آفاق جديدة تعزز منهجية قادة التخطيط الاستراتيجي

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

أجرت ماكنزي دراسة بحثية جديدة حول دور رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي ونطاق اختصاصاتهم، مستندة إلى نتائج دراسة سابقة أجريت قبل عشر سنوات. وخلصت الدراسة الحديثة إلى أن هذا الدور المحوري ما زال يتطور ويتوسع لمواكبة التغيرات المتسارعة والتقلبات المستمرة في ظل العصر الراهن. وفي هذه الحلقة المميزة من بودكاست "من غرفة الاستراتيجية"، يتناول ثلاثة خبراء نتائج هذه الدراسة وانعكاساتها على الآفاق المستقبلية لقادة قطاعات التخطيط الاستراتيجي، حيث شارك في هذا الحوار الشيق كلاً من "إيما جيبز" مسؤولة قطاع التخطيط الاستراتيجي والتمويل للشركات في ماكنزي بالمملكة المتحدة وأيرلندا وإسرائيل؛ و"نعمة ألبرت"، المستشارة في مكتب ماكنزي بجنوب كاليفورنيا، والتي تتمتع بخبرة واسعة في مجالات الاستثمارات والتكنولوجيا والسيارات الكهربائية؛ و "ويتني زيمرمان"، المشرف على فريق الدراسة البحثية حول دور رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي ومؤسسات التخطيط من مقره في لندن.

للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ونقدم فيما يلي نسخة كتابية منقحة. لمزيد من المحادثات حول أبرز القضايا الاستراتيجية، يمكنكم متابعة جميع الحلقات على منصة البودكاست المفضلة لديكم.

شون براون: "إيما"، بصفتك المسؤولة عن أحد محاور دراستنا البحثية السابقة، المعنية بدور رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي. هل يمكن أن توضحي لنا التغيرات التي طرأت على هذا الدور في الوقت الحالي؟

إيما جيبز: عندما بحثنا هذا الشأن قبل عشر سنوات تقريبًا، أدركنا صعوبة هذا الدور، نظرًا للتحديات المتعددة التي تواجه رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي. وأعتقد، قد زادت صعوبته بشكل ملحوظ منذ ذلك الوقت لعدة أسباب. فعلى مدى الخمسة وعشرين عامًا الماضية، تصاعدت حالة عدم اليقين العالمية. ويمكننا مراجعة مؤشر عدم اليقين العالمي على مدى العام الماضي، لملاحظة زيادة التقلبات بين أعلى وأدنى مستوياته بشكل واضح. وتلقي هذه التقلبات الحادة بظلالها على رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تقديم المشورة والدعم لكلًا من الرؤساء التنفيذيين، ومجالس الإدارة، والقطاعات التنفيذية، بهدف المساعدة في رسم خارطة الطريق، في ظل تصاعد حالة التخبط وعدم الاستقرار.

ووفقًا لأحدث استطلاعات الرأي التي أجريناها العام الماضي، يتوقع 79% من رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي حدوث مزيد من التغيرات خلال العامين المقبلين، مما يستدعي ضرورة تعديل المنهجيات المتبعة لممارسة مهامهم واختصاصاتهم بما يتماشى مع التحولات الجذرية التي يشهدها العالم، خاصة خلال العام الماضي مقارنة بالأوضاع العالمية قبل ثلاث أو أربع سنوات. وأصبح هناك مزيدًا من المسئولية على عاتق رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي بمختلف المؤسسات، حيث باتوا يتبعون مؤخرًا نموذج للعمل يمزج بين مهام متعددة، مما أسفر عن توسع نطاق أعمالهم ليشمل المسؤولية الاستراتيجية، فضلاً عن أدوار أخرى.

شون براون: إلى أي مدى شاع استخدام منهجبة تعدد المهام.. وكيف تطور هذا النمط مع مرور الوقت؟

إيما جيبز:عندما قمنا بدراسة البيانات المحدودة المتاحة في عام 2011، لم نعثر على دلائل بشأن اتباع العديد من مسؤولي قطاع التخطيط الاستراتيجي لمنهجية التعدد التي بموجبها يتولون مهام إضافية. ولكن بحلول العام الحالي، تضاعف عدد المسؤولون الاستراتيجيون الذين يطبقون هذا النمط، بمعدل يتراوح بين مرتين إلى أربع مرات وتتصدر مسؤوليات الاستدامة بالإضافة إلى التحول الاستراتيجي قائمة المهام الإضافية التي اضطلع بها المسؤولون الاستراتيجيون.

ولم تقتصر دراستنا على تحليل النتائج وفقًا للمسمى الوظيفي فقط، حيث أنه لا يعكس الصورة كاملة. ومن ثَمَّ، أجرينا مؤخرًا استطلاع للرأي، ضم عدد كبير من رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي، حيث قمنا بسؤالهم: هل قمتم بمهام إضافية خارج نطاق تخصصكم؟، فأجاب حوالي 91% من المشاركين بالإيجاب، حيث أفادوا أنهم يضطلعون بمهام أخرى، إضافة إلى مسؤوليتهم الأساسية المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي. وشملت قائمة أبرز هذه المهام، تلك المتعلقة بقطاع الاستدامة، وقطاع التكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى تحليل البيانات، وكذلك الموارد البشرية.

شون براون: لماذا يتم اسناد مثل هذه المسؤوليات التي تقع خارج نطاق عمل قطاع التخطيط الاستراتيجي لرؤساء القطاع بدلًا من إسنادها للمسؤولين التنفيذيين من القطاعات الأخرى؟

إيما جيبز: قد تستنزف مثل هذه المسؤوليات الكفاءات والموارد التي يمكن تخصيصها لقطاع التخطيط الاستراتيجي في بعض الأحيان، ولكن في حالات أخرى، قد تمثل هذه المسؤوليات أحد أبرز الركائز لصياغة الاستراتيجيات الفعالة وجزء لا يتجزأ من اختصاصات القطاع، فعلى سبيل المثال، يعد تولي قادة التخطيط الاستراتيجي للمهام المتعلقة بالاستدامة في الشركات التي تقوم بتحويل مسارها فيما يخص استخدام الطاقة، ضرورة حتمية، وذلك نظرًا لأهمية محور الاستدامة في هذه المرحلة، حيث تمثل حجر الأساس في عملية تطوير الاستراتيجية وتنفيذها في هذه الحالة. وعليه، فإن تبني هذه المنهجية المستحدثة ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا لعدة أسباب. فأنا أعتقد أنه في كثير من الحالات يعكس هذا النمط ضرورة تنوع المحاور التي يتعين على مسؤول قطاع التخطيط الاستراتيجي أن يأخذها بعين الاعتبار عند ممارسة مهام عمله. أما السبب الثاني فهو أن هذا النموذج يتطلب مهارات استثنائية التي يجب أن يتحلى بها مسؤولي التخطيط الاستراتيجي، مما يعزز من قدرتهم على تولي مثل هذه المسؤوليات الإضافية التي قد يصعب على الأخرين إنجازها.

أما السبب الأخير فقد يتجلى في رغبة رؤساء قطاع التخطيط الاستراتيجي في تولي المزيد من المسؤوليات الإضافية، وقد يرجع ذلك إلى رغبتهم في الاضطلاع بدور تنفيذي، أو توسيع نطاق خبراتهم التنفيذية وليست التخطيطية فحسب. وقد يكون أحد الأسباب التي جعلتنا نلتفت إلى هذا النمط المستحث هي التغيرات التي طالت كافة جوانب سوق العمل، مما أدى إلى تعزيز مستوى الوعي بمختلف المسؤوليات والمهام التي لطالما كانت تقع على كاهل قسم التخطيط الاستراتيجي.

شون براون: كيف تؤثر المسؤوليات الجديدة التي يتحملها قادة التخطيط الاستراتيجي على نمط عملهم وكيفية تأديتهم لوظائفهم؟

إيما جيبز: أعتقد أن هناك علاقة طردية بين عدد موظفي قسم التخطيط الاستراتيجي وبين حجم المسؤوليات التي يتحملها رئيس القسم والتعقيدات المتزايدة التي يواجهها. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن زيادة حجم فرق العمل لا تعني بالضرورة زيادة الإنتاجية أو جودتها. وتأكيدًا على هذه النظرية، فقد أعرب أحد مسؤولي التخطيط الاستراتيجي عن تفضيله للعمل في فريق صغير يضم خمسة أشخاص متميزين ذوي كفاءة عالية بدلاً من العمل مع فريق كبير يتألف من خمسة وعشرين موظف متوسطي الكفاءة. وتكمن أهمية هذا القسم في دوره المحوري لقيادة قاطرة التنمية الاستراتيجية في المؤسسات من خلال مختلف المهام الاستراتيجية التي يتخذونها على عاتقهم. وباستلهام تلك المعطيات، فإن وجود عدد محدود من الموظفين الأكفاء في هذا القسم قد يكون أكثر فعالية في تحقيق النتائج المرجوة، مقارنة بالاستعانة بفريق عمل أكبر يفتقر إلى المهارات المنشودة. وقد أيد نخبة من قادة التخطيط الاستراتيجي هذه النظرية، حيث أعرب نحو 87% منهم عن رغبتهم في إعادة هيكلة القسم سواء بشكل كامل أو جزئي وفقًا لهذا النهج.

قم بتخصيص الوقت الكافي لتحديد دورك وترتيب أولوياتك، وحصر نطاق اختصاصاتك بدقة، من أجل تحقيق النجاح المنشود، وتعزيز تنفيذ الاستراتيجية الرامية إلى دفع عجلة النمو.

"ويتني زيمرمان"

شون براون: وفقًا لنتائج أحدث استطلاعات الرأي التي أجريتيها، ما هو تقييم رؤساء قسم التخطيط الاستراتيجي لدورهم في نجاح مؤسساتهم؟

إيما جيبز: أفاد ما يقرب من نصف قادة أقسام التخطيط الاستراتيجي بأن الفرق التي يترأسونها لم تحقق النجاح المنشود، بينما أعرب أقل من عشرين في المائة من المشاركين في الاستطلاع عن رضاهم بمستوى النجاح الذي تم تحقيقه. وتدق هذه النتائج المحبطة ناقوس الخطر، خاصة عند الوضع في الاعتبار الدور المحوري الذي يقوم به القادة الاستراتيجيين لتحديد توجهات الشركة وتعزيز أدائها لضمان النمو المستدام، في ظل التغيرات المحيطة.

شون براون: هذه النسب متدنية بالفعل! هل بإمكاننا أن نعرف السبب وراء هذا الشعور السلبي الذي ينتاب الكثير من المسؤولين؟ وهل تشير أصابع الاتهام إلى تعدد المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم مما يضطرهم في نهاية الأمر للتركيز على أهمها فقط؟

إيما جيبز: يمثل تعدد المسؤوليات التي يضطلع بها مسؤولو قسم التخطيط الاستراتيجي بالفعل أحد التحديات التي يواجهونها؛ حيث يتعرضون للعديد من الضغوطات نتيجة للمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهم، من قبل أطراف متعددة ذات وجهات نظر متباينة داخل المؤسسة، مما يضطرهم لممارسة الكثير من المهام، ولكن سرعان ما ينتهي بهم المطاف إلى التركيز على المهام ذات الأولوية فقط، وفقًا للأهداف المرحلية المرجوة. وعليه، فإن تبني المؤسسة لرؤية موحدة وواضحة يعتبر ضرورة حتمية لمواجهة كافة التحديات التي تواجهها الشركة وتحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوة.

شون براون: في إطار الدراسة البحثية التي أجريتها، هل لاحظت أي اختلاف بين القطاعات من حيث انتشار منهجية تعدد المهام الاستراتيجية؟

ويتني زيمرمان: قطعًا، عند دراسة معدلات انتشار هذا النمط في مختلف القطاعات من خلال الخارطة التوضيحية، يمكن ملاحظة بعض الاتجاهات المثيرة للاهتمام والتباين في معدلات تبني قادة القطاع الاستراتيجي لهذا النمط عبر المجالات المختلفة.

على سبيل المثال، يشهد كلاً من قطاع الخدمات المالية، والتكنولوجيا، والإعلام، معدلات نمو متسارعة في عدد رؤساء قسم التخطيط الاستراتيجي الذين يضطلعون بمهام خدمة العملاء. فيما كانت الاستدامة أبرز المهام الإضافية التي تولاها رؤساء قسم التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات المعنية بمجال الطاقة، وكذلك في المؤسسات الصناعية والاستهلاكية، مع تفاوت النسب لكل قطاع. وتعكس هذه الاتجاهات المثيرة التي يشهدها عالم الأعمال اليوم، التحديات والفرص التي تواجه مختلف القطاعات، والمنهجيات التي تتبعها الشركة والإدارة التنفيذية لمواكبة تلك التغيرات بشكل فعال.

شون براون: ما هي مقومات الخبير الاستراتيجي الناجح في ظل عالم الأعمال اليوم؟ وما مدى إدراك رؤساء قسم التخطيط الاستراتيجي لمهامهم وصلاحياتهم بشكل واضح؟

نعمة ألبرت: كانت إحدى الفرضيات التي قمنا باختبارها في إطار أحدث دراساتنا البحثية، هي أهمية وجود مسؤوليات ومهام محددة لرئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في تعزيز أداء المؤسسة. فالتعريف الواضح لاختصاص قسم التخطيط الاستراتيجي يعكس الصلاحيات التي يمتلكها والدعم المقدم لهم من قبل الرئيس التنفيذي للمؤسسة وفريقها التنفيذي، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة الرامية إلى دفع عجلة النمو، من خلال تنفيذ حزمة محددة من المسؤوليات.

تمحور سؤالنا الأول الذي طرحناه على رؤساء قسم التخطيط الاستراتيجي حول مدى وضوح قائمة المهام المسندة إليهم. فأفاد قرابة ربع المشاركين بوجود قائمة مهام ومسؤوليات واضحة ومحددة بالفعل، بما يتماشى مع مختلف أقسام المؤسسة. فيما نفى ثلث المشاركين وجود قائمة مهام على الإطلاق، وهو أمر مثير للقلق. ثم طلبنا من المشاركين في السؤال الثاني تقييم مستوى النجاح المُحرز في خمسة محاور مختلفة وهم: إدارة العمليات الاستراتيجية بكفاءة، وتعزيز أداء المؤسسة، والتعاون المثمر مع الأقسام الأخرى أو دعم التنسيق معها، وتحديد التوجه الاستراتيجي للمؤسسة، وأخيرًا الشراكة الفعالة مع الإدارة العليا لتنفيذ الاستراتيجيات. وأكدت الدراسة البحثية على العلاقة الإيجابية بين وضوح المسؤوليات والمهام المحددة للقسم وبين تحقيق أعلى مستويات النجاح، خاصة في المحاور المتعلقة بإدارة العمليات الاستراتيجية بكفاءة وتعزيز أداء المؤسسة.

شون براون: انطلاقًا من أن وضوح نطاق المهام والمسؤوليات يعتبر حجر الأساس لقادة القطاع الاستراتيجي الأكفاء، هل يمكنك أن توضح لنا خطوات صياغة قائمة المهام بشكل فعال؟

ويتني زيمرمان: إن تخصيص وقت كاف لتحديد أولوياتك وترتيبها بعناية هما الركائز الأساسية لصياغة قائمة مهام مُحكمة، مما يساهم في تحقيق النجاح المنشود. وفي عام 2012، قامت "إيما" بالتعاون مع زميلنا "مايكل بيرشان" بوضع تصنيف شامل لدور مسؤول التخطيط الاستراتيجي يتألف من ثلاث فئات رئيسية تضم ثلاثة عشر محورًا فرعيًا.

تتمحور الفئة الأولى حول تكوين الرؤى الفاحصة، وتتضمن عدة محاور فرعية تشمل التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، وتطوير المعلومات التنافسية، وتعزيز مشروعات المؤسسة. أما الفئة الثانية فتركز على امتلاك أدوات توليد القيمة، وتشمل المهام المتعلقة بصياغة استراتيجية فعالة، وتطوير الأعمال وصفقات الاندماج والاستحواذ، وتحفيز الابتكار، وتعزيز الاستراتيجية المتعلقة بالضوابط القانونية، هذا بالإضافة إلى تنفيذ فريق التخطيط الاستراتيجي لمشروعات محددة. وأما المحور الثالث والأخير فيتعلق بإصدار القرارات الاستراتيجية وتيسير تنفيذها، بما يشمل إدارة التخطيط الاستراتيجي، وتيسير عمليات اتخاذ القرارات، وتحديد مستويات أداء طموحة، فضلًا عن بناء القدرات الاستراتيجية، وإعادة تخصيص الموارد.

شون براون: ما هي المحاور الأكثر تأثيرًا وفقًا للدراسة البحثية وأيها الأسرع نموًا؟

ويتني زيمرمان: طبقًا لنتائج الدراسة، تصدرت المحاور الأربعة المتعلقة بصياغة الاستراتيجية، وتطوير الأعمال أو صفقات الاندماج والاستحواذ، ودعم التحول الاستراتيجي، فضلًا عن بناء القدرات الاستراتيجية قائمة المحاور ذات التأثير الأكبر. فيما جاء المحور المتعلق بإعادة تخصيص الموارد في المرتبة الأدنى من حيث التأثير.

أما فيما يخص قائمة المحاور التي تشهد نموًا سريعًا بالنسبة لقادة القطاع الاستراتيجي، فقد خلُصت الدراسة إلى أن الابتكار، وتعظيم دور التكنولوجيا الرقمية والبيانات، بالإضافة إلى الاستراتيجية المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هي أسرع المحاور نموًا. وعلى الصعيد الآخر، أشار قادة القطاع الاستراتيجي إلى الحاجة الملحة لتطوير عدد من المحاور المتعلقة بنطاق عملهم، والتي تشمل بناء القدرات الاستراتيجية، والابتكار، ودعم التحول الاستراتيجي، مما يعكس صعوبة إتمام مهمة بناء وتعزيز القدرات على أكمل وجه، وكذلك التحديات الناجمة عن إسناد مهام التخطيط والتحول الاستراتيجي لذات القسم.

شون براون: ما مدى اختلاف نتائج الدراسة البحثية الحالية عن تلك التي أجريت عندما طور الفريق هذا الإطار البحثي لأول مرة؟

ويتني زيمرمان: قد طرأت بعض التغيرات على النتائج التي خلصت لها الدراسة البحثية الحديثة مقارنة بالنتائج السابقة، فقد تم إضافة محورين، وهما دعم التحول الاستراتيجي، وتعظيم دور التكنولوجيا الرقمية والبيانات. كما تجلى الاختلاف في المحاور التي شهدت اهتمامًا متزايدًا بمرور الوقت، وكان أبرزها بناء القدرات الاستراتيجية والابتكار، مما يعكس آفاق إيجابية متماشية مع تطلعات قادة القطاع الاستراتيجي الذين أعربوا عن رغبتهم في تخصيص الوقت والاهتمام لهذين المحورين تحديدًا، وذلك في إطار الدراسة البحثية الأولى عام 2013.على الصعيد الآخر، فقد شهدنا تراجع عدد من المحاور إلى أدنى مستويات الاهتمام، مثل التسهيلات المطلوبة لتنفيذ الخطط، وتسليم المشروعات، وتحديد مستويات أداء أكثر طموحًا.

شون براون: في ظل كل هذه المعطيات، هل يمكنك أن تطلعنا على الخطوات التي يجب اتباعها في حالة تولي منصب رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي؟

ويتني زيمرمان: إن الخطوة الأولى، التي عادة ما نوصي بها عند إسداء المشورة لرؤساء أقسام التخطيط الاستراتيجي، هي تخصيص الوقت الكافي لتحديد دورك وترتيب أولوياتك، وحصر نطاق اختصاصاتك بدقة، من أجل تحقيق النجاح المنشود، بما يتماشى مع تنفيذ استراتيجية المؤسسة الرامية إلى دفع عجلة النمو. ويُعد تنفيذ هذه التوصية بمثابة حجر الأساس لتحديد استراتيجيتك، والتي تعد الخطوة الثانية. وتبدأ هذه الخطوة بصياغة قائمة اختصاصاتك، التي تعكس استيعابك للدور الناتج عن أولوياتك التي حددتها مسبقًا. وفي النهاية لابد من إرسال هذه القائمة لكل من الرئيس التنفيذي للمؤسسة والمساهمين الرئيسيين، هذا فضلًا عن ضرورة مشاركتها مع مختلف أقسام المؤسسة، لضمان الاتساق والتعاون المثمر مع كافة الأطراف المعنية.

يقع على عاتق رؤساء قطاعات التخطيط الاستراتيجي مسؤولية تقديم المشورة والدعم لكلاً من الرؤساء التنفيذيين، ومجالس الإدارة، والقطاعات التنفيذية، بهدف المساعدة في رسم خارطة الطريق، في ظل تصاعد حالة التخبط وعدم الاستقرار.

"إيما جيبز"

شون براون: في ظل توسع نطاق مسؤوليات قادة القطاع الاستراتيجي في المؤسسات، هل تتعارض تلك المسؤوليات مع دور المديرين التنفيذيين الآخرين أو تتداخل مع المهام التنفيذية؟ وما هي المقترحات التي توصي بها للتعامل مع هذه العلاقة الديناميكية المتشابكة؟

إيما جيبز: لقد قمت تحديدًا بدراسة العلاقة المتداخلة بين مهام رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجي والمدير المالي، حيث يتجلى الترابط الوثيق بين المهام المتعلقة بالاستراتيجية، وما يتبعها من عمليات إدارية، مثل إعادة توزيع الموارد، وإدارة الأداء، ومجالات أخرى. ومن ثَمَّ، يعكس هذا التكامل بين القطاعين الطبيعة الاستراتيجية لدور المدير المالي. ويمكن تطبيق نفس المبدأ على قادة قطاع التسويق، حيث يتمحور دورهم حول المهام المتعلقة بصياغة الاستراتييجية. واستنادًا إلى هذه المعطيات، يتعين على قادة الشركات أن يحرصوا على اجتناب المشكلات الناجمة عن هذا التداخل، وتحقيق الاستفادة القصوى من التكامل بين مختلف القطاعات. فمثلاً، إذا تولى مدير التسويق مهمة تحليل احتياجات العملاء، فلا جدوى من أن يقوم المدير الاستراتيجي بتكرار نفس المهمة. وفي حالة توليه لنفس المهمة، لابد أن تساهم بشكل فعال في تعزيز دور مدير التسويق في إطار متناغم ومتسق، مما يؤتي بثمار إيجابية.

شون براون: كيف قمت بقياس تأثير القائد الاستراتيجي على أداء الشركة في إطار الدراسة البحثية؟ وما هي أبرز مؤشرات الأداء التي قمت بتحليلها؟

ويتني زيمرمان: تتباين المنهجية المتبعة لقياس القيمة والتأثير، باختلاف وضع المؤسسة والأهداف المرجوة، ولكن عادةً ما يرتبط الأمر بقياس مؤشرات الأداء الرئيسة للعمليات المرتبطة بصياغة وتنفيذ الاستراتيجية، ومستوى التوافق والاتساق في مختلف إدارات المؤسسة، وبالطبع قياس مستوى الأداء في المحاور التي تم اختيارها مسبقًا.

وفي حالة تركيز الشركة على التخطيط الاستراتيجي، فستصبح معنية بقياس مؤشرات الأداء الرئيسية المتعلقة بدور التخطيط في تعزيز المساءلة بجميع إدارات المؤسسة. هذا بالإضافة إلى متابعة مستوى إدارة المبادرات الاستراتيجية المتعلقة بهذه العملية. وفيما يتعلق ببناء القدرات، فيتم استخدام العديد من المؤشرات الرئيسية لقياس القدرة على تعزيز الكفاءات وتطوير المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المنشودة.

شون براون: في ظل التجارب السلبية التي أشار إليها عدد من القادة الاستراتيجيين، موضحين عدم رضاهم عن أداء فرقهم، كيف يتمكن هؤلاء الاستراتيجيين من بناء فرقًا قوية ومؤثرة، خاصةً عند انضمامهم إلى المؤسسة للمرة الأولى؟ "نعمة"، هل يمكنك مشاركتنا تجربتك في هذا الصدد؟

نعمة ألبرت: انطلاقًا من إدراكنا العميق لطبيعة الوظائف الاستراتيجية الخاصة جدًا، لا يمكن أن نحصر مختلف الحلول في منهجية محددة، حيث لا توجد حلول موحدة تتناسب مع كافة المؤسسات في مختلف المجلات. ولكن يتعين علينا في المقام الأول أن نحدد إطار العمل ونوضح المسؤوليات المتعلقة بهذا الإطار. كما ينبغي مشاركة هذه المسؤوليات مع كافة أعضاء فريق العمل، لضمان تعزيز التعاون بين كافة الأطراف المعنية. ومن ثَمَّ، يعد تعميق الفهم لطبيعة الوظيفة الاستراتيجية الديناميكية بشكل متكامل بمثابة حجر الزاوية لهيكلية القطاع الاستراتيجي في المؤسسة، من خلال اتباع منهجية أكثر صرامة لتحديد المهام على نحو واضح، والتأكد من اتباع رؤية موحدة لكافة أعضاء فريق العمل.

شون براون: في ظل التحديات الاستثنائية التي تواجهها الشركات في الوقت الراهن، ما هو نوع الخبرة أو القدرات الأساسية التي تحرص المؤسسات على توافرها لدى مسؤولي التخطيط الاستراتيجي؟

إيما جيبز: تعتمد إجابة هذا السؤال على تحديد ماهية الأهداف التي تسعى الشركة إلى تحقيقها فضلاً عن طبيعة التحديات التي تواجهها. فإذا كان التحدي الاستراتيجي يتمحور حول التغيرات التي طالت كافة جوانب المؤسسة جراء التحول الرقمي الذي يشهده عالم الأعمال حاليًا، فسوف تحتاج إلى الاستعانة بشخص يمتلك خبرة واسعة في مجال التكنولوجيا الرقمية، مما يمكن الشركة من اكتساب الرؤى القيمة واتخاذ القرارات الصائبة لمواكبة التحول الرقمي.

وعلى غرار هذا المثال، قد تحتاج المؤسسة في أحيان أخرى إلى الاستعانة بمدير استراتيجي يتسم بمعرفة عميقة بكافة جوانب الصناعة، وذلك نظرًا للطبيعة المعقدة لبعض الصناعات التي يصعب التعامل معها في حالة غياب الفهم التقني، مما قد يحول دون الوصول إلى رؤى واضحة أو استراتيجية فعّالة. وعلى الصعيد الآخر قد تلجأ الشركة إلى الاستعانة بكوادر ذات رؤية مختلفة من خارج إطار القطاع، بغرض الاستفادة من خبراتهم المتنوعة في قطاعات مختلفة، مما يساهم في إرساء الشركة وتعزيز طموحاتها بأهداف جديدة، للانطلاق إلى آفاق واعدة ومواكبة التحولات المتسارعة.

شون براون: إذًا، كيف تتعاون مع المؤسسات التي تسعى للحصول على الدعم والمشورة، بشأن تحديد القدرات التي يبحثون عنها في مرشحي قادة القسم الاستراتيجي، أو التي يجب أن يبجث عنها قيادات التخطيط الاستراتيجي في أعضاء فرق العمل التي يترأسونها ؟

ويتني زيمرمان: لقد قمت مؤخرًا بمساعدة مديرًا جديدًا للقسم الاستراتيجي بإحدى الشركات المُدرجة بقائمة مجلة "فورتشن 500". وبهدف دراسة الوضع الراهن بشكل فعال، قمنا بتحليل تأثير وقوة استراتيجية الشركة استنادًا إلى البيانات المتاحة ومقارنتها بمنافسيها. وجاءت النتائج مثيرة للاهتمام، حيث كشفت أن الشركة تتمتع بمهارات استراتيجية أكثر وعدد أكبر من الموظفين التابعين للقسم الاستراتيجي مقارنة بمنافسيها. ومع ذلك، أعرب مسؤول القسم الاستراتيجي في بداية مناقشاتنا، عن ضعف الهيكل الوظيفي للقسم بالإضافة إلى عدم كفاءة قادة القسم السابقين، مما أسفر عن غياب الرؤى المشتركة والفهم العميق لاستراتيجية الشركة الشاملة. كما أشار أيضًا إلى وجود فجوة في التواصل الاستراتيجي بالشركة مما أسفر عن غياب التعاون الفعال المعني بتعزيز استراتيجية المؤسسة.

وباستلهام تلك المعطيات يتضح أن المشكلة لا تكمن في عدد العاملين بالقطاع الاستراتيجي داخل الشركة. وعليه، وقد قام مدير القسم الجديد برصد التحديات، وتحديد قائمة أولويات الشركة، التي شملت خمسة محاور من شأنها تعزيز مهام القطاع الاستراتيجي. وجاء على رأس القائمة ضرورة تعزيز الكفاءات والاستعانة بأصحاب المهارات والمواهب الاستراتيجية والاستفادة من التنوع في الكوادر لترسيخ رؤية موحدة لاستراتيجية الشركة عبر إداراتها المختلفة ، إلى جانب توطيد أواصر التعاون بين كافة الجهات المعنية .

شون براون: قبل أن نختتم حوارنا المثمر، أود أن أعيد النظر في الإحصائية التي ذكرناها في البداية، وهي أن 79% من الاستراتيجيين يتوقعون حدوث تغيرات في المهام التي يتولونها. هل تعتقد أنهم سيرحبون بتلك التغيرات؟

إيما جيبز: تعد الفترات التي تتسم بالتقلبات المتتابعة، بمثابة العصر الذهبي للخبراء الاستراتيجيين، ليضعوا بصمتهم العميقة التي من شأنها أن تساهم في تحقيق النمو المستدام في ظل التحديات المتلاحقة. فلا حاجة للخبراء الاستراتيجيين عندما تسير الأمور بسلاسة، ولكن في حالة عدم الاستقرار، نكون في أمس الحاجة إلى القادة الاستراتيجيين، حتى نتمكن من تعظيم القيمة المنشودة، سواء على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي أو المتعلق بالاستدامة أو الربحية، أو ربما يتطلب الأمر مزيجًا متسقًا من مختلف الأهداف والقيم المرجوة. كما ندرك أهمية المرونة والقدرة على التكيف في ظل التقلبات المتتالية، حيث نحتاج إلى وضع تصورات جديدة سواء لتنفيذ استراتيجياتنا أو للقيام بمهامنا. وتعد هذه المنهجية بمثابة الركيزة الأساسية لنتمكن من المضي بخطى ثابتة نحو تحقيق القيم والأهداف الاستراتيجية المرتجاة.

Explore a career with us