الوظيفة الأكثر عزلة: كيف يواجه كبار الرؤساء التنفيذيين التحديات والمواقف الصعبة

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

بالنسبة للعديد من القادة، يمثل تولي منصب الرئيس التنفيذي ذروة مسيرتهم المهنية ونتيجة لعقود من الجهد المتواصل. ويُعد هذا المنصب واحدًا من أصعب المناصب وأكثرها طلبًا في أي مؤسسة، وهذا التحدي يتفاقم بشكل خاص في الفترات التي تشهد تغيرات كبيرة وعدم استقرار.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

منذ انطلاق برنامج القيادة في مركز ماكنزي للتميز التنفيذي في منتصف عام 2022، شارك فيه حوالي 100 رئيس تنفيذي من شركات في منطقة إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط. هؤلاء القادة شاركوا بصراحة نجاحاتهم وتحدياتهم مع فريق المركز، مما أتاح تبادل الخبرات والتعلم المتبادل. ولقد تم تطوير أداة لتقييم تميز الرؤساء التنفيذيين1، وهي عبارة عن استبيان ذاتي لتقييم السلوكيات والتطلعات هؤلاء الرؤساء، وتمت مشاركة النتائج الأولية لهذه الأداة في مقال سابق، مما ساهم في تحسين فهم احتياجات وتحديات القادة.

يستكمل هذا المقال البيانات الإحصائية بمعلومات تحليلية نوعية غنية، استُخلصت من نقاشاتنا مع المشاركين في برنامج مركز ماكنزي لتميز الرؤساء التنفيذيين2. خلال هذه النقاشات، شارك الرؤساء التنفيذيون تجاربهم مع لحظات عدم اليقين والشك التي واجهوها أثناء توليهم لمناصبهم. غالبًا ما تنبع هذه اللحظات من واحدة من خمس معضلات شائعة، حيث يجد الرؤساء التنفيذيون أنفسهم مضطرين للبحث عن توازن بين عدة خيارات مرغوبة قد تبدو متناقضة. على سبيل المثال، يواجهون التحديات التالية: كيف يمكنهم الجمع بين الحفاظ على أساسيات العمل واستكشاف فرص الابتكار المستقبلية؟ كيف يضمنون تحقيق أهداف قصيرة المدى دون المساس بصحة المؤسسة ورفاهيتها على المدى الطويل؟ وكيف يستطيعون المحافظة على هويتهم الشخصية بينما يندمجون بعمق في أدوارهم التنفيذية؟

من خلال تقديم الدروس المستفادة من تجارب الرؤساء التنفيذيين خلال لحظاتهم الصعبة، نهدف إلى إلقاء الضوء على جوانب غالبًا ما تُغفل عن تجربة الرئيس التنفيذي. وتعد رحلة الرئيس التنفيذي شاقة ومليئة بالوحدة، حيث يواجه حتى أكثر الرؤساء نجاحًا لحظات من الشك والهشاشة. ونأمل أن يحفز هذا المقال على إجراء نقاش صريح حول التحديات المتعددة التي يواجهها الرؤساء التنفيذيون اليوم، ويستعرض الاستراتيجيات والأنظمة التي يمكنهم تبنيها لتحسين أدائهم المهني والحفاظ على رفاهيتهم الشخصية.

خمس معضلات شائعة يواجهها الرؤساء التنفيذيون اليوم

كل يوم، يواجه الرؤساء التنفيذيون مجموعة واسعة من القرارات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. تتطلب هذه القرارات منهم تقييم النتائج المحتملة المتعددة والتوفيق بين خيارات قد تبدو متناقضة. وفي الواقع، يقع دور الرئيس التنفيذي في مركز هذه التحديات، حيث يُعرف بأنه "ملتقى لكل التناقضات"3. واستنادًا إلى حواراتنا مع الرؤساء التنفيذيين، غالبًا ما تدور هذه القرارات حول واحدة (أو أكثر) من خمس معضلات رئيسية. تُعرض هذه المعضلات وتُفصل في المستند المرفق، اطلع على (الشكل).

The loneliest job? How top CEOs manage dilemmas and vulnerability

المعضلة الأولى: كيفية الحفاظ على الأساسيات مع التطلع للابتكار

يُعتبر الحفاظ على جوهر الأعمال وأساسها أولوية قصوى للعديد من الرؤساء التنفيذيين، وذلك لأنهم يسعون إلى تكريم التاريخ العريق والقيمة التجارية للعلامات التجارية الراسخة. كما أشار كلاوس كلاينفيلد، الرئيس السابق لشركتي "أركونيك" و "سيمنز"، الذي أكد أن الشركات التي تجاوزت مئة عام قد قامت بالكثير من الأشياء الصحيحة، ويقف الرؤساء الحاليون على أكتاف قادة سابقين اتخذوا قرارات أفادتهم. في الوقت نفسه، يدرك هؤلاء الرؤساء التغيرات السريعة في السوق، خاصة في آسيا، وأهمية الابتكار المستمر لضمان استمرارية شركاتهم وحماية مواقعها في السوق.

يواجه الرؤساء التنفيذيون من الجيل الثاني والثالث للشركات العائلية تحديًا خاصًا في محاولة موازنة بين الحفاظ على تراث العائلة والابتكار للمستقبل. فمثلاً، واجه رئيس تنفيذي لشركة عائلية في جنوب شرق آسيا كان يسعى لتحديث الشركة للحفاظ على حصتها السوقية، صعوبات كبيرة في الحصول على دعم أفراد العائلة. وبعد جهود مكثفة، نجح في النهاية في إقناع جميع أصحاب المصلحة بالتعاون، بفضل تشكيل فريق إداري متوازن يجمع بين أفراد المؤسسة القدامى والموظفين الجُدد. تطلبت هذه العملية تكرارات عديدة وتنظيم جلسات عامة متعددة لشرح وتوضيح الرؤية المطورة للشركة. والنتيجة هي تحول الشركة إلى مؤسسة تركز بشكل أكبر على العملاء وتستند إلى البيانات، مع الاحتفاظ بقيم العائلة الأساسية.

وفي الحقيقة، تواجه الشركات المدرجة بالبورصة علناً تحديات خاصة في إدارة معضلات تخصيص الموارد. على سبيل المثال، اضطر رئيس تنفيذي لإحدى شركات التصنيع إلى تقسيم الموارد بين قسمين ضمن محفظة الشركة. القسم الأول كان مصدر رئيسي للإيرادات ولكنه يعاني من انخفاض في الطلب، بينما كان القسم الثاني جزءًا من قطاع سريع النمو يحتاج إلى استثمارات ضخمة وكان يخسر المال. وللتغلب على هذه التحديات وتحقيق مكانة قوية في السوق، كان لزامًا على الشركة اتخاذ قرارات جريئة تشمل إعادة تدريب الكوادر الحالية أو استبدالها، وهو ما يُمثل تحولًا استراتيجيًا كبيرًا.

تناولت جيل كيلي، الرئيسة التنفيذية السابقة لمجموعة ويستباك، مسألة الابتكار والحفاظ على الجوهر برؤية تؤكد أنهما ليسا في تعارض. فهي تقول إن الجوهر هو قلب الأعمال التجارية، ومن الضروري أن تستمر الشركات في تطوير هذا الجوهر لضمان الأداء المتميز والاستمرارية، وفي الوقت نفسه، يجب عليها بناء قطاعات جديدة. إن الحفاظ على الجوهر يتطلب تجديدًا وابتكارًا دائمًا. فمن خلال هذا النهج، يمكن للرؤساء التنفيذيين تنفيذ استراتيجيات ابتكار مدروسة ومحكمة لتوسيع نطاق أعمالهم دون تحمل مخاطر مفرطة، مع الاستمرار في تكريم تاريخ الشركة والحفاظ على أصولها وقيمتها وإرثها وتاريخها من النجاح.

المعضلة الثانية: تحقيق نتائج قصيرة المدى في ظل الاستثمار في تحسين الأداء طويل المدى

الرؤساء التنفيذيون يسعون لضمان أن قراراتهم تصب في مصلحة الشركة على المدى الطويل، من خلال اتخاذ قرارات صعبة تؤسس لقيمة مستدامة، ومع ذلك، يواجهون ضغوطًا مستمرة من مجلس الإدارة وأصحاب المصلحة الآخرين الذين يطالبون بتحقيق نتائج سريعة على المدى القصير، وهذه الضغوط قد تدفعهم أحيانًا إلى اتخاذ قرارات قصيرة المدى قد لا تكون دائمًا في مصلحة نجاح الشركة على المدى الطويل، مما يعقد توازنهم بين تحقيق الأهداف الفورية وضمان الاستدامة المستقبلية للشركة.

في الأوقات العصيبة، قد يبدو التركيز على النجاحات قصيرة الأجل خيارًا مغريًا، فعلى سبيل المثال، قاد أحد الرؤساء التنفيذيين شركته لتحقيق أرقام قياسية في عام 2022 من خلال تحول كبير، ومع ذلك، بحلول عام 2023، واجه تحديات مؤثرة على مستوى الصناعة ككل، وأوضح الرئيس التنفيذي أن الحفاظ على الالتزام بالتحول كان صعبًا، مشيرًا إلى أن النتائج الملموسة لم تظهر بعد، مما يعكس التحديات التي تواجه القادة في تحقيق التوازن بين التوجه الاستراتيجي والنتائج قصيرة الأجل.

يمكن أن يكون التركيز على تحقيق الأهداف قصيرة الأجل استراتيجية محفوفة بالمخاطر. على سبيل المثال، يعترف بيتر أولسون، الرئيس التنفيذي السابق لدار راندوم هاوس، بندمه لعدم إعطاء الأولوية للجوانب طويلة الأمد أثناء عملية دمج دارين للنشر. وقال: 'انصب تركيزي بشكل مفرط على تحقيق الأهداف قصيرة الأجل، ولم أخصص الاهتمام الكافي لثقافة الشركة وتطوير المواهب.' هذه التجربة توضح المخاطر التي يمكن أن تواجه الرؤساء التنفيذيين عند إهمال العناصر الجوهرية للشركة مثل ثقافتها ومواردها البشرية لصالح النتائج السريعة.

عندما تتعارض الأهداف قصيرة الأجل مع الأهداف طويلة الأجل، فإن الرؤساء التنفيذيين الذين يختارون التركيز على تحقيق رؤية طويلة الأمد يكونون في وضع أفضل لمواجهة الضغوط المختلفة. فمن خلال بناء دعم قوي والحفاظ عليه ضمن استراتيجية طويلة الأجل، يمكن للرؤساء التنفيذيين إدارة هذه الضغوط بشكل أكثر فعالية وتوجيه الشركة نحو النجاح المستدام.

وقد تكون الأهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل - في كثير من الأحيان - مختلفة أو حتى متكاملة. كما أوضحت جيل كيلي، فإن الرؤساء التنفيذيين بحاجة إلى التركيز على كلا النوعين من الأهداف: "يجب على الرؤساء التنفيذيين أن يكون لديهم مجموعة من المشاريع، بعضها يحقق نتائج على المدى القصير، والبعض الآخر يثمر على المدى الطويل." وأكدت كيلي أن التواصل الواضح والشفاف مع المستثمرين ومجلس الإدارة أمر بالغ الأهمية خلال هذه العملية. كما شددت على ضرورة تجنب الوعود الزائدة وتحقيق نتائج أقل من المتوقع، مع ضرورة أن يكون الرؤساء التنفيذيون صريحين إذا استغرق مشروع ما وقتًا أطول من المتوقع أو تطلب الأمر المزيد من الاستثمار.

المعضلة الثالثة: إدارة فريق المواهب الواعدة مقابل تعزيز وتحسين الأداء الجماعي

يهدف الرؤساء التنفيذيون الذين تحدثنا إليهم إلى مساعدة كل فرد من أعضاء فريق القيادة العُليا على تحقيق أفضل أداء ممكن وتطوير قدراتهم الفريدة. في الوقت نفسه، يكون لزامًا عليهم تحسين أداء الفريق ككل، وهذا يتطلب منهم التركيز ليس فقط على العلاقات الشخصية أو إدارة الأفراد، بل أيضًا على المهارات والكفاءات التي يحتاجها الفريق لتحقيق النجاح. بمعنى آخر، يجب على الرؤساء التنفيذيين الموازنة بين تطوير الأفراد وتعزيز فعالية الفريق ككل.

وقد أفاد عدد من الرؤساء التنفيذيين بأنهم واجهوا صعوبة في إدارة المواهب الصاعدة، الذين يحققون نتائج مميزة بشكل مستمر ولكنهم لا يعملون بشكل جيد مع بقية أعضاء الفريق القيادي. فعند النظر إلى الماضي، أعرب العديد من الرؤساء التنفيذيين عن ندمهم لعدم التصرف بسرعة كافية في التعامل مع الشخصيات السامية الذين يتسببون في توتر داخلي. وبالتالي، أدى هذا الاحتكاك وفقدان التماسك داخل الفريق القيادي في كثير من الأحيان إلى مشاكل طويلة الأمد، بما فيها خسارة أعضاء فريق مهمين من الشركة.

كما أشارت جيل كيلي إلى أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يترددون في الاعتراف بأنهم ارتكبوا خطأ في تعيين شخص غير مناسب، ويحتفظون به لفترة أطول مما ينبغي. ومع ذلك، أكدت على أهمية اتخاذ القرار في الوقت المناسب، قائلة: "إذا كان الموظف لا يتناسب مع ثقافة الشركة، فإنه من الأفضل لكل من الشخص المعني وللمؤسسة نفسها أن يتخذ الرئيس التنفيذي القرار مبكرًا".

علاوة على ذلك، أشار عدد من الرؤساء التنفيذيين، خصوصًا أولئك الذين تقود شركاتهم تحولات كبيرة، إلى معضلة أخرى ذات صلة وهي كيفية تحقيق التوازن بين الموظفين القدامى الذين يتمتعون بالولاء والخبرة الطويلة في الشركة، وبين الموظفين الجُدد الذين يمتلكون المهارات المطلوبة لإحداث التحول، لكنهم قد لا يكونون ملتزمين تمامًا بقيم الشركة. هذه المعضلة تضع الرؤساء التنفيذيين أمام تحدٍ كبير لضمان أن يكون التحول ناجحًا، دون التضحية بثقافة الشركة أو ولاء الموظفين القدامى.

وفي سياق متصل، أكد نذير رزاق، الشريك المؤسس لشركة إخلاص كابيتال والرئيس التنفيذي السابق لمجموعة CIMB، على أن الرؤساء التنفيذيين بحاجة إلى إدارة أنواع مختلفة من الموظفين بفعالية. وأوضح أن الإدارة الجيدة تبدأ بالتمييز بين الموظفين الذين يؤمنون برؤية الشركة وقيمها بشكل كامل، وبين أولئك الذين يركزون بشكل أساسي على الأداء والمكاسب. وأشار إلى أنه عندما تكون الأعمال مزدهرة، قد يكون من السهل الاعتماد على النوع الثاني في المناصب المهمة، لكن من الضروري وضع خطة لخلافة واضحة، لأنك لا تعلم متى قد يغادرون الشركة.

يعتبر نذير رزاق أن التحدي الأصعب يكمن في التعامل مع الموظفين الصاعدين الذين يملكون صفات سلبية، رغم أنهم يحظون بثقة كاملة من الرئيس التنفيذي. وللتعامل مع هذا التحدي، كان رزاق يعمل مع هؤلاء الأفراد لمحاولة تغيير سلوكهم، وإذا تعذر ذلك، كان يسعى لمساعدتهم في العثور على دور جديد خارج الشركة. ويؤكد رزاق: "الطريقة التي تُنهي بها علاقة العمل مع أي فرد لها أهمية كبيرة، لأن الجميع في الشركة يراقبون تحركاتك كرئيس تنفيذي". من جهة أخرى، يعتقد كلاوس كلاينفيلد بأهمية وجود عملية اختيار دقيقة توازن بين تقييم الأداء والقيم. بمجرد اختيار الشخص، يمنحه الثقة الكاملة. فهو يؤمن أن ثقافة الأداء العالي المستدامة، القائمة على الابتكار والتحسين المستمر، تتطلب بيئة مبنية على الثقة والقيم. ومع ذلك، يصر على ضرورة التخلي عن أي شخص يضر بقيم الشركة، حتى وإن كان من أصحاب الأداء المتميز، ويفضل أن يتم هذا القرار بشكل واضح لتصل الرسالة إلى جميع العاملين في المؤسسة.

المعضلة الرابعة: تمكين فرق العمل مع ضمان تحقيق النتائج

يُعتبر تفويض المهام مهارة أساسية يجب أن يتقنها الرؤساء التنفيذيون، إذ أن تمكين الآخرين يلعب دورًا حيويًا في تحسين الأداء العام للشركة وفي بناء وتطوير القادة المستقبليين. ومع ذلك، نظرًا لأن الرؤساء التنفيذيين يتحملون المسؤولية النهائية عن نتائج الشركة، فإنهم قد يشعرون بالتردد في التخلي عن السيطرة بشكل كامل على العمليات، خشية التأثير السلبي على النتائج.

يعد تحقيق التوازن بين التفويض والسيطرة تحديًا كبيرًا، خاصة بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الجُدد الذين قد يحتاجون إلى التحول من عقلية المشغل، التي كانت مطلوبة في أدوارهم السابقة، إلى نهج المدير الموجه. حتى بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين قضوا فترة طويلة في مناصبهم، تظل مسألة تحديد متى وأين يجب التخلي عن بعض السيطرة تحديًا مستمرًا. فقد اعترف أحد الرؤساء التنفيذيين ذوي الخبرة في قطاع البنوك في جنوب شرق آسيا بأنه لا يزال يجد صعوبة في الابتعاد عن التفاصيل اليومية، بسبب قلقه من احتمال وقوع أخطاء من قبل فريقه. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يبقى في المكتب حتى وقت متأخر لمراجعة التقارير التفصيلية بحثًا عن أي أخطاء قد تكون فاتته.

ويعد التوازن بين تفويض المهام وتحمل المسؤولية تحديًا مستمرًا للرؤساء التنفيذيين. ولتحسين أداء الشركة، يمكنهم إنشاء هيكل تنظيمي يسمح لفرقهم بالتعلم من الأخطاء في بيئة تكون فيها المخاطر محدودة. في الوقت نفسه، يجب أن يضمنوا وجود مستويات مناسبة من الإشراف والمتابعة، لضمان تحقيق الأهداف المطلوبة دون التخلي عن السيطرة بشكل كامل.

علاوة على ذلك، يمكن للرؤساء التنفيذيين تكوين فريق موثوق من المدراء المباشرين لتفويض المهام اليومية واتخاذ القرارات الروتينية، مما يسمح لهم بالتركيز على الأهداف الاستراتيجية والرؤية العامة للشركة، والتفويض لا يخفف فقط من العبء على الرئيس التنفيذي، بل يسهم في تحسين أداء الشركة بشكل عام، وكما يقول بيتر أولسون: "يعتقد بعض الرؤساء التنفيذيين أنهم الوحيدون القادرون على اتخاذ أفضل القرارات، لكن مع الفريق المناسب، كل عضو يعرف مجاله بشكل أفضل ويستطيع اتخاذ القرارات الصحيحة بصورة أكثر فعالية".

حتى مع الحرص على التوظيف السليم، ووضوح الأدوار، وتطبيق التدابير الوقائية المناسبة، من الطبيعي أن تقع الشركات في بعض الأخطاء، وهو أمر يجب على الرؤساء التنفيذيين تقبله. كما أوضح بيتر أولسون، فإن أحد أكبر التحديات التي واجهها كرئيس تنفيذي كان في "التخلي عن الكمال والمثالية والتركيز على 95% من العمل الذي يتم بشكل جيد، بدلاً من الانشغال بالـ 5% التي لم تتم بالشكل المثالي."

يمكن للرؤساء التنفيذيين تحديد المجالات التي يجب أن يحتفظوا فيها بالسيطرة وتلك التي يمكنهم تفويضها، بناءً على السياق والظروف المحيطة بالشركة. كما أكد نذير رزاق على أن الرؤساء التنفيذيين يجب أن يطوروا أسلوب إدارتهم ليتماشى مع احتياجات الشركة المتغيرة. وذكر قائلاً: "قد تتطلب فترة التحول نهجًا أكثر سلطوية من الرئيس التنفيذي، ولكن بعد تحقيق الاستقرار، يمكنه التنازل عن بعض السيطرة." وأشار أيضًا إلى "أن الرؤساء التنفيذيين الأذكياء يراجعون أنفسهم باستمرار ليتأكدوا من أنهم لا يزالون الشخص المناسب لقيادة الشركة."

المعضلة الخامسة: الاندماج الكامل في دور الرئيس التنفيذي مع الحفاظ على الهوية الشخصية وشغف تحقيق الأهداف

يسعى معظم القادة إلى القيام بالأداء بأعلى مستوى ممكن، وهو ما يتطلب تركيزًا شديدًا، والتزامًا كبيرًا، وقدرة على التحمل. هذا ما اختبره بيتر أولسون، الذي قال: "عندما توليت المنصب، استحوذ العمل على حياتي بالكامل". مع العلم في ذات الوقت، يرغب الرؤساء التنفيذيون في الحفاظ على حياة شخصية، تشمل بناء العلاقات الشخصية ومتابعة اهتماماتهم الخاصة. وقد اعترف الرؤساء التنفيذيون الذين تحدثنا إليهم بأن تحقيق هذا التوازن بين الحياة المهنية والشخصية يمثل تحديًا مستمرًا. هذا التحدي قد يكون أكثر وضوحًا في آسيا، حيث تُسجل معدلات الاحتراق الوظيفي أعلى بكثير من المعدلات العالمية.4

وقد أفاد العديد من الرؤساء التنفيذيين ذوي الخبرة أنهم أدركوا في مرحلة ما ضرورة إيجاد توازن مستدام لتحقيق النجاح في دورهم. كما أوضحت جيل كيلي قائلة: "لا بأس أن تمر بفترات مليئة بالانشغالات أو التحديات، ولكن لا يمكن أن تكون مسيرتك المهنية كلها كذلك. يجب أن تعيش حياتك كاملة، وليس فقط الجانب المهني منها". ولتحقيق هذا التوازن، اعتمد الرؤساء التنفيذيون استراتيجيات مختلفة. على سبيل المثال، ذكر أحدهم أنه يخصص أوقاتًا معينة ليكون حاضرًا بشكل كامل مع أسرته، بدلاً من أن يكون في المنزل منشغلاً بشكل دائم. وأكد العديد من الرؤساء التنفيذيين الآخرين على أهمية التركيز الكامل في اللحظة الحالية، والمشاركة بنسبة 100% في كل ما يقومون به.

وبعيداً عن النصائح والأساليب المعتادة، أشار الرؤساء التنفيذيون الذين نجحوا في تحقيق توازن بين حياتهم الشخصية والمهنية إلى أنهم يمتلكون سمة مشتركة: لقد وجدوا "الدليل الخاص بهم". إن تحديد هدف أو رسالة واضحة ساعدهم في الحفاظ على التوازن والوضوح والشعور بالغاية. على سبيل المثال، أوضح أحد الرؤساء التنفيذيين في قطاع البناء أن هدفه هو إنشاء بنية تحتية تدعم تقدم بلاده اقتصادياً واجتماعياً. وفي الوقت نفسه، تحدثت رئيسة تنفيذية لإحدى شركات التجزئة بشغف عن رغبتها في تطوير الجيل القادم من المواهب في بلدها.

إن امتلاك رؤية شاملة يساعد الرؤساء التنفيذيين على تخفيف الضغط الناتج عن التركيز المستمر على تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية. كما أشار فابريس ديسماريسكو، قائد برنامج " أبيركين آسيا" مدرب قادة الرؤساء التنفيذيين في ماكنزي5، إلى أن "الرؤساء التنفيذيون الذين حققوا توازنًا أفضل هم أولئك الذين يقدرون الرحلة نفسها أكثر من الوجهة النهائية." وأضاف قائلاً، "السعي وراء تحقيق أهداف معينة، سواء كان ذلك سعر سهم أو حصة سوقية، يمكن أن يخلق شعورًا دائمًا بعدم الرضا، ويوهمنا أننا سنكون سعداء فقط عندما نحقق هدفنا. لكن الحقيقة هي أن السعادة الحقيقية تأتي من تقدير الرحلة بحد ذاتها".

بمجرد أن يحدد الرؤساء التنفيذيون مهمتهم بوضوح، يكتشفون غالبًا أن لديهم القدرة على تحديد أو إعادة صياغة الأهداف ومؤشرات الأداء الرئيسية. فعلى سبيل المثال، قضت إحدى الرؤساء التنفيذيين تسعة أشهر في توسيع مبادرات وأهداف شركتها لضمان توافقها مع رؤيتها الشخصية. بعد هذه الرحلة المكثفة، أصبحت على ثقة ويقين بأن مجموعة الأهداف الجديدة لم تكن مناسبة فقط للشركة، بل أيضًا للمجتمع والبيئة وموظفيها.

أخيرًا، قد يكون من الصعب على الرؤساء التنفيذيين أن يدمجوا هويتهم الشخصية وقيمهم داخل العمل، بدلاً من الالتزام بالصورة النمطية للرئيس التنفيذي. ولكن النجاح في هذا الدور يتطلب تحديدًا أن يتجاوزوا هذا النمط. كما أوضح فابريس ديسماريكو في مقولته "أسوأ طريقة لخسارة نفسك هي أن تفقد نظرتك لقيمك. قد يكون من المغري للرؤساء التنفيذيين- تحت ضغط الأداء- أن يلجئوا لطرق مختصرة أو يتبنون ممارسات قانونية ولكن غير أخلاقية، وهذا يشكل طريقًا غير موثوق به." من جهة أخرى، رأت جيل كيلي أن التعبير عن نفسك بشكل كامل في العمل يمكن أن يكون له فوائد ملموسة وتقول: "إن مشاركة جوانب من حياتك الشخصية بوضوح تعزز العلاقات مع أصحاب المصلحة، حيث يرونك كشخص حقيقي يمكنهم التفاعل معه".

الاستنتاجات الرئيسية من إجراء المقابلات مع القادة

غالبًا ما يواجه الرؤساء التنفيذيون مجموعة من هذه التحديات في آن واحد. على سبيل المثال، قد يكون الرئيس التنفيذي مشغولًا بتحديث الأعمال التجارية بينما يسعى في الوقت نفسه إلى تمكين فريقه الذي قد يكون تحت رقابة شديدة، أو يحاول التعامل مع شخصيات صعبة داخل الفريق، وكل ذلك أثناء محاولة الحفاظ على حياة متوازنة ومبنية على هدف واضح.

الأفكار والاستنتاجات التالية قد تساعد الرؤساء التنفيذيين والقادة الطموحين على التعامل مع التحديات الجوهرية التي قد يواجهونها في عملهم.

  1. اعتمد مبدأ الجمع بين الخيارات بدلاً من التضحية بأحدها. رغم أن اتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات يُعد جزءًا أساسيًا من دور الرئيس التنفيذي، إلا أن هناك حالات يمكن فيها الجمع بين نتائج أو خصائص تبدو متعارضة، وقد تكون متكاملة أيضًا. فعند مواجهة قرار معقد يتطلب الاختيار بين طرفين متناقضين، يجب على الرؤساء التنفيذيين تجنب الانحياز لطرف دون الآخر. بدلاً من ذلك، عليهم السعي لإيجاد حل يحقق التوازن ويرضي كلا الجانبين. بهذه الطريقة، يمكن تحويل التناقضات إلى فرص. يتطلب هذا النهج مرونة وإبداعًا في التفكير، مع شفافية في التواصل، والتزامًا بالتعلم المستمر والتحسين. في نهاية المطاف يعتبر التعامل بذكاء مع هذه التحديات من أهم العوامل التي تساعد الرؤساء التنفيذيين على بناء الثقة، وتعزيز المرونة، وتحقيق النجاح المستدام لشركاتهم.
  2. ابحث عن شبكة دعم ولا تخف من إظهار الضعف، فقيادة الشركة يمكن أن تكون مهمة مليئة بالعزلة، لذا يجب على الرؤساء التنفيذيين التأكد من وجود أنظمة دعم تقدم لهم المشورة والتشجيع، سواء كانت هذه الشبكات من خلال برامج رسمية أو غير رسمية، الأهم هو أن توفر بيئة آمنة للانفتاح والمناقشة، كما نصح "أو. بي. بات"، الرئيس السابق لبنك الدولة الهندي، بأن الضعف ليس ضعفًا بل قوة، حيث يعزز الوعي ويمكن أن يجمع الناس بطريقة إيجابية للغاية عند التعامل معه بحساسية.
  3. أعد تقييم أولوياتك باستمرار وحافظ على عقلية منفتحة. يوضح "كلاوس كلاينفيلد" أن الهدف الأسمى والأساسي في الحياة قد يتغير بشكل كبير مع مرور الوقت، لكنه في النهاية يعكس الشخص الذي تريد أن تكونه عندما تصل إلى نهاية رحلتك. هذا الوضوح في الهدف يمنحك القدرة على تشكيل مصيرك، والذي لا يتوقف على مسيرتك المهنية فقط. من جانبه، يؤكد "بيتر أولسون" على ضرورة أن يكون الرؤساء التنفيذيون صادقين مع أنفسهم بشأن ما يمنحهم الرضا والسعادة، ويجب أن يحددوا الأنشطة والمهام التي يحبونها وتلك التي لا يفضلونها. ومن المهم أيضاً أن يقوموا بإعادة تقييم دورهم بشكل دوري للتأكد من أنه يحقق لهم الرضا المطلوب. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فعليهم تخصيص وقت أكبر للأنشطة التي تجلب لهم السعادة والإثارة، حيث أن حماسهم المتزايد سينعكس بشكل إيجابي على فريق العمل بأكمله.
  4. خصص وقتًا منتظمًا للتفكير وإعادة التواصل مع أهدافك، فالشعور بفقدان الهدف أو عدم التوافق بين مهمتك الشخصية وأهداف الشركة قد يؤثر سلبًا على مستوى رضاك عن العمل وأدائك، وعلى الرغم من أن الأعمال اليومية لإدارة الشركة قد تبدو مستمرة بلا توقف، إلا أن تخصيص وقت للتفكير في مهمتك الشخصية وكيف تساهم في نجاح الشركة يُعتبر ضروريًا لتعزيز تأثيرك وإنتاجيتك.

بالنسبة للعديد من القادة، تمثل فترة تولي منصب الرئيس التنفيذي ذروة مسيرتهم المهنية، حيث يتيح هذا المنصب فرصًا استثنائية للتأثير على بناء الشركة، وتطوير المواهب، وتحقيق الأهداف المجتمعية الأوسع. ومع ذلك، حتى أنجح الرؤساء التنفيذيين يمرون بلحظات من الشك أو الضعف. لذلك، من المهم أن يخصصوا وقتًا منتظمًا للتفكير في مهمتهم وأهدافهم الشخصية. هذا التفكير يساعدهم على التأكد من أنهم يسيرون على الطريق الصحيح، ويضمن أنهم يتركون إرثًا يمكن للقيادة القادمة البناء عليه.

Explore a career with us