إن الخدمات المالية بأدواتها المختلفة، تعد فرصًا حقيقيةً للنمو الاقتصادي وبناء الثروات,1 غير أن العديد من هذه الفوائد والامتيازات لا تصل إلى الكثير من الأمريكيين اللاتينيين، الذين يعانون من عدم تلبيةٍ لاحتياجاتهم فيما يخص هذا القطاع تحديدًا، في الوقت ذاته الذي يمثلون فيه نحو عشرين بالمائة من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، كما يشكلون أيضًا كتلةً اقتصاديةً متنامية,2 ومع كل ذلك فلم يكن لدى اللاتينيين الفرصة الكافية للاستفادة من فوائد الخدمات المالية المتعددة. هذه التحديات تؤدي في النهاية إلى حالة من عدم المساواة في القدرة على تحقيق النمو المالي بين الأمريكيين من البيض واللاتينيين، فعلى سبيل المثال يبلغ متوسط ثروة الأسرة الأمريكية "البيضاء" من الشريحة المتوسطة، خمسة أضعاف ثروة اللأسرة اللاتينية من نفس الشريحة والتي لها نفس عدد الأفراد.3
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
للمزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
إن توفير خدماتٍ ماليةٍ ومصرفية ذات تأثير وفاعلية للعملاء اللاتينيين، يمكن أن يخلق دورةً حيويةً تتفوق في آثارها الإيجابية على السوق من نواحٍ عدة كالنمو التفصيلي,4 الربح، الأولويات البيئية والاجتماعية وأيضا أولويات الحوكمة.5 حيث تشير التحليلات التي أجريناها في ماكينزي إلى أن إيرادات المدخرين من الأسر اللاتينية، وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMBs) التي تحقق إيراداتٍ تبلغ الــ 30 مليون دولار أو أقل، قد وصلت بالفعل لـــ170 مليار دولار. ومن المتوقع أن تنمو إيرادات هذا السوق بشكلٍ فعلى إلى حوالي 265 مليار دولار بحلول عام 2030 كما هو موضحٌ بالرسم البياني، أي 8% من القيمة الاجمالية لسوق الخدمات المالية.
إن بعض المؤسسات العاملة في القطاع المالي والمصرفي ممن يتمتعون بنظرةٍ مستقبليةً رائدة، قد بدأوا بالفعل في تحقيق تقدمٍ ملموس فيما يخص العروض المقدمة للعملاء اللاتينيين، غير أن القطاع المالي في مجمله يعاني من بطءٍ لافتٍ قد يصل إلى حد التقاعس في ابتكار وتحسين الخدمات والعروض المالية المقدمة لللاتينيين، مما قد يعرض هذه المؤسسات الى خطر فقدان الفرص التجارية. وفي تقريرنا الجديد والذي يحمل عنوان "الوضع الاقتصادي للأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية: تعزيز النمو المالي"، نقوم بتسليط الضوء على العوائد الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن تقديم الخدمات المالية المتميزة للمدخرين اللاتينيين، ورواد الأعمال من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة 6; كما سنقوم بتعريف الحواجز التنظيمية الداخلية، مع تقديم مجموعةٍ من المقترحات التي تساعد في بناء علاقاتٍ قويةٍ مع المدخرين وأصحاب الأعمال، كما سنلقي نظرةً عامة على ثلاث استراتيجياتٍ هامة في مجال خدمة العملاء اللاتينيين، بحيث يمكن للمؤسسات المالية اختيار الأنسب منها وذلك وفقًا لأهداف وفلسفة كل مؤسسةٍ على حدى. كما يتضمن تقريرنا أيضًا توضيحًا لدور كلٍ من مستثمري رأس المال المُخاطر (V.C)، ومستثمري الأسهم الخاصة (P.E) في تعزيز الحراك الاقتصادي داخل هذا القطاع الحيوي. ويهدف التقرير في مجمله إلى ضرورة الاهتمام بهؤلاء العملاء من خلال تشجيع المؤسسات المالية المختلفة على تطوير علاقاتها مع هذه الفئات التي طالما تم تجاهلها في السابق.7
يمكن للمدخرين اللاتينيين تحقيق إيراداتٍ تصل إلى 240 مليار دولار، عن طريق الخدمات المالية، لكن لا تزال هناك عوائق.
تتوقع تحليلاتنا أن تحقق إيرادات العملاء اللاتينيين في مجال البنوك والتأمين وإدارة الثروات زيادةً كبيرةً بنسبة تتجاوز الـــ50 بالمائة من الإيرادات المتوقعة في هذا القطاع، والتي تم تقديرها في عام 2022 بــ155 مليار دولار، وسط توقعاتٍ بأن ترتفع إلى 240 مليار دولار بحلول عام 2030. كما توصلت أبحاث ماكينزي أيضًا إلى أن المدخرين اللاتينيين يُظهرون ولاءًا أكبر للمؤسسات المالية التي يتعاملون معها، خاصةً عندما يرغبون في الحصول على حلولٍ جديدة كخدمات الاستثمار مثلًا، وذلك مقارنةً بباقي العملاء.
فبالرغم مما حققته بعض المؤسسات المالية من تقدمٍ في مجال تلبية احتياجات المدخرين اللاتينيين، إلا أنه لا تزال هناك ثمة عوائق تعرقل تطوير العلاقة بين هذه المؤسسات وعملائها من هذه الفئة، منها على سبيل المثال صعوبة الوصول إلى الأفرع المصرفية التي تقدم خدماتٍ لللاتينيين,8 وكذلك انخفاض مستويات الثقة بين المؤسسة والعميل,9 بالإضافة لبعض الخصائص التنظيمية التي تجعل من عملية التقييم الدقيق لقدرة المدخرين اللاتينيين على الائتمان أمرًا ليس باليسير.
هذه الحواجز والعقبات ألقت بظلالٍ سلبيةٍ على شكل العلاقة بين المؤسسات المالية والمدخرين اللاتينيين، وتسببت في خلق المزيد من التحديات، حيث أكد 55 بالمائة ممن شملتهم العينة التي أجرينا عليها أبحاثنا من المدخرين اللاتينيين عدم رضائهم عمّا يقدمه القطاع المالي من خدماتٍ وعروضٍ لهم. بينما كانت أبرز التحديات التي كشفتها أبحاثنا، تلك المتعلقة بعدم تقديم الخدمات المالية والمصرفية باللغة الإسبانية، فضلًا عن احتياج اللاتينيين كذلك لإجراء عمليات التحويلات النقدية الدولية بتكلفةٍ منخفضة وهو الأمر الذي يمثل أهميةً بالغةً لهم، حيث يتسبب ذلك في خفض مدخراتهم بنسبةٍ تصل لأحد عشر بالمائة عن نظرائهم من البيض.10 بالتأكيد تعد الخدمات المالية أحد الأدوات الفاعلة في بناء الثروة بشكلٍ عام، غير أن المدخرين اللاتينيين لا يزالون الأقل حظًا في المشاركة بسوق الأوراق المالية، كما أنهم يتخلفون عن بقية فئات المجتمع الأمريكي في الحصول على غطاءٍ تأمينيٍ على الحياة.11
إن تقديم خدماتٍ أفضل لأصحاب الأعمال من اللاتينيين، قد ينتج إيراداتٍ تصل إلى 25 مليار دولارٍ سنويًا
يتمتع اللاتينيون بقدراتٍ متميزةٍ في مجال ريادة الأعمال، حيث يفوق معدل انشائهم للأعمال التجارية ثلاثة أضعاف المعدل العام لباقي السكان.12 كما تشير تحليلاتنا أيضًا إلى أن معدلات إنفاق أصحاب الأعمال اللاتينيين في قطاع الخدمات المصرفية والتأمين ستشهد نموًا تصاعديًا من 17 مليار دولار في عام 2022، لتصل إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2030.
إن أكثر ما يميز أصحاب الأعمال اللاتينيين هو سعيهم الدائم لتحقيق نجاحاتٍ ملموسةٍ في أعمالهم، وحرصهم الكبير على تنمية هذه الأعمال على المدى الطويل، ولذلك فهُم يُقدّرون المؤسسات المالية التي تتفهم خلفياتهم الثقافية عند تقديمها للخدمات المالية الخاصة بهم، ويأتي على رأس هذه الخدمات التخطيط الماليّ، حيث يمكن أن تلعب خدمات إدارة العلاقات دورًا حاسمًا في توفير التواصل والدعم المستمر لهم.
وبالرغم مما تقوم به بعض المؤسسات المالية من جهود حثيثة لتلبية احتياجات أصحاب الأعمال اللاتينيين - مثل ما تقدمه مؤسسات التنمية المالية للمجتمعات (CDFIs) – إلا أنه لا تزال هناك بعض العقبات التي تواجه هذه الفئة من أصحاب الأعمال كصعوبة الحصول على التمويلات اللازمة. وهو الأمر الذي كشفت عنه تحليلاتنا، حيث أظهرت وجود فجوة تمويلية كبيرة تُقدّر بـ 200 مليار دولار بين الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة لللاتينيين، والشركات الأخرى من نفس الفئة والمملوكة للبيض؛ كما كشفت تحليلاتنا أيضًا عن أن ما يعزز من بقاء واتساع هذه الفجوة هو عمليات الإقراض طويلة المدى والمرهقة لفئةٍ تعاني بالفعل من فقدان الثقة في المؤسسات المالية. فبينما تقوم بعض المؤسسات المالية مثل مؤسسات التنمية المالية للمجتمعات بجهودٍ داعمة لأصحاب الأعمال اللاتينيين، إلا أنّه ونظرًا لصغر حجم تلك المؤسسات، يصبح من الصعوبة بما كان توسيع قاعدة العروض والخدمات المالية التي تقدمها لهم لتشمل عددًا أكبر من المستفيدين.
الاستراتيجيات المتوائمة مع الأهداف التجارية
إن تطوير نهج فعالٍ لخدمة العملاء لهو أمرٌ في غاية الأهمية يجب أخذه بعين الاعتبار، لذا سنوضح هنا ثلاث خطواتٍ بإمكان المؤسسات المالية اتباعها لتحديد أفضل استراتيجيات التواصل مع العملاء اللاتينيين، كما سنناقش استراتيجياتٍ ثلاث في ذات النسق، ونسلط الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه المستثمرون في السوق الخاصة داخل هذا النظام.
الخطوات الثلاث للوصول إلى الاستراتيجية الصحيحة
يمكن للمؤسسات المالية والمصرفية أن تحدد النهج الاستراتيجي المناسب لها لتقديم خدماتها للعملاء اللاتينيين وذلك استنادًا إلى ثلاث خطواتٍ أساسية،
الخطوة الأولى هي تحديد الشرائح الرئيسية للعملاء، ووضع نهجٍ استراتيجيٍ يتناسب مع تطلعات المؤسسة لهذه الشرائح، حيث يجب أن تبدأ المؤسسات بدراسة عملائها الحاليين من المدَّخرين اللاتينيين، والتعرف على أنماط استخداماتهم للمنتجات المصرفية المختلفة، بالإضافة لدراسة كافة احتياجاتهم.
ثم تأتي الخطوة الثانية والتي تتمحور حول العمل على تطوير العروض والخدمات الجذّابة من حيث القيمة، بالإضافة إلى طرح العديد من المبادرات التجارية التي تلقى قبولًا لدى هؤلاء العملاء الرئيسيين. وكنقطة انطلاقٍ للمؤسسات تتمكن من خلالها تحديد أفضل المنتجات التي تلبي احتياجات هؤلاء العملاء لتصل إليهم عبر القنوات الأكثر فاعلية. ومن ثُمّ يمكن للمؤسسات بعد ذلك استخدام تلك الرؤى لتطوير عروضٍ أكثر شمولية، تلبي احتياجات العملاء اللاتينيين بأعلى معايير الجودة، واستكمالًا لهذه الخطوة يجب على صنّاع القرار العمل على صياغة كافة التفاصيل الخاصة بمبادارتهم التجارية مثل وضع استراتيجيات التسويق الملائمة والفعّالة، والتأكد من أنّ المنتجات الموجهة لهذه الشريحة من الجمهور تلبي احتياجاتهم فعليًا.
وأخيرًا، فإن من الواجب على المؤسسات المالية أن تضع نموذجًا للحوكمة يساعدها على تجربة النهج الذي استقرّت على تطبيقه في مجال خدمة العملاء اللاتينيين، والعمل على توسيع المجال لتطبيق هذا النهج ودمجه في منظومة العمل بتلك المؤسسة، 13 ويتطلّب هذا التوسع في المنهج - الذي تم اعتماده - تحديدًا دقيقًا لكافة العناصر ولكل ما يمكن عمله لضمان نجاح تلك الاستراتيجية. حيث يجب العمل من اليوم الأول على إجراء مراجعةٍ دقيقةٍ لكافة القدرات والموارد المتاحة، حتي يمكن تحديد أوجه التداخل في خدمة هؤلاء العملاء.
ثلاث مناهج استراتيجية
تستطيع كل مؤسسةٍ من المؤسسات المالية اختيار أحد المناهج الاستراتيجية الثلاث التالية لتلبّي احتياجات عملائها من اللاتينيين، وذلك وفقًا لأهداف وفلسفة كل مؤسسة.
يركّز المنهج الأول على "تعظيم القيمة التجارية"، حيث تسعى المؤسسات دائمًا إلى الحصول على الإيرادات السريعة والعمل على زيادتها، معتمدةً في ذلك على تلبية احتياجات عملائها الرئيسيين، فعلى سبيل المثال، قد تلجأ بعض المؤسسات في الولايات المتّحدة الأمريكية إلى عمل شراكاتٍ مع أكبر البنوك العاملة في أمريكا اللاتينية، لتضمن بذلك الحفاظ على عملائها من ذوي الأصول اللاتينية، ممّن يحققون أرباحًا عالية.
أمّا المنهج الثاني فيعتمد على فكرة الشمول برؤيةٍ طويلة الأمد، حيث تقدّم المؤسسات التي تعتمد هذا النهج مجموعةً من الخدمات والمنتجات المالية الأساسية للمدخرين الذين يعيشون في مناطق تندُر بها الأفرع المصرفية والتي تعرف اصطلاحا بـ "الصحاري المصرفية"، وأولئك الذين لا يتمتعون برؤيةٍ ائتمانية أو لا يُتقنون اللغة الإنجليزية. فهؤلاء المدَّخرين يمكن مساعدتهم عن طريق تصميم منتجاتٍ وخدماتٍ خاصةٍ بهم تستهدف دعم أوضاعهم المالية بشكلٍ يوميّ.
وأخيرًا يأتي المنهج الثالث، والذي يركّز على تحقيق مفهوم النمو الشامل، والذي يستهدف تلبية احتياجات ومتطلبات العملاء المرتبطين فعليًا بعلاقةٍ مع مؤسساتٍ مالية ولكن بشكلٍ أفضل وأكثر احترافية، حيث يمكن لهذه المؤسسات العمل على وضع حزمةٍ من التدابير والإجراءات التي تحقق أهداف النمو الشامل للعملاء، كالتعاون مع بعض مؤسسات التمويل والتنمية المجتمعية لدعم أصحاب الأعمال من تلك الفئات التي تم تجاهلها تاريخيًا، عبر تقديم الخدمات المالية والائتمانية لهم.
دور المستثمرين الخاصين في تعزيز الشمول الماليّ
إنّ مستثمري السوق الخاصة - وبالتحديد مستثمري رأس المال المُخاطر "VC"، ومستثمري الأسهم الخاصة "PE "، من الممكن لهم أن يلعبوا دورًا محوريًا ومؤثرًا في تعزيز القدرة الاقتصادية للمدخرين من المجتمع اللاتيني، حيث يمكنهم دعم أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة من هذه الفئة، وكذلك توفير الفرص الاستثمارية، والدعم المالي، والتدريب المهنيّ لهم، بما يسهم في زيادة نموهم الاقتصادي وتعزيز حالة الحراك الاجتماعي الخاصة بهم.
ورغم أهمية اللاتينيين كمجموعةٍ سكانية، ليس فقط داخل الولايات المتحدة الأمريكية وإنّما في العديد من الأسواق العالمية الأخرى، إلا أنهم لا يزالون يواجهون العديد من التحديات التي تمنعهم من الحصول على فرصٍ استثمارية حقيقة، 14 فالكيانات اللاتينية لا تدير إلا حصةً ضئيلةً جدًا تقل عن 1% بالمائة15 من رأس المال المتداول بالأسواق الخاصة، والذي يقدّر بـــ11.7 تريليون دولار، الأمر الذي يشير إلى وجود فجوةٍ كبيرةٍ في الفرص المتاحة لهم في قطاع المال والأعمال. علاوةً على ذلك فإن نسبة تمثيل أصحاب الأعمال من اللاتينيين لا تزال منخفضةً هي الأخرى بين صفوف المستثمرين المحترفين,16 حيث تشير الاحصائيات إلى أن نسبتهم تبلغ 4% بالمائة فقط من مجموع المستثمرين المحترفين في هذا المجال.17
وأخيرًا، فإن المؤسسات الاستثمارية يمكن أن تساهم بشكلٍ فعّالٍ في دعم الحراك والتطور الاقتصادي لللاتينيين، وذلك عن طريق طرح العديد من الأفكار المحفّزة للنمو الاقتصادي والتي تُشجع على استخدام الخدمات المالية بين هذه الفئة، والتي يعد التملُّك العقاري من أهمها، باعتباره حجر الزاوية والمحرك الرئيسي لبناء ثروة الأسرة، مما يعزز الأمان المالي لها.18
إن ما قدمناه من محتوىً في هذا التقرير من معلوماتٍ وأفكارٍ واستراتيجيات مبنيةٍ على بياناتٍ موثقة، إنما يؤكد وجود العديد من الفرص التي يمكن من خلالها أن تحقق المؤسسات المالية معدلات نجاحٍ مرتفعة وذلك في حال تقديمها للخدمات والعروض المصمّمة خصيصًا للمدّخرين اللاتينيين، حيث سيكون النجاح حليفًا للمبادرين من هذه المؤسسات بالتأكيد.