عندما تُصبح الصّفقة نُقطة التّحول

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

يواجه المديرون التنفيذيون في الوقت الحاليّ، أكثر من أيّ وقتٍ مضى ضغوطًا لا تنتهي، تفرضها احتياجات المساهمين والمعنيّين، من كبار المستثمرين الطامحين في تحقيق معدلات نموٍ تتجاوز النمو السوقيّ، وهوامش أرباحٍ مرتفعة، بالإضافة لتطلعاتهم المستمرة نحو مزيدٍ من التوسع، ذلك في الوقت نفسه الذي تتصاعد فيه التحديّات التقنية والاضطرابات الجيوسياسية، والتقلبات السوقيّة الأخرى، والتي تزيد من معدلات وطبيعة المنافسة فيما بين الشركات بعضها البعض، فضلًا عن التأثيرات السلبية لارتفاع معدلات التضخم وسعر الفائدة والتي تزيد من صعوبة تلك التحديات.

ومن هذا المنطلق، تُعدّ عمليات الاندماج والاستحواذ (M&A) وسيلةً قويةً يمكن للمديرين التنفيذيين الاعتماد عليها في تنفيذ استراتيجيّاتهم، وتحويل الهياكل التنظيميّة لشركاتهم بما يحقق الأهداف المرجوّة، وكما يمكنهم أيضًا تحقيق قيمةً استثنائيّةً لأعمالهم. ويمكن استخدام هذه الوسيلة الفعّالة في مختلف أنواع الصفقات وفي مختلف الصناعات. وفيما يلي بعض الأمثلة التوضيحية:

  • استحواذ شركةٍ تعمل في مجال الأغذية على شركةٍ أخرى متخصصةٌ في مجال التكنولوجيا المتقدمة بهدف تطوير جيلٍ جديدٍ من المنتجات والخدمات المعتمدة على التقنيّة الرقميّة.
  • مثال آخر: كأن يسعى أحد الموزعين العالميين في المجال الصناعيّ للاندماج أو الاستحواذ على شركةٍ رائدةٍ في مجال التكنولوجيا بهدف زيادة الهوامش الربحية من جهة، وتصميم منصّةٍ رائدةٍ للتجارة الإلكترونية تقدم خدماتٍ رقميّةٍ مبتكرة من جهةٍ أخرى
  • ومثالٌ ثالثٌ يُظهر كيف نجحت شركة إلكترونياتٍ استهلاكية في التحوّل من التوجّه الوظيفيّ التقليديّ إلى الفكر المبتكر الذي تقوده العلامة التجارية، وذلك عبر سلسلةٍ من عمليات الاستحواذ التي أعادت تشكيل هيكلها التنظيميّ، مستعينةً في ذلك بمجموعةٍ من الموظفين الذين يتمتّعون بفكرٍ ابداعيّ ومواهب حيوية دعّمت الشركة نحو أهدافها.

بالطّبع، إنّ تحقيق مثل هذه التحوّلات التي تتم على نطاقٍ واسع، مثل تلك التي ورد ذكرها في الأمثلة السابقة، ليست الهدف الرئيسي أو الوحيد في كل صفقةٍ تتم، بل إنّ هناك صفقاتٍ تستهدف فقط دمج الشركات، فضلًا عن دمج الكوادر وتبادل الملكية الفكرية، وتحقيق تأثيراتٍ تكاملية، بينما يمكن أن تستهدف صفقاتٍ أخرى تعزيز سلاسل التوريد أو العمل على تحسين عمليات التوزيع.

وبغضّ النظر عن حجم ونطاق الصفقة، فإنه من المفيد والضروريّ أن يفكر المديرون التنفيذيون بشكلٍ منهجيٍ أكثر تعمقًا لتحقيق أقصى استفادةٍ ممكنة من عمليات الاندماج والاستحواذ. وفي كثيرٍ من الأحيان، وبمجرد الإعلان عن إتمام الصفقة، يركز بعض القادة من اليوم الأول على آليات العمل اللازمة لإنشاء وتسيير كيانٍ مشتركٍ قادر على الاستمرار والنجاح وتحقيق التفاهمات على المدى القريب. وقد يُرجئون إعادة النظر في فرص التحوّل إلى وقتٍ لاحقٍ من العملية – وهو ما يحدث بالفعل في بعض الأحيان - غير أنه وفي كثيرٍ من الأحيان تظهر على الساحة أمورٌ أخرى، قد تدفعهم إلى إعادة ترتيب أولوياتهم

لقد كشفت أبحاثنا وخبراتنا في هذا المجال عن أربعة عواملٍ هي الأهم والأكثر تأثيرًا في تحقيق التحول المستهدف من عمليات الاندماج والاستحواذ، والتي يتعيّن على القادة التركيز عليها.

  • الاستراتيجية: وتستهدف تجديد صورة الكيان المشترك بعد عملية الاندماج.
  • القيمة: التعرف على القيمة الكاملة للكيان الجديد بعد عملية الاندماج، والسّعي نحو خلق المزيد من الفرص التي تستغل الإمكانات الكاملة لهذا الكيان.
  • التنفيذ: بناء محرّكٍ تنفيذيٍّ قادرٍ على تحقيق رؤية الكيان الجديد.
  • الأفراد: جذب كوادر ومواهب جديدة قادرة على تنفيذ مستهدفات عملية الاندماج، والعمل على تطوير مهاراتهم لتحسين الأداء والقدرة على المنافسة.

إنّ العمل على بناء عقليةٍ تدعم عمليات التحوّل، والمحافظة عليها أمرًا بالغ الأهمية أيضًا؛ إنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع القادة من خلالها وضع استراتيجيات عملٍ جريئةٍ قادرة على خلق تغيير تدريجيٍ وشاملٍ وقيمة دائمة بدلاً من التحسينات المؤقّتة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

في هذا المقال نقدّم فرصًا حقيقةً يمكن للقادة الاعتماد عليها واستغلالها لإحداث التحوّل في أعمالهم عبر عمليات الاندماج والاستحواذ، حيث يتعيّن عليهم من البداية أن يقوموا بعمل دراسةٍ جادةٍ لكافة فرص التحوّل في كل مرحلة من مراحل عمليات الاندماج والاستحواذ، بدءًا من اختيار الهدف، مرورًا بمرحلة الفحص الدّقيق، ووصولًا إلى تخطيط الدمج، وحتى بعد إتمام الصفقة، وذلك لتحقيق أقصى قيمةٍ ممكنة، كما نعرض في ذات المقال بعض المبادئ التي يمكن للقادة اتباعها لضمان الاستمراريّة في التّفكير بشكلٍ استراتيجيٍ طويل الأمد وعدم العودة إلى التّفكير في يوم إتمام الصفقة فقط.

فرصة التحول من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ

من الضروريّ عند النظر في مدى إمكانية أن تؤتي الصفقة ثمارها وتؤدي في النهاية إلى التحوّل المطلوب، أن يقوم القادة بتقييم الفرص المتاحة الناتجة عن عمليات الاندماج والاستحواذ، ودراسة تأثيراتها المحتملة على الجوانب الأساسية للشركتين المعنيتين، وهذه الجوانب تتمحور حول (الاستراتيجية، القيمة، التنفيذ، وفريق العمل)

الاستراتيجية: إعادة تصوّر شكل الأعمال بعد خطوة الاندماج

يجب على القادة في كلٍ من الشركتين المستحوذة والمستهدفة معًا أن يستغلوا هذه الفرصة لتحقيق أعلى قيمةٍ ممكنةٍ من هذا الاندماج، عن طريق إعادة النظر في كيفية تشكيل وتوجيه الأعمال بعد إتمام عملية الاندماج، حتى يحقق ذلك الهدف المرجوّ على المدى الطويل. وفي بعض الحالات قد يبدأ القادة عملية التخطيط والتنظيم من الصّفر، خاصة إذا ما كانت هذه الصّفقة تفتح آفاقًا جديدةً بعد عملية الاندماج، بينما في حالاتٍ أخرى قد يتيح الاندماج الفرصة أمام القادة للتحوّل والعمل على نطاقٍ واسع، وهو الأمر الذي لم يكن متاحًا قبل الاندماج، وأصبح ممكنًا بعد إتمام الصفقة. وفي كل الأحوال سيصبح من الضروريّ على القادة تحديد الأقسام التي سيتم الإبقاء عليها دون تغيير، وتلك التي يجب العمل على تحويلها ودمجها، والأقسام الأخرى التي يجب أن تخرج من المنظومة؛ مع تحديد توقيت كل خطوةٍ من تلك الخطوات. وكجزءٍ من هذا النقاش الاستراتيجي، يجب على المجموعات القيادية في الكيان الجديد مراجعة محافظ الأعمال الخاصة بهم، وتحديد ما إذا كانت هناك فجوةٌ في القدرات بين الشركات المندمجة، وكذا تحديد الأصول غير الأساسية التي يمكن بيعها، ويمكن للقادة من خلال تلك المعلومات اتخاذ قراراتٍ حاسمةٍ ومدروسة بشأن الأعمال الأساسية التي سيشملها التحوّل في مراحله المختلفة سواء الحاليّة أو والمستقبليّة.

القيمة: تحديد فرصة خلق القيمة الكاملة

يجب على المستحوذين عمل دراسةٍ شاملةٍ وتحليلٍ دقيق لجميع المصادر المتاحة لفهم كيفية تحقيق أعلى قيمةٍ من الصفقة، وكذا تقييم التأثير الذي تحدثه كل عناصر عملية الاندماج والاستحواذ على معدلات النمو وهوامش الربح ورأس المال. إنّ الرؤيّة الجريئة طويلة المدى تُعدّ أمرًا بالغ الأهمية، حيث يجب على القادة استغلال الفرص التي تعزز من قيمة الصفقة خاصةً على مدار العامين أو الثلاثة أعوام التالية لإبرام الصفقة، لذلك يجب على القادة أن يضعوا مجموعةً من الأهداف الطموحة (الماليّة والأدائيّة) حتى وإن كانت صعبة التنفيذ أو غير مريحةٍ بعض الشيء، بدلًا من البقاء في المنطقة الآمنة.

التنفيذ: انشاء محرّكٌ تنفيذيٌ قادرٌ على تحقيق رؤية الاندماج

بالرغم من أن مفهوم مكتب "الدّمج والتحوّل" ليس بالجديد، إلا أنّه ومن خلال تجربتنا، فإن القليل من الشركات فقط هي من تدعم هذه المكاتب بالمستوى المطلوب من الدّقة والانضباط والشفافية، فهو ليس مكتبٌ عاديّ لإدارة البرامج. وإنّما يمكن من خلاله أن يقوم الرئيس التنفيذي والفريق المعاون له بقيادة جميع أنشطة الدّمج، وحل المشاكل التي قد تنتج عن عملية الاندماج بشكلٍ أسرع، فضلًا عن اتاحته الفرصة لاتخاذ القرارات بصورةٍ أكثر واقعية مستندةً في ذلك إلى معدلات وبيانات الأداء المباشر. كما يمكن أن يساعد هذا المكتب أيضًا في الحد من المخاطر الناتجة عن اتخاذ القرارات، بما يضمن في النهاية تحقيق التكامل المستهدف للكيان الجديد بشكلٍ أسرع.

الأفراد: تطوير المواهب والقدرات

يُعدّ التحوّل الناتج عن عمليات الاندماج والاستحواذ، بمثابة المحفز الرئيسيّ لاكتشاف جيلٍ جديدٍ من الكوادر والمواهب القادرة على قيادة الكيان الجديد الناتج عن عملية الاندماج، لذلك يجب على المستحوذين وقادة مكتب الدّمج والتحوّل، تحديد احتياجاتهم من المهارات والقدرات المطلوبة لتحقيق تطلعات الشركة في المستقبل، ومن ثُّم اختيار الكوادر التي تتوافر فيها هذه المهارات، والعمل بعد ذلك على انشاء ووضع برامج مستمرة لا تستهدف فقط إنجاح الصفقة في الوقت الحاليّ، وإنّما تعمل أيضًا على تنمية قاعدة الموهوبين من الموظفين ورفع مهاراتهم دعمًا لجهود عمليات التحوّل وتحسين الأداء.

المبادئ الجوهرية للتحول الناجح من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ

يواجه المدراء التنفيذيون، حتى أكثرهم حماسًا للتغيير، خطر التوجه نحو اتخاذ قرارات روتينية عند مواجهة تحديات الاندماج. ولتفادي ذلك، من الأهمية بمكان أن يأخذ القادة في اعتبارهم المبادئ الأساسية لعمليات الاندماج والاستحواذ وأسس عمليات التحول التي نستعرضها في هذا المقال.

استراتيجيات إعادة تصور الشركات المدمجة

يجب الحرص على تخصيص وقت كافٍ للتفكير مليًا في الأمر. بالرغم من الضغوط المصاحبة لإتمام الصفقات، من الضروري أن يتريث القادة للتفكير في جميع الخيارات المتاحة لخلق القيمة وإنشاء نموذج تشغيلي جديد. وبهدف بلورة رؤية استراتيجية واضحة وشاملة للكيان المدمج، يتعين عليهم النظر بعمق في تأثير الصفقة على مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك المستثمرين والموظفين العملاء والموردين.

لنفترض أن إحدى الشركات تسعى إلى أن تصبح الخيار الأول للعملاء في تلبية جميع احتياجاتهم، ما هي الخطوات التي يتعين عليها اتخاذها لتحقيق ذلك؟ وما هي المنتجات والخدمات ونماذج الأعمال الجديدة التي يمكن أن تطورها الشركة لتحقيق نمو تدريجي؟ هل من الضروري أن تتجه الشركة نحو العمليات العالمية لتوسيع نطاق نشاطها؟ وما هي الاستراتيجيات المُثلى التي يمكن أن تتبادلها الأقسام المختلفة وكيف ينبغي تحسين عروض مزايا العمل لجذب المواهب المتخصصة في التكنولوجيا الرقمية والتحليلية؟

من الضروري وضع خطة اندماج استراتيجية لضمان التنسيق الفعال أثناء عمليات الاندماج والاستحواذ. وتحدد هذه الخطة مدى التغييرات المطلوبة في الأنشطة الفردية وتوقيتها ضمن جدول زمني معين. على سبيل المثال، قد يقرر الفريق الإداري أنه من أجل ضمان استمرار سير مهام العمل، يجب أن تظل عمليات مراكز البيانات اللازمة لخدمة العملاء دون تغيير خلال الأشهر الستة الأولى بعد الاندماج. وعلى نحو مماثل، قد تختار الشركة الحفاظ على قسم المبيعات خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد إتمام الصفقة لتسريع نمو الإيرادات، لكنها تجري تعديلات في النموذج التشغيلي بعد عام لزيادة مبيعات مجموعة منتجات الشركة بالكامل.

وتلعب خطة الاندماج التفصيلية دورًا حاسمًا في تحديد الأصول التي يجب حمايتها والمحافظة عليها أو تلك التي ينبغي دمجها أو الأصول التي تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة قبل الشروع في إجراء عمليات الاندماج النهائية. كما تساهم هذه الخطة في بناء علاقات قوية ومتينة بناءً على أساس الصفقة وأهداف خلق القيمة وخطط التنفيذ التكتيكية. وينبغي إعداد هذه الخطة في مرحلة مبكرة أثناء مرحلة الفحص الدقيق بقيادة فريق العمليات وتكنولوجيا المعلومات وبدعم من الإدارة العُليا والمدراء التنفيذيين. ومن خلال اتباع هذا النهج، يمكنهم تسليط الضوء على الأسئلة الرئيسية المتعلقة بالفحص الدقيق ومناقشتها وفهم أوجه الترابط والتعقيدات بين مختلف الأنشطة، بالإضافة إلى التعرف على الفرص المحتملة للتحول وتحديد أفضل الإجراءات لاغتنام هذه الفرص.

يجب المواءمة بين الأهداف. ولتحقيق أهداف النمو المربح السريع والتحول الرقمي، اندمجت شركتان في مجال الخدمات الصناعية. وبالرغم من أن كل شركة كان لديها مجموعة متنوعة من المنتجات، إلا أنهما كانتا مفككتين وعشوائيتين وتطبقان وحدات أعمال متعددة وشبه مستقلة. على سبيل المثال، احتاج الكيان المدمج إلى دمج أكثر من خمسة أنظمة لتخطيط موارد المؤسسة ومنصات بيانات مختلفة. وفي ضوء ذلك، ابتكر القادة خطة اندماج تفصيلية اختبرها الخبراء وتشمل الاستثمارات المالية والتشغيلية والاستثمارات في مجال بناء القدرات. ونظرًا لصياغة هذه الخطة في مرحلة مبكرة، تمكن الكيان المدمج من تحقيق نتائج ملموسة بشكل أسرع، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في سعر الأسهم بأكثر من الضعف وتحقيق أكثر من 40% من الفوائد المالية المستهدفة في السنة الأولى من الاندماج.

ويجب تحسين مجموعة استثمارات الشركة باعتبارها جزء من عملية الاندماج. ففي عمليات الاندماج والاستحواذ، غالبًا ما تواجه الشركات المدمجة تحديًا يتمثل في وجود أصول مكتسبة لا تتماشى مع خططها الاستراتيجية المستقبلية. مع ذلك، يتردد المدراء التنفيذيون في كثير من الأحيان في بيع هذه الأصول التي لا تتوافق مع الاستراتيجية الجديدة. ومن الضروري تقييم كل أصل على حدة لتحديد ما إذا كان يُلبي الاحتياجات الاستراتيجية للكيان المدمج وما إذا كان يجب أن يستمر هذا الكيان في امتلاكه. وتشير الأبحاث إلى أن الشركات المستحوذة الناجحة تبيع حوالي ثلث الأصول التي تستحوذ عليها بسرعة.1 ويكشف التقييم الشامل لمحفظة الاستثمارات عن الأصول غير الأساسية التي يمكن بيعها، مما يعزز استراتيجيات الاندماج والاستحواذ. كما يساعد هذا التقييم القادة على تحديد الفرص المتاحة لتقليل الديون.

ويمكن أن تساهم هذه العملية بشكل كبير في تغيير محفظة أصول الشركة وقدراتها. على سبيل المثال، لجأت إحدى الشركات التي تعمل في مجال علوم الحياة إلى إعادة تقييم شامل لجميع أصولها وقررت بيع وحدة الإمدادات الطبية نظرًا لتوجهها نحو تطوير وحدة العمليات الجراحية. علاوة على ذلك، سعت هذه الشركة إلى إبرام المزيد من الصفقات لتعزيز تواجدها في مجال الجراحات وتحقيق أهدافها في خلق القيمة.

استكشاف الفرص الكاملة لخلق القيمة

من أجل اتخاذ إجراءات قوية بشأن الإيرادات والتكاليف ورأس المال. يجب أن تبذل المؤسسة قصارى جهدها. وتشير الأبحاث التي أجراها معهد ماكنزي إلى أن اتباع نهج شامل لخلق القيمة في عمليات الاندماج والاستحواذ يزيد من فرص الشركة في تحقيق أوجه التآزر وتجاوز الأهداف الأولية بنسبة أكثر من 20%، إذ يعتبر نمو الإيرادات مصدرًا رئيسيًا لـ 60% من العوائد الإضافية للمساهمين.2 ويتطلب الأمر إجراء تقييم شامل لجميع جوانب التآزر المحتملة ذات الصلة بالصفقة، سواء كانت تهدف إلى تحويل أو دمج أو حماية عناصر الشركة الأساسية. ويجب على القادة استخدام مجموعة متنوعة من البيانات لإجراء هذا التقييم، بما في ذلك المقابلات التنفيذية وتحليل الأداء المؤسسي القديم والحالي والمعايير المرجعية وآراء الخبراء وورش العمل التي تعتمد على "التفكير الجذري"، حيث يناقش المسؤولون التنفيذيون مختلف السيناريوهات مثل كيفية تحديد أولويات فرص النمو بواسطة نصف الميزانية الحالية فقط. وتُمكّن هذه المعلومات القادة من إنشاء قاعدة أساسية قوية وتقييم أهداف خلق القيمة التي حُددت خلال مرحلة الفحص الدقيق.

يعتبر تبني استراتيجية طويلة المدى خطوة حاسمة. وتتمثل الفكرة الرئيسية في وضع خطة طويلة المدى بهدف تحقيق عدة مراحل من خلق القيمة خلال فترة تتراو ح من عامين إلى ثلاثة أعوام. واتخذ هذه الخطوة المسؤولون في إحدى شركات التعبئة والتغليف الأوروبية عند اندماجها مع إحدى الشركات الأمريكية التي تعمل في المجال ذاته. وأنشأ فريق القيادة خط أساس قويًا لجميع وحدات الأعمال في أوروبا والولايات المتحدة وأجرى تقييمًا ماليًا مفصلاً لجميع الأنشطة. كما حدد الفريق أهدافًا مالية وتشغيلية شاملة التي يجب تحقيقها خلال خمس سنوات عن طريق التعاون الوثيق مع المدير المالي ورئيس التخطيط والتحليل المالي. وبفضل هذه الاستراتيجية طويلة المدى، نجح الكيان المدمج في زيادة أرباحه قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإهلاك بنسبة 45% وتحقيق فوائد تزيد على مليار دولار أمريكي للمساهمين بعد خمسة أعوام من إبرام الصفقة.

بناء محرك التطوير والتنفيذ

تعد المُحاسبة والسرعة والحوكمة القوية عناصر مهمة للغاية في إدارة عمليات الاندماج والاستحواذ، خاصة عندما تسعى المنظمة إلى تحقيق نتائج تحويلية من خلال هذه الأنشطة. وعلى الرغم من أن العديد من المنظمات تدّعي أن لديها أنظمة حوكمة قوية، إلا أنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى المستوى الضروري من الالتزام والانضباط اللازم لتحقيق النجاح المستدام. وفي الغالب يقوم القادة بتقليص جهودهم بمجرد رؤية النتائج الإيجابية الأولية من نشاط الاندماج والاستحواذ. وبدلاً من ذلك، النصيحة هنا هي أن يقوم القادة بتكثيف التزامهم عندما يشهدون النجاح. على سبيل المثال، يجب عليهم تمكين الأفراد الرئيسيين، مثل قائد التكامل والتحول، الذي يركز، مثل الرئيس التنفيذي، على خلق القيمة ويمتلك السلطة اللازمة لاتخاذ القرارات بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، من المفيد تحديد وتفعيل أصحاب المبادرات - الأفراد المسؤولين عن تطوير حالة العمل والتخطيط وتنفيذ المبادرات. ويمكن أن يختلف عدد أصحاب المبادرات حسب حجم الصفقة، حيث يتراوح عددهم من العشرات إلى المئات. ويضمن هذا النهج التزامًا مستدامًا بتحقيق القيمة على المدى الطويل.

مع تسارع جهود التكامل والتحول، يتعين على القادة إقامة عملية موافقة متقنة ومنظمة على مراحل. هذه العملية تجمع شخصيات أساسية مثل رعاة مسارات العمل في التكامل، وشركاء من القسم المالي، وقادة العمليات المسؤولين عن التكامل والتحول. يتعاون هؤلاء معًا لوضع خطط عمل مفصلة، وكذلك لتحديد تسلسل متابعة المبادرات، وطرق تمويلها، وتوجيه الموارد اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على القادة الذين يشرفون على عمليات التكامل والتحول المشاركة بشكل منتظم في مناقشات تركز على الأداء وتعتمد على البيانات، حيث تهدف هذه المناقشات إلى إجراء فحوصات دورية للتأكد من أن الأشخاص المسؤولين عن المبادرات الفردية يلبون التوقعات المنشودة. ويكمن الهدف في تحميلهم المسؤولية، ومعالجة أي مخاطر أو مشكلات محتملة، وضمان التأكد من تحقيق المراحل الزمنية المحددة للمشروع. على سبيل المثال، اتبعت شركة التغليف الأوروبية المذكورة سابقًا نظاماً لقياس نتائج المبادرات المختلفة، ونظمت مراجعات أسبوعية للأعمال مع رئيس مسؤولي التحول لتقييم التقدم والنتائج.

تنمية المواهب والقدرات

إنشاء برنامج تسريع للمواهب يعد جزءاً حيوياً من عملية التكامل، وخاصةً عند التطلع إلى التغيير والتحول. هذه العملية تتطلب توفر فريق مهنيين متميزين بالخبرة. وهنا يحتاج المستحوذون إلى استدعاء أمهر أفرادهم المعروفين باسم (اللاعبين A) لوضع الخطط ودعم تنفيذ المبادرات التحولية. ولتعزيز هذه العملية، يُفضل للمستحوذين تطوير مقترحات قيمة تتسم في كونها جاذبة للموظفين، أو إعادة النظر فيها وتحسينها حسب الحاجة. هذه الخطوة تضمن تحقيق توازن في الحوافز والدوافع، وتساهم في تسهيل عملية إدخال أدوار ومناصب قيادية جديدة للموظفين القادمين من الشركة المستحوذة.

هذا النهج يحول عملية التكامل إلى فرصة لتنمية الأجيال القادمة من الخبراء المهرة، سواء داخل الكيان المدمج أو الشركة المستحوذة. ويشجع الفرق القيادية على تعزيز جهود بناء القدرات من خلال تنفيذ برامج تركز على تحديد الأولويات، وحل المشكلات، وكذلك التأثير والإقناع. إن هذه المجالات ضرورية بشكل خاص لضمان استمرارية التحول. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لفرق القيادة تقديم برامج تدريبية في تطوير القيادة وأشكال متنوعة من التميز الوظيفي، مثل العمليات والمشتريات والخبرة التجارية. هذا النهج التدريبي المتعدد الأوجه يسهم في نجاح عملية التحول على المدى الطويل.

قد تفكر فرق القيادة في تعزيز تنمية مهاراتهم من خلال تنفيذ البرامج التي تركز على ثلاثة جوانب حيوية: تحديد الأولويات، وحل المشكلات، وتعزيز مهارات فنون التأثير والإقناع. تلك المجالات تلعب دورًا حيويًا في ضمان التحول المستدام والفعّال داخل الهيكل التنظيمي.

تجسّد هذا السيناريو في شركة كيميائية متوسطة الحجم، حيث استُخدمت عملية الدمج كفرصة لإبراز أهمية وظيفة الشراء. قبل الدمج، كانت الشركتان، كل منهما تولّد إيرادات تقدر بنحو 500 مليون دولار أمريكي، تستخدمان وظيفة الشراء بشكل رئيسي لمعالجة الطلبات البسيطة وإدارة البائعين. لم تكن فِرق الشراء ذات مشاركة معتادة في المناقشات الاستراتيجية المتعلقة بالقرارات التشغيلية والتجارية. ومع ذلك، حدث تغيير جذري بعد الدمج، حيث ارتقت أدوار وظيفة الشراء. في الستة أشهر الأولى بعد اكتمال الصفقة، قدمت الشركة أكثر من 100 ساعة من التدريب لموظفي الشراء بهدف تزويدهم بالمهارات الضرورية لمواجهة المسؤوليات الموسعة لوظيفتهم. ونتيجة لهذا التحول، تقدّمت وظيفة الشراء بشكل كبير من المستوى التشغيلي البسيط إلى مرحلة تطور وتقدم وظيفي بارز.3


وفي الواقع، ليست كل عمليات الاندماج أو الاستحواذ تتطلب إصلاحات واسعة النطاق. ومع ذلك، فإن العديد من الصفقات تعمل بمثابة محفزات لإجراء تعديلات كبيرة وفرص لتعزيز خلق القيمة. لذلك يتوجب على القادة تخصيص وقت كافٍ في البداية (موازنة المتطلبات المباشرة لعمليات الاندماج والاستحواذ مع الإستراتيجية طويلة المدى) للتفكير في آفاق التحول ضمن الصفقة. ويتضمن ذلك تصور الأعمال المشتركة بطرق جديدة، وتقييم القيمة الدائمة المحتملة للصفقة، ووضع خطة تنفيذ فعالة، ورعاية المهارات والقدرات اللازمة للتغيير الدائم. وهو يستلزم فحص مهام التكامل التقليدية من خلال منظور تحويلي واعتماد موقف استراتيجي جريء تجاه التغيير.

قد تؤدي هذه الجهود إلى نتائج إيجابية: عندما ينظر القادة إلى عمليات الاندماج والاستحواذ باعتبارها خطوة لتحقيق التحول الشامل، حيث يصبح من الممكن للمؤسسات تحقيق قيمة أكبر وبشكل أسرع، مع تقليل المخاطر، وذلك بشكل يتسم بالاستدامة.

Explore a career with us