ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com
وعلى الرغم من التحولات التقنية الكبرى التي شهدها عالم البرمجيات خلال العقود الخمسة الماضية ، فإن قدرتها على تحقيق تأثير أكبر ظلت محدودة بسبب ثلاث مشكلات أساسية تشمل: نقص المطورين المهرة، ومحدودية القدرة على تطوير البرمجيات بالسرعة المطلوبة بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه البرمجة التقليدية، وصعوبة إدارة المشاريع البرمجية الضخمة وتنسيق فرق العمل فيها. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، ثم الجيل الأحدث منه وهو أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي، ظهرت توقعات بأن هذه التقنيات ستتغلب على هذه التحديات، وأنها ستفتح المجال لإنتاجية أعلى وقيمة أكبر. ورغم أن الكثير من الشركات بدأت ترى أثرًا إيجابيًا أوليًا لهذه التقنيات، إلا أن عددًا صغيرًا فقط من الشركات هو الذي يحقق مكاسب كبيرة ونتائج تفوق غيره. وقد جاء هذا ضمن نتائج استطلاع أجرته ماكنزي على نحو 300 شركة مدرجة في البورصات العالمية، حيث أظهر الاستطلاع تفاوتًا واضحًا في حجم الاستفادة بين الشركات المختلفة.
ولفهم ما يميز المؤسسات التي تحقق أداء عالي في تطوير البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، جرى تقييم مستويات عمليات التبنّي لدى هذه التقنيات ونتائجها وممارسات استخدامها لدى المطورين ومديري المنتجات، "اطّلع على العمود الجانبي بعنوان: نبذة عن البحث". وقد بيّنت النتائج أن المؤسسات ذات الأداء العالي سجّلت تأثيرًا كبيرًا للذكاء الاصطناعي على أربعة مؤشرات رئيسية في عملية التطوير: إنتاجية الفرق، تجربة العملاء، سرعة الوصول إلى السوق بنسبة تحسن تتراوح بين 16 إلى 30 في المائة، إضافة إلى جودة البرمجيات التي سجّلت تحسنًا أكبر وصل إلى31 إلى 45 في المائة. وتُظهر الدراسة أن الاستفادة الكاملة من الإمكانات الثورية للذكاء الاصطناعي في تطوير المنتجات البرمجية تتطلب أكثر من مجرد تبنّي الأدوات الجديدة؛ إذ يستلزم الأمر إعادة صياغة شاملة للعمليات والأدوار وأساليب العمل، بما يتماشى مع التنامي السريع في قدرات النماذج والأدوات الذكية. فحتى أقوى التقنيات لن تحقق نتائج مؤثرة ما لم تصاحبها بنية تشغيلية جديدة تُمكّن الفرق من استخدام الذكاء الاصطناعي بفاعلية. وفي هذا السياق، يتناول المقال محورين رئيسيين يشكلان التحولات المطلوبة، إلى جانب ثلاثة عناصر تمكينية أساسية تعتمد عليها المؤسسات عالية الأداء لتعزيز الاستفادة من دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات تطوير البرمجيات. ويشكّل هذا الإطار مدخلًا لفهم كيفية الانتقال من الاستخدام التجريبي للذكاء الاصطناعي إلى نموذج عمل متكامل يقود إلى تحسينات ملموسة ومستدامة.
العوامل التي تميز الشركات المتقدمة في برمجيات الذكاء الاصطناعي
تُظهر المؤسسات التي تتبنّى الذكاء الاصطناعي بوعي وبدرجة نضج عالية ضمن عمليات تطوير البرمجيات نتائج ملموسة، إذ يفصل بينها وبين المؤسسات الأقل أداءً فارق يبلغ نحو 15 نقطة مئوية. ويتجلى أداؤها المتقدم لأنها تعمل بسرعة أكبر، وبجودة أعلى، وبِفرق أصغر، وتُقدم نتائج ترضي العملاء بشكل أفضل. ولتفسير هذا التفوق، جرى تحليل نماذج العمل لدى هذه المؤسسات عن قرب، ليتضح أن هناك تحولين أساسيين، تدعمهما ثلاثة عوامل تمكينية، يشكلان معًا جوهر التميز. وقد أظهر ما يقارب ثلثي المؤسسات ذات الأداء المتقدم اعتمادها ما لا يقل عن ثلاثة من هذه العناصر الخمسة، مقابل نحو 10 في المئة فقط لدى المؤسسات الأقل أداءً. اطلع على "الشكل" أدناه.
وعند النظر إلى هذه العناصر الخمسة مجتمعة، يتضح أن تبنّي أدوات الذكاء الاصطناعي وحده لا يكفي لتحقيق أثر حقيقي. فالمؤسسات مطالبة بإعادة التفكير في طريقة تشكيل فرقها وكيفية بناء البرمجيات في عالم يتقدّم فيه الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة.
تحولان أساسيان يفتحان آفاق الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات
تحقق الشركات من فئة الأداء المتقدم في تطوير البرمجيات المعزّزة بالذكاء الاصطناعي انتقالًا فعليًا من مرحلة التجربة إلى مرحلة الأثر، وذلك عبر اعتماد ممارستين متكاملتين تُطبّقان على امتداد دورة تطوير المنتج وتعزّزان فاعلية بعضهما البعض.
1. إعطاء الأولوية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي عبر جميع مراحل تطوير المنتج
تعتمد المؤسسات من "فئة الأداء المتقدم" نهجًا شاملًا في استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ تدمجه ضمن دورة تطوير المنتج كاملة، بدل الاكتفاء بتطبيقه في مهام معزولة أو حالات استخدام محدودة. وتُظهر البيانات أن هذه المؤسسات أكثر قدرة على توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي "بمعدل يتراوح بين ستة إلى سبعة أضعاف مقارنة بنظرائها" ليشمل أربع حالات استخدام أو أكثر، تمتد من مرحلة التصميم والبرمجة مروراً بمرحلة الاختبار والإطلاق وصولاً إلى مرحلة متابعة التبنّي. ويؤكد نحو ثلثي المؤسسات المتقدمة أنها تطبق أربع حالات استخدام أو أكثر على نطاق واسع، مقابل نحو 10 في المئة فقط من المؤسسات ذات الأداء المنخفض.
أحد نماذج الشركات من "فئة الأداء المتقدم" هي "كورسور أو بالإنجليزية Cursor "، وهي شركة ناشئة تنمو بسرعة وتعتمد الذكاء الاصطناعي في جوهر عملها، وتتبنى نهجًا شاملًا في تطوير البرمجيات. إذ يعمل فريقها كمختبر داخلي يطوّر أساليب هندسية قائمة على الذكاء الاصطناعي، حيث يجرّب الأعضاء حلولًا تعالج التحديات التي يواجهونها في عملهم، ثم يحوّلون ما يثبت نجاحه إلى أدوات أو ميزات جاهزة للاستخدام. ويستند المطوّرون في شركة " كورسور" في هذا النهج إلى مزيج يجمع بين وكلاء الذكاء الاصطناعي، وأداتهم "Bugbot" التي تتولى المراجعة الآلية، إلى جانب المراجعة البشرية الدقيقة، ما يتيح لهم توسيع مساحة المهام التي يمكن معالجتها بأقل قدر من التعطيل لسير العمل. وفي الوقت نفسه، يُجري الفريق في كل دورة تطوير إضافة مزايا جديدة وتحسين طريقة العمل الحالية معًا، بطريقة توازن بين إطلاق ميزات جديدة وتحسين العمليات، بما يضمن التطوير المتواصل من دون تعطل. كما يمتلك مهندسو شركة " كورسور" طريقة عمل مرنة تسمح لهم بضبط التعليمات والقواعد التي يعتمدها النظام أثناء التطوير، سواء كانت مرتبطة بملف واحد داخل المشروع أو بجميع الملفات التي يتكوّن منها. ويجري تحديد هذه الإعدادات بما يتوافق مع أسلوب الفريق في العمل ومعايير التصميم المعتمدة في الشركة، وبهذا ينتقل الفريق من عمل غير منظم إلى أسلوب تطوير واضح ومنهجي يشمل جميع مراحل المنتج. ويستخدم فريقهم "وضعية التخطيط - Plan Mode" وهي ميزة موجود في أداتهم البرمجية تساعدهم على تخطيط التعديلات قبل تنفيذها، سواء بالاستناد إلى طلبات العملاء الظاهرة في الأداة البرمجية نفسها أو الواردة عبر أدوات التواصل داخل الفريق.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وخلال مرحلة التطوير، لا يعتمد مهندسو شركة " كورسور" على وكيل ذكاء اصطناعي واحد فحسب، بل يستخدمون نوعين من وكلاء الذكاء الاصطناعي في آن واحد. فهناك وكلاء يعملون معهم مباشرة لمساعدتهم في عملية البرمجة وتحسينها لحظيًا، سواء عبر الكتابة المباشرة أو بالأوامر الصوتية. وفي الوقت نفسه يعمل وكلاء ذكاء اصطناعي آخرين في الخلفية على مهام موازية، مثل تجربة حلول متعددة أو تنفيذ اختبارات أو إعداد نتائج جاهزة للمراجعة. وعندما ينتهي هؤلاء الوكلاء من عملهم، يعود المهندسون لمراجعة المخرجات واختيار الأنسب، وهو ما يختصر الوقت ويُسرّع التطوير دون الحاجة إلى فريق كبير. ويُتيح هذا الأسلوب مرونة عالية للفرق، حيث يمكن الانتقال بسلاسة بين العمل الجاري والمهام التي أُسنِدت إلى الوكلاء الآخرين، مع القدرة على متابعة العمل من النقطة التي توقّف عندها الوكيل دون أي انقطاع. وحتى يتمكن المهندسون من رؤية التعديلات فورًا أثناء العمل، يقومون بعرض متصفح ويب داخل بيئة التطوير لعرض التعديلات فور تنفيذها، مما يساعدهم على متابعة التغييرات مباشرة، واختبار سهولة الاستخدام، وكذلك ملاحظة أي أخطاء وتصحيحها بسرعة. وقبل المراجعة النهائية، تقوم أداة "Bugbot" وهي أداة تعد جزءًا مهمًا في عملية مراجعة العمل داخل " كورسور". فهي تعمل كأداة ذكية تفحص البرمجيات الجديدة التي يعمل عليها المهندسون، للتأكد من خلوّها من الأخطاء قبل مشاركتها مع باقي الفريق للمراجعة النهائية. وبهذا الأسلوب تحصل الشركة على طبقة إضافية من التأكد بأن العمل صحيح قبل الانتقال إلى مرحلة الاستخدام الفعلي. ويمنح هذا النظام الشركة قدرة أكبر على الحفاظ على جودة البرمجيات، لأنه يجمع بين دقة الذكاء الاصطناعي وخبرة المراجعة البشرية. كما يساعد الفريق على تطوير ميزات جديدة بشكل أسرع، رغم صغر عدد أفراده، لأن الوكلاء الذكيين يتولّون جزءًا كبيرًا من المهام التي كانت تحتاج وقتًا أطول في السابق. وبشكل عام، يوفّر هذا الأسلوب طريقة أكثر تنظيمًا وسرعة في تطوير البرامج، حيث يتعاون المهندسون والذكاء الاصطناعي في إنجاز المهام بطريقة تزيد الإنتاجية وتقلّل إهدار الوقت والجهد.1
2. دمج وظائف جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي في دورة تطوير المنتج
ويشهد مجال تطوير البرمجيات تحولًا لافتًا مع توسّع دور الذكاء الاصطناعي ليصبح جزءًا أساسيًا من المهام الهندسية، مثل إعادة تنظيم البرمجيات وتحسينها، وتحديث الأنظمة القديمة، وإجراء الاختبارات. ويمثل هذا الانتقال نقلة مهمة من أدوات بسيطة تساعد في كتابة سطور برمجية، إلى أنظمة ذكية تعمل كشريك فعلي داخل دورة تطوير المنتج البرمجي، وتدير مجموعة واسعة من المهام بصورة متكاملة. وتشير نتائج المسح إلى أن أكثر من 90 في المائة من فرق البرمجيات تستخدم الذكاء الاصطناعي في هذه المهام، مما يوفر لها في المتوسط نحو ست ساعات من العمل أسبوعيًا. ومع تباطؤ معدل نمو أعداد المهندسين، أصبح من المتوقّع أن يجمع المطورون بين المهارة التقنية والفهم المتزايد لاحتياجات المنتج والتصميم ومتطلبات العمل، حتى يتمكنوا من تحقيق القيمة المطلوبة في بيئات التطوير الحديثة. ويدعم هذا التحول توفر أدوات أكثر قوة وتنظيمًا، تنتقل من الاكتفاء بالاقتراحات التلقائية البسيطة، إلى وكلاء ذكيين قادرين على التخطيط لتنفيذ المهام، اعتمادًا على معرفة أوسع بسياق المشروع والمعلومات المحيطة به. فعلى سبيل المثال، تطورت أدوات مثل "GitHub" و "Copilot" و"Claude Code" و"Jules" من شركة "غوغل" وغيرها، من مجرد إكمال سريع للأسطر البرمجية داخل المحرر، إلى أدوات قادرة على تنفيذ مهام معقدة وطويلة، تشمل تعديل ملفات متعددة في الوقت نفسه وتحديث أجزاء كبيرة من البرمجيات بشكل تلقائي. ويعكس هذا التطور اتجاهًا واضحًا نحو دمج الذكاء الاصطناعي كشريك هندسي فعلي، وليس مجرد أداة مساعدة، بما يعزز سرعة التطوير وجودته ويخفف الأعباء المتكررة عن فرق العمل.
ومع توسّع اعتماد الذكاء الاصطناعي داخل دورة تطوير المنتج، تطوّرت طبيعة الأدوار داخل الفرق، لتتولى مسؤوليات جديدة تتناسب مع هذا التحوّل. فمدراء المنتجات لم يعودوا يخصّصون معظم وقتهم للإشراف على إطلاق الميزات، بل اتجه تركيزهم نحو التصميم، وبناء النماذج الأولية، وضمان الجودة، والتأكّد من تطبيق الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة. وفي المقابل، بات مهندسو البرمجيات يعملون بمرونة أكبر عبر مختلف طبقات المنتج، حيث أصبحوا يعملون على أجزاء متعددة من المنتج بدل الاكتفاء بجزء واحد، ويشرحون المواصفات بطريقة أوضح، ويفهمون بشكل أفضل كيف تؤثر كل خطوة تقنية في بقية النظام. وباختصار،أصبح كلٌّ من مديري المنتجات والمهندسين يكتسبون مهارات جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي تعزز قدراتهم الأساسية؛ فالمهندسون يوسّعون خبراتهم في مجالات مثل قابلية التوسع، والأمن، والاختبار، بينما يطوّر مديرو المنتجات مهاراتهم في الإستراتيجية، وفهم سلوك المستخدم، والحوكمة. وفي المرحلة المقبلة، قد يصبح دور الفريق مستقبلاً هو الإشراف على مجموعة من وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين يعملون في الوقت نفسه كلٌ في مهمته، بينما يتأكد الفريق من توزيع المهام عليهم ومراجعة النتائج بشكل مستمر. ومن المتوقع أن تتجه المؤسسات بشكل متزايد إلى تطوير برمجيات مخصّصة عند الحاجة، حتى تلك التي ينشئها الموظفون داخليًا، مما يجعل من الضروري تحديد المشكلة بوضوح ومعرفة الهدف منها، ويدفع المؤسسات إلى أسلوب عمل يركّز على المنتج بشكل أكبر.
وفي الحقيقة، يبين نموذج عمل " كورسور" أن ظهور أدوار معزّزة بالذكاء الاصطناعي يغيّر طريقة عمل فرق التطوير بالكامل. فالحدود القديمة بين الواجهة الأمامية والخلفية والاختبار لم تعد موجودة، وأصبحت المهام موزعة على شكل مسؤوليات شاملة. ويتولى شخص واحد مسؤولية الإصدارات الجديدة للمنتج والتنسيق بين التطوير والاختبار وإصلاح الأخطاء، حيث يختبر مديرو المنتجات الميزات الجديدة بأنفسهم، ويقوم المصممون ببناء نماذجهم الأولية باستخدام الكود مباشرة، بينما تستعين فرق الأعمال والبيانات بمنصة " كورسور" للوصول إلى بيانات المنتج وتحليلها. في أقسام التعلّم الآلي والبنية التحتية وتطوير المنتج داخل شركة " كورسور"، تكون الفرق صغيرة الحجم، وغالبًا ما تمتد المشاريع لتشمل العمل مع أكثر من فريق في الوقت نفسه. ويشير "مايكل ترويل"، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "كورسور"، إلى أنه خلال السنوات العشر المقبلة ستسمح البرمجة المعزّزة بالذكاء الاصطناعي للمطوّرين من خلال وصف ما يريدون باللغة البرمجية واللغة الطبيعية، مما يتيح لهم التركيز على تصميم فكرة البرنامج بدل الانشغال بالتفاصيل التقنية الدقيقة. ويُضيف قائلاً: "بعض المطوّرين قد يقضون جزءًا من وقتهم في أداء دور قريب من دور مدير الهندسة، حيث يوجّهون فريقًا افتراضيًا من وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين يعملون بشكل غير متزامن، وهو أسلوب جديد من العمل يحتاج إلى مهارات مختلفة تمامًا. كما يُرجَّح أن يصبح للذكاء الاصطناعي دور أكبر في مراجعة عملية البرمجة واختباره، ما يجعل عمليات التحقق أسرع بأضعاف مقارنة بالأساليب الحالية".
ثلاثة عوامل أساسية للنجاح بالذكاء الاصطناعي
ورغم أهمية هذين التحوّلين، فإن الاعتماد عليهما وحدهما لا يكفي للاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات. فالشركات ذات الأداء المتقدّم تعزّز هذا التحوّل بثلاثة عناصر تمكينية أساسية "رفع المهارات، وقياس الأثر، وإدارة التغيير" وهي عوامل تضمن أن يتحوّل تبنّي الذكاء الاصطناعي إلى مكاسب أداء مستدامة.
1. تنمية المهارات: الاستثمار في تدريب مكثّف ومصمّم وفق الاحتياجات
ورغم أن معظم الشركات تكتفي اليوم بتقديم دورات تدريبية عند الطلب، فإن الشركات التي تستثمر في ورش عمل تطبيقية وتدريب فردي مباشر تُحقق مكاسب ملموسة بدرجة أكبر بكثير، إذ يلمس 57% من أصحاب الأداء المتقدّم هذه الفوائد، مقابل 20% فقط من أصحاب الأداء المنخفض وفي الواقع، إن تأهيل المهندسين ومديري المنتجات لاستخدام الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تزويدهم بأداة جديدة؛ فالأمر يتطلّب مهارات أعمق، إذ يحتاج المتخصصون إلى القدرة على تحليل المشكلة وصياغتها بطريقة يفهمها النموذج اللغوي الضخم، وهي مهارة تُعرف بـ"هندسة صياغة المُدخلات"، وتمثل أحد جوانب التعقيد التي تتطلّب تدريبًا مكثفًا لرفع مستوى الأداء.
أما على صعيد المؤسسات ذات الأداء المتقدّم، فهي تعمل على تصميم برامج تدريبية تحاكي بيئة العمل الحقيقية في تطوير البرمجيات؛ إذ تدمج الذكاء الاصطناعي في مراجعة عملية البرمجة، والتخطيط للدورات التطويرية، ومراحل الاختبار، بحيث يتعلّم الفريق استخدام الذكاء الاصطناعي في سياقات فعلية بدل الاقتصار على التدريب النظري. كما تخصّص هذه المؤسسات مسارات مختلفة للتعلّم بحسب الدور الوظيفي، فيركّز تدريب المطوّرين على كيفية صياغة الطلبات الموجّهة للنموذج وتقييم مخرجاته، وفي المقابل، يحصل مديرو المنتجات على تدريب يطوّر فهمهم حول سلوك النماذج، وحوكمة البيانات، وممارسات الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.
وبسبب التطوّر السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي، لم يعد التدريب مجرّد نشاط يُنفّذ مرة واحدة؛ فالمواد الثابتة أو الدورات السنوية تفقد قيمتها بسرعة. ولهذا أصبحت برامج التدريب المستمرة والمترابطة مع سياق العمل مثل الجلسات المخصّصة لمراجعة ما تمّ تنفيذه واستخلاص الدروس، عاملًا فارقًا لدى المؤسسات المتقدمة. وقد أنشأت بعض الشركات الرائدة ما يشبه "مجتمعات الذكاء الاصطناعي" أو "مراكز التمكين"، تتولّى جمع أحدث حالات الاستخدام، ومشاركة أفضل الممارسات، وتقديم الدعم الفوري للفرق عند الحاجة.
وفي نهاية المطاف، لا ترتبط الإنتاجية بالأدوات والتقنيات فحسب، بل تعتمد بالقدر نفسه على عقلية الفريق وطريقة تعاونه. فالفرق التي تجعل التعلّم جزءًا من عملية التطوير وتتعامل مع كل دورة تطوير باعتبارها فرصة للتجربة والتحسين،هي الفرق التي تنجح فعليًا في تحويل استخدام الذكاء الاصطناعي إلى أثر تجاري ملموس قابل للتطبيق.
2. ما يهم هو الأثر المتحقق، وليس مجرّد تَبنّي الأدوات
وتدرك المؤسسات ذات الأداء المتقدّم أن قياس نجاح الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يقتصر على مؤشرات التبنّي، مثل عدد مرات استخدام الأداة أو نسبة اعتماد عملية البرمجة المقترحة. فهذه الشركات تتتبّع النتائج الفعلية، وخاصة تحسّن الجودة الذي بلغ 79%، وتسارع سرعة الإنجاز بنسبة 57%. ومن خلال ربط الفرق بهذه المؤشرات، تحافظ المؤسسات الرائدة على زخم الأداء وتتمكّن من تعديل مسارها بسرعة عند الحاجة، في حين تظل المؤسسات متدنية الأداء منشغلة بمؤشرات استخدام لا ترتبط كثيرًا بالأداء الحقيقي. ومع تطوّر الأدوات وقدرتها على تنفيذ مهام أعقد، مثل توليد العمليات البرمجية من وثائق التصميم، ستتطوّر أيضًا مؤشرات قياس الأثر، ما يحتم على المؤسسات تبنّي نماذج تقييم مرنة وقادرة على مواكبة هذا التغير. ويؤكد "طارق شوكت"، الرئيس التنفيذي لشركة "سونار" المتخصصة في تحليل الجودة البرمجية للكود، أن الشركات كثيرًا ما تقيس أثر الذكاء الاصطناعي بحجم الكود الذي ينتجه، لا بما يحققه من قيمة. فعدد الأسطر أو نسبة مساهمة الذكاء الاصطناعي لا يعكسان ما إذا كان الكود الناتج آمنًا أو قابلًا للصيانة أو ذا جدوى. أما التقدّم الحقيقي، فيظهر عندما تسهم هذه الأدوات في إنتاج برمجيات ذات جودة أعلى وموثوقية أكبر، وليس فقط كميات أكبر.
قياس أثر الذكاء الاصطناعي بفعالية: ثلاث خطوات لبناء نظام تقييم متكامل:
- أول هذه الخطوات هو اختيار مؤشرات قياس ذات معنى. فعلى المؤسسة أن تحدد النتائج التي تُشكّل فارقًا حقيقيًا، مثل تقليص مدة دورات التطوير، أو تحسين جودة الإصدارات، أو رفع رضا العملاء. وفي المقابل، ينبغي الابتعاد عن مؤشرات ضعيفة، مثل نسبة الكود الذي أنتجه الذكاء الاصطناعي، لأنها لا تعطي صورة واضحة عن الإنتاجية الفعلية. كما يُستحسن الجمع بين مؤشرات النتائج "مثل الإنتاجية والسرعة والجودة" ومؤشرات المدخلات "مثل مستوى تبنّي ميزات الذكاء الاصطناعي أو عدد العيوب المكتشفة"، وذلك لقياس أثر التقدّم بدقة عبر مرور الوقت.
- أما الخطوة الثانية فتتمثل في بناء نظام تتبّع متكامل يربط البيانات القادمة من أدوات التخطيط، ومستودعات الكود، وسجلات استخدام الذكاء الاصطناعي، ليقدّم صورة موحّدة عن الأداء. ويساعد هذا الربط في كشف نقاط التعطّل داخل دورة التطوير، وضمان أن الفرق تحقق تقدّمًا حقيقيًا نحو الأهداف التجارية.
- وتتمثل الخطوة الثالثة في إعداد تقارير منتظمة تُشارك نتائج التتبع والتحليل بشكل مستمر مع قادة المنتجات والهندسة والأعمال. فالتقارير الدورية تُبرز ما تحقق من نجاحات، وتكشف التحديات مبكرًا، وتمكّن من اتخاذ قرارات تصحيحية منسّقة في الوقت المناسب.
3. إدارة التغيير: ربط الحوافز بالسلوكيات التي تعزّز استخدام الذكاء الاصطناعي
تجعل المؤسسات ذات الأداء المتقدم من تبنّي الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسياً من تقييم الأداء الوظيفي، إذ أن ما يقرب من ثمانية من كل عشرة منها تربط أهداف الذكاء الاصطناعي التوليدي بتقييم كلٍّ من مديري المنتجات والمطوّرين، مقارنة بـ10% فقط لدى المؤسسات منخفضة الأداء بالنسبة للمطوّرين، وانعدام هذا الربط تمامًا لدى مديري المنتجات. ومن خلال مواءمة الأهداف الفردية مع استراتيجية الذكاء الاصطناعي في المؤسسة، تُرسّخ الشركات مبدأ المساءلة وتشجّع الموظفين على دمج الذكاء الاصطناعي في مهامهم اليومية.
وتركّز المؤسسات الرائدة في أدائها على توجيه الحوافز نحو السلوكيات التي تُحدث أثرًا فعليًا، لا على مجرد استخدام الأدوات. ولذلك تُصاغ الأهداف بطريقة تُشجّع الموظفين على المساهمة في مجالات ملموسة، مثل اكتشاف فرص الأتمتة، أو تسريع وتيرة العمل عبر الاختبارات المعزّزة بالذكاء الاصطناعي، أو تحسين الجودة من خلال مراجعة الكود المدعومة بالنماذج الذكية. وتُعدّ هذه المقاييس القائمة على السلوكيات أساسًا لتحقيق الأثر المطلوب، لأنها تتجنب الحكم على الموظفين وفق نتائج لا يملكون السيطرة الكاملة عليها.
حرص أصحاب الأداء المتقدّم على أن تُسهم مهام الفرق المدعومة بالذكاء الاصطناعي في نتائج أكبر على مستوى العمل، مثل تعزيز الإنتاجية، وتحسين الجودة، وتحقيق تجربة أفضل للعملاء. ويساعد هذا النهج على ترسيخ الوعي بالأثر الحقيقي دون ربط المكافآت بمؤشرات خارج نطاق تأثير الموظف. ويسهم إدراج هذه التوقعات داخل أنظمة تقييم الأداء في نقل الشركات من مبادرات متفرقة إلى ممارسة مؤسسية مستدامة، تُمكّنها من تبنّي الذكاء الاصطناعي بصورة متواصلة تُعزّز الابتكار وتولّد قيمة ذات أثر ملموس.
الانتقال إلى قيمة فعلية يقودها الذكاء الاصطناعي
خلال الأعوام القليلة الماضية، أدركت العديد من المؤسسات أن تحقيق أثر مالي حقيقي من دمج الذكاء الاصطناعي في تطوير المنتجات البرمجية لا يتم بمجرد استخدام الأدوات الجديدة، بل يتطلب تغييرات واسعة في النموذج التشغيلي بالكامل، مع تبنّي ممارسات جديدة وعوامل تمكينية أساسية. ويأتي هذا التحول كضرورة تفرضها وتيرة التطور السريعة في بيئة أدوات البرمجة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، حيث تظهر أدوات جديدة كل بضعة أشهر، وتتقدم قدرات النماذج الذكية بوتيرة متسارعة. وفي هذا الإطار، تُظهر البيانات حجم هذا التسارع؛ إذ ارتفع معيار قياس قدرات البرمجة بالذكاء الاصطناعي وفق منصة "Artificial Analysis"2 خلال عام واحد فقط من 30 نقطة إلى 55 نقطة. ورغم هذا التطور الكبير، ما تزال هذه القدرات أقل من مستوى الذكاء العام لأغلب النماذج المتقدمة بفارق يبلغ 20 نقطة، مما يشير إلى أن أدوات البرمجة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تمتلك مساحة واسعة للتحسن والنضج مستقبلًا. ويؤكد هذا الواقع أن التكيف السريع والمرونة في تحديث طرق العمل يشكلان عنصرًا حاسمًا لضمان الاستفادة المستمرة من التطورات المتلاحقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.3
ومع ذلك، يظل مستوى ذكاء النماذج جزءًا واحدًا فقط من الصورة. فالأدوات تزداد قوة مع اتساع حضورها عبر مختلف مراحل دورة تطوير المنتج. ومع تطور قدرات التنسيق والتكامل بين الأنظمة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ميزة للإكمال التلقائي للكود؛ بل يتحوّل إلى وكلاء ذكيّة تستطيع التخطيط والتنفيذ ومحاكاة الاختبارات، مستندة إلى سياق أعمق يرفع جودة مخرجاتها.
ولمواكبة هذا التطور المتسارع في أدوات الذكاء الاصطناعي، بات لزامًا على المؤسسات أن تعيد التفكير في الهياكل والممارسات التي تستند إليها، إذ إن إحداث تغيير مؤسسي مستدام لا يتحقق بين ليلة وضحاها، رغم وتيرة التطور الهائلة للأدوات. أما المؤسسات البرمجية التي تقود هذا التحول بنجاح، فهي تلك التي تعتمد تنفيذات جريئة وشاملة، تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوصفه محفّزًا تحويليًا يعيد تشكيل العملية التطويرية بأكملها. وإلى جانب الممارسات والعوامل التمكينية التي تناولها هذا المقال، تتبع هذه المؤسسات ثلاث خطوات محورية: وضع أهداف طموحة تجمع القيادة وتدفع المنظمة نحو التغيير؛ وصياغة تصور شامل لنموذج التشغيل المستقبلي، يتم اختباره وتطويره بما يتناسب مع سياق المؤسسة؛ ثم بناء خارطة طريق دقيقة تعيد تعريف هيكلة الفرق، وتدفق العمل، ومؤشرات القياس، والحوافز، بما يتيح رفع الإنتاجية على نطاق واسع. ولا يمكن لفرق التطوير أن تستفيد من الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي كمحرّك للابتكار والكفاءة وإنتاج القيمة إلا عندما تتبنى هذا النهج الاستراتيجي الشامل.