وفقًا لتقرير ماكنزي الصادر مؤخرًا حول حالة السكان السود في الولايات المتحدة، فإذا ما استمرت معدلات الوعي والاستثمار والتطوير الخاصة بهذه القضية كما هي ودون تغيير، فمن المؤكد أننا سنحتاج لمايزيد عن ثلاثة قرونٍ لنتمكن من تحقيق المساواة العرقية بين السود والبِيض في مختلف المناطق داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
المزيد من الرؤى والتقارير من ماكنزي باللغة العربية
شاهد مجموعة المقالات الخاصة بنا باللغة العربية، واشترك في النشرة الإخبارية العربية الشهرية
في هذه الحلقة من بودكاست ماكنزي، تستضيف روبرتا فوسارو مدير التحرير بماكنزي، السيد جي بي جوليان ، وهو أحد شركاء ماكنزي والقائد بمعهد ماكنزي للتنقل الاقتصادي للسود، ليناقشا معًا بعض الحقائق المتعلقة بحالة السكان السود المتواجدين في مناطق جغرافية مختلفة مثل ( المركز الحضري، الضواحي والضواحي الخارجية، المنطقة الوسطى المختلطة، والمناطق الريفية ذات النمو المنخفض ) ، وذلك في محاولةٍ لاستكشاف ما يمكن القيام به من تدابير لسد هذه الفجوة العرقية.
الحاجة إلى الازدهار، وليس مجرد البقاء على قيد الحياة
روبرتا فوسارو: ما هي المعايير التي يستند إليها التقرير في تحديد مستويات الرخاء والرفاهية المقبولة؟
جي بي جوليان : في البداية ،يجب التنويه إلى أن التقرير يركز على الإجابة عن سؤالٍ أساسي، وهو: "إلى أي مدى يمتلك السكان السود مقومات النجاح؟" ولإجابة هذا السؤال ، قمنا بوضع أُطرٍ بحثية تركز على مجموعةٍ محددةٍ من التطلعات والاحتياجات الأساسية لأي أسرة ، بغض النظر عن العرق.
و يتضمن هذا البحث رصد لكل مايلزم الأسرة من احتياجات المعيشة الأساسية دون عوزٍ أو فقر . مثل توافر فرص العمل – خاصة لأولائك الذين لديهم قدرة على إحراز التقدم الوظيفي– ، بالإضافة إلى الرعاية الصحية ،البدنية والعقلية على حدٍ سواء ، و توفير المسكن المستقر الآمن بأسعارٍ مناسبة ، سواءً كان مستأجر أم مملوك ،إلى جانب محاورٌ أخرى للبحث.
ومن ثم نلقي نظرةً شاملةً على مدى قدرة السكان السود على تحقيق تطلعاتهم ، سواء كان ذلك بشكلٍ مطلق أو نسبي ، وفي مختلف الأنماط والشرائح المجتمعية . ومدي مطابقة ذلك للنتائج التي توصل إليها البحث.
كما أننا قمنا في هذا البحث بدراسة النمط السلوكي للسكان السود بالمقارنة مع جيرانهم البِيض . ولعل أكثر ما تميز به هذا البحث ، أنه شمل 3000 مقاطعةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية ، مما ساعدنا كثيرًا على إدراك أهمية المكان وتأثيره على مُخرَجات هذا البحث .
ضواحي المدينة توفر المزيد من الاستقرار
روبرتا فوسارو: إن من أهم النتائج التي كشفها البحث وأكثرها إثارةً ، تلك التي تشير إلى أن ضواحي أمريكا سجلت تحقيق أفضل توازن بين المكاسب الإيجابية العامة والمساواة بالنسبة للسكان السود .. فما هي العوامل التي تضمن للسكان السود الحصول على مكاسب إيجابية في مجتمعات الضواحي ؟
جي بي جوليان : أعتقد أن السبب في ذلك يرجع لعاملين مهمين ، الأول هو قرب هذه الضواحي وارتباطها بالمدن الكبيرة ومراكز النمو الاقتصادي ، حيث يقع أكثر من نصف هذه الضواحي [والضواحي الخارجية] بالقرب من هذه المناطق التي توفر أعلى ناتج محلي إجمالي للبلاد، مما يعني أنها توفر فرصًا للعمل ولحياةٍ مهنيةٍ أكبر . ومن المؤكد أن السكان الذين يعيشون في هذه الضواحي سواءً كانوا من أصحاب البشرة السوداء أم البيضاء ، فإنهم سيستفيدون بالتأكيد من هذه الفرص التي يوفرها هذا الاقتصاد المتنامي بقطاعاته المختلفة ، فضلًا عما تتيحه هذه الضواحي أيضًا من فرصٍ حقيقة لوصول السكان إلى المزيد من المؤسسات والشركات وتكوين العديد من العلاقات التي تمكنهم من إظهار إبداعاتهم وأفكارهم .
وبالإضافة إلى ميزة القرب، فإن هناك أيضًا ميزةٌ أخرى يتمتع بها السكان السود في هذه الضواحي ، ألا وهي تَجنبهم لبعض تحديات العيش في المدينة: كارتفاع تكاليف السكن والمعيشة بشكلٍ عام، بالإضافة إلى العديد من التحديات الأخرى التي تواجه ميزانيات المدن المالية .
أما العامل الثاني فهو التاريخ. فلا يخفى على أحدٍ أن الضواحي الأمريكية [والضواحي الخارجية] كانت هي القاعدة التي أَسست عليها أمتُنا استثمارها التاريخي في بناء الطبقة الوسطى.
وبالرغم من أن الحقائق التاريخية تؤكد أن العديد من هذه الضواحي لم يكن متاحًا للسكان السود الإقامة بها ، إلا أن السِّمات التي تميزت بها هذه الضواحي – مثل الجودة العالية للمدارس والمرافق الحيوية، وتملك المنازل بأسعار معقولة – قد ساعدت العائلات من أصحاب البشرة السمراء ساكني هذه الضواحي على تحقيق نتائج خلال السنوات الأخيرة بدت أفضل من نظرائهم المتواجدين في ضواحٍ أخرى . وعلى الرغم أيضا من أن هذه الفئة من السكان قد حققت بالفعل تحسنًا ملحوظًا في تلك الضواحي ، إلا أن معدلات هذا التحسن لا تتعدى 64 في المائة من نتائج السكان البِيض في ذات الضواحي .
ووفقًا للإحصائيات فإن 12 في المائة فقط من سكان الضواحي هم من أصحاب البشرة السمراء، بينما تبلغ نسبة السكان البِيض حوالي 19 في المائة، و17 في المائة من جميع سكان الولايات المتحدة . لذلك فإن وضع السكان السود في الضواحي يشهد تحسنًا، ولكن ليس بالقدر الكافي، خاصةً فيما يتعلق بالتمثيل العادل.
روبرتا فوسارو: دعنا نلقي نظرة على النصف الآخر من الكوب . في أي المقاطعات داخل الولايات المتحدة تتركز التحديات؟
جي بي جوليان : تعد المجتمعات والمقاطعات الريفية هي أكثر المناطق تحديًا بالنسبة للسكان السود ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى صعوبة البيئة الاقتصادية هناك ، حيث لا تتوافر فرص العمل بشكلٍ كافٍ ، إلى جانب عدم ملائمة هذه البيئة لرواد الأعمال والمبتكرين ، مما يخلق تحدياتٍ بالغة الصعوبة للسكان السود خاصةً ،[ بل ولجميع السكان بشكلٍ عام ]، مما يُعيق تحقيق النجاح على المستوى الاقتصادي.
تعد المجتمعات والمقاطعات الريفية هي أكثر المناطق تحديًا بالنسبة للسكان من السود ، ويرجع السبب في ذلك إلى صعوبة البيئة الاقتصادية هناك
تقليص الفجوة الاقتصادية
روبرتا فوسارو: لقد ورد في التقرير أمرٌ مثيرٌ للاهتمام ، وهو أنه لسد هذه الفجوة ، فإن الأمر سيتطلب منا "ثلاثة قرونٍ حتى تصبح الأماكن التي تحقق أسوأ النتائج بالنسبة للسكان السود على قدم المساواة مع غيرها من الأماكن التي تحقق أفضل النتائج بالنسبة للسكان البِيض اليوم". فمن أين نبدأ إذا أردنا المساعدة في تقليص هذا الإطار الزمني؟
جي بي جوليان : إنها بالفعل نتيجةٌ مربكة بعض الشيء . ولكن قبل أن نناقش كيفية تقليص تلك الفجوة ، أود أن أُطلعك على بعض الأخبار الجيدة، حيث أكدت آراء السكان من أصحاب البشرة السمراء في 73 في المائة من المقاطعات الأمريكية التي درسناها ، وجود تحسنٍ ملحوظٍ على مستوى النتائج بشكلٍ عام خلال العقد الماضي.
بينما يظل التحدي الذي نواجهه الآن، والذي يحدث فارقًا زمنيًا في نهاية المطاف يصل إلى 300 عام ، هو أن نسبة المقاطعات التي قد شهدت تقليصًا في الفجوة العرقية لديها ، تقل عن النصف ، وهي بالقطع نسبةٌ قليلة ، مما يعنى أن الفجوات تتسع في نسبةٍ كبيرةٍ من المقاطعات ، ليست المشكلة في أننا لا نحقق تقدمًا في نتائج السكان السود ، بل تكمن المشكلة الحقيقية في عدم قيامنا بذلك بالسرعة الكافية .
الأمر الذي يؤدي إلى عدم التكافؤ بين أصحاب الأعراق المختلفة من جوانب عدة ، سواءً كان ذلك في تحقيق الثروة أو الحصول على فرصٍ للعمل أو رأس المال الاجتماعي . فمما لا شك فيه أن مستقبلك وما يمكن أن تصل إليه ، إنما يعتمد بشكلٍ كبير على نقطة انطلاقك . ففي بلدٍ كبلدنا تتعدد العيوب والمزايا حقًا . أما فيما يتعلق بسد تلك الفجوة ، فيجب أن نسأل أنفسنا أولًا: ما هي الطرق الممكنة لتقليص هذه الفجوات حتى نضع مختلف الفئات من السكان على قدم المساواة؟
مما لا شك فيه أن مستقبلك وما يمكن أن تصل إليه، سواءً كان ذلك في الثروة، أو الفرص، أو رأس المال الإجتماعي، يعتمد بشكلٍ كبير على نقطة انطلاقك.
مكان إقامتك يؤثر على طريقة معيشتك
روبرتا فوسارو: إلى أي مدىً يمكن أن يساعد توفير المسكن بأسعارٍ معقولة في تقليص هذه الفجوة؟
جي بي جوليان : بالتأكيد .. يُعد توفير المسكن بسعرٍ مناسب عاملٌ أساسيٌ في تقليص هذه الفجوة ، وذلك لسببين ، الأول : هو سببٌ اقتصاديٌ بحت ، فالمسكن يعد أضخم بنود الإنفاق لدى الأسرة .. حيث ينفق قرابة نصف عدد السكان الأمريكيين ما يزيد عن 30 في المائة من دخلهم على الإيجار، بينما يُنفق عليه ربع السكان أكثر من نصف دخلهم . أما بالنسبة إلى السكان السود ، فإن حوالي 60 في المائة منهم ينفقون مايزيد عن 30 في المائة من دخلهم على بند الإيجار وحده ، فيما ينفق 30 في المائة منهم مايزيد عن نصف دخلهم على هذا البند.
أما السبب الثاني ، فهو العامل الجغرافي . حيث يؤثر محل إقامتك بشكلٍ مباشر على الفرص والتحديات التي قد تواجهك خلال رحلة حياتك ، ومنها حصولك على ظيفتك، والنظام التعليميّ الذي تلتحق به ، واحتمالية تعرضك للعنف ، وما يحتويه محيط إقامتك من ملوثات، وما إلى ذلك. ومن خلال تجربتي الشخصية، فقد لمست بالفعل حجم التأثير الذي يُحدثه محل إقامة الإنسان على مختلف مناحي حياته . وبالتأكيد قد يكون المستمعون لمسوا ذلك أيضًا.
لذلك دعوني أحدثكم قليلًا عن نشأتي ، والتي تعد أقوى دليلٍ على تأثير محل السكن وانعكاسه بشكلٍ مباشرٍ على حياة الفرد . لقد نشأت في أسرةٍ مكونةٍ من أبٍ وأمٍ وخمسة أطفال ، وكنا نسكن في مقاطعة "إسكس" بولاية "نيو جيرسي"، بعد أن هاجر إليها والديّ آتيان من مقاطعة "ترينيداد" ، لقد هاجرا وها يحملان آمالًا كبيرة لهما ولعائلتهما ، حتى اصطدما بأرض الواقع ، لقد اضطررنا لقضاء أول تسع سنواتٍ من حياتنا هناك في بيئاتٍ اقتصاديةٍ صعبة ،حيث سكنّا في أحياءٍ تتراوح معدلات الفقر فيها من ضعفٍ حتى ثلاثة أضعاف متوسط الولاية .
وكانت المقاطعة تفتقر للاستثمارات التجارية بشكلٍ كامل . كما لم يتوافر لدينا الطعام الجيد . وعندما بلغت التاسعة من عمري، انتقلنا نحو عشرة أميالٍ عبر طريق الحديقة السريعة إلى ضاحيةٍ من الطبقة المتوسطة . وفجأةً، تحسنت مقومات معيشتنا ، وهو ما رأيناه جليًا في مستوى جودة المدرسة ، كما قلّت مدة انتقال أمي لعملها بحوالي ساعة ، بالإضافة لذلك كان يتوفر في الضاحية متجرٌ للبقالة ، ومصرفٌ يبعد عنا دقائق معدودة فقط .
والحقيقة ، أن كل ذلك ما كان ليحدث لولا ما قام به والديّ وعمتي وعمي ، الذين جمعوا أموالهم ومدخراتهم وقاموا بشراء منزلٍ يتسع لأسرتين معًا في إحدى الضواحي . وكطفلٍ في التاسعة من العمر، لاحظت على الفور كيف ساهم تغير مكان الإقامة في إحداث فارقٍ جوهري في جودة الحياة . لقد كان له تأثيرٌ مذهل . فنحن عادةً ما نقول بأن "المكان يعتبر عاملًا مهمًا في تحقيق التحرك الاقتصادي" وهو ما يعني تحقيق التقدم على المستوى المالي والاجتماعي ، والاقتصادي بشكلٍ عام. ولكن في حقيقة الأمر يعتبر المسكن هو العامل الأساسي في ذلك ، وبالتالي ونحن نبحث الحلول، يجب أن يأتي المسكن على رأس أولوياتنا إذا أردنا بحق تغيير النتائج .
الازدهار يبدأ من المدارس
روبرتا فوسارو: إن ذلك يذكرني بالأبحاث المتعلقة بالتأثير السلبي للمناخ في بعض أجزاء ولايات الجنوب الشرقي ، والتي يسكنها عددٌ لا بأس به من السود.
بالعودة إلى تقرير السكان السود، كيف يمكن أن يساهم دعم منظومة التعليم ، خاصةً في مرحلة الطفولة المبكرة ، في تقليص الفجوة بين الطلاب السود وزملائهم من البِيض؟
جي بي جوليان : ندرك تماما أن ارتفاع جودة التعليم في المراحل المبكرة ، يزيد من احتمالية التحصيل الدراسي في المرحلة الثانوية والجامعية ، كما يؤدي أيضًا إلى انخفاض معدلات إدمان المواد المخدرة وارتياد السجون ، ومما لا شك فيه أن كل تلك الأمور الإيجابية ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدلات الرفاهة الاقتصادية .
ورغم ذلك فإن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يعد عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على الأسر صاحبة البشرة السمراء ، حيث يختار حوالي نصف هذه الأسر دفع تكاليف رعاية الأطفال ليتمكنوا من الذهاب للعمل . الأمر الذي يكلفهم حوالي 23 في المائة من دخلهم ، بينما تُنفق الأسر البيضاء حوالي 15 في المائة فقط من دخلهم على هذا البند - وهي نسبةٌ كبيرةٌ من دخل الأسرة - ولهذا الأمر بُعدٌ آخرٌ شديد الأهمية ، فغالبًا ما تجد الأسرة نفسها أمام اختيارٍ صعب ، حيث يصبح عليهم المفاضلة بين دفع تكاليف باهظة لرعاية الأطفال ليتمكنوا من الذهاب للعمل ، أو البقاء في المنزل لرعاية الأطفال وتوفير تلك المبالغ ، والإختيار الأخير هو ما يؤدي في النهاية إلى أمرٍ مؤسفٍ وهو خروج النساء من سوق العمل .
تأثير جائحة" كوفيد-19"
روبرتا فوسارو: بعد ظهور فيروس "كوفيد-19"، تم إغلاق العديد من مراكز رعاية الأطفال . فهل تم تضمين التأثيرات الاقتصادية لكوفيد-19 في هذا التقرير؟ وهل اطلعت على أي بياناتٍ بهذا الصدد؟
جي بي جوليان : نعم .. كانت هناك بياناتٌ تؤكد وجود فجوةٍ في متوسط الأعمار بين السكان السود و البِيض ، بل أنها ازدادت بأكثر من عامين ، حيث أصبحت تقل أعمار السكان السود عن نظرائهم البِيض بــ 5.6 سنوات في المتوسط ، ولا شك أن أحد العوامل الرئيسية في ذلك ، هو التأثير القوي للجائحة على أصحاب البشرة السمراء .
وكما ذكرت سلفًا ، فإن إغلاق مراكز رعاية الأطفال أو حتى مجرد عدم زيادة قدرتها الاستيعابية ، قد كان له تأثيرٌ كبيرٌ على قرارات الأسر فيما يتعلق بالمشاركة في سوق العمل . وبالتالي فإن نظام رعاية الأطفال المُجهد من الناحية المادية ، قد يدفع الأسر إلى عدم اللجوء إلى خيارتٍ مدفوعة ، مثل مراكز رعاية الأطفال ، حتى يستطيعون إدارة مسؤولياتهم المنزلية والعملية .
وفي اعتقادي الخاص ، كوني أبٌ لطفلين ،فإنه من المستحيل إحداث هذا التوازن بين الاهتمام بالأطفال و العمل في آنٍ واحد ، حتى إن كان هذا العمل يتم عن بُعد . ولعل هناك جانبٌ مشرقٌ لهذه الجائحة ، وهو إدراكنا لمدى هشاشة نظام رعاية الأطفال في بلدنا .
وانطلاقًا من ذلك ، فقد رأى بعض المستثمرين في هذه التحديات فرصًا واعدةً للاستثمار في هذا المجال ، لدعم العائلات في إتمام مهمتهم التربوية دون أن يدفعهم ذلك إلى تركهم لأعمالهم ، وحتى يصبحون جزءًا من سوق العمل بطريقةٍ مستدامة وطويلة الأمد .
حلول القطاع العام والخاص
روبرتا فوسارو: هل من الممكن أن تذكر لنا أمثلةً لبعض المؤسسات التي بدأت بالفعل في اتخاذ خطواتٍ جادةٍ للقضاء على الفجوة والفارق في النتائج بين العاملين لديها من السود والبِيض ؟
جي بي جوليان : على مستوى القطاع العام ، أذكر مبادرة "فريسنو" للتنمية ، التي تم إطلاقها في ولاية كاليفورنيا قبل خمس سنواتٍ تقريبًا ، حيث تمت بجهودٍ مشتركة بين أصحاب الشركات الكبرى، والحكومة ، وبعض نشطاء المجتمع . وكانت كل هذه الجهود تحت قيادة مؤسسة "الوادي الأوسط المجتمعية"، لتحقيق عدة أهداف رئيسية ، هي: تعزيز النمو الاقتصادي المستدام ، وخلق فرصٍ أفضل للعمل ، بالإضافة إلى تحقيق التنوع والشمولية في المدينة . وحتى تحقق تلك المبادرة مساعيها ، لقد تم إطلاق حوارٍ مجتمعيٍ موسع ، شمل كافة أطياف وفئات المجتمع بالمدينة ، وذلك لوضع أهم الأهداف التي يجب العمل عليها لتحقيق مستقبلٍ أفضل للمدينة وسكانها دون تمييز ، وكان من أهم الموضوعات التي أثارها السكان في هذا الحوار المجتمعي ، هي ضرورة تركيز الجهود على منظومة التعليم منذ الصغر وحتى الالتحاق بالوظيفة. الأمر الذي يتعين معه تحسين جودة التعليم المبكر ، و المدراس ،إلى جانب تطوير التعليم الفني والتقني . لضمان توفير فرص تعليم عالي الجودة للسكان كافة. كما أبدى السكان اهتمامًا آخر بأهمية توفير المسكن الملائم بأسعارٍ تناسبهم ، إلى جانب كشفهم عن آمالهم في ضخ استثماراتٍ تعزز من الاقتصاد المحلي للولاية والقائم على النشاط الزراعي بالأساس .
وكان أكثر ما أثار إعجابي في هذه المبادرة ، هو أنها كانت عمليةً ذاتية التنظيم ، حيث تمكن المجتمع من المشاركة بصوته في تجديد أولوياته واحتياجاته ، بدلًا من أن تأتى جهةٌ خارجية أيًا كانت لتقرر عن المجتمع . فقد تمكن منظمي المبادرة من إشراك أكبر قدرٍ ممكنٍ من السكان في عملية التخطيط واتخاذ القرار ، مما أدي إلى رغبةٍ قويةٍ من الجميع للمشاركة في التغيير وصنع المستقبل .
وهناك مثالٌ آخر يجسد أهمية الولاء والالتزام تجاه المكان ، فعندما فكرت شركة "ديسكفر فاينانشيال" (ديسكفر كارد) في افتتاح مركزٍ جديدٍ لخدمة عملائها ، تعاملت مع هذا الأمر بذكاءٍ شديد ، حيث تحولت الغاية حولت من مجرد تقليل الفجوة العرقية ، إلى فرصةٍ استراتيجيةٍ تعزز من أعمالها، فقامت الشركة بالفعل بضخ استثماراتٍ جديدة لإنشاء موقعٍ جديدٍ لها بالجانب الجنوبي من ولاية "شيكاغو"، وقد تم بالفعل افتتاحه في أغسطس 2022 .
لقد كان هدفهم من افتتاح المركز الجديد توفير حوالي 1000 فرصة عمل . إن ما يميز هذا المشروع حقًا هو أن أكثر من 80 في المائة من الموظفين يسكنون على بعد خمسة أميالٍ من هذا المركز ، مما يقلل من وقت التنقل بالنسبة لهم ويسمح للأسر بقضاء وقتٍ أكثر مع أطفالهم . لقد انعكس ذلك بشكلٍ إيجابيٍ على الموظفين ، مما أدى لاحتفاظهم بوظائفهم وحرصهم على تحقيق رضا العملاء . ومما هو جديرٌ بالذكر ، أن هذه الشركة قدمت أنواعًا مختلفة من الاستثمارات الفعلية التي لم تكن موجودة في هذا المجتمع من قبل .
الثروة من منظورٍ مختلف
روبرتا فوسارو: على الرغم من وجود مؤشراتٍ تدل على تحسن جودة الحياة العامة بالنسبة للسكان من ذوي البشرة السمراء ، إلا أن الفجوة العرقية لا تزال موجودة . وكما تحدثنا سابقًا فإن الإطار الزمني اللازم لسد هذه الفجوة طويلٌ للغاية . وسؤالي هو: ما الذي يحدث بداخل أوساط المجتمعات البيضاء ويؤدي لاستمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية هناك؟
جي بي جوليان : فيما يتعلق بمسألة الوقت التي تطرقنا لها في السابق ، أعتقد أن هذه الإطار الزمني الطويل هدفه الرئيسي هو تعويض الفوائد المتراكمة . ولنأخذ مثالًا على ذلك ، لقد أكد أحدث استطلاعٍ للثروة صدر عن الاحتياطي الفيدرالي ، والذي يقومون به كل ثلاث سنوات ، أن ثروة السكان السود قد زادت من 27000 دولارٍ ، إلى حوالي 45000 دولار ، وهو أمرٌ جيدٌ بالفعل .
وبالرغم من أن نتائج هذا الاستطلاع كانت جيدةً للسكان السود ، إلا أن استطلاع حجم نمو ثروة السكان البِيض يؤكد حجم الفجوة الكبير، حيث ارتفع متوسط ثروة الأسر من ذوي البشرة البيضاء من 218000 دولار ، إلى حوالي 285000 دولار . وهو ما يؤكد أن معدل نمو ثروات السكان البِيض أسرع بكثيرٍ من نمو ثروات السكان السود.
ويعود جزءٌ من هذا الفارق إلى بند الممتلكات من الأسهم وحقوق الملكية ، والتي تمثل حوالي 30 في المائة من ثروة الأسرة البيضاء ، بينما تمثل ذات الممتلكات نسبة 4 في المائة فقط من ثروة الأسرة السمراء . وبذلك يزداد الغني غنىً ، ومن هنا تتسع الفجوة . و نحن بالتأكيد لا نرغب أبدًا أن تسوء أحوال السكان البِيض ! وإنما نطالب بأن يتم ضخ استثماراتٍ تساعد السكان السود في التغلب على تحديات البداية ، والتي ندرك جميعنا أنها تكون أكثر التحديات صعوبةً بالنسبة لهم .
تقدمٌ بطيء
روبرتا فوسارو: بشكلٍ عام، هل ترى أن الحالة الاقتصادية بالنسبة للسكان السود تسير في الاتجاه الصحيح ؟
جي بي جوليان : أعتقد أن جوابي سيكون بــ "نعمٍ" و "لا" في ذات الوقت . "نعم"، لأننا رأينا بالفعل تقدمًا حقيقيًا على أرض الواقع ، فقد شهدت 73 في المائة من المقاطعات الأمريكية تحسنًا ملموسًا . وهو ما ظهر جليًا عند مقارنة بيانات عام 1990 ببيانات اليوم ، حيث كان قرابة ثلث السكان من الأسر السمراء يعيشون تحت خط الفقر في ذلك الوقت، أما الآن فإن هذه النسبة اليوم تقل عن 20 في المائة فقط ، ويعد هذا تقدمًا يجب الإشادة به .
أما عن إجابتي بــ "لا" ، فترجع إلى أن عددًا قليلًا من المقاطعات ، - يقل عن النصف - هي فقط التي شهدت تقليصًا في حجم الفجوات العرقية بها . بل وأكثر من ذلك ، فقد لاحظنا تراجعًا في نتائج السكان السود في بعض المجالات ، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين العرقين في مجالاتٍ بعينها داخل بعض المقاطعات . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، انخفضت نسبة مالكي المنازل بين السكان السود إلى 44 في المائة بعد أن كانت حوالي 58 في المائة في عام 1980 . وكما يعرف الجميع فإن تملك المنازل يعد أحد آليات بناء الثروة ، لذلك لا نرى هنا تقدمًا ، بل نرى حركةً عكسية تشكل في حد ذاتها تحديًا كبيرًا .
حقيقةٌ صادمة حول علاقة العرق بالمكان .
روبرتا فوسارو: هل من بياناتٍ أو نتائج أخرى مثّلت لك نوعًا من الصدمة عند قراءة التقرير؟
جي بي جوليان : نعم هناك أمرٌ لافتٌ للانتباه ، وهو أن السكان من ذوي البشرة السمراء لا يحرزون أي تقدمٍ على جيرانهم من البِيض في أي مقاطعةٍ على مستوى الولايات المتحدة بالكامل ، حتى أن البيانات قد أظهرت أن أقل من 0.1 في المائة من السكان السود في مقاطعة ما ، هم فقط من أحرزوا نتائج جيدة بلغت 90 في المائة أفضل من نظرائهم البِيض ، وهو ما يؤكد كِبر حجم الفجوة ومحدودية الفرص المتاحة للأفراد في مجتمعات السود في مختلف المواقع الجغرافية في أمريكا . ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على واقع أليمٍ من عدم المساواة العرقية .
لا يحقق السكان السود أي تفوقٍ على جيرانهم البِيض في أي مقاطعةٍ بأمريكا.
ومن وجهة نظري، فإن نتائج هذا التقرير تدق ناقوس الخطر، فإذا كنا نرغب حقًا في تغيير هذا الواقع ، فعلينا حتمًا مواجهة هذه القضية والتعامل معها مباشرةً دون مواربة وبكل جرأة .
روبرتا فوسارو: كيف يجب على الجهات المعنية الرئيسية ، سواءً القطاع العام أو القطاع الخاص، أو قادة المجتمعات من السود ، الاستفادة من هذا التقرير؟ وما الذي يجب عليهم فعله إزاء النتائج التي تم التوصل إليها؟
جي بي جوليان : إن هذا البحث بما احتوى عليه من نتائج إنما هو مرآةٌ للواقع ، فهو يضعنا أمام حقيقةٍ واضحة ، وهي أن أمريكا لم تتجاوز العنصرية بعد .
وإن أردنا أن نُحدث تغييرًا فعليًا ، فلابد لنا أن نعترف بوجود هذه الاختلافات وهذا التمييز ، حيث أن أولى خطوات تصحيح المسار الاعتراف بالخطأ بدلًا من تجاهله و إنكاره . وعندها فقط يمكننا الرؤية بوضوحٍ و وضع استراتيجية عملٍ منظمة لعلاج هذه المشكلة بشكلٍ فعال .
وهناك أيضًا نتيجةٌ هامة قد توصلنا إليها من هذا البحث ، وهي أن التقدم الاقتصادي عادةً ما يكون نتيجةً للاستثمارات الكبيرة والمستدامة في القطاعين العام والخاص . و سواءً كان هذا الاستثمار في مجال العقارات ، أو التعليم العالي ، أو تجاوزها لمجالاتٍ أخرى كالابتكار وريادة الأعمال ، فإنه وبكل تأكيد سيلعب دورًا محوريًا في تقليص الفجوات العرقية ، وتعزيز النمو الاقتصادي .
وفي النهاية، آمل أن يكون هذا التقرير عاملًا محفزًا للبدء في العمل على هذه المشكلة لتغيير واقعنا إلى الأفضل .