاح المشاركة الحقيقية في رسم ملامح المستقبل.

ومن بين الأدوات الجديدة التي بدأنا في دمجها ضمن برامجنا أداة نطلق عليها اسم "بوصلة الذكاء الاصطناعي". وهي أشبه برفيق ذكي يمكن لأعضاء مجتمعنا الاستعانة به لمساعدتهم على اتخاذ قرارات واعية بشأن متى وكيف ينبغي استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج مدروسة ومقصودة. الهدف من هذه الأداة ليس فقط تسهيل الاستخدام، بل ترسيخ مبدأ التفكير النقدي في التعامل مع هذه التقنيات المتقدمة.

وهنا يبرز سؤال مهم: ما هي المهارات البشرية التي تظل أساسية في هذا العصر؟ في الحقيقة، ومع تطور الأدوات التقنية، أصبحت المهارات التي نحتاج إلى ترسيخها لا تتعلق فقط بالبرمجة أو الجانب الفني، بل تتجه أكثر نحو المهارات الريادية، والقدرة على التمييز واتخاذ قرارات ذكية.

فإذا كان الجميع يستخدم الأدوات نفسها ويُنتج التطبيقات ذاتها بنفس الآليات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فكيف يمكن لأي شخص أن يتميّز فعليًا؟ كيف يمكن للابتكار أن يظهر وسط بحر من المنتجات المتشابهة والمولّدة تلقائيًا؟ هنا، تصبح الحاجة ماسّة إلى مهارات بشرية أعمق، وإلى حس جمالي ورؤية نقدية، وإلى قدرة على اتخاذ قرارات واعية ومدروسة. لكن كيف نطوّر هذا النوع من الذوق؟ وكيف نغرس الجرأة المطلوبة لخوض المخاطر المحسوبة؟ هذه مهارات ضرورية اليوم. فعندما تصبح المهارات التقنية في متناول الجميع، فإن التميّز لن يأتي من المعرفة التقنية وحدها، بل من الأشخاص الذين يمتلكون حسًّا عاليًا بالتفرّد، ومن لديهم القدرة على تقييم المخاطر واتخاذ قرارات جريئة في الوقت المناسب.

ولا يقتصر تعلّم البرمجة على كتابة الشفرات فقط. إنه تدريب ذهني على أسلوب تفكير مختلف أي تفكير حوسبي. أنتِ تتعلّمين كيف تتعاملين مع مشكلة كبيرة من خلال تفكيكها إلى أجزاء صغيرة قابلة للفهم والمعالجة. تتعلّمين كيف تلاحظين الأنماط، وتستخلصين المفاهيم العامة، وتبنين عليها حلولًا ذكية. تتعلّمين كيف تُحددين خوارزميات دقيقة وواضحة. وكل هذه المهارات ليست حكرًا على عالم البرمجة فقط؛ بل يمكن توظيفها في مجالات متعددة، سواء كنتِ تسعين لأن تصبحي مسوّقة بارعة، أو قائدة مبيعات، أو حتى طبيبة. لأنكِ حينها ستكونين قادرة على التفكير برؤية واسعة، على تحليل التعقيد، واكتشاف الأنماط، وحل المشكلات بطريقة منهجية وعملية.

لاريينا يي: " كارلي"، ما رأيك فيما يُعرف غالبًا بـ"المهارات الناعمة" مثل الريادة وروح المبادرة، عندما نضعها إلى جانب المهارات التقنية مثل البرمجة؟

كارلي كلوس: ما نقدّمه في جوهره هو مساحة آمنة ومُلهمة، تتيح لكل فتاة فرصة لاكتشاف ذاتها واستكشاف من ترغب أن تكون. فنحن لا نركّز فقط على الجانب المهاري أو التقني، بل نهتم بالإنسان ككل، ونسعى إلى دعم تطوره الشخصي والمهني في آنٍ معًا.

برامجنا موجّهة للفتيات من سن الثالثة عشرة حتى الثامنة عشرة، وكذلك للمراهقين والمراهقات الذين لا يندرجون ضمن الأطر التقليدية للنوع الاجتماعي. هؤلاء الشباب يعيشون لحظة فارقة في حياتهم، يحاولون فيها فهم أنفسهم واكتشاف من يريدون أن يكونوا. ونحن نساعدهم في هذه المرحلة من خلال دعمهم لبناء الثقة بالنفس، وتعزيز شعورهم بالانتماء من خلال روابط قوية مع أقرانهم. كما أن كثيرًا من خريجات البرنامج يعدن لاحقًا كمساعدات مدرّبات، يشاركن في تنفيذ البرامج وتعليم الجيل الجديد.

هناك الكثير مما يحدث داخل هذه البرامج يتجاوز مجرد تنمية المهارات التقنية. صحيح أننا نولي اهتمامًا كبيرًا بالفرص الوظيفية في المجالات التكنولوجية المتقدّمة، ونعمل على إعداد جيل من الكفاءات المؤهلة لتلك المسارات، لكن في الوقت نفسه، نحن نركّز على تطوير الإنسان ككل، وعلى بناء الثقة، وتعزيز القدرات، وتمكين المشاركات من رؤية أوسع لمستقبلهن.

لاريينا يي: "كارلي" و "أوسي"، حدّثاني أكثر عن الفتيات المشاركات في برامجكما، من هن؟ وما الخلفيات التي يأتين منها؟

أوسي إيميوكباريا: اليوم، يضم مجتمعنا أكثر من 11,000 شابة وشاب من أكثر من 105 دولة حول العالم. ما يقارب 80% منهم ينتمون إلى خلفيات عرقية متعددة، وهو ما يعكس تنوعًا غنيًا نفتخر به. وعند انضمامهم إلينا، ذكر حوالي 40% أنهم ينتمون إلى أسر ذات دخل منخفض، وهو ما يشير إلى احتياجات اجتماعية واقتصادية حقيقية نسعى لدعمها. وما يميّز مجتمعنا أيضًا أن أكثر من 25 لغة تُتحدث في بيئاتهم، ونحن موجودون في جميع أنحاء الولايات المتحدة تقريبًا، من الساحل إلى الساحل.

من بين الشابات في مجتمعنا ممن بلغن سنّ الجامعة، نحو 70% اخترن دراسة علوم الحاسوب، سواء كتخصص رئيسي أو فرعي. والمقارنة هنا لافتة، فالنسبة الوطنية للفتيات اللاتي يتوجّهن لهذا المجال لا تتعدى 4%. هذا الفارق الهائل ليس مجرد رقم، بل دليل حي على قوة ما نبنيه معًا. نشعر بفخر عميق تجاه هذا الإنجاز، لأنه يؤكد أن منح الفتيات البيئة المناسبة والدعم الحقيقي يمكن أن يفتح أمامهن أبوابًا ما كانت لتُفتح لولا ذلك.

الفصل القادم من مسيرة الشمول

لاريينا يي: نحن بصدد الحديث عن فكرة محورية: لسنوات طويلة، كان يُنظر إلى المسار المهني على أنه طريق تقليدي واضح؛ تذهب إلى المدرسة، تتلقى تعليمك في فصول دراسية منظمة، تختار تخصصًا، ومن ثم يتحدد مستقبلك بناءً على هذا الاختيار. لكن ما يثير اهتمامي حقًا هو الاعتراف بأن هذا لم يعد يُشبه طريقة عمل العالم اليوم. الواقع أصبح أكثر مرونة، والفرص لم تعد محصورة في مسار واحد.

أوسي إيميوكباريا: لم يعد الأمر كذلك.

لاريينا يي: الأمور لم تعد تسير بهذه الطريقة، ولم يعد من الضروري أن تظل كذلك. قراراتك سواء اتخذتها في سن صغيرة أو حتى في مراحل متقدمة من حياتك لا تحدد مصيرك بالكامل. وهذا ما يدهشني ويُلهمني في الوقت نفسه. ومن النقاط التي كثيرًا ما نتحدث عنها، أن حوالي 50% من دخلك طوال حياتك لا يأتي من التعليم الرسمي وحده، بل من الخبرات العملية التي تكتسبها خلال رحلتك. هذا يعني أن ما تتعلمه من الحياة، من التجربة، من العمل، لا يقل قيمة عن أي شهادة دراسية.1

سواء تعلّمتِ علوم الحاسوب في المدرسة أو اكتسبتِ فهمًا للتكنولوجيا وأخلاقياتها ضمن التعليم الأكاديمي، فذلك رائع بلا شك. لكن يمكن أيضًا أن تأتي هذه المعرفة من التجربة العملية المباشرة، وهذا تمامًا ما فعلتِه أنتِ، "كارلي". تجربتك تُثبت أن التعلم لا يقتصر على الكتب أو القاعات، بل يمكن أن يأتي من شغف حقيقي ورغبة صادقة في الفهم.

أوسي إيميوكباريا: ما يجعل الوصول إلى عشر سنوات من العمل في "كود ويذ كلوسي" لحظة مميزة فعلًا، هو أنه يمنحنا فرصة للتأمل في الأثر الذي حققناه، وفي نفس الوقت، فرصة لنُوسّع هذا الأثر على نطاق أكبر بكثير. وهذا لا يتحقق إلا إذا فهمنا التحدي كما هو: صحيح أن تطوير المهارات الفردية والحصول على شهادات مهم، لكنه لا يكفي وحده. التأثير الحقيقي يحتاج إلى ما هو أعمق،إلى بناء بيئة تُحفّز النمو، وتدعم المسار بالكامل، لا المهارة فقط.

ومن المهم أيضًا أن ننظر إلى الظروف المحيطة بالنجاح، خاصة داخل البيئات المؤسسية. فهل هي متوفّرة أصلًا أم غائبة؟ لا يكفي أن نُركّز فقط على التغيير الفردي، بل علينا أن نتبنّى نظرة مزدوجة تجمع بين تمكين الأفراد، والعمل على تغيير الأنظمة والهياكل التي قد تعيق هذا التمكين. لأن النجاح الحقيقي لا يولد من الجهد الفردي وحده، بل يحتاج إلى بيئة تدعمه وتحتضنه.

هذا هو ما نراه عنوانًا للمرحلة القادمة من عملنا. فالعقد الجديد يدعونا للتفكير بعمق في الشراكات المؤسسية التي بنيناها على مدى السنوات العشر الماضية، والتي نشعر بامتنان كبير تجاهها. ومن خلال هذا التعاون مع شركات تشاركنا القيم والرؤية، نأمل أن نبدأ في إحداث تغييرات ملموسة، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل في السياسات والممارسات والهياكل التي تشكّل بيئة العمل نفسها.

وأنتِ محقّة تمامًا. البحث الذي أجريتِه حول ما يُعرف بـ"الدرجة المكسورة"، وهي الظاهرة التي لا تُمنح فيها الشابات فرص الترقية إلى أول منصب إداري بنفس الوتيرة التي يحظى بها زملاؤهن من الذكور، هو أمر حقيقي تمامًا. وهذا التحدي يقف الآن مباشرة أمام شباب مجتمعنا.2

كارلي كلوس: "لاريينا"، أنتِ تدافعين بكل قوة عن هذه القضايا، وتسهمين في تسليط الضوء على مشكلات لا تزال قائمة وتتكرّر في بيئات مختلفة. وأؤمن أن أول خطوة نحو الحل هي الاعتراف بالمشكلة ووضعها تحت الضوء، وهذا بالضبط ما تقومين به، وهذا أمر بالغ الأهمية.

لاريينا يي: فعلاً، لقد عبّرتِ عن الفكرة بدقة. الأمر لا يقتصر على تعلّم مهارات تقنية مثل البرمجة أو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. المهم هو التحوّل في طريقة التفكير. هذا التغيّر العقلي هو ما يصنع الفرق الحقيقي، وهو اللحظة الفاصلة التي يتحوّل فيها التعلّم إلى وعي، وتبدأ فيها الإمكانيات بالاتساع.

وربما اسمحي لي أن أطرح عليكِ هذا السؤال بشكل مباشر: كثير من الناس يشعرون أن فرص العمل والتطور أصبحت حكرًا على الشباب. لكن ماذا لو كنتُ امرأة في الخمسين، أو في الثانية والأربعين، أو حتى رجلًا في الخامسة والأربعين، وأقول لنفسي: "أريد أن أشارك وأكون جزءًا من هذا التحوّل". ما النصيحة التي تقدمينها لمن يرغب في دخول هذا العالم وبناء مهارات تقنية، في مرحلة عمرية مختلفة؟

أوسي إيميوكباريا: في الحقيقة، نحن جميعًا نمرّ بنفس التجربة، أليس كذلك؟ أنا واحدة من هذه الفئات العمرية اللي ذكرتيها، عمري 47 عامًا. ومع أنني درست علوم الحاسوب، إلا أن تلك الشهادة وحدها ما كانت أبدًا المفتاح السحري. في عالم الذكاء الاصطناعي اليوم، لا يكفي ما تعلمناه في الماضي. حتى أنا، أحتاج للعودة والتعلّم من جديد، وإعادة بناء مهاراتي. الفرق فقط أن لدي أساس تقني يُساعدني، والأهم أنني أمتلك ثقة تدفعني لأُواجه هذا التغيير بدون خوف. بالنسبة لي، الشجاعة هي ما تبدأ به، والثقة هي ما تكتسبه عندما تجرّب وتتعلم.

ومن أهم المبادئ في طريقتنا التعليمية أن التعلّم لا يحدث بالكلام فقط، بل بالممارسة الفعلية. لا يكفي أن نفهم المفاهيم نظريًا،علينا أن نطبّقها. ولهذا نعتمد بشكل كبير على التعلّم القائم على المشاريع، لأنه يُشركك مباشرة ويجعلك تواجه التحديات بيدك. وأحيانًا، الأمر يبدأ بخطوة بسيطة: جرّبي شيئًا مرتبطًا بحياتك اليومية. مثلًا، إن كنتِ أمًّا تتلقين يوميًا عشرات الرسائل من المدرسة حول أطفالك، فكّري في استخدام أداة ذكاء اصطناعي تساعدك على تنظيم هذه الفوضى. عندما تحاولين حل مشكلة حقيقية تخصك، تبدأ التقنية في أن تكون ذات معنى، ويبدأ التعلّم الفعلي.

لهذا نعتمد بشكل كبير على التعلّم القائم على المشاريع، لأنه يُشركك مباشرة ويجعلك تواجه التحديات بيدك.

أوسي إيميوكباريا

إن تخصيص تجربة التعلّم بما يتناسب مع كل شخص هو أمر بالغ الأهمية، وهذا ما تعلّمناه بوضوح من خلال برامجنا. لا توجد رحلة تعلّم واحدة تصلح للجميع.

نحو مستقبل تقني يتّسم بالعدالة والمساواة

لاريينا يي: كارلي، ماذا تقولين للأشخاص العاملين في الصناعات الإبداعية الذين يشعرون بالخوف من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ويخشون أن يتم تهميشهم أو استبدالهم؟ كيف تتعاملين مع هذه المخاوف؟ أو كيف تفكرين أنتِ في هذا التحدي؟

كارلي كلوس: قبل حوالي عام ونصف، قمتُ بالاستحواذ على مجلة "i-D". ومنذ ذلك الحين، حرصنا على أن نعيد بناء بعض جوانب العمل استنادًا إلى مبادئ واضحة. كثير من الأجزاء في هذه الصناعة ما زالت تعمل بطريقة قديمة، ولا تواكب روح الإبداع، بل أحيانًا تُهمل قيم الأصالة والابتكار.

وبالنسبة لي، السؤال الأهم هو: كيف نُوظّف التكنولوجيا لحماية الإنسانية، وللحفاظ على الإبداع وروحه الأصيلة؟ وكيف نستفيد منها كوسيلة تساعدنا على توسيع آفاق هذا الإبداع بدل أن تهدده؟ هذا هو التحدي الحقيقي، وهذه هي الفرصة التي أمامنا.

أعتقد أنه من الطبيعي أن تكون أول ردّة فعل لدى الناس هي الخوف، وهذا شعور مفهوم. لكن لو اقتصرنا على الخوف فقط، سنفوّت الكثير، وربما نتخلّف عن اللحظة. ما يهمّني حقًا هو كيف نستخدم التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، لأنه واقع لن يتوقف لنكشف من خلالها عن أوسع إمكانياتنا كبشر. كيف نحوّل هذه الأدوات إلى وسائل تُطلق العنان لقدراتنا بدل أن تُقيّدها؟

بالنسبة لي، السؤال الأهم هو: كيف نُوظّف التكنولوجيا لحماية الإنسانية، وللحفاظ على الإبداع وروحه الأصيلة؟

كارلي كلوس

هناك سؤال أساسي علينا التفكير فيه: أين نضع الحدود؟ أنا أعمل كعارضة أزياء، وهذا يعني أن صورتي، شكلي، وكل ما أُمثّله بصريًا يمكن أن يُستخدم كملكية فكرية من دون إذني، قد تُنتَج صور رقمية لي ويتم بيعها أو استخدامها تجاريًا. وهذا أمر لا أشعر حياله بالارتياح. بل في الحقيقة، يزعجني كثيرًا. لذلك، السؤال الذي يشغلني هو: كيف يمكنني حماية نفسي؟

وفي الحقيقة، نشعر وكأننا نفتح "صندوق سحري"، بمعنى أننا دخلنا مرحلة مليئة بإمكانيات هائلة، لكنها أيضًا قد تحمل عواقب غير متوقعة إذا لم نُحسن التعامل معها. وأنا أحاول أن أكون متفائلة، لكن أيضًا واقعية. الذكاء الاصطناعي أصبح واقعًا، ويتقدم بسرعة. والسؤال الآن هو: كيف نضمن أن العدالة هي ما يوجّه هذا التطور؟ لأن التاريخ يعلّمنا أن لحظات التغيير الكُبرى لم تكن دائمًا عادلة للجميع. من المهم أن تكون النساء، وكل من يحمل تجارب حياتية مختلفة، جزءًا من هذا المستقبل ليكون صوتهم حاضرًا في بناءه، وتوجيهه نحو ما يخدم الجميع فعلًا.

أنا أحاول أن أكون متفائلة، لكن أيضًا واقعية. الذكاء الاصطناعي أصبح واقعًا، ويتقدم بسرعة. والسؤال الآن هو: كيف نضمن أن العدالة هي ما يوجّه هذا التطور؟

كارلي كلوس

أوسي إيميوكباريا: هذا التغيير لا يحدث في المجالات الإبداعية فقط، بل نراه أيضًا بوضوح في عالم التكنولوجيا. وفي مثل هذه اللحظات، يظهر بوضوح الدور الأساسي للذوق البشري والإبداع التحريري، تلك القدرات لا تختفي، بل تزداد أهمية.

لكن علينا أن نُدرك أن النتائج التي نطمح إليها لن تحدث من تلقاء نفسها. نحن بحاجة إلى أن نتحمّل دورًا فعّالًا في تشكيل المسار الذي نريده لهذا المستقبل.

كارلي كلوس: ولهذا السبب بالتحديد، نحن بحاجة إلى صُنّاع قرار يدركون أهمية هذه اللحظة، ويفهمون كذلك خطورة هذه التكنولوجيا وإمكاناتها في الوقت نفسه.

لاريينا يي: أستشعر قدرًا كبيرًا من الإلحاح فيما تقولانه، وفي نبرة صوتيكما أيضًا. السؤال المعتاد في مثل هذه اللحظات هو: "ماذا تودّان أن تريا بعد عشر سنوات؟" لكن الحقيقة أن عشر سنوات تبدو بعيدة جدًا، وربما لا تحتمل المرحلة كل هذا الانتظار.

خلال العامين المقبلين، ما الذي تتمنّيان رؤيته يتحقق بالفعل؟ أخبرانا بما تتوقعانه في الأفق القريب، سواء في كيفية الاستفادة من هذه التقنيات الجديدة، أو في تطوير مبادرة "كود ويذ كلوسي"، أو حتى في مشاريعكما الريادية القادمة. إلى أين تتجه الخطوة التالية؟

أوسي إيميوكباريا: خلال العامين المقبلين، وعلى الأقل من خلال عملنا في "كود ويذ كلوسي"، آمل أن نكون قد حققنا تقدمًا فعليًا فيما يتعلق بالشراكات المؤسسية التي تحدثت عنها وخاصة فيما يخص إحداث تغييرات هيكلية داخل بيئات العمل. ما يشغلني تحديدًا هو التركيز على قضية الاحتفاظ بالنساء داخل أماكن العمل، والتعامل بجدية مع ما يُعرف بـ"الدرجة المكسورة"، وهي الفجوة التي تمنع الكثير من الشابات من الوصول إلى أول منصب إداري في مسيرتهن المهنية.

هل نجحنا في وضع سياسات وبرامج وممارسات تُخفّف من جوانب عدم المساواة المتجذّرة في الطريقة التي نفكّر بها حول هذه المسارات المهنية؟ هذا هدف واضح ومحدد، وأراه ممكن التحقيق، خاصة عندما نتعاون مع شركات طموحة تشاركنا القيم والرؤية.

ونحن نُفكّر في السنوات العشر القادمة من عمر مؤسستنا، نركّز بشكل خاص على ما يقارب 70% من أفراد مجتمعنا ممّن تجاوز سن الثامنة عشرة، وعلى الفئة التي أصبحت الآن في سن 21 فما فوق، والتي بدأت دخول سوق العمل أو في بدايات مسيرتها المهنية. ونحن نعمل حاليًا على تطوير برامج مستقبلية تُلبّي احتياجات هذه المرحلة وتدعمهم في رحلتهم التالية.

قوّة الاستمرار تبدأ من الشعور بالانتماء للمجتمع

لاريينا يي: "أوسي"، كثير من الشابات اللواتي يقرّرن التخصص في مجالات مثل علوم الحاسوب أو الهندسة الكهربائية أو الأحياء، يجدن أنفسهن أحيانًا الفتاة الوحيدة في القاعة الدراسية أو في بيئة التعلم. وهذا ليس أمرًا نادرًا، رغم أننا نأمل أن يتغيّر قريبًا. ما النصيحة التي توجّهينها لشابة تمرّ بهذه التجربة وتحاول أن تواصل دراستها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؟

أوسي إيميوكباريا: لقد عشت هذه التجربة بنفسي. كنت الفتاة السمراء الوحيدة في كثير من القاعات، وفي العديد من المواقف التعليمية. لكن ما تعلّمته من تجربتي الشخصية، ومن العمل الذي نقوم به في "كود ويذ كلوسي"، هو أن كل شيء يصبح أسهل وأقوى عندما لا تكونين وحدك. فوجود الأصدقاء، ووجود من يشبهونك أو يفهمونك، يصنع فرقًا حقيقيًا.

الأمر في جوهره هو أن تجد دائرتك، مجتمعك، الأشخاص الذين يمرّون بتجربة شبيهة لك من حيث التحديات والطموحات. أحيانًا تحتاجين إلى من يشجّعك، مدرب أو موجّه يراك من زاوية مختلفة ويدفعك للأمام. وأحيانًا أخرى، تحتاجين فقط إلى رفقة تشاركك نفس الحماس تجاه التكنولوجيا والطموح لصنع شيء مختلف. عندما تخوضين هذه الرحلة مع من يُشبهونك في التطلّع والشغف، كل شيء يصبح أخف وأقوى.

لاريينا يي: "كارلي"، نشأتِ في "سانت لويس"، وكثيرون يربطون بدايتك المهنية بسن الخامسة عشرة حين بدأتِ مسيرتك كعارضة أزياء. لكن قبل ذلك، كنتِ طالبة متفوقة في الرياضيات والعلوم، وكان هذا هو الطريق الذي كنتِ تتجهين نحوه. حين تنظرين إلى تلك المرحلة الآن، نُدرك جميعًا كم هو مهم أن يكون بجانبك أصدقاء، ومعلّمون، ومَن يرون إمكانياتك ويشجعونك. من كان إلى جانبك آنذاك؟ من دعمك وساعدك على أن تكتسبي الثقة في نفسك كطالبة متميزة في هذا المجال وأنتِ في سن صغيرة؟

كارلي كلوس: كان لديّ عدد من الأصدقاء المقرّبين الذين يشتركون معي في حبّ العلم والتفكير، هم ما زالوا حتى اليوم من أقرب الناس إلى قلبي. أحدهم أصبح طبيبًا، وآخر مهندسًا، وثالث يعمل في المحاسبة. كل واحد منهم اتجه لمسار أكثر تقليدية، لكنّهم جميعًا كانوا يتمتعون بذكاء لامع، وكانوا مصدر إلهام ودعم حقيقي لي.

كنت أشعرُ بأنني محظوظة لأن لدي والدين داعمين جدًا، رغم أنهما مختلفان تمامًا. والدتي فنانة، ووالدي طبيب طوارئ، ومنذ صغري كنت شغوفة بالعلوم. من الطريف أنني انتهيت في مجال إبداعي، لكن حتى اليوم ما زلت أحرص على حضور دروس في جامعة نيويورك. ليس بدافع البحث عن فرص مهنية جديدة، بل لأنني ببساطة أحب التعلّم، وأستمتع بالتعرّف إلى مجالات مختلفة. أحب أن أحيط نفسي بأشخاص يشاركونني هذا الفضول والشغف، وأجد في ذلك طاقة لا توصف.

أوسي إيميوكباريا: إلى كل الفتيات الشغوفات بالعلم والتكنولوجيا: هيا بنا ننهض معًا! لننطلق ونصنع الفرق.

دور القيادة في تحولات التكنولوجيا

لاريينا يي: أنا أحب فعلًا الفتيات الشغوفات بالعلم! "كارلي"، أنتِ تعرفين ماكنزي جيدًا، ونعلم أنك تتعاملين مع العديد من القيادات التي نتعاون معها نحن أيضًا. ونحن، بدورنا، نفكّر كثيرًا في الذكاء الاصطناعي والتحوّل الذي يُحدثه. ما نصيحتك لنا كمستشارين وقيادات أعمال للمشاركة الفعّالة في هذا التحوّل خلال السنوات القليلة القادمة؟

كارلي كلوس: أولًا، يسعدني جدًا أنكم تطلبون نصيحتنا، وهذا بحد ذاته يعكس روح الانفتاح. أنا ما زلت أعتز بأن خلفيتي التعليمية لا تتجاوز المرحلة الثانوية، لكن اسمحوا لي أن أشارككم وجهة نظري. أعتقد أن عليكم احتضان هذه اللحظة بكل ما تحمله من فرص. صحيح أن هناك قدرًا من الخوف داخل الكثير من الشركات، لكن هذه المرحلة هي فرصة حقيقية لنقل أعمالكم إلى مستوى جديد تمامًا. المفتاح هو ألا تضيّعوا هذه اللحظة.

لاريينا يي: "أوسي"، أود أن أسمع وجهة نظرك أيضًا. ماذا تقولين لنا في ماكنزي؟ لا أريد فقط نصيحة، بل أريدك أن تدفعينا للتفكير بشكل مختلف، أن تخلقي لنا تحدي حقيقي.

أوسي إيميوكباريا: باعتباري قائدة، أؤمن بأنك لا ينبغي أن تطلب من فريقك القيام بشيء لا تفعله أنتِ بنفسك. القيادة الحقيقية تبدأ بالقدوة، لا بالتوجيه فقط.

ما أودّ قوله هو: لا تكتفوا بإصدار توجيهات عامة حول الذكاء الاصطناعي، بل انتقلوا إلى بناء فهم حقيقي وشخصي لهذا المجال بصفتكم قادة. طوّروا مهاراتكم، وكونوا أنتم مثالًا للتحوّل الذي تطلبونه من فرقكم. السؤال الحقيقي هنا هو: هل أنتم مستعدون لتطبيق ما تقولونه؟ هل أنتم فعلاً تقودون التغيير من الداخل؟

كونوا أنتم مثالًا للتحوّل الذي تطلبونه من فرقكم.

- أوسي إيميوكباريا

والسؤال الحقيقي الآن هو سؤال عن القيادة. كيف يمكن للقادة أن يُحرّكوا فرقهم، ويخلقوا الظروف التي تجعل التحوّل ممكنًا؟

Explore a career with us