لا تقتصر خطط التحول الطموحة على التقليل من التكاليف، بل ترسم مسارًا متكاملًا لتحقيق مستويات أعلى من الأداء في الشركة. ويمكن للشركات تعزيز المرونة على مستوى المؤسسة من خلال عمليات تحول المحفظة ونموذج التشغيل والميزانية العمومية والاستراتيجيات الرقمية واستراتيجيات المواهب، حتى تتمكن من مواجهة الفترة الحالية من عدم اليقين الاقتصادي العالمي، وتعزز قدرتها على التعامل مع التحديات مع ضمان التكيف لتحقيق مزيد من النمو.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
وتشير أبحاث ماكنزي إلى صعوبة تنفيذ عمليات التحول بصرف النظر عن الجهود المبذولة. ويتوجب على الشركات تحقيق النجاح في عدة نقاط، مثل وضع أهداف طموحة ومدروسة، بالإضافة إلى إعداد رؤية واقعية ومتكاملة لا تقتصر على ضمان الإيرادات. وتبرز هنا أهمية عامل السرعة، حيث تسعى الشركات في ظل بيئة العمل الحالية إلى تحقيق النتائج المرجوة بأقصر وقت ممكن.
وبالرغم من أن كبار المسؤولين التنفيذيين يتفقون على أهمية السرعة، إلا أن تطبيق هذا المفهوم على جميع النواحي المتعلقة بالشركة قد يكون أمرًا صعبًا. ولا يمكن الإسراع في تنفيذ بعض النقاط التي تستغرق وقتًا، وعلى رأسها تغيير عقلية المؤسسة ودمج الأدوات الرقمية في مجالات أخرى غير تقنية المعلومات. ومن الضروري هنا اتخاذ ثلاثة إجراءات أساسية، وهي التنفيذ السريع من لحظة البداية، والحفاظ على الزخم بعد مرحلة الإطلاق الأولي، بالإضافة إلى اعتماد البنية التحتية التشغيلية للتحول ضمن هيكلية الأعمال الاعتيادية لضمان استمرار التغيرات على المدى الطويل.
الاستعداد للعمل السريع
قد لا تتمكن معظم المؤسسات من تجاوز المراحل الأولية بنجاح، مما يستنزف كثيرًا من الوقت والطاقة والزخم. ويكمن أحد الأسباب وراء ذلك في الممارسات والعادات المتبعة، والتي من الممكن أن تؤثر سلبًا على تحقيق النتائج السريعة. ومن هذا المنطلق، فإن الشركات التي تعمل بشكل استباقي لتحديد العوائق التي تحول دون التحرك بخطى سريعة والتعامل معها بالصورة الصحيحة تتمكن من تحقيق النجاح في برامج التحول بمعدل أكبر بأربع مرات بالمقارنة مع الشركات التي لا تتبع خططًا مشابهة.
ويساهم العمل بوتيرة سريعة من البداية في حشد العديد من الأفكار لوضع خطة مفصلة قابلة للتطبيق خلال أشهر قليلة. ويساعد تحقيق النجاحات السريعة على تعزيز المعنويات والالتزام، فضلًا عن توفير التمويل اللازم لتحقيق الأهداف الطموحة على المدى البعيد. كما يشير تحليل ماكنزي إلى أن التحول الناجح يتضمن عادة تنفيذ مبادرات تساهم في تحقيق 57% من القيمة خلال ستة أشهر، بالإضافة إلى تحقيق 74% من مجمل القيمة المستهدفة مع نهاية العام الأول (الشكل 1).
وغالبًا ما تعتمد الشركات على المبادرات المتعلقة بالميزانية العمومية من أجل دعم الانطلاقة السريعة وتمويل الاستثمارات طويلة الأمد، والتي تضم مثلًا تطوير رأس المال العامل من خلال إدارة المخزون وتحسين آليات إعداد الفواتير، والتي تساهم في تحقيق الإيرادات النقدية خلال أشهر قليلة من بدء التنفيذ. ومن منظور أوسع، تشكل الميزانية العمومية عاملًا مساعدًا في بدء التحول بوتيرة سريعة وتمويل الاستثمارات التي تخطط الشركة لتنفيذها. كما تساعد الميزانية العمومية الدقيقة والمدروسة على توفير المرونة اللازمة خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي، بالإضافة إلى تزويد الشركات بخيارات متعددة لتوظيف رأس المال بالتزامن مع التعافي الاقتصادي.
الحفاظ على الزخم
إن النجاح في المراحل المبكرة لا يعني النجاح بالمطلق، حتى لو كانت ثمة علامات واضحة لتحقيق القيمة المرجوة. ويشير بحثنا إلى أن المؤسسات لا تنجح غالبًا في الحفاظ على الأثر الذي تمكنت من تحقيقه، وذلك نظرًا لصعوبة الحفاظ على نفس مستوى الأداء بعد نهاية العام الأول. ويعود السبب في هذه الحالات إلى عدم توافق الحوافز والميزانيات مع الأهداف الجديدة، فضلًا عن عدم قدرة فرق الإدارة على مواصلة الاستثمار مستقبلًا، مما يحول دون إمكانية النجاح في المراحل المقبلة.
ويجب خلال العام الثاني من التحول تحديد فرص جديدة لتحقيق القيمة، والتأكد من أن الحوافز تعكس بدقة الأهداف الجديدة والالتزامات المطلوبة لتحقيقها (الشكل 2).
تعزيز وتوظيف القدرات
يشير بحث ماكنزي إلى انخفاض إمكانية تحقيق القيمة بدءًا من اليوم الأول، فضلًا عن خسارة ما يقارب نصف الفوائد المالية المحتملة في حال انتقال الشركات للعمل بوتيرة أقل تسارعًا. وهذا ما يؤكد أهمية اعتماد البنى التحتية التشغيلية كنموذج عميل جديد (الشكل 3).
وترتبط خسارة زخم التحول مع عدم التركيز على بناء المهارات اللازمة لتحقيق النجاح والحفاظ عليها. ويظهر تحليل ماكنزي أن ما يزيد عن 50% من كبار المسؤولين التنفيذيين يعتبرون بناء القدرات أحد الأولويات الثلاث الأهم. لكن بالرغم من ذلك، يقوم 25% منهم فقط بدمج بناء القدرات ضمن برامج التحول. ولهذا السبب يشكل بناء المهارات الأساسية والفهم الواضح لإيرادات رأس المال الاستثماري أهم العوامل الأساسية لتحقيق القيمة.
وتوضح بيانات ماكنزي للصحة المؤسسية أن مشاركة أكثر من 30% من الموظفين في برامج بناء القدرات تساهم في رفع مؤشر صحة الموظفين إلى 45%، بالمقارنة مع 12% فقط عندما تتراوح نسبة مشاركة الموظفين بين 10 - 30% (الشكل 4). ويمكن الاستفادة من فترة انخفاض معدلات البطالة وتغيّر تفضيلات العمل في بناء القدرات لاستقطاب المزيد من العاملين.
يساعد بناء القدرات على تعزيز إجمالي عائدات المساهمين. وتحقق الشركات التي تشمل أكثر من 30% من موظفيها ضمن برامج بناء القدرات نسبة أكبر بـ 40% تقريبًا من إجمالي عائدات المساهمين بالمقارنة مع الشركات التي لا تعتمد برامجًا مشابهة.
ومن خلال التركيز على بناء القدرات، يمكن للشركات الحفاظ على نفس الوتيرة السريعة طول فترة التحول، بداية من التعامل مع العوائق والتنفيذ السريع للحفاظ على الزخم المميز لمرحلة البداية، بالإضافة إلى التوظيف الناجح لهذه الممارسات على المدى البعيد. ويتحتم على الشركات في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها قطاع الأعمال تحقيق أقصى فائدة ممكنة من الإمكانيات المتاحة.