الاستقالة الصامتة وإدارة الأداء

| تدوينة صوتية

ملاحظة: إننا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على جميع التفاصيل الدقيقة عند ترجمة المقالة الإنجليزية الأصلية، ونعتذر عن أي جزئية مفقودة في الترجمة قد تلاحظونها من حين لآخر. نرحب بتعليقاتكم على البريد الإلكتروني التالي reader_input@mckinsey.com

يشعر الموظفون بطبيعة الحال بالقلق أثناء تقييمات الأداء، ويُضاف إلى ذلك اليوم ارتفاع معدلات التضخم والإجهاد ومعدلات التسرب الضخمة التي تشهدها سوق المواهب. يشارك في هذه الحلقة من مناقشات ماكنزي حول المواهب كل من "بريان هانكوك"، و"بيل شانينجر" لمناقشة توجهات المواهب التي تشكل قلقًا للمدراء، وكيفية التعامل معها.

وتستضيف "لوسيا راهيلي" من مركز ماكنزي العالمي للنشر هذه المناقشة.

تم تعديل هذه النسخة الكتابية لغرض التوضيح.

إيضاحات حول الاستقالة الصامتة

"لوسيا راهيلي": نتطرق اليوم إلى مجموعة من توجهات المواهب التي برزت في جميع أنحاء العالم خلال الأشهر الأخيرة. لنبدأ باستعراض ما يسمى بالاستقالة الصامتة. شهدنا تصاعد حالات الاستقالة الاعتيادية كما ذكرنا سابقًا في بحث ماكنزي الأخير حول التسرب الوظيفي. هل لك أن تزودنا يا "بيل" بلمحة سريعة حول استمرار التوجه نحو الاستقالة الصامتة في أسواق العمل اليوم؟

"بيل شانينجر": يواصل الموظفون تقديم استقالاتهم، وأظهرت أحدث بيانات ماكنزي استمرار الارتفاع اللافت في أعداد الموظفين الذين يعتزمون الاستقالة حتى دون وجود وظيفة بديلة. كما بدأت معدلات التسرب المنخفضة التي سجلتها بعض القطاعات، مثل الرعاية الصحية والتعليم، بالارتفاع. وتسببت أزمة كوفيد-19 بأضرار جسيمة في قطاع الضيافة والترفيه، ما يمكن أن يُعزى إلى الأنشطة التي كانت متاحة أو غير متاحة خلال تلك الفترة.

المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية

شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية

تصفح المجموعة

كما نشهد ظاهرة مثيرة للاهتمام، تتمثل في عدم مباشرة الموظفين مهامهم بعد تعيينهم، ما ينسجم من الناحية المعنوية أو الذهنية مع مفهوم الاستقالة الصامتة؛ والتي تعني قيام الموظفين بالحد الأدنى من العمل المطلوب. وحتى في البيئات التي تشهد معدلات تسرب عالية، يبقى هنالك توجه مستتر لدى الموظفين ممن انفصلوا عن بيئة عملهم من الناحية الشعورية وأحيانًا الإدراكية، ولكنهم وما يزالون على رأس عملهم، وهي ظاهرة يمكن أن تكون أكثر سوءًا من التسرب الوظيفي.

"لوسيا راهيلي": ينظر الجيل إكس إلى الاستقالة الصامتة على أنها تهرب من العمل. ولكن ترى بعض وسائل الإعلام هذا المصطلح تعبيرًا سليمًا عن ضرورة إعادة تحديد الممارسات المهنية السليمة التي انهارت خلال فترة أزمة كوفيد-19. ما رأيك "بريان"؟

"بريان هانكوك": يتطلب تحديد الممارسات المهنية السليمة في بيئات العمل الصحية مشاركةَ الموظفين الفاعلة، وامتلاكهم الوقت والمساحة اللازمَين للاستثمار في مشاريع أعمال محفزة. ويُعد تحديد الممارسات السليمة أمرًا جيدًا وصحيًا، بينما توحي الاستقالة الصامتة بعدم اكتراث الموظف في حالة إقالته. ويبقى الموظف عند الاستقالة الصامتة على رأس عمله إلى أن يلاحظ أحد مدرائه انخفاض أدائه، وصولًا إلى قيام قسم الموارد البشرية بإقالته من عمله.

ويستند قسم من ممارسات الاستقالة الصامتة إلى الاستقالة الفعلية، حيث لا يهتم الموظف بالممارسات المهنية السليمة ولا يشارك في العمل، ويفكر في أن مديره لا يراقب أداءه، بينما يستغرق إعداد تقرير الأداء في قسم الموارد البشرية ستة أشهر، لذا يحاول الموظف البقاء في هذا العمل لأطول فترة ممكنة دون بذل أدنى جهد. ويدرك الموظفون جيدًا بأن طردهم من الوظيفة لا يمثل نقطة سوداء في سجلهم المهني بسوق العمل، وإلا فبإمكانهم ببساطة مغادرة العمل قبل موعد الإقالة.

وتحاول فئة صغيرة من الموظفين اليوم استغلال قواعد السوق لتحقيق غايات شخصية في ظل سوق العمل القوية، ما يمثل برأيي ظاهرة مختلفة كليًا عن الأشخاص الفاعلين في عملهم ممن يحترمون الممارسات المهنية السليمة.

دور المدراء

"لوسيا راهيلي": كيف يمكن للمدراء مساعدة موظفيهم على تحديد ممارسات مهنية سليمة، لا سيما خلال هذه الفترة التي تشهد نقصًا في المواهب ويضطر بعض الموظفين لأداء مهام زملائهم المستقيلين؟

"بريان هانكوك": يؤكد نحو 40% من الموظفين اليوم شعورهم بالإجهاد، ما يعكس وجود نسبة كبيرة من الموظفين الراغبين في تجربة أمور مختلفة لتغيير أوضاعهم.

ويمكن للمدراء بدء محادثة ودية مع الموظف تتضمن أسئلة حول أحوالهم والأمور التي تحفزهم للعمل، ومدى ارتباط مهامهم في الشركة مع أهدافهم الشخصية والمهام التي يحاولون إنجازها معًا، فلا بد من التفاعل مع الفريق.

ويلعب المدراء دورًا محوريًا في مساعدة الموظفين على الانسجام مع الهدف ومهام الأعمال اليومية؛ وعرض المساعدة على الموظفين الذين يتولون مهامًا عديدة تفوق طاقتهم، بالإضافة إلى اتباع أساليب تتيح إحداث فارق حقيقي.

وحين يتوانى المدراء عن تقديم الإلهام والقيادة ومتابعة سير الأعمال، فمن البديهي أن يدفع ذلك الموظفين إلى التهرب من العمل لمدة طويلة مطمئنين أن أحدًا لن يلاحظ. ويمكن أن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لتوجيه تنبيه إلى الموظف، ما يمثل استقالة صامتة من جهة، وفشلًا إداريًا من جهة أخرى.

"بيل شانينجر": تتضمن العلاقة المهنية، مثل أي علاقة أخرى، عطاءً متبادلًا، وبمجرد إدراك الموظفين غياب اهتمام المدير بأدوارهم كموظفين أو بمهامهم التي ينجزونها، تتبادر إلى أذهانهم فكرة التسيب الوظيفي.

وحينما يُظهر الموظفون الإهمال واللامبالاة ويحاولون التهرب من مهامهم، فإن ذلك يعود بلا شك إلى الإدارة الضعيفة، لأن تقييم أداء الموظفين من أبرز مهام الإدارة. ولعل إحدى سلبيات المناصب القيادية تتمثل في المسؤوليات تجاه الموظفين.

"بريان هانكوك": إذا حاولنا تقصي أسباب الاستقالة الصامتة لدى الموظفين، سندرك أنها تعود بشكل جزئي إلى انفصالهم ذهنيًا عن وظائفهم ومهامهم وهدف الشركة الأشمل. كما يشعر هؤلاء الموظفون بابتعادهم عن أهدافهم، إذ يقبل الجميع في مرحلة معينة من مسيرتهم المهنية بوظيفة ما، وذلك بهدف الارتقاء منها إلى منصب أعلى، سعيًا منهم للحصول على وظيفة أكثر إلهامًا وجاذبية. ويسارع الموظفون إلى ترك الشركة فور خسارة الفرصة لتحقيق هذا الطموح. ويبقى السؤال هنا حول كيفية بث الحماس فيهم مجددًا، وتحفيز التزامهم تجاه مهمة الشركة وانسجامهم مع بيئة عملها. ويعكس الانتشار الواسع لظاهرة الاستقالة الصامتة شعور الكثير من الموظفين بخسارة هذه الأهداف والطموحات على مدار جزء كبير من مسيرتهم المهنية.

"لوسيا راهيلي": أشارت بعض البيانات التي نشرتها شركة "جالوب" إلى أن مشاركة الموظفين تتركز لدى فئة الشباب من "الجيل زد" و "جيل الألفية" تحت سن الـ 35 عام. فما الدروس التي يمكن استقاؤها من دراسة مراحل الحياة التي أجرتها ماكنزي حول هذه الفئات الشابة؟ وما هي طموحاتهم فيما يتعلق بوظائفهم؟ وما هي الأمور التي يفتقرون إليها؟

"بريان هانكوك": لاحظنا أن الأجيال الشابة أكثر قابلية من غيرهم للدخول في الفئة التي نسميها "الموظف المثالي"، أي الموظفون الأكثر تركيزًا على تحقيق أهدافهم مهما كلف الأمر. إذ لا يمانع هؤلاء الموظفون الحصول على تعويضات منخفضة والعمل لساعات طويلة في وظيفة يثقون بأهميتها والآفاق المهنية التي تتيحها لهم.

وبالتالي لدينا شريحة من الموظفين الذين يسعون إلى أهداف محددة، ويبحثون عن المكان الأنسب لتحقيقها وكيفية إحراز النمو رغم أنهم ما يزالون تحت سن الـ 24.

"بيل شانينجر": كشفت دراسة حول الهدف الفردي أجرتها ماكنزي منذ 18 شهرًا عن الفارق بين الموظفين المثاليين والعمليين. وعندما سألنا الموظفين الشباب حول أهمية الهدف في حياتهم المهنية، أكدوا بشكل حاسم ضرورة امتلاك هدف مبتكر يساهم في إحداث فارق.

إلا أن هؤلاء أظهروا قدرة محدودة على وصف الفارق الذي يرغبون بإحداثه، واكتفوا بشعارات عامة مثل جعل العالم مكانًا أفضل، وتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، والارتقاء بجودة التعليم. وحينما سألناهم حول التدابير التي يعتزمون اتخاذها بشأن هذه الأهداف، تركوا المهمة لنا في مساعدتهم على اكتشاف ذلك. وبمجرد دخول أمر مهم إلى حياتهم الشخصية، مثل الزواج أو ولادة طفل، تصبح الأهداف أقل شمولية وأكثر تحديدًا.

بناء علاقات وثيقة

"لوسيا راهيلي": هل يتحدث عملاؤك عن الاستقالة الصامتة؟

"بيل شانينجر": لم يتطرق العملاء إلى موضوع الاستقالة الصامتة في السابق، ولكنني أؤكد أننا لم نغفل يومًا عن موضوع التكاسل الاجتماعي على مدار أكثر من 22 عامًا من عملي في ماكنزي. ومن هنا نشير إلى تعريف التكاسل الاجتماعي: وهو اعتقاد الموظفين بقدرتهم على الإنجاز بشكل أكبر عند وجودهم ضمن فريق عالي المستوى. وغالبًا ما يتم الاعتماد على هؤلاء الموظفين لإنجاز المهام المختلفة. ولطالما واجهنا هذه الظاهرة في العمل، ويوجد الكثير من الأبحاث التي توضح تأثير عدم مراقبة مسألة التكاسل الاجتماعي على معنويات أفراد الفريق.

وشهدنا ذروة هذه الظاهرة خلال جائحة كوفيد-19، مع انتقال الموظفين للعمل من المنزل وتراجع شعورهم بالتفاعل وانخفاض مستوى رقابة رؤساء، وهو ما يؤكد تزايد مستويات التقاعس عند العمل بعيدًا عن الفريق.

"لوسيا راهيلي": هل ترى أن العملاء يبذلون جهدًا لزيادة التفاعل وخصوصًا في نمط العمل الهجين؟

"بيل شانينجر": تحتم علينا طبيعتنا البشرية التفاعل مع الآخرين والابتعاد عن العزلة. لذا يتوجب على الشركات النظر إلى العمل الشخصي والمباشر على أنه حل وسط وليس حلًا جذريًا. وشهدنا خلال الجائحة العديد من أنماط تسيير الأعمال بين العمل من المنزل بشكل كامل أو من مقر الشركة بشكل كامل، وهي حالة لم تكن مألوفة قبل الجائحة. وأدى هذا الأمر باعتقادي إلى تضرر رأس المال الاجتماعي والعلاقات الوثيقة بين الموظفين وشعورهم بالانتماء لشركاتهم. وأعتقد أنه يجدر بنا بذل جهود مضاعفة لاستقطاب الموظفين مجددًا إلى أماكن العمل، ليس فقط لتسيير الأعمال، بل لتذكير أنفسنا بطبيعتنا البشرية الاجتماعية ورغبتنا الدائمة بالعمل إلى جانب الآخرين.

"تحتم علينا طبيعتنا البشرية التفاعل مع الآخرين والابتعاد عن العزلة. لذا يتوجب على الشركات النظر إلى العمل الشخصي والمباشر على أنه حل وسط وليس حلًا جذريًا".

- بيل شانينجر

"بريان هانكوك": تشكّل الوحدة مشكلة اجتماعية عامة تناولتها العديد من الأبحاث العلمية، مثل العدد الضئيل من الأشخاص الذين يجدون من يرافقهم بعد خضوعهم للفحوصات والعمليات الجراحية. وتنتشر ظاهرة الوحدة بين طلاب الجامعات والوافدين الجدد إلى الوظائف وحتى المدرسين أو الموظفين الدائمين.

ونجح الكثيرون بتكوين مجتمعهم الخاص من خلال علاقات العمل، ولكنّ هذه الحالة تواجه نوعًا من الانحسار بين الفئات العمرية والتراتبيات الوظيفية المختلفة. وتشعر هذه المجموعات برغبة كبيرة في التواصل والتفاعل ولكن بطريقة حقيقية وصادقة، كما يبذلون أقصى طاقاتهم في هذا السياق رغم الشوط الطويل الذي يفصلنا عن إيجاد حل فعال.

"لوسيا راهيلي": أودّ التطرق بشكل معمق إلى بحث رأس المال الاجتماعي الذي يتوافق مع مفهوم الاستقالة الصامتة. كيف تأثر رأس المال الاجتماعي خلال فترة الجائحة العالمية؟

"بريان هانكوك": إن الجانب الملفت في بحث رأس المال الاجتماعي أن جميع أنواع الشرائح الاجتماعية أشارت إلى تراجع علاقاتها الاجتماعية في الوقت الراهن مقارنةً بما قبل الجائحة، وسُجل التراجع الأكبر لدى السيدات والأشخاص من مجموعات اجتماعية متنوعة. ويجدر بنا الوقوف على أسباب هذه النتائج الصادمة رغم وجود أقسام كاملة متخصصة بتحقيق مبادئ التنوع والشمولية والمساواة.

"لوسيا راهيلي": سبق وأن تحدثنا كثيرًا خلال هذا البث الصوتي وغيرها من المنصات حول هذا الموضوع، لذا فأنا أدرك أنكما لا تعتبران العودة إلى الدوام الكامل من المكاتب حلًا فعالًا لإعادة تفعيل العلاقات بين الموظفين. فما هي الحلول الأخرى في متناول العملاء؟ وهل قاموا بتطبيق أي منهجيات فعالة لتسهيل عملية إعادة بناء رأس المال الاجتماعي في بيئات العمل الهجينة؟

"بريان هانكوك": قامت إحدى شركات الاستثمار العالمية بالتأكيد على ضرورة مشاركة الخبرات والمعارف في مختلف المجالات، حيث لاحظت إدارة الشركة أن الموظفين اعتادوا حل المشكلات من خلال الحوارات الشفهية بدلًا عن مشاركة الخبرات والمعارف عن طريق رفعها إلى نظام مركزي رقمي.

وعمدت هذه الشركة إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الفرق المنفصلة، عبر إطلاق برنامج تدريب يتيح للموظفين التحدث مع بعضهم والقيام ببعض النشاطات المسلية مع الالتزام بإنجاز مهامهم. وأدركت الشركة أن الموظفين سيمتنعون عن المشاركة في البرنامج في حال كان مجرد فعالية اجتماعية تقليدية.

"بيل شانينجر": يتعين علينا إعادة تفعيل مفهوم العمل الجماعي لإنجاز المهام بدلًا عن المنهجية الفردية، وذلك من خلال تعزيز النسيج المجتمعي في أماكن العمل بصورة رئيسية.

ملاحظات الأداء السلبية

"لوسيا راهيلي": هل تتوقعان تأثر تقييمات نهاية العام نتيجة ارتفاع معدلات الاستقالة وتراجع القيود المفروضة على تغيير الوظائف أو الإجازات؟ وكيف يتعين على المدراء التعامل مع تقييمات نهاية العام والملاحظات في ظل تزايد نقص الموظفين واقتراب حدوث الفجوة الكبيرة؟

"بريان هانكوك": يسهم تزايد معدلات الاستقالة في الحد من توجيه المدراء للملاحظات الصارمة، والتي تُعد العامل الأهم في مساعدة الأفراد والشركات على النمو والتطور. وأشرنا سابقًا في بحث ماكنزي حول الملاحظات في مكان العمل إلى الإحباط الذي قد يصيب الموظفين المميزين وأفراد الفريق عند تراخي الإدارة بتقديم الملاحظات الصارمة اللازمة.

ويتعين على المدير إعطاء الملاحظات بطريقة سليمة من خلال تبيان النقاط الإيجابية التي حققها الموظف تليها النقاط السلبية، حتى لا يشعر الموظفون بالإحباط منذ بداية الحوار. ولكنّ العديد من المدراء لم يتدربوا على خوض هذا النوع من الحوارات السليمة مع الموظفين، حيث يخشون الدخول في حوار واضح ومباشر قد يؤثر على راتب الموظف. وعادةً ما يتبع المدراء أسلوب الليونة في التعامل مع الموظف، وينتهي بهم المطاف في عدم إجراء حوار يُعد بالأصل ضروريًا.

"بيل شانينجر": يمتنع المدراء غالبًا عن إجراء حوارات قاسية مع الموظفين بسبب خوفهم من خسارة موظفٍ آخر. وشرعنا منذ سنوات عديدة بمتابعة قادة الشركات الذين أعربوا عن إيقاف مراجعات نهاية العام في شركاتهم، حيث قاموا بتطبيق نوع من التقييم الإداري بعد إدراكهم لعدم وجود إمكانية لتمييز جودة العمل بين عام وآخر.

ولم نجد حتى الآن وسيلة لتحويل التركيز على تقييمات نهاية العام إلى حوارات تحسين الأداء على مدار العام. وبالتالي، ستصبح تقييمات نهاية العام حدثًا عاديًا بالنسبة للأغلبية الساحقة من الموظفين، ومجرد موجز للنقاط التي تم التطرق إليها خلال العام.

ورغم تزايد حالات التشتت والاستقالة، لم يتجه قادة الشركات نحو خوض حوارات هادفة للتدريب على الأداء بدلًا عن تعبئة استمارة بسيطة تختزل جهد الموظف.

"لوسيا راهيلي": هل يمكن تقديم الملاحظات عن طريق الأدوات التكنولوجية، بدلًا من إعطائها وجهًا لوجه، بهدف ضمان توجيه ملاحظات بصورة متكررة ومباشرة؟ لا بدّ أن تقديم الملاحظات بواسطة التكنولوجيا أخف وطأة من الجلوس أمام الموظف ولومه على تقصيره.

"بريان هانكوك": يمكن تطبيق هذه الطريقة فيما يتعلق ببعض المهارات والمهام التقنية، مثل أتمتة الملاحظات وتكرارها عند التنويه إلى عدد الأسطر البرمجية التي تحتوي على أخطاء. وتساعد هذه الطريقة على تثبيت مستوى الموظف وتمنحه رؤية أوضح حول الخطوات القادمة. ولكنّ هذا الأسلوب لا يمكن تعميمه على الملاحظات المتعلقة بالجانبين الاجتماعي والعاطفي، التي تستلزم توجيه الملاحظات على شكل حوار مباشر ومليء بالتحديات مع الموظفين. ويتوجب على المدير خوض هذا النوع المعقد من الحوارات مع التركيز على اعتبارات الخلفية الاجتماعية للموظف، وعدم إلقاء اللوم عليه.

ويمتلك بعض الأشخاص مهارة فطرية في خوض مثل هذه الحوارات، بينما يفتقر البعض الآخر لهذه الميزة. ومن الضروري أن يمتلك جميع المدراء القدرة على إجراء حوارات مثمرة حول بعض المشاكل الاجتماعية والعاطفية في مكان العمل، وتدريب الموظفين من خلالها.

"من الضروري أن يمتلك جميع المدراء القدرة على إجراء حوارات مثمرة حول بعض المشاكل الاجتماعية والعاطفية في مكان العمل وتدريب الموظفين من خلالها".

- بريان هانكوك

"بيل شانينجر": شاركتُ منذ حوالي عشرة أيام في إحدى تجارب الواقع المعزز والواقع الافتراضي حول مسألة خوض الحوارات الصعبة، وكان الأمر مذهلًا بالنسبة لي.

"لوسيا راهيلي": يسرّني سماع ذلك.

"بيل شانينجر": لم تكن التجربة مجرد وجود تجسيد رمزي للشخصية، بل كان هناك أحد الأشخاص يتحكم بالتجسيد الرمزي وينطق عنه بالتزامن مع حركة شفاه الشخصية. وأجمل ما في الأمر أنه بإمكانك الرد على التجسيد الرمزي خلال 30 ثانية وكأنه شخص حقيقي، حيث يقدم الشخص الذي ينطق الكلام بعض السيناريوهات الممكنة للرد.

وتعكس هذه التجربة أن الحوارات الفعالة لا تحتاج سوى الممارسة. كما تقدم هذه الآلية مقاربة فعالة للحوار السليم حول مواهب الموظف، والابتعاد التلقائي عن التحفظ أو الانتباه الشديد للنقاط الحساسة.

كنت أظن في بادئ الأمر أن هذه الطريقة مبتذلة، ولكنني سرعان ما تيقّنت بعد 45 ثانية أنها حقيقية بالكامل.

"بريان هانكوك": يا له من خبرٍ رائع.

"بيل شانينجر": يخشى العديد من الأشخاص تلقي أي ملاحظات نقدية، لذا أنصحهم بالاعتياد على تقبّل الملاحظات التي تمنحهم فرصةً للنمو والتطور.

تعويضات الموظفين وعلاقتها بالتضخم

"لوسيا راهيلي": تناولنا في إحدى حلقات البث الصوتي السابقة تقييمات نهاية العام وأهمية توخي العدل والشفافية عند إجرائها، فهل يمكننا اليوم إضافة أفكار مهمة حول هذا الموضوع؟

"بريان هانكوك": تتطلب بعض الوظائف بطبيعتها التعاون مع مختلف فرق العمل والفرق المسؤولة عن المبيعات والابتكار والتمويل، مما يشكل صعوبةً في تقييم أداء هؤلاء الموظفين، ويعرّض المدراء للوقوع في خطأ تكريم الموظفين الأكثر نشاطًا وإهمال المستقلين في عملهم.

وندرك جيدًا أن الرجال يشكلون غالبية الموظفين الذين يعودون إلى مكان العمل، مما يعني أن تكريم الموظفين العائدين مباشرةً قد يؤدي، وعن غير قصد، إلى إهمال العديد من الموظفين الآخرين الذين يفضّلون العمل عن بعد لأسباب عديدة ومتنوعة.

لذا من الأفضل وضع تقييمات محددة وقابلة للتنفيذ حول هذه الوظائف التي تتطلب ترابط العمليات، والتركيز فيها على إجراءات معتمدة ومعطيات قابلة للقياس مثل السلوكيات المحددة، بدلًا من الاعتماد على الانطباعات العامة مثل مهارات العمل الجماعي وغيرها.

ويستلزم تقييم العاملين عن بعد بذل جهودٍ كبيرة للحصول على معلومات الأداء اللازمة ووضع تقييم مفيد وقابل للتطبيق. لذا من الطبيعي أن نرى تقييمات موضوعة بإهمالٍ وبدون تفاصيل كافية في حال كان المدير مرهقًا، ولا يحظى بعدد كافي من الموظفين ويبذل جهودًا كبيرة لإنجاز العمل المطلوب.

كما نرى العديد من الشركات تربط تقديم التعويضات حصرًا بفترات تقييم الأداء. وتخضع أشكال التعويض لتغيرات وتأثيرات كبيرة في وقتنا الحالي، أبرزها تضخم الأجور بشكل عام، وانخفاض علاوات الأجور في نيويورك وسان فرانسيسكو وغيرها من الأسواق التي تفرض تكلفة معيشة مرتفعة. كما نشهد توجهًا متزايدًا نحو توحيد الأجور على مستوى الدول انطلاقًا من إمكانية العمل عن بُعد في معظم وظائف المعرفة.

تشهد طبيعة التعويضات أيضًا تغيرًا مستمرًا، مما يؤكد أن محاولة ربطها بتقييمات الأداء قد يحمل آثارًا كارثية على معنويات الموظفين.

لذا أشجع عملائي على النظر إلى التقييم والتعويض بشكلٍ مستقل، وأن يأخذوا بعين الاعتبار بدايةً جميع الجوانب اللازمة لتقييم الموظفين من أدنى المراتب إلى أعلاها، ثم يحددوا الأجر اللازم بصورةٍ مستقلة كليًا وبما ينسجم مع تضخم الأجور وتوطينها.

وقد يؤدي الربط بين التقييم والتعويض إلى شعور الموظف بالظلم من الجانبين، وتؤكد الحالات السابقة أن التعويض غير العادل يثبط أداء الموظف بشكل أكبر ولفترة أطول من اعتقاده بأن التقييم وحده غير عادل.

"بيل شانينجر": أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء الاستقالة الصامتة.

"لوسيا راهيلي": ما هو برأيكم تأثير التضخم على موضوع تعويض نهاية العام؟

"بيل شانينجر": يتجنب الكثيرون مناقشة تأثير التضخم على تعويضات الموظفين، والذي ينعكس على السلوكيات وأشكال التعامل في بيئة العمل. أما شخصيًا، أفضل التوجه إلى الموظفين بوضوح وشفافية والإقرار بالضغوط التي يفرضها التضخم، ثم الحديث عن تحليل السوق انطلاقًا من التزامنا تجاههم.

ولم أشهد هذه الشفافية على نطاقٍ واسع بعد، رغم أنها تعتبر ضروريةً عند التعامل مع الفرق. ومن ناحيةٍ أخرى، يتطلب تعزيز الأداء الفردي تجزئة التقييم إلى أقسام منفصلة، وتحديد أيّها يرتبط بالتعويض وأيّها لا يرتبط، بما فيها الجوانب المتعلقة بالسوق والشركة والموظف نفسه. لذا ينبغي أن تعتمد المزيد من الشركات هذه الشفافية، لتتيح للعاملين معرفة المزايا التي يستحقونها بجدارة، وتوضح لهم الأسباب الفعلية المحددة للتعويضات، بما فيها تقلبات السوق وأداء الشركة والأداء الفردي للموظفين.

واعتادت الشركات القيام بدردشة صغيرة حول أداء الموظفين كل عام، إلا أن التغيرات التي شهدتها السوق في آخر سنتين تؤكد أهمية تقديم تقييمات رسمية ودورية، قد تكون على أساس ربع سنوي أو حتى شهري للوظائف المطلوبة بشدة، والحرص على تقسيمها إلى الأجزاء التي ذكرناها سابقًا.

"لوسيا راهيلي": استمتعنا للغاية بهذه الجلسة الحوارية معكم. شكرًا جزيلًا.

"بيل شانينجر": يسرني دائمًا التواجد معكم، ولا سيما لقاءنا اليوم على أرض الواقع.

"بريان هانكوك": سُررت بتواجدي معكم اليوم.

Explore a career with us