المرونة ودورها في تحقيق النمو الشامل والمستدام

| مقالة

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

لقد شهدت المجتمعات والاقتصادات في مختلف أنحاء العالم، منذ بداية الألفية الحالية، مجموعةً من الاضطرابات المتكررة ومتزايدة الشدة. وتختلف هذه الاضطرابات من حيث منشئها ومسار تطورها، إلا أن العديد منها ينتج عنه تبعات متداخلة طويلة الأمد، لا يمكن الإحاطة بها بشكلٍ كامل خلال فترة تأثيرها المباشر. وشهد عالمنا اضطرابات كثيرة حتى اليوم دفعت المجتمعات إلى تطوير وسائل متقدمة للتعامل مع تداعياتها، بالاعتماد على المؤسسات المعنية عن حفظ الاستقرار خلال الأحداث العصيبة.

وتحيط بعالمنا اليوم العديد من الأزمات التي تلقي بظلالها على مختلف الدول، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أثار مأساة إنسانية حقيقية أدت إلى تبعات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين الناجمة عن هذه الحرب وغيرها، والتي تشمل عشرات الملايين من الناس على مستوى العالم. وبالتالي، تتصاعد التداعيات الاقتصادية والإنسانية جرّاء ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، وكأن الحرب الأوكرانية شكلت صدمةً أصابت عالمنا المنهك بسبب جائحة كوفيد-19، التي حصدت بدورها أرواح أكثر من ستة ملايين شخص لغاية شهر أبريل الماضي، وما يزال آلاف الأشخاص يلقون حتفهم يوميًا نتيجة إصابتهم بالفيروس.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

وتتزامن هذه الاضطرابات جميعها مع أزمة التغير المناخي المستمرة، التي يجب مواجهتها والحد منها عن طريق تحول العالم بأسره إلى الاقتصاد منخفض الكربون، مما ينجم عنه نزوحٌ إنساني وتكاليف اقتصادية غير مسبوقة قد تسهم في تغيير مجرى حياة أعداد هائلة من البشر.

ويتميز عصرنا الحالي بالعديد من الاضطرابات المعقدة والمتداخلة التي تختلف في أسباب نشأتها وتداعياتها طويلة الأمد. والجدير بالذكر أن المؤسسات القائمة ليست مؤهلة بالكامل لمواكبة الواقع الجديد، فهي تتعامل مع كل اضطراب على حدة.

ولم تعد الشركات والمؤسسات قادرة على تحمل الوضع الحالي، وأصبحت تدرك ضرورة تطوير ممارسات إدارة المخاطر التي تنتهجها لمواكبة البيئة الجديدة. وقد أصبحت المرونة محور حديث ومهم لقادة الشركات بوصفها ضرورةً حقيقية. ويكمن السؤال اليوم في السبل التي يجب على مؤسسات القطاعين العام والخاص اتباعها لتحقيق المرونة واستشراف المستقبل والاستعداد لمواجهة الصدمات ومواكبة الواقع الجديد. ويمكننا أن نعرّف مصطلح ”المرونة“ بأنها القدرة على التعافي بسرعة، وهو ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة للمؤسسات للعودة أقوى وبوضع أفضل مما كانت عليه.

وخلال الاجتماع السنوي في ”دافوس“ بسويسرا العام الجاري، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي ائتلاف المرونة الذي يجمع أبرز القادة المُلتزمين من القطاعين العام والخاص لتعزيز مستويات المرونة في مختلف القطاعات والاقتصادات والمناطق والعالم ككل. وتتكشف معالم ائتلاف المرونة وأهدافه بشكلٍ أوضح في هذه المقالة، بقلم كل من ”بورغه برنده“، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي؛ و”بوب ستيرنفيلز“، الشريك الإداري العالمي لدى ماكنزي آند كومباني.

1. تخطي التحديات التي تفرضها الأزمات على النمو الشامل والمستدام

يمكننا استقاء الدروس من الأزمات الماضية وتقديم حلول مبتكرة ومرنة لمواجهة الاضطرابات القادمة.

تتعلق المرونة بمؤسسات القطاعين العام والخاص وجميع الاقتصادات والمجتمعات، حيث تتطلب المرونة من المؤسسات التحلي بالتفكير المتطور وتوقع الاضطرابات وليس الاستجابة لها فقط، فضلًا عن عملية التعلم المستمرة وتعديل الخبرات بناءً على التجارب.

وتسهم الاضطرابات في كشف مواطن قوة الإمكانات والمجالات التي تحتاج للاستثمار، لا سيما وأن الاضطرابات السابقة تشكل دروسًا قيّمة حول أساليب التعامل مع الأزمات المستقبلية، إذ تساهم هذه الدروس في تعزيز هيكلية إطار المرونة المشترك بين القطاعين العام والخاص.

1.1 إدارة الاضطرابات أهم من إدارة الاستمرارية لتحديد مستوى النمو المستدام

تؤدي الأزمات إلى تداعيات سلبية على المؤسسات والمجتمعات، ولكن عملية إعادة البناء يمكن أن تؤدي إلى ظهور أساسات أقوى تدعم النمو في المستقبل. وقادت الأزمة المالية والركود الاقتصادي في أواخر العقد الأول من الألفية، على سبيل المثال: اتخاذ البنوك مجموعة من الإجراءات والتغييرات التنظيمية التي عزّزت قوة المنظومة المصرفية وجعلتها تصمد أمام الاضطرابات الاقتصادية التي واجهتها لاحقًا. كما تساهم التغييرات التي نتجت عن جائحة كوفيد-19، في تسريع النمو وجهود الانتقال نحو التحول الرقمي، ونماذج العمل الهجينة، ودراسة أوضاع سلاسل التوريد، وزيادة وتيرة الاستثمارات العامة في مسألة التغير المناخي. وتندرج هذه المساهمات في إطار التغيرات الهيكلية التي تفرضها الأزمات في غالب الأحيان على المؤسسات التي تكون مقاومة للتغيير، حيث تتخطى المرونة كونها مجرد تدبير استباقي، لتمثل أيضًا القدرة على ابتكار تدابير استجابة تناسب التعامل مع مختلف الاضطرابات.

2.1 الأزمات تنشأ في مختلف الفئات، ولا يوجد حل وحيد لعلاجها

لا تنشأ الأزمات بصورة فردية في فئات معينة بحد ذاتها، بل تتغلغل ضمن مجالات محددة مسبقًا تشمل الخبرات والمسؤوليات، حتى تكتسب زخمًا أكبر خلال نموها في مختلف المناطق. حيث انتشر فيروس كورونا مثلًا على مستوى العالم ليتم اعتباره جائحة صحية عامة، ولكنه سرعان ما تطور ليصبح أزمة اقتصادية واجتماعية ومؤسسية.

وتنشأ عمومًا آثار قصيرة إلى متوسطة وطويلة الأمد عن مسببات الأزمات واستجابة القطاعين العام والخاص لها، مما يؤدي إلى ظهور مشكلة رئيسية جديدة، يستلزم إيقافها تحرّك الشركات بالاعتماد على مجموعات من الحلول المترابطة التي يمكن أن تتكيف مع تغير الظروف.

3.1 الشبكات تخفي أوجه الترابط وتساهم في تسريع الأزمات واحتمالات التعافي.

لا يمكننا أن ندرك مدى اتساع الشبكات في الاقتصاد العالمي والمجتمعات والقطاعات، ولكن الاضطرابات تكشف هذه الارتباطات ومدى سرعة تداعياتها بشكلٍ مفاجئ. ومن المؤكد أنّ تعطل سلاسل التوريد يؤثر على قدرات الإنتاج وتوافر المنتجات والسلع وأسعار المواد بسرعةٍ رهيبة، حيث تهدد الحرب الأوكرانية الأمن الغذائي في الدول منخفضة الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما مع تزايد ضعف الأنظمة نتيجة وجود ارتباطات جديدة وغير ظاهرة. وفي المقابل، تسمح الشبكات التي توفر مزيدًا من المرونة بظهور مجموعة واسعة من الحلول التي يمكن مشاركتها بشكلٍ سريع، مما يجعل فهم الشبكات وارتباطاتها في البيئة الحالية من الجوانب الرئيسية لتحقيق المرونة.

4.1 ضعف الجاهزية والاستجابات الخاطئة يساهم في تفاقم تأثيرات الأزمات.

تتفاقم تأثيرات الأزمات بمنتهى السهولة نتيجة الاستجابة لها بصورةٍ خاطئة أو ضعيفة. في حين تساهم القرارات الصحيحة والاستجابة القوية والفعالة في الحد من التأثيرات، لا سيما أننا شهدنا العديد من القرارات الخاطئة في الأزمات الماضية حتى من جانب الشركات الناجحة التي اتخذت قراراتها بعد فوات الأوان. وتحرص قلةٌ من الشركات والمؤسسات على التعمق في أسباب القرارات الخاطئة رغم وضوحها، إلا أن السبب يكمن في عدم التفكير المدروس قبل اتخاذها، وذلك نتيجة ميل قادة الشركات خلال الضغوطات إلى اتخاذ إجراءات يمكن تطبيقها بسرعة، بدلًا من التأني واتخاذ قرارات مدروسة. ولكن مثل هذه الإجراءات السريعة قد تؤدي إلى تبعات غير مقصودة، وهنا يبرز دور إطار المرونة الذي يوفر مجالًا لصنع قرارات مدروسة ودقيقة، إذ يجب على الشركات توفير وسائل تتيح لها اتخاذ قرارات لتحديد سرعة استجابتها، واختبار القرارات خلال الأزمات بمشاركة أشخاص من خارج الشبكة الأساسية.

5.1 تأثيرات الأزمات تطال الفئات الأكثر ضعفًا.

تشتد تأثيرات الأزمات والاضطرابات في الدول الفقيرة وشرائح المجتمع المهمّشة والضعيفة وخصوصًا في المناطق التي طالتها تأثيرات الحروب والنزاعات. ويؤدي عدم المساواة في توزيع الدخل والثروات، والقدرة على التحرك في المجتمع، وتقديم خدمات الرعاية الصحية، والوصول إلى الخدمات وفرص التعليم، إلى إرساء معيارٍ غير عادل من حيث المرونة. وعلى سبيل المثال، يعتمد التعافي من الجائحة في الدول المتقدمة على وفرة الإنفاق الحكومي التحفيزي، في حين يعتمد في الدول منخفضة الدخل على المساعدات التنموية والقروض الطارئة التي تمنحها المؤسسات المالية الدولية، مما يساهم بتعزيز مخاطر نقاط الضعف الناجمة عن الديون السيادية. وتعمل التدابير التحفيزية في الدول الغنية على زيادة الطلب، مما يزيد أعباء سلاسل التوريد التي عطلتها الجائحة، ويؤدي كذلك إلى ارتفاع أسعار السلع والتضخم الاستهلاكي الذي كانت الدول منخفضة الدخل أكبر المتضررين بسببه. ومن الممكن أن تكون التطورات العالمية الأخرى واقعًا إيجابيًا بالنسبة للدول الغنية، ولكنها في الوقت نفسه تعتبر مشاكل حقيقية بالنسبة للدول الفقيرة، بما يشمل الانتقال السريع إلى الاقتصاد الرقمي والضغوطات العالمية الراهنة لتخفيض انبعاثات الكربون.

يُعد النمو مستدامًا إذا كان قادرًا على دعم الصحة العامة والحفاظ على البيئة الطبيعية، بينما يتميز بالشمول حين يساهم بتحسين واقع سبل العيش لشرائح السكان الأوسع نطاقًا.

وغالبًا ما تتسبب الأزمات بانتشار الأعباء الأشد على مستوى العالم، لتكون الدول النامية أول المتأثرين بها، ولذلك تسلط ندرة الموارد أو أزمات اللاجئين الناجمة عن الحرب أو التغير المناخي الضوء على الضرورة الملحّة للنمو الشامل. ويتعين على جميع الدول الاهتمام بموضوع السكان المعَرَّضين للخطر في مختلف أنحاء العالم، إذ يجب اغتنام هذه الاضطرابات واعتبارها فرصًا للتطور واستثمار الجهود المشتركة لتحسين واقع البيئات والأمن الغذائي والمائي والصحة العامة والبنية التحتية الاجتماعية والتقنية، التي تُعد جميعها الأكثر ضرورةً بالنسبة للإنسان.

ويؤدي تفاقم الضعف لدى بعض سكان الدول وانخفاض مستوى مرونتهم إلى تشكيل مجموعة من المخاطر الجانبية، بما يشمل ازدياد حدّة الاضطرابات التي تشهدها سلاسل التوريد واشتداد حدة الفقر بين السكان وارتفاع احتمالات حدوث صراعات عنيفة. وتتمحور مهمة المرونة حول المساهمة بشكلٍ رئيسي في تحقيق النمو الشامل والمستدام. ويُعد النمو مستدامًا إذا كان قادرًا على دعم الصحة العامة والحفاظ على البيئة الطبيعية، بينما يتميز بالشمول حين يساهم بتحسين واقع سبل العيش لشرائح السكان الأوسع نطاقًا. وترتبط قضايا المساواة والعدل في الشركات عمومًا بأهداف كل شركة والقيم التي تقوم عليها.

6.1 الاستعداد لمواجهة الأزمات تتخطى حدود الاحتياطات المالية والمخزونات الاحتياطية.

يتمثل الاستعداد الأمثل للأزمات في التدابير الدفاعية المخصصة لمواجهتها، مثل المخزونات الاحتياطية، والاحتياطات المالية، وإمكانات الاستجابة للأزمات، مما يتيح للشركات والمؤسسات التكيّف بسرعة والنمو في ظل الظروف المستجدة والمضيّ قدمًا بصورةٍ أسرع للاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة. وقد ساهمت الأزمات بتسريع نمو الاقتصاد الرقمي، حيث شهدنا تزايد عدد الشركات والمجتمعات التي تتجاوب مع إجراء عقد الاجتماعات عن بُعد وخدمات الحوسبة السحابية والخدمات المصرفية الرقمية. أما في قطاع السيارات، تشهد كهربة السيارات نموًا ملحوظًا بفضل أهداف الحكومات لخفض انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى تقديم وسائل الدعم المالي وتجهيز البنية التحتية المخصصة لشحن السيارات.

كما تتحمل أنظمة الرعاية الصحية الوطنية وبرامج الاستجابة للجائحة التي أطلقتها الحكومات حملًا يفوق قدرتها، حيث يختلف مستوى النجاح في تنفيذ خطط الطوارئ بين دولةٍ وأخرى وحتى بين المناطق والأقسام. وتؤكد الصعوبات الراهنة على ضرورة وضع مخزونات احتياطية دفاعية (مخزونات من التجهيزات والمستلزمات والموارد المالية) والتحلي بمستوى عالٍ من المرونة وعدم التركيز على اعتماد منهجيات مركزية. وتؤدي الأزمات الجيوسياسية إلى تداعيات خطيرة على سلاسل التوريد وموارد الطاقة، ولذلك توفر المخزونات الاحتياطية حلولًا جزئية ومؤقتة. وبالتالي، تتوازى أهمية إمكانات الاستجابة والقدرة على التكيف مع المستوى العالي من الجاهزية، حيث تُعد الأزمات مصدر نصف التأثيرات، في حين يعتمد النصف الآخر على طبيعة الاستجابة للأزمة.

2. آفاق المرونة في القطاعين العام والخاص

ينبغي على الجهات المعنية التنسيق بين استراتيجياتها المطبّقة في مختلف القطاعات لضمان عدم تأثير الاضطرابات على مستويات النمو.

ويشمل مفهوم المرونة جوانب السلامة التنظيمية والعمليات التي تجريها الحكومات، والمؤسسات العامة، والشركات، والمؤسسات المالية. ويؤيد ائتلاف المرونة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي النظرة الاستراتيجية للمرونة مع التأكيد على قدرة المؤسسات والاقتصادات على المدى الطويل على بناء الإمكانات اللازمة لمواجهة الاضطرابات وتحمل الصدمات والتكيف باستمرار مع جميع الاضطرابات والأزمات التي تنشأ مع مرور الزمن. كما تُعد المرونة من الشروط الاستراتيجية الأساسية لتحقيق النمو الشامل والمستدام على المدى الطويل.

وتتكبدّ المؤسسات والاقتصادات خسائر كبيرة جرّاء إخفاق استراتيجيات المرونة، حيث يشير بحث المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن تأثير الالتزام بالمرونة (أو عدم تطبيقها) على نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي يتراوح بين 1 إلى 5% على مستوى العالم. وعلى سبيل المثال، أسفرت استقالة القوى العاملة نتيجة جائحة كوفيد-19 عن انخفاض النمو بنسبة 3.6% في بعض الدول، بينما أدى انخفاض معدلات التطعيم في الدول النامية إلى تراجع النمو بنسبة 1%. ويُرجح أن تساهم حالات عدم المساواة في توزيع الدخل لأسباب تتعلق بالعرق أو النوع الاجتماعي في خفض النمو بما يتراوح بين 0.6% إلى 1.0%، في حين تكون هذه النسبة 0.4% نتيجة الظروف الجوية القاسية. وفي المقابل، يعزز النجاح في صقل مهارات القوى العاملة في الاقتصاد الرقمي وتزويدهم بمهارات جديدة في زيادة النمو بنسبة 4.5% سنويًا حتى عام 2030. ويمكن ملاحظة التطورات قصيرة وطويلة الأمد من خلال الاستجابة الناجحة للمخاطر الكبرى والعوامل المحفزة لتأثيراتها التي يتناولها كل موضوعٍ من مواضيع المرونة. وبالنظر إلى ترابط هذه المواضيع، لا يمكن أن تكون التطورات منفصلة أو تراكمية، إذ يتنوع حجمها بين الاقتصادات والقطاعات والشعوب (الشكل 1).

1.2 مرونة الشركات

تسهم مرونة الشركات والاقتصادات في مساعدتها على الخروج من المنعطفات المحفوفة بالمخاطر، لذلك تسلط الأزمات والاضطرابات الضوء على مواطن الضعف وتبرز الفوارق بين الشركات المرنة وغيرها من الشركات غير المستعدة لمواجهة الأزمات. وقد كشف بحث ماكنزي أن الشركات المرنة قدمت قيمة أكبر للمساهمين مقارنةً بنظيراتها التي لم تتمتع بمستوى مرونة مماثل على مدار جميع الصدمات الكبرى التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين.

وحققت الشركات المرنة، خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009، نسبة أكبر من عوائد المساهمين بواقع 20% تقريبًا، والتي نمت لتصل إلى 50% خلال عامي التعافي بين 2009 و2011، ووصلت إلى 120% خلال فترة الاستقرار بين 2011 و2017. وأدركت الشركات وجود جانبين مهمين فيما يتعلق بالمرونة، يتمحوران حول القوة المالية (التي تشمل الاحتياطي النقدي وقاعدة التكاليف المرنة والربحية) وجهود التكيف الحازمة مع نموذج العمل من خلال عمليات التصفية وإعادة الاستثمار.

كشفت دراسة حول أداء 1500 شركة خلال الأزمة المالية العالمية تفوق 20% من الشركات في كل قطاع بالخروج من حالة الانكماش قبل بقية الشركات.

كشفت دراسة حول أداء 1500 شركة خلال الأزمة المالية العالمية تفوق 20% من الشركات في كل قطاع بالخروج من حالة الانكماش قبل بقية الشركات. وعمدت تلك الشركات إلى استثمار هذا التقدم البسيط خلال العقد التالي لتقدم مستويات أداء عالية مقارنةً بالشركات النظيرة. ولم يكن الأداء المميز الذي حققته الشركات بفضل المزايا والأدوات التي كانت تمتلكها مسبقًا أو الموجودة في متناولها، بل كانت حصيلة جهودها الفردية التي اكتسبتها من الاستجابة السريعة والمسبقة والحازمة خلال الاضطرابات، لا سيما وأن الشركات المرنة لم تكن تندرج ضمن فئة الشركات الرائدة قبل الاضطراب، ولم تنشط في أي من المجالات التي استفادت من حالة الاضطراب السائدة. ولكن هذا التقدم لم يبرز من العدم، حيث تم وضع الاستراتيجيات مسبقًا لحماية الهوامش (أكثر من الإيرادات) أو للاستثمار في شركات ناجحة بأسعار منخفضة والاستفادة منها لدعم النمو تزامنًا مع زوال الانكماش وبدء مرحلة التعافي.

وتفوقت الشركات المرنة خلال الانكماش الاقتصادي والاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 على الشركات الأخرى من حيث الأداء، إذ ولّدت عوائد أعلى للمساهمين بنسبة بلغت 10% خلال فترة الانكماش الاقتصادي بين الربع الرابع من عام 2019 والربع الثاني من عام 2020. في حين ارتفعت العوائد إلى نسبة 50% خلال فترة التعافي الاقتصادي (بين الربع الثاني 2020 والربع الثالث 2021)، حيث نجحت الشركات في التكيف بمنتهى المرونة والسرعة مع التراجع الاقتصادي لتلبية الانتعاش في ناحية الطلب، نتيجة اعتمادها لنماذج عمل رقمية وتعزيز مرونتها التنظيمية وإجراء التغييرات اللازمة على محافظها التجارية (الشكل 2).

ويلعب قادة الشركات دورًا محوريًا في توجيه المجتمع نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة وشمولية. ويساهم قطاع الأعمال بنسبة 72% من الناتج المحلي الإجمالي و85% من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا ونمو إنتاجية القوى العاملة.

2.2 المرونة الاقتصادية والاجتماعية

عمدت الاقتصادات والمجتمعات إلى اتخاذ إجراءات مشابهة من حيث التدابير المالية أو عمليات التدخل فيما يتعلق بالصحة العامة، حيث نجحت الدول التي استطاعت التوفيق بين المحفزات المالية والإدارة الفعالة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي محليًا وحماية المجتمعات من الناحية الصحية. كما شهدنا تعافي العديد من الدول بسرعةٍ كبيرة، مع اختلاف وتيرة هذه المسيرة بين دولةٍ وأخرى.

وعلى الرغم من أن تأثير المرونة الاقتصادية يُقاس من خلال النمو طويل الأمد بشكلٍ عام، إلا أنه يجب التركيز أيضًا على المرونة الاجتماعية التي تعكس حالات عدم المساواة بسبب العرق أو النوع أو المستوى الاجتماعي. ووضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقديرات لطبيعة العلاقة بين عدم المساواة في توزيع الدخل ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث وجدت تأثيرًا كبيرًا لتغيّر حالة عدم المساواة في توزيع الدخل مع مرور الزمن (التي تُقاس بنسبة الدخل الأعلى إلى الأدنى) على متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مختلف دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتشير هذه الإحصائيات إلى مساهمة ارتفاع معدل عدم المساواة بتوزيع الدخل بنسبة 1% في خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.6% و1.1%.

يعادل متوسط ثروة العائلات ذات الأصول الأوروبية في الولايات المتحدة عشرة أضعاف متوسط ثروة العائلات من أصول أفريقية ولاتينية، التي لم تطرأ أي تغييرات على ثرواتها على مدار قرابة ربع قرن بين عامي 1992 و2016.

وكشف البنك الدولي أن التكلفة الاقتصادية لعدم المساواة بين الجنسين على مستوى العالم تبلغ 160.2 تريليون دولار أمريكي، حيث تمتلك النساء نسبة 38% فقط من إجمالي الثروات الفردية ونسبة أقل من 33% في الدول منخفضة الدخل، وكذلك منخفضة إلى متوسطة الدخل. وأكدت الدراسة أن الاستثمارات الهادفة إلى تطوير التعليم ومنح الفرص للفتيات والنساء تعكس جدوى اقتصادية مهمة نظرًا لضرورة سد الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بحيازة الثروات لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

كما تُعد النقاط السابقة مماثلة للفجوة المتعلقة بالثروات بناءً على عدم المساواة العرقية، إذ يعادل متوسط ثروة العائلات ذات الأصول الأوروبية في الولايات المتحدة عشرة أضعاف متوسط ثروة العائلات من أصول أفريقية ولاتينية، التي لم تطرأ أي تغييرات على ثرواتهم على مدار قرابة ربع قرن بين عامي 1992 و2016. وخلال هذه الفترة، شهد متوسط ثروات العائلات ذات الأصول الأوروبية ارتفاعًا تجاوز نسبة 50%، يشير بحث ماكنزي إلى أن هذا النمو الكبير سيكبّد اقتصاد الولايات المتحدة تريليونات الدولارات من الاستهلاك والاستثمارات الضائعة خلال العقد القادم.

3.2 تنسيق استجابة القطاعين العام والخاص

تستلزم مواجهة الأزمات والاضطرابات تنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص للاستجابة لها بشكلٍ صحيح، حيث تساهم أكثر الأزمات العالمية إلحاحًا في كسر حواجز الانقسامات التقليدية التي تؤطر سبل ووقت استجابة مؤسسات القطاعين العام والخاص. ويزداد اليوم مدى الترابط بين مرونة الشركات والاقتصادات والمجتمعات، لا سيما أن قادة القطاعين العام والخاص أجمعوا على عدم قدرة الفصل بين القطاعين نظرًا للترابط الكبير الذي يجمع دول العالم والمؤسسات القائمة (الشكل 3).

وقد تم وضع تقديرات لطبيعة بعض الأزمات وأبعادها مُسبقًا، حيث يدرك معظم القادة أن تقصيرهم في اتخاذ الإجراءات أو عدم اتخاذ إجراءات كافية سيؤدي إلى تفاقم الأزمة. وعلى سبيل المثال، يُعد التغير المناخي من الأزمات التي تُبرز ضرورة مواءمة أهداف جميع القطاعات وقيمها، وما يستحق الإشادة هو أن معظم الشركات تسبق الحكومات بعدة خطوات في مسيرة تحقيق أهداف التغير المناخي. ويبحث القطاع المالي حاليًا في سبل إجراء عمليات تقييم للمرونة المناخية، مع التأكيد على ظهور استجابات أقوى في النتائج الاقتصادية ونتائج المساهمين.

3. إطار المرونة المشترك

يساهم وضع إطار مشترك للمرونة في تزويد الشركات بلغة وهيكلية وأهداف موحدة لتحقيق المرونة

علمًا أن النقاشات الحالية حول مسألة المرونة تتسم باختلاف التأويلات ومستوى الشفافية فيما يتعلق بالأهداف وإمكانية القياس ومجالات العمل. وبالتالي، يُعد الإطار المشترك للمرونة من المقومات الرئيسية التي تساعد على وضع منهجية تنسيق ممنهجة لتحقيق المرونة، إذ يماثل إطار المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة من حيث تزويد الشركات بلغة وهيكلية وأهداف موحدة، وتوفير الإرشادات اللازمة حول سبل حماية الاستدامة البيئية والشمولية وتعزيزها في بيئة تكثر فيها الأزمات والاضطرابات. ويمكن للشركات الاعتماد على هذا الإطار لتحسين ممارساتها في مجال إدارة المخاطر، والاستفادة من مزايا الفكر الاستراتيجي، واتخاذ نظرة تطلعية أوسع.

ويركز هذا الإطار بشكلٍ رئيسي على الطاقات البشرية واستيفاء المتطلبات الضرورية لصقل المواهب الموجودة وتزويد الأشخاص بمهارات جديدة. ويشتمل على سلسلة توريد تتسم بالقدرة على التكيّف، كما أنها تعتمد على التكنولوجيا بوصفها عنصرًا داعمًا، بالإضافة إلى نشر المخزونات الاحتياطية المالية والنقدية كعوامل دعم دفاعية في المواقف المهمة والفعالة. ويتيح الإطار للشركات تحديد الإجراءات الوقائية والاستثمارات الاستباقية ومجالات توسيع التعاون بين القطاعين العام والخاص. ويتشابه تصميم إطار المرونة مع إطار المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحوكمة في مساعدة القادة على استشراف الأهداف المالية الفورية وقصيرة الأمد، فضلًا عن ضرورة تزويده بالإمكانات اللازمة لإجراء عمليات التقييم والقياس. وتتيح هذه الإمكانات للقادة تكوين إحاطة وافية بالتكاليف والمزايا المتعلقة بمجموعة محددة من إجراءات بناء المرونة. ولا شك أن عدم تطبيق هذه الإجراءات سيكون أكثر تكلفةً من الإجراءات الوقائية، إذ يجب أن يتم ربط تخصيص الموارد مع النموذج الواقعي والشامل لعملية بناء الثروات، سواء انعكس ذلك في توفير القيمة للمساهمين أو نمو الطاقة المتجددة أو القضاء على مشكلة الفقر.

يساهم تصميم إطار المرونة في تعزيز أُطر التعاون بين شركات القطاعين العام والخاص لدعم جوانب الاستدامة والشمولية في المجتمعات.

كما يساهم تصميم إطار المرونة في تعزيز أُطر التعاون بين شركات القطاعين العام والخاص لدعم جوانب الاستدامة والشمولية في المجتمعات. وتنعكس المرونة بالنسبة للشركات في النمو المستدام لأعمالها، أما على صعيد المجتمعات فهي تشكل داعمًا للنمو الاقتصادي، كما تعتمد على هذا النمو في الوقت ذاته، لتسهم في تحسين جودة الحياة والارتقاء بمبادئ المساواة والشمولية. وتبرز القيمة الأكبر لبناء الثروات حين تساهم بتحسين أوضاع أكثر شرائح السكان فقرًا وحرمانًا في اقتصادات الدول بغض النظر عن مستوى تقدمها. ولن تصل المجتمعات إلى المستوى الكافي من الأمن والمرونة بدون تحقيق التقدم الاجتماعي المستدام، حيث يشتمل هدف النمو الشامل والمستدام على حماية البيئات الطبيعية وترميمها، إضافةً إلى الحد من آثار الأزمة المناخية.

4. بناء مُحرك للاستدامة

الاستثمار المسبق والإدراك المبكّر والاستجابة الفورية والتحرك السريع من أهم العوامل لتسريع التعافي من حالات الاضطراب.

عادةً ما تعتمد الشركات على مبدأ المرونة لتفادي المخاطر، حيث تكون معظم حلولها دفاعية تركز على بناء مخزونات احتياطية مكلفة لتجنب المخاطر، واعتماد منهجيات تحدّ من النمو بدل أن تساهم في دعمه. ولكنّ المنهجية الجديدة لتحقيق المرونة تتخطى مسألة الحلول الدفاعية إلى وضع استراتيجيات تدعم النمو، إذ تتمحور حول إنشاء نظام مرن وقادر على التكيف بسرعة مع الاضطرابات والتغيرات البيئية.

وتقوم أي استراتيجية فعالة على محوري المرونة والسرعة التي تتيح للشركات مواجهة عدد أكبر من المخاطر، وهو ما يجعل المخزونات الاحتياطية داعمًا رديفًا لحماية الشركات خلال حالات انعدام اليقين التي تقاوم التدابير الفورية. وتقود جميع تلك الاعتبارات إلى الاستجابة المحسّنة الموضحة في الشكل 4، حيث يقوم محرك المرونة على ثلاثة إجراءات رئيسية تشمل الجاهزية، والإدراك، والتحرك السريع.

1.4 الجاهزية

يقوم مبدأ الجاهزية على الاستثمار الاستباقي لمواجهة الاضطرابات الكبرى وخفض حجمها وسرعة تأثيرها. وتبرز هنا ثلاثة إجراءات رئيسية يمكن اتخاذها في هذا الإطار، وهي تشمل تزويد المنتجات والعمليات بالمرونة اللازمة وبناء المخزونات الاحتياطية وتعزيز الشبكات.

  • ويُعنى تصميم المرونة بالاستثمار الموجه لتوفير بدائل مجدية، مثل تخصيص موردين متعددين في مختلف المناطق الجغرافية. ومن أمثلة ذلك هو اعتماد إحدى شركات الطاقة على برنامج خاص بالتداول التجاري، وهو ما يؤدي إلى تأثر الإيرادات بصورةٍ كبيرة في حال تعطل البرنامج. وعمدت هذه الشركة إلى الاستثمار بتأمين ضمانات رهنية كبيرة تعوض نقص الإيرادات، وأجرت الترتيبات اللازمة لمواصلة التداول مع أبرز عملائها في حال حدوث مشكلة تقنية.
  • ويتمحور بناء المخزونات الاحتياطية حول تعزيز الدعم الاحتياطي من خلال زيادة مقومات الأمان في المنتجات أو المحافظة على مستويات أعلى من المخزونات للموارد الحيوية. وعلى سبيل المثال، قامت إحدى الحكومات، على إثر مخاوفها من حدوث اضطرابات في المخزون الوطني للمياه، بتحديد وتأمين المعدات والمواد الاستهلاكية اللازمة لسير العمليات قبل أن يصبح تأمينها صعبًا وسط الأزمات (بما يشمل المعدات والمواد الاستهلاكية من الشركات التي تعتمد على مصدر واحد). كما أنشأت الحكومة مخزونات احتياطية تدعم مقومات الأمان، لتقوم بعد ذلك بتحديد المناصب التي تتطلب مهارات عالية للغاية، بما يضمن وصول الأشخاص الذين يتولون تلك المناصب إلى المواقع المناسبة لضمان سير العمليات عبر مختلف السيناريوهات. ويعكس هذا المثال رغبة هذه الحكومة في التكيف مع ارتفاع تكاليف العمليات وبناء الدعم الاحتياطي وتعزيز مرونتها لمواجهة الأحداث الخطيرة.
  • كما يُعد تدعيم الشبكات من عوامل الجاهزية التي تتيح للشركات توفير حلول أفضل، ولذلك نشهد تزايد استثمار الشركات والحكومات في الوسائل التي تسهم في تحسين بروتوكولات الأمن السيبراني، بالإضافة إلى الاعتماد على شبكاتها لمشاركة المعلومات وتطوير الأدوات والإمكانات الضرورية لمكافحة التهديدات المعقدة. ورغم بساطة هذه الإجراءات من ناحية التصوّر، إلا أن الصعوبة في تحديد الإجراء المناسب لكل نوع من الاضطرابات، ولا سيما في حال عدم اختبار الشركة لأي أزمة مماثلة سابقًا. ومن غير المرجح أن تتمكن الشركات من الاستعداد بشكلٍ كامل للأزمات التي لا توجد لها حلول واضحة وقوية نسبيًا، ولكنّ الشركات قد تتخذ بعض الإجراءات لمجرد إدراكها لقرب وقوع الاضطرابات المحتملة، وبالتالي وضع تصورات استباقية لحلول قوية لمواجهتها.

وتشكل أدوات القياس جزءًا رئيسيًا من إطار المرونة المشترك رغم صعوبة قياس قيمة الاستثمارات المخصصة للمرونة. وتجدر الإشارة إلى احتمالية التقليل من قيمة حجم الاستثمارات اللازمة للوصول إلى المرونة الحقيقية في حال اعتماد منهجيات مخصصة لحساب العائدات على الاستثمار حسب الخسائر المتوقعة للقيم. وتوجد منهجية أخرى معتمدة من شركات التأمين ووكالات التصنيف لحساب المخاطر في الشركات، وهي تركز على خفض الخسارة التي تتخطى القيمة المعرضة للمخاطر. كما يمكن تحديد مجموعة من الاضطرابات غير المتوقعة، والتي يُرجح أن تحدث خلال العقد المقبل، ومن ثم حساب العائد على الاستثمار بناءً على إجمالي الخسائر التي تم تفاديها.

2.4 الإدراك

يُعد الإدراك جزءًا مهمًا من محرك المرونة، حيث يتولى رصد الاضطرابات الحالية واكتشاف أبعادها وتداعياتها بمنتهى السرعة وتحديد الاستجابة المناسبة لها.

  • الاستجابة بالسرعة المناسبة: عادةً ما تتسرع الشركات في استجابتها أو تخطو بوتيرة بطيئةٍ للغاية، متناسيةً أهمية الاستجابة للاضطراب. وعلى سبيل المثال، واجهت إحدى شركات الرعاية الصحية هجمةً سيبرانية بعد تلقيها عدة تحذيرات على مدار أشهر، حيث نجح فريق الشركة برصد برنامج الفدية الذي استطاع اختراقها، ولكنه تحفظ عن نشر المعلومات قبل حدوث أي تصعيد لأن التهديد لم يصل إلى مرحلة معيار التصعيد الذي وضعته الشركة.
  • توحيد إدارة المخاطر والأزمات في إطار مرونة الشركات: عمدت إحدى الشركات الرائدة وسريعة النمو في مجال السلع الاستهلاكية إلى وضع إطار مرونة يضم مجموعة من العناصر المهمة، بما يشمل دمج إدارة المخاطر التقليدية مع إدارة الأزمات، وضمان استمرارية أعمال الشركة، والحفاظ على الأمن، والحماية من الاحتيال، وتأمين الشركة. كما قامت بتطوير أصول يمكنها تحديد الاضطرابات مُ سبقًا، مثل تزويد آلة مخصصة للبيع بمستشعر للحرارة لدعم الاستمرارية التشغيلية للآلة في سلاسل التوريد المبردة.
  • تخصيص فريق فعال للتخطيط: يجب تعيين فريق يتمتع بالقدرة على استخدام السيناريوهات لتفسير حالات انعدام اليقين وتحويلها من مجموعة كبيرة من المشاكل إلى مسار تطور واضح للمخاطر التي يمكن تصنيفها ضمن فئات واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل معها. وتسلط أفضل السيناريوهات الضوء على مجموعة واسعة من الاضطرابات الاجتماعية، والجيوسياسية، والمناخية، والتقنية المحتملة. وتولّد الشبكات والارتباطات غير المعروفة نقاط ضعف جديدة يجب اختبارها تحت الضغط لوضع مسارات تطور المخاطر المستقبلية.
  • اختبار الاستراتيجية تحت الضغط والتحرك بناءً على نتائج الاختبار: قامت إحدى الشركات العالمية المصنعة للمعدات الأصلية للسيارات باختبار استراتيجيتها تحت الضغط من خلال تقييم تأثير سيناريو يقوم على افتراض منع استيراد السيارات وقطع الغيار من قِبل أحد العملاء من الدول القومية. وأجرت الشركة تقييمًا للنتائج المحتملة مع تطبيق عوامل تحسين المرونة وبدون وجودها، حيث تجددت المبيعات والأرباح مع تطبيق عوامل تحسين المرونة قبل عامين من الفترة التي حققتها بدون وجود عوامل التحسين. وكان الاستشراف من العوامل الرئيسية لتحسين المرونة (بناءً على مراقبة المشهد التنظيمي للدولة)، بالإضافة إلى قدرة الاستجابة (التحرك السريع بعد الإعلان الأول)، والمرونة المالية (بما يشمل وضع قاعدة تكاليف ثابتة ومنخفضة وتأخير بعض الاستثمارات المحددة).
  • تخطيط سلاسل التوريد: وضعت إحدى الشركات الكبرى في مجال الصناعات الدوائية مؤشرات للإنذار المبكر ترصد المواد الحساسة في سلسلة التوريد التابعة لها، فضلًا عن رسم خطط داعمة (تشمل الطلب المؤتمت للمواد) لضمان تصعيد الاستجابة بصورة سريعة في حال حدوث اضطرابات مبكّرة. وتقوم هذه الخطط على الإجراءات العملية التي تغطي مستويات محددة لإحالة الاستجابة إلى المدراء التنفيذيين وفريق الإدارة العليا.

3.4 التصرف السريع

يُعد التصرف السريع من العناصر الرئيسية في محرك المرونة لقدرته على تمكين شركات القطاعين العام والخاص من اتخاذ خطوات سريعة وضمان اتخاذ الاستجابة المناسبة بشكل فعال ومبكر للاضطراب والخروج منه قبل الشركات النظيرة.

  • تشكيل فرق متعدّدة الاختصاصات: تعد هذه الخطوة هيكلًا ضروريًا يساهم في مواجهة حالات انعدام اليقين الشديدة ويضمن تحقيق استجابة ناجحة لها. وبهذا الصدد، قامت إحدى الشركات الصناعية الكبرى بتشكيل فرق متعددة الاختصاصات تشمل أعضاءً من قسم العمليات، ودعم العملاء، والشؤون القانونية، والتمويل، والوظائف الأخرى، إذ عزز أفراد الفريق الثقة فيما بينهم وفعّلوا عملية التعاون المشترك عند اقتضاء الحاجة. ولعب الفريق دورًا محوريًا في دعم الشركة للحد من حالة انعدام اليقين والتقدم بثبات رغم استمرار الحالة، مع العلم أن هذه الهيكلة تتطلب وضع قواعد واضحة يدعمها أعضاء الفريق ومبادئ أساسية تضمن استمرار عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها.
  • العمل على التقريب بين الأقسام المستقلة: ينبغي على الفرق المعنية أن تقرّب بين الأقسام المستقلة، بدون التأثير على الثقة، بهدف دفع عجلة التعافي في الشركة. وعلى سبيل المثال، عمدت إحدى الشركات الصناعية الكبرى، التي تواجه مشكلة فساد كميات كبيرة من المنتجات، إلى تشكيل فرق تضم أعضاء من قسم الشؤون التجارية، والتمويل، والهندسة، والعمليات، والمبيعات، والشؤون القانونية. وتناول كل فريق مشكلةً محددة وركز على حلها، حيث قام أحد الفرق بتعويض أصحاب الامتيازات بدفعات مالية، بينما سارع فريق آخر لحل الجانب التقني من مشكلة فساد المنتجات، في حين حدد الفريق الثالث إجراءات السيولة اللازمة لضمان صمود الشركة بأدنى تأثير على نموها.
  • التحرك السريع: ومن الأمثلة على ذلك ما اتبعته أيسلندا من إجراءات خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث لم تكن تتمتع بالجاهزية الكافية لمواجهة الأزمة لا سيما وأن التزامات أضخم ثلاثة بنوك فيها تفوق الناتج المحلي الإجمالي الوطني بما يتجاوز 800%، بالإضافة إلى اتباع نظام محدود لحوكمة عمليات البيع وإقراض الأسهم بين البنوك. وعانت أيسلندا من أضرار جسيمة خلال الأزمة المالية (تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 10% من أعلى إلى أدنى مستوى). ولكنّ ما ساعدها على التعافي هو قلة عدد سكانها (315 ألف نسمة آنذاك) واعتمادها على عملتها المحلية التي ساهمت بخروجها من الأزمة بشكل أسرع من الدول الأخرى. واتخذت الدولة سلسلة من الإجراءات الاستراتيجية السريعة، مثل خفض مديونية الأسر، والسماح بالتخلف عن سداد الديون عند اللزوم، وإعفاء ميزانيات الشركات التي يترتب عليها ديون كبيرة، مما ساهم بخفض الديون المعيشية إلى أقل من 75% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2015 (في حين تخطت نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول المجاورة نسبة 120%)، فضلًا عن ارتفاع معدل الوظائف فوق المستويات المسجلة في عام 2007 بحلول عام 2013.

ويواجه قادة شركات القطاعين العام والخاص، الذين يدرسون مسألة المرونة من منظور شامل، مجموعة من المخاطر والتحديات الواجب حلها بمعزل عن غيرها، سواء كانت تتعلق بنقص الأيدي العاملة أو المخاطر الرقمية أو اضطرابات سلاسل التوريد أو التضخم أو عدم المساواة. ولكن هذه المنهجية غير قادرة على كشف الارتباطات المتشعبة بين هذه المشاكل أو التوجهات طويلة الأمد في المنظومة، التي تنتج عن التغير المناخي والتطورات الاجتماعية والتغيرات الجيوسياسية. مع العلم تُعد خطة التعافي التي وضعتها المفوضية الأوروبية، نموذجًا بديلًا عن المنهجيات المستخدمة لمرة واحدة، حيث تسلط الخطة الضوء على الارتباطات بين قطاع التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان، وقضايا التغير المناخي، والنمو الاقتصادي، والمنافسة، اضافة إلى الوظائف، وتتناولها وفق إطار عمل شامل. وتشكل الصعوبات التي يواجهها تنفيذ مثل هذه الخطط مقياسًا لمتطلبات تحفيز مشاركة جميع أفراد المجتمع.

5. سبعة مواضيع متعلقة بالمرونة ترسم ملامح المستقبل

اعتماد أجندة مدروسة تأخذ بعين الاعتبار ترابط الأزمات كأفضل وسيلة للتعامل معها.

تواجه الاقتصادات والمجتمعات العديد من الأزمات في الوقت ذاته وتتسبب جميعها بتداعيات إنسانية كبرى وتحمل تأثيرات طويلة الأمد من المستويين الثاني والثالث. ولم تعد منهجية التعامل مع الأزمات بشكل منفصل فعالةً في الوقت الراهن، وبرز الدليل على ذلك من خلال الأسئلة الملحة التي طرحها التعامل مع أزمات التغير المناخي والحرب الراهنة وجائحة كوفيد-19 بشكل منفصل.

ويجب أن تركز أجندة المرونة المحسّنة على تحديات معينة والترابطات التي تجمعها، شريطة تعاون القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مشتركة داعمة. ويمكن اختزال أنشطة المنتدى الاقتصادي العالمي ومبادراته، الرامية إلى معالجة التحديات الناجمة عن الأزمات والاضطرابات الراهنة، في سبعة مواضيع تتعلق بالمرونة بالتوازي مع مجموعة من التداعيات الأساسية الشاملة على الصعيد التجاري والاقتصادي والاجتماعي (الشكل 5).

1.5 المناخ والغذاء والطاقة

سلّط مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 26) في ”جلاسكو“ العام الماضي الضوء على الالتزامات العالمية بخفض انبعاثات غازات الدفيئة. وكشف البحث أن تحقيق الحياد المناخي يتطلب ثبات انبعاثات الكربون التراكمية في عام 2050 دون 1000 جيجاطن، للحفاظ على ارتفاع متوسط درجة الحرارة على مستوى العالم دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة. ويُعد هذا التحول مرهونًا بإجراء عملية استبدال واسعة النطاق لقاعدة الأصول المنتجة في الاقتصاد العالمي بتقنيات غير منتجة للانبعاثات. وتأسس تحالف "فيرست موفرز“ لمعالجة هذا التحدي، وهو يضم مجموعة من الشركات ذات التفكير التقدمي والمتطور، ويتمثل هدف هذا التحالف في تعزيز الطلب لتوفير إمكانية الوصول إلى التقنيات النظيفة الناشئة وتوسيع نطاقها.

ويتولى برنامج الأمم المتحدة للبيئة قيادة جهود تمويل برامج اعتماد التقنيات الجديدة لمعالجة التغير المناخي في أكثر المناطق خطورةً. ويسير حاليًا 45 مشروع اعتماد على قدمٍ وساق لحماية المجتمعات المعرضة لخطر الظروف المناخية الشديدة ومنع فقدان الموائل وضمان نظافة المياه والغذاء.

ويستلزم نجاح هذه المشاريع تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص على مستوى جميع مواضيع المرونة، مما يساهم أيضًا في حماية السكان والأصول من خلال تدعيم البنية التحتية الموجودة والتركيز على الاستجابة للطوارئ ورفع مستوى الجاهزية، بالإضافة إلى تعديل ظروف العمل في المناطق الحارة. كما يتوجب تعزيز مرونة الأنظمة وقوتها عن طريق بناء مخزونات للغذاء والمواد الخام وحماية الإنتاج من خلال تخزين قطع الغيار الاحتياطية، إلى جانب دعم سلاسل التوريد وتطوير مواقع بديلة للإنتاج.

يسفر التغير المناخي عن زيادة تكرار حالات الجفاف الشديدة والفيضانات وحرائق الغابات، فضلًا عن تخريب المحاصيل والمراعي، مما يساهم بتفاقم المجاعات وانعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم.

ويسفر التغير المناخي عن زيادة تكرار حالات الجفاف الشديدة والفيضانات وحرائق الغابات، فضلًا عن تخريب المحاصيل والمراعي، مما يساهم بتفاقم المجاعات وانعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم. وتُعد جائحة كوفيد-19 والتضخم الاقتصادي الراهن من العوامل التي تزيد حدّة أضرار التغير المناخي، حيث يواجه التنوع الحيوي خطرًا كبيرًا، ويتوقع العلماء انقراض نحو مليون نوع من النباتات والحيوانات خلال العقود القادمة. وأشارت الأمم المتحدة إلى ارتفاع مستويات سوء التغذية في العالم التي طال تأثيرها 9.9% من سكان العالم في عام 2020 (8.4% في عام 2019)، ما يعني أن ثلث سكان العالم، نحو 2.37 مليار نسمة، غير قادرين على الحصول على الغذاء الكافي. ويُرجح أن تتفاقم هذه المشكلة نتيجة الآثار المباشرة وغير المباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما وأن الدولتين من أكبر مصدّري القمح في العالم.

كما تساهم الاضطرابات المتقطعة في زيادة حدة تأثيرات التغير المناخي على إنتاج الغذاء في العالم بصورةٍ خطيرة، إذ تحتم الارتباطات بين الأزمات في البيئة المادية والمجتمعات والاقتصاد على توجه المجتمعات نحو الحد من تأثيرات التغير المناخي على السكان المعرضين لها. وتشمل هذه الجهود إعادة تخصيص الأصول والمجتمعات في المناطق التي تصعب حمايتهم فيها، بالإضافة إلى أخذ المخاطر المناخية بالحسبان من أجل المواقع الأخرى في المستقبل.

وانسجامًا مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ، التزمت العديد من الشركات والاقتصادات بتحقيق الحياد المناخي بوصفه أحد المبادئ التنظيمية. وتشير تحليلات ماكنزي إلى أن تمويل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنمو المستدام يستلزم نفقات رأسمالية قد تتخطى 100 تريليون دولار أمريكي، ويتركز ثلثا هذا الرقم في الاقتصادات النامية. وبدأت الدول بحشد طاقاتها لجمع رأس المال اللازم، وعلى رأسها المؤسسات المالية كما تبيّن خلال مؤتمر الدول الأطراف لتغير المناخ (كوب 26)، حيث يضم تحالف ”جلاسكو“ المالي من أجل صافي انبعاثات صفري أكثر من 450 مؤسسة تشكل أصولها المالية 130 تريليون دولار أمريكي (40% من الإجمالي العالمي)، والتي تعهدت بمواءمة أصولها لتحقيق أهداف الحياد المناخي.

وكشف الرد الغربي على الغزو الروسي لأوكرانيا عن صعوبة تحقيق هذه الأهداف، إذ تتسبب المحاولات لعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي في تحديات أمن مخزون أوروبا قصير الأمد من النفط الخام والغاز الطبيعي والوقود الصلب (الذي يشكل الفحم معظمه). وساهم هذا الصراع بإحداث تضخم عالمي في قطاع الطاقة، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الأنواع الثلاثة من الوقود الأحفوري، والتي كانت تشكل 83.1% من الطاقة الأساسية في عام 2020 على مستوى العالم. وتباطأت وتيرة تقدم دول العالم بصورةٍ كبيرة نحو اعتماد الطاقة المتجددة التي وصلت إلى نسبة 4.3% من حصة مزيج الطاقة في عام 2020.

وحرصت الشركات والحكومات على مدى أعوام على إجراء دراسات جدوى لجهود التحول إلى نظام منخفض الانبعاثات، بما يشمل عدة سيناريوهات مختلفة الوتيرة أسفرت عن حدوث التضخم وحالة تقلب كبيرة في الأسعار في أسواق الطاقة. وما تزال دول العالم بعيدةً جدًا عن إرساء اقتصاد خالٍ من الكربون، الأمر الذي يترافق مع التوجه نحو التنقيب عن الوقود الأحفوري وإنتاجه، مما يساهم في تسريع الاحتباس الحراري وزيادة اعتماد الاقتصاد على سبل الطاقة التقليدية بالنسبة للمنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء.

2.5 مرونة السكان والتعليم والشركات

يُعد رفع مستوى التعليم عند السكان من المتطلبات الأساسية لضمان النمو المستدام والشامل على الصعيد العالمي. ويتمثل الهدف الإنمائي للألفية للأمم المتحدة الخاص بالتنمية المستدامة في رفع مستوى التعليم المتاح للدول منخفضة الدخل، وكذلك لشرائح السكان المهمشة والأكثر فقرًا في كل مكان. وقد كشفت تقديرات الأمم المتحدة وفي عام 2021 أن ثلث الشباب لا يحصلون على التعليم في المرحلة الثانوية؛ بينما يفتقر 617 مليون شاب في جميع أنحاء العالم إلى المهارات الأساسية في الرياضيات أو القراءة والكتابة. وبلغ عدد الأميين من البالغين 750 مليونًا حتى عام 2016، مع العلم شكلت النساء ثلث هذا العدد الكبير. كما يوجد ملايين الأطفال اللاجئين غير الملتحقين بالمدارس، بما في ذلك ما يقرب من نصف العدد الإجمالي المقدر بـ 7.9 مليون طفل لاجئ تحت رعاية وكالة الأمم المتحدة للاجئين. ويسلط هدف الأمم المتحدة المتعلق بالتعليم الضوء على الفوائد الاقتصادية للاستثمارات في التعليم الشامل للجميع، حيث يؤكد أن كل سنة دراسية إضافية تضيف 0.37% إلى الناتج المحلي الإجمالي. ومع حصول السكان على التعليم على نطاق واسع تتضاعف فوائد هذه الميزة على المجتمعات والاقتصاد، وذلك من خلال تعزيز الصحة الشخصية وإنتاجية القوى العاملة وتجهيز الجيل لوظائف تتطلب مهارات عالية.

تتطلب المواهب والمرونة التنظيمية، عمل قادة القطاعين العام والخاص على تكثيف الجهود لرفع مستويات التعليم وبناء قدرات جديدة.

وتتطلب المواهب والمرونة التنظيمية، عمل قادة القطاعين العام والخاص على تكثيف الجهود لرفع مستويات التعليم وبناء قدرات جديدة، حيث فقد ملايين العمال في العديد من الفئات وظائفهم أثناء الجائحة، بينما ترك ملايين آخرون مناصبهم. وكانت العاملات من الإناث الأكثر تضررًا، حيث وقع على عاتقهن النصيب الأكبر من عبء رعاية الأسرة.

وعلى سبيل المثال، تراجعت أعداد القوى العاملة في الولايات المتحدة في الربع الأخير من عام 2021 بمقدار ثلاثة ملايين شخص عما كانت عليه في فبراير 2020، كان من بينهم مليوني امرأة عاملة. وأشارت منظمة العمل الدولية إلى أن الركود الناجم عن الجائحة أدى إلى انخفاض بنسبة 4.2% في توظيف النساء، مقارنة بانخفاض بنسبة 3% للرجال. وتم تخفيف هذا الفارق لاحقًا في العديد من الاقتصادات المتقدمة، ولكنه ظل قائمًا في دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك.

وتكمن المشكلة المعقدة في تسارع وتيرة التوجهات الموجودة مسبقًا في العمل عن بُعد والتجارة الإلكترونية والأتمتة خلال الجائحة، مما زاد الطلب على بعض العمال وأدى في المقابل إلى فقدان عدد أكبر منهم لوظائفه. ويواجه أصحاب العمل في الدول المتقدمة والنامية صعوبة في توظيف ما يكفي من المواهب المتخصصة للتوسع. على سبيل المثال، يوجد نقص في العاملين في مجال التكنولوجيا في الاقتصادات الكبيرة والصغيرة نتيجة الطلب المرتفع عليهم، ما قد يكون أفضل مؤشر على الحاجة الكبيرة لإعادة تأهيل الموظفين الحاليين لتأمين المهارات التي تحتاجها الشركات لاقتصادات المستقبل. وهناك أيضًا سعي لتوظيف العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات ومتخصصي الأمن السيبراني بشكل خاص لمواكبة الطلب المتزايد على العمل عن بُعد وبناء المرونة التنظيمية. وطورت مجموعة عمل قطاع إدارة التأمين والأصول التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي إطار عمل للمرونة التنظيمية خاص بالشركات، انطلاقًا من إدراكها للواقع الجديد بأن المرونة أصبحت في رأس قائمة أولويات الأعمال بعد الاضطرابات غير المسبوقة لجائحة كوفيد-19.

3.5 الرعاية الصحية

تُعد الشراكة من أجل استدامة النظام الصحي ومرونته تعاونًا عالميًا بين كلية لندن للاقتصاد والمنتدى الاقتصادي العالمي وشركة آسترازينيكا، وتهدف إلى ضمان قدرة النُظم الصحية على تحمل الأزمات في المستقبل. وكشفت الدراسة التي أجرتها الشراكة على العديد من الأنظمة الصحية أن معظمها لم يكن مستعدًا بشكل كافٍ للتعامل مع صدمة جائحة كوفيد-19، حيث افتقر الكثير منها إلى التمويل الكافي، نظرًا لاستمرار تأثير الأزمة المصرفية في عام 2009 في الموارد المالية للقطاع العام.

هناك جوانب أخرى مثيرة للقلق، حيث تبين في كثير من الحالات أن أنظمة الحوكمة تفتقر إلى القيادة والاستراتيجيات الواضحة. وربما كانت هذه النتيجة متوقعة فيما يتعلق بالتصدي لجائحة كوفيد-19، حيث لا تزال العديد من الأنظمة تتبع نهجًا قائمًا على الاستجابة للتحديات بعد حدوثها. ولكن تسلط تلك النتيجة الضوء أيضًا على أن السياسات الخاصة بالاستراتيجيات القائمة لم يتم تحديدها بشكل واضح وتنفيذها. كما يعاني التسلسل القيادي في بعض الدول من عدم الوضوح عند مواجهة صدمة على مستوى الأنظمة، ويمكن لحالات التوتر بين السلطات المركزية والمحلية أن تعرقل عملية الاستجابة. وافتقرت بعض الدول التي واجهت نقصًا في القوى العاملة إلى خطط لمعالجة هذه المشكلة أثناء الجائحة، في حين اعتُبرت الصحة والسلامة في مكان العمل في بعض الأحيان مسألة ثانوية. وكان الاستثمار في رأس مال النظام الصحي في بعض الدول محدودًا في بعض الأماكن، بما في ذلك الصحة الرقمية وتقييم التكنولوجيا الصحية. وعانت أنظمة الرعاية الصحية الموصوفة بأنها ”متكاملة“ (مثل الخدمة الصحية الوطنية في المملكة المتحدة) من نقص في التنسيق على مستويات مختلفة وفي العديد من جوانب تقديم الخدمة.

ويمكن للحكومات والشركات المزودة لخدمات الرعاية الصحية الاستفادة من دروس الجائحة لتنشيط أنظمة الرعاية الصحية وتحسين حالة الصحة العامة العالمية. كما يمكن تحسين الاستعداد للأزمات الصحية والتصدي لها على المستويين الوطني والإقليمي، إذ يمكن، على سبيل المثال، تعديل بروتوكولات الأزمات وتخزين الإمدادات الحيوية. وحددت الشراكة من أجل استدامة النظام الصحي العديد من مجالات التحسين، بما فيها نماذج التمويل الحكومي لأنظمة الرعاية الصحية، والابتكار الرقمي، والرعاية الموزعة والافتراضية، وتعديل اللوائح التنظيمية بما ينسجم مع التكنولوجيا الجديدة، والاستثمار في الرعاية الوقائية، وإعادة تأهيل مهارات القوى العاملة، والتغييرات في هياكل الحوافز بحيث يكون الدفع مقابل النتائج المستندة إلى القيمة.

ويمكن تعزيز المرونة الدولية في مواجهة التهديدات الصحية المستقبلية من خلال تحسين عملية المراقبة وزيادة الشفافية وتنسيق الاستجابة بشكل أفضل، فضلًا عن نشر ثقافة التواصل. كما سلطت الجائحة الضوء على قضايا الصحة النفسية لأنها أدت إلى تفاقمها، فظهرت حاجة ملحة لتحديد نطاق هذا القضايا وتأثيرها ومعالجتها، لا سيما من خلال تدابير تكون متاحة لجميع شرائح السكان. ويمكن أن تستند برامج البحوث الصحية للقضاء على الأمراض وتقديم الرعاية إلى التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، على غرار الجهود المبذولة للتوصل إلى لقاح لفيروس كوفيد-19.

وغالبًا ما يعمل أخصائيو الرعاية الصحية، خلال الجائحة، بأقصى طاقتهم باستخدام معدات غير كافية وفي ظروف لا تستوفي المعايير. ويمكن للحكومات ومقدمي الخدمات تحسين ظروف العمل في مجال الرعاية الصحية، مع بناء قوة عاملة مرنة في المستقبل تتمتع بمهارات أفضل في مجال التعاون بين الدول والقطاعات لتلبية الزيادة في الطلب أثناء الأزمات.

4.5 التنمية الاقتصادية المستدامة

يُعد بناء المرونة بالنسبة للاقتصادات النامية شكلًا من أشكال التقدم الاقتصادي، حيث يعود بالفائدة على الشركات والحكومة والمجتمع، كما يقلل من نقاط الضعف المتأصلة. وهناك حاجة إلى استثمارات ضخمة، ولكن يمكن إنجاز العديد من المشاريع المحلية بشكل تدريجي وبتكلفة منخفضة نسبيًا. ويجب أن تشمل الأهداف الأساسية القيام بعمليات تحسين في مشاريع الإسكان والتنوع الزراعي والإمدادات الغذائية والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي. إضافة إلى ذلك، زاد عدد الأشخاص غير القادرين على الحصول على الطاقة في دول النصف الجنوبي من العالم بسبب فقدان الدخل أثناء الجائحة، لتكون تلك الزيادة الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، وهي تسلط الضوء على أن الفجوة في إمكانية الوصول إلى الطاقة ما تزال قائمة ويجب العمل على سدها.

وهناك أيضًا حاجة إلى بذل جهود موازية لتحسين التعليم والتدريب الفني، وإنشاء البنية التحتية الرقمية وتوسيعها، حيث يساعد تعميم التكنولوجيا الرقمية على الجميع في زيادة قدرة الشركات والمجتمع عمومًا على التكيف. ويمكن أن تحفز أنشطة المرونة الأولية القطاع الخاص على المشاركة لتعزيز النمو المستدام والشامل. ويُعد التخطيط السليم ضروريًا لتقييم الاقتصاد وضمان تقديم برامج ومبادرات داعمة للنمو المستدام. وتتسم الاتفاقيات التي تشمل المجتمعات وتنظيم المجتمع بأهمية خاصة، نتيجة الحاجة إلى تعزيز مشاركة المجتمع للتغلب على العديد من التحديات الاجتماعية.

5.5 التجارة وسلسلة التوريد

تعمّق الترابط الاقتصادي العالمي على مدى عقود، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أحجام التجارة العالمية. وسمح الإنتاج والعرض الناتجين عن العولمة للاقتصادات والشركات بتطوير علاقات دولية قوية، لا سيما مع توقيع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. وفي حين فرض الاحتكاك الجيوسياسي قيودًا على هذه العلاقات الجديدة، كشفت جائحة كوفيد-19 عن وجود نقاط ضعف أخرى، حيث توقّفت سلاسل التوريد بشكل كامل في كثير من الأحيان نتيجة إغلاق الحدود وتقييد الحركة في محاولة للسيطرة على انتشار الفيروس. كما شهد طلب العملاء بعض التقلبات، ولكنه سرعان ما تعافى بفضل التحولات (مثل الاستخدام المتسارع للقنوات الرقمية)، بينما ظلّت سلاسل التوريد تواجه عقبات كبيرة. أما الممارسات التي تعتمد على الطلب عند اللزوم، وتستخدم في العديد من القطاعات لتقليل الهدر عن طريق الاحتفاظ بمخزونات منخفضة من الإمدادات، فواجهت بدورها تحديًا كبيرًا، حيث نفدت المخزونات المحدودة بسرعة.

واتبع المصنّعون نهجًا مرتجلًا في استجابتهم، حيث أنشأ بعضهم فرقًا مخصصة لتطوير معلومات العرض والطلب، من خلال الجمع بين بيانات سلاسل التوريد والتزامات الموردين، بينما بدأ بعضهم الآخر في إعادة دارسة عمليات اعتمادهم على منهجية الطلب عند اللزوم والاحتفاظ بمخزونات منخفضة من الإمدادات في جميع جوانب سلاسل القيمة الخاصة بهم. وبذلت بعض الحكومات جهودًا دؤوبة لتأمين مصادر إضافية للموارد الإقليمية والمتنوعة نتيجة شعورها بالقلق من الاعتماد على موردين فرديين ودول بعيدة لتلبية احتياجاتها الأساسية.

ويستمر ظهور آثار صدمات العرض الحالية الناجمة عن الجائحة نتيجة للتغييرات في السياسة التجارية وندرة القوى العاملة والتضخم. ورغم عدم وجود سلسلة توريد يمكنها مقاومة الاضطرابات، يمكن للحكومات والشركات التعاون لوضع تصميم مرن لها يجمع بين عدة عناصر، والتي تشمل نهجًا بديلًا لحالات الطوارئ يقوم على تصميم جديد لتخزين البضائع؛ وقاعدة إمداد موسعة، من مناطق وطرق متنوعة؛ والتكامل الرأسي عند الإمكان؛ وشفافية كاملة في جميع فئات الموردين ونماذج التشغيل الجديدة والشراكات. ويمكن للحكومات المساعدة من خلال الربط بين مصادر البيانات المتفرقة من خلال تسريع إصدار الموافقات التنظيمية لتعزيز الاعتماد والابتكار (مثل الإنتاج المرن بالقرب من نقطة الاستخدام بالاستفادة من الطباعة ثلاثية الأبعاد). ويُعد التعاون والتنسيق بين القطاعين العام والخاص ضروريًا لتشجيع الاستثمار وتجنب ازدواجية الجهود.

6.5 المرونة والثقة والشمولية الرقمية

واصلت العديد من الشركات والمؤسسات المالية العالمية عملياتها خلال جائحة كوفيد-19 من خلال تزويد بيئات العمل عن بُعد بالحلول الرقمية. ويستند المنتدى الاقتصادي العالمي إلى نتائج بحث أشارت إلى أن الاقتصاد الرقمي يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي اليوم، وقد ترتفع مساهمته لتصل إلى 26% بحلول عام 2040، وبالتالي فإن الشمولية الرقمية تعد عاملًا بالغ الأهمية للنمو، وهي تقوم على تحسين البنية التحتية الرقمية وتوفير إمكانية الاتصال لعدد أكبر من السكان والفئات المستبعدة حتى الآن. ويسعى ”تحالف إديسون“ حول تعزيز الشمولية الرقمية التابع للمنتدى وإيجاد فرص رقمية مدروسة التكلفة يمكن للجميع الوصول إليها بحلول عام 2025، وذلك من خلال تعاون غير مسبوق بين مجتمع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقطاعات اقتصادية مهمة أخرى.

ومن المتوقع أن تشهد الأعوام العشرة المقبلة عددًا غير مسبوق من الابتكارات، حيث تعيد التكنولوجيا رسم ملامح الرعاية الصحية والتنقل وعلوم المواد وإنتاج الطاقة. وبدأ تأثير التطورات المتسارعة في تقنيات مثل الحوسبة السحابية، والروبوتات، وأتمتة العمليات، وإنترنت الأشياء الصناعي يظهر في العديد من جوانب عمليات الإنتاج.

وتتطلب تلك التطورات اتخاذ تدابير أكثر تكاملًا في مجال الأمن السيبراني لتقليل المخاطر وتحسين المرونة، ما يعني تطبيق عمليات الأمن السيبراني والخطط والآليات التشغيلية الأخرى المناسبة لضمان استمرارية الأعمال أثناء وقوع حادث إلكتروني. وفي حين أن المرونة الإلكترونية ضمن المؤسسات تعد أمرًا حيويًا، إلا أن نطاق أزمة المرونة التي تعاني منها البنية التحتية الحيوية للأنظمة يشير إلى بروز تحدٍ أكثر خطورة. لذلك يجب أن تولي الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص أهمية قصوى لمرونة القطاعات الأكثر أهمية بالنسبة للأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

وتسلط هذه التطورات والمؤشرات الضوء على الأهمية المتزايدة للثقة والشمولية الرقمية، إذ ترغب العديد من الدول والشركات بتحقيق الشمولية، وهو هدف يتطلب تمويلًا كافيًا ليتحقق على صعيد المجتمع بجميع شرائحه، عن طريق تخصيص استثمارات للتعليم والمعدات والبنية التحتية الرقمية حتى تتمكن الدول الفقيرة والسكان المستبعدون من المشاركة في ازدهار المنظومة البيئية الرقمية. ويُقصد بالثقة الرقمية حماية الشركات والحكومات لأنظمتها وبياناتها ضد التهديدات الإلكترونية باستخدام أحدث الأساليب المتوفرة. ويجب أن تأخذ الشركات قيم المجتمع الأوسع بعين الاعتبار من خلال حماية البيانات الشخصية مع ضمان تقديم خدمات موثوقة. وما تزال العديد من الشركات حتى الآن في طور اكتشاف المزايا التنافسية التي تقدمها ريادة مجال الثقة الرقمية. ولكن تعزيز الثقة الرقمية سيؤدي دورًا أساسيًا في تحويل الأمن إلى عرض قيمة، وتأمين المجال الأوسع، إذ ستضيع مزايا الاقتصاد الرقمي ما لم يثق المستخدمون في الأنظمة الرقمية.

7.5 التمويل والقدرة على مواجهة المخاطر

يلعب القطاع المالي دورًا كبيرًا في بناء مستقبل مرن ومستدام. وأظهر الاقتصاد العالمي مرونة مالية خلال الجائحة، حيث اعتمدت الشركات على الوصول إلى خيارات التمويل، بما في ذلك المستويات غير المسبوقة من الدعم الحكومي. وما تزال المخزونات الاحتياطية من رأس المال على مستوى الشركة والقدرة المالية والنقدية في القطاع العام تحظى بأهمية كبيرة، رغم أن مداها كان موضوع نقاش مستمر، خاصة منذ عودة التضخم. وتتمثل أكبر مسؤولية للقطاع المالي خلال العقود القادمة، وأكبر فرصة للنمو، في تمويل الانتقال إلى مستقبل منخفض الانبعاثات. وسيكون القطاع الخاص أكبر مصدر للاستثمارات، بينما يلعب القطاع العام دورًا مهمًا في التخفيف من المخاطر التي تواجهها مشاريع الطاقة المتجددة. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تحدث أكثر عمليات الإنفاق في الاقتصادات الناشئة. وأطلق المنتدى تمويل الانتقال إلى مستقبل خالٍ من الانبعاثات الكربونية في عام 2020، وهي مبادرة لجمع رأس المال لتمويل التقنيات المتقدمة اللازمة لدعم الوصول إلى المستوى صفر من الانبعاثات الكربونية في المستقبل.

Explore a career with us