نجاح الشركات العقارية يتوقف على ست خطوات في المشهد الراهن

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر نرحب بتعليقاتكم على البريد الالكتروني التالي: reader_input@mckinsey.com

"إذا بنيته، فسيأتون"، هذه العبارة التي وردت في فيلم "فيلد أوف دريمز" حول ملعب للبيسبول، ما زالت تحاكي منذ عقود واقع العقارات السكنية والتجارية والمكتبية. لكن ما نشهده اليوم من تحولات كبرى في المعايير السائدة، وسط زيادة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والتغير المناخي، يفرض على المستثمرين ومشغلي العقارات مواجهة تحدي صعب مفاده عدم حتمية قدوم العملاء لمجرد تطوير العقارات أو شرائها بالطريقة التقليدية.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

ومن البديهي أن جائحة كوفيد-19 ساهمت في تغيير الاعتبارات المتعلقة بالمساحات العقارية على مستوى العالم، سواء من ناحية اختيار موقعها أو طريقة استخدامها. وما يزال الحضور الشخصي إلى المكاتب في بعض المناطق أقل بكثير مما كان عليه قبل الجائحة، حيث تبلغ نسبته مثلًا في الولايات المتحدة حوالي 50%. 1 وعلى صعيد المساحات التجارية، عاد المستهلكون لارتياد المتاجر الحقيقية، 2 لكنهم باتوا يفضلون التسوق في المناطق القريبة من المنزل. 3 وفي مجال التجارة الإلكترونية، فإن ارتفاع مستوى توقعات العملاء من ناحية التوصيل في اليوم نفسه أو في اليوم التالي قد عزز الطلب على المساحات الصناعية بالقرب من مناطق العمل والسكن.

ويتمثل التغير الأبرز، إلى جانب تغير مستويات الطلب، في الاحتياجات الجديدة لشاغلي العقارات والتي تجاوزت العروض التقليدية التي كانت تقدمها الشركات العقارية. ويتعين على المالكين اليوم تزويد مساحات العمل بتصاميم ذكية وإبداعية وتقديم حلول وخدمات مبتكرة للعملاء، حرصًا على تلبية متطلبات بيئات العمل الهجينة والمبيعات متعددة القنوات. ويضاف إلى ذلك التوجه المتزايد للمستأجرين والجهات المانحة للقروض وغيرها من الأطراف المعنية نحو المباني التي تساهم في مكافحة التغير المناخي. ويبرز هنا الدور الجوهري للتطور الرقمي في مساعدة الشركات العقارية على التصرف بشكل أسرع واتخاذ قرارات مدروسة بصورة أفضل، فضلًا عن إعداد التقارير حول الانبعاثات الكربونية ومتابعة وتحليل طرق استخدام المساحات التابعة لها.

ويزداد المشهد تعقيدًا مع ارتفاع معدلات رسملة العقارات في مختلف القطاعات بعد النمو السريع الذي شهده السوق على مدار السنوات العشرة الماضية، 4 إلى جانب الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة، 5 وزيادة التضخم في العديد من مناطق العالم، 6 ما أسفر عن تغير كبير في تكاليف التمويل والعوائد المتوقعة بالنسبة للمالكين والمطورين والمدراء. وأدى هذا الارتفاع في التكاليف، والمترافق مع نقص اليد العاملة، إلى زيادة التحديات التي تحيط بعمليتي التطوير وإعادة التطوير العقاري وتقليل ربحيتهما، 7 كما أن جمع رأس المال بات أكثر صعوبة اليوم مما كان عليه قبل بضع سنوات، 8 نظرًا لأن بعض الشركاء قد خفضوا التزاماتهم السنوية. ويُعزى ذلك من ناحية إلى الانخفاض الحاد في قيمة محافظهم من الأسهم العامة، ما أدى إلى زيادة حجم محافظهم العقارية بقيمتها الحالية بما يتخطى أهدافهم المتعلقة بتوزيع الأصول (وهو ما يُعرف باسم تأثير العامل المشترك).

أسفر التضخم وحالة انعدام اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي عن ارتفاع كبير في أسعار المنازل وصعوبة أكبر في الوصول إلى الائتمان في الأسواق الناشئة، وزيادة التحديات بالنسبة للمستثمرين ومشغلي العقارات فيما يتعلق بجمع التمويل وعقد الصفقات وإدارة العوائد. وفي الوضع الراهن، ستشهد الشركات التي تواصل الاستثمار في العقارات وتشغيلها بالطريقة نفسها التي كانت تتبعها قبل خمس سنوات تراجعًا في أدائها وحصتها في السوق. وبالتالي، يتعين على الشركات العقارية الفاعلة اعتماد مقاربة جديدة والانتقال من عقلية أن "العقار يستقطب العملاء بمجرد بنائه" إلى عقلية "المحافظة على المستأجرين وإرضائهم من خلال التميز في الخدمة التشغيلية". ويتوقف نجاح المستثمرين أو المشغلين العقاريين في السوق الحالية على التزامهم بالخطوات الستة التالية:

  1. توفير الحلول للعملاء وعدم الاقتصار على المساحات المادية.
  2. الاعتماد على المشاريع العقارية لابتكار أنماط جديدة وليس اللحاق بركب السوق فقط.
  3. إيجاد فرص لتوفير القيمة في مختلف مراحل دورة حياة المشروع وليس فقط في المراحل النهائية.
  4. اعتبار الاستدامة فرصة حقيقية وليس مجرد عملية امتثال مفروضة.
  5. دمج الحلول الرقمية وأدوات التحليل المتقدمة في جميع العمليات بدلًا من الاكتفاء باعتماد حلول فردية بشكل متفرق.
  6. التركيز على الكفاءة التشغيلية وليس على توفير الدخل فقط.

ويتطلب تنفيذ هذه الخطوات الستة الاستثمار أو عقد الشراكات بهدف الوصول إلى القدرات المطلوبة على صعيد التكنولوجيا وأدوات التحليل والعمليات وعلم المناخ. ولطالما استحوذ المستثمرون ومطورو العقارات على الأضواء في الشركات العقارية، ولكن يتضح اليوم أن القيمة التي يوفرها أصحاب الكفاءات والإمكانات الرقمية قد تصبح قريبًا مساوية للقيمة التي يوفرها أصحاب الكفاءات "التقليدية" في مجال العقارات.

ويواجه المسؤولون التنفيذيون في الشركات العقارية تحديات جديدة في التعامل مع التغيرات الحالية في أنماط الطلب واحتياجات الشاغلين، إلى جانب الظروف الصعبة على مستوى الاقتصاد الكلي، بالتوازي مع تحقيق التحول في شركاتهم على صعيد الاستدامة والتكنولوجيا الرقمية. ونستعرض في هذه المقالة الخطوات الضرورية بالنسبة للمستثمرين والمشغلين الراغبين في تحقيق الأفضلية التنافسية.

توفير الحلول للعملاء

تزايدت حدة المنافسة على استقطاب المستأجرين بالتزامن مع توجه عدد من الشركات لتخفيض المساحات المكتبية التي تملكها أو تستأجرها، حيث شهدت السنوات الثلاثة الماضية توافر مساحات مكتبية جديدة تبلغ مساحتها الإجمالية الصافية 125 مليون قدم مربع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وذلك نتيجة إخلاء المساحات المكتبية بمعدل يفوق حالات الإيجار الجديدة في كل من السنوات الثلاثة (الشكل 1).9

1

وتحتم الضغوط التنافسية التي يشهدها القطاع اليوم على المطورين والمشغلين العقاريين إعادة النظر في الخدمات التي يقدمونها، إذ لم يعد تقديم المساحات المادية كافيًا، إنما ستقوم الشركات الرائدة بمساعدة المستأجرين على إنشاء بيئات عمل تسمح لهم بتحقيق أفضلية تنافسية.10 ويعني ذلك دخول مجال جديد وهو توفير الحلول لمشاكل العملاء، ما يتطلب بدوره نموذجًا تشغيليًا مبتكرًا وكفاءات وقدرات جديدة واستخدامات مختلفة جذريًا للتكنولوجيا.

تحتم الضغوط التنافسية التي يشهدها القطاع اليوم على المطورين والمشغلين العقاريين إعادة النظر في الخدمات التي يقدمونها.

وعلى صعيد المساحات المكتبية، يقتضي هذا التوجه التعاون مع الشركات لتكوين صورة واضحة حول أسلوبها الذي تريد من موظفيها اعتماده في استخدام هذه المساحات. وتشمل حلول أماكن العمل توفير مساحات يرغب الموظفون بقضاء الوقت فيها، وتصاميم ديناميكية تناسب العمل الفردي والجماعي، وأجهزة استشعار تساعد على تعقب أنماط الاستخدام، وهي المعلومات التي تدعم منهجية الشركة فيما يخص نمط العمل الهجين.

وفي قطاع التجزئة، هناك فرصة سانحة لتوفير حلول التوصيل متعدد القنوات، ما يضطر الشركات العقارية لإعادة النظر بأدوارها من حيث توفير المساحات واستقطاب العملاء المحتملين. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الحلول، ومنها إنشاء متاجر بمفاهيم جديدة، وبناء أنظمة التوصيل وتلبية الخدمات السريعة في اليوم نفسه، وتوفير مواقع صناعية بالقرب من المتاجر، وتجارب للتسوق المتنقل قادرة على منافسة التجارة الإلكترونية بأفضل حالاتها.

ويساهم هذا الانتقال من توفير المنتجات الثابتة إلى تقديم الحلول في توفير فرص جديدة للأعمال، مثل توريد الحلول التكنولوجية لبيئات العمل الهجينة، وأنظمة رقمية في المكاتب لطلب الأطعمة والمشروبات، وتحسين أنظمة تلبية الطلبات متعددة القنوات، والأنظمة الذكية لركن السيارات.

تعزيز الزخم من خلال مشاريع التطوير العقاري

لطالما كان استشراف المستقبل، فيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية وأذواق التصميم وسلوك المستأجرين، إحدى أصعب المهام التي يواجهها المطورون العقاريون، ولكن هذه المهمة أصبحت أكثر حساسيةً اليوم، نظرًا للتوسع في معدلات الرسملة وارتفاع تكاليف المدخلات وقلة اليد العاملة 11. وفي الوقت نفسه، فإن التغيرات السريعة في سلوك المستأجرين تصعّب عملية توقع نتائج حركات المضاربة التقليدية (الشكل 2).

2

وتسعى شركات التطوير العقاري الأعلى أداءً لبناء بيئات جذابة للمستأجرين الرئيسيين وتقديم مزايا إضافية، من خلال التجمعات المميزة من حيث التصميم والقادرة على استقطاب المستأجرين الرئيسيين ومن ثم المستأجرين الآخرين الذين يستفيدون من وجودهم بالقرب من بعضهم البعض. وعلى سبيل المثال، فإن بعض مشاريع التطوير العقاري، والتي تشتهر بقدرتها على استقطاب أرقى شركات التكنولوجيا، قد نجحت أيضًا في جذب المستأجرين والمشترين للمساحات السكنية، والذين قد يعملون مع أو لحساب إحدى الشركات المتواجدة في المشروع، إضافةً إلى المستأجرين من قطاع التجزئة الذين يتطلعون لتقديم الخدمات للمستأجرين والموظفين والزوار. 12 وتشير تحليلاتنا إلى الفوائد التي يجنيها المطورون الذين ينجحون في تصميم بيئات عقارية تستند إلى التوقعات بشأن الطريقة المتوقعة لاستخدام المساحات بعد خمس سنوات. وحسب خبرتنا، فإن الإيجارات التجارية تكون أعلى وسطيًا في مراكز الابتكار بنسبة 10 إلى 12% قياسًا بأحياء الأعمال المركزية القريبة منها.13

الاستثمار في توليد القيمة خلال كامل دورة حياة المشروع

استلزم التفوق على المنافسين خلال السنوات العشرة الماضية قبل الجائحة التحلي بالذكاء الكافي لعقد الصفقات، وكان بالإمكان توفير عوائد كبيرة في تلك المرحلة من خلال اتخاذ القرارات الشرائية الصحيحة وإجراء تحسينات تشغيلية بسيطة والاستفادة من معدلات رسملة التعهدات.

وما تزال الخيارات الشرائية الصحيحة تحظى بأهمية كبيرة، إلا أن التركيز ينصب حاليًا بصورة أكبر على التشغيل العقاري، وهو المجال الذي شهد اشتداد المنافسة في الفترة الأخيرة. وتُعد ملكية منصات التشغيل العقاري إحدى أهم الطرق التي تعمل من خلالها كبرى الشركات في القطاع على استثمار حجم أعمالها الضخم وتعزيز عائداتها. 14 وتوفر المنصات للمستأجرين تجربة تتسم بالاستقرار والتوازن، كما تتيح عمليات استثمار معززة في التكنولوجيا (الموضحة أدناه)، إلى جانب الكفاءة في عمليات الشراء والتمويل. فمثلًا، تفوقت صناديق الاستثمار بحجم أكبر من 5 مليار دولار أمريكي، والتي يُعد العديد منها شركات مالكة لمنصات تشغيلية أو تمتاز بالاندماج العمودي الكامل، في أدائها على الصناديق التي استثمرت أقل من 1 مليار دولار أمريكي، بواقع 440 نقطة أساس في معدل العائد الداخلي بين عامي 2009 و2019 (الشكل 3). 15 ويساهم الجمع بين حجم الأعمال الضخم والاندماج العمودي الكامل في توفير تجربة تتسم بالاستقرار والتوازن بالنسبة للمستأجرين، وتحسين استخدام التكنولوجيا وتعزيز الكفاءة في عمليات الشراء.

3

التعامل مع الاستدامة كفرصة مجزية

تحولت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ولا سيما الاستدامة، من كونها مجرد عناصر إلزامية إلى فرص حقيقية لتوفير القيمة، حيث يمكن للشركات العقارية التعامل مع مسألة الاستدامة بثلاث طرق مختلفة، أولها تحليل المحافظ الموجودة والبحث عن القيمة الكامنة فيها من منظور الاستدامة، وثانيًا من خلال تحقيق الحياد الكربوني في الأبنية الموجودة، أما ثالثًا فبالاعتماد على إنشاء مشاريع جديدة متعلقة بالاستدامة. وتتطلب هذه الوسائل جميعها توافر أحدث أدوات التحليل والتقنيات الرقمية.

كما يجدر بالشركات العقارية تقييم محافظها من ناحية التغير المناخي، خاصةً وأن مسألة التغير المناخي بدأت تؤثر بشكل ملموس على تقييم العقارات 16 (الشكل 4). وقد يقلل المالكون والمشغلون العقاريون من أهمية ارتفاع معدلات الرسملة أو تكاليف خفض الانبعاثات، أو كليهما، في حال لم يأخذوا المخاطر المادية المتزايدة (مثل الفيضانات) والمخاطر الانتقالية (مثل تغير المتطلبات التنظيمية) بعين الاعتبار. وقد تؤدي عمليات خفض قيمة الأصول المتعلقة بالمناخ إلى خسائر بقيمة 7.5 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم 17، ما يوضح الحجم الهائل للقيمة المهددة نتيجة المخاطر الانتقالية.

4

وتساعد أدوات التحليل المناخي على اكتشاف الأصول التي تم تقديرها بقيمة غير واقعية، واتخاذ القرار الأنسب بشأنها سواء بشرائها أو بيعها أو تجديدها. وتشير أبحاثنا إلى أن محافظ العقارات التجارية المتنوعة تضم 10% فقط من الأصول المسؤولة عن 80% من المخاطر، وأن بعض الأصول تستفيد من الانتقال إلى التحول المناخي (مثل الأصول الموجودة في الأسواق التي تتميز بوجود قطاع قوي للطاقة المتجددة). كما يساهم الاستحواذ الاستراتيجي على الأصول وإضافة القيمة إليها، من خلال التحسينات المتعلقة بإزالة الكربون، في تعزيز المحافظ العقارية، بينما تساعد القدرة على توفير العوائد مع تحقيق الأهداف المناخية مالكي العقارات على الوصول إلى رأس مال بشكل أفضل وبشروط أفضل.

ومع أن عمليات إزالة الكربون من المباني تتطلب استثمارات ضخمة، إلا أنها تسهم في تخفيض نفقات الطاقة والنفقات التشغيلية، إلى جانب إمكانية الحصول على دخل إيجار أكبر نتيجة التوافق مع المعايير البيئية. 18 كما يمكن للمشغلين العقاريين من أصحاب الخطط المدروسة تحديد الأصول التي قد تستفيد من التحسينات (مثل تحسين العزل وكفاءة النوافذ ومضخات التدفئة وأنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح)، إضافةً إلى إيجاد الفرص للارتقاء بمسارات الحياد المناخي من حيث جدواها الاقتصادية. وكشفت أبحاثنا أن المسار النمطي لتحقيق الحياد المناخي يسفر عن خسائر من حيث صافي القيمة الحالية، إلا أن المشغلين العقاريين يستطيعون رسم مسارات مجزية لتحقيق الحياد المناخي باستخدام أدوات التحليل على مستوى المحفظة لتحديد الترتيب الصحيح لخطوات التنفيذ، والأصول المناسبة للاستثمار وتوقيت الاستثمار، وأساليب الربط بين الإجراءات المتخذة على مستوى الأصول واستراتيجيات شراء مصادر الطاقة المتجددة. كما يمكن للمشغلين تعزيز قيمة أصولهم ومحافظهم بشكل كبير من خلال اتخاذ خطوات إضافية، مثل قياس الانبعاثات وإبلاغ المستأجرين بها، واستثمار حجم الأعمال الكبير لتعزيز كفاءة عمليات الشراء، وتوظيف هذه البيانات والتحليلات في عملية الاستثمار.

وبالتوازي مع ذلك، يتيح التحدي المناخي فرصًا لإطلاق أعمال جديدة، مثل خدمات تخفيض الانبعاثات للمالكين الآخرين، وتوليد وتخزين الطاقة في المشروع العقاري، وتوفير خدمات المرونة المناخية للمجتمعات المحلية.

دمج التكنولوجيا الرقمية في مختلف جوانب الأعمال

كان قطاع العقارات في السابق متأخرًا بأشواط عن باقي القطاعات الأخرى على صعيد الإمكانات الرقمية، 19 لكنه يخطو في هذا الاتجاه لمواكبتها. ويعمد أكبر المالكين العقاريين اليوم إلى جمع مخزون هائل من البيانات وتوظيفه لتحسين عملية اتخاذ القرار وإنشاء تطبيقات تخدم مدراء الأصول والمستأجرين والسكان على حدٍ سواء. وتتطلب المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في القطاع إدارة التغيير بشكل أفضل وإيجاد طرق جديدة للاستفادة من الأعمال، إلى جانب الاستثمار في أنواع جديدة من الكفاءات (بما في ذلك المطورين والمهندسين وعلماء البيانات) لبناء وصيانة وتحسين الأدوات اللازمة للتحول الرقمي.

يعمد أكبر المالكين العقاريين اليوم إلى جمع مخزون هائل من البيانات وتوظيفه لتحسين عملية اتخاذ القرار.

باتت المنهجيات التقليدية لتقييم العقارات، والتي تعتمد بشكل كبير على المبيعات المقارنة، أقل فعالية في الوقت الراهن نظرًا لحالة انعدام اليقين فيما يتعلق بالطلب على العقارات التجارية ومشهد الاقتصاد الكلي وتأثير التغير المناخي على التقييمات. وبالتالي، غالبًا ما تنجح الشركات التي تعتمد على البيانات غير التقليدية، وأدوات التحليل المتقدمة لتقييم العقارات، والتفاوض على الإيجارات، في تحقيق خطوات أسرع وبثقة أكبر من نظيراتها لإنجاز صفقات أكثر وبأسعار مناسبة. وتؤكد أدوات التحليل المتقدمة وأدوات التحليل المناخي أهمية الخبرة القائمة على التجربة وتقديم رؤى وأفكار جديدة أيضًا. (الشكل 5). وعلى سبيل المثال، اكتشفنا من خلال أحد النماذج المعتمدة على أدوات التحليل الرقمي، والتي طورناها لصالح إحدى المدن على الساحل الغربي للولايات المتحدة، أن نمو الإيجارات يتأثر سلبًا بقرب العقار من محطات الوقود، ويتأثر إيجابًا بشكل كبير بقربه من عدد كبير من المطاعم من فئة الخمس نجوم وفقًا للتقييمات على موقع يلب.

5

ولا يقتصر استخدام التطبيقات للبيانات على تحسين عمليات اتخاذ القرار، إنما يشمل أيضًا تسهيل حياة السكان والمستأجرين، مثل المنصات الإلكترونية للإيجار، وتقديم طلبات الصيانة، وتطبيقات التفاعل المجتمعي. 20 كما يمكن لأدوات أخرى المساعدة على تعزيز كفاءة العمليات، حيث يساهم اعتماد التكنولوجيا الرقمية في زيادة صافي الدخل التشغيلي بنسبة 10% أو أكثر، ما يثمر عن تحسن كبير بالمقارنة مع الأدوات التقليدية. 21 ويبدو من الطبيعي نجاح شركات التكنولوجيا العقارية في جذب رأس المال المغامر والمستثمرين في الأسهم الخاصة، حيث تجاوزت الاستثمارات حاجز الـ 50 مليار دولار أمريكي للمرة الأولى في عام 2021. 22 ولا تكتفي شركات التشغيل العقاري الأكثر تقدمًا بشراء تطبيقات التكنولوجيا العقارية أو الاشتراك فيها، بل تعمل على إنشاء التطبيقات الخاصة بها وإحداث تحول في عملياتها بهدف توفير أكبر قدر ممكن من القيمة من التكنولوجيا التي تطورها.

التركيز على الكفاءة التشغيلية وليس على توفير الدخل فقط

شهدت تكاليف المدخلات، والتي تشمل تكاليف العمل والمواد والتمويل، نموًا سريعًا في الفترة الأخيرة، فيما يرتفع التضخم ليتجاوز المعدلات المعتادة للزيادات التعاقدية أو الدورية في إيجارات العقارات التجارية. وبالتالي، يتعين على المالكين والمدراء اتخاذ خطوات فعالة على صعيد التكاليف والعوائد لمواكبة التغيرات الاقتصادية.

فمن ناحية التكاليف، يمكن إنشاء سلاسل توريد مرنة وضبط التكاليف التشغيلية، من أجل تعويض الانخفاض في هامش صافي الأرباح التشغيلية (الشكل 6). ويمكن مثلًا للشركات العقارية الكبرى إضفاء الطابع المركزي على فرق الإيجار وتزويدهم بالأدوات الرقمية التي تساعدهم على اتخاذ قرارات كفيلة بتوفير القيمة، ويمكنها أيضًا دمج أو إعادة التفاوض على العقود المتعلقة بخدمات الطاقة والصيانة في مختلف عقارات المحفظة. وفي ظل ارتفاع تكاليف التمويل، تبرز ضرورة الحفاظ على تصنيفات ائتمانية عالية وإيجاد رأس مال منخفض التكلفة وإعادة التمويل بصورة منتظمة، في سبيل تحقيق عوائد قوية.

6

ومن ناحية العوائد، فإن الظروف الحالية للسوق تتطلب التحلي بذكاء أكبر في عمليات التأجير، حيث يمكن رفع الإيجارات التجارية بما يوازي ارتفاع الأسعار العام إذا أحسن المشغلون استثمار الروافع المالية (مثل إضافة بنود تتعلق بالمدة وزيادة الإيجار إلى العقود) والأدوات المتاحة (مثل أدوات التحليل وأبحاث السوق المتقدمة)، خاصةً وأن العقارات تشكل ضمانة في وجه التضخم بالنسبة للشركاء المحدودين، ما يفرض على الشركاء العامين مواكبة المتغيرات لضمان التوافق بين الإيجارات التجارية والارتفاع العام في الأسعار.


نشهد اليوم تغيرات ملموسة في القطاع العقاري تعود إلى التحولات الجذرية في سلوكيات وعقليات العملاء والظروف الاقتصادية الراهنة. وفي هذه المرحلة، سيكون النجاح من نصيب الشركات التي تأخذ زمام المبادرة لمواجهة التحديات من خلال إعادة النظر في احتياجات السوق والتقنيات الضرورية وطرق توظيف الكفاءات الجديدة. أما المنافسون ممن يخفقون في التكيف مع التغيرات فسيتأخرون عن اللحاق بالركب، لذلك فإن الإقبال على المشاريع العقارية سيتوقف على تصميمها وفق احتياجات المستأجرين، وتوفير التجارب التي يبحث عنها العملاء أو الزوار في مكان العمل أو السكن أو عند التسوق.

Explore a career with us